Skip to main content

Full text of "نهر الذهب في تاريخ حلب"

See other formats







7 عرزي 
عي مي 1 لين 
فِبَا محلب 
0 تكاليث 
كام بال حلي الشهيرالكري 


الجكزءالثالت 
رك اه ا رع سس سي ٠.‏ 
قم له وصفج هوعلق عليه 


59-2 للا كرون اغوي 


َارالقكَ لون يحَلَتَ 


كلمة لا بد منها 

بهذا الجزء الثالث من «نهر الذهب» ينتهي الكتاب » وقد تأخر 
ظهوره قليلا بسبب عزم الناشر على طباعة الكتاب بطريقة التنضيد 
الضوئي بدلا من طريقة التصوير التي تبقي متن الكتاب كما كان عليه قبل 
سبعين سنة خلت. وهكذا قمت بتحقيق الجزء الأول ومراجعته والتعليق 
عليه. كما قام الدكتور شوقي شعث بمثل ذلك في الجزء الثاني » على ما 
تقتضيه الطرائق العلمية. 

هذا » وقد تابعت العمل في هذا الجزء الثالث ‏ الذي ينتهي به الكتاب ‏ 
بالطريقة نفسها التي سرنا عليها في الجزءين السابقين » وحرصت على 
تفسيم المتن إلى فقرات رئيسية » وعلى الاهتمام بعلامات الترقيم في 
مواضعها المناسبة » لأن الكتاب أصلا يكاد يخلو منها. 

وقد تكونت لدي خلال ذلك جملة من الملاحظات المتعلقة بهذا الجزء 
خاصة. رأيت ذكرها ضروريا ء وأنا أجملها فيما يلي : 

[ ع السك القارى جتجحامة الضرم الثالك ٠»‏ الفياس: إلى سشاقيةة: 
وسبب ذلك أن المؤلف ‏ رحمه الله - تحدث فيه عن تاريخ حلب والحوادث 
التي طرأت فيها منذ الفتح الإسلامي » سنة سنة » على طريقة الطبري وابن 
الأثير في تاريخيهما » حتى سنة 1338 ه »ء الموافقة لسنة 1920 م. زد 
على ذلك أنّ المؤلف استطرد كثيرا إلى ذكر حوادث لا تتصل بتاريخ حلب 
مسقل كلامة علدئ الإنكتسازية »:وأسنات الؤلازل + والحرب العامة 
«الأولى» » وتاريخ بني عثمان » والدولة الفرنسية. وكذلك إفاضته في 
الكلام على الحوادث التي عاصرها » أو كانت قريبة من عصره. 

2 -فى هذا الجزء أغلاط مطبعية كثيرة » غير ما ذكره المؤلف فى 
جدول إصلاح الغلط ؛ المثبت في آخر الجزء. وبعضها كان ترخصا من 
المؤلف في الكتابة » وعدم الالتزام بطريقة واحدة في الرسم. 


وقد صححت الأغلاط المطبعية والإملائية كلها » ولكني لم أشر في 
الهوامش إلا إلى المهمّ منها. أما ما كان من أسلوب المؤلف في الكتابة » 
ومن لغته وإنشائه » فقد أبقيته كما هو ؛ لأن المؤلف أشرف على طباعة 
الكتاب بنفسه فهو بمنزلة النسخة الخطية الخاصة به. ولذا علقت على تلك 
المواضع » أو أشرت إليها » لئلا يظن القارئ أنها أغلاط مطبعية. ولم أبدّل 
في النص أو أتصرف فيه إلا إذا كان شعرا مضطرب الوزن » أو كان نثرا 
منقولا » أصابه التحريف أو النقص في النقل » فعندئذ أقوّم الوزن أو أصلح 
التحريف والنقص بعد العودة إلى المصدر الأصلي . مع الإشارة إلى ذلك 
في الهوامش. وقد وضعت بين مربعين ما زدته من أجل تقويم النص 
واستقامة التركيب. 

3 - ينفرد هذا الجزء الثالث بأن المؤلف أثبت فيه بعض الحواشى » 
وهى قليلة +-فذيلقها بكلمة «المؤلف#ادثلا تخلط يغير ها مواغاة للأمائنة 
العلمية. 

4 لا يلتزم المؤلف برسم واحد معتمد لأعلام المدن والأشخاص » أو 
للكلمات الأعجمية » فتقرأ فى هذا الجزء مثلا : «الإنكشارية » واليكجرية» 
هما اسماق دأو لفظان” الفسكق واعد» وكذلك يلذة ررادنة الترركية #قرد 
عنده بعدة أشكال أخرى : «أذنة » آذنةء أطنة 100 ومثل ذلك ٠:‏ 
«الأرناووطء. الأرناوود »ء الأرناودء الأرناوط» و «طولمبة » طلنبة» 
يعني المضخة ... إلخ. وقد تركت ذلك كله على ما هو عليه واكتفيت 
بالإشارة إليه هنا ء بغية الاختصار » وإزالة لما قد يعتري القارئ من شكٌ 
أو التباس » إزاء تعدد الصور في رسم الكلمة الواحدة. 

5 بعض الكلمات الغريبة وهي قليلة جدا ‏ كانت تتكرر في 
صفحات هذا الجرّء : فكنتث أعيد شرحها ثانية باختصار بدلا من الإحالة 
على صفحة سابقة » خدمة للقارىء المتعجّل. 

تلك هي جملة الملاحظات التي بدت لي في هذا الجزء. والله الهادي 
إلى سواء السبيل. 

حلب 5 / 12 / 1991 محمود فاخوري 


بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله الباقي وكل ما سواه فان » المحيط واسع عمله بما يكون » 
وما قد كان » والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على خيرة بني الإنسان 
وتابعيهم بإحسان » ما توالى الجديدان وتعاقب الحدثان. 

وبعد ء فيقول العبد الفقير إلى الله كامل بن حسين بن محمد بن 
الذهب في تاريخ حلب) وهو الجزء الضّامٌ بين دفتيه الباب الثاني 
المخصص بذكر ما طرأ في مدينة حلب وبعض أعمالها وما نشأ فيهما من 
الحوادث والكوارث التي هي تنقل الدول وتبدل الحكام والحروب والزلازل 
والصواعق والحرائق والأوبئة والطواعين والفتن والقحط والغلاء 
والمجاعات » وغير ذلك من الكوائن والنوازل المعدودة من غرائب الأمور 
وعجائب المقدور. 

افتتحت هذا الباب بإجمال أشرت به إلى الأمم التي أوطنت حلب 
ألمعت به إلى الدول والرجال الذين تولوا حلب وحكموا فيها بعد الفتح. ثم 
أتيت بفصل ذكرت فيه خلاصة من خبر فتحها عن يد المسلمين. ثم أفضت 
بذكر ما كان فيها وفي بعض اعمالها من الحوادث في زمن كل دولة من 
الدول التي تولت أحكامها مرتبا إياها على السنين ٠»‏ بادئا بذكرها منذ سنة 
(16) ه منتهيا منها بالسنة التي يصد فيها القلم عن شوطه صادّ محكم 
وقضاء محثّم. 

وكنت أعددت لهذا الباب مسودة يربو مجموعها على ألفي صحيفة » 
نحوت بها منحى الإسهاب والإطناب » ثم عدلت عن هذا المنحى إلى سبيل 
الإيجاز والاختصار إرضاء لأكثر الناس الذين تميل رغباتهم إلى الوجازة 
هدايته إلى سنن الرشاد والسداد. 


إجمال في ذكر الأمم التي أوطنت حلب 
وأصقاعها والدول التي 


تولتهما قبل الفتح الإسلامي 

الكلدان ثم السريان. وفي أثناء وجودهم في هذا الصقع كان فرار الخليل من 
النمرود فجاء إلى حلب وبقي فيها مدة ثم قصدت حلب إحدى طائفتي 
الحثيين » وهم من ولد حث بن كنعان » رابع أبناء حام » وكانوا يسكنون 
جبال أمانوس فتغلبوا على الآراميين وطردوهم من صقع حلب وأسسو في 
هذه النواحي مملكة قوية كادت تضاهي المملكة المصرية في وقتها. 

والحتيّون مختلف في جنسيتهم : فالجراكسة يزعمون أنهم هم الحثيّّون 
» وبعضهم يرى أنهم هم اللاتين » ومن الناس من يزعم أنهم عرق تاتاري. 
والله أعلم. 

امتدت سطوة الحثيين إلى جميع سوريا والجزيرة وبلاد اليونان وآسيا 
الصغرى وبلاد إيطاليا وتغلبوا على مصر. ويقال إن الملوك الرعاة فيها 
كانوا منهم. ثم إن ملوك مصر تغلبوا على الحثيين في هذه الجهات وملكوها 
منهم » وهم تدمس الأول وتدمس الثاني ؛. وذلك قبل الهجرة المحمدية بنحو 
8 سنة » أو أقل بنحو 15 سنة. ومن آثار أولنك المصريين في حلب 
دي ب77200000000007207 

ماق الحقوق كازوو | سرمي روا- مكمه هن كنك امك هنا 

فمشى عليهم تدمس الثالث وملك منهم صقع حلب وغيرها من بلاد سوريا 
فصالحوه على ما ملكه من بلادهم. 

وبقيت بأيديهم إلى أن نقضوا الصلح في أيام رعمسيس الثاني فقصدهم 
مع من اجتمع إليه من سكان سوريا وتألب عليه بقية ملوكها وحشدوا لقتاله 
الحرب بين الفريقين قرب بحيرة قادس أو 


قدس ». وهي بحيرة حمص ., فكان الظفر لرعمسيس » وتمزق جيش الحثيين 
وغرق الكثير من حاميته. وكان من جملة الغرقى ملك حلب غير أنه نشل 
من الماء :وتكين :فعاوادكة” اهيا 
ثم وقع الصلح بين الأمتين وبقي صقع حلب في يد الحثيين إلى أن 

اكتسح خلفاء موسى أريحا وسبوا وأحرقوا وخربوا ثم فتحوا عمان فارتفعت 
العماليق إلى أرض سوريا وهي قنسرين وتغلبوا على مدينة حلب واتخذوها 
حصنا لهم وما برحوا منها حتى قصدهم إيواب ابن س يرويا وزير داود 
وأخذها منهم » وذلك قبل الهجرة المحمدية بنحو 1665 أو أقل بنحو 42 
عق 

حكى بعض أحبار اليهود في كتاب له أنه وجد في قلعة حلب سنة 
0 ه حجر مكتوب فيه بالعبرانية ما ترجمته : (أنا إيواب بن سيرويا 
أخذت هذه القلعة). 

لم تزل هذه الأصقاع تحت سلطة الفلسطينيين حتى أخرجهم منها 
ملوك بابل قبل الهجرة بنحو 1303 سنة. وعلى رأي فينكلار الألماني : 
بنحو 1476 سنة. وكانت هذه الأمة تعبد الأصنام وكان لهم في جبل سمعان 
صنم يعبدونه اسمه نبو (ذكرناه في الكلام على الملل والنحل في حلب 
وحواتها قبل الفح الاسباحمي في الشرع الأول لفقي ) 

وقرأت في كتاب «بابيلونيا وشيريا» لمؤلفه فينكلار الألماني أشضهر 
علماء التاريخ ؛» وكتابه هذا مطبوع باللغة الألمانية سنة 1892 م أنه في 
سنة 854 ق. م خرج سلمناصر من نينوى وسار إلى وادي البليخ واستولى 
على تملك شيخ حمر اذى فته فيه لساكدات و امنا ل ل لف صب القرات 
اجتازه على سفينة من الجلود وأتى الموضع المعروف باسم سور أو 
تر إشاط ف و قو على ضيف الفرزات. .فمفه عاك حمعي دهن [لديا حديء 
الملوك الذين يدفعون إليه الجزية » وهم سنكار وأمير قاركمش وقوندابيسبى 
؛ وأمير كمخ وأرامي وأمير غوزي ولاللي وأمير ملتينه » وخيماني أمير 
دولة كبر ء وكلبرودا أمير باتين وكركم التي عاصمتها مركاسى (مرعش). 

وبعد انقضاء هذه الجمعية فارق سلمناصر أو تيراسباط وقصد خلمن 
(حلب) ودخلها وقرب فيها الذبائح للوثن (رمن) وهو على رأي فينكلار 
معبود الحلبيين إذ ذالك, 

ثم قال فينكلار : «قال بعض المؤرخين : كانت حلب في أيام الدولة 
البابلية مدينة تجارية حرة مستقلة » مستدلا على ذلك بعدم ورود ذكرها في 
الحروب التي نشبت بين 


- 10 


البابلية وبين دول سيريا وفلسطين ٠‏ وإن سبب استقلالها هو خطورة موقعها 
الجغرافي المتوسط بين آسيا الكبرى والصغرى فكانت مستقلة باتفاق سائر 
الدول. 

وقال بعض المحققين : إن سوريا كانت في تلك الأيام ذات حضارة 
تفوؤق ما كانت عليه منها جميع المملكة الآشورية » مستذلا على ذلك بنقل 
الوتن (رمن) من سوريا إلى نينوى وعبادة أهلها إياه مع معبودهم الوطني. 
فلو لم تكن سوريا في ذلك الزمن أرقى من نينوى حضارة ومدينة وصناعة 
لما اختار أهل نينوى الوثن (رمن) ونقلوه إلى عاصمتهم واتخذوه معبودا 
لهم مع وجود معبودهم. واستدل بعض علماء التاريخ من الاثار العاديات 
على أن الوثن (رمن) هذا كان آله العواصف في سوريا وأنه سنة 2000 ق. 
م بني له هيكل في نينوى». اه كلام فينكلار. 

قلت : لم تزل حلب تحت سلطة البابليين حتى ملك الساسانيون في أيام 
الملك دارا «نينوى» وامتدت سطوتهم إلى سوريا وبقيت في أيديهم حتى 
أخذها منهم إسكندر المكدوني ؛ وصارت حلب موطنا لليونانيين وأحسنوا 
إلى أهلها فتخلقوا بأخلاقهم واعتنى اليونانيون بسورية الشمالية وجددوا فيها 
عدة بلدان كأنطاكية وأفامية والسويدية. ثم إن سليقوس نيكادور أحد ملوك 
اليونانيين لما استولى على أنطاكية بعد 21 سنة من جلوسه قبل الهجرة 
القلعة على التل المشهور بإبراهيم الخليل » وأمر اليهود بأن يترددوا للتجارة 
إلى هذه البلدة ويقيموا فيها وفرض عليهم بعض الضرائب » فاستوطنوها 
وكثر عددهم فيها حتى بلغت مساحة دورهم مقدار نصف ساعة طولا وكان 
لهم فيها عدة معابد. 

لم تزل حلب في حوزة اليونانيين إلى أن انتزعها منهم الرومان سنة 
4 أو 65 ق. م » وملكوا معها سوريا وأنطاكية وجعلوا حلب عاصمة 
ملكهم. وقبل الهجرة المحمدية بنحو 498 سنة أمر الإيمبراطور تريان 
اللاتيني بضرب السكة بحلب . وكان مرسوما على أحد جانبيها صورته 
وعلى الجانب الآخر كلمة (برويا). وقبل الهجرة بنحو 52 سنة حاربت 
الفرس الملك كيروليس الشرواني في أنطاكية وحلب وقنسرين ومنبج 
وأحرقوا منبج وانطاكية وقنسرين. 

أما حلب فقد كان فيها من قبل الملك كيروليس بطريق يقال له موغان 
(وإليه تنسب 


- 11 


كنيسة موغان وحمام موغان في حلب) صالح الفرس على حلب بدراهم 
دفعها إليهم » ثم جدد الملك كيروليس ما تهدم من سورها وقت المحاربة 
وذلك من باب الجنان إلى باب النصر » وكان بناؤه من القرميد الغليظ. ولم 
تزل بأيدي الرومان حتى فتحت تحت راية المسلمين في خلافة عمر بن 
الخطاب رضي الله عنه. 1 


12 - 


إجمال في ذكر الدول والرجال 


الذين تولوا حلب بعد أن فتحها المسلمون 

أولوكاوكة دكت حلب ذولة عفر برخ الخطات كان الكلفام الر النديق: 
ثم بقية الراشدين ثم الدولة الأموية ثم المروانية ثم العباسية العراقية. ثم 
استقل بها أحمد بن طولون في سنة 264 واستمر بها هو وأعقابه من بعده 
إلى أن ضبطها منهم الأفشين. ثم عادت لبني طولون وكانوا هم والأفشين 
يخطبون باسم خلفاء الدولة العباسية العراقية. وفي سنة 286 عادت لحكم 
الدولة العباسية المذكورة. ثم في سنة 329 استولت عليها الدولة الإخشيدية 
فلم تطل مدتهم بها وانتقلت إلى الدولة الحمدانية سنة 333 ثم استولت عليها 
الدولة الإخشيدية مذة فم كافك إلى سعفت الدولنة 336 وكانت الدولة 
الإخشيدية والحمدانية يخطبان فيها بأسماء خلفاء الدولة العباسية العراقية. 

وفي أيام سيف الدولة استولى عليها الروم مدة قليلة ثم بارحوها وعاد 
إليها سيف الدولة. ثم استولت عليها الدولة العلوية المصرية فلم تطل مدتها 
» وانتقلت منها إلى الدولة المرداسية سنة 414 وبعد مدة عادت لحكم الدولة 
العلوية المذكورة. ثم.فى:نبنة :433 نادت للمرداسيين شرفي سنة :449 
عادت للدولة العلوية. وفي سنة 452 رجعت للمرداسيين وخطبوا فيها باسم 
خلفاء الدولة العلوية المصرية. ثم في سنة 462 صاروا يخطبون باسم 
كلفاء الذوثة الغداسية العر اقية بو فى يسن 473 د كلتك تحك بناطة شرف 
الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وفي سنة 478 اقتتل مسلم المذكور 
مع سليمان بن قطلمش السلجوقي صاحب قونيه » فانكسر مسلم وقتل 
وانهزم عسكره. 

وكان الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله مقدم الأحداث في حلب 
ورئيسها » فانفرد بها. وكان سالم بن مالك العقيلي بقلعتها وهو ابن عم مسلم 
المذكور » وكان أخو -- إيراهيم بن قريش محبوسا فقصده بنو عقيل 
وأخرجوه وملّكوه حلب 


13 


ثم دخلت تحت سلطة السلجوقية وأقاموا فيها عاملا من قبلهم (أقسنقر) 
جد نور الدين محمود زنكي. وفي سنة 490 كان واليها رضوان بن تتش 
الخطبة بابك الخلافة العباسية العراقيّة. :وفى ينة :1 |5 دحليت في حورة 
الدولة الأرتقية حكّام ماردين وهم من أتباع السلاجقة. ثم نزعت منهم إلى 
أقسنقر البرسقي صاحب الموصل سنة 515 واستناب بها ولده إلى سنة 
2 وفيها استولت عليها الدولة الأتابكية الزنكية. 

ثم في سنة 578 انتقلت إلى الدولة الأيوبية. ثم في سنة 657 استولى 
عليها التتر المنسوبون إلى جنكزخان ثم بارحوها. ثم عاودوها في سنة 
8 ثم فارقوها. ودخلت بعدهم في دولة الأتراك مماليك الدولة الأيوبية. 
وفى 802:21 استولبك عليها :الدولة الخر كككة مال اف نولة الأتر الكت 
واستمر فيها إلى سنة 922 وفيها دخلت في المملكة العثمانية القائمة على 
أنقاض أحد فروع الدولة السلجوقية. 2 

وفي سنة 1014 عصي علي باشا الجانبولاد على الدولة العثمانية 
واستقل بحلب وغيرها سنتين ثم أخضعته الدولة واستردت ما كان استولى 
عليه من بلادها التي من جملتها حلب. وفي سنة 1235 استولى عليها أهلها 
مدة أشهر ثم رجعت لحكم الدولة » وفي سنة 1248 استولى عليها مع 
غيرها إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا خديوي مصر ء واستمرت بأيدي 
المصريين إلى سنة 1255 وفيها عادت إلى الدولة العثمانية مع بقية ما 
أخذته منها خديوية مصر. وفي سنة 1266 استولى أهلها عليها عدة أيام ثم 
أعيدت إلى الدولة. 

وفي سنة 1337 خرجت من حكم الدولة العثمانية ودخلت تحت حكم 
الدولة العربية الفيصلية المسيطرة على سوريا. وبعد سنة انضمت إلى 
الوحدة السورية تحت الانتداب الفرنسي. 


خبر فتح حلب عن يد المسلمين 
الهجرة النبوية أيام الخريف » سنة 633 ميلادية » عن يد خالد بن الوليد 
وأبي عبيدة رضي الله عنهما وكان فتحها صلحا وفتح قلعتها عنوة. 


 14- 


قال الواقدي ما ملخصه : بعد أن صالح أهل قنسرين أبا عبيدة وخالدا 
على مال معيّن ودخلا قنس رين واختطًا بها مسجدا , بلغ ذلك أهل حلب 
فخافوا » وكان رئيسا عليهم «يوقنا» و «يوحنا» أخوان يسكنان القلعة . 
وكان أبوهما قبلهما يملك حلب إلى الفرات. وكان هرقل ملك الروم يهابه 
لشجاعته ودهائه وقد انتزعه من رومية خوفا منه فجاء إلى العواصم 
واستخلص قلعة حلب لنفسه وحصنها وسكنها. وكان ولده الصغير منزويا 
عن الرئاسة إلى الترهب . ولما بلغه خبر قدوم أبي عبيدة اشار على أخيه 
بالصلح فأبى إلا الحرب وسار بجيوشه الجرارة التي منها 12 ألف فارس 
إلى كفاح أبي عبيدة قبل أن يصل إلى حلب. 

وكان أبو عبيدة بقنسرين غير عالم بالحال قد جهز كعب بن ضمرة 
ومعه الف فارس وسيّره إلى حلب لفتحها. فسار كعب حتى إذا صار على 
نحو ستة أميال من حلب دهمه يوقنا واشتعلت الحرب بينهما. وكان أبو 
عبيدة مشغولا مع مشايخ أهل حلب ورؤسائهم قدموا عليه إلى قنسرين 
يطلبون منه الصلح والأمان بعد أن سار يوقنا لقتاله وسلكوا إلى قنُسرين 
غير الطريق الذي سلكه يوقنا. ولما صالحهم أبو عبيدة وأمّنهم رجعوا إلى 

حلب. وقبل أن يصلوها فشا خبر صلحهم حتى بلغ يوقنا وهو يحارب ععبا ‏ 
كسا فى كارة القلى العتيكن + ررقة نلف مرق حدك ره رز ها مانتو حل مز 
أعيات الحبفاية: فلما نفع يوقنا كين المنناح اقبطو رحيقية رازه جلى 
عقبه. 

ثم إن أبا عبيدة لما أبطأ عليه خبر كعب نهض بعسكره يريد حلب 
وعلى المقدمة خالد ابن الوليد. فما كان غير قليل حتى أشرف على كعب 
وعلم بما دهمه ثم ساروا جميعا إلى حلب فرأوا يوقنا وجنوده قد أحدقوا 
بأهل البلد يريدون قتلهم وهم يقولون : ويلكم صالحتم العرب ونصرتموهم 
علينا. ثم أدخل يوقنا عبيده على أهل البلد وجعلوا يقتلونهم على فرشهم 
وأبواب منازلهم. فنظر يوحنا من القلعة إلى البلد ورأى القتل في أهله 
فعاركن أحا يو فذا فلم يفعن :فا غلظ له الكاام فعطتدع. عليه رفظله. 

وكانك راياك الستلمين قه :اشر قت عابيم لما سمع كاله متحي اهل 
البلذتويكاءهم قال الأمن عتيدة.: فلك أهل تمتك وحفل: على جماغة يرقنا فلم 
ينج منهم سوى من لجأ إلى القلعة. ودخل المسلمون حلب من باب أنطاكية 
وحفوا حولهم بالتراس داخل الباب وبنوا ذلك المكان مسجدا. 


15 


وكان يوقنا تحصن بالقلعة مع شرذمة من جنده واستعدوا للحصار 
ونصب المجانيق ونشر السلاح على الأسوار. ثم إن خالدا وأبا عبيدة سألا 
عن يوقنا فأخبرا بشأنه مع أخيه يوحنا وأنه قتله وألقاه في رأس سوق 
الساعة (محلة سوق الضرب) فكفنه أبو عبيدة وصلى عليه ودفنه في مقام 
إبراهيم (مقبرة الصالحين). 

ثم إن المسلمين جدّوا في حصار القلعة وشت غاراتهم في بقية البلاد 
إلى الفرات. ثم زحفوا على القلعة فلم يفوزوا منها بطائل لحصانتها. 
وصادف الروم غرّة فهجموا على المسلمين ووضعوا السيف فيهم. ثم جد 
خرج علاقة المسلمين إلى وادي بطنان ليأخذوا الميرة منه وقد صالحهم 
أهله فاختار يوقنا ألفا من فرسانه وسيّرهم في الليل فالتقوا بالمسلمين قرب 
الصبح واقتتل الفريقان قتالا شديدا وقتل من المسلمين ثلاثون رجلا » كلهم 
من طيّئ وانهزم الباقون » وملكت الروم أثقالهم ومواشيهم » ثم عقروا 
المواشى وكمرا فى الجن كوا مخ المسلمين وقد يعر موا اعلى الريجواع اق 
القلعة ليلا 

ولما رجع المسلمون إلى أبي عبيدة وأخبروه بما جرى سيّر لقتال 
أزقة الكفر خاذا زيم سد ربل تاب مسار ريو ركم ليم 
حتى خرجوا من مكمنهم في أوائل الليل فوثب خالد عليهم فدهشوا وولوا 
منهزمين. وغنم المسلمون جميع أثقالهم ورجعوا إلى أبي عبيدة وقد انتبه 
لمكايد الروم وسد عليهم المسالك حول القلعة حتى لو طار طائر لاقتنصوه. 

وأقام القوم على ذلك مدة حتى ضجر أبو عبيدة وكتب إلى عمر بن 
الخطاب رضى الله عنه يخبره الخبر ويستآذنه بالااصراف عن قلعة حلب 
لصعوبة مأخذها وقلة العسكر. فبعث إليه عمر عصبة من حضرموت 
وأقاصي اليمن من همدان ومدان وسبأ ومأرب زهاء أربعمائة فارس 
وثلاثمائة مطية مردوفين » ومائة وأربعين ماشيا. فأخذ لهم من مال 
الصدقات سبعين بعيرا ليتعقبوا عليها وكتب إليه ينهاه عن الانصراف عن 
القلعة أو تسلّم إليه » وأن يبث الخيل في السهل والوعر والضيق والسّعة 
وأكناف الجبال والأودية » ويشنّ الغارات في حدود الغارات ويصالح من 
صالحه ويسالم من سالمه. 

وكان من جملة هذه العصبة مولى من موالي بني طريف من ملوك 
كندة » يقال له 


- 16 


دامس » ويكنى أبا الأهوال ؛. كان أسود بصاصا كالنخلة السّحوقة () إذا 
ركب الفرس العالي تخطّ رجلاه بالأرض. وكان شجاعا قويا ذا حيلة 
وبراعة فطلب من أبي عبيدة أن يؤمّره على ثلاثين فارسا فأمّره. وقال له 
عي : ترحل أنت بجيشك على فرسخ منا وتأمر جماعتك بقلة الحركة 
والاستتار ما استطاعوا » ويكون لك رجال ثقات يتجسّسون عن أخبارنا » 
فإذًا يشتوك يظهورز نا على: أعدانتا © فتلحق :ينا إن شاه الله تعالى: 

فأجابه أبو عبيدة إلى ما طلب ونهض لوقته بجيشه وسار مسافة فرسخ 
كأنه يريد الانصراف. ونهض دامس بجماعته حتى أتوا كهفا في الجبل 
وكمنوا فيه ففرح الروم وظنوا أن المسلمين قد انصرفوا عن قتالهم وأرادوا 
أن ينزلوا من القلعة ويتبعوا المسلمين فنهاهم يوقنا. ولما كان الليل عمد 
دامس إلى جلد ماعز فألقاه على ظهره وأخرج كعكا يابسا وقال لأصحابه : 
اتبعوني. فسار نحو القلعة وأطار رجلين إلى أبي عبيدة ليبعث لهم الخيل 
عند طلوع الفجر. وصعد دامس ومن معه إلى الجبل تحت الظلام يمشي 
على أربع » وكلما أحس بشيء قرض في الكعك كأنه يقرض عظما » 
وأصحابه من ورائه يقفون أثره حتى لاصقوا السور » وكان الظلام شديدا » 
فأتى من السور مكانا قريبا قد نام حرسه واختار سبعة من رجاله أقوياء 
وجلس القرفصاء وأمر أحدهم أن يجلس على منكبيه ويعتمد بقّؤته على 
الجدار » ففعل وأمر الثاني أن يفعل مثله. 

ثم لم يزل يصعد واحدا بعد واحد إلى أن صعد الثامن فأمر أن يستوي 
قائما ثم أمر الثاني من تحته واحدا بعد واحد إلى أن قام هو ء فإذا الشامن قد 
وصل إلى شرفة السور فتعلق بها واستوى على السور » فوجد حارس ذلك 
المكان نائما ثملا » فرماه إلى أصحابه ثم أدلى عمامته لصاحبه ونشله إليه 
ثم حذف لهما دامس حبلا وجعلوا ينشلون بعضهم إلى أن تكاملوا على 
السور » وكان آخرهم دامس ٠‏ فاستبقاهم مكانهم وقصد بابي القلعة فرأى 
الحرس سكارى نائمين » ففتح البابين وتركهما مردودين وعاد إلى أصحابه 
وقد قرت الفجر © فأقام خمسة متهم على البات:وأرسل واحدا يستعجل خالدا 
» ومشى بالباقين نحو دار يوقنا » 

فصاحوا » وجاءتهم الأبطال وصاح يوقنا بأصحابه فأتوا من كل 
جانب وقاتلوا قتالا شديدا فلم يفدهم ذلك شيئا واشتبك الفريقان ببعضهما. 


(1) البصّاص : الذي ينظر بتحديق - والسّحوقة : العالية. 
(2) أي بانتصارنا عليهم. 


1 


وبينما هم في هذه المعمعة إذ دخل عليهم خالد بن الوليد في جيشه 
وحينئذ طلبت الروم الآمان. وكان قد وصل أيضا أبو عبيدة فأمّنهم. وأسلم 
وأخذ عليهم العهود ألا يكونوا إلا مثل أهل الصاح والجزية وأخرجهم من 
وحيله وعجائبه وعالجوا جراحه الكثيرة حتى برئت. اه. 


حوادث حلب أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب 

ولما كان أبو عبيدة في حلب نقض أهل قنّسرين » فرد إليهم السمط بن 
الأسود الكندي فحصرهم ثم فتحها فوجد فيها بقرا وغنما فقسم بعضها فيمن 
حضر » وجعل الباقي في المغنم. وكان في حاضر قنسرين قديما بنو طيّئ ١‏ 
نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بينهم حين نزل الجبليين من نزل منهم 
فلما ورد أبو عبيدة عليهم أسلم بعضهم وصولح كثير منهم على الجزية. ثم 
أسلموا بعد ذلك بسنين إلا من شد منهم. 

حاضر حلب : 

وكان بقرب مدينة حلب حاضر يجمع أصنافا من العرب » من تنوخ 
وغيرهم » فصالحهم أبو عبيدة على الجزية ثم أسلموا وجرت بينهم وبين 
أهل حلب حرب أجلاهم فيها أهل حلب فانتقلوا إلى قنُسرين. 

قال البلاذري ما خلاصته : كان بقرب حلب حاضر يدعى حاضر 
حلب » يجمع أصنافا من العرب من تنوخ وغيرهم. جاء أبو عبيدة بعد فتح 
فنسرين فصالخ أهله على الجزية ثم أسلموا بعد ذلك ؛ وكانوا مقيمين 
وأعقابهم به إلى بعيد وفاة أمير المؤمنين الرشيد. ثم إن أهل ذلك الحضر 
حاربوا أهل مدينة حلب وأرادوا إخراجهم عنها فكتب الهاشميون من أهلها 
إلى جميع من حولهم من قبائل العرب يستنجدونهم » فسارعوا إلى إنجادهم 
وأجلوا أهل الحاضر عنه وأخربوه » وتفرق أهله في البلاد » وذلك في فتنة 
الأمين بن الرشيد. 

وقال ياقوت : والذي شاهدناه من حاضر حلب أنها محلة كبيرة 
كالمحلة العظيمة بظاهر حلب بين بنائها وسور المدينة رمية سهم من جهة 
القبلة والغرب ». ويقال لها الحاضر السليمانية » ولا نعرف السليمانية » 
وأكثر سكانها تركمان مستعربة من أولاد الأجناد. وفيه 


- 18 


جامع حسن منفرد تقام فيه الخطبة والجمعة والأسواق الكثيرة من كل ما 
يطلب » ولها وال يستقل بها. 


أول مدربة في الإسلام : 


وفي سنة 16 أدرب (» خالد وعياض بن غنم. وهي أول مدربة كانت 
في الإسلام. 


تأمير خالد : 


ورجع خالد من مدربته » وأتته الإمارة من عمر رضي الله عنه على 
قنسرين. فأقام خالد أميرا من تحت يده » أبا عبيدة » عليها إلى سنة 17. 


عزل خالد بن الوليد عن قنُسرين : 

في سنة 17 عزل خالد عن قنسرين لأنه تدلّك بدردئّ © الخمر 
وأسرف بإجازة الأشعث بن قيس. ش 

أقول : أرى أن عزله كان من الخليفة سياسة » حينما رأى القلوب 
تميل إليه لشجاعته ودرايته وسخائه فخشي أن يستولي على أهواء الناس 
فتميل قلوبهم لاستخلافه فيحدث ما لا تحمد عقباه. 

على أن ما أراه كاد يكون صريحا في كلام أمير المؤمنين حيث قال له 
مستعطفا : «يا خالد إنك علي لكريم وأنت إليّ لحبيب». وكتب إلى الأمصار 
: «إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة » ولكن الناس فخّموه وفتنوا به 
فخفت أن يوكلوا إليه » فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع وألَا يكونوا 
بعرض فتنة». اه. 

كيف يكون عزله مسببا عن التدلك بالذرديٌّ؟ وهو جائز شرعا » وعن 
توشغة باجازة الأشعك + وآمير المومنين. بعلم أن ذلك من ماله وأن حالدا 
في منزلة من العفاف تجعله بعيدا عن الغلول » وعزة نفسه وتمسّكه في دينه 
يأبيان عليه أن يكون غالا. ْ 


(1) أي دخل بلاد الروم فاتحا » وجاوز الدرب إليهم. 
(2) الذردي 9 مايركد في أسفل الشراب ونحوه. 


19 


خبر من جلدوا في الخمر : 
في سنة 18 كتب أبو عبيدة إلى عمر كتابا يذكر فيه أن نفرا من 
المسلمين أصابوا الشراب فأمر بجلدهم فلم يعودوا إلى شربه. 


طاعون عمواس : 
الله عنه خبر هذا الطاعون خشي منه على أبي عبيدة فكتب إليه يستقدمه » 
فلم يرض أبو عبيدة أن يفوز بنفسه ويترك جنده عرضة للطاعون » وكتب 
إلى عمر بهذا المعنى » فكتب إليه عمر بأن يرفع المسلمين عن تلك 
الآأراضي » فرفعهم منها. 
على الجيوش والعمال معاذ بن جبل فطعن ابنه عبد الرحمن ومات. ثم طعن 
معاذ براحته ومات. وكان أبو عبيدة قد استخلف على قنسرين » حين طعن » 
عياضا © بن غنم » فأقره عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 


خبر عام الرّمادة : 

فيها أصاب الناس بالمدينة المنورة مجاعة عظيمة وقحط . وسفت 
الريح ترابا كالرماد واشتد الجوع حتى آوت الوحوش إلى الإنس. فكتب 
عمر إلى العمال يستمدهم لأهل المدينة » فكان أول من قدم عليه أبو عبيدة 
بأربعة آلاف راحلة طعام فولاه قسمتها فيمن حول المدينة » فقسمها 
وانصر ف إلى عمله. 

بقية الحوادث في أيام سيدنا عمر : 

وفي سنة 20 مات عياض بن غنم واستخلف عمر بن الخط اب بعده , 
على حمص وقنسرين » سعيد بن عامر بن جذيمة الجمحي » فمات فيها. 
وقيل مات سنة 19 وقيل 


(1) أي أصيب بالطاعون. والضمير لأبي عبيدة. 
(2) الصواب : «عياض» بغير تنوين » في مثل هذا التركيب. 


20 - 


سنة 21 وعلى كل فقد كان الأمير على دمشق وحوران وحم ص وقنسرين 
والجزيرة في سنة 21 عمير بن سعد بن عبيد الأنصاريّ » وكان الأمير 
فيها ‏ على البلقاء والأردن وفلسطين والسواحل وأنطاكية ومعرّة مصرين - 
معاوية. 
أيام عثمان رضي الله عنه 

وفي سنة 25 غزا معاوية الروم فبلغ عمورية فوجد الحصون بين 
الاك و طروددوس خابكة #ححفل: حندها حدما عنة حرة اهل الساد و ادر عررة 
حتى انصرف. ثم غزا الصائفة يزيد ابن الحرٌ العبسي وفعل فعل معاوية . 
وهدم الحصون إلى أنطاكية. 

وفي سنة 26 غزا معاوية قنُسرين » وكان عمير بن سعد قد طال 
مرضه فاستعفى عثمان فأعفاه وضم حمص وقنّسرين إلى معاوية . 
فاجتمعت له في هذه السنة ولاية الشام كلها » فولى معاوية على حمص عبد 
الرحمن بن خالد » وعلى قنُّسرين حبيبا » بن مسلمة بن مالك الفهري. 


وفي سنة 36 فرّق علي رضي الله عنه عمّاله على الأمصار »ء فبعث 
سهلا بن حنيف على الشام وكان معاوية متغلبا عليه » فلما وصل إلى تبوك 
لقيته خيل فقالوا له : من أنت؟ 

قال : أنا أمير. قالوا له : على أي شيء؟ قال : على الشام. قالوا : إن 
بعثك عثمان فحيّهلا بك © وإن كان غيره فارجع. قال : أوما سمعتم بالذي 
كان؟ يعني استشهاد عثمان. 

قالوا : بلى. فرجع إلى عليّ. 


(1) الصواب : «حبيب» بغير تنوين أيضا. ونكتفي بمثل هذه الإشارة هنا. 
(2) اسم فعل أمر » للحث والاستعجال. 


21 


حو ادث أيام بني أمية 


أيام معاوية 
سنة 42 مات حبيب بن مسلمة الفهري بأرمينية » وكان أميرا عليها 


لمعاوية. 

قلت : أظن أن معاوية استعمل حبيبا هذا على أرمينية في هذه السنة 
وضم قنّسرين إلى حمص » وعاملها عبد الرحمن بن خالد. وهذا غير بعيد 
لآن الذي مصر قنسرين يزيد ابن معاوية لا معاوية » إنما معاوية رتب 
خراج قنسرين في هذه السنة أربعمائة ألف وخمسين ألف دينار » ورتّب 
حلب للخلفاء من بني أمية لمقامهم في الشام » وكون الولاة في أيامهم بمنزلة 
الشترهل لذ يستفلوة بالأمور والحروب » وولاة الصوائف 7) ترد كل عام إلى 
دابق » وأقام منهم جماعة بنواحي حلب » منهم سليمان بن عبد الملك أقام 
بدابق حتى مات. 

تجنيد قنُسرين وتسمية حلب بالعاصمة : 

حكى الطبري في تاريخه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما عزم 
على فتح الشام سمّى لكل أمير أمّره على الجيوش كورة © » فسمّى لأبي 
عبيدة كورة حمص وليزيد بن أبي سفيان كورة دمشق » ولشرحبيل بن 
حسنة كورة الأردن » ولعمرو بن العاص وعلقمة ابن محمد كورة فلسطين. 
فدلٌ هذا على أن الشام لما كان بأيدي الروم كان منقسما إلى هذه الكور 
الأربع » وكانت قنّسرين مضافة إلى كورة حمص. اه. 

ثم لم تزل الشام كذلك حتى ولي الخلافة يزيد بن معاوية فجعلها خمسة 
أجناد : جند فلسطين » وجند الأردن » وجند دمشق » وجند قنُسرين. 
(1) جمع صائفة » وهي الغزوة في الصيف. وبها سمّيت غزوة الروم » لأنهم كانوا يغزون 


صيفا » اثقاء البرد والثلج. 
(2) الكورة : البقعة التي تشتمل على عدة قرى. ويقابلها اليوم : (المحافظة). 


22 - 


قال ياقوت في معجمه : وسمي الجند جندا لأنه جمع كورة » والتجنيد 
التجميع » وقيل : سميت كل ناحية جندا لأنهم كانوا يقبضون فيه أعطياتهم . 
وكانت الجزيرة مع قنسرين جندا فأفردها عبد الملك وصارت الجزيرة جندا 
برأسه » وكان من جملة جند قنُسرين أنطاكية ومنبج وتوابعهما فلما استخلف 
الرشيد أفرد قنسرين بكورها فصيّرها جندا » وأفرد منبج ودلوك ورعبان 
وقورس وأنطاكية وتيزين » وما بين ذلك من الحصون »؛ فسمّاها العواصم 
لآن المسلمين كانوا يعتصمون بها من العدو إذا انصرفوا من غزوهم. 
وجعل مدينة العواصم منبج وأسكنها عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد 
الله بن عباس في سنة 173 فبنى فيها أبنية مشهورة » وذكرها المتنبي في 
مدح سيف الدولة فقال : 
لقد أوحشت أرض الشام طرًا »)2 سلبت ربوعها ثوب البهاء 
تنفس » والعواصم منك عشر فيوجد © طيب ذلك في الهواء 

قال ياقوت في موضع آخر : العاصم هو المانع » ومنه قوله تعالى (لا 
عاص الْيَوْمَ منْ أَمْرِ الله إِلّا مَنْ رَحِمَ) وهو صفة » فلذلك دخله الألف واللام. 
والعواصم : حصون موانع » وولاية تحيط بها بين حلب وأنطاكية » كان قد 
بناها قوم واعتصموا بها من الأعداء » وأكثرها في الجبال. وربما دخل في 
هذا ثغور المصيّصة وطرسوس وتلك النواحي. وزعم بعضهم أن حلب 
ليست منها » بدليل قولهم : قنُسرين والعواصم » وحلب من أعمال قنُّسرين » 
والشيء لا يعطف على نفسه. 


عمّال قنُسرين وحمص من سنة 45 إلى سنة 59 : 

وفي سنة 45 توفي عبد الرحمن بن خالد عامل حمص وما والاهاء 
وكان أهل الشام قد مالوا إليه فدس إليه معاوية سما فمات. 

كلت وم كله الدكة إلى حدودسكة 86 لح أظلع علتى أتيماء عفان 
الخلفاء على قنُسرين وحمص » ولعل العمال عليهما في هذه المدة هم أمراء 
الصوائف والمشاتي » يخرجون إلى الروم ويرجعون إلى إحدى البلدتين بعد 
انقضاء غزوهم » فإن البلدتين من أعظم ثغور 


)01 كذا » ورواية الديوان «حتى» وما في الديوان هو الصواب. 
(2) في الديوان : «فيعرف». عشر : أي على مسافة عشر ليال. تنفس : تتنفس. 


23 


الروم » فلا يستبعد أن يكونا محل إقامة الأمراء المذكورين أيام تقاعدهم عن 
الغزوات » وأنهم كانوا يقومون بوظائف العمال في أثناء ذلك ويستخلفون 
إذا غزوا. ولما كان هذا من المحتمل عقلا أدرجت ضمن الحوادث أسماء 
الأمراء المذكورين في سني خروجهم إلى الغزوات إلى سنة 86 المذكورة. 
وعلى هذا المنوال رتبت ذكرهم في سنوية ولاية حلب المعروفة باسم 
السالتافة »:فاقول: - 

في سنة 46 كان مشتى مالك بن عبد الله بأرض الروم ومثلها في سنة 
7 وسنة 49 ولم يغز سنة 48 وفي سنة 50 كانت غزوة بسر بن أرطاة 
وسفيان بن عوف الأزدي بأرض الروم. وفي سنة 51 كان مشتى فضالة بن 
عبيد بأرض الروم » وغزوة بسر بن أرطاة الصائفة. وفي سنة 52 كانت 
غزوة سفيان بن عوف الروم وشتّى بأرضهم وتوفي بها . في قول , 
فاستخلف عبد الله بن سعد الفزاري. وقيل الذي شتَى بأرضهم هذه السنة 
بسر بن أرطاة ومعه سفيان المذكور. وعزا الصائفة محمد بن عبد الله 

وفي سنة 53 كان مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض 
الروم. وفي 54 كان مشتى محمد بن مالك بارض الروم وصائفة معن بن 
يزيد السّلمي. وفي سنة 55 كان مشتى سعيد بن عوف » وقيل عمرو بن 
محرز » وقيل عبد الله بن قيس الفزاري » وقيل مالك بن عبد الله. وفي سنة 
6 كان مشتى جناد بن أبي أمية » وقيل عبد الرحمن ابن مسعود . وقيل 
عياض بن الحرث. وفي سنة 57 كان مشتى عبد الله بن قيس. وفي سنة 58 
غزا الروم مالك بن عبد الله الخثعمي ) وفي سنة 59 كان مشتى عمر بن 
مرّة الجهني. 


أيام يزيد بن معاوية 


وصول رأس الحسين رضي الله عنه إلى حلب : 

وفي سنة 61 قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكربلاء » واحتز 
رأسه الشريف شمر بن ذي الجوشن » وسار به وبمن معه من آل الحسين 
إلى يزيد في دمشق » فمر بطريقه 


(1) في الأصل : «الخثعي» خطأ مطبعي. 


 24- 


على حلب ونزل به عند الجبل » غربيّ حلب » ووضعه على صخرة من 
صخراته فقطرت منه قطرة دم عمر على أثرها مشهد عرف بمشهد النقطة. 
وقد ألمعنا إلى ذلك في الكلام على المشهد في باب الآثار. 


أيام معاوية بن يزيد بن معاوية » ومروان بن الحكم 
وعبد الملك بن مروان 


غزوات بني أمية الروم وغير ذلك : 

وفي سنة 66 كان على الشام عبد عبد الملك بن مروان. والظاهر أنه 
كان يقوم بإدارة البلاد الشامية بنفسه لضيق مملكته حينئذ » لوقوع أكثرها 
ومثلها في سنة 74 وسنة 75 و 76 و 77 غزا الروم صائفة الوليد بن عبد 
يغز تلك السنة أحد. قيل : وفيها أصاب الروم أهل أنطاكية وظفروا بهم. 
وفي سنة 81 سيّر عبد الملك بن مروان ابنه عبيد الله ففتح قاليقلا. وفي سنة 
2 غزا محمد ابن مروان أرمينية. وفي سنة 85 غزا الروم مسلمة بن عبد 
الملك. 


أيام الوليد بن عبد الملك 

وفي سنة 87 غزا مسلمة المذكور الروم وفتح عدة حصون ؛ وقيل 
فكناد بن غيق القلك رفي مكة 88 غر | مطلمة عن بعيد المنك والعساينييك 
عبد الملك الروم وفتحوا الجزيرة وعدة حصون من عمورية » وغزا 
الخصتر رق الخصنة الدن وريه دال ابن العم ها ملخضنة: 

إن الولح كن عه الملك لعا ولئ الكادقة ميكة 06 انق منمس ةين 
مروان على ولايته حتى عزله سنة 90 بأخيه مسلمة » فدخل مسلمة حرّان. 
وكان محمد بن مروان يتعمم وبيده المرأة فبلغه الخبر أن مسلمة يخطب 
على المنبر فارتعد وسقطت المرآة من يده وقال : هكذا تقوم الساعة بغتة؟ 
فقام ابن محمد للسيف يثب على مسلمة فقال له أبوه : مه يا بني ولاه أخوه 
وولاني أخي. وكان أكثر مقام مسلمة بالناعورة بنى فيها قصرا بالحجر 
الختلذ مضا 


25 


بقى منه برج إلى زماننا (زمان ابن العديم). قلت : ذكر ياقوت الناعورة 
فقال : الناعورة الدولاب » موضع بين حلب وبالس » فيه لمسلمة بن عبد 
الملك قصر من حجارة وماؤه من العيون وبينه وبين حلب ثمانية أميال. اه. 
مسلمة بن عبد الملك. وفي سنة 92 غزا مسلمة بن عبد الملك الروم وفتح 
ثلاثة حصون. وفي سنة 93 غزاهم وفتح ماسيه وحصين الحديد وفيها كان 
أنطاكيّة. وفي سنة 95 انتقضت قنُسرين » وكان العباس بن الوليد يغزو 
الروم » ففتح هرقلة وغيرها وعاد إلى قنسرين وفتحها. 


أيام سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز 
وفي سنة 99 وَلَى سليمان بن عبد الملك من قبله على الأحص هلالا 
بن عبد الأعلى ثم ولي عليها الوليد بن هشام المعيطي. 
أيام يزيد بن عبد الملك وهشام أخيه 
وفي سنة 101 عزل الوليد هذا من قبل يزيد بن عبد الملك لأنه كان 
مرائيا » وولّي على قنسرين الوليد بن القعقاع بن خليد العبسي. وقيل : الذي 
ولي العمل على قنسرين من قبل يزيد هو عبد الملك بن قعقاع بن خليد 


العبسي » وإليهم كان ينسب حيار بني عبس 2 ٠‏ وإلى أبيهم كانت تنسب 
«القعقاعية» قرية في بلد الغايا. 


وفي سنة 108 كان طاعون شديد بالشام. وفي سنة 113 غزا معاوية 
بن هشام أرض الروم فرابط من ناحية مرعش ثم رجع. وفي سنة 115 وقع 
طاعون بالشام وسرى إلى العراق وامتد إلى السنة بعدها. وفي سنة 119 
غزا الوليد بن القعقاع أرض الروم. 
أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك 


وفي سنة 125 ولى الوليد الخليفة على قتسرين مكان الوليد بن القعقاع 
يزيد بن عمر 


(1) موضع بقنسرين » ويسمى أيضا : حيار بني القعقاع. 


5000 


ابن هبيرة لوحشة بين الوليد الخليفة وبين بني القعقاع. وبعد أن عزله 
الخليفة بعث به إلى يزيد بن عمر بن هبيرة المذكور فعذبه وأهله حتى مات. 


أيام يزيد الناقص بن الوليد بن عبد الملك 


وإبراهيم المخلوع ومروان بن محمد 

وفي سنة 126 خرج يزيد الناقص على الوليد الخليفة » ووثب عليه 
فقتله وأخذ عامله في دمشق وسيّر أخاه مسرور بن الوليد إلى قنسرين. وقيل 
: سيّر أخاه بشر بن الوليد. وفي سنة 127 قبض مروان بن محمد بن الحكم 
؛ الخليفة » على مسرور بن الوليد والي قنسرين وعلى أخيه بشر وقتلهما 
بحلب » وولي حلب وقنسرين عبد الملك بن الكوثر الغنوي. 

وفي سنة 128 خرج على مروان الخليفة : سليمان بن هشام بن عبد 
الملك » فاأمسكه مروان بخساف 17) واستباح عسكره » وفيها كان الحكم 
وعثمان ابنا الوليد بن يزيد محبوسين بقلعة قنُسرين » حبسهما أخوهما يزيد 
الناقص » فنهض إليهما عبد العزيز بن الحجاج ويزيد ©) ابن خالد القسري 
وقتلاهما وقتلا معهما يوسف بن عمر الثقفي » فقبض مروان على القاتلين 
المذكورين وصلبهما. وفي سنة 130 غزا الصائفة الوليد بن هشام فنزل 
العمق وبنى حصن مرعش. 
(1) خساف : برّية بين مسكنة وحلب. وقيل : مفازة بين الحجاز والشام. والأول هو 
| اب 
0 الأصل ««بن» فصححناها كما يقتضي السياق. 


227 


حوادث أيام الخلفاء العباسيين 


أيام عبد الله السفاح 

في ربيع الآخر سنة 132 بويع أبو العباس السفاح » واسمه عبد الله بن 
محمد بن علي. فجهز عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس في جيش 
الموصل » فهزم مروان » وتبعه عبد الله بن علي حتى نزل بمنبج » فبعث 
إليه أهل حلب بالبيعة . وقلد عبد الله المذكور أخاه عبد الصمد حلب 
وقنسرين. 1 1 

ثم مسا| إلى تلب قبائعة لبود الرووه مدو اذ بن الكرفوين بوشن الكليي 
» وكان من أصحاب مروان. ثم انصرف عبد الله من حلب وأرسل قائدا من 
قواده في مائة وخمسين فارسا إلى «الناعورة» » وكان بها مسلمة بن عبد 
الملك وكان معه أهله » فاستجار مسلمة بأبى الورد الكلابي فلم يلتفت إليه » 
واغتاظ الكلابي وخرج من مزرعته «خساف» في عدة من أهل بيته 
وخالف وبيّض (لبس البياض الذي هو شعار الآمويين) وقتل القائد ودعا 
أهل حلب وقنسرين لنقض البيعة العباسية فقصده من دمشق عبد الصمد في 
زهاء عشر 2 آلاف فارس ,٠‏ فقتل أبو الورد وانهزم أصحابه وأمّن عبد الله 
العباسيين). 

وفي سنة 133 لبس الحمرة بحلب العباس بن محمد المعروف 
بالسفياني. وجده معاوية ابن أبي سفيان. فقصصده من قبل السفاح العباسي 
عطاء العكي فانهزم السفياني وفتح العكي حلب عنوة ولم يبق فيها من 
الأمويين أحد. وفي هذه السنة تغلب عبد الله بن محمد بن علي على حلب 
وقنّسرين وديار ربيعة ومضر وسائر الشام. 


(1) الصواب : عشرة. 


28 


أيام أبي جعفر المنصور 

وفي سنة 137 ولى عبد الله على حلب أبا عبد الله زفر بن عاصم بن 
غية الله من يزه الماطلى, وذيها يديد المتضيون ايا مسلم الخر إيداني لقتال عيد 
وقنسرين » وأن يقيم له نوابا في بلاده ففعل. ثم استوحش المنصور من أبي 
مسلم فعزله وولى على حلب وقنسرين وحمص صالحا بن علي بن عبد الله 
بن العباس » فنزل حلب وابتنى بها خارج باب النيرب قصرا بقرية بطياس 
؛ بالقرب من النيرب. قال ابن العديم : وآثاره باقية إلى الآن. 

قلت : محل هذا القصر يعرف الآن بكرم القصر وهو بستان فستق 
مملوك لبعض الأهلين. اه. 
ذكره البحتري وغيره في أشعارهم. قلت : تقدم فيما جاء بمدح حلب شيء 
فق الك :رفي سدة 19 غز امصائع دق .على الدائفة مع انيه الفكلين اهل 
الشام وهي أول صائفة في خلافة بني العباس » وغزا مع صالح أختاه أم 
سبيل الله. 

وفي سنة 141 خرج بحلب وحرّان قوم يقال لهم الراوندية » زعموا 
وهلكوا. وفيها حج بالناس صالح ابن علي. 

ضرب النقود في حلب : 

وفي سنة 146 ضرب صالح بحلب سكّة © » على أحد جانبيها : 
(ضرب هذا الفلس بمدينة حلب سنة 146) وعلى الجانب الآخر : (مما أمر 
به الأمير صالح بن علي أكرمه الله). 


(1) في الأصل : «يجاهدا» فصوّبناها بالتاء. 
(2) يعني نقودا:معدية 


29 


وفي سنة 152 مات صالح وتولى مكانه حلب وقنسرين ابنه الفضل » 
واختار العقبة فسكنها. وفي سنة 154 ولى المنصور على حلب وقنسرين 
موسى بن سليمان الخراساني. وفي سنة 157 ضرب السكة بقنسرين وعلى 
أحد جانبيها : (ضرب هذا الفلس بقنسرين سنة 157) وعلى الآخر : (مما 
أمر به الأمير موسى مولى أمير المؤمنين). وفي سنة 162 خرج على 
كثيرة » فهرب منهم إلى قنسرين » فلحقوه وقتلوه فيها. 


قدوم المهدي الخليفة إلى حلب 
وفي سنة 163 قدم الخليفة المهديّ إلى حلب عازما على الغزو ء 
فتلقاه العباس بن محمد والي الجزيرة وأنزله في عمله. ثم وصل المهدي إلى 
حلب ونزل بقصر بطياس » وولى على حروب حلب وقنسرين والجزيرة 
وخراجها وصلاتها عليا بن سليمان بن علي بن عبد الله ابن العباس » وولى 
حلب والشام جميعه هارون » وأمر كاتبه يحيى بن خالد أن يتولى ذلك كله 
بتدبيره. ثم عرض المهدي العسكر بحلب وأغزى ابنه هارون الروم. 


قتل الزنادقة في حلب » ووصول رأس المقنع إليها : 

في هذه السنة جمع محتسب حلب عبد الجبار الزنادقة من الأطراف 
إلى المهدي فقتلهم وقطع كتبهم بالسكاكين. ووصل إليه وهو بحلب رآأس 
المقنع وكان زنديقا مبتدعا » ظهر في خراسان سنة 159 واستغوى جماعة 
وكثرت أتباعه وعاثوا في الأرض فسادا إلى أن هلك في هذه السنة » وهي 
سنة 169. 

أيام الهادي والرشيد 

وفي سنة 173 ولَى الرشيد حلب وقنّسرين عبد الملك بن صالح بن 
علي » فأقام بمنبج وابتنى فيها قصرا لنفسه وبستانا إلى جانبه كان يعرف 
به. وقد سبق لنا في الكلام على منبج منادمة الرشيد مع عبد الملك حين 
زاره في قصره. 


-30- 


عمّال حلب من سنة 175 إلى سنة 193 : 
وفي سنة 175 عزل الرشيد عبد الملك عن حلب وقنسرين وبعد سنة 
ولى عليها سليمان ابن عيسى » ثم ولى الشام جميعه موسى بن يحيى بن 
خالد. وفي سنة 178 ولى الرشيد الشام جميعه جعفر بن يحيى بن خالد » 
فتوجه إليه سنة 180 واستخلف عليه عيسى بن العكّي. وفي سنة 182 ولى 
الرشيد حلب وقنسرين إسماعيل بن صالح بن علي » وأقطعه الحوانيت التي 
بباب أنطاكية إلى رأس الدلبة وكانت له » ثم عزله وولى مكانه عبد الملك 
بن صالح. وفي سنة 187 بلغه عنه أنه يحدث نفسه بالخلافة فعزله وولى 
على حلب وقنسرين ابنه القاسم ابن الرشيد. 

وفي سنة 188 رابط القاسم بن الرشيد بدابق. وفي سنة 190 خرج 
الروم إلى عين زربة والكنيسة السوداء وأغاروا » فاستنقذ أهل المصّيصة 
ما كان معهم من الغنيمة. وفي سنة 193 ولى الرشيد على حلب وقنسرين 
من قبل ابنه القاسم : خزيمة بن خازم » وفيها جعل الأمين مع أخيه القاسم 
قحافة بن أبي يزيد » وولى خزيمة بن خازم الجزيرة. 

حوادث أيام الأمين في حلب 

وفي سنة 194 عزل الأمين أخاه القاسم عن حلب وقنسرين والعواصم 
وسائر الأعمال وولاها خزيمة بن خازم. ثم في سنة 196 عزله وولى عليها 
عبد الملك بق هداح كان علي ذال وف ذى القعدة ميفة 106 ماشااعية 
الملك بن :صصائح بالرقة. 

حوادث أيام المأمون في حلب 

وفي سنة 197 ولَى المأمون خزيمة بن خازم حلب وقنسرين » وقيل 
الوليد بن طريف. ثم ورقة بن عبد الملك ثم يزيد بن يزيد. وفي سنة 198 
ولى المأمون حلب والشام جميعه طاهر بن الحسين. وفي سنة 206 ولى 
المأمون مصر والشام جميعه عبد الله بن طاهر. وفي سنة 213 ولى 
المأمون حلب وقنسرين والعواصم والثغور ابنه العباس وأمر له بخمسماتة 
ألف درهم. وفي سنة 214 ولى المأمون حلب وقنسرين وبقية ما كان بيد 
وده انسحاف 


5-0 


ابن إبراهيم بن مصعب بن زريق » نيابة عن ولده العباس. ثم عزله في هذه 
السنة وولى ورقة الطريفي نيابة عن ولده العباس. 


قدوم المأمون إلى حلب : 

وفي سنة 215 قدم المأمون حلب للغزاة ونزل بدابق وولى حلب 
عيسى بن علي بن صالح نيابة عن ابنه العباس » وولى قضاء حلب عبيد بن 
جنّاد بن أعين مولى بني كلاب بعد أن امتنع عبيد عن القضاء وهدده 
المأمون. وفي سنة 218 أناب المأمون عن ابنه العباس عبيد الله بن عبد 
العزيز بن الفضل بن صالح صاحب قصر بطياس. 


حوادث أيام المعتصم بحلب 
وفي سنة 223 كان المعتصم عائدا من غزاة الروم فقبض على 
العباس لما بلغه من عزمه على مخالفته. ثم استطعم العباس فأطعم طعاما 
كثيرا وحبس عنه الماء وأدرج في مسح فمات في منبج ودفن بها » وولى 
المعتصم حلب وقنسرين حربهما وضياعهما » عبيد الله بن عبد العزيز. 
وفي سنة 225 ولى المعتصم الشام جميعه والجزيرة ومصر اشناس التركي 
» وكان نائب أشناس على حلب وقنسرين عبيد الله بن عبد العزيز. 
وفي سنة 230 مات أشناس وولي حلب وقنسرين عبيد الله بن عبد 
العزيز. وبعده ولي عليهما وعلى العواصم في هذه السنة عبيد الله محمد بن 
صالح بن عبد الله بن صالح » فكانت سيرته غير محمودة وكان أحمر أشقر 
فلقب بالسمّاقة لشدة حمرته. ويقال إنه أول من أظهر البرطيل بالشام وأوقع 
عليه هذا الاسم » وكان يعرف بالرشوة يعطى على غير إكراه » وكان 
حوادث حلب أيام الوائق 
وفي سنة 231 ولى الوائق على الثغور والعواصم وأعمالها أحمد بن 
سعد بن مسلم ابن قتيبه وأمره بحضور الفداء مع خاقان وميخائيل صاحب 
الروم فأمضى الفداء في هذه 


وا 7 


السنة ثم غزا شاتيا » فأصاب الناس شدة فوجد الواثق عليه () وعزله » 
وولى على ما ذكر نصر بن حمزة الخزاعي. 


حوادث حلب أيام المتوكل 

«الشارباميان» أحد قواد المتوكل . وكان الوالي على جند قنسرين » من قبل 
لسر امون م ل ارم تع لكريم كم 
أمور 0 جم باس كوا 0 
الخليفة دالتولية كان فى روس الذى عنات فده ذو أى على كتسوريت :و الكو اهم 
والثغور وديار ربيعة ومضر والموصل ». وغير ذلك » ابنه المنتصر بن 
المتوكل + فكانت الولاة تأثي من.قبلة وفيها أمر المقوكل أن يكتب إلى الآفاق 
دن برعو قل اله باهيا العسار ا 


حادث غريب : 


مضين من رمضان » فصاح : يا معشر الناس » الله الله » أربعين مرة. ثم 
محضرا وأشهد فيه خمسمائة إنسان سمعوه. قال ابن العديم بعد أن حكى هذه 
الحادثة : ولا يبعد عندي أن تكون الدلبة هي التي ينسب إليها رأس الذلبة. 
قلت : كان محلها سوق الحمام. 

وسمع في هذه السنة أاصوات هائلة من السماء وتزلزلت نيسابور 
والثغور. 


(1) أي غضب عليه. 

(2) لباس خاص بهم. ويختلف من عصر إلى آخر. انظر ء مثلا » ما ذكره المؤلف في 
حوادث سنتي 700 ه و 1229 ه عن ذلك. 

(3) الرّخمة : نوع من الطيور غزير الريش ذو منقار طويل » وله جناح طويل مدبّب يبلغ 
طوله نحو نصف متر » ومخالبه متوسطة الطول. والدلب : شجر عظيم الورق لا زهر له ولا 
ثمر. 


-33- 


وفي سنة 245 كثرت الزلازل في الدنيا وتهدم من أنطاكية كثير من 
الدور وأبراج السور. 


ولاة حلب أيام المنتصر والمستعين والمعتز 

وفي سنة 247 ولى المنتصر الثغر الشامي وصيفا التركي. وفي سنة 
0 مات وصيف المذكور » وولى المستعين حلب وقنسرين موسى بن 
بغا. وفي سنة 251 ولى حلب والعواصم أبا تمام ميمون بن سليمان صدقة 
بن عبد الملك بن صالح. وفيها بويع المعتز بالله وامتنع عليه أهل حلب 
وأقاموا على الوفاء للمستعين فحاصرهم أحمد المولد فلم يجيبوا ثم أجابوا 
وبايعوا للمعتز. 00 
صالحا بن عبيد الله. وجده صاحب قصر بطياس. وفي سنة 253 ولي حلب 
وقنسرين والعواصم أبو تمام ميمون بن سليمان ثانية. وفي سنة 254 مات 
عمله أبا الساج ديوداد في ربيعها الأول. وفي سنة 255 تغلب أحمد بن 
عيسى بن شيخ علي الشامات. 

أول العمال الأتر فب السام 
الطاكية. و كر متوش ورغير قفا فى الياكد. 


عمّال حلب أيام المعتمد 
وفي سنة 258 عقد المعتمد لأخيه أبي أحمد » الملقب بالموفق » على 


حلب وقنسرين والعواصم » فاستناب فيها «سيما الطويل» » أحد قواد بني 
العباس ومواليهم » فابتنى بظاهر حلب عند باب أنطاكية دارا حسنة لها 


بستان كان يعرف ببستان الدار » وبهذه الدار سميت محلة باب أنطاكية 
«الدارين» تثنية دار 2 إحداهما هذه » والثانية دار بناها قبله محمد بن عبد 
الملك بن صالح. وإحدى الدارين تعرف بالسليمانية على حافة نهر قويق » 
وحاضر السليمانية يعرف بها وهو حاضر حلب. 


5 


وجدد سيما الطويل الجسر الذي على نهر قويق قريبا من داره ورككب 
عليه بابا أخذه من قصر بعض الهاشميين بني صالح بحلب » يقال له قصر 
البنات » وبه كان يعرف بدرب البنات » والقصر يعرف بأمٌَ ولد اسمها 
«بنات» كانت لعبد الرحمن بن عبد الملك الهاشمي. 

وسمى «سيما» باب الجسر المذكور باب السلامة. وفي سيما الطويل 
يقول البحتري شعرا : 


0 ع و لي ان كل ار ما د 
ترقت نري قاين اب ا لطي راصي وي كل إصر قور 


حوادث أيام بني طولون : 

وفي سنة 264 عصى أحمد بن طولون على مولاه أبي أحمد الموفق 
وأظهر خلغة وترل: إلى الشاى» فغفل © منه سيم الطويل إل انظاكية قزل 
عليها ابن طولون وحاصرها وفتحها عنوة وقتل «سيما» » واستولى على 
حلب والشام. وفي سنة 265 توجه أحمد ابن طولون إلى مصر وولّى على 
حلب مملوكه لؤلؤا. 

سنة 267 خبر الزلزلة : 

فيها كانت زلزلة عظيمة بالشام ومصر والجزيرة وأفريقيا والأندلس » 
وكان قبلها هذة عظيمة قوية. وفي سنة 268 خرج بكار الصالحي » من ولد 
عبد الملك بن صالح ٠»‏ بين حلب وسلمية » ودعا لأبى أحمد الموفق » فوجه 
إليه لؤلؤ قائدا يقال له يوذر فأخفق سعيه. 

ثم ظفر لوْلوْ ببكّار وقبض عليه سنة 268. 


عصيان لؤلوْ على مولاه : 

فيها عصى لؤلؤ على مولاه أحمد بن طولون » وكاتب أبا أحمد 
الموفق بالمسير إليه وقطع الدعاء لمولاه في مدنه جميعها : حلب وقنسرين 
وحمص وديار مضر » ووافقه أهل الثغور على ذلك وأخرجوا نواب مولاه 
منها. فوافاه مولاه من مصر سنة 269 في مئة ألف وقبض 


(1) سيما » في الشطر الثاني : : العلامة. والرواية : «يحاوله» بدل «نحاوله». وانظر زبدة 


الحلب لابن العديم 1 / 77 وديوان البحتري 3.. 
(2) أي ارتحل هاربا. 


5 


على حرمه وباع ولده » وكان لؤلؤ هرب إلى أبى أحمد الموفق. 


قصد ابن طولون الثغور وموته : 

في سنة 200 قصد :ابن طولون الهو فأغلقها اهلها في ونمينه كاد 
إلى أنطاكية ومرض. وولى حلب عبد الله بن الفتح ثم شخص إلى مصر 
ومات بها. ثم ولّى ابنه أبو الجيش ٠‏ خمارويه » أبا موسى محمد بن العباس 
الكلابي. ثم كاتب خمارويه أبا أحمد الموفق بأن يقره على حلب ومصر 
وسائر البلاد التي كانت في يد أبيه » ويدعى له على المنابر » فلم يجبه 
المؤفق إلى ما طلب:» فاستؤخش خمار ويه وولي حلف القائد أحمد ب 
دوغياش عامل الرقة. 

وفي هذه السنة تؤاقم إتنحاق بن كنداج عامل الموصل والجزيرة 
للخليفة مع ابن دوغباش عامل حلب لخمارويه. 


سنة 271 اتفاق إسحاق مع محمد بن ديوداد بن أبي الساج 
المعروف بالأفشين : 

فيها طمع المذكوران في الشام » فسارا إليها باتفاق مع الموفق وملكا 
دمشق. وولى الموفق ابن ديوداد حلب وأعمالها. ثم قدم أحمد بن الموفق إلى 
حلب بجيشه الجرار فدخلها في ربيع الآخر منها » ثم سار إلى قنسرين وهي 
لأخي الفصيص التنوخي . وحاضر طيئ لطيئ » وعليها سور وقلعة. ثم 
سار إلى شيزر فكسر العسكر المقيم بها. ثم تواقع مع خمارويه على 
الطواحين قرب بلد الرملة » فكانت الغلبة أولا لابن الموفق » ؛ ثم انعكس 
الحال وكسر وتفرقت عساكره » وخرج عليه ابن ديوداد قبل وقعة 
الطواحين وجاء إلى حلب واستولى عليها ومعه إسحاق بن كنداج. 

وفي سنة 273 نزل خمارويه إلى حلب وصالحه ابن ديوداد ودعا له 
عَلن المدابن وحمل كماو يه لوهوه ايكاب ابن كيوداة مانت أنف دينان: + 
ولكاتبه نيفا وعشرين ألف دينار » ثم راسل خمارويه أبا أحمد الموفق 
فأجابه وأقره على ما بيده. وفي سنة 275 صعد خمارويه من الشام إلى 
مصر فعاد ابن ديوداد إلى فساده » فقصده خمارويه فهرب منه وعبر 
الفرات وخمارويه في طلبه » فهرب إلى الموفق بن المتوكل » فأحسن إليه. 
وفي سنة 276 ولى خمارويه حلب غلام أبيه طغج بن جف , والد الإخشيد. 


-36- 


عود حلب إلى العباسين وحوادثهم فيها 
[أيام المعتضد]() 
وفي سنة 286 قلّد المعتضد حلب وقنسرين ولده أبا محمد علي » 
وولى أبو محمد بن المعتضد من قبله على حلب ابنه الحسن بن محمد 
المعروف بكوره الخراساني » وإليه تنسب دار كوره داخل باب الجنان 
بحلب والحمام المجاورة لها » وكانت خربت ولم يبق منها أثر. وكان كاتب 
محمد بن المعتضد يومئذ الحسين بن عمرو النصراني فقلده النظر في هذه 
النواحي. ٠‏ 
وفي سنة 287 خرج وصيف خادم الأآأفشين على الخليفة المعتضد 
فضم المعتضد الثغور إلى «كوره» وكان قد أسر وصيفا المذكور وأتى به 
إلى حلب فاأقام بها يومين » ووجد في بستان من بساتينها مالا أقرٌ به وصيف 
أنه كان دفنه بذلك البستان أيام مولاه الأفشين » وقدره ستة وخمسون ألف 
دينار » فحمل إلى المعتضد. 


حوادث أيام المكتفي 

وفي سنة 289 صرف المكتفي الخليفة الحسن بن كوره عن ولاية 
حلب وولى عليها أحمد بن سهل النوتجاني » وذلك في جمادى الآخرة منها. 
ثم في سنة 290 صرفه عنها وولى مكانه أبا الأغر خليفة بن المبارك 
السلمي » ووجّهه لمحاربة القرمطئ ©» صاحب الخال »؛ فإنه كان قد عاث 
في البلاد وغلب على حمص وحماة ومعرة النعمان وسلمية وقتل أهلها 
وسبى النساء والأطفال. فقدم أبو الأغر حلب في عشرة آلاف فارس » وأنفذ 
القرمطيّ سرية إلى حلب فخرج إليها أبو الأغر ء إلى وادي بطنان » فكبسه 
غلام القرمطي وقتل عامة أصحابه » وسلم أبو الأغر في ألف رجل ولجأ 
إلى قرية من قرى حلب. وأقام القرامطة كالمحاصرين لحلب. 

فلما كان يوم الجمعة سلخ ©) رمضان سنة 290 تسرع أهل حلب 
للخروج للقاء 
(1) ما بين مربعين زيادة منا للتوضيح. | 
(2) بكسر القاف والميم » كما يضبطها المؤرخون والنُسابون. أما اللغويون فيجعلونها بفتح 


القاف والميم. 
(3) الستلخ : آخر الشهر. 


-- 


القرامطة فمنعوا . وكسروا قفل الباب وخرجوا » ووقعت الحرب بين 
الفريقين ونصر الله الحلبيين وأعانهم أبو الأغر » فقتل من القرامطة خلق 
كثير وعاد الحلبيون يوم عيد الفطر. ش 
هذه الس قرع كيسى ال مهدر لمحارية الفلو اونية ين تكلم عت كلف 
ولده. ولما رجع إلى حلب صرفه المكتفي منها إلى مصر وولى حلب أبا 
الحسن ذكاء بن عبد الله الأعور سنة 292 وكان كريما يهب ويعطي » وإليه 
كانت تنسب دار ذكاء » وإلى جانبها دار حاجبه فيروز » انهدمت وصارت 
تلا نسفه الملك الظاهر وظهر في بقايا من الذخائر كالزئبق وغيره » وكان 
موضع سوق الصاغة » وكان وزير ذكاء وكاتبه أبا الحسن محمد بن عمر 
بن يحيى الثفري ٠‏ وإليه كانت تنسب حمّام الثفري » وداره هي المدرسة 
النفرية. 
حوادث أيام المقتدر 

وفي سنة 295 عاثت بنو تميم في بلد حلب وأفسدوا فسادا عظيما 
إنجاد ذكاء في حلب » وكان ابن حمدان بالرحبة فسار إلى بني تميم ولقي 
منهم جماعة بخناصرة وأوقع بهم وأاسر بعضهم » وانصرف ولم يجتمع 
8 العباس ين المفتدن » فاشكتاب موؤنس الخادم غعده قتي كلد أن العينا 
أحمد بن كيغلغ في هذه السنة » وهو الذي مدحه المتنبي بقوله (كم قتيل كما 
قتلت شهيد) 2. وكان أحمد المذكور أديبا ظريفا. ومن شعره قوله : 

راي هل تن الحد على حسواكي مدال 1 فروس موا 
جك الخراساني » وكان جبارا عنيدا منحرفا عن أهل البيت. وفي سنة 312 
عزل مؤنس الخادم أبا قابوس » وولى مكانه وصيفا البكتمري الخادم. وفي 
سنة 316 عزل وصيفا وولّى مكانه هلالا ابن بدر أبا الفتح غلام المعتضد. 


(1) في الأصل : «شهيدا» خطأ. وهو نعت لقتيل. وتمام البيت : «لبياض الطّلى وورد 
الخدود». والطّلى : الأعناق. 


-38- 


وفي سنة 317 عزل هلالا وولى مكانه وصيفا » ثانية » فمات في 
حلب يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة منها » وكان كاتبه عبد الله والد أبي 
على حلنع لأمير اعد يبن كيفل اناده وك سنة | درواي عل بكلت غلم 
مؤنس الخادم » وهو طريف بن عبد الله السبكري الخادم » وكان شهما 
كريما حاصر بعض حصون اللاذقية وقهر أهلها وأحضرهم معه إلى حلب 
مكرمين » وأضيفت إليه حمص مع حلب. 

حوادث أيام القاهر 

وفي سنة 321 قبض الخليفة القاهر مولاه مؤنس الخادم » وولى حلب 
ودمشق بشرى الخادم » فاقر بشرى طريفا على عمله وسار إلى حمص 
لقتال ابن طغج فكسر بشرى وأسر وخنق . ووصل الآمير ابن كيغلغ إلى 
حلب واتفق مع محمد بن طغج. 

حوادث أيام الراضي الخليفة 

وفي سنة 324 قلّد الراضي حلب وأعمالها بدرا الخرشني » فبلغ خبره 
طريفا ‏ كنك كلب و عنثالما وده انق صناحيا له إل أن مفلة ليل سل 1ه 
بتجديد العهد وبذل له عشرين ألف دينار » وكان الخرشني وصل إلى حلب 
فدافعكه طريف رجاء أن يقضي أربه » فزحف الخرشني على طريف في 
أرض حلب فانهزم طريف. وتسلم حلب الخرشني فأقام بها مدة ثم طلبه 
الخليفة فسار إليه واستناب طريفا وقلده حلب وأعمالها. وفي أواخر هذه 
السنة قلد الراضي أبا بكر الإخشيد محمدا بن طغج مصر وأعمالها مضافا 
إلى ما بيده من الشام. وفي سنة 325 استناب الإخشيد بحلب أبا العباس 
أحمد بن سعيد بن العباس الكلابي » وفيها وردت بنو كلاب من نجد 
وأغاروا على المعرة وأسروا واليها واكثر جنوده » فخرج إليهم ابو العباس 
والي حلب وخلص منهم والي المعرة. 1 

وفي سنة 327 دخل حلب واليا عليها أبو بكر محمد بن رائق » وقيل 
كان دخوله إليها سنة 328 ولما وصل إليها استناب بها خاصة محمد بن 
يزداذ وسار لقتال الإخشيد » فهزم الإخشيد وسلّم دمشق إلى ابنه مزاحم. ثم 
جرى بين أبي بكر وبين الإخشيد وقعة ثانية 


-39 


في «الحفار» أسر فيها مزاحم » فرجع ابن رائق وخلّص ولده فقتل أخو 
الإخشيد فكفنه ابن رائق ووضعه في تابوت وبعث به إلى الإخشيد آخيه مع 
ابنه مزاحم الذي كان ماسورا وقال : ما أردت قتل هذا » وهذا ولدي لتقيده 
(1) به فأحسن الإخشيد إلى محمد المذكور ورده على أبيه. 
حوادث أيام المتقي 

استيلاء الدولة الإخشيدية على حلب وحوادثهم فيها : 

وفي سنة 329 سيّر الإخشيد كافورا من مصر ومعه عسكر ضخم » 
وكافور والتقيا مع محمد بن يزداذ والي حلب من قبل رائق » فكسراه 
وأسراه وأخذا منه حلب » وتولاها مساور بن محمد الرومي ممدوح المتنبي 
بقوله : 
أممساور أم قرن شمس هذا أم ليث غاب يقدم الأستاذا © 

يريد بالاستاذ كافورا. وإلى كسرة بن يزداذ أشار بقوله : 
العمادية التي جددها سليمان بن عبد الجبار بن أرتق » وتنسب إلى بني 
العجمي. 
ثم إن الإخشيد اتفق مع ابن رائق على أن يبقي بيد ابن رائق حمص 
وحلب ويحمل إلى الإخشيد مالا معلوما ويزوجه ابنته. وفي سنة 330 قتل 
أبو بكر بن رائق المذكور ؛ وكان شهما مقداما سخيا لكنه عظيم الكبر مستبد 
برأيه غير موفق للصواب » وكان نائبه بحلب أحمد بن علي بن مقائل ومعه 
مزاحم بن رائق. 
(1) من القود » أي لتقتله به. والقود : القصاص. يقال : أقاد القاتل بالقتيل : قتله به قودا. 


(2) قرن الشمس : أول ما يبدو منها. يقدم : يتقدم. 
(3) ابن : مفعول حطمت. هبك : احسب نفسك. 


40 


حوادث أيام المتقي وابتداء أمر بني حمدان في حلب : 

ولما قتل ابن رائق » كان أمير الأمراء » عند المتّقي الخليفة العباسي » 
عليا بن خلف وأنفذ معه عسكرا وكتب إلى يانس المؤنسي أن يعاضده وكان 
واليا على ديار مضر من قبل ناصر الدولة. 

فسارا إلى أحمد بن مقاتل ومزاحم وانتصرا عليهما في وادي بطنان 
وملكا منهما حلب. ثم إن عليا بن خلف سار إلى الإخشيد وصار وزيرا عنده 
» ثم عتا عليه فاعتقله الإخشيد ومات في حبسه. وبقي يانس واليا على حلب 
او م ا اا ل 


عشر )2 ألف نسمة. 


سنة 332 وابتداء أمر بني حمدان في حلب وأعمالها : 

وفي هذه السنة تقرر بين «تورون» أحد قواد الخليفة وبين ناصر 
الدولة بن حمدان أن يكون للأول أعمال البصرة وما إليها » وللثانى 
الموصل وأعمال الشام. فاستعمل ناصر الدولة على طريق الفرات وديار 
مضر » وجند قنسرين والعواصم وحمص ء أبا بكر محمدا ابن علي بن 
مقاتل ثم استبدله بابن عمه أبي عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان. فأقبل 
هذا من الموصل ومرّ في طريقه على الرّقّة » فمنعه أهلها فقاتلهم وظفر بهم 
وأحرق بعض البلدة وأسر أميرها محمد بن حبيب البلزمي. ثم سار إلى 
حلب » وكان فيها يانس المونسي وأحمد بن العباس الكلابي من قبل الإخشيد 
؛ فهربا إلى حمص. واستولى أبو عبد الله على هذه البلاد وأقام في حلب 
ووافاهلإحفهه ابو بكر محمدين طفع فاحفل كته ابو .عي الله إلى الدقة 
لضعفه عن لقائه. 
0 اطي السو 0 كر ال ع اي 


ففرم ولا وح ليذ التسهف ٠‏ #الأن المعكوة وهو الألف - - مذكر. فابقينا ما هو الصواب. 


41 


حوادث أيام المتّقي بالله 


والمستكفي © بالله سنة 333 
ولما وصل أبو عبد الله إلى الرقة وجد فيها الخليفة المتقي بالله فلم يأذن 
لأبي عبد الله بالدخول إليها » واستدعى المتّقي الإخشيد » فأتى إليه وأكرمه 
» كما أن الإخشيد برّه » ووصله » ثم كتب الخليفة له عهدا على الشام 
ومصر على أن يكون له ولابنه أبي القاسم أنوجور إلى ثلاثين سنة. وعاد 
الإخشيد إلى حلب. 
استيلاء سيف الدولة على حلب 
وفيها 2) سار الإخشيد إلى مصر ء وولّى حلب أبا الفتح عثمان بن 
سعيد الكلابي. فحسده إخوته الكلابيون واستدعوا سيف الدولة عليا بن 
حمدان ليولّوه على حلب. فقدم إليها سيف الدولة برضاء أخيه ناصر الدولة 
وقد عرف اختلاف الكلابيين وضعف أبي الفتح عن لقائه » فاستولى على 
حلب وهو الاستيلاء الأول في هذه السنة » ولم ير كيدا من الكلابيين ولا من 


غير هم. ولما دخل إلى حلب عزل قاضيها ابن ماتل وولّى مكانه ابن الهيثم 


غزو سيف الدولة أرض الروم : 
وغنم وعاد. 

قصد جيوش الإخشيد حلب واستيلاؤه عليها : 

وما كاد سيف الدولة يستقر في حلب بعد عوده من غزو أرض الروم 
حتى بلغه زحف جيوش الإخشيد على حلب مع قائده وخادمه كافور ويانس 
المونسي » فبدرهما سيف الدولة وهما في الرّستن وأوقع بهما وبعساكرهما 
إلى دمشق » ثم خرج منها إلى الأعراب » ولما عاد إليها منعه أهلها 


(1) في الأصل : «المتكفي» تحريف وخطأ. 
رف أى.فيقة قدده 


42 - 


فبلغ الإخشيد ذلك فقصده فخام ) سيف الدولة عن لقائه لقلة عسكره ؛ لأن 
أكثرهم استأمن إلى الإخشيد. ثم تواقعا بأرض قنسرين فدارت الدائرة على 
سيف النولة وولى عنيزقا إلى الركة ؛ ويدكل الأعسيوهلت روماه أصيفانه 
في نواحيها وقطعوا أشجارها الكثيرة وبالغوا بإيذاء الناس لميلهم إلى سيف 
الدولة. 

سنة 334 عود سيف الدولة إلى حلب وهو الاستيلاء الثاني : 

ثم في ربيع الأول من هذه السنة تقرر الصلح بين الأميرين على أن 
تكون حلب وحمص وانطاكية لسيف الدولة » ودمشق للإخشيد » على أن 
يدفع عنها إلى سيف الدولة إتاوة سنوية ©. 

استيلاء سيف الدولة على دمشق 

نعف الدولة اعقو فررضنة كلق نتف دن الخاس سات 
جيوش كافور وأنوجور منها إلى مصر لكفاح المغربي الذي استولى عليها. 
فتوجه سيف الدولة إلى دمشق واستولى عليها. ثم تبين فيها لأهلها أمارات 
الطمع فكاتبوا كافورا فحضر إليهم ومعه أنوجور ابن الإخشيد. 

سنة 335 حرب سيف الدولة مع كافور : 

فتحارب في هذه السنة منيف الدولة في أكتال ملع كافؤق* فاتكنيز 
سيف الدولة وولَى منهزما إلى حمص » فحشد وعاد إلى مرج عذراء 
وتواقع فيه مع كافور فانكسر أيضا وانهزم إلى الرقة. ودخل كافور إلى 
حلب وولى عليها يانس المونسي. 


الفداء بالثغور بين المسلمين والروم : 
فيها كان الفداء بين المسلمين والروم على يد عامل سيف الدولة في 


الثنغور . وكان عدد الأسرى 2480 وفضل للروم على المسلمين 230 
أسيرا » فوفاهم سيف الدولة من ماله. 


(1) خام عن القتال : جبن وتراجع. 
(2) الإتاوة : الجزية ونحوها. 


43 


سنة 336 : 

وفي شهر ربيع الآخر من هذه السنة أقبل سيف الدولة إلى حلب 
وكبس يانس المونسي فانهزم إلى سرمين. فارسل سيف الدولة إليه من 
يتعقبه فانهزم وحده إلى أخيه بميافارقين. ثم تجدد الصلح بين سيف الدولة 
وابن الإخشيد على الصفة التي كانت بينه وبين الإخشيد دون الإتاوة 
السنوية. واستقر سيف الدولة بحلب » وهو الاستيلاء الثالث » وعمر داره 
في أرض الحلبة وأجرى إليها الماء من قويق. 

وفيها كان الغلاء بالشام وأكلت الحمير والهررة والصبيان » ومات 


سنة 337 غزو سيف الدولة الروم وانكساره وغير ذلك : 

فيها غزا سيف الدولة الروم فانكسر » وأخذ الروم مرعش وأوقعوا 
بأهل طرسوس. وفيها ملك سيف الدولة حصن برزيه. وفي ذلك يقول أبو 
الطيب «وفاؤكما كالرّبع أشجاه طاسمه» 2. وفيها استنقذ سيف الدولة أبا 
وائل تغلب بن داود بن حمدان لما أسره الخارجي الذي نجم في شعبان هذه 
السنة. وفي ذلك يقول أبو الطيب «إلام طماعية العاذل» ©. 


سنة 339 غزو سيف الدولة الروم : 
فيها غزا سيف الدولة الروم وأوغل وفتح حصونا كثيرة وسبى وغنم. 
كم أخذ الروء غليه البضايق فهلك.من كان معه,» وتحا يتيت الدولة في عدد 
يسير . 


سنة 340 موت يماك التركي : 
قيهاامات يماك التوكي مملرك شيف الدولة وكان مقدم مماليفه: 
وكانوا أربعة آلاف مملوك شراء ماله. ورتاه أبو الطيب بقوله ««لا يحزن الله 


الأمير فإنني» ©. 
(1) تمامه : «بآن تسعدا » والدمع أشفاه ساجمه», 


(2) شطره الثاني : ولا رأي في الحب للعاقل. 
(3) عجز البيت : «لآخذ من حالاته بنصيب». 


44 - 


سنة 341 قصد الروم مدينة سروج : 

فيها قصد الروم مدينة سروج وسبوا وغنموا وخربوا مساجدها 
وانصرفوا. فتبعهم سيف الدولة وظفر بهم وبنى مرعش. وفي ذلك يقول أبو 
الطيب «فديناك من ربع وإن زدتنا كربا» 2. 


مذ نهر قويق : 

وفى شتاء هذه السنة مد نهر قويق حتى أحاط بدار سيف الدولة » 
ودورها سبعة آلاف ذراع » وسماها السيفية. فخرج أبو الطيب من عنده 
فبلغ الماء إلى صدر فرسه فقال في ذلك الأرجوزة التي مطلعها : «حجّب ذا 
البحر بحار دونه» 2 


سنة 342 خروج سيف الدولة إلى ديار مضر وإيقاعه بالدمستق » 


وأسره ابنه : 

في حاشية من ديوان للمتنبي مخطوط . محفوظ عندي » ما صورته : 
رفيا رحل سيك الذولة من حلب إلى ذمار مشر لاقتطر اي اليلاة يهنا 
فنزل حرّان فأخذ رهائن بني عقيل وقشير وعجلان » وحدث له بها رأي في 
الغزو فعبر الفرات إلى دلوك ؛ إلى قنطرة صنجة » إلى درب القلّة » فشنٌ 
الغارة على أرض عرقة وملطية : وعاد ليعبر الفرات من درب موازد 
الآأرمن. ورجع إلى ملطية وعبر قباقب » وهو نهر » حتى ورد المخاض 
على الفرات تحت حصن يعرف بالمنشار » فعبر إلى نهر هنريط وسمنين » 
ونزل بحصن الران » ورحل إلى سميساط فورد عليه بها من خبّره أن العدو 
في بلد المسلمين. فاسرع إلى دلوك وعبرها » فادركه راجعا على جيحان 
فهزمه وأسر قسطنطين بن الدمستق » وجرح الدمستق في وجهه. وكان 
الإيقاع به يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الآول. فقال أبو الطيب يصف 
ما كان في جمادى الآخرة من هذه السنة «لياليّ بعد الظاعنين شكول» ©. 
(1) تمامه : «فإنك كنت الشرق للشمس والغرباء». 


(2) في الأصل : «بحارا» والتصويب من الديوان. وتمام البيت : «يذمّها الناس ويحمدونه». 
(3) شكول : أي يشبه بعضها بعضا. وعجز البيت : «طوال » وليل العاشقين طويل». 


- 45 


سنة 343 سير سيف الدولة إلى الحدث وإيقاعه بجيوش الدمستق : 

وفي الحاشية المذكورة ما صورته : 

«في هذه السنة سار سيف الدولة نحو حصن الحدث لبنائها » وكان 
أهلها أسلموها بالأمان إلى الدمستق سنة 337 فنزلها سيف الدولة يوم 
الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة من سنة 343 وبدأ في 
نوضة فكظ الأساس حفن أزله فيه ابتهاء ما عد اللداتعالى. ا 

فلما كان يوم الجمعة نازله ابن النقاس » دمستق النصرانية » في نحو 
خمسين ألف فارس وراجل من جموع الروم والأرمن والروس والبلغر 
والصقلب والخزرية. ووقعت المصادمة يوم الاثنين انسلاخ جمادى الآخرة 
من أول النهار إلى وقت العصر » وإن سيف الدولة حمل عليه بنفسه في 
نحو خمسمائة من غلمانه وأصناف رجاله فقصد موكبه وهزمه وظفر به 
؛ فقتل أكثرهم واستبقى البعض », وأسر نوذس الأعور بطريق سمنذوا 
والقنذوا » وهو صهر الدمستق على ابنته » وأسر ابن بنت الدمستق » وأقام 
على الحدث إلى أن بناها ووضع آخر شرافة منها بيده في يوم الثلاثاء 
لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب. فقال أبو الطيب في ذلك وأنشده إياها بعد 
الوقعة بالحدث : «على قدر أهل العزم تأتي العزائم». 

أقول : هذه النبذة ساقها العكبري في شرح هذه القصيدة مع تصرف 
قليل ببعض ألفاظها. وقد غلط ابن الأثير فذكر أسر ابن الدمستق في هذه 
الواقعة. ولعل الذي أوقعه بهذا الوهم قول المتنبي في هذه القصيدة : 
وقد فجعته بابنه وابن صهره وبالصهر حملات الأمير الغواشم 

على أن الفجع بابنه في هذا البيت لا يستلزم حصوله في هذه الوقعة . 
إنما هو إخبار عنه في الوقعة الأولى. 

وقد غلط بعض المؤرخين في هاتين الوقعتين غلطتين » إحداهما : 
توهّمه أنهما وقعة واحدة » وثانيهما : فهمه من عبارة العكبري أنها أفادت 
أن ابن الدمستق أسر في هذه الوقعة. مع أن عبارة العكبري لا يستفاد منها 
أنه أسر ولا قتل في هذه الوقعة كما يظهر ذلك بداهة 


46 


لمن قرأها. على أن ذكر أسره في قصيدة المتنبي التي أنشدها في الوقعة 
الأولى صريح حيث يقول : 
على قلب قسطنطين منه تعجّب وإن كان في ساقيه منه كبول () 


إيقاع سيف الدولة ببني كلاب : 

وفيها أحدث ينو كثلاب حدنا بنوائفي نالين )2ع وسار سيف الدولة 
خلفهم فأدركهم بعد ليال على بعد 120 ميلا من حلب , فأوقع بهم ليلا فقتل 
وملك الحريم وأبقى وأحسن. فقال أبو الطيب «بغيرك راعيا عبث الذئاب 
(03), 


سنة 344 ورود رسول ملك الروم : 
في محرّم هذه السنة ورد على سيف الدولة فرسان طرسوس وأذنة 
الطيب «أراع كذا كل الأنام همام»©. 


خروج سيف الدولة إلى الأعراب وإيقاعه بهم : 

في الحاشية المذكورة ما خلاصته : 

في هذه السنة تجمعت عامر بن صعصعة وعقيل وقشير والعجلان » 
أولاد كعب بن ربيعة بن عامر » بمروج سلمية وكلاب بن ربيعة ومن 
ضامّها » بماء يقال له الزرقاء بين خناصرة وسورية » وتشاكوا بما لحقهم 
من سيف الدولة وتضافروا على حربه وكانوا في كثرة من عددهم وعددهم 
؛ وقد زين لهم ذلك قواد من كعب كانوا في عسكر سيف الدولة . ؛ فركضوا 
على أعماله فقتلوا صاحبه بناحية زعرايا يعرف بالمربوع من بني تغلب 


(1) من قصيدته «ليالئ بعد الظاعنين شكول». قسطنطين : ابن الدمستق. والكبول : القيود 
)عفن البو حديفة مسكتةا 

(3) تمام البيت : «وغيرك صارما ثلم الضّراب». الضراب : المضاربة. 

(4) تمام البيت : «وسحّ له رسل الملوك غمام». راع : خوّف , والاستفهام للتعجب. كذا : أي 
روعا كهذا الذوع مك الماء: هنتد. يعني تتابعت رميل الرروم إلى سيف الدولة كانيدا وسطر 
يصبه الغمام. 


47 


وقتلوا الصباح بن عمارة والي قنّسرين. 

ثم إن سيف الدولة اشتغل عن النهوض إليهم بوفود طرسوس فتمادت 
أيام مسيره وزاد ذلك في طمع البوادي. ثم قدّم مقدّمة إلى قنُسرين في يوم 
اسيك لليلة حلك مخ مقر .هذه النة 'فأقامت المقكية اح عقين روما أهلا 
أن ترعوي البادية فلم يرتدعوا. فبرز سيف الدولة إلى ضيعة يقال لها 
الراموسة على ميلين من حلب في يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من 
صفر » وسار عنها في يوم الأربعاء فنزل تل ماسح وراح منه فاجتاز بمياه 
الحيار فطواها وتلقته مشيخة من بني كلاب وغيرهم فطرحوا نفوسهم بين 
يديه وسألوه قبول تسليمهم إليه. 

وقصد سلمية فلما كان سحر يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من صفر 
تجمعت الأعراب » كعب ومن ضامّها من اليمن » في عذتها وعذتها . 
وحبسوا ظعنهم بماء يقال له حيران » على نحو مرحلة من سلمية » 
وبعضهم بماء يقال له القرقلس وراءه. ووافت خيولهم مشرفة على عسكر 
سيف الدولة من كل ناحية. فركب لهم ووقع الطراد فلم يمض إلا ساعات 
حتى ركب أكتافهم وولُوا واستحر القتل والأسر بآل المهيا ووجوه عقيل 
وقوادها » واسر خويلد بن عوسجة بن منصور بن المهيا » وشداد النعمي . 
وجه بني نعمة. فأطلق جمعهم منّا عليهم مع عدد كبير وأسروا وأطلقوا , 
وقتل من جمعهم نيّفا وخمسين رجلا » وأخذ منهم نحو مائتي فرس » 
ودروع من كان عليها. 

ورحل سيف الدولة ضحوة نهار الجمعة متبعا لهم فأسرعوا لترحيل 
بيوتهم فوافى ماء حيران بعد الظهر فوجد آثار جفلتهم » وسار إلى ماء 
القرقلس وأمر بالنزول عليه. ثم عن له رأي في اتباعهم فرحل لوقته إلى 
ماء الغنثر يوم السبت النصف من صفر » وتسع بقين من حزيران » وقدم 
كداز فلجفكا ما لمن وخاز قه + قزل على الخنذن قل :نضيف الليل وقد ايتدلاك 
الأرض من الأغنام والجمال والهوادج والرحال » وقد تفرقت خيولهم 
واشتبهت عليهم الطرق » فوقع أصحابه على عدة منهم فقتلوهم. وسار وقت 
السحر إلى تدمر فنزل ماء الجباه على سبعة وعشرين ميلا من الغنثر » 
وتفرقت خيله في طلب الفلول فساقت الماشية وقتلت عذة » وسار سيف 
الدولة من تدمر نحو السماوة فقتل وأسر وصفح عما ملكه من الحريم » ثم 
رجع من السماوة شفقة عليهم من الاستتصال لان الكثير منهم يموتون 
عطشا وجوعا. وقد قصد فريق منهم جهة القلمون مما يلي دمشق. ثم عاد 
سيف الدولة إلى 


48 


معسكره ومر بطريقه على جماعة من تلك الجموع أسروا وعجزوا عن 
الهرب فبرّهم وزوّدهم. وأقام بتدمر يومين وبث الخيل ليتعرف أخبارهم 
فظفرت خيوله بمال منقطع وأقوام فصفح عنهم ورحل نحو أركة ثم نحو 
السخنة ثم نحو عرض والرصافة والرقة فتلقاه اهلها. ثم نحو حلب فوصل 
إليها يوم الجمعة لست خلون من شهر ربيع الأول من هذه السنة فقال أبو 
الطيب يمدحه ويذكر ما جرى : «تذكّرت ما بين العذيب وبارق» 2. 


مسير سيف الدولة إلى النمستق في حصن الحدث ٠‏ 

في جمادى الأولى من هذه السنة نهض سيف الدولة إلى الثغر لما ورد 
عليه من الدمستق وجيوش النصرانية قد نزلوا على حصن الحدث ونصبوا 
عليه مكايد » وقد أنجدهم ملكهم بأصناف العسكر من البلغر والروس 
والصقلب فى عدد وعدد » فسار سيف الدولة من حلب فلما قرب من الحدث 
رحل العدو إلى حصن رعبان. وخرج أهل الحدث وأخذوا آلة سلاح العدو 
وأعدّوه في حصنهم » وعاد سيف الدولة إلى حلب فقال أبو الطيب «ذي 
المعالي فليعلون من تعالى» ©. 

أقول : ذكر العكبري أن هذه الحادثة كانت في سنة 340 وهو غلط 
والصواب أنها كانت في هذه السنة وهي سنة 344. . 


سنة 345 غزو سيف الدولة الروم : 

فش الحاقنية المدكو رما خلاضكة: 

أن متيف الدولة غبرارضن كلت ههه أبيو الطيعية :وقد أغية الاات 
لعبور أرسناس » فاجتاز بحصن الران ثم اجتاز بحيرة سمنين ثم بهنريط. 
وعبرت الروم والآرمن أرسناس وهو عظيم الجرية والبردء فسبح الخيل 
حتى عبرته خلفهم إلى تل بطريق وهو مدينة لهم » فغرق جماعته واحرق 
تل بطريق وقتل من وجد فيها. وأقام أياما وعقد بها سمريّات © ليعبر السبي 


(1) عجزه : «مجرّ عوالينا » ومجرى السّوابق». العذيب وبارق : موضعان بظاهر الكوفة. 
والعوالي : الرماح. والسوابق : الخيل. 

(2) في الأصل : «المعال» بدل «المعالي» خطأ ‏ وتمام البيت : «هكذا هكذا وإِلَا فلالا». 
)3( كذا في الأصل 3 والذي في المعاجم اللغوية : «السميريّات» وهي ضرب من السفن 2 
مفردها «سميريّة» بصيغة التصغير. 


49 - 


فيها ثم أقفل » فاعترضه البطريق في الدرب بالجيش » وارتفع في ذلك 
الوقت سحاب عظيم وجاء مطر جود 2 . ووقع القتال تحت المطر ومع 
البطزيق نحى ثلؤثة الاك قوس > قابتلت أويار: القبسئ فلم تتفع فانهزم 
حتى سلم. 
واتصل بسيف الدولة خبر يانس » سبط الدمستق شمشقيق البطريق » 
في متابعته الغارة على أطراف ديار بكر وتقديره أنه آمن ببعد سيف الدولة. 
فسار سيف الدولة في يوم الاثنين لاربع عشرة ليلة خلت من محرّم سنة 
5 ولما وصل إلى حرّان لقيته وجوه بني نمير لائذين به وسألوه العفو 
عن كل شيء كان أنكره عليهم » فأجابهم إلى ذلك وتنكّب طرق الجادة وأخذ 
على حصن الران إلى حصن الحمة إلى حصن بارقبين » وجميعها له وفي 
يده » ودخل منه غازيا في يوم السبت لآربع بقين منه. وقد كان البطريق 
ومن تجمع إليه من البطارقة ورد الدرب للغارة على بلد آمد » فلما أشرف 
سويقه الذولة ولو |امتهز فين حول ممنف الدولة قباط يكيرة مقاط 
وخيوله تركض وتأسر وتحرق وتسبي. 

ثم سرى في يوم الاحد بغلامين من غلمانه إلى شط أرسناس وسار في 
أثرهما فنزل ضيعة تعرف بأنحى في لحف 2) حصن زياد. وعادت سريته 
غانمة سالمة ولك كسار إلىز شط أرسناس كازل على حصيق وان برام 
وأطوافا ‏ قلما حم بشاطى الدهر يوم الاتنين تليائين بقيتنا من المحرم عهر 
بعض خيوله سابحة إلى ناحية الآشكونية فسبت وغنمت ٠‏ وابتدأ بعمل 
السفن والأطواف ففرغ من عدّة منها في بقية يومه وباكر تعبير © الرجال 
فيها في يوم الخميس ». فقصد مدينة تل البطريق فأحرقها وانكفأ إلى أخرى 
يقال لها أسفوان فألحقها بأختها » وشنّ الغارات في تلك الأطراف » وبلغ 
ذلك من الروم مبلغا عظيما وعاد إلى سواده وعسكره ظافرا غانما » ورحل 
يوم السبت لثلاث خلون من صفر فقصد بلدا يقال لها هورى فأحرقه وما 
اجتاز به من بلاد الروم وسبى وقتل. 
(1) أي غزير. 


(2) الأحف : أصل الحصن والجبل ونحوهما. 
(3) أي جعلهم يعبرون الماء. 


-:0)كه 


ورحل في يوم الأحد فنازل حصنا يقال له دارم وفيه مقاتلة للروم من 
يوم الثلاثاء إلى يوم الخميس حتى قارب فتحه »؛ فبلغه تجمّع الروم في 
عددهم ومددهم وأخذهم الدروب وتقديرهم اعتراضه في يوم الجمعة فنزل 
منزلا ببطن سمنين بعد عبره عقبة هاموته وبكر في يوم السبت لعشر خلون 
من صفر قافلا إلى الدرب المعروف بدرب باقسايا. فلما توسط وظهرت 
قوافل أعدائه أنفذ إليهم من ناوشهم فاستظهر عليهم ثم كرّوا وصبروا. وأمر 
سيف الدولة بضرب خيمة بموضعه وصعد إلى جموعهم وهم عند أنفسهم 
مستظهرون في مواضعهم فخمل عليهم فولوا ووضع السيف فيهم فقتل فيما 
قتل أربعة الاف رجل » منهم ابن بلنطس البطريق » وابن فشير فارس 
النصرانية » وزروان مرح قلزور وأرجوزان وعدد يطول ذكرهم وغنم 
لفلهم () في طبراش وصعوده وهبوطه واحتاج في بعضه إلى الترجل 
آخر نهار يوم الأحد لعشر خلون من صفر سنة 345 فأنشده أبو الطيب في 
أمد قصيدته التي مطلعها «الرأي قبل شجاعة الشجعان» ©. 


سنة 347 الزيادة في الأذان : 

قال المقريزي في الخطط المصرية : أول من أذْن بالليل : «محمّد 
وعليّ خير البشر» : الحسين » المعروف بأمير أشكنبة » ويقال أسكنبة » 
وهو اسم أعجمي معناه الكرش »؛ وهو ابن علي بن إسماعيل بن الحسن بن 
زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وكان أول تأذينه بذلك في حلب أيام 
سيف الدولة سنة 347 ولم يزل الاآذان بحلب يزاد فيه : «حي على خير 
العمل » ومحمد وعليّ خير البشر» إلى أيام نور الدين محمود زنكي. فلما 
فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلوية استدعى أبا الحسن عليا بن الحسن 
بن محمد البلخي إليها فجاءه ومعه جماعة من الفقهاء وألقى بها الدروس » 
فلما سمع الأذان أمر الفقهاء أن يصعدوا المنارة وقت الأذان » وقال لهم : 
مروهم أن يؤذنوا الاذان الشرعي » ومن امتنع منهم كبّوه على رأسه. ففعلوا 
ما أمرهم به وبطلت هذه الزيادة. 


(1) الفل : جماعة المهزومين » والجمع : فلول. 
(2) تمامه : «هو أول وهي المحلّ الثاني». 


51 


قلت : سيأتي ذكر هذا في حوادث سنة 543 وذكر ابن الوردي حادثة 
ابتداء الزيادة في الأذان سنة 369 أيام سعد الدولة أبي المعالي شريف بن 
سيف الدولة » لا في أيام أبيه » كما ذكره المقريزي » فليحرر. 

أما زيادة الصلاة والسلام عقيب كل أذان فقد التزنمت في حلب سنة 
2 قال أبو ذر في تاريخه » في ترجمة الملك الظاهر برقوق الجهاركسي 
: وفي أيامه سنة 792 أحدثوا في حلب السلام على النبي عليه السلام عقيب 
كل أذان » ويقال إن ذلك عن أمره » وكان هذا قد أحدث في العام الأول. ثم 
قال : وأخبرني والدي أنهم كانوا يصلون على آدم عقيب الأذان » وسببه أن 
شخصا زعم أنه رأى في منامه آدم » فقال له : أنا أبو كم ولا تذكروني ولا 
تلو غلين. فأخبر بذلك الحاكم فأمر بالصلاة عليه. اه. 


سنة 348 غزو الروم طرسوس والرّها : 

في هذه السنة غزت الروم طرسوس والرّها فقتلوا وسبوا وعادوا 
سالمين. 

سنة 349 غزو سيف الدولة الروم : 

فيهاغزا سيف الدولة الروم فأبلى فيهم وفتح عدة حصون وسبى 

وأسر وغنم وبلغ خرشنة. ثم إن الروم أخذوا عليه المضايق واستردوا جميع 
ما معه ووضعوا السيف في أصحابه » وتخلص هو في ثلاثمائة رجل بعد 
جهد ومشقة. وفي ذلك يقول المتنبي «غيري بأكثر هذا الناس ينخدع» 20. 

الجليد والبرد : 

وفيها جاء الجليد والبرد حتى جمد الفرات والقدور على النار» ويبس 
الزيتون في المعرة وكفر طاب. وفي سنة 350 خرج كمين من الروم على 
قفل ©) بين انطاكية وطرسوس فاخذ الرجال وقتل كثيرا منهم » وكان معهم 


)1) عجزه : «إن قاتلوا جبنوا » أو حدّثوا شجعوا». 
(2) القفل : العائدون إلى وطنهم. وقد تكون بمعنى «القافلة». 


52 - 


سنة 351 استيلاء الروم على عين زربة : 

فيهازحف الدمستق بجيوشه الجرارة على مدينة عين زربة». 
وتسلّمها من أهلها بعد أن أَمَنْهم »ثم غدر بهم فقتل الرجال والنساء 
والصبيان ومات كثير من أهلها في الطرقات » ونهب الروم جميع أموالهم 
واستولوا على أربعة وخمسين حصنا. ثم انصرف الدمستق على أن يعود 
بعد عيده » وخلف جيشه بقيسارية. وكان ابن الزيات صاحب طرسوس 
خرج في أربعة آلاف طرسوسي ., فقتل الدمستق أكثرهم وقتل أخا ابن 
الزيات. 

فعاد ابن الزيات لطرسوس وكان قطع بها الخطبة لسيف الدولة 
فأعادها أهل البلد له وراسلوه وعلم ابن الزيات بذلك واشتد عليه هذا الأمر 
» فصعد إلى روشن 2 في داره وألقى منه نفسه إلى النهر تحته وغرق. 
وراسل أهل بغراص الدمستق وبذلوا له مائة ألف درهم فأقرهم وترك 
معارضتهم | ٠‏ 

وفي هذه السنة أعاد سيف الدولة بناء عين زربة. وفيها بعد أن 
انصرف الدمستق إلى بلاده وقضى صومه وعيده بها » خرج إلى قيسارية 
جريدة ولم يعلم به سيف الدولة. 

استيلاء الدمستق على حلب : 

فتوجه الدمستق إلى حلب وكبسها » وقد أعجل الأمر سيف الدولة عن 
الجمع والاحتشاد فخرج إليه بمن معه فقاتله ولم يكن له به قبل لقلة عسكره 
»؛ فقتل أكثرهم وقتل جميع أولاد داود بن حمدان » وانهزم سيف الدولة في 
نفر يسير » وظفر الدمستق بدار سيف الدولة المعروفة بالدارين ©» خارج 
حلب .ء » فوجد فيها لسيف الدولة ثلاثمائة بدرة © دراهم » وأخذ له ألفا 
وأربعمائة بغل » وسلاحا لا يحصى ؛ وخرب الدار وملك الحاضر وحاصر 
المدينة فقاتله أهلها من ثلمة من السور ثلمها الروم » فقتل من الروم خلق 
كثير وفي الليل عمر الحلبيون هذه الثلمة فتأخر الروم إلى جبل الجوشن ©. 

ثم إن رجال الشرطة قصدوا منازل التجار لينهبوها فلحق الناس 
أموالهم ليمنعوها وخلا 
(1) الرّوشن : الشرفة «البلكون». ٍ 
(2) يعرف هذا المكان باسم «ربض الدارين» » وكان أمام باب أنطاكية » على نهر قويق. 


(3) البدرة : كيس فيه ألف » أو عشرة آلاف » درهم. 
(4) هو الجبل الذي يقوم عليه حي الأنصاري (أو سيف الدولة) اليوم. 


5 


ودخلوا البلد بالسيف يقتلون من وجدوا حتى ضجروا وتعبوا. وكان في 
بضعة عشر ألف صبي وصبية وأخذوا من الأموال ما قدروا على حمله 
وأحرقوا المساجد والجامع الأعظم واحترق معه مكتبته التي كانت تشتمل 
على عشرة آلاف مجلد في فنون شتى. وكانت عدة عسكره في هذه الواقعة 
مائتي ألف رجل ؛ منهم ثلاثون ألف مدرّع وثلاثون ألفا للهدم وإصلاح 
الطرقات وتنحية الثلوج عنها » وأربعة آلاف بغل تحمل الحسك () من 
الحديد. 

ولما دخل الروم البلد قصد الناس القلعة فمن دخلها نجا بنفسه. وأقام 
الدمستق تسعة أيام وأراد الاانصراف عن حلب ؛ ثم بدا له أن ينزل على 
القلعة فأنفذ ابن أخت الملك وكان معه » وبقي الدمستق بعسكره على باب 
البلد » فتقدم المذكور ومعه سيفه وترسه وتبعه الروم. ولماقرب من باب 
القلعة ألقي عليه حجر فسقط ورمي بخشب فقتل » فأخذه أصحابه وعادوا 
إلى الدمستق فلما رآه قتيلا قتل جميع من كان معه من أسرى المسلمين 
وكانوا ألفا ومائتي أسير » وعاد إلى بلاده ولم يعترض لسواد حلب » وأمر 
أهله بالزراعة والعمارة ليعود إليه في العام الثاني. 

وفي هذه السنة أسرت الروم أبا فراس الحمداني من منبج » وكان 
متقلذا لها. 


امتناع أهل حران على عاملها : 

وفي سنة 352 امتنع أهل حرّان على صاحبها هبة الله بن ناصر 
الدولة الحمدانى » وكان متقلدا لها ولغيرها من ديار مضر من قبل عمه 
سيف الدولة » فعسفهم وظلمهم. وكان هبة الله عند عمه بحلب حين قيامهم 
على نوابه » فسار إليهم سيف الدولة وابن أخيه وحصروهم واقتتلوا أكثر 
من شهرين. ثم لما رأى سيف الدولة شدة الأمر أجابهم إلى ما طلبوا ودخل 
هبة الله البلد. 


الشوك في حوافرها. 


54 


الإيغال في بلاد الروم : 

وفيها دخل أهل طرسوس بلاد الروم غزاة. ودخل أيضا «نجا» غلام 
سيف الدولة من درب آخر ؛ فأوغل أهل طرسوس في بلاد الروم حتى 
دخلوا قونيه وعادوا. وكان سيف الدولة ينتظر الغزاة على رأس درب من 
وهرب إلى حرّان وأشاع أن عمه مات وتحالف مع أهلها على الحرب 
والسلم » فأرسل سيف الدولة غلامه «نجا» إلى حرّان وهرب هبة الله إلى 
الموصل ونزل «نجا» على حرّان وقبض أهلها وصادرهم على ألف ألف 
درهم وشرط عليهم تأديتها بخمسة أيام بعد الضرب المبرّح بحضرة 
عيالاتهم وأهليهم ؛ فباعوا ما يساوي دينارا بدرهم لعدم وجود من يشتري 
غير أصحاب «نجا». ثم افترق أهل حرّان وبقيت بلا وال وسار «نجا» إلى 
منافز قيق كيك كان سيب الدولة. 

سنة 353 عصيان «نجا» على سيف الدولة : 

فيها عصى «نجا» على سيف الدولة بطرا بما صار معه من الأموال 
التي أخذها من أهل حرّان » وانضم إليها ما أخذه بعد من أبي الورد 
المستولي على كثير من أرمينية حينما قصده «نجا» وقتله وأخذ أمواله 


وقلاعه وبلاده : خلاط » وملا ذكرد » وموش. فتمكن بهذه الأموال وأظهر 
العضينان على هوا ناسلف لخر لة ع قتضيكه مسق لدو لة اباتله على عصديانه 
فهرب منه واستولى سيف الدولة على بلاده ثم كاتبه يرغبه ويرهبه حتى 
حضر عنده فأكرمه وأعاده إلى مرتبته. ثم وثشب عليه غلمان سيف الدولة 
لأنه تعرض إلى أحدهم » فقتلوه وطرحوه في مجرى الماء والأقذار إلى الغد 
ثم دفن. 

سنة 354 استيلاء نقفور على المصيصة : 

فيها حاصر نقفور ملك الروم المصيصة وفتحها عنوة » ثم رفع 
السيف عمن بقي من المسلمين ونقلهم إلى الروم وكانوا مائتي ألف . ثم أمَن 
أهلها وكان بها أربعون ألف فارس ؛ وسار أهلها عنها في البر والبحر. 
وجهز معهم من يحميهم إلى أنطاكية » ولقيهم أهل أنطاكية بالبكاء والنحيب 
وكان في مقدمة الطرسوسيّين ) رجل يقرأ : (أَِن لِلَّذِينَ يُقاتُونَ 


255:2 


بأنَهُمْ ظلِمُوا) إلى قوله تعالى : (رَبْنَا الله) ©. 

مخالفة أهل أنطاكية سيف الدولة : 

وفيها أطاع أهل أنطاكية أحد مقدّمي الطرسوسيّين وخالفوا سيف 
الدولة. واسم المقذم رشيق. فساروا إلى حلب وقاتلهم قرعويه غلام سيف 
الدولة وحاجبه وعامله بحلب » وكان سيف الدولة بميّافارقين فأرسل سيف 
التولة حسكر | مع كانس يشارة رفاكلا رقيقا ؛ فقال ر شوق وهرب أصيدايه 
إلى أنطاكية. ولما عاد سيف الدولة إلى حلب اجتمع على حربه ابن 
الأهوازي » رجل كان يضمن الأرحاء © بأنطاكية » وهو الذي كان أمد 
رشيقا بماله وزين له العصيان على سيف الدولة. وكان مع ابن الأهوازي 
في هذه الوقعة دزبر الديلمى خليفة رشيق » فقتل ابن الأهوازي ودزبر » 
وقتل من ولاتهما خلق كثير. 

وفيها خرج مروان عامل سيف الدولة على السواحل وهو رجل من 
الأرافطة كان اسكامن الى سيف الدونة فاكثلاو | مكعفله على النبو لحل »فليا 
تمكن قصد حمص وملكها وملك غيرها فسار إليه بدر » غلام قرعويه . 
وواقعه عدة وقعات. واتفق أن بدرا رمى مروان بنثشابة مسمومة وأن بدرا 
أسره أصحاب مروان » فخلص مروان من النشابة وقتل بدر. وبعد أيام 
مات مروان. 


سنة 355 الفداء بين سيف الدولة وبين الروم : 
بالبطارقة الذين هم في أسره إلى الفداء ففدى بهم أبا فراس وغلامه روطاس 
وجفاعة طن كاير الحبينن , ولا لم ببق ممه من الأسرى أحد اشترى 
الباقين » كل نفس باثنين وسبعين دينارا » حتى نفذ 7) ما معه من المال 
فاشترى الباقين ورهن عليهم بدنته الجوهر ٠‏ المعدومة النظير. ثم لما لم يبق 
اعد من أسوى المسلميق كانتب تكقون العلك اأرومي على الصاح وقدممة 


(1) سورة الحج : 39 - 40. 


(2) جمع الرّحى » وهي الطاحون. 
(3) كذا في طبعة المؤلف » والصواب : «نفد» بالدال المهملة. وسيتكرر مثلها. 


-56- 


سنة 356 وفاة سيف الدولة وبقية حوادث دولته في حلب : 

فيها مات سيف الدولة بحلب ونقل إلى ميّافارقين. وهو أول من ملك 
حلب من بني حمدان » أخذها من ابن سعيد الكلابي نائب الإخشيد كما تقدم. 
وملك البلاد بعده ابنه أبو المعالي سعد الدولة شريف. وفي ربيع الآخر سنة 
7 قتل الحارث أبو فراس الحمداني ابن عم سيف الدولة . كان مقيما 
بحمص فجرى بينه وبين ن أبي المعالي بن سيف الدولة وحشة وطلبه أبو 
المعالي فانحاز إلى ««صدد»» من قرى حمص فأرسل أبو المعالي عسكرا مع 
قرعويه إلى صدد وكبسوه وقتلوه. 

وفى سنة 358 حذل ملك الزوية لكام حاذ ناكم »وزستازة: الى طبن لين 
وأحرق حمص وكان أهلها أخلوها. وأقام بالشام شهرين وأتى على الساحل 
نهبا وتخريبا وملك ثمانية عشر منبرا وعاد بالأسرى والأموال. وفيها 
استولى قر عوية عل لبه وأخوع ابن استانة آنا المغالى فاقاة عدد و الدنة 
بميافارقين ثم بحماة. وفي سنة 359 ملك الروم أنطاكية بالسيف وقتلوا أهلها 
وسبوا عشرين ألف صبي وصبية وقصدوا حلب فتحصن قرعويه بالقلعة 
وملكوا المدينة » وكان أبو المعالي محاصرا حلب فتباعد عنهم. ثم حصروا 
القلعة فخرج إليهم جماعة من الحلبيين. وتوسطوا الصلح واستقر الأمر على 
هدنة مؤبدة على مال يحمله قرعويه إلى الروم وعلى ألا يمكّن أهل القرى 
من الجلاء ليبتاع منهم الروم لوازمهم إذا مروا عليهم في الغزوات » وكان 
مع حلب حماه وحمص وكفر طاب والمعرة وأفامية وشيزر وما بين ذلك 
من الحصون والقرايا. وسلم الحلبيون الرهائن إلى الروم وعاد الروم عن 

حلب وتسلمها المسلمون 

وفبها عالت قر عووة امن [ذكاذه ابن :البشالن :رشلب لم ركان ابو 
المعالي بحمص وخطب هو وقرعويه بحلب للمعز العلوي صاحب مصر. 
وفي سنة 362 حدث في بلاد الشام زلزال هدم الحصون من أنطاكية 
وغيرها وهلك به خلق كثير. وفي سنة 366 قوي أمر بكجور بحلب » وكان 
استنابه مولاه قرعويه فاستفحل أمره وقبض على مولاه قرعويه وحبسه في 
القلعة. فكتب أهل حلب إلى أبي المعالي » وكان مقيما في حماة. فسار إلى 
حلب وحصر قلعتها أربعة أشهر ثم ترددت الرسل بين أبي المعالي وبكجور 
» واستقر الصلح بينهم على أن يدون بكجور أمينا ويوليه أبو المعالي 
حمص. فاستلم أبو المعالي القلعة وسيّر بكجور إلى حمص كما اتفقا. 


57 


قلت : هذه الحادثة ذكرها في ذيل المختصر في حوادث سنة 365 
وفي سنة 373 كتب بكجور إلى العزيز بمصر أن يوليه دمشق فأجابه. 
وتسلمها بكجور وانتقل إليها من حمص. 


سنة 378 عصيان بكجور وقتله » ووفاة أبي المعالي : 

في هذه السنة عصى بكجور بدمشق » وأرسل العزيز عسكر العزلة ». 
فهرب منها ثم أمّنه العزيز. فسار بكجور إلى الرقة واستولى عليها. وفي 
سئة 381 سار بكجور من الرقة لقتال أبي المعالي بحلب. فاقتتلا قتالا شديدا 
وانكسر بكجور وهرب » ثم أخذ أسيرا في بعض بيوت العرب وأحضروه 
إلى أبي المعالي فقتله. ثم سار أبو المعالي إلى الرقة وبها أولاد بكجور 
وأمواله » فحصرها فاستأمنوا فأمنهم وحلف ألا يتعرض إليهم ولا إلى 
مالهم. فسلّموه الرقة فغدر بهم وأخذ أموالهم وعاد إلى حلب فلحقه فالج في 
جنبه الأيمن فأحضر الطبيب ومد إليه يده اليسرى ؛ فقال الطبيب : هات 
اليمنى » فقال : ما تركت لي اليمين يمينا. ومات بعد ثلاثة أيام في هذه السنة 
؛ وعهد إلى ولده أبي الفضائل وجعل مولاه لؤلوًا مدبّر أمره. 

وفيها استضعف العزيز بالله - خليفة الفاطميين في مصر ‏ أبا الفضائل 
وطمع في تملك حلب منه » فجهز بقيادة منجوتكين جيشا جرارا » فكتب أبو 
الفضائل إلى ملك الروم يستعينه على جيش العزيز فأقبل إليه أحد قواده في 
خمسين ألفا. ولما التقفى الجيشان لم يثبت جيش الروم وشدد الجيش 
المصري الحصار على حلب حتى اضطر أبو الفضائل إلى طلب الصلح 
من منجوتكين فصالحه على مال دفعه. ولما وصل خبر الصلح إلى الخليفة 
لم يرضه ذلك وأمر منجوتكين أن يعود إلى حصار حلب فاضطر أبو 
الفضائل أن يعود إلى الاستنجاد بملك الروم فأقبل إليه بجيش عظيم أجفل 
منه جيش الخليفة إلى دمشق. ومرّ ملك الروم بحلب فتلقاه أبو الفضائل 
بالإكرام ثم سار ملك الروم إلى بلاد الشام فهدم وأحرق وسبى. 

9 وفاة لؤلؤ وخلفه ابنه : 


فيها توفي لؤلؤ مدبّر أمر أبي الفضبائل+ وخلفه مرتضى الدولة بن 
لؤلؤ » وكان ظالما. 


-58- 


سنة 402 انقراض دولة بني حمدان من حلب : 

في هذه السنة أغار صالح بن مرداس في 500 فارس على حلب 
وطالب مرتضى الدولة بجوائز الكلابيين مستضعفين إياه بسبب تسلط 
حكومة مصر عليه. فاحتال مرتضى الدولة على الكلابيين وأدخلهم إلى 
حلب وأغلق عليهم أبوابها وقتل منهم نحو 200 وأسر 120 بينهم صالح » 
وتزوج «جابرة» امرأة صالح بإكراه اهلها على زواجها. وقيل : بل أكره 
ضالح على طلاقها. 
و اسك طايه ينو كا شه و1 لوز فلن قري كن خاصيد: فا لف مر لضي الن ل 
المصادمة عند تل حاصد فانكسر جيش مرتضى الدولة وأسر وقيده صالح 
بالقيد الذي كان في رجله ثم افتدى نفسه بمال وعاد إلى حلب. 


سنة 406 عصيان فتح على مولاه مرتضى الدولة : 


فيها عصى فتح على مولاه مرتضى الدولة » وكاتب الحاكم وأظهر 


الروم في أنطاكية. 


59 


سنة 414 استيلاء المرداسيين على حلب 
في هذه السنة ضعف أمر الدولة الفاطمية بمصر وطمع عرب البادية 
بالشام والجزيرة وتحالفوا على اقتسامهما فيما بينهم » على أن تكون حلب - 
إلى عانة ‏ لصالح » والرملة إلى مصر لحسان بن مفرّج © الطائي » 
ودمشق وأعمالها إلى سنان بن عليان. فزحف صالح إلى حلب وقاتل عليها 
ابن ثعبان أو شعبان الكتامي ؛» والي حلب من قبل المصريين » فاستولى 
صالح على حلب. 


حوادث الدولة المرداسية في حلب سنة 415 : دفن قاضي حلب حيًا 


فق هذه الننتةقيعق ضناتت علق قاكرن كليه تانق نئي أمطاتة م وانفقه: 
حيا في القلعة. 

فقال بعضهم في ذلك : 
وه الفطميئاة اتتتمعنة بيبز وأد البنات عميى وعيّا 


سنة 416 إسناد صالح الوزارة إلى تاذرس النصراني : 

فيها استوزر صالح بن مرداس تاذرس النصراني وكان عنده صاحب 
الفيفت و القلم. 

سنة 418 خروج صالح إلى المعرة واجتماعه بأبي العلاء : 

رقيياته اليد جود ساح :لل الجكرة الزيقا د داهلينا ونم كونيوا 
الماخور. فحضر إليهم صالح واعتقلهم وصادرهم واستدعى أبا العلاء إلى 
ظاهر المعرة. ومما خاطب به أبو العلاء صالحا قوله : مولانا السيد الأجل 


(1) في الأصل «مفرح» بالحاء » خطأ. وترجمة حمّان بن مفرج في الأعلام 2 / 190. 


-60- 


اشتد هجيره وطاب إبراده 2 وكالسيف القاطع لان صفحه وخشن حذاه خذ 
العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين. فقال صالح : قد وهبتهم لك أيها 
الشيخ. فقال أبو العلاء بعد ذلك في اللزوميات هذه الأبيات : 

تخد 5 5 منزا 5 بر ع تب || 1 ب فَقَرٍ || 
فلما مضى العمر إلا الأقك وحوّلروحي فرق الججبسد 
َ 3 00 في || الح وذاك ٠‏ الة م رأي 03 ١‏ 
٠.‏ _ 1 جيذ | |أذة اق ذ> 00 5 5 3 متنا 3 


سنة 420 قتل صالح وولده الأصغر وولاية ابنه نصر حلب : 

في هذه السنة جهز الظاهر صاحب مصر جيشا لقتال صالح صاحب 
حلب . وحسان صاحب الرملة. فاقتتلوا على الأردنٌ عند طبرية وقتل 
صالح وولده وحمل رأسهما إلى مصر ء ونجا ابنه نصر فحضر إلى حلب 


وملكها ولقب شبل الدولة. 
<< وفي هذه السنة خرج الروم من أنطاكية للزحف على حلب » فحاربهم 
أهلها وهزموهم. 


سنة 421 خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى حلب : 

في هذه السنة خرج ملك الروم من القسطنطينية في ثلاثمائة ألف 
فقاتل :+ وقيل فى شتمانة الف + لحف على الشام:معيمملك البلكان :وملك 
الروس والألمان والخزر والأرمن والبلجيك والفرنج. ولما اقتربوا من حلب 
لحقهم عطش شديد ووقع الخلف بين أمرائهم وملوكهم » فرحل الملك وتبعهم 
شبل الدولة والعرب وأهل السواد حتى الآرمن » يقتلون وينهبون حتى لم 
تسم كن امو اليو شي ونه بو اميق جما ع مان ءار 0د متتو كي وكان ام ملك 
الروم أرمانس. وفي ذلك يقول الأمير أبو الفتح بن أبي حصينة المعرّي 
قصيدة طويلة » أنشدها شبل الدولة بظاهر قنّسرين » مطلعها : 
يبان الخنئ مقفسوة يجاب" “كيان وسوم دمتتيتا كتسانن 


- 61- 


سنة 429 قتل شبل الدولة : 


في هذه السنة زحف الدزبري (وهو قائد العلوي صاحب مصر) على 
حلب فتغلب عليها وقتل شبل الدولة. 


سنة 433 موت الدزبري واستيلاء أبي علوان على حلب : 

فيها مات الذزبري بحلب » فأسرع إليها أبو علوان » ثمال بن صالح 
المرداسي الملقب بمعز الدولة وملكها. وفيها نقل رأس يحيى عليه السلام 
من بعلبكَ إلى مقام إبراهيم في القلعة. 


سنة 440 وصول عساكر مصر إلى حلب : 

فيها وصلت عساكر مصر إلى حلب في جمع عظيم فخرج إليهم 
«ثمال» بجموعة وقاتلهم إلى الليل ثم عاد إلى المدينة. ثم في الغد والذي 
بعده خرج إليهم وقاتلهم فرحلوا عن حلب ولو لا رحيلهم في تلك الليلة 
لاغرقهم المطر. 

سنة 441 زحف المصريين على حلب : 

فيها وصل عسكر من مصر إلى حلب بقيادة «رفق» فهزمهم 
الحلبيون وأسر رفق ومات عندهم. 


سنة 449 تنازل ثمال عن حلب إلى المصريين : 
فيها تنازل ثمال عن حلب إلى المصريين فسلموها إلى الحسن بن 


سنة 452 و 453 و 454 : 

فيها أساء ابن ملهم السيرة في أهل حلب فكاتبوا محمودا بن صالح 
المرداسي فحضر وتسلم حلب وسيّر المصريون إليها ناصر الدولة بن 
حمدان فجرح وأسر » واستتب ملك حلب وقلعتها لمحمود. وفي سنة 453 
استولى ثمال على حلب مرة ثانية بمعاونة المصريين. 

ثم في سنة 454 ملكها منه أخوه عطية فقصده ابن أخيه محمود بن 
نصر وغلبه عليها فملكها منه. وفيها جاءت برقة وتبعها صيحة سقط لها 
الناس لوجوههم » ومات فيها كثير من الطيور بمعرٌة. 


62 - 


وفي سنة 457 أقطعت معرة النعمان للملك هارون بن خان ملك 
الترك فيما وراء نهر جيحون », أخذها حربا وخراجا فأقام بها يسيرا ثم انتقل 
إلى حلب وولى المعرة الأمير فارس الدولة يانس الصالحي. وفي سنة 459 
كان بالبلاد سوى الروم غلاء عظيم وموت لا سيما في حلب ؛ فإنه مات 
فيها في رجب خاصة زهاء أربعة آلاف » ومات جماعة من سداتها. وفنئ 
سنة 460 فتح من الإفرنج حصن أرتاح على يد الملك هارون بن خان ؛ 
حاصره خمسة أشهر » وهو فتح عظيم كانت أعماله بمقدار أعمال الشام من 
الفرات إلى العاصي » إلى أفامية إلى باب أنطاكية » إلى الأثارب. وأحصى 
قوم المفقودين من الفرنج في هذه السنة إلى رمضانها في الدرب إلى أفامية 
فتلا وأهير 1 فكانوا ثلاثمانة القن 

وفي سنة 461 أخذ ملك الروم حصن منبج وشحنه رجالا وعذة. ثم 
وقف على عزاز ساعة ورحل عنها , وفتك في جماعته الموت والغلاء 
فرجع خائبا. وفيها جمع قبطان أنطاكية وقسّها المعروف بالبخت جموعا 
وطلع إلى حصن أسقوبا من قرى المعرة » حمئن له ذلك قوم من بني ربيع 
من أهل «الجوزق» » ففتحوه وقتلوا وأسروا رجاله وواليه نادر التركي. 
فبلغ الخبر الأمير عز الدولة محمود بن نصر المرداسي وهو يسير في 
ميدان حلب فسار إليهم ولم يدخل حلب ومعه نحو خمسين ألفا من الترك 
والعرب . وأخذه من النصارى وقتل منهم ألفين وسبعمائة نفس. وهذا 
الحصن عمره حسين بن كامل بن سليمان العمري المرشدي الكلابي »2 
ومعه جماعة من المعرة وكفر طاب وضياعهما في سنة 456 وأكمل 
عمارته بمدة يسيرة فتعجب الناس لسرعة عمارته. 
ثمفي سنة 461 اقترض محمود بن نصر المرداسي من الروم أربعة 
الاف دينار ورهن ولده نصرا عليها وعلى هدم الحصن المذكور. فجمع 
الناس من المعرة وكفر طاب على هدمه وهدموه. فقال بعضهم : 
وهووا باأيديهم حمصنهم وأعي نهم حزنات دمع 
عححييت سس غة ودافيية: لكيس تكرسسيييةه سرع 

وفي سنة 462 استولى الروم على منبج وقتلوا أهلها ونهبوها ثم 
رحلوا عنها لجوعهم. 

وفي سنة 463 قطع محمود بن نصر المرداسي والي حلب خطبة 
المستنصر العلوي بمصر وخطب للقائم العباسي »؛ فثار الشيعة في حلب 
ونهبوا حصر الجامع وقالوا : هذه حصر علي » فليأت أبو بكر بغيرها. 


-63- 


وفيها وصل السلطان محمد ألب أرسلان إلى حلب فبذل له محمود بن 
نضينالطاغة ولم يط بساطه» فلميز كن الك | رسلذة:يذلك» فدكل سحيو د 
ووالدته عليه فأحسن إليهما وأقرّ محمودا على حلب وشرط عليه إزالة أفعال 
الشيعة » فإن أكثر أهل حلب صاروا شيعة من وقت مجيء الفاطميين إليهم. 

وف سنة 3467ماك:محمود بن نص المردانسي» وكان ظالما تغائدما 
يصادر الناس وقد ملك بعده ابنه نصر فمدحه ابن حيّوس بقصيدة منها : 
ثمانية لم تفترق مذ جمعتها ‏ فلا افترقت ما افترٌ عن ناظر شفر 

ومنها : 
فجاد ابن نصر لي بألف تصرّمت وآلى عليهم أن سيخلفها نصر 

فأجازه نصر بألف دينار في طبق فضة وقال : لو قال عوض 
«سيخلفها» : «سيضعفها» لأضعفتها له. ٠‏ 

وقد اجتمع الشعراء بباب نصر وامتدحوه وتأخرت صلته عنهم » 
وفيهم أبو الحسن أحمد بن محمد بن الزبيدة المعرّي الشاعر » فنظم أبياتا 
وسيّرها إلى نصر مطلعها : 
على بابك المحروس منا عصابة مفاليس فانظر في أمور المفاليس 
وقد قنعت منك الجماعة كلهم بعشر الذي أعطيته ابن حيّوس 
ومابيننا هذا التفاوت كله ولكن سعيد لا يقاس بمنحوس 

فأعطاهم مائة دينار وقال : والله لو قالوا : «بمثل الذي أعطيته ابن 
حيوس» لأعطيتهم مثله. 

سنة 468 ملك نصر منبج وقتله في حلب : 

في يوم عيد الفطر قتل نصر هذا وهو في أحسن زيّ » وكان الزمان 
ربيعا واحتفل الناس في الفطر وتجملوا بأفخر ملابسهم » ودخل ابن حيوس 
فأنشد نصرا قصيدة منها : 
صفت نعمتان خصّتاك وعمّتاء حديثهما حتّى القيامة يؤثر 


- 64- 


فجلس نصر وشرب إلى العصر » وحمله السّكر على الخروج إلى 
الأركمان في ورالحاضري :017+ و هم الديق كانوا ملكو اباة حلب فار اد نر 
نهبهم » وحمل عليهم » فرماه تركيّ منهم في حلقه فقتله في اليوم المذكور 
وملك بعده حلب أخوه سابق. 


(1) سبق كلام المؤلف على «الحاضر» في أول كلامه على حوادث حلب أيام الخليفة عمر 


-65- 


انقراض دولة بني مرداس ». ودخول حلب تحت سلطة 
شرف الدولة . ثم حكم الشريف بها ثم دخولها تحت تحت سلطة 


الدولة السلجوقية وغير ذلك من الحوادث إلى سنة 491 

بن بدران المقلد ابن المسيّب » صاحب الموصل. ودام حصاره لها إلى 
ابتداء سنة 473 وكان الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله الحسيني 
الهاشمي » مقدّم الأحداث بحلب . هو رئيس المدينة » فتمكن وقويت يده 
وسلم المدينة إلى أبي المكارم المذكور » فتسلمها ثم تسلم قلعتها واستنزل 
مرداس من حلب. 

وفي سنة 477 سار سليمان بن قطلمش السلجوقي » صاحب قونيه 
وأقسراي وغيرهما » إلى الشام وملك أنطاكية بمخامرة الحاكم بها من جهة 
الروم » وكانت بيدهم من سنة 358 فافتتحها سليمان في هذه السنة. ولما 
سمع شرف الدولة صاحب الموصل وحلب بذلك أرسل إلى سليمان يطلب 
منه ما كان يحمله إليه أهل أنطاكية » فقال سليمان : كان ذلك على سبيل 
الجزية » ولم يعطه شيئا. ثم اقتتلا في الرابع والعشرين من صفر سنة 478 
في طرف أعمال أنطاكية فانهزم عسكر شرف الدولة وقتل في المعركة بعد 
أن قتل بين يديه أربعمائة غلام من أحداث حلب. وعند ها انفرد الشريف أبو 
علي الحسن بن هبة الله بولاية المدينة وسالم بن مالك العقيلي بقلعتها » فبنى 
الشريف قلعته خارج حلب في هذه السنة وسكنها خوفا على نفسه » ولما قتل 
شرف الدولة قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش وهو محبوس فأخرجوه 
وملكوه. ع ع 

ثم إن سليمان بن قطلمش أرسل إلى ابن الحتيتي العباسي مقذم أهل 
حلذ يلت مد تمزه كاب الاو اقاستيواة ل الحترتي دين ركاكي ملنك 
شاه وأرسل ابن الحتيتي يستدعي 5 تتش السلجوقي صاحب دمشق ؛ فسار 

تتش إلى حلب وجرت بينه وبين ابن عمه سليمان 


-66- 


ابن قطلمش وقعة انهزم فيها عسكر سليمان بن قطلمش وقتل سليمان نفسه 
وقيل قتل في المعركة. ومن المصادفة الغريبة أن سليمان هذا لما قتل نفسه 
لفه تتش بكساء في صفر هذه السنة وأرسل به إلى ابن الحتيتي ليسلّم إليه 
حلب » نظير ما فعل المقتول سليمان المذكور بشرف الدولة في صفر السنة 
الماضية. ْ 

ولما وصلت جثة سليمان إلى ابن الحتيتي أجاب تتش بالمطاولة إلى 
أن يرسم ملك شاه في أمر حلب. فحاصر تتش حلب وملكها واستجار ابن 
الحتيتي بالأمير دانق بن أكسك » وكان من مقدّمي تتش فأجاره. وأما القلعة 
فكان بها » منذ قتل مسلم بن قريش » سالم بن مالك بن بدران ابن عم مسلم 
المقتول . فحاصر تتش القلعة سبعة عشر يوما ثم بلغه خبر وصول أخيه 
ملك شاه فرحل عن حلب. 

وأما ملك شاه فإنه أقبل إلى حلب من أصفهان ؛ لمكاتبة ابن الحتيتي 
له. وفتح في طريقه حرّان والرّها وكانت بيد الروم » وسار إلى قلعة جعبر 
»؛ واسمها الدوسرية » وعرفت بجعبر سابق الدين القشيري » شيخ أعمى 
طال مكثه في هذه القلعة وكان يقطع الطريق هو وأولاده ويخيف السابلة 
فأمسكه السلطان ملك شاه وأمسك أولاده وملك منهم القلعة. ثم سار السلطان 
ملك شاه إلى منبج وملكها وسار إلى حلب وتسلمها وتسلم قلعتها من سالم بن 
بدران العقيلي ابن عم شرف الدولة المقتول » وعوّض السلطان ملك شاه 
سالما عن قلعة حلب قلعة جعبر. ثم إن السلطان ملك شاه سار عن حلب 
واستخلف بها قسيم الدولة أقسنقر جد نور الدين زنكي الشهيد. 

وفي سنة 481 سار أقسنقر صاحب حلب بعساكره إلى قلعة شيزر 
وفيها صاحبها نصر ابن علي بن منقذ وضيّق عليه ونهب الربض ثم 
صالحه وعاد إلى حلب. 

وفي سنة 482 عمرت منارة جامع حلب وقام بعملها القاضي أبو 
الحسن بن الخشاب » وكان بحلب بيت نار قديم ثم صار أتون حمّام » فأخذ 
ابن الخشاب حجارته وبنى بها المئذنة المذكورة » فسعى به بعض حساده 
إلى أقسنقر زاعما أن هذه الحجارة لبيت المال » فقال ابن الخشاب لأقسنقر : 
يا مولانا إني عملت بهذه الحجارة معبدا للمسلمين وكتبت عليه اسمك » فإن 
رسمت غرّمت ثمنها وكتبت عليها اسمي. فأجابه أقسنقر إلى إتمام مشروعه 
دون أن يغرّمه شيئا. 


5 0 


فوم 


وفي سنة 484 نزل أقسنقر مساعدا تتش صاحب دمشق - بأمر أخيه 
ملك شاه على فتح حمص ؛ فملك تتش حمص وعرقة وآفامية. وفيها كان 
بالشام وغيرها زلازل كثيرة ففارق الناس مساكنهم وانهدم بأنطاكية كثير 
من المساكن وهلك تحتها عالم كثير وخرب من سورها تسعون برجا. , 

وفي سنة 486 و 487 طلب تتش السلطنة لنفسه بعد أن توفي أخوه 
ملك شاه مقتولا في السنة قبلها. واتفق تتش مع أقسنقر صاحب حلب 
وخطب له باغي سيان صاحب أنطاكية » وبوزان صاحب الرها ء وفتح ‏ 
ومعه أقسنقر ‏ نص يبين عنوة » وملك الموصل واستولى على ديار بكر 
وسار إلى أذربيجان وكان ابن أخيه بركياروق بن ملك شاه قد استولى على 
كثير منها » فلما علم أقسنقر أن ملك شاه له ولد يصلح للسلطنة تخلى عن 
تتش ولحق ببركياروق » فضعف تتش وعاد إلى الشام. ٠‏ 

وكان أقسنقر قد جمع في الشام جموعا كثيرة وامد بركياروق بالامير 
كربغا » فاقتتل مع تتش عند نهر السبعين قريبا من تل السلطان » فانحاز 
بعض عساكر أقسنقر إلى تتش وانهزم الباقون » وثبت أقسنقر فأسر » فقال 
له تتش : لو ظفرت بي ما ذا كنت تصنع؟ فقال : كنت أقتلك. فقتله صبرا 
وسار إلى حلب وملكها وأسر بوزان وقتله » وأسر كربغا وسجنه بحمص. 
واستولى على حرّان والرها ثم على البلاد الجزيرية. 

ثم استناب على خلبة أبا القاسم حسن بن:علي الخوارزمي وسار لفتال 
ابن آخيه بركياروق فالتقيا بالري وقتل تتش في سنة 488 فجاء ولده 
رضوان إلى حلب ولحقه جماعة من قواد أبيه ولحقه أخوه دقاق وكان مع 
رضوان أخوان صغيران أبو طالب وبهرام وكلهم مع أبي القاسم نائب أبيهم 
في حلب كالضيوف وهو المستولي على البلد. ثم كبس رضوان أبا القاسم 
ليلا واحتاط عليه » ثم طيبٌ قلبه فخطب لرضوان بحلب وكان مع رضوان 
باغي سيان صاحب أنطاكية » فسار باغي إلى أنطاكية ومعه أبو القاسم 
الخوارزمي. وأما دقاق أخو رضوان فكاتبه والي قلعة دمشق سرا ليملّكه 
دمشق فسار إليها وملكها واستقر رضوان في حلب بلا منازع. 

وفي سنة 489 كان رئيس الأحداث بحلب رجلا يعرف بالمجنّ 
بركات بن فارس 


-68- 


الفوعي . وكان في مبدأ أمره لصا محتالا. فاستتابه قسيم الدولة وولاه 
رياسة حلب فوشى بيوسف بن أبق فسلطه عليه فأخذه وقتله. ثم عصى 
المجنّ على الملك رضوان فحبسه ثم قتله بعد أن عذبه. وفيها اقتتلك رضوان 
مع أخيه دقاق عند قنُسرين وانكسر دقاق وولى مهزوما. 

وفي سنة 490 خطب رضوان في حلب للمستعلي بأمر الله العلوي 
الفتضدر ى. ازجع حمع + كد قطعيهابو | عاد 'لخطية العزابيوة كرفت العاقية: 


69 


وصول الفرنج الصليبيين 
أنطاكية وغيرها من بلاد حلب 

للحروب الصليبية أسباب كثيرة وأخبار طوال يضيق كتابنا هذا عن 
استقصائها. وإنما ناتي منها هنا على ذكر نبذ يسيرة تتعلق بحلب وبعض 
أعمالها. فعلى من أحب الاطلاع على تفاصيل أخبار تلك الحروب الطاحنة 
- التي استغرق أمدها نحو مائتي سنة ‏ أن يرجع إلى الكتب والأسفار 
المتداولة المؤلفة فيها خاصة بمختلف اللغات ما بين عربي وأعجمي » 
فنقول : 

في سنة 491 وصل الإفرنج الصليبيون إلى أنطاكية وحصروها ء 
وكان بها باغي سيان » فظهر له شجاعة عجيبة. ثم هجم الإفرنج على 
أنطاكية وأخذوها عنوة وقتلوا بها مقتلة عظيمة » وأجفل عنهم باغي في 
الليل. ثم في الصباح ندم على الهرب وتذكر أهله والمسلمين في أنطاكية ؛ 
وغشي عليه من الأسف حتى عجز عن الركوب » فمر به أرمني يقطع 
الخشب فقطع رأسه وحمله إلى الإفرنج بأنطاكية. ولما شاع أخذ أنطاكية 
سار كربغا صاحب الموصل ومعه عساكره إلى مرج دابق » وجاء دقاق 
من دمشق وطغتكين أتابك وجناح الدولة صاحب حمص ؛ وغيرهم من 
الأمراء والعرب . وحصروا أنطاكية وتضايق الفرنج حتى طلبوا من كربغا 
أن ب يطلقهم فامتنع. , 

ثم إن كربغا أساء السيرة فيمن معه وخبثت نياتهم » وكان اشتد الخناق 
على الفرنج فخرجوا من أنطاكية واستماتوا في قتال المسلمين » فهرب 
المسلمون وقوي الفرنج بما غنموه من القوت والسلاح. وفي سنة 492 سار 
الفرنج الصليبيون إلى المعرة وملكوها وقتلوا فيها زهاء مائة الف وسلبوا 
وأقاموا فيها أربعين يوما. وفي ذلك يقول بعض المعرّيين : 
معز الأذكياء قد حردت عناء وح كقٌ المليحة الحرد 
في يوم الاثنين كان موعدهم فمانجامن خميسهم أحد 


-70- 


وفي سنة 493 كان الغلاء شديدا في حلب وفيها توجه الملك رضوان 
إلى الفرنج لقتالهم وإخراجهم من بلاد حلب » فكسر وعاد إلى حلب. وفي 
سنة 494 ملك الفرنج «سروج» من ديار الجزيرة وأكثروا قتلا وأسرا. 
وفي سنة 495 قتل الإسماعيلية فضل الله الزوزني قاضي حلب لأنه كان 
يندّد بمعتقدهم فأعاد رضوان القضاء إلى أبي غانم. وفيها أغار الفرنج على 
بلاد حلب الشمالية وعاثوا فيها فسادا وبلغوا «كفر لاثا» فكبسهم بنو عليم 
وظفروا بهم » وانجلى الفرنج عن بلاد حلب الغربية. 

وفي سنة 496 أغار الفرنج على الرقّة وقلعة جعبر وبعض جهات 
الرها » فخرج إليهم معين الدولة سقمان وشمس الدولة جكرمش وأوقعا بهم 
وأجلياهم عن مواقعهم بعد أن فتكا بهم فتكا ذريعا. وفي سنة 497 أغار 
الفرنج على قلعة جعبر فساقوا المواشي وأسروا من وجدوا. وكانت قلعة 
جعبر والرقة لسالم بن بدران سلمها إليه ملك شاه لما تسلم منه قلعة حلب 
يبرين » فانهزم المسلمون وقتل منهم وأسر » وملك الفرنج «أرتاح». 

وفي سنة 499 ملك الفرنج حصن أفامية. وفي سنة 504 ملك الفرنج 
حصن الأثارب ؛ على ثلاثة فراسخ من حلب , وقتلوا فيه ألفي رجل 
وأسروا الباقي. ثم ملكوا «زردنا» ففعلوا كذلك وقصدوا منبج ومسكنة 
فوجدوهما خاليتين فعادوا. وصالح رضوان ‏ صاحب حلب الفرنج على 
اثنين وثلاثين ألف دينار يحملها لهم مع خيل وثياب. وبذلت أصحاب البلاد 
للفرنج الأموال وخافوهم لأنهم لم يبق لهم ممانع عن البلاد » إذ الملوك 
السلجوقية مشغولون ببعضهم فصالحهم أهل صور على سبعة آلاف دينار » 
وابن منقذ صاحب شيزر على أربعة آلاف . والكردي ‏ صاحب حماة - 
على ألفي دينار. ش 


وفد من حلب إلى بغداد للاستغاثة 


بالخليفة وطلب النجدة منه على الصليبيين 
ولما اشتد خطب الفرنج بالبلاد الشامية وعظمت شوكتهم سار جماعة 
من أهل حلب وساداتها إلى بغداد مستنفرين على الفرنج. فلما وردوا بغداد 
اجتمع معهم خلق كثير من الفقهاء وغيرهم وقصدوا جامع السلطان 
واستغاثوا ومنعوا الناس من صلةة الجمعة وكسروا المنبر. فوعدهم 
السلطان محمد بن بركياروق السلجوقي بإنفاذ العساكر للجهاد. فلما 


71 


كانت الجمعة الثانية قصدوا جامع القصر بدار الخلافة ومعهم أهل بغداد 
فمنعهم صاحب الباب فغلبوه ودخلوا الجامع وكسروا شباك المقفصورة 
والمنبر وبطلت الجمعة أيضا. فأرسل الخليفة إلى السلطان إشارة يأمره 
بالاهتمام بهذا الفتق ورتقه. فتقدم السلطان إلى من معه بالمسير إلى بلادهم 
والتجهز للجهاد » وسيّر ولده مسعودا مع الأمير مودود صاحب الموصل. 
وانقضت السنة. 

وفي:سنة 505 بنازظ العسافن القن جوز ها :الملطان لفضال الستلييين 
بالشام. فساروا إلى سنجار وفتحوا عدة حصون وحصروا مدينة الرها. ثم 
رحلوا عنها ليطمع الفرنج ويعبروا إلى الفرات فيتمكن المسلمون منهم . 
فكان هذا خطأ من المسلمين لأن الفرنج لما عبروا الفرات جاؤوا بالميرة 
والقوت إلى أهل الرها فتقوّوا بعد أن ضعفوا وكاد المسلمون يأخذونهم. ثم 
إن الفرنج رجعوا إلى الشام وطرقوا أعمال حلب ونهبوا وأفسدوا وأسروا. 
وسبب ذلك أن رضوان صاحب حلب لما عبر الفرنج إلى الجزيرة قام إلى 
ل الس ا ير 0 
عاذو | كاردا + 

وأما العساكر السلطانية فإنهم لما سمعوا برجوع الفرنج إلى الشام 
رحلوا إلى الرها وحصروها فرأوها أمرا محكما قد قويت نفوس أهلها 
بالذخائر التي تركت عندهم فلم يجد المسلمون فيها مطمعا ‏ ؛ فرحلوا عنها 
وعبروا الفرات فحصروا قلعة تل باشر خمسة وأربعين يوما لم يقدروا 
عليها » فوصلوا إلى حلب فأغلق الملك رضوان ابواب البلد في وجوههم 
ولم يجتمع بهم » فرحلوا إلى المعرة. ثم خبثت نياتهم وتفرقوا ولم يحصل 
بهم الغرض. 

سنة 507 : وفاة رضوان وما جرى بعده 

في هذه السنة مات الملك رضوان بن تتش السلجوقي صاحب حلب » 
وقام بعده ابنه ألب أرسلان الأخرس وعمره ست عشرة سنة. وكان 
رضوان غير محمود السيرة قتل أخويه أبا طالب وبهرام ٠‏ ولماملك 


الأخرس استولى على الأمور لؤلؤ الخادم ولم يكن للآخرس معه إلا اسم 
السلطنة » ومعناه للؤلؤ. وسمي أخرس لحبسة 2 في لسانه. وقتل الأخرس 


(1) الحبسة : ثقل في اللسان يتعذر معه وضوح الكلام. 


2/0 


أخويه كما فعل أبوه » وجرى على قاعدة أبيه في أمر الإسماعيلية وأعطاهم 
قلعة الشريف », فقبّح فعله القاضي ابن الخشاب وحمله على كبتهم وردعهم . 
فأجابه إلى ذلك وقتل منهم كثيرا في هذه السنة. وكانوا قد كثروا في حلب 
في ايام أبيه رضوان لانه كان يستعين بهم لقلة دينه حتى خافهم ابن بديع 
رئيس حلب وأعيان أهلها. ا 

وممن قتل الآخرس من الإسماعيلية مقذمهم أبو طاهر وعذة جماعة 
من أصحابه » وأخذ أموال الباقين وأطلقهم فتفرقوا في البلاد. وفي سنة 
8 قتل الأخرس بعض غلمانه بقلعة حلب وأقاموا أخاه السلطان شاه 
بتدبير لؤلؤ الخادم. وفيها كانت زلزلة شديدة بديار الجزيرة والشام وغيرها 
فخرّبت كثيرا من الرها وحرّان وسميساط ومسكنة وغيرها . وهلك خلق 
كثير تحت الردم. 


-/3- 


انتهاء الدولة السلجوقية بحلب ودخولها تحت سلطة 


بني أرتق وحوادثهم فيها .» وهم من فروع الدولة السلجوقية 

وفي سنة 511 قتل لؤلؤ الخادم » وكان قد حكم في دولة سلطان شاه 
ودولة أخيه الأخرس من قبله كما أراد » ثم عزم على أن يقتل سلطان شاه 
كما قتل أخاه من قبله » ففطن لذلك أصحاب سلطان شاه ورصدوا فرصة 
يقتلون بها لؤلؤا » حتى إذا خرج يوما إلى قلعة جعبر ليجتمع بالآمير سالم 
بن مالك العقيلي قصدوه وصاحوا : أرنب أرنب » واوهموا أنهم يتصيدون 
ورموه بنشاب فقتل وهو يبول عند قلعة نادر ونهبوا خزانته ثم استعيدت 
منهم. وولّي أتابكيّة (» سلطان شاه : شمس الدين الخواجي ياروقطاش » 
وبقي شهرا وعزلوه وولّوا أبا المعالي ب بن المقلمي الدمشقي ثم عزلوه 
وصادروه. وكانوا خائفين من الفرنج فسلموا البلد إلى نجم الدين إيلغازي 
أرق مباحص :ما ركيق و لما تسلمها لم بد فيها نالا والااذخينة لذن لؤلوا 
الخادم كان قد فرّق الجميع فصادر إيلغازي جماعة من الخدم وصانع الفرنج 
وهادنهم وسار إلى ماردين وخلّف بحلب ابنه حسام الدين تمرتاش. 

وفي سنة 513 سار الفرنج إلى نواحي حلب وملكوا بزاعة © وغيرها 
وخربوا بلد حلب ونازلوها » ولم يكن فيها من الذخائر ما يكفيها شهرا 
فخافهم أهلها وصانعوهم على أن يقاسموهم أملاكهم حتى الأملاك التي بباب 
حلب. ثم أرسل أهل حلب رسولا إلى بغداد يستغيثون ويطلبون النجدة فلم 
يغاثوا. وكان إيلغازي بماردين يجمع العساكر فسار إلى الفرنج والتقى بهم 
عند تل عفرين في نصف ربيعها الآول فهزمهم © وقتل منهم كثيرا » وممن 
قتل سرخال صاحب أنطاكية. وفتح عقيب الوقعة الأثارب وزردنا. 


(1) الأتابكية : منصب في الدولة يسمى صاحبه «الأتابك» وكان يطلق على مدبّر المملكة» 
كما أنه لقب عسكري كبير أطلق على أمير أمراء الجيش أيضا. 

(2) بزاعة ‏ أو بزاعا ‏ قرية تبعد عن بلدة «الباب» أربعة كيلومترات وكانت في القديم قرية 
(3) في الأصل : فهزهم. 


74 


ل ل ل ل ا 
دمشق وحصروا الفرنج في معرّة قنسرين يوما وليلة » فضايقهم. ثم أفرج 
عنهم خوفا أن يستقتلوا ويخرجوا للمسلمين فيظفروا بهم. وكان إيلغازي 
يخاف من التركمان الذين يحاربون معه لانهم كانوا يجتمعون للطمع . 
فيحضر أحدهم ومعه جراب ) فيه دقيق وشاة ويعد ساعات الغنيمة » فإذا 
طال مقامهم تفرقوا » ولم يكن مع إيلغازي ما يفرقه فيهم. 

وفي سنة 515 عصى سليمان بن إيلغازي على أبيه بحلب فبغته أبوه 
؛ وسمل عيني من حمئن له العصيان وقطع لسانه » وهو أمير اسمه ناصر ». 
وكان التقطه أرتق والد إيلغازي ورباه. وقطع إيلغازي أطراف رجل حموي 
من بيت قرناص وسمل عينيه لاآنه من جملة المزيّنين لولده العصيان. 
والحموي المذكور كان محسنا إليه إيلغازي ومرنّسه ) على حلب » فجزاه 
بهذا الجزاء. ثم أراد إيلغازي أن يقتل ولده فمنعته رحمة الوالديّة فأفلته 
فهرب إلى دمشق. واستناب إيلغازي بحلب سليمان ابن أخيه عبد الجبار 
الملقب ببدر الدولة. وفي سنة 515 أغار الفرنج على حصن الأثارب 
وأسروا وغنموا. وفيها هدمت قلعة الشريف. 

وفي سنة 516 بنيت مدرسة بحلب لأصحاب الشافعي » وهي مدرسة 
الزجاجية التي تكلمنا عليها في باب الآثار في الكلام على محلة الجلوم. وفي 
سنة 517 أغار الفرنج على حلب وأعمالها وعجز عن مقاومتهم بدر الدولة 
وسلمهم حصن الأثارب ليكفوا عن بلاده ويهادنوه. فبعد ذلك استقام أمر 
الرعية بأعمال حلب وجلبت الأقوات وغيرها. ولما سمع بلك بهرام ابن 
عم بدر الدولة ‏ أن ابن عمه سلم الأثارب للفرنج سار من حرّان ‏ وكان قد 
ملكها ‏ إلى جهة حلب ونازلها في ربيع الأول منها وضايقها وأحرق 
زروعها فسلمها والقلعة إليه ابن عمه بدر الدولة بالآمان في غرة جمادى 
الأولى منها. 
(1) الجراب : وعاء من جلد » يحفظ فيه الزاد وغيره. 
(2) في الأصل : ومرأسه. 


200 


انتهاء دولة بني أرتق بحلب 
ودخولها في حوزة أقسنقر البرسقي صاحب الموصل . 


وحوادث أيامه فيها » وهو من رجال الدولة السلجوقية 

وفي سنة 518 قبض بهرام الأرتقي على حسان البعلبكي صاحب 
منبج وملك منه منبج وحصر قلعتها » فأتاه سد هم فقتله ولم يعرف الرامي 
وتفرق عسكره » وخلص حسان وعاد إلى منبج. وكان مع بلك بهرام ابن 
عمه حسام الدين تمرتاش صاحب ماردين » وهو ابن إيلغازي بن الأرتق » 
فحمل تمرتاش بلك بهرام إلى ظاهر حلب وتسلمها واستناب بها وعاد إلى 
ماردين وفيها اجتمعت الفرنج وانضم إليهم دبيس بن صدقة صاحب الحلة » 
وهو شيعي » صحبهم أملا أن يستميل لنفسه أهل حلب لتوافقهم بالمذهب. 
فحاصروا حلب وأخذوا ببناء بيوت لهم بظاهرها فعظم ذلك على أهلها ولم 
ينجدهم صاحبها تمرتاش لإيثاره الرفاهية وأقاموا يزاحفون حلب ويقطعون 
الأشجار ويخربون المشاهد وينبشون القبور ويحرقون من فيها بعد أن 
نبشوا ضريح مشهد الدكّة () ولم يجدوا فيه شيئا فأحرقوه وعبثوا 
بالمصاحف واستخفوا بها وسخروا من الإسلام وفعلوا غير ذلك من الفظائع 
التي نجل كتابنا عن ذكرها. ولما اشتد الخطب على الحلبيين كاتبوا أقسنقر 
البرسقي صاحب الموصل فسار إليهم وخام الفرنج 2 ومن معهم عن حلب 
لقدوم البرسقي » وتسلّم حلب وقلعتها. وعلى أثر حادثة هذا الحصار عمد 
القاضي أبو الحسن بن يحيى بن الخشاب إلى أربع كنائس وصيرها مساجد 
وهي كنيسة هيلانة والحدادين وموغان والمقدمية. وبه كان انتهاء دولة بني 
أرتق من حلب. 

وفي سنة 519 أخذ البرسقي كفر طاب من الفرنج ثم سار إلى عزاز 
فهزمته الفرنج 
(1) هو المعروف بمشهد محدئن » أو مشهد الطرح » غربّي حلب » قرب منطقة الأنصاري 
وفيه قبر المحسن بن الحسين. انظر كتاب «الاثار الإسلامية والتاريخية في حلب» 56 - 58 
660 
(2) أي نكصوا وتراجعوا. 


-776- 


وقتل من المسلمين خلق كثير » فرجع إلى حلب واستناب بها ولده عر الدين 
بجامع بالموصل إذ وثب عليه بضعة عشر رجلا من الإسماعيلية فقتلوه. 
وكان الوق ممار كا ثر كيدا كيها ها !درا يندع السو رار لمن منفع به 
مسعود بمقتله في حلب فارقها وسار إلى الموصل واستقر بملكها. 


(1) الصواب أن يقال : مسعودا. 


7ت 


دخول حلب في حوزة الدولة الأتابكية 


وحوادثها فيها وهي من فروع الدولة السلجوقية 

وفي سنة 522 في محرمها ملك أتابك عماد الدين زنكي مدينة حلب. 
وَذُلك إن الترسفي زم دل بووان١‏ 1ن بعر :إلى المور دل :+ ابنكدان كلت 
قيماز ثم عزله بقتلغ (2. فلما قدم «قتلغ» من الموصل إلى حلب امتنع قيماز 
من تسليد كلت إليه وان له وفيض ودونح فبصوة خلامة لم أرنها ##ولا أسلمك 
حلب الا بها وكانت العلامة بينهما صورة غزال وكان مسعود حسن 
التصوير. فعاد «قتلغ» لإحضار العلامة من مسعود فوجده قد مات » فرجع 
إلى حلب وعرّف الناس ‏ بموت مسعود » فسلّم البلد إليه رئيسها فضائل ابن 
بديع وأطاعه المقدّمون واستنزلوا قيماز من القلعة وأعطوه ألف دينار » 
فتسلم القلعة في الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 521 وبعد أيام 
ظهر منه جور وعسف عظيمان » ومدّ يده إلى الأموال ‏ لا سيما التركات - 
وقرّب إليه الأشرار فنفرت منه القلوب. 

وكان بالمدينة بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار الأرتقي ‏ الذي كان 
جداكيها تديما - داطاعه أل اليله و اقاموة وإليا علويكا ليله التلاقاء قاني 
شوال سنة 521 وقبضوا على كل من كان بالبلد من أصحاب قتلغ ‏ وكان 
أكثرهم يشربون في البلد صبيحة العيد ‏ وزحفوا إلى القلعة فتحصن قتلغ 
فيها بمن معه » وحصروه ووصل إلى حلب حسان صاحب منبج » وحسن 
صاحب بزاعة لإصلاح الأمر فلم يصلح. وسمع الفرنج بذلك فتقدم جوسلين 
بعسكره إلى حلب فصونع بمال وانصرف عنها. ثم وصل صاحب أنطاكية 
في جمع من الفرنج فخندق الحلبيون حول القلعة ومنع عنها الداخل 
والخاوع »و أمريقه الداين على كان عطدية إلى متقص ع دي الح سذة 
21. 


(1) أي عزل «قيماز» وولى مكانه «قتلغ». 


-78- 


وكان عماد الدين زنكي قد ملك الموصل والجزيرة وسيّر إلى حلب 
افر دودر ان عاو الامين حك لاقو تن بومعه توقم عداد الخين لشفا 
فأجابه أهل حلب وتقدم عسكر عماد الدين زنكي إلى سليمان وقتلغ بالمسير 
إلى عماد الدين زنكي فسارا إليه وهو بالموصل فأصاح بينهما ولم يرد 
أحدهما إلى حلب. وكان قراقوش في مدة غيابهما كالوالي على حلب. ثم إن 
عماد الدين زنكي سار إلى حلب وملك في طريقه منبج وبزاعة وطلع أهل 
حلب لتلقيه واستبشروا بقدومه ودخل حلب ورتب أمورها. ثم قبض على 
قتلغ وسلمه إلى ابن بديع فكحله فمات. وكان ملك عماد الدين زنكي لحلب 
وقلعتها في محرم سنة 522. 

وفي سنة 524 جمع عماد الدين زنكي عساكره وسار من الموصل 
إلى الشام وقضية خسن الأخازب لشدة صبرية على المسلمين + فإن امل 
الفرنج كانوا يقاسمون أهل حلب على جميع أعمالها الغربية ؛ حتى على 
رحى بظاهر باب الجنان » بينها وبين سور حلب عرض الطريق » والغالب 
على الظن أنها رحى عربية. فنازل عماد الدين الحصن واجتمع عليه الفرنج 
؛ فارسهم وراجلهم » فرحل عماد الدين عن الأثارب إلى حيث اجتمع الفرنج 
والتقى بهم واقتتل معهم أشد قتال » فانتصر عليهم وانهزم الفرنج وأسر 
كثيرا من فرسانهم » وقتل منهم مقتلة عظيمة بقيت منها عظام القتلى على 
سطح الأرض زمنا طويلا. ثم عاد المسلمون إلى حصن الأثارب وأخذوه 
عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وخرب عماد الدين ذلك الحصن من ذلك 
اليوم. ْ 

وفي سنة 530 سارت عساكر أسوار ‏ نائب عماد الدين زنكي ا : 
ومعه عساكر حلب وحماه إلى بلاد الفرنج بنواحي اللاذقية » وأوقعوا بمن 
هناك من الفرنج وكسبوا فى حواري و مساك رالالوي و ارات امك 
الشام من الغنائم وعادوا سالمين. وفي سنة 531 نازل عماد الدين حصن 
بعرين ‏ وكان به الإفرنج ‏ فضيق عليهم وطلب الفرنج منه الأمان فقرر 
عليهم تسليم الحمصن وخمسين ألف دينار يحملونها إليه » فرضوا بذلك 
وأطلقهم وتسلم الحصن والدنانير. وكان عماد الدين مدة إقامته على الحمصن 
المذكور قد استخلص المعرة وكفر طاب من الفرنج » وحضر أهل المعرة 
وطلبوا أملاكهم التي كانت لهم قبل أن يأخذ الإفرنج المعرة » فطلب عماد 
الدين منهم كتب أملاكهم » فذكروا أنها عدمت. فكشف في ديوان حلب عن 
الخراج ورد كل ملك لصاحبه حسب مفهوم الديوان. 


779 - 


وفي سنة 532 وصل الروم إلى بزاعة ‏ وهي على ستة فراسخ من 
حلب وحاصروها وملكوها بالآمان ثم غدروا بأهلها وقتلوا منهم واسروا 
وسبوا وتنصر قاضيها. وجملة من تلف بها من أهلها أربعمائة نسمة. ثم 
رحل الروم إلى حلب ونزلوا على قويق وزحفوا على حلب » وجرى بين 
أهلها وبينهم قتال كثير قتل فيه من الروم بطريق كبير » وعادوا خاسرين 
وأقاموا ثلاثة أيام ورحلوا إلى الأثارب وملكوها وتركوا فيها سبايا بزاعة . 
وتركوا عندهم من الروم من يحفظهم. وسار الروم جميعهم من الأثارب إلى 
شيزر فخرج أسوار ‏ نائب زنكي بحلب ‏ بمن معه وأوقع بمن في الأثشارب 

من الرزوم فسلهم رفك إسيوري براح ومداناها. 

وفي سنة 533 جاءت زلزلة عظيمة بالشام والعراق وغيرهما من 
البلاد فخرّبت كثيرا وهلك تحت الردم عالم كثير » وهدمت الدور والمنازل 
؛ وتوالت بالشام وخرّبت كثيرا من البلاد لا سيما حلب , فإن أهلها فارقوا 
بيوتهم وخرجوا إلى الصحراء. ودامت من رابع صفر إلى تاسع عشره. 
وفي سنة 539 فتح أتابك عماد الدين زنكي مدينة الرّها واستردها من 
الفرك الصلفيين مع غيز ها فن البلاد الحووية 4و كيان فتها حظيما_ وق 
سنة 541 قتل عماد الدين زنكي » قتله جماعة من مماليكه منازلا قلعة 
جعبر » ودفن بالرقة. ولما قتل كان ولده نور الدين محمود زنكي حاضرا 
كه فاح حاتنة وق منعة رهاء إل كلب وملقيا 

وفيها راسل جوسلين الفرنجيّ - صاحب تل باشروما جاورها ‏ أهل 
اأزهات وكليد هونا ارون نان يمهو كن العسامين و تسلمو الله إأحه : 
ففعلوا وملك جوسلين البلد دون القلعة. فأسرع نور الدين الرحيل إليه من 
حلب » ولما قارب الرها خرج منها جوسلين هاربا ودخلها نور الدين ونهبها 
وسبى أهلها فلم يبق منهم أحد. وفي سنة 542 دخل نور الدين صاحب حلب 
بلاد الفرنج وفتح منها مدينة أرتاح بالسيف وحصر مابولة وبصرفوت 
وكفر لاثا. وفي سنة 543 كان بين نور الدين وبين الفرنج مصاف بأرض 
يغرى من العمق » فانهزم الفرنج وقتل وأسر منهم جماعة كثيرة » واأرسل 
نور الدين إلى أخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل من الآسرى 
و السسة. 

قال في الروضتين في أخبار الدولتين : وفي رجب هذه السنة ورد 
الخبر من ناحية حلب بأن صاحبها نور الدين أمر بإبطال : «حيّ على خير 
العمل» في أواخر تأذين الغداة » 


- 80 - 


والتظاهر بسب الصحابة » وأنكر ذلك إنكارا شديدا وساعده على ذلك 
جماعة من أهل السنة بحلب. وعظم هذا الأمر على الإسماعيلية وأهل 
التشييع وضاقت صدورهم به. اه وقد تقدم في هذا كلام في أيام سيف الدولة 
الحمداني. 

وفي هذه السنة أيضا كان الغلاء العام من خراسان إلى العراق » إلى 
الشام » إلى بلاد المغرب. 


سنة 544 حصر نور الدين قلعة حارم وغير ذلك : 
الفرنج وسار إلى نور الدين فاقتتلوا وانتصر نور الدين وقتل البرنس 
وانهزم الفرنج وكثر فيهم القتل. وملك بعد البرنس ولده بيمند وهو طفل 
وتزوجت أمه بآخر تسمّى البرنس. ثم إن نور الدين غزاهم ثانية فقتل منهم 
كثيرا وأسر ء وكان فيمن أسر : البرنس الثاني زوج أم بيمند. وفيها زلزلت 
الآأرض زلزالا شديدا. 

سنة 545 استيلاء نور الدين على أفامية : 

فيها سار نور الدين إلى أفامية وحصر قلعتها وملكها من الفرنج » 
وكان الفرنج قد اجتمعوا وساروا لنور الدين ليرحّلوه عنها فملكها قبل 
وصولهم. 


سنة 546 انهزام نور الدين وأسر حامل سلاحه ثم أسر جوسلين 
وغير ذلك : 

فيها عزم نور الدين على قصد بلاد جوسلين أحد فرسان الفرنج 
ودهاتهم » فجمع جوسلين جموعا كثيرة وسار نحو نور الدين فهزمه وقتل 
وأسر مر عتكر»ه اح رتور كارر اين بوم سر لمجا ازوف 

فعظم ذلك على نور الدين وهجر الملاذ وفكر في أمر جوسلين وجمع 
التركمان وبذل لهم الوعود إن ظفروا به. فاتفق أن جوسلين طلع للصيد 
فكبسه التركمان وأمسكوه » فبذل لهم مالا فأجابوه إلى إطلاقه. فبلغ ذلك نور 
الاين و اسل عمكر ‏ كسو ا التزكمان الذيق 


- 81 


عندهم جوسلين وأحضروه إلى حلب. ولما أسر جوسلين حبسه نور الدين 
في قلعة حلب وسار لفتح بلاده وقلاعه فملكها » وهي : تل باشر وعين تاب 
ودلوك وعزاز وتل خالد وقورس والراوندان وبرج الرصاص وحصن 
الباره وكفر سود وكفر لاثا ومرعش ونهر الجوز وغير ذلك. وفي هذه 
السنة حضر مجير الدين مع خواصه إلى حلب وهو صاحب دمشق - 
ودخل على نور الدين وبذل له الطاعة فأكرمه نور الدين غاية الإكرام 
وأقامه نائبا عنه في دمشق ٠»‏ فرجع إليها مجير الدين فرحا مسرورا. 


سنة 547 انكسار الفرنج عند دلوك : 

فيها احتشد من الفرنج جيش كثيف وقصدوا نور الدين وهو ببلاد 
جوسلين ليمنعوه عن ملكها » فالتقوا به عند دلوك )١‏ وجرى بينه وبينهم 
الدين إلى دلوك فملكها. 


سنة 549 ملك نور الدين دمشق ق وغيرها : 

فيها كاتب نور الدين أهل دمشق واستمالهم بقصد أن يملكها خوفا 
عليها من الفرنج » لأنهم تغلبوا بتلك الناحية وأطلقوا من دمشق من أرادوا 
الباب الشرقي . وملكها وحصر مجير الدين صاحبها في قلعتها وبذل له 
حمص فصرفه نور الدين عنها بمسكنة. وفيها ملك نور الدين قلعة تل باشر 


من الفرنج. 
سنة 551 حصار نور الدين حارم ومصالحته الفرنج على نصف 
أعمالها : 


في هذه السنة حاصر نور الدين قلعة حارم وضيّق عليها. فاجتمع 
الفرنج وساروا نحو نور الدين » فكتب إليهم بطريق الحصن يعرّفهم بقوة 
المسلمين ويقول لهم : إن لقيتموهم هزموكم وأخذوا حارم وغيرها » وإن 
وراسلوا نور الدين في الصلح ». واستقر الآمر بينهم على مناصفة ولاية 
حارم بين الإفرنج وبين نور الدين. 
(1) بليدة من نواحي حلب » حصلت فيها وقائع مع الروم والفرنجة. 
(2) في الأصل : «الإمتاع» فصوّبناها. 


82 - 


خبر الزلزال وغيره : 

وفي سنة 552 في تاسع عشر صفر وافت زلزلة عظيمة » وتلاها 
عدة زلازل أثرت في حلب تأثيرا أزعج أهلها » وهدمت عدة حصون من 
حمص وحماة وكفر طاب وأفامية. ولم يسلم من عطب هذه الزلازل في 
الدلان الشامية إلا الناكن وكاق تحط هده لز لاز ل مكساة كم يطلب » وكتان 
يتم الرار له صيطاك مختلفة كال عوة الفامدتء ركه كلك مهدا كتر من 
الخلق حتى حكي أن بعض المعلمين بحماة فارق المكتب لمهمّ فجاءت 
الزلزلة فأخربت الدور وسقط المكتب على الصبيان جميعهم. قال المعلم : 
الم داكا يد ساحن عبد كا .وى الاتكن!. وجبلة من لك في اعد هده 
الزلازل عشرة آلاف نسمة. وهلك أكثر بني منقذ تحت الردم بشيزر » وهم 
حكامها. فسار إليها نور الدين وملكها وفيها اهتم نور الدين بعمارة القلاع 
والآسوار التي هدمتها الزلزلة وأغار على الفرنج ليشغلهم عن قصد البلاد. 


سنة 554 مرض نور الدين وغير ذلك من الحوادث : 

في هذه السنة مرض نور الدين مرضا شديدا أرجف بموته ) بقلعة 
حلب. فجمع أخوه أمير ميران بن زنكي جمعا وحصر قلعة حلب. وكان 
شيركوه بحمص » وهو من أكبر أمراء نور الدين » فسار إلى دمشق 
ليستولي عليها وبها آخوه نجم الدين أيوب » فانكر أيوب عليه ذلك وحمئن له 
الرجوع إلى حلب وقال له : إن كان نور الدين حيا خدمته وإن كان قد مات 
فأنا في دمشق » فافعل ما تريد. فعاد شيركوه إلى حلب مجدًا وجلس نور 
الدين في شبّاك يراه الناس » فلما رأوه تفرقوا عن أخيه أمير ميران 
واستقامت الأحوال. 


أخبار الحوادث من سنة 555 إلى نهاية سنة 558 : 

في سنة 555 قصد «ربنلد» ملك إيطاليا البلاد التي استولى عليها نور 
الدين من جوسلين » ونهب فيها من يقطنها الأرمن والسريان » وعاد إلى 
أنطاكية. وقبل وصوله إليها خرج إليه مجد الدين نائب حلب وأخذه أسيرا 
وقيده وأحضره إلى حلب. وفي سنة 558 كان نور الدين نازلا في البقيعة 
تحت حصن الأكراد » فكبس عسكره الفرنج وهجموا 


(1) الإرجاف : الشائعة المثيرة للقلق والخوف » وفعله : أرجف. 


520060 


على خيمته فركب نور الدين مسرعا وساق [فرسه]) ورجله في السنجة ©) 
» فنزل كردي وقطعها » وقتل الكردي ونجا نور الدين فأحسن إلى مخلّفيه 
ووقف لهم أوقافا. ثم سار نور الدين إلى بحيرة حمص ونزل عليها وتلاحق 
به من سلم من المسلمين. 

سنة 559 أخذ قلعة حارم : 

فيها أخذ نور الدين قلعة حازم من الإفرنج وقتل وأسر منهم كثيرا. 
طرابلس. وفيها سار نور الدين إلى بانياس وأخذها من الفرنج وكانت 
بأيديهم من سنة 543 وفي سنة 562 عصى غازي بن حسان صاحب منبج 
على نور الدين » فسير إليه عسكرا أخذوها منه وأقطعها نور الدين قطب 
الدين نيال بن حسان » أخا غازي المذكور » فبقي فيها إل أن أخذها منه 
صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 572. 

وفي سنة 563 أقام نور الدين بقلعة الرها مدة ثم عاد منها إلى حلب 
وضربت خيمته في رأس الميدان الآخضر وكان مولعا بضرب الكرة وربما 
دخل الظلام فلعب بها بالشموع. وكان صلاح الدين الأيوبي يركب بكرة كل 
يوم لخدمة نور الدين في لعب الكرة لأن صلاح الدين كان عارفا بآدابها. 

وفي سنة 565 كانت زلزلة عظيمة خربت بلاد الشام لا سيما حلب , 
فقد فعلت بها ما لم تفعله بغيرها » وبلغ الرعب بمن نجا من أهلها كل مبلغ 
فكانوا لا يقدرون على أن يأتوا إلى بيوتهم السالمة خوفا من الزلزلة » فإنها 
عاودتهم غير مرة » ولا أن يقيموا بظاهر حلب خوفا من الفرنج. ثم إن نور 
الدين قام بعمارة القلاع والأسوار من غير حلب » وبعده جاء إلى حلب 
وباشر عمارتها بنفسه وكان يقف على البنائين بشخصه حتى أحكم 
عمارتها. وأما الفرنج فإن الزلزلة أثرت في بلادهم أشد تأثيرا من بلاد 
الإسلام فاجتهدوا في تعميرها واشتغل كل من المسلمين والفرنج بعمارة 
بلاده عن صاحبه. 


)1 زدنا هذه الكلمة بين مربعين ليستقيم المعنى. 

(2) كذا. وفي الكامل لابن الآثير ج 11 : «الشبحة»! والهاء في «رجله» تعود على الفرس 
الذي ركبه نور الدين عجلا. وكانت رجل الفرس مقيدة بحبل » فلما قطعه الكردي انطلق 
الفرس ونجا نور الدين بنفسه. 


- 84 - 


اتخاذ حمام الزاجل : 

وفي سنة 567 أمر نور الدين باتخاذ الحمام الهوادي )2 التي تحمل 
البطائق وتطير بها إلى أوكارها. وكان سبب ذلك اتساع بلاده التي تستوعب 
مابين النوبة إلى كد همد انولا يتخللها سترى يادد الخرتع ' » فربما نازلوا 
بعض الثغور ولا يصل خبرهم إلى نور الدين إلا وقد بلغوا الغرض. فحينئد 
أمر بتعليم الحمام ورتب لها ولمعلميها أرزاقا وافية » فوجد بها راحة كبيرة 
فإن الأخبار صارت تصل إليه بوقتها لآنه كان في كل ثغر رجال 66 
لوقته وعلقوه على الطائر وسرّحوه إلى المدينة التي هو منها في ساعته 
الدين » وهكذا إن أن قصل الأخنان. فاتحفطت التغور ذلك خض إن ظذائدة 
من الفرنج نازلوا ثغرا لنور الدين فأتاه الخبر ليومه » فكتب إلى العساكر 
المجاورة لذلك الثغر فكبسوا العدو وظفروا به والفرنج آمنون لذلك » لبعد 
نور الدين عنهم. وهذه الطيور وصفها بعضهم بقوله : «الطيور ملائكة 
الملوك» يشير إلى أنها تنزل على الملوك من جو الهواء نزول الملائكة من 
السماء مع فرط ما فيها من الامانة. 

قلت : ولا أدري متى بطل استخدام الحمام من بلادنا » غير أن جاك 
سواري دي بورسلون ذكر في الصحيفة 1018 ه من الجزء الأول من 
كتابه القاموس التجاري العام في أثناء الكلام على تجارة حلب أن من 
جملة ما امتاز به تجار حلب استخدامهم الحمام بنقل الأخبار إليهم من 
إسكندرونة. قال : وهي حمام يعانون تربيتها وتعليمها في بيودت مخصوصة 
من حلب وينقلونها إلى إسكندرونة بالآأقفاص ؛ فإذا حدث ل ديهم في 
إسكندرونة خبر مهمّ كتبوه في بطاقة وعلقوها في رقاب الحمام وسرّحوها 
نحو حلب , فتأتيها طلبا لفراخها في برهة ثلاث ساعات. اه. (وكان طبع 
قاموسه المذكور سنة 1723 م » وهي سنة 1136 هجرية). 

وفي سنة 568 فتح نور الدين مرعش وأخذ بهسنا. وفي سنة 569 
توفي الملك العادل 


(1) الحمام الهوادي » ويقال أيضا : الحمام الهادي : هو حمام الزاجل نفسه » الذي يرسل إلى 


مسافات بعيدة بالرسائل. و «حمام الزاجل» على الإضافة » لأن الزاجل هو الرجل الذي 
يرسل الحمام الهادي على بعد. ومن الخطأ الشائع. قولهم : الحمام الزاجل. 


-85- 


نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي » صاحب الشام وديار الجزيرة 
وكان لم يبلغ الحلم فتولى تربيته الآأمير شمس الدين محمد بن المقدم. 


- 86 - 


ملك صلاح الدين يوسف بن أيوب دمشق ق وغيرها 

في سلخ ربيع الأول سنة 570 ملك صلاح الدين بن أيوب مدينة 
دمشق وحمص وحماة. وسببه أن شمس الدين بن الداية المقيم بحلب أرسل 
لسعد الدين كمشتكين دزدار ) قلعة الموصل من قبل المرحوم نور الدين 
إلى الملك الصالح يستدعيه من دمشق إلى حلب لإخماد الفتن التي قامت في 
حلب بين الشيعة وأهل السنة » وليكون مقامه في حلب. فسار الملك الصالح 
مع سعد الدين المذكور إلى حلب. ولما استقر بها قبض على شمس الدين 
ابن الداية الذي طلبه » وقبض على إخوته وعلى رئيس الشيعة ابن الخشاب 
وإخوته. واستبد سعد الدين كمشتكين بتدبير الملك الصالح فخافه أتابكه 
الأمير شمس الدين محمد بن المقدم وبقية الأمراء في دمشق وكاتبوا صلاح 
الدين بن أيوب صاحب مصر ليملكوه دمشق » فأقبل إليهم على الفور 
وسلّموه إياها دون أدنى مشقة. 

ولما سمع من في حلب أن دمشق صارت لصلاح الدين خافوا منه 
وأرسلوا يهددونه فلم يأبه بتهديدهم ونادى بعسكره بالاستعداد لقصد الشدام 
الأسفل » ورحل متوجها إلى حمص فتسلمها ثم إلى حماة فأطاعه صاحبها 
جرديك , والتمس منه أن يكون واسطة صلح بينه وبين أهل حلب » فأجابه 
صلاح الدين إلى ذلك فجد جرديك إلى حلب واجتمع بالملك الصالح 
والأمراء وأشار عليهم بصلح السلطان صلاح الدين » فاتهموه بالمخامرة 
معه © » وحبسه سعد الدين كمشتكين مدبر الملك مع أولاد الداية المقدم 
ذكرهم » فبلغ الخبر السلطان وهو بحماة فرحل من وقته وسار إلى حلب 
ونزل على أنف جبل الجوشن فوق مشهيد الدكة © ثالث جمادى الآخرة »2 
وامتدت عساكره من الخناقية إلى السعدي » فخاف الحلبيون أن يسلموه البلد 
كما فعل أهل دمشق فأمر الملك الصالح أن ينادى باجتماع 


(1) الدّزدار : محافظ القلعة أو حارسها. وقد أخذ الأتراك هذه الكلمة عن الفرس. 


(2) يريد : الاتفاق معه سرا. 
(3) سبق التعريف به قبل عدة صفحات. 


257 


الناس إلى ميدان باب العراق » فاجتمعوا حتى غص الميدان بالناس » فوقف 
الملك الصالت في رأس الميدان من- الشمال وقال لهم :يا أهل حلب أننا 
ربيبكم ونزيلكم واللاجئ إليكم » كبيركم عندي بمنزلة أبي » وشابّكم كأخي » 
وصغيركم كولدي. 

وخنقته العبرة وعلا 2 نشيجه. فافتتن الناس وماجوا ورموا عمائمهم 
وضجوا بالبكاء والعويل » وقالوا : نحن عبيدك وعبيد أبيك » نقاتل بين يديك 
وَفبِذْل أم اتنا وأنسينا لك و أقيلوا على الدضاء والترتحد على أبنه, وكان 
الشيعة منهم اشترطوا على الملك الصالح أن يعيد إليهم شرقيّة الجامع 
يصلون فيها على قاعدتهم القديمة » وأن يجهر «بحيّ على خير العمل» 
والأذان © ٠‏ والتذكير في الأسواق وقدام الجنائز بأسماء الائمة الاثني عشر 
؛ وأن يصلوا على أمواتهم خمس تكبيرات » وأن يكون عقود الأنكحة إلى 
الشريف الطاهر أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني » وأن تكون العصبية 
من تفعة و الخامو سن 5067و ؤها لين اراك الفقية او أشتواء. كتونة افد بحو ها هنا 
كان أبطله نور الدين رحمه الله فأجابهم الملك الصالح إلى جميع ما طلبوا. 

وأما السلطان صلاح الدين فإنه أرسل إلى حلب رسولا يعرّض 
بالصلح » فامتنع كمشتكين فاشتد السلطان حينئذ في قتال البلد. فتفاوض 
الملك الصالح وجماعته في إعمال الحيلة فقر رأيهم على أن يراسلوا سنانا 
صاحب الحشيشة ‏ ويقال لهم الإسماعيلية والباطنية ‏ في أن يدس إلى 
السلطان من يغتاله » ووعدوه على ذلك بأموال جمّة وعدّة من القرى. فجاء 
نفر من الإسماعيلية إلى جبل الجوشن واختلطوا بالعسكر » فعرفهم أحد من 
كان مجاورهم في بلادهم » فوثبوا عليه وقتلوه في موضعه » وجاء قوم 
للدفاع عنه فجرحوا بعضهم وقتلوا البعض. وبدر من الإسماعيلية أحدهم 
وبيده سكينة مشهورة ليقصد السلطان ويوقع به » فلما وصل إلى باب الخيمة 
اعترضه طغريل أمير جاندار فقتله » وطلب الباقون فقتلوا بعد أن قتلوا 
جماعة. فلما يئس © الحلبيون من مرادهم في السلطان كاتبوا قمص 
الإفرنجي - صاحب طرابلس ‏ وضمنوا له أشياء كثيرة متى رحل السلطان 
عن 
(1) في الأصل : «وعلي» فصوبناها كما ترى. 
(2) كذا » ولعل الصواب : في الأذان. 


(3) مرتفعة : أي منعدمة » لا وجود لها. والناموس : الشريعة. 
(4) في الاصل : «ياس» والصواب ما أثبت. 


-88- 


حلب » فأغار «قمص» على حمص وألجأ السلطان صلاح الدين أن يسير 
إليه فنكقص «القومص» راجعا إلى بلاده. وتم الغرض من رحيل السلطان 
عن حلب. 

ملك صلاح الدين بزاعة وعزاز ثم منازلته حلب : 

في سنة 571 ملك صلاح الدين بزاعة » ثم نازل عزاز. وفي ليلة 
الأحد حادي عشر ذي القعدة وثب عليه من الإسماعيلية أحدهم في زي 
جندي من جند صلاح الدين » وضرب الإسماعيلي رأس السلطان بسكينة 
صدتها صفائح الحديد المدفونة في رأسه لكنها لفحت خده فخدشته. فقوي 
قلب السلطان وحاش رأس الإسماعيلي ) وجذبه إليه ووقع عليه وركبه . 
وأدركه سيف الدين بازكوح فأخذ حشاشة الإسماعيلي وبضعه. وجاء آخر 
فاعترضه أحد الأمراء وجرح الإسماعيلي ‏ ومات بعد أيام ‏ ثم جاء آخر 
فعانقه الأمير علي بن أبي الفوارس وضمه من تحت إبطيه وبقيت يد 
الإسماعيلي من وراء ويد الأمير من ورائه » لا يتمكن من الضرب. فنادى 
الأمير : اقتلوني معه فقد قتلني وأذهب قوتي. فطعنه ناصر الدين بن 
شيركوه بسيفه » وخرج آخر من الخيمة منهزما فثار عليه أهل السوق 

وبعد هذه النازلة رجع السلطان إلى خيمته خائفا مذعورا والدم يسيل 
من خده وأخذ بالتحرز من ذلك اليوم. ثم بعد أن تسلم السلطان قلعة عزاز 
بالأمان رحل عنها ونازل حلب في منتصف ذي الحجة وحصرها » وبها 
الملك الصالح الذي كان حالف السلطان صلاح الدين في السنة قبلها ثم نكث 
عن محالفته وحالف صاحب الموصل. فسار صلاح الدين لفتح بلاده ونازل 
حلب وبقي محاصرها إلى تمام السنة » ثم طلبوا منه الصلح فأجاب 
وأخرجوا إليه بنتا صغيرة لنور الدين فأكرمها وأعطاها شيئا كثيرا وقال لها 
: ما تريدين؟ فقالت : أريد عزاز. وكانوا علّموها ذلك ؛ فسلّمها إليهم . 
واستقر الصلح ورحل السلطان صلاح الدين عن حلب في عاشر المحرم 
سنة 572. 

وفي سنة 573 قبض الملك الصالح على سعد الدين كمشتكين أحد 
أمرائه لاستبداده بالأمور » وكانت حارم له فطلبها منه الملك الصالح فأبى 
فعذبه عذابا أليما حتى مات ولم يجبه لطلبه. ثم وصل الفرنج إلى حارم 
وحاصروها أربعة أشهر فأرسل الملك الصالح إليهم 


(1) أي أمسك برأسه. 


89 - 


مالا وصرفهم عنها. أما أهلها فلم يزالوا ممتنعين عن الملك الصالح 
فحاصرهم وتسلمها منهم. 

وفي سنة 577 توفي الملك الصالح وكان أوصى بملك حلب إلى ابن 
عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي - صاحب الموصل ‏ فسار 
مسعود المذكور من الموصل إلى حلب وملكها فكاتبه أخوه عماد الدين بن 
مودود صاحب سنجار في أن يعطيه حلب ويأخذ منه سنجار » فأجابه وتسلم 
كل منهما بلد الآخر. 

استيلاء السلطان صلاح الدين الأيوبي على حلب : 

وفي سنة 578 سار السلطان صلاح الدين من مصر إلى الشام وقصد 
تل باشر وتسلمها » ثم عينتاب فحاصرها وتسلمها. ثم قصد خلب: ودرل في 
صدر الميدان الأخضر في سادس عشر المدرم سنة 579 وسير المقاتلة 
يقاتلون ويباسطون عسكر حلب ببانقوسا وباب الجنان غدوة وعشية » وكان 
مع السلطان جيش ضخم. ولما تحقق عماد الدين بن مودود صاحب حلب أن 
ليس له قبل بالسلطان ‏ وكان قد ضجر من اقتراح الأمراء عليه وجبههم إياه 
- أرسل إلى السلطان رسولا وهو حسام الدين طمان يلتمس منه إعادة بلاده 
عليه » وهو يسلم حلب إلى السلطان صلاح الدين. فأجاب السلطان إلى ذلك. 

وفي يوم السبت ثامن عشر صفر منها نشر سنجق السلطان الأصفر 
على القلعة وضربت له البشائر. وفي ذلك الوقت باشر عماد الدين نقل 
أمتعته من القلعة ولم يترك بها شيئا وباع في السوق ما لم يقدر على حمله. 
وكان السلطان شرط على نفسه أنه ما يريد سوى الحجر » وأطلق السلطان 
لعماد الدين بغالا وخيلا وجمالا برسم حمل ما يحتاج إلى حمله. 

وفي يوم الأحد تاسع عشر صفر اصطنع عماد الدين للسلطان في 
الميدان الأخضر دعوة حافلة سر منها السلطان سرورا زائدا . وبينما هو في 
غاية مسرته ولذته إذ أخبره شخص بموت أخيه «بوري» وكان جرح في 
أثناء محاصرة حلب. فلما علم السلطان بموته وهو مسرور في الدعوة 
المذكورة ‏ وجد عليه في قلبه () ولم يظهر الأسف والحزن وأمر بتجهيزه 
سرا لئلا يتكدر المدعوون » ودفن في مقام إبراهيم بظاهر حلب. ثم حمله 
إلى دمشق 


(1) أي حزن وتأسف في نفسه » دون أن يظهر ذلك. 


- 90 - 


ودفنه بها. وبعد أن انقضت تعزية الناس للسلطان بأخيه خلع على الناس 
وفرّق في وجوه الحلبيين الأموال » وقدم لعماد الدين عشرين بقجة صفر » 
فيها مائة ثوب من العنّابي والأطلس والمعتّق والممرّس » وغير ذلك » 
وعشرة جلود قندس 17) » وخمس خلع خاص برسمه ورسم ولده » ومائة 
قنباز ومائة كمّة » وحجرتين عربيتين بأداتهما » وبغلتين مسروجتين » 
وعشرة أكاديش © » وخمس قطر بغال » وثلاث قطر جمال عربيات 
وقطار بخت ©. 

ولما فرغ السلطان من الهدية قدم الطعام فأكل عماد الدين ونهعض 
للركوب » وخرج السلطان معه إلى قرب بابلى وودعه. وسار عماد الدين 
لبلاده ورجع السلطان وصع القلعة من باب الجبل » وسمع منه وهو 
يصعدها قوله تعالى : (قُلٍ اللهُمّ مالك الْمُلْكِ توْتِي الْمُلْكَ مَنْ تشاء) إلى آخر 
الآية. وقال : ولله ما سررت بفتح مدينة كسروري بهذه » وقد تبينت الآن 
أتي املك البلاد »و علعت أن ملكي قه :ار وفت, قدرسصبان إلى التقداء 
وصلى ركعتين ثم عاد إلى المخيم في الميدان وأطلق المكوس والضرائب » 
وسامح بأموال عظيمة وجلس للهناء بفتح حلب » فهنأه جماعة من الشعراء 
بعدة قاقد أكزيقا العماد «صاحب كاب الررو سكن 

ومن عجيب الاتفاقات أن محيي الدين بن الزكي قاضي دمشق مدح 
السلطان بقصيدة منها قوله : 
وفتحكم حلبا بالسيف في صفر2 مبشر بفتوح القدس في رجب 

فكان الأمر كما ذكر » فإن السلطان فتحت له القدس في رجب سنة 
33. 


فتح حارم وغير ذلك من الحوادث : 
ثم إن السلطان طلب حارم من صاحبها سرخك ‏ الذي كان ولاه الملك 


عليه وأمسكوه وسلموا 
(1) القندس : حيوان مائي. له ذنب قوي مفلطح » وغشاء بين أصابع رجليه يستعين به على 
السداعة 


(2) الأكاديش : نوع من الخيول غير العربية » والمفرد : إكديش. 
(3) البخت : الإيل الخراسانية. 


91 


حارم إلى صلاح الدين » فتسلمها وقرر أمرها وأمر حلب وبلادها » وأقطع 
«عزاز» سليمان بن جندر أحد الأمراء » وجعل في حلب ولده الملك 
الظاهر. وسار عنها في غرة ربيع الأول من السنة المذكورة. وبعد مضي 
ستة أشهر طلب الملك العادل - وهو أخو السلطان صلاح الدين - أن يوليه 
على حلب فولاه عليها واستدعى ولده الملك الظاهر إلى دمشق فخرج من 
حلب في غاية الأسف عليها » فقد كان أحبها حبا شديدا ووافقه ماؤها 
وهواؤها. وكان خروجه منها واستلام عمّه لها في رمضان منها. وفي سنة 
2 أخذ السلطان حلب من أخيه الملك العادل وأقطعه عنها حرّان والرّها 
وأعاد ابنه الملك الظاهر إليها. 

استيلاء صلاح الدين على بيت المقدس وأخذه من حلب منبرا 

للمسجد الأقصى: 

وفي سنة 583 في رجب فتح بيت المقدس على يد السلطان صلاح 
الدين » فدخلها ورتب أمورها وأعاد جامعها إلى ما كان عليه » ثم أمر أن 
يكتب إلى حلب بإحضار منبر كان هيّأه لبيت المقدس الملك العادل نور 
في الجامع الأقصى. 

استيلاء الملك الظاهر على سرمينيه ية من الفرنج واستيلاء أبيه على 
دربساك : 

وفي سنة 584 أرسل السلطان ولده الملك الظاهر صاحب حلب إلى 
سرمينية فحصرها وضايقها وملكها من الفرنج » واستنزل أهلها على قطيعة 
قررها عليهم » وهدم الحصن وعفى أثره » وأطلق جما غفيرا من أسرى 
المسلمين الذين كانوا بهذا الحصن وما جاوره من الحصون. 
أنطاكية فأقام عليه أياما حتى تلاحق به من تأخر من العسكر ثم سار إلى 
دربساك وحاصرها ثم تسلمها بالأمان على شرط أن يخرج منها أهلها 
بثيابهم فقط. ثم سار إلى بغراس وتسلمها على شرط دربساك. ثم ارسل 
بيمند صاحب أنطاكية الفرنجي يطلب منه الصلح بشرط أن يطلق كل 


92 


أسير مسلم عنده » فأجابه السلطان لذلك وتهادنوا ثمانية أشهر. 

وفي ثالث شعبان منها دخل السلطان حلب وسار منها إلى دمشق 
وجعل طريقه على قبر عمر بن عبد العزيز ليزوره. وفي سنة 587 قتل 
يحيى السّهرورديّ الفيلسوف بقلعة حلب على ما يذكر في ترجمته. 


93 


وفاة صلاح الدين وولايات البلاد بعده 


وما كان من الحوادث إلى سنة 600 

وفي سنة 589 توفي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بدمشق - 
على ما يذكر بترجمته ‏ وترك سبعة عشر ولدا ذكرا وبنتا واحدة. وكان 
أكبر أولاده صاحب دمشق الملك الأفضل نور الدين علي ؛ وكان الملك 
العزيز عثمان صاحب مصر أصغر منه »ء والملك الظاهر صاحب حلب 
أصغر منهما. 

فاستقر بحلب - بعد وفاة السلطان صلاح الدين ‏ ولده الملك الظاهر 
غياث الدين غازي. وبحماة وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم : الملك 
المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين. وبحمص والرحبة 
وتدمر : شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذي. وبشيزر : سابق الدين 
عثمان بن الداية. وبصهيون وحصن برزيه : أبو قبيس وناصر الدين بن 
كورس بن خمار دكين. وبتل باشر : بدر الدين دلارم بن بهاء الدين ياروق. 
وببعرين وكفر طاب وأفامية : عز الدين إبراهيم بن شمس الدين. 
وفيها الملك العادل ابن أيوب. ثم وقع بين الأفضل والظاهر وحشة أفضت 
إلى انصرافهما عن دمشق » وتوجه كل واحد منهما إلى مقرّه. وبعد أن 
انصرفا خرج الملك العادل في أثر الملك الأفضل ووقع بينهما مصاف » 
انكسر فيه الملك الأفضل وأخذ منه الملك العادل مسر صلحا على أن 
يعوضه عنها ميّافارقين وغيرها. ولما استقر الملك العادل بالملك كاتبه ابن 
وضرب السكة باسمه. واشترط الملك العادل على الظاهر أن يكون 
خمسمائة فارس من خيار عسكر حلب في خدمة الملك العادل كلما خرج 
إلى البيكار. والتزم الظاهر بذلك. 

وفي سنة 597 كان الملك الظاهر مجدًا في تحصين حلب خوفا من 
عمه الملك العادل. 


94 


وفيها توفي عز الدين إبراهيم بن محمد وصارت بلاده بعده ‏ وهي منبج 
وقلعة نجم وأفامية وكفر طاب ‏ لآخيه شمس الدين عبد الملك. فسار إليه 
الملك الظاهر وملك منه منبج 2 وعصى عليه شمس الدين بالقلعة فحصره 
الملك الظاهر واستنزله بالأمان واعتقله وملك منه القلعة. ذم سار الملك 
الظاهر إلى قلعة نجم فملكها » وبها نائب شمس الدين المذكور. ثم أرسل 
الملك الظاهر إلى الملك المنصور صاحب حماة يبذل له منبج وقلعة نجم 
عكن أن تين محة كلق طية :اتلك الها لضبانمت ضير فاعتدن إلنه 
صاحب حمةة بيمين فى عنقه للملك العادل على أن يواليه. فلما أيس منه 
سار إلى المعرة وأقطع بلادها واستولى على كفر طاب » وكانت لشمس 
الدين المتقدم ذكره. 

ثم سار إلى أفامية وبها قراقوش نائب شمس الدين أيضا فلم يتيسر له 
تملكها » فرحل عنها وتوجه إلى حماة وحاصرها في اليوم السابع والعشرين 
من شعبان هذه السنة وبقي عليها إلى أيام من رمضان » وجرى بينه وبين 
الملك المنصور قتال شديد وجرح الملك الظاهر بسهم أصابه في ساقه » ثم 
صالح الظاهر المنصور على ثلاثين ألف دينار صوريّة ورحل عنها إلى 
دمشق وبها الملك المعظم بن الملك العادل فنازلها الظاهر وأخوه الملك 
الأفضل » وانضم إليهما عدة من أمراء الصالحية. واتفق الملكان الظاهر 
والأفضل على أنهما إذا فتحا دمشق يتسلمها الملك الأفضل ؛ ثم يسيران معا 
إلى مصر ويأخذانها من الملك العادل ويتسلمها الملك الأفضل » وحينئذ 
يتسلم دمشق الملك الظاهر. ولما قرب على الملكين افتتاح دمشق حسد الملك 
الظاهر أخاه الأفضل على ملكها » ووقعت الوحشة بينهما وتفرق عسكرهما 
وأبطلا القتال وراسلا الملك العادل وصالحاه » ورحل كل منهما إلى مستقرّه 
وفيها كان بالجزيرة والشام والسواحل زلزلة عظيمة هدمت عدة مدن. 

وفي سنة 598 خرب الملك الظاهر قلعة منبج خوفا من انتزاعها منه 
»؛ وأقطع منبج عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن محمد بن أحمد 
المشطوب. وفيها أرسل قراقوش نائب شمس الدين بأفامية إلى الظاهر 
بتسليم أفامية بشرط أن يعطى شمس الدين اقطاعا يرضاه. فأقطعه الملك 
الظاهر الراوندان وكفر طاب ومفردة المعرة » وهو عشرون ضيعة معينة 
من بلاد المعرة » وتسلم أفامية. ثم عصى شمس الدين بالراوندان فسار إليه 
الظاهر وأخضعه. 


- 95 


وفيها سار الملك العادل من دمشق ووصل إلى حماة ونزل على تل 
صفرون. وبلغ الظاهر وصوله إلى حماة بقصد حلب ومحاصرتها فاستعد 
للحصار وراسله وتم الصلح بينهما على أن يأخذ من الظاهر أماكن معلومة 
وتدفغ لمن اختار الملك العاذل: 
بق الملك العزيز إلى الشام فشار يوالدقه وإخوكه وأقام بحلنب عند الملك 
الظاهر. 

قصد ابن لاوون الأرمني أنطاكية وغير ذلك 

وفي سنة 600 نازل ابن لاوون ملك الأرمن أنطاكية فتحرك الظاهر 
ووصل إلى حارم » فارتد ابن لاوون على عقبه. وفيها كانت زلزلة عظيمة 
عممّت مصر والشام والجزيرة وبلاد الروم وصقلية وقبرس والعراق 
وغيرها ء وخرّبت سور مدينة صور. 

وفي سنة 602 كثر فساد ابن ليون الأرمني صاحب الدروب في ولاية 
حلب », فنهب وخرب وأسر وسبى » فسار إليه الظاهر بجموع كثيرة 
وحصل بينهم عدة وقعات كانت عاقبتها وخيمة على عسكر المسلمين. ثم 
جد الظاهر في قتاله فهرب منه وتحصن بمساكنه من الجبال. 


مجيء الملك الأشرف إلى حلب 

وفي سنة 605 وصل إلى حلب الملك الأشرف موسى أخو الظاهر - 
وكان :داحها مق دمقكق إلى ماذده د فتلشاء العلك الظاهر بالثو هام الله 
بالقلعة وجلغ في إكر امه وقام مخميع لوارهه ولرازم كسكره الوقيام. .وكا 
يحمل إليه في كل يوم خلعة كاملة وهي غلالة وقباء وسراويل وكمّة وفروة 
وسيف وحصان ومنطقة ومنديل وسكين ودلكش ؛ وخمس خلع لأصحابه. 
ومائة بقجة مع مائة مملوك » منها عشر بقج » في كل واحدة منها ثلاثة 
أثواب أطلس وثوبان خطاي » وعلى كل بقجة جلد قندس كبير. ومنها عشر 
في كل واحدة خمسة أثواب عنابي بغدادي وموصلي , وعليها عشرة جلود 
قندس صغار. ومنها عشرون في كل واحدة خمس قطع مرسوسي وديبقي » 
ومنها أربعون في كل واحدة خمسة أقبية وخمس كمام. وحمل إليه خمسة 
حصن عربية بعدّتها وعشرين إكديشا » وأربعة قطر بغال وخمس بغلات 
فائقات 


- 96- 


بالسروج واللجم » وقطارين من الجمالين. وخلع على أصحابه مائة 
بلاده الشرقية. وفيها أمر الظاهر بإجراء القناة على ما تقدم بيانه في الكلام 
على القناة. 

وفي سنة 606 نقض الظاهر الصلح مع الملك العادل. وفي سنة 608 
أرسل الظاهر القاضي بهاء الدين بن شداد إلى الملك العادل يستعطفه 
ويخطب بنته ضيفة خاتون » فتزوجها الملك الظاهر وزالت الإحن بين 
الملكين. وفي سنة 609 في المحرّم عقد الظاهر على ضيفة خاتون » وكان 
لملتقاها وقدم لها أشياء كثيرة نفيسة. وفي سنة 610 ولد للظاهر من ضيفة 
خاتون ولده الملك العزيز غياث الدين محمد. وفي سنة 613 توفي الملك 
الظاهر. ولما اشتد به مرضه عهد بالملك بعده إلى ولده الصغير الذي ولد له 
من ضيفة خاتون بنت الملك العادل » وكان عمر الولد إذ ذاك ثلاثة أعوام » 
فجعل أتابكه ومربيه خادما روميا اسمه طغريل الطواشي ؛ ولقبه شهاب 
الدين » وهو من خيار عباد الله » أحسن السيرة بعد وفاة الظاهر وعدل في 
الأحكام وأزال المكوس والضرائب التي كانت مرتبة في أيام الظاهر. 

وفي سنة 615 قصد عز الدين كيكاوس بن كيخسرو ‏ صاحب بلاد 
الروم - ولاية حلب. وسبب ذلك أنه كان بحلب رجلان يسعيان بالناس إلى 
على نفسيهما من الناس فقصدا كيكاوس المذكور وزيّنا له قصد حلب. فعزم 
على ذلك وأشار عليه بعض أصحابه أن يصحب معه أحدا من بيت أيوب 
لأن أهل البلاد تحبهم فيسهل عليه مقصده » فصحب معه الملك الأفضل 
وسارا معا متفقين على أن ما يفتحانه من بلاد حلب يكون للملك الأفضل 
وما يفتحانه من بلاد الجزيرة يكون لكيكاوس. ولما وصلا إلى قلعة تل باشر 
وفتحاها أخذها كيكاوس لنفسه خلاف ما اتفقا عليه » فاشمأز الملك الأفضل 
وقال : هذا أول الغدر. ثم فترت همته وتوانى عن المسير معه. 

أما شهاب الدين طغريل فإنه لما بلغه تحرك كيكاوس المذكور كتب 
إلى الملك الأشرف ابن صلاح الدين ‏ وكان صاحب الجزيرة - يستدعيه 
ليدين له بالطاعة ويخطب باسمه ويجعل السكة باسمه ويأخذ ما اختاره من 
أعمال حلب. فأجابه إلى ذلك وسار بعسكره 


29778 


لقتال كيكاوس » فلقي عسكر كيكاوس عند منبج واشتد القتال بينهم وانهزم 
واستردها وأرسلت عساكر كيكاوس إلى حلب أسرى ودقت البشائر. وفي 
سنة 616 كان الملك الأشرف بظاهر حلب يدبر أمرها ويرتب جنودها 
وإقطاعاتها. 

وفي سنة 619 فوض طغريل مدير المملكة الحلبية أمر الثتغر وبكاس 
الى الملك الصبالح احم ين البلك الظاهر من ”صجلاج الثدين + فار الملك 
الفداك الدينا وتلكينا واهناف إلده التزوى والمعز» رمعدرين. وي هده 
حكاه يافوت في كتابه معجم البلدان في الكلام على كز خلاصته اهن 
تلك الناحية شاهدوا هناك تثينا » عظيما كالمنارة أسود اللون » ينساب على 
الآرض والنار تخرج من فيه ودبره » فأحرق عدة مزارع ونحو أربعمائة 
شجرة لوز وزيتون وبيوت وخرّكاهات © للتركمان. ومرّ كذلك نحو عشرة 
فراسخ ثم ظهرت سحابة رفعته حتى غاب عن العيون وقد لف بذنبه كلبا 

قلت : لعل التنين هشيم 2 ممتد على مسافة طويلة اشتعل ورآه الناس 
على بعد فحسبوه تنينا » فإن اشتعال الكلا اليابس كثير الوقوع . فقد حدث 
في سنة 1298 وأنا في مدينة «ويران شهر» اشتعال هشيم في صحراء 
الخابور استمر عدة أيام. 

وفي سنة 620 وصل الملك الآأشرف من مصر ومعه خلعة و سنجق 
تلطاني.من أخيه الملك:الكامل لابق أخيه الملك العرمر بن الفلتك لاهو 
صاحب حلب ؛ وعمره يومئذ عشر سنين. فخلع على الملك العزيز وأركبه 
في الدست. وفيها اتفق كبراء الدولة الحلبية مع الملك الأشرف على تخريب 
وبكاس من , الملك الصالح وعوّضه عتهماً عينتاب والرواندان. وفيها ظفر 
جمع من التركمان باأطراف أعمال حلب بفارس مشهور من الفرنج الداويّة 
بأنطاكية فقتلوه فعلم الداويّة بذلك فساروا وكبسوا التركمان وقتلوا منهم 
وأسروا وغنموا من أموالهم. فبلغ ذلك 
(1) التثين : حية مائية أسطورية عظيمة تبتلع دواب البحر وتخرج إلى الشاطئ تفترس 
الناس. 
(2) مفردها خرّكاه » وهي الخيمة الكبيرة. والكلمة من الدخيل. 
(3) الهشيم : الحشيش اليابس. 


- 98 


طغريل فراسل الفرنج وتهددهم بقصد بلادهم. واتفق أن عسكر حلب قتلوا 
فارسين كبيرين من الداوية أيضا فأذعنوا بالصلح وردوا إلى التركمان 
كثيرا من أموالهم وحريمهم وأسراهم. 

وفي سنة 626 أشخص الملك العزيز صاحب حلب إلى الملك الكامل - 
وكان بدمشق يخطب بنته فاطمة خاتون التي هي من الست السوداء أم 
ولده أبي بكر العادل ابن الكامل. وفي سنة 627 ولد الملك الناصر يوسف 
بن الملك العزيز صاحب حلب. وفي سنة 628 قلّت الأمطار بديار الجزيرة 
والشام ولا سيما حلب وأعمالها » فإنها كانت قليلة جدا » وغلت الأسعار 
بالبلاد وكان أشدها غلاء حلب » فأخرج طغريل كثيرا وتصدّق بصدقات 
دارّة » وساس البلاد سياسة حسنة بحيث لم يظهر للغلاء أثر. وفيها قصد 
الفرنج الذين هم بالشام مدينة جبلة من المدن المضافة إلى حلب ودخلوها 
وأخذوا منها غنيمة وأسرى » فسيّر إليهم طغريل عسكرا استردها منهم وفك 
الأسرى. 

وفي سنة 629 استقل الملك العزيز بن الملك الظاهر بملك حلب. 
وفيها وصلت زوجة الملك العزيز بنت الملك الكامل وكان يوم دخولها إلى 
حلب يوما مشهودا. وفي سنة 630 أخذ الملك العزيز شيزر لامها عدم 
شهاب الدين يوسف بن سابق الدين » وقد هنأه بها يحيى الخالد القيسراني 
بقوله : 
ياملكاعم أهل الأرض نائله وخص إحسنه الداني مع القاصي 
لمارأت شيزر آيات نصرك في أرجائها ألقت العاصي إلى العاصي 

وفي سنة 631 توفي شهاب الدين طغريل الطواشي أتابك حلب. وفي 
سنة 632 توفي الملك الظاهر داود صاحب البيرة ابن السلطان صلاح الدين 
؛ وملك البيرة ابن أخيه الملك العزيز صاحب حلب. وفي سنة 634 خرج 
الملك العزيز إلى حارم للصيد ورمى البندق واغتسل بماء بارد ء فحمّ 
ودخل حلب وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة وكان عمره ثلاثا 
وعشرين سنة وشهورا » وكان حسن السيرة في الرعية وتقرر في الملك 
بعده ولده الملك الناصر يوسف وعمره نحو سبع سنين » وقام بتدبيره 
وبتدبير الدولة شمس الدين لؤلؤ الآرمني » وعز الدين عمر بن مجلي . 
وجمال الدولة إقبال الخاتوني. والمرجع في الأمور إلى والدة الملك العزيز 
ضيفة خاتون بنت الملك العادل. 

وفيها توجه عسكر حلب مع الملك المعظم توران شاه عم الملك 
العزيز فحاصروا 


99 


بغراس » وكان قد عمرها الفرنج الداويّة بعد ما فتحها صلاح الدين وخربها 
» وقد أشرف العسكر على أخذها ثم رحلوا عنها بسبب الهدنة مع صاحب 
أنطاكية . ثم إن الفرنج أغاروا على ربض دربساك وهي حينئذ لصاحب 
حلب » فوقع بهم الحلبيون وولّى الفرنج منهزمين وكثر فيهم القتل والأسر . 
وعاد عسكر حلب بالأسرى ورؤوس الفرنج. وكانت هذه الوقعة من أجل 
الوقائع. 

وفي سنة 635 توفي الملك الكامل صاحب مصر ولما سمع الحلبيون 
بوفاته اتفقوا على أخذ المعرة وحماة من الملك المظفر صاحب حماة » وهو 
جد أبي الفداء المشهور صاحب التاريخ والجغرافية. وسبب ذلك أن الملك 
الفظفر كان و[فى الملك الكامل على قصيف كلم فمشدئ: عويكن كليه إلبين 
المعرة وانتزعوها من يد الملك المظفر وحاصروا قلعتها ثم ساروا إلى 
حهاة وخاضير وها ونها الملتك المظفر: وتيت العميكو الخلين يلاد حاف 
و شكس السعمار: حا تناه عن كر حت رفك 6 انمد :كيين بق سلطا 
الروم غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو على غازية خاتون بنت 
الملك العزيز صاحب حلب سابقا وهي صغيرة حينئذ. ثم عقد للملك الناصر 
يوسف بن الملك العزيز على أخت كيخسرو وهي ملكه خاتون بنت كيقباذ » 
وخطب لغياث الدين بحلب. وفي سنة 636 كتبت ضيفة خاتون صاحبة 
جلتاينت التلك العادل إلى ميك جلت أن هلوا عن محاضيز :حا » 
فرحلوا عنها وكان قد طال حصارهم لها ولحقهم الضجر واستمرت المعرة 
في أيدي الحلبيين. 
وفي سنة 638 نزل الملك الحافظ أرسلان شاه بن الملك العادل عن 
قلجة حعين و بالس وسلمها إلى أخثة ضيفة كاتون: ضاحية يطل وعوضدتة 
عنها «عزاز» وبلادا معها تساوي ما نزل عذه. وسبب ذلك أن الملك 
الحافظ أصابه فالج فخشي على نفسه من تغلب أولاده فاقترب من حلب كيلا 
يمكنهم التعرض إليه. 


- 100 - 


إجمال في الأتراك 
نتكلم بهذا الإجمال على الأتراك لأن حلب دخلت تحت حكم الكثير من 
دولهم » كما علمت مما أسلفناه ومما نثبته بعد » فوجب أن نعرف شيئا من 
أحوالهم فنقول : 


أجناس الترك ومساكنهم : 

اتففف كلدة أهل التاريخ على أن احنانن القزاف أكقر احداى :اتغالة:» 
وأن مساكنهم بلاد الشرق. منهم أمة تقطن فيما بين البحر المتجمد إلى 
أصفهان يقال لأولهم (ياقوت) ولأخرهم (تركمان). ‏ . 

ومنهم أمم تقطن فيما بين سواحل (هوانغ هو) إلى أواسط روسيا في 
آسيا يقال لأولهم (يغور) ولأخرهم (تاتار) ثم الأتراك العثمانيون. 

وأمم تقطن أواسط آسيا وشرقي أوروبا وكثير منهم من يعيش في 
ليتوانيا. 

ويمكن أن تقسم هذه الأمم إلى ثلاثة أقسام : | 

القسم الأول : شعوب شرقية » أي سكان شرقي أسيا. 

القسم الثاني : وسطية. 

القسم الثالث : غربية. 

فالشعوب الشرقية يقال لهم (ياقوت) و (التاي) 2 ويقال لهم (يغور) و 
(بولو) و (تارانج) و (سبيريا). 

والشعوب الوسطية يقال لهم قيز غير وهم القازاق. وكلمة خير سز 

مأخوذة من هذه الكلمة و (أزبك) وهم من نسل أويغور المعروفين الآن في 
أوربا باسم (أوار) وهم 
(1) كلمة التاي أصلها (الاتايغ) وهي اسم لجبال آلاطاغ. ومعنى آلا باللغة التركية الساطع. 
ومعتى ظاغ الحبل» فيكون.معتى- هذه الكلمة الجبل الساطع: وسيب تميته بهذا الاسم إشتراقه 
ولمعانه لوجود الثلج عليه في أكثر الأوقات » كما قاله صاحب كتاب تلفيق الأخبار. اه 
(المؤلف). 


- 101 - 


يسكنون بلادا قريبة من ختن وكاشغر وتورقان وخاميل » جنوبي جبال 
هملاياء وهم يميلون إلى العثمانيين وإن كانوا منفكين عنهم. وكلمة 
«أويغور» اسم للصحراء المعروفة بآسيا العليا وتركستان هي المحاطة 
شرقا بالخطاي ‏ وهي الصين الشمالي ‏ وغربا بخوارزم وبحيرة آرال » 
وشمالا بسبيريا » وجنوبا بالثبت وبخارى الكبرى » ولغة أويغور من لغة 
الأتراك الأصلية وتسمى جغتاي نسبة إلى جغتاي بن جنكزخان. 

ومن الشعوب الوسطية أيضا : تاتار نهر (وولغا) و (باشقير) أو 
(باشقرد) تحريف (بوزقير) وهي البرية البيضاء. ومن تلك الشعوب أيضا 
(قاراجاي) و (جوواش) و (جرمش) وهي شعوب تحكمها الروس » 
نصارى ومسلمون ووثنيون. والشعوب الغربية يقال لهم تركمان و 
(اذربايجان) و (يوروك). 

تركستان وتاتارستان : 

فى كقاب كلفييق الأخياز أن القباقتل التعزوكة وبيب تزكسستان 
كنا ران تمه اشر قا اميلكك- الحمنن بو يجري هنانك الهم الفشوين 
والروم والبحر الأسود ؛ وشمالا منتهى المعمور » وغربا نهر الطونه 
ودنيستر وويستولة. على أن من كان من هذه القبائل في إقليم ما وراء النهر 
وفرغانة وكاشغر وتبت » وفي حدود الفرس والروم وأوربا » لم يزل يوجد 
فيهم طوائف رحالة نزالة » خصوصا من كان منهم باقيا في إقليمهم الأصلي 
المعروف باسم دشت قبجق » وهو المشهور بصحراء قزاق وقزغير » فهم 
حتى الآن في حالة البادية يسكنون خركاهات . أي خياما على هيئة قباب 
بيض مخروطة الشكل » قطر المتوسط منها ثمانية أذرع وارتفاعها ما بين 
سبعة أو ستة أذرع » مصنوعة من قضبان صلبة مشبكة ببعضها على طرز 
جميل مغشاة بلبد بيضاء متينة ملونة في كل قبة منها سرير مفروش بديع 
مزين بعظام الجمل على شكل جميل. وهي تقؤض في كل خمسة عشر يوما 
إلى ثلاثين يوما وتضرب في مروج يجاورها غدران » فما هي إلا رياض 
نمل ولا بعوض ولا ذباب » كأنها نموذج من جنة الخلد تسمع في أشجارها 
تغريد الأطيار التي تسبح في غدرانها » فالنوم فيها لذيذ واليقظة ألذ وأجمل. 

وسكان هذا الإقليم يعانون تربية المواشي كالغنم والبقر والجمال 
والخيل. وأعز ماشية عندهم الخيل لأنهم يتغذون من لحمانها وألبانها. وهم 
على جانب عظيم من السخاء وقرى 


- 102 - 


الضيوف والعطف على الفقراء. هذا مع تسلط الدولة الروسية عليهم 
حقوقهم المدنية وحريتهم القومية والوطنية والشخصية » وتداخلها في 
عندهم الحياة والممات. 

كلمة تورك : 

قال بعض الباحثين في طبقات الأمم : إن كلمة «تورك» مأخوذة من 
كلمة توكو وهي اسم أمم كانت في العصر السادس من الميلاد تسكن قرب 
(التاي) وحوالي أو يغور. 

وإن هذه الآمة من نسل (هونغ نو) المذكورين في تواريخ الصين 
الذين كانوا قبل عصرين من الميلاد يشنون الغارات على ممالك الصين مدة 
أربعة قرون حتى اضطرت ملوك الصين إلى بناء السد الكبير. وإن أمة 
التوكو هذه أقامت في هذه المدة دولة عظيمة انقسمت بعد ذلك إلى قسمين : 
أحدهما التوكو » ومنها تناسل جميع أمم الترك. والقسم الآخر : الأويغور . 

لغة الأتراك : 

لغة الأتراك ولغة المغول والفينوا : كل منهما متفرع من لغة التاتار 
الذين يقال لهم (أولو التاي) أي الخطاي » أو يقال لهم (توران) أو (أويغور) 
وهي قريبة من لغة التركمان. 
التركية. على أن الشبه بين لغة العرق التركي وبين لغة العرق المغولي بعيد 
؛ غير أن تشابه الأوصاف البدنية بينهما يدل على قربهما من بعضهما. 


توران أو طوران : 

الأتراك العثمانيون يقولون إنهم من أصل توراني ؛ نسبة إلى توران 
وهو كما قال صاحب تلفيق الأخبار » نقلا عن العمري ‏ اسم مملكة 
الخواقين » كانت بيد أفراسياب التركي ملك الترك » وهي من نهر بلخ إلى 
جاورهم من طوائف الأمم المختلفة سكان الشمال. ويدخل في توران ممالك 


- 103 - 


كثيرة وأمم مختلفة منها غزنة والباميان والغور وما وراء النهر وهو 
جيحون نحو بخارى وسمرقند والخجند والخوقند وغير ذلك. وبلاد 
تركستان وأستروشنة وفرغانة وبلاد صاغون وسرام وبلاد الخطا والمايغ 
إلى قراقوم » وهي قرية جنكزخان » وفيها كان مولده ومنشؤه » ثم ما وراء 
ذلك من بلاد الصين وصين الصين » كل هذه الممالك العظيمة : سلاطينها 
وملوكها مسلمون (أي في عصر العمري ؛ المنقولة عنه هذه المقالة). 


أصل الأتراك ودياناتهم : 

الأتراك من نسل يافث » وكانوا بادية رحلا نزلا يعيشون عيشة البدو 
ويأكلون الكلاب والفآر وما يجدونه من الصيد » ويدينون بالوثنية المعروفة 
باسم (بت برست). ومنهم من يعبد النار » وبعضهم يعبد إلها في الشمس » 
ويسمون رهبانهم شامان. ومن هؤلاء بقية تقطن في شمال سبيريا والجزائر 
الملحقة بالمحيط الهادي. ورهبانهم يشدون في أوساطهم أذناب الخيل 
ويعلقون عليها الطبول أحيانا ليطردوا بها الشيطان على زعمهم » ويذعون 
علم السحر ويعتقدون الجن والملائكة ويسمون أكبرهم الشيطان. 


متى بدأ الدين الإسلامي ينتشر في الأتراك 

لم أظفر بقول صريح يبين التاريخ الذي بدأ فيه بزوغ شمس الإسلام 
على عالم الامم التركية. وأنا لا أستبعد ان يكون بدأ نجم الإسلام يسطع في 
سماء الممالك التركية منذ سنة 22 ه فى خلافة أمير المؤمنين عمر بن 
الخطاب رضي الله عنه » وذلك حينما فتحت قزوين وزنجان عن يد البراء 
بن عازب » وأذربيجان عن يد سماك بن خرشة الأنصاري » والباب عن يد 
عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي. ثم حينما غزا عبد الرحمن هذا بلنجر وهي 
المدينة البيضاء وراء الباب في بلاد الخزر ‏ وقيل هي بلدة حاجي طرخان 
وهو الصحيح ‏ غزاها عبد الرحمن بأمر الخليفة عمر ولم يجسر أحد من 
أهليا خلن لفاثةفهويو اامده: اعتضهون| فخ الجيال:دو قتالر | :ها حمر | عليكا 
إلا ومعه الملائكة تمنعهم من الموت. 2 

ثم تتابعت غزوات المسلمين على الخزر والترك فتذامروا سنة 32 في 
خلافة عثمان رضي الله عنه وقالوا : كنا لا يقرن بنا أحد حتى جاءت هذه 
الأمة القليلة فصرنا لا نقوم لها. فقال بعضهم : إن هؤلاء لا يموتون وما 
أصيب منهم أحد » فلهذا ظنوا أنهم لا يموتون. 


- 104 - 


فقال بعضهم : أفلا تجرّبون؟ فكمنوا لهم في الغياض فمرّ بالكمين نفر من 
الجند فرموهم منها فقتلوهم. 

قال ابن الأثير في كتابه «الكامل» : ثم غزا عبد الرحمن نحو بلنجر » 
وكان الترك قد اجتمعت مع الخزر فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا وقتل عبد 
الرحمن » فأخذ أهل بلنجر جسده وحملوه في تابوت فهم يستسقون به. وفي 
معجم البلذان أن الدي قل في هذه الواقعة : سليمان بن ربيعة الباهلي لا عبد 
الرحمن » فليحورّر. والقصة مذكورة ف في المعجم في الكلام على باب 
الأبواب. 

وسطع نجم الإسلام في الأتراك أيضا حينما فتحت الجبال المحيطة 
بأرمينية » وقد قيل في أهلها إنهم استحلوا الإسلام وعدله » إذ من المستبعد 
عقلا أن يحترم أهل بلنجر جسد عبد الرحمن - أو سليمان على الرواية 
الأخرى ‏ ويعتقدوا فيه البركة والكرامة ويضعوه في تابوت ويستسقوا به » 
وأن يكون أهل الجبال المحيطة بأرمينية قد استحلوا الإسلام وعدله وألا 
يكون الإسلام خامر قلوب بعض أناس منهم طابت سرائرهم وصفت 
قرائحهم » وتنورت بصائرهم فميزوا الرشد من الغي واتضح لهم ما هم 
عليه من العمى وما عليه دين الإسلام من الهدى فاستهجنوا نحل تهم 
واستحسنوا ذلك الدين فقبلوه ودانوا به. 

وأنا لا أدعي بأنهم في ذلك التاريخ ارتضوا هذا الدين ودخلوا فيه 
أفواجا » وإنما أقول : إنه لا بد وأن يكون دخل فيه أفراد منهم فأخفوا 
إسلامهم حين لا يمكن إعلانه. على أن عدم تصريح المؤرخين ببدء انتشار 
الإسلام في الأمم التركية لا يستلزم عدم انتشاره فيهم في ذلك التاريخ » وإلا 
للزم ألا يكون الإسلام انتشر إذ ذاك في الفرس أيضا لأن المؤرخين لم 
يصرحوا ببدئه فيهم ولا في غيرهم » كأنهم استغنوا عن ذلك لأن شيوع هذا 
الدين قديما في الأمم التي حاربها المسلمون كان معلوما بالضرورة » إذ 
كانت الدعوة إلى التدين بالإسلام أو بذل الجزية تتقدم كل مناجزة » فكانت 
الأمة التي يحاربها المسلمون لا تخلو عمن يرضى منها بالإسلام أو 
بالجزية فيقبل منه ويناجز الباقون من الأمة الذين لا يرضون بأحد الأمرين 
ومما يستبعده العقل أيضا أن تكون الأمم التركية خالية عدن اتبع هدى 
الإسلام واتخذه دينا في < جميع الحروب التي أدار رحاها عليهم قتيبة بن 
مسلم وابنه مسلم ويزيد بن المهلب ومسلم بن سعيد الكلابي ونصر بن سيّار 
وغيرهم من قادة المسلمين » مع أنه لم يصرّح 


- 105 - 


أحد من المؤرخين بإسلام أحد من الأتراك في أثناء جميع تلك الحروب. 

هذا وإن كثيرين من الأتراك كانوا ينشؤون على دين الإسلام وهم 
مماليك الخلفاء والوزراء وأهل الوجاهة من المسلمين » وقد التفت إليهم 
الخلفاء العباسيون واعتنوا بشأنهم وأحلُوهم لديهم المنزلة العليا لما كانوا 
يرونه من شجاعتهم وصدقهم » حتى إن الخليفة المعتصم ومن بعده من 
الخلفاء صار لا يثق ولا يعتمد إلا على الجندي التركي. وقد بنى الخلفاء 
للأتراك بلدة خصوصية وصاروا يزوجون رجالهم بنسائهم ويدرّون عليهم 
الإنعامات » فنموا وكثروا ونالوا من الدولة العباسية الرتب العالية » ونشأ 
منهم رجال أولو كفاءة واقتدار فتولُوا باستعدادهم الولايات والإقطاعات » 
وشاع ذكرهم في الأقطار ء وغبطهم إخوانهم الأتراك في أصقاعهم 
وشاهدوا حسن أحوالهم . وتحققوا بأن تدينهم بدين الإسلام هو الذي رفعهم 
إلى تلك المراتب العالية وبدّل ما كانوا عليه من الهمجية بالمدنية الحقّة 
والرقي إلى معارج الكمالات الإنسانية » فاعتقدوا صحة الإسلام وأقبلوا 
عليه يدخلون فيه أفواجا. وفي سنة 349 أسلم منهم دفعة واحدة نحو مائتي 
ألف خركاه (» على ما ذكره ابن الأثير فى كتابه الكامل فى حوادث السنة 
المذكورة » وهو عدد عظيم لا شك. ولا ريب أنه لم يدخل © في الإسلام إلا 
اقتفاء لآثار غيره من قومه. 

وذكر في تاريخ الدولة العثمانية ‏ الذي ترجمه من النمسوية محمد 
عطاء الله أفندي أحد أفاضل الأتراك العثمانيين ‏ أن سالور من أعقاب طاغ 
خان دان بدين الإسلام مع ألفي بيت من قومه بعد سنة 350 ه وأن سالور 
تسمى من ذلك التاريخ بجناق خان »؛ أو قره خان » وسمى من تبعه على 
الإسلام (تركمان). 

وقد يؤاخذ محمد عطا الله أفندي بعدم ذكره مائتي ألف بيت التي ذكر 
إسلامها ابن الأثير » واقتصاره على ذكر إسلام ألفي بيت » إلا أن يكون 
غلط في بيان العدد وظنه ألفي بيت. وهذا الاحتمال يصح فيما لو كان 
تاريخه الذي بينه موافقا للتاريخ الذي بينه ابن الأثير وليس الأمر كذلك كما 
علمت . كما أن ابن الأثير قد قصّر بالإفصاح عن اسم زعيم تلك الطوائف 
العظيمة التي أسلمت في التاريخ المذكور وعن بيان اسمها وسبب إسلامها. 
وذكر 
(1) الخركاه : الخيمة الكبيرة. وقد سبق ذكرها. وقد تطلق على البيت » كما سيأتي بعد عدة 
أسطر. 
(2) الفاعل يعود إلى قوله «عدد عظيم». 


- 106 - 


ابن الأثير في كتابه المذكور في حوادث سنة 351 أن طائفة من الأتراك 
نزلت في هذه السنة على بلاد الخزر فانتصر الخزر بأهل خوارزم فلم 
ينصروهم وقالوا لهم أنتم كفار فإن أسلمتم نصرناكم. فأسلموا إلا ملكهم » 
فنصرهم الخوارزميون وأزالوا الأتراك عنهم ثم أسلم ملكهم بعد ذلك. 

قال محمد عطاء الله أفندي ما معناه : إن كلمة «تركمان» مركبة من 
«ترك إيمان» أو من «ترك مان» أي إنسان ترك 0 «مان» معناه 
الإنسان » ونظيره الروهان تمان ا 0١‏ ينان انعو و لحان اميت 

ثم إن هؤلاء التركمان نزح بعضهم إلى غربي أرمنستان » والبعض 
الآخر إلى السواحل الشرقية من بحر خزر » وانقسموا إلى تركمان غربيين 
وإلى تركمان شرقيين » والمواضع التي أقاموا فيها تسمى اليوم بلاد 
التركمان. وقد خلف جناق خان ابنه موسى خان فنشأ على الإسلام واجتهد 
في رقي قومه وجمع إليه العلماء وأنشأ الجوامع والتكايا والمكاتب. اه كلام 

قلت : ثم خلف موسى خان ابن عمه شهاب الدولة هارون بغرا خان 
بن سليمان إيلك خان » وكان خيّرا دينا يحب أن يكتب عنه : مولى رسول 
الله. وهو الذي استولى على بخارى من يد السلالة السامانية. وفي سنة 435 
حارب إيلك خان الأتراك الباقين على الوثنية فأسلموا وضحّوا يوم عيد 
النحر بعشرين ألف رأس غنم » وكانوا عشرة آلاف خركاه وكانوا قبل 
الإسلام يطوفون البلاد بنواحي بلاد ساغون وكاشغر ويفسدون في الأرض 
٠‏ ولا يأوون المدن لخوفهم. فلما أسلموا أمنوا على أنفسهم فتفرقوا في البلاد 
ودخلوا مدنها. 

قال ابن الشهدة ما تلشسه #وفي سنة 693 كدت الفورائة إلى لاد 
المسلمين هاربين من قازان بن أرغون بن بغا بن هلاكو »ء وكانوا نحو 
عترنة الأفك إنسانت: : قاد لع المياطاق كشهنا بالساحل و احسن البو لأنيند 
جاؤوا مسلمين وأعطاهم الإقطاعات. وسيأتي لنا أن سلجوق أسلم هو وقومه 
وأن أكثر أولاد جنكز خان وأحفاده أسلموا متتابعين وأسلم معهم 


(1) في الأصل : «أن» فصوّبناها إلى «أي». 


- 107 - 


أكثر شعوبهم. وسنذكر ذلك مفصلا في الفصل الآني الذي عقدناه في الكلام 
على جنكز خان. . . ٠‏ 

والخلاصة أن الأتراك قد نشطوا إلى الإسلام منذ أوائل القرن الثاني 
إلى أواخر القرن السابع من الهجرة فدخلوا فيه أفواجا » ولم يبق منهم من لم 
يسلم سوى التاتار والخطاي في نواحي الصين » وسوى أمة ياقوت 
وجوواش المتقدم ذكرهما. 


- 108 - 


السلاجقة والعثمانيون من أصل واحد 

السلاجقة والعثمانيون ينتسبون إلى أب واحد وهو «أوغوز خان بن 
قره خاه». وهو أول من وضع للاتراك قوانين واعتنى بمدينتهم. ومن جملة 
آثاره الهلال الذي هو شعار الدولة العثمانية » وكان العلم الذي يركز فيه 
الهلال يقال له «ماهجه توغ» أي العلم الهلالي » والعرب يسمونه «طوق». 
وكان مرفوعا على أعالي دار الملك »في مدينة سراي ؛ هلال من ذهب 
زنته قنطاران بالمصري. وكان أوغوز خان معاصرا لخليل الرحمن 
إبراهيم عليه السلام » وكان يدين بالوثنية ثم دان بدين إبراهيم وخرج على 
أبيه وحاربه مدة أربعين سنة. ثم ترك مقر أبيه «قره قوم» وقيل «أور» 
وسار إلى الجنوب واستقر في مدينة (ياسي) أشهر مدن تركستان في ذلك 
الزمان » وهي البلدة التي ينسب إليها المرشد الشيخ أحمد الياسوي 

ثم إن أوغز خان عظم شأنه وامتدت فتوحاته من سيروم إلى بخارى 
فقسم مملكته بين أولاده الستة » وهم كون خان » وكوك خان » وأي خان » 
ويلديز خان » وطاغ خان » ودكز خان. وخرج أولاده مرة للصيد على نيّّة 
أن يصطادوا شيئا يتفاءلون به على مستقبلهم » فظفروا بقوس وثلاثة أسهم 
فقدّموها إلى أبيهم » فأعطى الأسهم كوك خان ودكز خان » وأعطى القوس 
أولاده الآخرين » فأخذوه وكسروه ليقتسموه فيما بينهم » فسمى الأوّلين 
(أوجوق) أي الأسهم الثلاثة » وسمى الآخرين (بوزيجيلر) أي المخربين ؛ 
وأعطى ميسرة جيشه الأولين » وميمنته الآخرين. 

وبعد وفاته اقتسم أولاده مملكته فيما بينهم : فأخذ أصحاب الميسرة 
عشائر الأتراك الشرقيين » وأصحاب الميمنة عشائر الأتراك الغربيين. 
ويقال إن كل واحد من أولاده المذكورين ولد له أربعة أولاد وصار كل 
واحد منهم أبا عشيرة. فانقسم الأوغوزيون إلى أربع وعشرين عشيرة. ثم 
إن أمراء الميمنة المقيمين قبلا في تركستان استولوا على ما بين سيحون 
وجيحون في الغرب », وتقدموا إلى داخل المضايق حتى بلغوا ذ نهر الطونة. 
وذكر 


- 109 - 


مؤرخو الأتراك أن الملوك من الأغوزيين والسلاجقة والعثمانيين منسوبون 
إلى خانات الميمنة : الأغوزيون من أعقاب طاغ خان » والسلاجقة من 
أعقاب دكز خان » والعثمانيون من أولاد كوك خان. وكان الأغوزيون قبل 
الإسلام يحاربون الأكاسرة » وبعده صاروا يحاربون خلفاء المسلمين إلى 
أن دانوا بدين الإسلام. 


السلاجقة 
الدولة السلجوقية تنسب إلى سلجوق بن تقاق » أي القوس الجديد. 
وكان تقاق شهما عاقلا » وكان مقدّم الأتراك الأوغوز عند ملك الترك بيغو 
» وقد أراد الملك أن يسير إلى بلاد الإسلام ليوقع بها فنهاه تقاق ووبخه 
لنجابته » ثم سعت به امرأة الملك إلى زوجها فخافه سلجوق وسار بجماعته 
ومن أطاعه من الجند من ديار الحرب إلى دار الإسلام فأسلموا جميعا 
واستمروا على غزو كفار الترك. وتوفي سلجوق عن 107 سنين من عمره 
ورك من الأولاد : أرسلان وميكائيل وموسى. ومنو وود 
ليل تمنها و امتة,بحكيها فى العالم الإنداحمني مو بحدوة الضيين إلى لكر يكدوة 
الشام مدة 270 سنة وذلك من سنة 419 إلى سنة 699 وقد تفرع منها 
فروع » بعضها من أصل آل سلجوق : وهي الفروع التي حكمت في كرمان 
وحلب ودمشق وبقية بلاد الشام والعراق وكردستان وآسيا الصغرى 
المعروفة بالأناضول وهي أطول الفروع عمرا. وبعضها متفرع عنها من 
مماليكها ووزرائها وهي عشرون فرعا أشهرها : الفرع الزنكي الذي منه 
نور الدين محمود زنكي . والارتقيّة حكام ماردين وديار بكر»ء 
والخوارزمية حكام خوارزم. وقد امتد حكم هذا الفرع من سنة 498 إلى 
3 ثم دخلت في حوزة العثمانيين وغيرهم. 
جنكز خان 
قال في كتاب تلفيق الأخبار وغيره ما خلاصته : لما مات كون خان 
بن أغوز خان خلفه أخوه آي خان. ثم خلف هذا يلدز خان أحد أحفاد أوغوز 
خان » ثم ولده نيكز خان » ثم ولده منكلي خان. ولما أسن هذا فوض أمر 
السلطنة إلى ولده إيل خان. جميع 


-110- 


هذه الملوك تعد من ملوك المغل. وإن إيل خان هذا هو الذي تحارب مع 
ملوك التاتار وانجلى الحرب بينهم عن قتله وتشتت شمل أمة المغل وأسر 
التاتار ولده قيان وولدا آخر لأخي إيل خان اسمه نكوز » فهربا من الأسر 
مع زوجتهما ولجأ إلى الجبال ودخلا إليها من شعب 7() ضيق لا يمكن أن 
يسلكه سوى إنسان واحد » وداخل هذا الشعب فضاء واسع فيه مياه غزيرة 
ومروج واسعة وأشجار ملتفة. فأقاما هناك وتناسلا وكثرت أعقابهما حتى 
ضاق بهم ذلك الفضاء. وقد مضى عليهم مدة أربعمائة سنة وكانوا يتناقلون 
عن أسلافهم أن وراء هذا الشعب ممالك واسعة كانت وطنهم » فعمدوا إلى 
مكان من الجبل فيه معدن الحديد والنحاس فجمعوا فيه الأحطاب وأضرموا 
فيها النار حتى ذاب ما فيها من الحديد والنحاس وانفتح الممر (وهذا هو 
السدّ على رأي بعضهم) فخرجوا من هذا الممر كالجراد المنتشر إلى فضاء 
واسع وملكهم يومئذ (برته جينه) من أعظم ملوك الأتراك المغل قوة وبأسا 
فتحارب مع التاتار هو وأعقابه من بعده أدهارا طويلة إلى أن كانت الغلبة 
للمغل على التاتار. 

ولما آلت سلطنة المغل إلى يولدز خان بن منكلي خان بن تميرتاش 
خان ‏ من نسل قيان المأسور الهارب ابن إيل خان ‏ كان له ولدان فماتا 
وخلّف أحدهما ولدا اسمه (ديون بيان) وترك الآخر بنتا اسمها «ألان قوا» 
فتزوج ديون بيان ابنة عمه ألان قوا وتسلطن على المغل بعد جده. ثم مات 
ديون بيان فخطب زوجته كثيرون من كبراء قومها فلم تجبهم. فزعم 
مؤرخو المغل بأن ألان قوا بينما كانت ذات ليلة نائمة مع طائفة من النساء 
إذظهر لها نور ساطع في خلاله شخص أبيض اللون مشرب بصفرة 
فلامسها ‏ وقيل بل رأت النور فقط قد دخل فمها أو جيبها ‏ فحملت منه 
وولدت ثلاثة أولاد . أحدهم بوزنجر خان وهو الجد الأعلى لجنكز خان 
وجميع خواقين التاتار والمغل. ويقال لذرية هؤلاء الأولاد الثلاثة (نيرون) 
أي الأصيل. والقازاق يسمون ذرية جنكز خان (آق سوياك) أي العظم 
الأبيض. ومن نسل بوزنجر خان بيسوكا خان والد جنكز خان وهو أكبر 
أولاده. 

وكانت ولادة جنكز خان في غرة محرّم سنة 549 والطالع في 
الميزان والسبعة السيارة كلها مجتمعة في البروج المذكورة. ولما ولد كان 
كقّه مملوءا من الدم » فقال العراف : سيكون سفاكا للدماء » ويملك أكثر 
الربع المسكون. وسماه والده تموجين. ولما بلغ من 


(1) الشعب » بكسر الشين : الطريق في الجبل. 


-111- 


العمر ثلاث عشرة سنة مات أبوه بيسكا » فتسلطن تموجين بعده إلا أن قبائل 
المغل استضعفته لصغر سنه فتفرقوا عنه » وقامت الفتن فيما بينهم. وتقلبت 
الأيام على تموجين وجرّعته مرارتها عدة مرات ثم ساعدته الأقدار وتغلب 
على من ناوأه من الأعداء والأغيار » وكسر أكبر أعدائه في ذلك الزمان 
وهو علي أونك خان » أكبر خواقين تركستان. ومن ذلك الوقت تلقب بلقب 
جنكز خان ومعناه ملك الملوك » وذلك في سنة 599 وكان بلغ من العمر 
9 سنة وقد غلب على ممالك الخطا وألتون خان وكان خوارزم شاه محمد 
خان أوقع بهم وأضعفهم. 

وغلب جنكز حان على الضين وامنتولك هيبتته على القلاوي: و انتقتل 
صيته في العالم » وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب وليس له قانون ولا كتاب 
شرعي » فأمر وزراءه وخواصّه أن يضعوا له خطا وكتابا قانونيا سماه 
«اليسق» » من أحكامه : صلب السارق وخنق الزانى والاكتفاء بشهادة 
الواحد.علية» وان الحق لمق سيق بالشكوى إلى الحكومة مادقا كتان أم 
كاذبا . واستعباد الأحرار » وتوارث الفلاح » وتوريث نكاح الزوجة 
لأقارب الزوج ٠‏ وعدم العدّة والاقتصار على زوجات معدودات »: والعمل 
بقول الجواري والصبيان » وأخذ الجار بالجار » ومعاقبة البريء بالمجرم » 
ومنع عفو الحاكم وإن عفا المحكوم له » وغير ذلك. 

أسباب خروجه إلى الممالك الإسلامية : 

وأما أسباب خروجه إلى الممالك الإسلامية فهي أن السلطان محمد 
خوارزم شاه خالف الخليفة الناصر لدين الله وحاربه. وأراد الخليفة أن ينتقم 
منه فأرسل إلى جنكز خان يحرّضه على خوارزم شاه » غير أن جنكز خان 
لم يجب الخليفة لطلبه » لعهد سابق بينه وبين خوارزم شاه لم يرد نقضه . 
وذلك أنه لما ضخم ملكه واستولت على الأرض هيبته أراد أن يمضي باقي 
عمره بالراحة والدعة وأن يسالم من حوله من الملوك ويلتفت إلى تعمير 
ملكه ورفاهية رعيته. وكان يحب المسلمين ويعظم شعائر الدين الإسلامي » 
فأرسل في حدود سنة 612 رسلا إلى خوارزمشاه وهم محمود بلواج 
الخوارزمي » وعلي خواجه البخاري » ويوسف الانزاري » فعقدوا مع 
خوارزمشاه معاهدة وأاسسوا بين المملكتين مودة ومحبة » ثم عادوا إلى 
جنكز خان فسرّ بما فعلوا. وبسبب ذلك لم يجب الخليفة على طلبه. 

وبعد ثلاث سنوات على هذه المعاهدة قدم جماعة من بلاد جنكز خان 
إلى أنزار (بلدة 


-112- 


بثغر بلاد خوارزمشاه فيها وال من قبله اسمه إينالجق . له قرابة من 
خوارزمشاه ثم غيّر اسمه وسماه غاير خان) فلما وصل التجار الجنكيزيّون 
إلى هذه البلدة وهم زهاء أربعمائة رجل ؛ معهم الأموال الكثيرة » خاطب 
بعضهم غاير خان باسمه الأول لأنه لم يعرف أن اسمه قد تبدل » فغضب 
عليه غاير خان وعلى من معه وطمع فيما لديهم من الأموال » فأرسل إلى 
خوارزمشاه يقول له : ورد على ثغرنا من أطراف مملكة جنكز خان 
جواسيس بزيّ التجار. فأمره بقتلهم » فقتلهم جميعا وكانوا مسلمين ولم يسلم 
منهم سوى واحد عاد إلى جنكز خان وأخبره بالحال » فأرسل جنكز خان 
يطلب من خوارز مشاه غاير خان ليقتصّ منه فقتل خوارزمشاه الرسول. 

ولما علم بذلك جنكز اشتد غضبه وعزم على قصد خوارزمشاه فخرج 
أولا إلى فضاء واسع وصعد على تِلّ وكشف رأسه ووضع خده على 
التراب وتضرع إلى الله تعالى وطلب منه النصر على خوارزمشاه. فعل 
ذلك مدة ثلاثة أيام حتى سمع صوت هاتف يبشره بنيل مراده. وهكذا كان 
دأبه كلما عزم على أمر يهمه. ولهذا يقول بعضهم إن جنكز كان مقرا 
بوجود الباري تعالى. ثم إن جنكز خان مشى على بلاد الإسلام واستولى 
على جنديسابور وأندر كان وبخارى وغيرها من بلاد فارس وتركستان ١‏ 
وأزال مملكة خوارزمشاه وشتت شمله » فمات شر ميتة » وقتل وسبى 
وعظمت بليّته على الإسلام حتى قال بعضهم : ما دهي الإسلام بداهية 
أعظم منها. وذكر بعضهم أن جملة من قتل جنكز خان وولده هولاكو من 
المملمين اسوعة عدن لت الع نهنة 

ولما مات جنكز خان قام بعده حفيده هولاكو بن تولي خان بن جنكز 
خان واستولى على العراقين » وقوّض 2 الخلافة العباسية ببغداد .» وملك 
الموصل وديار بكر والجزيرة والشام وغير ذلك من البلاد. 

وذكر بعضهم لقيام جنكز خان على بلاد الإسلام » وتسلطه على 
خوارزمشاه وبلاده » سببا آخر روحانيا. وهو أن المولى بهاء الدين البلخي - 
والد المولى جلال الذين الرومئ صباحب كتابا المثنوى © : كان اين أخت 
السلطان خوارزمشاه » وكان مريدوه وأتباعه ش 


(1) في الأصل : «وقرض» خطأ مطبعي. 
(2) في الأصل : «المثوى» والصواب ما أثبت. 


-113- 


في طريقته لا يحصون كثرة » وكان فخر الدين الرازي صاحب التفسير 
الكبير ينكر على البهاء طريقته ومسلكه. فقال الفخر يوما لخوارزمشاه : إن 
لك اسيم السلطئة ولآبن أختك معناهنا. فاعتاظ خوار رمكناه من هذا الكلام 
وأرسل يقول لابن أخته : ليتفضل علينا مولانا باستلام الملك منا والجلوس 
مكاننا. ففهم البهاء المقصود من كلامه وقال للرسول : قل لمن أرسلك : 
نحن نذهب »؛ ولكن يجيء مكاننا قوم آخرون ولا يتركون خوارزمشاه 
أيضا. ثم خرج البهاء بأهله وعياله وكثير من أتباعه إلى بلاد الروم (برّ 
الأنضول) وتوطن في قونية » وأكرمه سلطانها علاء الدين السلجوقي. ثم 
كان ما كان من قيام جنكز خان على خوارزمشاه واستيلائه على بلاده 
بسبب انكسار قلب بهاء الدين وتأثره من خاله. 

وهناك سبب آخر روحاني يذكرونه لمصيبة خوارزمشاه بحادثة جنكز 
خان : وهو أن تركان خاتون - أم السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه - 
كانت تحضر مجلس وعظ الشيخ مجد الدين البغدادي » وكان له أضداد 
يحسدونه على ذلك فأخبروا خوارزمشاه وهو سكران بأن والدته تزوجت 
بالشيخ مجد الدين فقال في الحال : ارموه في البحر ء» فرموه في جيحون. 
فلما بلغ خبره الشيخ نجم الدين البكري دعا على خوارزمشاه وخر ساجدا ثم 
رفع رأسه وحمد الله وقال : طلبت من الله دية ولدي مجد الدين فأعطاني 
ملك خوارزمشاه. ولما سمع بذلك خوارزمشاه ‏ وكان قد صحا من سكره - 
تدم غلئ ما فجل وسان ,يكافيا مكشوف الرد امن تحاملا فز قهرظلنتكا ممليزءا دهها 
:قال الشية في المسجد »وو قمافى صب النعال وقال لاشيم هذا 
الذهب دية مجد الدين وهذا السيف ورأسي إن أزحت القصاص. فقال الشيخ 
نجم الدين : كان ذلك في الكتاب مسطورا . دية مجد الدين جميع ملكك 
ويذهب فيه رأسك ورؤوس كثيرين من الأكابر والأعيان ونحن على إثرك 
فرجع خوارزمشاه مغتما مكسوف البال. ثم كان من أمر جنكز خان ما كان. 

هذا وإن جنكز خان - بعدما فعله ببلاد الإسلام من القتل والتخريب مدة 
سبع سنين - عاد إلى بلاده فمرٌ في طريقه على بخارى وطلب من صدر 
جهان قاضي القضاة وشيخ الإسلام أن يرسل له عالما بشريعة المسلمين » 
فأرسل إليه اثنين من العلماء فسألهما جنكز خان عن حقيقة دين الإسلام 
تدكو له اللو اين رو لصحت و السموة" د السور الركناة ايكون لكيه 
وصدق به ء إلا أنه لما ذكرت له الكعبة باسم «بيت اللم» قال ٠‏ إن جميع 
الدنيا بيت الله وبيته لا يختص بمكان. ولما رجع الاثنان من عنده إلى شيخ 
الإسبلام 


-114- 


أخبراه بما كان من جنكز خان فحكم بإسلامه. 

ثم مات جنكز خان عن ذرية كثيرة تبلغ أربعءين ولدا ما بين ذكر 
وأنثى » إلا أن المعتبر من أولاده أربعة فقط وهم جوجى - والعرب يقولوه 
له طوشى أو دوشى - وجغتاي ٠»‏ وتولى » وأو كداي. وقبل وفاته قسم ملكه 
بينهم فأعطى «جوجى» دشت قفجق بأسرها وبلاد داغستان وخوارزم 
وبلغار وقسقسين والروس وسواحل البحر المحيط الغربي وما يؤمل أخذه 
إلى منتهى المعمور. وأعطى «جغطاي» بلاد إيغور وما وراء النهر 
بأسرها. وأعطى «تولى» خراسان وما يؤمل أخذه من ديار بكر والعراقين 
إلى منتهى حوافر خيولهم. وأعطى «أو كداي» بلاده الأصلية والخطا 
والصين إلى منتهى المعمور من طرف الشرق. 


إسلام أولاد جنكز خان : 

أول من أسلم من أولاد جغطاي بن جنكز خان : مبارك شاه بن قرا 
هلاكو » ثم أسلم بعده براق خان » ثم طرما شيرين خان. وأسلم بعده جميع 
أولاد جغطاي وسائر طوائف المغل والتاتار الغربيين بما وراء النهر. ثم 
أسلم توغلق تمير خان ببلاد كاشغر والمغل » وأسلم معه مائة وس تون ألفا 
من المغل. 

وفي سنة 694 أسلم محمود غازان خان وأسلم معه جميع قومه 
وسبعون ألفا وقيل أربعمائة ألف من أكابر المغل وأعيان التاتار. وكان 
جوجى مات قبل أبيه جنكز خان وآل ملكه إلى ولده أي المعالي ناصر 
الدين السلطان بركه خان ابن جوجى بن جنكز خان وذلك في سنة 652. 

وكان بركه خان اختار الإسلام دينا. وسبب إسلامه أن سيف الدين 
الباخرزي كان مقيما في بخارى فبعث إلى بركه خان يدعوه إلى الإسلام ‏ 
فأسلم. وبعث إليه كتابه بإطلاق يده في سائر أعماله بما شاء » فرد عليه 
كتابه ولم يقبله. فأعمل بركه الرحلة إلى لقائه فلم يأذن له في الدخول عليه 
حتى تطارح عليه أصحابه وسهلوا الإذن لبركه فدخل عليه وجدّد إسلامه ‏ 
وعاهد الشيخ على إظهاره فأنجز بركه وعده وحمل سائر قومه على 
الإسلام فأسلموا جميعا » واتخذ المساجد والمدارس في جميع بلاده » وقرّب 
العلماء والفقهاء ووصلهم » وكان يحملهم إليه من أقطار العالم الإسلامي 
ويبالغ بالإحسان إليهم. 


-115- 


وروى غير واحد أن بركه خان هو أول من دخل في دين الإسلام من 
أعقاب جنكز خان ٠»‏ وأنه هو الذي أتم بناء بلدة سراي وكان أخوه باتو بدأ 
ببنائها وهي عاصمة دشت قفجق » ويقال عنها إنها هي البلدة المعروفة الآن 
باسم أردهان ‏ المحرّفة عن أوردي خان ‏ وكانت من أعظم المدن وضعا 
وأكثرها للخلق جمعا » مبنية على شط من نهر أتل (وولغا) الذي لا نظير له 

كان عند بركه خان وعند أوز بك خان - وجان بك بعده ‏ العلامة فخر 
الدين الرازي » والشيخ سعد الدين التفتازاني » والشيخ جلال الدين شارح 
الحاجبية » وغيرهم من الفضلاء الحنفية والشافعية. وكانت بلدة سراي 
مجمع العلماء والأدباء. وكان انتهاء بنائها سنة 655 وابتداء خرابها عن يد 
تيمورلنك سنة 798. 

ومن أعظم حسنات بركه خان وأكبر أياديه على الإسلام أنه قام عدى 
ابن عمه هولاكو الكافر الطاغية ينتقم منه مما فعله بالمسلمين والاستيلاء 
على بغداد وقتله الخليفة. فإن بركه خان أشهر عليه حربا طاحنة قصد 
إشغاله بها عن حرب المسلمين في البلاد الشامية فأهلك من جنود هولاكو 
مكات الألؤف + وكسره كسرة شديعة كانث :هئ 'النديت العقيقئ'فى انكسار 
جيوش هلاكو أيضا في الوقعة الشهيرة التي كانت بينهم وبين السلطان 
الملك الظاهر ببيرس سلطان مصر على عين جالوت » ولو لا هذه الكسرة 
لكان هولاكو استولى على سائر بلاد الشام ومصر وغيرها وأباد العالم 
الإسلامي عن اخره. 

ذكان بين ور كذ كان ع المتلظاك الملكف اذاهو مكائدات عند وده 
صادقة أكيدة. ومن جملة ما وصل منه إلى الملك الظاهر كتاب مسهب يذكر 
وجيوشهم الجرّارة. ثم يقول : هؤلاء أسلموا باسرهم وقاموا بالفرائض 
والسنن والزكاة والغزو والجهاد في سبيل الله » وقالوا : الحمد لله الذي هدانا 
لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله. وقرأنا : «آمن الرسول بما أنزل إليه 
من ربّه والمؤمنون» الآية. فليعلم السلطان أني حاربت هولاكو الذي هو من 
لحمي ودمي لإعلاء كلمة الله العليا تعصبا لدين الإسلام لأنه باغ والباغي 
كافر بالله ورسوله إلخ ... 

وتاريخ هذا الكتاب سنة 661 ومات هولاكو مقهورا من بركه خان 
في ربيع الأول 


-116- 


سنة 663 وكان قد ارتدع قليلا عن أذيّة المسلمين وخفض من عداوتهم وقد 
كاير اكد دي ميان اشر ان الفيف ادي ولاه جين منافة الرناعية 
بعض الكرامات » فأعطاهم ولده نكودار للتربية فأسلم على يدهم وتسمى 
أحمد وصار سلطانا بعد أخيه أبغا . وكتب إلى السلطان الملك الظاهر 
ابندقةادى كتابا فسهيا اكترند فيد نيلاؤس و يقيز ذلك يون المسيائل اللشائطة 
والدينية » وأجابه عنه السلطان بكتاب مسهب أيضا أثبتهما ابن العبري في 
كتابه مختصر الدول فليراجعه من أحب الاطلاع عليه. اه. لا 

وكانك وفاة بركه حان ننه 6065 وكيم بجليلة ودوك الففل الذين 
جلسوا على سرير السلطنة كانوا مسلمين إلا أنهم لم يكونوا مثل بركه خان 
في التعصب للدين والحرص على أحكامه » إلى أن جلس على كرسي 
سلطنة دشت قفجق السلطان الملك غياث الدين محمد أوز بك خان » وهو 
من أعقاب جوجى بن جنكز خان » وكان شابا حسن الصورة حسن الإسلام 
شجاعا قتل عددا عظيما من الأمراء والأعيان أهل البطش والاستبداد » 
وقتل كثيرا من الايغورية وهم البخشية » أي الكهنة والسحرة » وأظهر كلمة 
الإسلام » وكان جلوسه على سرير على سرير الملك في أواخر رمضان 
سنة 712 وكان يعد من الملوك السبعة الذين هم كبراء ملوك الدنيا 
وعظماؤهم » وكان عظيم المملكة شديد القوة قاهرا أهل القسطنطينية 
العظمى مجتهدا في جهادهم وبلاده متسعة والمؤرخون يطلقون عليها مملكة 
القريم وليست هي القريم وحدها وإنما من جملتها القريم والكفا والمجر 
واوزاق وخوارزم وحاصرته سراي. 

وجميع من كان في جواره من ملوك طوائف الجركس والروس 
واللاز كانوا كالرعايا له وكثيرا ما كان يسبي نساءهم وذراريهم ويحملها 
تجار الرقيق إلى أقطار الأرض ويبيعونها. وكان بينه وبين ملوك مصر 
مراسلات حبّية » والرسل بينهما تتردد دائما » وهداياهما إلى بعضهما في 
تواصل مستمر. وكان ملوك الروس يقدمون إلى أزبك خان عبوديتهم 
ويهابونه ولا يخرجون عن أوامره » وكان هو الذي ينصب عليهم الكيناز 
ويعطيه منشور تملكه » ومتى أراد عزله عزله ونصب غيره وكان الكيناز 
عند الروس كالإمبراطور. وكان أزبك خان مع هذه السطوة يرفق بالروس 
كترم كوننهع وقد رظن الروس تح اسلطة التاكار موك الذ شك والعوف 
مدة 150 سنة إلى أن وقع الخلف بينهم ودخل بلادهم تيمورلنك واستولى 
على قسم عظيم منها وتفرقت كلمة ملوكهم واشتغلوا بقتال بعضهم . فاغتنم 
الروس هذه الفرصة وقاموا نحو بلاد الدشت فطمت بحار غلبتهم عليها 
وكادوا يعمّونها بالاستيلاء لو لا 


- 117 - 


أن بزغت في ذلك الوقت شمس الدولة العثمانية على العالم الإسلامي 
فوقفت تيار غلبة الروس عليه من جهة القفقاس ؛ واستولت على كثير من 
بلاد خانات القريم المسلمين الذين هم من بقايا أعقاب جنكز خان. 

ومن الملوك الجنكزية أو كداي خاقان بن جنكز خان جلس على سرير 
السلطنة في القريم سنة 626 وكان ملكا عادلا محبا للمسلمين » ولكنه كان 
كآبائه غير متدين. وفي أيام سلطنته وسلطنة من بعده من أولاد جنكز خان - 
مثل منكو خان وقبلاي خاقان ‏ انتشر الإسلام في ممالك الصين قاطبة » 
ودامت قطعة الصين في تصرفهم إلى سنة 769 والجوامع الموجودة الآن 
في بيكين وغيرها من دواخل الصين بنيت في عصر أولئك الخواقين (0 
وطائفة «دونكان» المسلمين من أهل الصين هم من الذين أسلموا في تلك 
المدة على أن معظم أهل الأصقاع التركية في القريم وغيرها ما زالوا من 
ذرية جنكز خان وأتباع أولاده وأعقابه وهم القزاق والتتار وبقية أصناف 
الترك الذين لم يزالوا على جانب عظيم من التمسك بالدين رغما عما تنصبه 
لهم روسيا من.الغوائل والعراقل. 

وخلاصة الكلام أن الإسلام بواسطة الخواقين الجنكزية قد امتد من 
الصين إلى بلاد الغرب وأنهم قد خدموا الإسلام خدمات يحق لها كل مدح 
وثناء ويجدر بها أن تكون كفارة عما صدر من جدهم الأعلى جنكز خان 
وهلاكو ابن ابنه في حق المسلمين مما هو محتم مقدور ؛ وفي الكتاب 
محرر مسطور. 

شجاعة الأتراك 

اتفقت كلمة الباحثين في طبقات الأمم وما يخص كل أمة من النعوت 
والطباع ‏ على أن الأتراك موصوفون من قديم الزمان بالشجاعة والبطولة 
والفروسية ومعاناة الحوورف: و هعالحة الأنها والعسية على كوي الخية 
والحذق بالرمي » وغير ذلك من الأمور التي يرافقها الظفر والغلبة على 
العدو مما لا يوجد إلا في الجندي التركي. 

ونحن نأتي هنا بخلاصة في ذلك من رسالة للجاحظ » وكتاب تلفيق 
الأخبار » وغيرهما فنقول : 


(1) الخواقين : مفردها خاقان » وهو السلطان أو الملك عندهم. 


-118- 


من صفات الجندي التركي أنه يدور حول العسكر فوق الخيول ويحيط 
بعدوّه بأسرع ما يكون ويشتت شمله » لا يعرف الفرار فهو في الحرب 
طالب غير مطلوب. لا يغثر بعظم جثة الفرس بل هو ينتقي خيولا مدزبة لا 
يسبقها غيرها يستنتجها عنده ويركبها وهي فلوٌ ) ويسميها بأسماء يناديها 

كل واحد من فرسان الأتراك فارس وسائس وبيطار وحداد وراع. 
وكل واحد منهم ماهر في هذه الصنائع لا يحتاج فيها إلى غيره. إذا اجتمععت 
قوة الجندي الفارسي والعراقي والخارجي في شخص واحد لا يعادل ذلك 
الشخص واحدا من الأتراك. الجيش التركي يقطع مسافة عشرين ميلا في 
زمن يقطع فيه غيره عشرة أميال » فإنه يفارق سائر العساكر ويميل إلى 
اليمين والشمال وينزل إلى بطون الأودية ويصعد إلى قمم الجبال ويصيد 
بهذه الكيفية الهاربين من أعدائه ولو كانوا من مشاهير الأبطال. 

متى وقع اليأس من الصلح والمسالمة وتقرّر الحرب فإن الأتراك 
يدافعون عن أنفسهم بتحصين مواقعهم العسكرية ويبذلون في ذلك غاية 
جهدهم من غير أدنى فتور. ومن علو همتهم وصفاء مداركهم لا يخطر 
بخواطر أعدائهم انتهاز الفرصة عليهم أو التشبث بحيلة ما لإغفالهم ©. 

قال يزيد بن مزيد في وصف الأتراك : لا ثقلة لأبدان الأتراك على 
الفرس والأرض. والتركي يدرك الشيء الذي يجيء من ورائه كما يدركه 
من أمامه » حال كون فرساننا لا يرون الذي يجيء من أمامهم. والجندي 
التركي يعدّنا صيدا ويعد نفسه أسدا وفرسه حيّة. وإذا ألقي الجندي التركي 
في بئر مربوط اليد يخلّص نفسه منها من غير أن يتشبث بحيلة. 

والجنود الترك يميلون بالطبع إلى الكفاف » ويرجحون ما ينالونه 
بسهولة على كل شيء سواه » ويحبون أن يكون قوتهم من الصيد وأموال 
الغنائم » ويثبتون فوق ظهور خيولهم طالبين أو مطلوبين من غير هرب ولا 
فرار. 

قال ثمامة بن الأبرش © : حينما كنت أسيرا بأيدي الأتراك رأيت 
منهم لطفا وإكراما 


| )شتجيا : أي تترالد تدا و القلق + وشم االقام رزالاقه فيه الرارج قوشم فلو وي 
الفاء وسكون اللام » وهو : المهر إذا فطم وبلغ السنة. 

(2) يترخص المؤلف هنا في التعبير » ولا سيما في قوله : «لإغفالهم» وهو يريد مهاجمتهم 
على جين خرة.: أو على اغللة فنيم. 1 

(3) كذا » والصواب «ثمامة بن أشرس» كان فصيحا بليغا عاصر الرشيد والمآمون. 


-119- 


ورأيت أسبابهم مكملة. الجندي التركي لا يخاف قط بل هو يخيف غيره. 
والأتراك لا يطمعون في غير مطمع ولا يقعدون عن طلب شيء يريدون 
تحصيله فمتى حصلوه لا يضيعون شيئا منه. ويبذلون غاية جهدهم في أمر 
يقدرون عليه إلى أن ينالوه » وكل أمر لا يقدرون عليه لا يضيعون وقتهم 
في تحصيله. وهم لا ينامون إلا إذا غلبهم النوم ومع ذلك لا يكون نومهم 
ثقيلا بل هو خفيف جدا بحيث ينامون بالتيقظ والانتباه. 

وقال ثمامة : رأيت مرة في بعض محاربة المأمون صفوف الخيل في 
طرفي الطريق : في اليمين مائة خيل من الأتراك » وفي الشثمال مائة من 
الفرسان المختلطة منتظرين مجيء المأمون » وكان الوقت حارا وقد قرب 
نصف النهار واشتدت الحرارة » فنزل الفرسان المختلطة عن أفراسهم 
سوى ثلاثة أو أربعة منهم , ولم ينزل من الأتراك سوى ثلاثة أو أربعة.. ب 

قال الجاحظ ما خلاصته : والجندي التركي من أشد الناس تحملا 
للأسفار » وأصبرهم على قشف المعيشة وقلة النوم. ل 
أو متباعدا فى طلب الصيد فتتبعه رمكته وأفلاؤها 2 » إن أعياه اصطياد 
الناس اصطاد الوحش »؛ وإن احتاج إلى طعام فصد دابة من دوابّه وتغذى 
من دمها ؛ وإن عطش حلب رمكة من رماكه » وإن أراح واحدة ركب 
أخرى من غير أن ينزل إلى الأرض. وليس أحد في الأرض يصبر عن 
اللحم كالتركي » وكذلك دابته تكتفي بأصول النبات والعشب والشجر لا 
يظلّها صاحبها من شمس ولا يكنّها © من برد. وهو أصبر من جميع 
أصناف العساكر على ركوب الخيل وقطع المسافات بحيث إذا طال السّرى 
© واشتد الحر أو البرد على بقية أجناس العساكر وأعياهم التعب ‏ حتى 
صمتوا عن الكلام وتمنوا أن لو كانت الأرض تطوى لهم وأخذ كلّ واحد 
منهم يئْنَ أنين المريض ويتداوى مما به بالتمطي والتضجع ‏ ترى التركي 
في هذه الحالة وقد سار ضعف ما سار غيره » يرى قرب المنزل ظبيا أو 
ثعلبا أو غيره من الأوابد فيركض خلفه كأنه استأنف السير فى ذلك الوقت. 
وإذا ازدحم الناس على مسلك واد أو قنطرة ضرب التركي بطن برذونه ) 


(1) الرّمكة : الفرس », أو نوع آخر من الخيول التي تتّخذ للنسل. والأفلاء : جمع الفلو» وهو 
المهر. 

(2) أي لا يسترها ولا يحميها. 

(3) السّري : لسير ليلا. 

(4) البرذون : نوع من الخيول غير العربية. 


-120- 


الآخر كأنه كوكب. وإذا انتهى الجيش إلى عقبة ترك السير عليها وذهب في 
الجبل صعدا وتدلّى من موضع يعجز عنه الوعل ) مع ما يبدو على محيّاه 
من النشاط والجد. 

قال الجاحظ : والتركي يحب القتال طبعا وطلبا للغنم ثم لما دان 
بالإسلام صار يحب القتال طبعا وطلبا للغنيمة وتدينا ودفاعا عن الوطن 
فصار لا يباريه في الحرب أحد ولا يدانيه في الضير على .الحر والبرد 
وقشف المعيشة مدان. ْ 

حكى ثمامة بن الأبرش © قال : خرجت من بغداد فرأيت فصيلة من 
الفرسان الخراسانيين والأعراب وغيرهم قد عجزوا عن إمساك فرس ند ) 
منهم فمر بهم فارس تركي راكب على فرس هزال ضعيف فلما رآهم 
عجزوا عن إمساكه تصدى هو له فشرعوا يضحكون عليه ويسخرون به 
قائلين : إن الأمر الذي قد عجز عنه هؤلاء الأسود كيف يقدر عليه هذا 
المسكين؟ فلم يمض غير قليل حتى أمسك الفرس مع قصر قامته وهزال 
فرسه وأسلمه إليهم » ومضى لسبيله غير ملتفت إلى دعائهم ولا إلى حسن 
ثنائهم ومكافأتهم » ولا متفاخرا إزاء احتقارهم إياه » كأنه لم يصدر منه 
و 

: إن الجندي التركي الآن غير الجندي التركي في تلك الأزمان » 

ع ل سس ل د د »فهو مابرح 
مغر افا بالصنين تعلق الصو و الجوة بو قشف العرية و معان عقاف السفن ‏ 
والطاعة لقواده والجرأة على أعدائه » والقناعة بالزهيد من الأكل والشرب 
وقلة الهجوع. وحسبك شاهدا على تفوق الجندي التركي بمزاياه الجندية قول 
نابليون بنابرته : أعطوني الجندي التركي أفتح لكم الدنيا. 

كنا نسمع من الجندي العربي في أثناء الحرب العامة تذمرا كثيرا 
وشكوى مرة من قلة الأكل والشرب ورداءة الطعام وظلم القادة ورداءة 
الكسوة وغير ذلك من المشقات التي يبديها لنا في صورة ينبو تحملها عن 
طوق البشر لأنها من المهلكات التي يحرم على الإنسان أن يلقي إليها بنفسه 
؛ وإن ذلك من أعظم الأعذار التي 5 تبيح الهرب من الجندية. 

أما الجدى التر كي فنا كنا تراه فى نلك الحرب الصتووؤئن فقي بان 
مألوفة له غير مخالفة:. ١‏ 1 


(1) الوعل : تيس الجبل » وله قرنان قويان منحنيان كسيفين أحدبين. 


(2) كذا » والصواب كما سبق : ثمامة بن أشرس. 
(3) أي شرد ونفر. 


- 121 - 


لزاه بعكم على قت و الذي يفط كايو ادا عو ل سسا صن وا لفاك و 
جائع عريان غير هيّاب ولا وجل » لا يحدث نفسه بمخالفة أمر قائده ولا 
بالهرب من الجندية مهما اقترب منه الخطر وحاق به الهلاك. 

قيل : إن اول من مدح الترك وأثنى على شجاعتهم علي بن عباس 
الرومي في قوله : 
إذا ثب أ : 5 حديد 6.6 ال عيونذ ؛ ٠.‏ 5 ار 
وإن برزوا فنيران تلشى على الأعداء يضرمها استعار 

وقال آخر في حق القفجق : 
وفتية من كماة الترك ما تركت للرعد كبّاتهم صوتا ولا صيتا 
قوم إذا قوبلوا كنوا ملائككقة حسن وإن قوتلوا كانوا عفاريتا 
الحرب ففاق بها جميع الأمم » ومن حاز هذه المحاسن فقد حاز مزايا 
والحزم والكتمان والثقافة والبصر في الخيل والسلاح والخبرة ة بالرجال 
والبلاد » إلى آخر ما يحتاج إليه المحارب من أساليب القيادة وتعبئة الجيوش 
والخدع الحربية. 

معارف الأتراك 

لد كت يد عن الخال ادر اكز زكر يتويا عليه رون اتبيه 
مدت اراك وسو لوك الجا لما لسار بدن اس وقد ير 
غير أن جميع من وصفهم بهذه الأوصاف وخصهم بتلك المزايا قد سكت 
عن بقية صفاتهم الحميدة ومنهم من عدّهم من الأمم التي لم تعن بالعلوم 
والفنون ,وقد نقا ذلك من عدم التدير 11) والتٍصر فى أخوال: هذه الأمة 


- 122 - 


العظيمة وقلة استقصاء أخبارها من منابعها الحقيقية. 

إن عدم اطلاع المؤرخين على ما للأتراك من المعارف والفنون ناشئ 
عن كون هذه الأمة كانت فى الأزمان الغابرة أميّة » لا تعرف الكتابة ولا 
القراءة ولا يوجد عندها كتاب مدوّن ولا كتابة » وحسبنا دليلا على ذلك أن 
جنكز خان وضع لها كتابا في شريعة استنبطها وقلم اخترعه. ولو كان 
للاتراك قلم يكتبون به أو قانون يتعاملون بأحكامه لما احتاج جنكز خان إلى 
ما وضعه واخترعه من الكتاب والقلم اللذين ذكرناهما. ولا يستغرب ذلك 
فإن الأمة الجركسية التي قام منها عدة ملوك لم يكن لهم بلغتهم كتاب 
يقرءونه » ولا قلم يكتبون به , 

إن من نظر إلى عظمة الأمم التركية » وما كان لها من الحكومات 
القاهرة في الصين والهند الفرس وبعض جهات أوربا » يضطره العقل إلى 
أن يقول : إن هكذا أمة لا يمكن أن تبلغ سطوتها هذا المبلغ العظيم دون أن 
يكون لها قدم راسخ في العلوم والفنون. : 

كيف لا يكون ذلك وقد اشتهر من فلاسفة الأتراك فى أوربا الفيلسوف 
اتكرسيين الأسكتى التاتارئ + المعاصس لسنولون:ر تين فلاشفة اليونان:» 
كا حكتي ذلك ستاحت كنات تلفيق الأخيدان » قال :وجيب شتهر :هذا 
الفيلسوف قدومه على أثينا واشتهاره بين أهلها دون غيره من فلاسفة 
الأتراك الذين لم يفارقوا أوطانهم ولا وضعوا في حكمهم وفلسفتهم كتابا » 
بل كانوا يتلقون الحكمة من بعضهم شفاها ويتناقلونها فيما بينهم تلقينا. هذا 
كله قبل أن يدينوا بالإسلام ويستنيروا بنوره ويتعلموا الكتابة والقراءة بالقلم 
العربي » فقد ظهر منهم بعد ذلك رجال أحرزوا القدح المعلّى والنصيب 
الأوفر في الفنون والعلوم من منطوق ومفهوم. 


علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي 
زعم : ٠.‏ | تشب 3 للأتراك 7 | 2 : ين من موالاتهم و بت 5 
أن طائفة عظيمة من علماء الإسلام وأئمة الدين السادة الأعلام هم من عرق 
نوكي ذفان الحامل الذي كان يحمل أولنك الأعلام على وضع مؤلفاتهم 
الدينية باللغة العربية ‏ مع أن لغتهم الأصلية تركية ‏ أمران : أحدهما كون 


)1) في الأصل ٠‏ (ز(مشتمة) خظأ » والصواب النصب ؛ كما أثبتناه, 


-123- 


هو القرآن والحديث اللذان لا يمكن إدراك حقيقة مفاهيمها ولا يتسع البحث 
بهما لاستنباط الأحكام الشرعية منهما إلا بلغتهما التي ولدا فيها وسطرا 
على مقتضى قواعدها وضوابطها. والأمر الآخر كون اللغة التركية 
الأصلية المعبّر عنها باسم جغطاي أو باسم قفجق لغة ضيقة مضطربة 
القواعد » لا تصلح لأن تكون لغة علمية دينية وأدبية » أما بعد أن لطّفها 
العثمانيون وأدخلوا إليها ألوفا من الألفاظ العربية والفارسية » صارت حينئذ 
صالحة لأن يضع بها طائفة من العلماء العثمانيين مؤلفاتهم. 

يقول أولئك المتشيعون : إن علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي » 
وإن كانت مؤلفاتهم باللغة العربية أو الفارسية ء إِلَّا أن لغتهم التي كانوا 
يتفاهمون بها بين أهليهم وعوامّهم كانت هي اللغة التركية المعروفة باسم 
جغطاي » حتى إن سكان تركستان - الذي من جملته بخارى ما برح أهلها 
(«» حتى الآن يتفاهمون بين أهليهم وعوامّهم بلغة جغطاي » وما زال أهل 
العلوم الدينية - الذين يقصدون بخارى من الأقطار التركية ‏ يتلقون علومهم 
باللغة العربية ويتكلمون فيما بينهم بلغتهم التركية جغطاي أو قفجق. 

وعليه فإن العلامة الأزمخشري مثلا هو من عرق تركي بلا شك » 
لأنه من زمخشر  )‏ إحدى قرى بخارى التي هي من أمهات تركستان - 
لكن أكثر مؤلفاته باللغة العربية. وله عدة مؤلفات باللغة الفارسية + وليس ل2 
شيء من المؤلفات باللغة التركية للسبب الذي ذكرناه. وهكذا يقال في 
العلماء الذين هم من عرق تركي ومؤلفاتهم باللغة العربية. وهاك أسماء 
بعض المشتهرين منهم على رأي المتشيعين المذكورين : 

الرئيس - ولا أزيده مدحا على هذه اللفظة التى صارت علما عليه 
حيث أطلقت ‏ وهو أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا. وتلميذ الرئيس 
بهمانيار. والإمام الحافظ الحجة أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري » 
الذي قيل في كتابه «أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى». والإمامان الحجّتان 
مسلم والترمذي صاحبا الصحيحين المنسوبين إليهما. والإمام الحجّة العلامة 
محمود الزمخشري جار الله » صاحب الكشاف وغيره من المصنفات 


(1) اضطرب نسق الضمائر » وما تعود إليه » في عبارة المؤلف هنا. على أن المعنى 


واضح. 
(2) في الأصل : «زمخشرى» خطا. 


- 124 - 


الشهيرة. والعلامة الأستاذ يوسف السكاك )4 صاحب مفتاح العلوم. وقد قيل 
فيه وفي الزمخشري : لو لا الكوسج والأعرج لعرج القرآن كما نزل. يراد 
بالكوسج : السكاك © وبالاعرج : الزمخشري. والإمام المطرّزي صاحب 
كتاب المغرب وغيره » وهو أحد تلامذة الزمخشري ©. وناشر العلوم 
العربية الشيخ عبد القاهر )4( الجرجاني. ووصدر الافاضل رشيد الدين 
الوطواطي 5 . وعبد الجبار التفتازاني. والإمام حجه الإسلام محمد الغزالي 
» الذي قيل في حق كتابه الإحياء : إذا فقدت كتب الشريعة أغنت ©©) عنها 
الإحياء. والعلامة صاحب التصانيف الكثيرة أبو حاتم محمد بن حبان 
البخاري المعروف بغنجار البستي. والشيخ أبو الوليد أحمد بن أبي الرجا 
الأزداني » شيخ البخاري صاحب الصحيح. وأبو محمد بن جرير الطبري 
صاحب «التفسير» و «التاريخ» المشهورين. وأبو بكر محمد ابن عبد الله 
الأوداني إمام أصحاب الشافعي في عصره. وأبو نصر إسماعيل بن حماد 
من مهرة المنجمين » المشهور بالفلكي المتوفى سنة 272 وأبو نصر محمد 
بن محمد الفارابي الحكيم الفيلسوف صاحب التصانيف. في فنون الفلسفة 
والموسيقى. ونصر بن محمد الختلي شارح القدوري. 

ومن أدبائهم المبرزين إيراهيم بن العباس الصولي . والصولي 
الشطرنجي : وغيرهم من العلماء الأعلام والأئمة الفضلاء الفخام الذين 
يضيق المقام عن ذكر - دا العلماء والفضلاء الدين تدرو 
ا ا ل ا 
القصيدة المشهورة التي نوه بذكرها الشهاب الخفاجي في كتابه «ريحانة 
الالتاء» وأثبتها برمتها ومطلعها : «أبعد سليمى بغية ومرام؟» وعلي أفندي 
الزنبيلي والأنقروي صاحب الفتاوي » وعلي أفندي صاحب الفتاوي 
الأخرى », والحاج خليفة المعروف بكاتب جلبي صاحب كتاب 


(1) الصواب : «السكاكي» بالياء في آخرها » وهي الشهرة التي عرف بها. 

(2) الصواب : «السكاكي» بالياء في آخرها » وهي الشهرة التي عرف بها. 

(3) لم يكن المطرزي تلميذا للزمخشري بل كان متأثرا به جدا » وقد ولد المطرزي في السنة 
التي مات فيها الأزمخشري 8 ه انظر مقدمة كتاب المغرب » تحقيق محمود فاخوري 
وعبد الحميد مختار » طبع حلب 9 مم. 

(4) في الأصل : «عبد القادر» » فصوبناه كما ترى. 

(5) كذا » والصواب «الوطواط» بحذف الياء. 

(6) الصواب : أغنى. 


-125- 


كشف الظنون وغيره من المؤلفات الجليلة. وغيرهم ممن لا يساعدنا المقام 

على أن صاحب كتاب الشقائق النعمانية » وصاحب تاج التواريخ » 
وصاحب كتاب (أسامي) » وصاحب كتاب قاموس الأعلام » وغيرهم من 
أدباء الأتراك وعلمائهم الذين ألفوا بالتاريخ » قد ذكروا في كتبهم طائفة 
صالحة من علماء الأتراك وأدبائهم الخريجين في مدارس الدولة العثمانية. 
فليراجع هذه الكتب من أحب الاطلاع على أولئك الفضلاء. 

أقول : ما ذكره المتشيعون للأتراك من العلماء المتخرجين فى 
مدارس الدولة العثمانية بأنهم أتراك فأمر مسلم به » وأما من ذكروه قبلهم 
من العلماء والفضلاء بأنهم من عرق تركي فليس يصح ذلك في جميعهم » 
ولنا فيه كلام في غير هذا الكتاب نورده حين الاقتضاء. 


هذا آخر الإجمال الذي أوردناه استطرادا في الكلام على الأتراك. 
ولنرجع إلى سرد الحوادث التي لها علاقة في حلب وملحقاتها فنقول : 


- 126 - 


سنة 637 وفاة شيركوه 
فيها توفي الملك المجاهد شيركوه صاحب حمص وقد استقام ملكا 
عليها 56 سنة واستقر بالملك بعده ابنه الملك المنصور إبراهيم. 


سنة 638 وصول الخوارزمية إلى حلب 


وما جرى من الحوادث إلى سنة 641 

الخوارزمية طائفة من المسلمين الساكنين في بلاد خوارزم » » هربوا 
من بلادهم حينما استولى عليها جنكز خان وجاؤوا إلى هذه البلاد وقويت 
شوكتهم وملكوا بعض مدن وقصبات ؛ وظاهرهم بعض ملوكها للاستعانة 
بهم على نواياه. وفي هذه السنة أعني سنة 638 سار الخوارزميون إلى 
حلب فخرج إليهم عسكرها مع الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين » 
ووقع بينهم القتال فانهزم الحلبيون وقتل منهم خلق كثير » منهم الملك 
الصالح ابن الملك الأفضل بن صلاح الدين » وأسر مقذم الجيش الملك 
المعظم توران شاه المذكور. واستولى الخوارزميون على أثقال الحلبيين 
وأسروا منهم عذة وكانوا يقتلون الآسير ليشتري غيره نفسه منهم. 

ثم نزل الخوارزميون على حيلان وكثر عيثهم !) في بلاد حلب » 
وجفل أهل الحواضر والبلاد ودخلوا مدينة حلب واستعدوا للحمصار» 
وارتكب الخوارزميون من الزنى والفواحش والقتل ما ارتكبه التئر في 
بلادهم. ثم ساروا إلى منبج وفعلوا فيها من القتل والنهب مثلما تقدم ذكره. ثم 
رجعوا إلى بلادهم وهي حرّان وما معها ء بعد ان خربوا بلد حلب. ثم 
رحلوا من حرّان وقطعوا الفرات إلى الجبّول ثم إلى تل عزاز » ثم إلى 


سرمين ثم إلى المعرة » وهم ينهبون ما يجدونه. 


(1) أي فسادهم. ويقال في الفعل : عاثوا فسادا. 


- 127 - 


وكان قد وصل الملك المنصور إبراهيم بن شيركوه - صاحب حمص - 
إيسعة سكن امن رفه اكز الملك الصمانج ديفا كر المسرار للج بقلو تماق تعد 
للحلبيين » فاجتمع الحلبيون مع صاحب حمص وقصدوا الخوارزمية. 
واستمرت الخوارزمية على ما هم عليه من النهب حتى نزلوا على شيزر » 
ونزل عسكر حلب على تل السلطان. ثم رحلت الخوارزمية إلى جهة حماة 
رك رتك كر | إلى كيني تقناع صبالعبه الجلك المطير: لي الملك نقيت 
أيوب محالفهم. ثم سار الخوارزمية إلى سلمية ثم إلى الرصافة طالبين 
الرقة. وسار عسكر حلب من تل السلطان إليهم ولحقتهم العرب فأرمت 
الخوارزمية ما كان معهم من المكاسب وسيّبوا الأسارى. 

ووصلت الخوارزمية إلى الفرات في أواخر شعبان هذه السنة » 
ولحقهم عسكر حلب وصاحب حمص قاطع صفين » فعمل لهم الخوارزمية 
ستائر ووقع القتال بينهم إلى الليل » فقطع الخوارزمية الفرات وساروا إلى 
حرّان وسار عسكر حلب إلى البيرة وقطعوا الفرات منها. وقصدها 
الخوارزمية والتقوا قريب الرها لتسع بقين من رمضان هذه السنة » فولى 
الخوارزمية منهزمين » وركب صاحب حمص وعسكر حلب أقفيتهم يقتلون 
وياسرون إلى أن حال الليل بينهم. ثم سار عسكر حلب إلى حرّان فاستولى 
عليها وهربت الخوارزمية إلى بلد عانة » وبادر بدر الدين لؤلؤْ صاحب 
الموصل إلى نصيبين ودارا ‏ وكانتا للخوارزمية ‏ فاستولى عليهما وخلص 
من كان بهما من الأسرى » وكان منهم الملك المعظم توران شاه بن صلاح 
الدين » أسر في كسرة حلب. ثم استولى عسكر حلب على الرقة والرها 
وسروج ورأس العين وما مع ذلك. 

ثم سار عسكر حلب ومعه نجدة وصلت إليه من الروم وحاصروا 
الملف المعظة ين الملك الضدالح ابوب نامث و كلمو فا سم وني منئة 639 
توفي الملك الحافظ بق الملك العادل بعر اذ ؛ وتهي الى تفرحيها ان قلعنة 
جعبر ونقل إلى حلب ودفن في الفردوس. وتسلم نواب الملك الناصر 
صاحب حلب قلعة عزاز وأعمالها. وفي سنة 640 كان بين الخوارزمية . 
ومعهم الملك المظفر غازي صاحب ميافارقين » وبين عسكر حلب ومعهم 
يوم الخميس لثلاث بقين من صفر. فولى الملك المظفر والخوارزمية 
منهزمين أقبح هزيمة » ونهب منهم عسكر حلب شيئا كثيرا 


-128- 


ونهبت وطاقات 2 الخوارزمية ونساؤهم أيضا. ونزل الملك المنصور في 
خيمة الملك المظفر » واحتوى على خزانته ووطاقه. ووصل عسكر حلب 
وصاحب حمص إلى حلب في مستهل جمادى الأولى مؤيدين منصورين. 
وفيها توفيت ضيفه خاتون بنت الملك العادل ودفنت بقلعة حلب . 
وهي محل مولدها سنة 581 ولما توفيت كان عمر ولدها الناصر بن الملك 
العزيز نحو ثلاث عشرة سنة » فأشهد عليه أنه بلغ » واستلم زمام المملكة 
الحلبية » والمرجع في الأمور جمال الدين إقبال » الأسود الخصي الخاتوني. 
وفي سنة 641 تحرك طائفة من التتر نحو بلاد حلب. ففي مختصر 
الدول لابن العبري أنه في هذه السنة غزا يساور نوين الشام ووصل إلى 
موضع يسمى حيلان على باب حلب وعاد عنها لحفى » أصاب خيول التتر 
»وأنه بعد ذلك اجتاز بملطية وخرب بلادها ورعى غلاتها وبساتينها 
وكرومها وأخذ منها أموالا عظيمة حتى خشل النساء وصلبان البيع ©) 
ووجوه الأناجيل وآنية القدّاس المصنوعة من الذهب والفضة. ثم رحل عنها 
وطلب طبيبا يداويه في سحج ) عرض له » فأخرج إليه والده وسار معه 
إلى خرتبرد فدبّره حتى برىء » ثم جاء ولم يطل المقام ب بملطية ورحل بأهله 
إلى أنطاكية فسكنوها » وأقحطت البلاد بعد ترحال التثتر ووبئت الأرض 
فهلك عالم » وباع الناس أولادهم بأقراص الخبز. اه. 


سرد الحوادث من سنة 641 إلى آخر سنة 656 

في هذه السنة وهي سنة 641 سارت نجدة من حلب مع ناصح الدين 
الفارسي إلى صاحب الروم غياث الدين كيخسرو » واجتمعوا معه وقاتلوا 
التتثر فلم ينجحوا. وفي سنة 644 كان الخوارزمية يحاصرون دمشق فسار 
إليهم الحلبيون ومعهم الملك المنصور , فانكسر الخوارزمية وقتل مقذمهم 
بركه خان وحمل رأسه إلى حلب ؛ وجاء الملك الصالح إسماعيل صاحب 
بعلبك مستجيرا بصاحب حلب الملك الناصر لأنه كان معتضدا مع 
الخوارزمية. 


(1) الوطاقات : مفردها «وطاق» وهي كلمة دخيلة معناها : الخيمة. 
(2) الحفى : رقة تصيب حوافر الخيل من كثرة السير. 

(3) أي أهانها ولم يراع حرمتها. والبيعة : الكنيسة. 

(4) السحج : مرض يتقشر منه الجلد. 


- 129 - 


وفي سنة 646 أرسل الملك الناصر صاحب حلب ؛ وحاصر حمص 
وأخذها من الأشرف موسى وعوّضه عنها تل باشدر مضافا لما بيده من 
الرحبة وتدمر. وفي سنة 647 وقع الحرب بين بدر الدين لؤلؤ صاحب 
الموصل وبين عسكر الملك الناصر صاحب حلب بظاهر نصيبين 
وانهزمت المواصلة أقبح هزيمة » واستولى الحلبيون على أثقالهم وتسلموا 
تصنيدن ته سارو إلى ذار ار افيه بعديخصار كلاكة إخهن: تم تعليرا 
قرقيسيا ثم عادوا إلى حلب. 

وفي سنة 648 كاتب أمراء دمشق القيمرية بها الملك الناصر صاحب 
حلب ليسلموه دمشق ؛ وذلك لأنهم أنفوا من أن يتسلطن عليهم امرأة وهي 
شجرة الدر زوجة الملك الصالح بعد وفاته بمصر. وكان صاحب مصر - 
وهو آخر الأيوبية ‏ بها » فسار الناصر إلى دمشق وملكها لثمان بقين من 
ربيع الآول وعصت عليه بعلبك وعجلون وشميس » مذة » ثم سلمت إليه. 
وبلغ ذلك أهل مصر فقبضوا على من بها من القيمرية وكلَّ من اتّهم بالميل 
إلى الحلبيين. وفي منتصف رمضان منها سار الناصر صاحب حلب 
ودمشق إلى مصر ومعه من بني أيوب أهل بيته نحو العشرة وسائر 
عساكرهم » وخرج إليهم المصريون والتقوا بالعباسية وانكسر المصريون 
واخطب اناس فى لك اليك مضي وقلعة الحذلى ني |شكتن النقد ر: 
وكسر الشاميون وقتل عدة أمراء منهم. 

ل ل ا ا 1 
661 استقر الصلح بين الملك الناصر وبين البحرية بمصر » على أن يكون 
للمصريين إلى نهر الأردنٌ » وللملك الناصر ما وراء ذلك. وكان واسطة 
الصلح بينهما نجم الدين الباذراني رسول الخليفة. وفي سنة 652 قدمت 
ملكة خاتون بنت كقباد ملك الروم إلى زوجها الملك الناصر صاحب الشام. 
وفي سنة 653 مشى نجم الدين الباذراني في الصلح بين المصريين 
والشاميين » واتفق الحال أن يكون للملك الناصر الشام جميعه إلى العريش 
» ويكون الحد بئر القاضي - وهو بين الواردة والعريش - وبيد المعزٌ أيبك 
الديار المصرية » ورجع كل لمحله. 

وفي سنة 654 توجه كمال الدين بن العديم الحلبي رسولا من قبل 
الك لد هيو هيناحيه التناء )إلى الخلبهة سكي ينقد 1 كلزانة بطل 
الخد لمكد رمه و وضدل مين الاير 


-130- 


سنقر الأقرع من مماليك المظفر غازي صاحب ميّافارقين من جهة المعز 
أيبك صاحب مصر إلى بغداد بتقدمة جليلة » وسعى بتعطيل خلعة الناصر. 
فتحيّر الخليفة برهة أيام » ثم أحضر سكينا من اليشم 7) كبيرة » وقال 
الل بردي أ فط رهج الإتكين مول مني ع جاع عادحة كل إن للا جلمة 
عندى فى غير هذا الوقت» أما الآن قلا يمكنتى: فغاد كمال الدين بالسكين 

وفي سنة 655 وصل من الخليفة المستعصم الخلعة والطوق والتقليد 
ال المدف الدامير صيكاحب السام وفني يننفة 656 الست الوباء بالذنناء 
وخصوصا بدمشق حتى قل مغسلو الموتى. 


وصول التتر إلى حلب وما جرى عليها منهم 

في سنة 657 تقدم هولاكو بن تولي بن جنكز خان إلى البلاد الشرقية 
ونازل الجزيرة وحرّان واستولى عليهما. ثم أرسل إلى الملك الناصر رسالة 
مسهبة يتهدده بها , أثبتها ابن العبرى في كتابه «مختصر الدول» وأجابه 
عليها الملك الناصر بجواب يظهر فيه القوة وعدم المبالاة » قرأته في رقعة 
مخطوطة عند صديقنا السيد محمد أسعد أفندي العينتابي. ولما اطلع عليه 
هولاكو أخذ منه الغيظ كل مأخذ وأمر ولده «أشموط» بالإغارة على الشام » 
فقطع الفرات في جمع كثيف ونزل على نهر الجوز وتل باشر ووصل خبره 
إلى حلب من البيرة » ونائب الملك الناصر في حلب الملك المعظم فخر 
الدين توران شاه » فجفل الناس من التتر إلى جهة دمشق . وعظم الخطب 
واحترز نواب حلب وجمعوا أهل الأطراف والحواضر في داخل البلد 
وكانت حلب فى غاية الحضداتة والقوة: ا 

فلما كان العشر الأخير من ذي الحجة قصد التثر حلب ونزلوا على 
قرية يقال لها المسلميّة وامتدوا إلى حيلان » وسيّروا جماعة من عسكرهم 
أشرفوا على المدينة » فخرج عسكر حلب ومعهم جماعة من العوامٌّ والسوقة 
فأشرفوا على التتر وهم نازلون على هذه الأماكن وقد ركبوا جميعهم إرهابا 
للمسلمين. ولما تحقق المسلمون كثرتهم كرّوا راجعين إلى المدينة وتقدم 
الملك الأعظم بأن لا يخرج أحد بعد ذلك من المدينة. وفي الغد رحل التتر 
من منزلتهم 


(1) اليشم : حجر كريم قريب من الزبرجد » لكنه أكثر صفاء منه. 


-131- 


يطلبوق"المديكة:واكتمد صذكر 'المطمين بالتواسين وردان الحصت بر اخالزا 
الرأي فيما يعتمدونه » فأشار عليهم الملك المعظم ألا يخرجوا أصلا لكثرة 
البلد لئلا يطمع العدوٌ فيهم. 
كلهم بجبل بانقوسا ووصل جمع التتر إلى أسفل الجبل وأوكبوا على القرية 
() المعروفة ببابلي. فنزل جماعة من العسكر إليهم ليقاتلوهم فلما رآهم التتر 
فولوا منهزمين إلى جهة البلد والتتر في إثرهم. فلما جاؤوا جبل بانقوسا 
وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلهم طالبين البلد » فاختنق من 
المسلمين خلق كثير في أبواب البلد والتتر في أعقابهم فقتلوا من المسلمين 
جمعا كثيرا ونازلوا المدينة في ذلك اليوم إلى آخره. ثم رحلوا طالبين عزاز 
العديم رسولا إلى الملك المنصور صاحب مصر يستنجده عليهم فرجع 
بالخيبة. وأما الملك الناصر فإنه خرج من دمشق إلى برزة في أواخر هذه 
السنة وجفل الناس بين يدي التتر . وسار من حماة إلى دمشق الملك 
المنصور صاحب حماة » ونزل مع الناصر ببرزة. وكان ببرزة بيبرس 
البندقداري صاحب الكرك », فاجتمع عند الملك الناصر ببرزة أمم عظيمة 
من العساكر والجفال © » غير أن الملك الناصر بلغه أن جماعة من مماليكه 
قاصدون اغتياله » فهرب إلى قلعة دمشق وخافه مماليكه فهربوا إلى جهة 
غزة » وسار البندقداري معهم. 

وأما التتر فإنهم في صفر سنة 658 عادوا إلى حلب » لآن هولاكو بن 
تولي بن جنكز خان كان قد عبر الفرات بجموعه ونازل حلب » وأرسل إلى 
الملك المعظم نائب حلب يقول له : إنكم تضعفون عن لقاء المغل ونحن 
قصدنا الملك الناصر والعساكر فاجعلوا لنا عندكم بحلب شحنة © وبالقلعة 
شحنة ونتوكه تحن إلى العساكر :فاق كانت الكسيرة على عيتكز المسامية 
كانت البلاد لنا وتكونوا قد حقنتم دماء المسلمين » وإن كاذت الكسرة علينا 
كنتم 


(2) الجفال : جمع جافل. يريد بهم الذين هاجروا من أوطانهم خوفا وطلبا للأمن. 
(3) الشحنة : العسكر الذين يرابطون في البلد لضبط أمور أهله. 


-132- 


مخيّرين في الشحنتين إن شئتم طردتموهما وإن شتتم قتلتموهما. فلم يجب 
الملك المعظم إلى ذلك وقال : ليس لكم عندنا إلا السيف. وكان رسول 
هولاكو في ذلك صاحب أرزن الروم » فتعجب هولاكو من هذا الجواب 
وتألم لما علم من هلاك أهل حلب بسبب ذلك. 0 
جماعة كثيرة منهم أسد الدين بن الملك الزاهر بن صلاح الدين. . 
ا ل ار 
خلق كثير إلى القلعة ودام القتل والنهب من نهار الأحد إلى يوم الجمعة ؛ 
رابع عشر صفر » فأمر هولاكو برفع السيف ونودي بالأمان » ولم يسلم من 
أهالي حلب إلا من التجأ إلى دار شهاب الدين بن عمرون »ودار نجم الدين 
وخ بردكين - ودار البازيار ء ودار علم الدين قب قيصر الموصلي » 
و الكنككء ! التي فنا رين الخو الحمحوفئ )بز كنيد الديعوة رلك 
لفرمانات كانت بأيدي المذكورين. وقيل إنه سلم بهذه الأماكن خمسون ألف 
التجأ إليها من العسكر. 

وفي أثناء محاصرتها وثب جماعة من أهلها على صفي الدين بن 
طرزة رئيس حلب وعلى نجم الدين بن عصرون .ء فقتلوهما لانهم 
اتهموهما في المواطأة 2) مع التتر واستمر الحصار على القلعة واشتدت 
مضايقة التتر نحو شهرين ثم سلّمت بالأمان يوم الاثنين حادي عشر ربيع 
الأول. ولما نزل أهلها ‏ وكان بها جماعة من البحرية الذين حبسهم الملك 
الناصر ‏ سلّمهم هولاكو وباقي الترك إلى رجل من التتر يقال له سلطان 
جق » وهو رجل من أكابر القفجاق » هرب من التتر لما غلبوا على القفجاق 
وقدم إلى حلب فأحسن إليه الملك الناصر فلم تطب له تلك البلاد فعاد إلى 
التتن. وأما العوام والغرباء فإنهم نزلوا إلى أمتاكن الحمئ المذكورة. وأمز 
هولاكو أن يمضي كل من سلم إلى داره وملكه وأن لا يعارض » وجعل 
النائب بحلب عماد الدين القزويني. 
موسئ ين 


(1) الخانكاه «أو الخانقام» : رباط الصوفية » ويسمى أيضا : التكيّة » والزاوية. 
(2) في الأصل : «الموطأة» ولا معنى لها. 


-133- 


إبراهيم بن شيركوه فأكرمه هولاكو وأعاد عليه حمص ؛ وكان أخذها منه 
الملك الناضر .وعوضيه عنه تل باشر كما تقذم..وقك عليه أيضنا محيى الدين 
التركي نائب دمشق » فالتفت إليه وخلع عليه وولاه قضاء الشام. وقدم عليه 
أيضا جماعة من أكابر حماة وسلموه مفاتيح بلدهم فأمّنهم. ثم رحل هولاكو 
عن حلب إلى حارم وطلب تسليمها من أهلها فامتنعوا أن يسلموها لغير فخر 
الدين والي قلعة حلب » فاحضره هولاكو وسلموها إليه » فغضب هولاكو 
وأمر بهم فقتلوا عن آخرهم وسبى النساء. ثم رحل عنها إلى الشرق وأمر 
عماد الدين القزويني بالرحيل إلى بغداد وجعل مكانه بحلب رجلا اعجميا . 
وأمر هولاكو بخراب أسوار قلعة حلب وأسوار المدينة فخربت عن آخرها. 
وألقى السيسيون المنضمون إلى التثر النار في الجامع الكبير ثم في كنائس 
النصارى وقتلوا في الجامع خلقا كثيرا دفنوا في جباب كانت بالجامع » للغلة 
» فى شماليّه. 

أما الملك الناصر فإنه لما بلغه أخذ حلب وهو بدمشق هاربا من 
مماليكه كما تقدم - رحل من دمشق بمن معه من العساكر إلى جهة الديار 
المصرية ومعه الملك المنصور صاحب حماة ؛ فأقام بنابلس أياما ورحل 
عنها إلى غزة فاصطلح مع مماليكه الذين كانوا أرادوا قتله ومع أخيه الملك 
الظاهر » ثم رحل غزّة إلى العريش لما بلغه أن التتر استولوا على نابلس 
أيضا. وسيّر رسولا إلى الملك المظفر صاحب مصر يطلب منه المعاضدة 
على التتر. ثم سار الملك الناصر ومن معه إلى قطبة وبقي بها أياما خوفا 
من أن يدخل مصر فيقع القبض عليه » ففارقته العساكر والملك المنصور 
صاحب حماة إلى مصر وبقي معه جماعة يسيرة منهم أخوه الملك الظاهر 
والملك الصالح صاحب حمص وغيرهما » فسار بهم إلى جهة تيه بني 
إسرائيل. 

وكا القت فى هذه الدة اقم السكو لوا على ومدق هيه الاك عدا 

غزة فبقي الملك الناصر في التيه متحيرا إلى أن عزم على التوجه إلى 
الحجاز » وكان معه طبردار )2 له اسمه حسين الكردي فحسّن له المسير 
إلى التتر وقصد هولاكو , فاغتر بقوله ونزل ببركة زبر وسار حسين 
الكردي إلى كتبغا نائب هولاكو وعرفه بموضع الملك الناصر » فارسل 
كتبغا إليه وقبض عليه وأحضره إلى عجلون ٠‏ وكانت عاصية فأمرهم الملك 
الناصر بتسليمها فسلمت للتتر وهدمت. ثم إن كتبغا بعث بالملك الناصر إلى 
هولاكو فوصل إلى دمشق ثم إلى حماة ثم إلى حلب فلما عاينها الملك 
الناصر وما حل بها وبأهلها تضاعفت حسراته وأنشد : 


(1) الصبر : الفأس » أو سلاح يشبهه. ويسمى حامله : الطبردار. 


34 


يعزٌ علينا أن نرى ربعكم يبلى وكانت به آيات حستكم تتلى 
فسان إلى الأوودو دوكان :يها فولاكيو...فاقيل على الملك الناصدر 
ووعده برذ مملكته إلى ما كان عليه. 


دخول حلب في حوزة دولة 


الأتراك المماليك وحوادثهم فيها 

ثم إن الملك المظفر ‏ مملوك المعز أيبك صاحب مصر ‏ جهز جيشا 
كثيفا لإخراج التتر من الشام وقصدهم والتقى معهم في الغور عند عين 
جالوت التي هي بليدة بين بيسان ونابلس من فلسطين ‏ وكانت وصلت إليهم 
الآخبار بانكسار جيوش هولاكو وهلاك معظمها بحرب ضروس دارت بينه 
وبين ابن عمه بركة خان » ففت ذلك في أعضادهم وهالههم الأمر فانهزموا 
من أمام جيش الملك المظفر أقبح هزيمة » وقتل منهم خلق كثير وهرب من 
سلم منهم لرؤوس الجبال » فتبعهم المسلمون وأفنوا اكثرهم وبعد أن دخل 
الملك المظفر دمشق ورتب أمورها جهز عسكرا إلى حلب لحفظها وفوّض 
نيابتها إلى الملك السعيد بن بدر الدين لؤلؤ ص احب الموصل » وهو أول 
نائب بحلب من قبل دولة الأتراك والمفهوم من تاريخ أبي ذرٌ أن أول نائب 
بحلب من قبل الدولة المذكورة هو الملك الناصر صاحب الشام أولا. 

وعلى كل فإن الملك السعيد لما جاء حلب نائبا سار سيرة رديئة وكان 
دأبه التحيل على أخذ المال من الرعية ؛ فأبغضه العسكر لسوء فعله. وكان 
بلغه أن التتر ساروا إلى البيرة فجرد إليهم جماعة قليلة من جهة العسكر 
وقدم عليهم سابق الدين - أمير مجلس الناصر - فأشار كبراء العزيزية 
والناصرية بأن هذا غير موافق للمصلحة وأن هؤلاء الجماعة قليلون 
فيحصل الطمع بسببهم في البلاد. فلم يلتفت إلى ذلك وأصر على مسيرهم » 
فسار سابق الدين المذكور بمن معه حتى قارب البيرة فوقع عليهم التتر 
فهرب سابق الدين منهم ودخل البيرة بعد أن قتل غالب من كان معه. فازداد 
غيظ الأمراء على الملك السعيد » فاجتمعوا وقبضوا عليه ونهبوا وطاقه ». 
وكان قد برز إلى بابلّي. ولما استولوا على خزانته لم يجدوا فيها طائلا 
فهددوه بالعذاب إن لم يقرّ لهم بالمال. فأقر لهم ونبش من تحت أشجار 


-135- 


حائط في قرية بابلّي جملة من المال قيل كانت خمسين ألف دينار مصرية 
ففرّقت بالأمراء » وحمل الملك السعيد إلى الثتئغر وبكاس معتقلا. 

ثم اتفق الأمراء العزيزية والناصرية وقدّموا عليهم حسام الدين الجو 
كندار. ولما شاع بحلب أن التتر معاودون إليها خام '» عنهم حسام الدين 
المذكور بمن معه من العساكر إلى جهة حماة. اما التتر فإنهم ساروا إلى 
حلب وعاودوها في أواخر هذه السنة أعني سنة 658 وكان مقدّم عسكر 
التتر بيدرا. فأجفل أهل حلب إلى البلاد القبلية وأخرج التتر من بقي من 
أهلها بعيالهم وأولادهم حافين مجرّدين إلى المحلّ المعروف بمقر الأنبياء ؛ 
بأسوإ حال. ولما عاد كمال الدين عمر بن أحمد بن عبد العزيز إلى حلب 
بعد أن خربها التتر ‏ وكان جافلا منهم ‏ رأى أحوال حلب فقال في ذلك 


قصيدة » منها : 

هو الدهر ماتبنيه كفاك يهدم وإن رمت إنصافا لديه فتظلم 
انا ة لوك القريهنيها وفيصير” حك لدى فرببانها مله ييه 
وأفنى بني أيوب مع كثر جمعهم ومامنهم إلا مليك معظكم 
وملك بنى العباس زال ولم يدع لهمأثرا من بعدهموهمهم 
واعتايهي أصبكك تداس اهيدها مدان افو اء المتيو كن تلمك 


وعن حلب ما شئت قل من عجائب 
ومنها : 

فيالك من يوم شديد لغامه 3) 

وكفركؤسيت: فلك المند | رين 1 ار قفنت 

و لكتسحا لله فبكحن :ذا مشنينئة 


وقد كيفك فيه المساجد تهدم 
مصاحفها فوق الشرى وهي ضحّم 
اوعد نوا مما متا ريت 


ولعمن [نق] إنراهيهالذسعي :#4 مقامة فى هذه الحادقة اك يعضنها 
ابن الوردي في كتابه 


(1) نكص وتراجع. ٠‏ 

(2) أضتمى السهم الؤذف: + لم يحظئه وأضن الضيد +رزماة ففتلةامكانة. 

(3) اللغام » زبد أفواه الإبل. وهو في الشعر على المجاز. 

(4) في الأصل : «ولعمر إبراهيم الرسعني» فصوّبناه من «تتمة المختصر» 2 / 308 
والرّسعني ٠‏ بالعين المهملة : نسبة إلى «رأس العين» بالجزيرة الفراتية. 


-136- 


تتمة المختصر المطبوع » فاستغنينا بذلك عن ذكرها هنا للاختصار. 

وفي محرّم سنة 658 انكسر جيش التتر على حمص وحمة فأتى فلّهم 
إلى حلب وأخرجوا من فيها من الرجال والنساء ولم يبق إلا من اختفى » ثم 
قتلوا من كان في حلب من الغرباء فقتل منهم جماعة من أهلها ثم عدوا من 
بقي من الحلبيين وأعادوهم إلى حلب وأحاطوا بها ومنعوا الخروج والدخول 
إليها. فغلت أسعار الأقوات غلوا فاحشا حتى بيعت التفاحة بخمسة دراهم . 
والبطيخة بأربعين درهما » وأكل الناس الميتة سنة 659. 

وذكر ابن العبري الملطي في تاريخه المدني السرياني أن أهل بعلبكَ 
وو حلت كريمة اانترون الصاح + وكارع قو مطر انها دي هله الله ورهن 
سنة (659) فاستحوذ عليه الجنون فذهب إلى هولاكو ملك الملوك فزجوه 
في السجن في قلعة نجم. وهكذا ظلت طائفته الحلبية دون راع ولكنهم كانوا 
يجتمعون في بيعة الملكين فهجم عليهم التتر وقتلوهم وسبوهم. اه. 

وقال ضباحتف كتانب غذارة الرحيورها خلاصحه أنه فى أو اسقط القن 
الثالث عشر لم يرد من الآثار السريانية ذكر لأساقفة حلب حتى أواخر 
القرن الخامس عشر. قال : ولعل سبب ذلك هو أن هولاكو وخلفاءه أبادوا 
المسيحيين قاطبة من حلب ونواحيها ومن سوريا. اه قلت : قدمنا ذكر هذه 
العيارة في الكادم .على التصاررى بعد الفتح الإسلامي فلبراجع 

وفي هذه السنة وصل البرنلي إلى حلب وكان العو فوووا عن 
وَحَينَ قدوم البرئلي إليها كان بها فخر الدين الحمصي »: جهزه إليها غلاء 
الدين إيدكين البندقداري نائب السلطنة بدمشق للكشف على البيرة » فإن 
الت كانوا قد نازاويها. فلما قدم البرنلي إلى حلب قال لفخر الدين : نحن في 
في هذا 00 فلما عمار فك الذين ليودئ هذه الؤسالة تكن البرانلتي 
واحتال على ما في حلب من الحواصل ) واستبد بالأمر وجمع العربان 
والتوكمان واستعد لكان صيكن مصدر «قتالق الحمصني فى الرسل مع 
جمال الدين المحمدي الصالحي متوجها لقتال البرنلي المذكور » فانضم إليه 
ولحق بهما علم الدين سنجر الحلبي ثم عز الدين الدمياطي » وساروا جميعا 
بمن معهم من العسكر إلى حلت وطودوا البرنلي عنها. 


(1) الحمواصل : مخازن الماء. وقد تطلق غَلى المخازن غامة:والمفرد : حاصل: 


-137- 


واقيها قز الملاة:الخاصين و شين" النلك عيذ يق لعلف الفدامن من 
السلطان صلاح الدين الأيوبي » قتله - وأخاه وعدة أمراء ‏ هولاكو في بلاد 
العجم لما بلغه خبر كسر عسكره بالشام وكانوا معتقلين معه. 

وفي سنة 660 جهز الملك الظاهر عسكرا إلى حلب ومقدذمهم شمس 
الدين سنقر الرومي » فأمنت بلاد حلب وعادت إلى الصلاح. ثم تقدم الملك 
الظاهر إلى شمس الدين المذكور » وإلى الملك المنصور صاحب حماة وإلى 
الملك الأشرف صاحب حمص . أن يسيروا إلى أنطاكية وبلادها للإغارة 
عليها وإقلاق صاحبها البرنس بيمد ء. فساروا إليها ونهبوا بلادها 
إلى مصر ومعهم ما ينوف عن ثلاثمائة أسير. 

ذلك هن لسن و حوين 00لسينتي انو اسان ادي علي 
الذي لقب الحاكم بأمر الله الأول وكان غائبا وقت الفتنة ببغداد ‏ فقدم حلب 
وبايعه بالخلافة كثير من الناس. ثم كاتب الملك الظاهر بيبرس فاستقدمه إلى 
مصبر ويايعه » واستعر يها خليفة إلى أن توفي ينزه 17000و في بسن 1663و 

بن المهنا: 


استيلاء الملك الظاهر على يافا وأنطاكية وغيرها من البلاد الشامية 


في سنة 666 في مستهل جمادى الآخرة منها توجه الملك الظاهر من 
مصر إلى الشام وفتح يافا في العشر الأوسط من الشهر ‏ من الفرنج 
الصليبيين. ثم سار ونازل أنطاكية في مستهل رمضان وزحف إليها وملكها 
بالسيف يوم السبت رابع رمضان » وقتل وسبى وغنم وأسر منها شيئا 
عظيما » كانت للبرنس بيمند » وله معها طرابلس الشام » وكان بطرابلس 
لما فحت أنطاكية. وفى تالت عشئز هذا الزمضان استوك الملك الظاهر 
على بغراس » وكانت خالية لانهزام أهلها منها عندما فتحت أنطاكية . 
فاستولى عليها وشحنها بالرجال والعدة. 
وفي سنة 670 أغار التتر على عينتاب والرّوج وقميطون إلى قرب 
أقامية + ثم .عادوا 


-138- 


وقد وصل الملك الظاهر مع معسكره إلى حلب. وفي هذه السنة ملك التتر 
البيرة فقصدهم السلطان وأوقع بهم فقتل وأسر منهم عدد كبير. وفيها أوقع 
السلطان بطائفة من التتر كانوا على شاطىء الفرات. وفي سنة 673 قصد 
ذريعا وأحرق وسبى وهدم وكان فتحا عظيما » ثم عاد إلى الديار المصرية. 
وفي سنة 674 نازل التتر البيرة - واسم مقدمهم أقطاي ‏ فتوجه إليهم الملك 
الظاهر من دمشق فرحلوا عنها » وبلغه خبر رحيلهم وهو بالقطيفة فأتم 
اين الى ,حلب شم :عاد إلى تمصين: 

الرومي وولده بهادر وأحمد بن بهادر وغيرهم » فاجتمع بهم الملك الظاهر 
بحلب وأكرمهم وعاد إلى مصر. وفي يوم الخميس العشرين من رمضان 
وصل الملك الظاهر لحلب وسار منها إلى النهر الآأزرق ثم إلى ابلستين 
والتفى بجمع من التتر فانهزموا وقتل مقدمهم وغالب كبرائهم » وأسر منهم 
جماعة كثيرة من أمرائهم ومن جملتهم سيف الدين قلجق وسيف الدين 
أرسلان. ثم سار الملك الظاهر إلى قيسارية واستولى عليها وخطب له في 
منابرها ثم رحل عنها وحصل للعسكر شدة عظيمة من نفاذ () القوت 
سنة 678 عزل عن نيابة دمشق أيدمر أقوش الشمسي وولي نيابة السلطنة 
بحلب. وفي سنة 679 توفي أيدمر أقوش الشمسي نائب السلطنة بحلب . 
وولي مكانه علم الدين سنجر الباشغردي. 


عود التتر إلى حلب : 

وفي يوم الجمعة حادي عشر جمادى الآخرة من هذه السنة وصل من 
عساكر التتر طائفة عظيمة إلى حلب » وقتلوا من كان بها ظاهرا وسبوا 
وأحرقوا الجوامع المعتبرة ودار السلطان ودور الأمراء الكبار وأبدوا فسادا 
كبيرا. وكان أكثر من تخلف بحلب قد استتر في المغاير وغيرها. وأقاموا 
بحلب يومين على هذه الصورة. وفي يوم الثلاثاء ثالث وعشرين منه رحلوا 
عن حلب إلى بلادهم » وكان السلطان الملك المنصور سار إليهم من مصر 
ووصل إلى غزّة فلما سمع برجوعهم عاد إلى مصر. وفي سنة 681 ولى 
السلطان مملوكه شمس 


(1) كذاء وهو خطأ شائع » والصواب «نفاد» بالدال المهملة. 


-139- 


الدين قراسنقر نيابة حلب » فسار إليها واستقر بها. 

وفي سنة 682 كاتب الحكام بقلعة الكحنا قراسنقر نائب حلب 
وسلموها لعسكره وصارت من أعظم الثغور الإسلامية. وفي سنة 688 
جمع تنقرا نائب التتر بملطية جمعا كثيرا وأغار على بلد كركور فجهز 
إليهم قراسنقر نائب حلب عسكرا وأمراء إلى بلاد الروم فوصلوا قلعة 
قراسار ‏ وهي من أحصن القلاع ‏ فحاولوها فيسّر الله فتحها عليهم » وأخذ 
النائب بها غرس الدين أسيرا وهو من أعيان أمراء المغل. ثم قصد العسكر 
قلعة زمطر ففتحوها عنوة وقتلوا من فيها من المقاتلة. ومن العجائب أن من 
سلم من هذه الوقعة من أعيان المغل وهرب التجا إلى ملطية فنزلوا بدار 
كبيرة فسقطت عليهم فماتوا تحت الردم. وفي سنة 690 كملت عمارة القلعة 
وكان قد شرع قراسنقر بعمارتها في أيام السلطان الملك المنصور فتمت في 
أيام الملك الأشرف فكتب اسمه عليها . وكان خربها هولاكو سنة 658 
فلبثت خرابا نحو ثلاث وثلاثين سنة. 


انقراض دولة الصليبيين من سوريا وفلسطين : 

وفي هذه السنة أعني سنة 690 فتح المللك الأشرف صلاح الدين خليل 
بن الملك المنصور قلاوون مدينة عكا وأخذها من الصليبيين. وغنم منها ما 
لا يكاد يحصى. وقد ضعف أمر الصليبيين الذين هم بساحل سوريا فأخلوا 
صيدا وبيروت وصور وغيرها مما كان باقيا في أيديهم. وبذلك انتهت 
دولتهم من سوريا وسواحلها بعد أن كادوا يستولون على مصر. 

وصول الملك الأشرف إلى حلب وفتحه قلعة الروم : 

وفي سنة 691 وصل إلى حلب الملك الأشرف صاحب مصر ومعه 
جيش كبير من العساكر قاصدا فتح قلعة الروم من الأرمن. فسار إليها 
ونازلها ونصب عليها المجانيق ودام الحصار عليها حتى فتحت بالسيف يوم 
السبت حادي عشر رجب ؛ وقتل من أهلها وسبى من ذراريها عدة كثيرة » 
واعتصم كتاغيكوس خليفة الأرمن فيها وغيره في القلعة » ثم طلبوا الأمان 
فأمنهم على أرواحهم خاصة وأن يكونوا أسرى عن آخرهم » ورتب 
السلطان علم الدين سنجر لتحصينها وإصلاحها وعاد إلى دمشق. وفي 
مرور السلطان من حلب عزل نائبها قراسنقر المنصوري وولّى مكانه 
سيف الدين بلبان المعروف بالطباخ » وكان نائب الفتوحات ومقامه بحصن 
الأكراد » فولى مكانه عز الدين أيبك الخزندار المنصوري. وفي 


- 140 - 


سنة 692 كتب الملك الأشرف لبعض عسكره بحمص » وإلى صاحب حماة 
وإلى عمه الملك الأفضل , بالمسير إلى حلب والمقام بها إرهابا للتثر. 
فساروا جميعا ودخلوا حلب يوم الثلاثاء تاسع وعشرين شعبان الموافق رابع 
شهر اب. 

افتتاح بلاد سيس : 

وفي سنة 697 قدم إلى حلب يكناس بدر الدين الفخري ‏ أمير سلاح 
الملك الصالح ‏ وتوجه إلى بلاد سيس » وصحبته الآمير علم الدين سنجر 
لذو اذار: وضاه كما نانب صبفة ررضب كر مين الماع #ومفت الشدييم 
يكناس المذكور. فوصلوا إليها في رجب وشنوا عليها الغارات ونادوا في 
أطرافها بالثارات فأمروا وحكموا وأسروا وغنموا ونازلوا قلاعها وأخلوا 
من السكان بقاعها ولم يزالوا مقيمين عليها حتى أخذوا حموص وثتل حمدون 
وسعلان والنفير وسودان ومرعش وما هو من جنوبي جيحان » ثم رجعوا 
إلى حلب فرحين مسرورين فأقاموا بها مدة ثم ساروا إلى أماكنهم. 


عود التتر إلى حلب وما حدث فيها من سنة 697 إلى 713 : 

وفي سنة 698 قويت الأخبار بتحريك التتر نحو البلاد الشامية وجرد 
الملك المظفر عسكر حماة إلى حلب حتى وصل إلى المعرة » فبعث إليهم 
سيف الدين بلبان الطباخ نائب حلب كتابا بتراخي التتر فعادوا » ثم بعث 
إليهم كتابا آخر يستحثهم على الحضور فساروا إلى حلب ودخلوها في 
الثالث والعشرين من رمضان. ولما قويت هذه الأخبار استخرج السلطان 
من غالب الأغنياء بمصر والشام ثلث أموالهم لاستخدام المقاتلة. 

وفي سنة 699 سار قازان بن أرغون بجموع عظيمة من المغل 
والكرج والمزندة وغيرهم وعبروا الفرات » ووصل بجموعه إلى حلب ثم 
إلى حماة ثم سار ونزل على وادي مجمع المروج » وسارت إليه عساكر 
الملطاخ الملف الناضو و شيك القفال يفن 'الفريفيرة :© و قلت المر وف فت 
المسلمين » واحتوى التتر على أثقالهم وتبعوا العساكر إلى غزة واستولوا 
على عدة بلاد أعظمها دمشق » واستمروا فيها إلى أن سمعوا برجوع 
عسكر مصر إليهم ففارقوها وساروا إلى الشرق. وفيها دخل قراسنقر إلى 
حلب نائبا بها عن السلطان. 

وفي سنة 700 عاد التتر إلى الشام وخلت بلاد حلب وسار قراسنقر 
بعسكر حلب 


- 141 - 


إلى حماة وأقام التتر ببلاد سرمين وتيزين والعمق وغيرها » ينهبون 
ويقتلون. وسارت إليهم العساكر » وصادف في هذه المدة تدارك الأمطار 
وكثرة الوحول بحيث عجز عسكر المسلمين عن الإقامة في تلك المحال 
لتعذر وصول القوت إليهم فرجع إلى مصر كما أتى » ودام التتر على 
إفسادهم في بلاد حلب نحو ثلاثة اشهر ثم ارتدوا على أعقابهم دون سبب 
يعلم. ورجع عسكر حلب مع قراسنقر إلى حلب وتراجعت الجقال إلى 
أشاكنهد. و فيهنا انزع البتلطان الملك الناحدو يتفم أهل الحفنة ام بلسو 
الغيار » فلبس اليهود عمائم صفرا » والنصارى زرقا ء والسامرة حمرا» 
بعد أن اجتهدوا في دفع ذلك ببذل الأموال لأرباب الدولة فما أفادهم. 

وفي سنة 703 سارت عساكر مصر وحماة إلى حلب وانضم إليهم 
عسكرها » وقصدوا بلاد سيس وحاصروا تل حمدان وفتحوها بالأمان من 
أيدي الأرمن وهدموها إلى الأرض. وفي سنة 705 في أوائل المحرّم 
المصادف عشرين من تموز أرسل قراسنقر نائب حلب مملوكه قشتمر إلى 
بلاد سيس . وكان المملوك المذكور أخرق سكيرا » ففرّط في حفظ العسكر 
ولم يطالع العدو » فجمع صاحب سيس جموعا كثيرة من التتر والأرمن 
والفرنج وكبسوا قشتمر ومن معه » فولى الحلبيون منهزمين وتمكن التتر 
والارمن منهم وأفنوا غالبهم. ومن سلم منهم اختفى في تلك الجبال » ولم 
يصل منهم إلى حلب إلا قليل حفاة عرأة. 

وفي سنة 710 ولي نيابة خلب سيف الدين قندق خوض] عن :قز امينقن 
؛ فلم تطل مدته بها ومات قبل انتهاء السنة وولى مكانه أسندمر » وولي 
نيابة السلطنة بالفتوحات بحلب جمال الدين أقوش الأفزم. ثم إن أسندمر 
المذكور استقر بحلب وصدر السلطان متوغر عليه لجرائم سبقت منه » فلم 
يشغر الااووصل النه جه غفينمن العسياكن الضرية وغبماكر حماة 
وحمص فقبضوا عليه وجهزوه إلى مصر مقيدا وضبط ماله إلى بيت المال 
»؛ وكان ذلك في اليوم الحادي عشر ذي الحجة. 

وفى بيه 91/ اليا قدي كل [ستاما سال قر اشر ذاقفك وميق تن 
السلطان أن يعيده إلى نيابة حلب لتعوّده عليها » فرسم له بما طلب وحضر 
قراسنقر إلى حلب واستقر بها إلى أوائل شوال » واستأذن للحجاز فأذن له 
فخرج من حلب وأضمر في نفسه العصيان » واجتمع بأمير العرب مهنا بن 
عيسى واتفقا على المشاققة. فبلغ السلطان ذلك فسيّر إلى 


- 142 - 


قراسنقر ومهنا يطيّب خاطرهما » فلم يرجعا عن إصرارهما. فجرد إليهما 
عسكرا فخاما عن لقائه إلى جهة الفرات » وبقي العسكر بحلب والحاكم 
عليها المشذون والنّظار 2 وليس لها نائب. 

وفي سنة 712 في العشر الأول من ربيع الأول وصل نائب السلطان 
إلى حلب وهو سيف الدين سودي الجمداري الأشرفي الناصري عوضا عن 
قراسنقر المذكور » وفيها قويت أخبار التتر وجفل أهل حلب وبلادها. وكان 
وصل إلى حلب لمدافعتهم ‏ الملك المؤيد أبو الفداء مع عساكره وعسكر 
دمشق » ثم وصل التتر إلى بلاد سيس والفرات. فعندها رحل الأمير سيف 
الدين سودي مع العساكر إلى حماة ودخلها يوم السبت سابع رمضان وأقام 
بظاهر حماة ونزل بعض العسكر فى الخانات. وكان البرد شديدا والجفال قد 
ملؤوا البلد » وكان التتر نازلين على الرحبة مجدّين في حصارها. فلما طال 
حصارهم لها وقع بهم الغلاء ورحلوا عنها في السادس والعشرين رمضان 
» واستولى أهل الرحبة على الات حصارهم » وعاد سودي نائب حلب بمن 
تعه من العتداكن. الكبية وفي هدة:البدة سحن مين الذين سودي به مناء 
من نهر الساجور إلى نهر حلب » ففتح له مجرى أنفق عليه نحو ثمانمائة 
الف ذرهم 4 نضفها من مالة والنضف الأكن من بيت الال وشل انيت 
العمل قيل له إن من يسعى بجر ماء من الساجور إلى قويق يموت بغتة . 
فترك العمل وذهب ما صرفه سدى. 

وفي سنة 713 خرجت معرة النعمان من معاملات حماة وأضيفت إلى 
معاملات حلب. وفي رجب سنة 714 توفي الأمير سيف الدين سودي نائب 
حذب » وكان مشكور السيرة وولى السلطان مكانه الأمير علاء الدين 
ألطونبغا الحاجب » فوصل إلى حلب في أوائل شعبان. وقد انتفعت حلب 
بهذا النائنب وعمر جامعه بالميدان الأسود ونقل إليه أعمدة عظيمة من 
قورس. وعمرت بسبب هذا الجامع أماكن كثيرة وقد سبق الكلام عليه في 
محلة ألطونبغا في الجزء الثاني. وفي سنة 715 في شعبان سار شطر جيش 
حلت لعمبار قلجة عر قيئكة مض اعمال امد ف لفوها بالاما نمت كلفة 
وقتلوا بها طائفة وسلخ أخو مندوه وعلق على القلعة. وأغار العسكر على 
قرى الآرمن والأكراد ورجعوا سالمين. 


(1) المشدّون : جمع «المشدّ» وهو خفير يقوم بخدمة الوالي. والنظّار : جمع «الناظر» وهو 


- 143 - 


وفي سنة 716 في نيسان ترادفت الأمطار في بلاد حلب وحماة 
وحمص وحملت السيول وغرقت ضيعة من بلاد حمص » ووقع مع المطر 
في بعض الجهات برد » الواحدة في حجم النارنجة » وصحبه شيء من 
السمك والضفادع وطمى السيل على الوهاد ء وأغرق ما مر به وخرب 
كثيرا من الأماكن » وحمل عدة بيوت من العرب والتركمان والأكراد. 


غزو بلاد سيس 

وفي سنة 720 قدم على حلب عساكر دمشق وساروا جميعا صحبة 
ألطونبغا (» نائب حلب إلى بلاد سيس ء واقتحموا نهر جيحان وكان زائدا 
»؛ فغرق به بعض العساكر. ثم نازلوا قلعة سيس وزحف العسكر حتى بلغ 
السور وغنموا منها وأتلفوا البلاد والزروع وساقوا المواشي ‏ وكان شيئا 
كثيرا ثم عادوا وقطعوا جيحان » وكان قد انحط » ودخلوا حلب وفي 
أواخر ربيع الآخر وسار كل لبلده. 

وفي سنة 722 قدم إلى حلب عسكر مصر ودمشق والساحل وانضم 
إليهم عسكر حلب وساروا جميعا صحبة الطنبغا 2» نائب حلب إلى إياس من 
بلاد سيس ونازلوها وملكوها بالسيف » وعصت عليهم القلعة أولا ثم هرب 
منها الأرمن وألقوا فيها النار » وملكها المسلمون وهدموا منها ما أمكنهم. 
وفي سنة 723 أجدبت الأرض من دمشق إلى حلب وانحبس المطر ولم 
يفيت إلا القليل:ة و استسقى النامن :فلم وسقوا, وفى سينة 724 :ريه الشلطان 
بإبطال المكوس عن سائر أصناف الغلة بالشام فأبطلت وكان شيئا كثيرا. 
وفي سنة 725 أفتى قاضي القضاة كمال الدين بن محمد بن علي الزملكاني 
بتحريم الاجتماع بمشهد روحين ودير الزربة وأشباههما ومنع من شد 
الرحال إليها . ونودي بذلك في المملكة الحلبية فإنه كان يشتمل على 
منكرات وبدع » وعملت في تحريم ذلك المقامة المشهدية. 

وفي سنة 727 في آخر المحرم طلب ألطنبغا إلى الديار المصرية. ثم 
في صفر وصل إلى حلب مكانه الأمير سيف الدين أرغون الناصري. وفيها 
انتزع القاضي ابن الزملكاني كنيسة اليهود المجاورة للعصرونية. وقد 
تكاسا علي خلك في ترجمتةع روفي الكلاة, على الهرة. فى المقنمة. 
(1) المؤلف » كعادته » لا يلتزم برسم واحد لأسماء الأعلام الأعجمية. وقد تكرر ذلك في 
كتابه هذا 
رد) 'المؤلت م كهادكدة لا بلتوم درسم نواحذ لأسماء لأساف الأشكية وقد اكور ذلك فى 
كتابه هذا 


- 144 - 


وفي سنة 731 نهار الأربعاء تاسع صفر » وصل نهر الساجور إلى 
حلب فزيد به نهر قويق بساقية بناها الأمير أرغون الدوادار » وكان يوم 
وصوله يوما مشهودا خرج لتلقّيه ملك الأمراء وسائر الناس مشاة مكبرين 
مهللين » وكان قبله الأمير سودي شرع بإجرائه إلى حلب فقيل له : من جرّه 
يموت في عامه » فتركه. وقيل مثل ذلك لأرغون فلم يلتفت إلى هذا القول 
فمات بعد أربعين يوما وذلك في ربيع الأول » وخرجت جنازته مكش وفة 
عليها كساء خلق من غير ندب ولا نياحة () ولا قطع شعر » ولا لبس جل » 
ولا تحويل سرج ؛ طبق ما أوصى به » ودفن بسوق الخيل قبليّ القلعة 
وَعَمْلك لفاترجية كفده تسكفيا الفا 20 و كيني دا وان نوكا متندا لحفظ 
القرآن الكريم مثابرا عليه متشرعا في أحكامه كتب بخطه صحيح البخاري 
دفن ما مكف الى الثقت أن الكد د | مدي النسضلة السك ر مزوير: 
بنت عمر أسعد النجا بمصر في سنة 715 بقراءة الشيخ أبي حيان - واقتنى 
الكتب النفيسة وكان فيه ديانة رحمه الله. وفى جمادى الأولى سنة 731 عاد 
الأمير علاء الدين ألطنبغا إلى نيابة حلب وفرح الناس به وأظهروا السرور. 

وفي سنة 733 في خامس [عشر ]© شعبان وصل حلب شادذا © : 
الأمير بدر الدين لؤلؤ القندشي وعلى يده تذاكر وصادر المباشرين وغيرهم 
ومنهم النقيب بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني » والقاضي جمال الدين بن 
ريان ناظر الجيش » وناصر الدين محمد بن قرناص عامل الجيش » وعمه 
المحبّي عامل المحلولات » وعدة ذوات من الحلبيين » واشتد به الخطب 
وانزعج الناس كلهم [حتى] البريئون » وقنت ”) الناس في الصلاة يدعون 
عليه وقال ابن الوردي فيه : 
قليسي لعمسر الله معلسول ٠‏ يما جرى للنساس مغ لولو 
يارب قدشرّد عناالكرى سيف على العالم مسلول 
ومالهذاالسيف من مغمد سواك يامن لطفهسول 


(1) في الأصل : «نياحية» فصوّبناها من «تتمة المختصر» 2 / 419. 

(2) أي ليس لها حجرة ولا سقف. 

(3) ما بين مربعين من تتمة المختصر 2 / 428 وكذا ما يأتي بعده. 

)4( الشاذ : هو الذي يتولى وظيفة التفتيش » بحسب الاختصاص الذي يضاف إليه. 
(5) 3 تصحفت الكلمة » في الأصل إلى : «وفتنت» والتصويب من «تتمة ١‏ لمختصر». 


- 145 - 


لولو ء. هذا : كان مملوكا لقندش ضامن المكوس في حلب », ثم صار 
كدافن: الحذإة ف كدان مددهنا صوار ورعر تنكل لو بكيم © فشكل نينا 
أعظم ما فعله بحلب » وعاقب حتى المخدّرات 2. 

وفي سنة 735 في شوال عاد عسكر حلب ونائبها من غزاة بلد سيس 
وقد خربوا بلد أدنة وطرسوس وأحرقوا الزرع واستاقوا المواشي » وأتوا 
بمائتين وأربعين أسيرا وما عدم منهم سوى شخص واحد غرق في النهر 
وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم. فلما علم أهل إياس بذلك أحاطوا بمن 
عندهم من المسلمين التجار البغاددة وغيرهم نحو ألف نسمة » وحبسوهم في 
خان وأحرقوهم ؛ وقليل من نجا منهم » وذلك في يوم عيد الفطر . واحترق 
في .حماة مانتاق وخمسون حانوقا ::واحترقك أنطاكية إلا القليل منها. 

وفي سنة 736 وصل الأمير سيف الدين أبو بكر الباشري إلى حلب 
وصحب معه منها الرجال والصنّاع لعمارة قلعة جعبر » وكانت خربة من 
زمن هولاكو ء وهي من أمنع القلاع. وقد لحق المملكة الحلبية وغيرها - 
بسبب عمارتها ونفوذ ماء الفرات إلى أسفل منها ‏ كلفة كثيرة. وفي صفر 
طلب من البلاد الحلبية رجال للعمل بنهر قلعة جعبر ورسم أن يؤخذ من كل 
قرية نصف أهلها فخلت عدة ضياع بسبب ذلك. ثم طلب من أسواق حلب 
رجال استخرجت أموالهم » وتوجه نائب حلب إلى القلعة المذكورة مع 
قريب من عشرين ألف رجل. 

وفى سنة 737 توفى الأمير الشاب الحسن جمال الدين خضر ابن ملك 
الأمراء علاء الدين ألطنبغا نائتب حلب » ودفن بتربة حسنة بالمقام عملها له 
والده عند جامع المقام خارج حلب. وفي رمضان قدم إلى حلب أمراء من 
مصر ودمشق وطرابلس وحماة ومعهم عسكرهم والمقدّم على الكل ألطنبغا 
نائب حلب » ورحلوا إلى بلاد الآرمن وحاصروا ميناء إياس ثلاثة أيام. ثم 
قدم رسول الأرمن من دمشق بكتاب نائبها يتضمن طلب الكف عنهم على 
أن يسلموا البلاد والقلاع التي في شرقي نهر جيحان. فتسلموا منهم ذلك 
وهو ملك كبير وبلاد كثيرة : كالمصيصة وكوبرا والهارونية » وسرفند كار 
» وإياس ونجيمة والنقير » فخرب المسلمون برج إياس الذي في البحر 
واستنايوا في البلاد.ويعادوا :منهًا في ذي الححة. 


(1) أي النساء في خدورهنٌ. 


- 146 - 


وفيها ورد الأمر بالسماح في جميع مراكز المملكة عما يؤخذ على 
الأغنام الدغالي ) الداخلة إلى حلب » وأن يقتصر بأخذ الرسم على الأغنام 
الكبار » وفيها وقف صلاح الدين يوسف ابن الاسعد الدواتدار )2( داره 
النفيسة بحلب ‏ المعروفة أولا بدار ابن العديم مدرسة على المذاهب 
الأربعة » وشرط تدريسها على القاضي الشافعي والقاضي الحنفي. 

وفي سنة 738 في صفر توفي بدر الدين بن محمد بن إبراهيم بن 
الدقاق الدمشقي ناظر الأوقاف بحلب. وفي أيام نظره هفتح الباب المسدود 
الذي بالأموي شرقيّ المحراب الكبير » » لأنه سمع أنّ بمكانه رأس زكريا 
عليه السلام فارتاب في ذلك » فأقدم على فتح الباب بعد أن نهي عنه » فوجد 
بابا عليه تأزير رخام أبيض ٠‏ ووجد فيه تابوت رخام أبيض فوقه رخامة 
بيضاء مربعة. فرفعت الرخامة عن التابوت فإذا فيها بعض جمجمة فهرب 
الحاضرون هيبة لها ورد التابوت بغطائه إلى موضعه وسد عليه الباب , 
ووضعت خزانة المصحف الشريف على الباب وقد أثرت هذه الهيبة 
بالناظر المذكور وابتلي بالصرع إلى أن عض على لسانه فقطع ومات. 

وفي العشر الأوسط من ربيع الآخر عزل ملك الأمراء علاء الدين 
ألطنبغا عن نيابة حلب. وفي العشر الأول من جمادى الأولى قدم إلى حلب 
الأمير سيف الدين طرغاي ناتبا بها. وفي سنة 739 نادى مناد في جامع 
خلب:وأسواقها - وقدامه:شاة الوقف © يدر الندين تيلينك الأسئة من أمواء 
العشرات ‏ بما صورته : «معاشر الفقهاء والمدرسين والمؤذنين وأرباب 
الوظائف الدينية » قد برز المرسوم العالي أن كل من قطع منكم وظيفته 
وغمز عليه » يستأهل ما يجري عليه». فانكسرت لذلك قلوب الناس لأن هذا 
النداء يدل على بغض أهل العلم والدين. ثم نكب بدر الدين لكلمة صدرت 
منه وعقد له بدار العدل يوم العيد مجلس مشهور ء وأفتى العلماء بتجديد 
إسلامه وعزله وضربه » فشمت به الناس. 

وفي سنة 741 عزل طرغاي عن حلب وكان ‏ على طمعه ‏ يصلي 
ويتلو كثيرا. وفيها وصل إلى حلب نائبا عليها طشتمر سيف الدين الناصري 
المعروف بحاجي خضر. 
(1) المفرد «الدغلي» وهو الخروف الذي لا يتجاوز عمره سنة واحدة. والكلمة تركية. 


)2( الدواتدار «الدواة ‏ دار» : معناها حامل الدواة. 
(3) أي ناظر الوقف والمشرف على أموره. 


147 - 


وفيها وصل إلى حلب فيل وزرافة جهزهما الملك الناصر لصاحب ماردين. 
يوافقه على رأيه في خلع السلطان ء وهرب طشتمر المذكور إلى الروم 
وفيها عوقب بحلب لولو القندشي المكّاس المتقدم ذكره » وعذب بدار العدل 
حتى ,وتات واستضدقي وشمت:به النامن: 

وفي ذي الحجة وصل الأمير علاء الدين أيدغش الناصري إلى حلب 
ل م ا ا ل ا ا 
إلى نيابة دمشق وتأسف الحلبيون عليه. وفي هذه السنة وهي سنة 742 
توفي أحد أمراء حلب , بدر الدين محمد بن الحاج أبي بكر » ودفن بجامعه 
الكائن قرب جسر الدباغة المعروف بمسجد أولاد أبي بكر. وقد أسلفنا 
الكلام عليه عند ذكر محلة حسر السلاحف من الجزء الثاني. وفي هذه السنة 
ولي حلب الأمير سيف الدين طقزتمر الحموي » ودخلها في عاشر صفر 
سنة 743 وفي رجب هذه السنة نقل طقزتمر إلى نيابة دمشق وولي مكانه 
حلب الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني. 

وفيها وصل علاء الدين القرع إلى حلب قاضيا للشافعية. وأول درس 
ألقاه بالمدرسة قال فيه : «كتاب الطهارة باب الميّات» 27 » بإبدال الهاء تاء 
٠‏ قال ابن الوردي : فقلت للحاضرين : لو كان باب الميّات لما وصل 
«القرع» إليه ولكنه باب الألوف. ثم قال القاضي : قال الله تعالى : وجعلها 
كلمة باقية في عنقه » مكان «عقبه» , فقال ابن الوردي : لا والله ولكنها في 
عنق من ولاه. فاشتهر عن ابن الوردي هاتان التنديدتان في الآفاق. 

وفيها توفي بحلب الشيخ كمال الدين المهمازي وكان مقبولا عند الملك 
الناصر ووقف عليه حمّام السلطان » وسلم إليه تربة ابن قره سنقر » وبه 
سميت هذه التربة. وفيها اعتقل القرع بقلعة حلب مءزولا » ثم فك عنه 
الترسيم وسافر إلى القاهرة. وفيها توفي بحلب الحاج معتوق الدبيسري »2 
وهو الذي عمر الجامع بطرف بانقوسا ودفن بتربة بجانب الجامع. وفي سنة 
4 في صفر توفي الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني نائب حلب ودفن 
خارج باب المقام. . ْ 


)01 يريد : «المياه» ؛ ولكنه شذد الياء وأبدل الهاء تاء. 


- 148 - 


تمزيق كتاب فصوص الحكم 

قال ابن الوردي : وفيها مزقنا كتاب «فصوص الحكم» بالمدرسة 
العصرونية بحلب عقيب الدرس وغسلناه ‏ وهو من تصانيف ابن عربي - 
تنبيها على تحريم قنيته ومطالعته. وفي ربيع الأول وصل الأمير سيف 
الدين يلبغا اليحياوي نائبا إلى حلب وكان حسن السيرة » وفيها حاصر يلبغا 
نائب حلب زين الدين قراجا بن دلغادر التركماني بجبل الدلدل ‏ وهذا الجبل 
ممتنع » موقعه في جانب جيحان - فلم ينل منه يلبغا طائلا بل قتل كثير من 
عسكره وأسر. واشتهر اسم زين الدين وعظم على الناس شرّه. وكانت هذه 
الحركة من يلبغا في غير محلها. 

وفيها كانت الزلزلة العظيمة المزعجة العميمة . أخربت كثيرا من 
الأماكن ودخلت إلى مصر والشام » وتواتر بعدها الزلزال مدة فسكن الناس 
في الصحاري » وتشعّث في جامع حلب بعض الجهات وانفتحت منارته ثم 
التأمت » وتهدم كثير من القلاع والحصون . ومات تحت الردم خلق كثير 
وكاد الخراب يعم مدينة منبج. وفيها يقول ابن الوردي : 
منبج أهلها حكوادودقرٌ عندهم تجعل البيوت قبورا 


رب نعّمهمفقدألقفوامن شجرالتوت جنة وحريرا 
وقال أبو محمد الحسن بن حبيب الحلبي » فيمن خرج إلى برّ حلب 
خوفا من الزلزلة : 


يافرقة فرقوا وعن حلب نأوا وتباعدوا لمارأوا زلزالها 
مازلزلت شهباؤنا وتحرّككت إلالتخغرج عامد أثقالها 

وفي سنة 746 في ربيع الآخر نقل يلبغا نائب حلب إلى نيابة دمشق » 
وخلفه الأمير سيف الدين أرقطاي ٠‏ فأبطل الخمور والفجور بعد اشتهارها . 
ورفع عن القرى الطّرح وكثيرا من المظالم » ورخص السعر ء وسرّ به 
الحلبيون. وفيها كتب على باب القلعة وغيرها من القلاع نقرا 7» في الحجر 
ما مضمونه مسامحة الجند بما كانوا يدفعونه لبيت المال بعد وفاة الجندي 
والأمير » وذلك علوفة أحد عشر يوما عن كل سنة أمضاها المتوفى في 
الجندية . وهذا القدر هو التفاوت بين السنة الشمسية والقمرية. وهذه 
مسامحة بمال عظيم. 


(1) الثقر : الكتابة في الحجر. 


- 149 - 


وفي محرم سنة 747 طلب أرقطاي نائب حلب إلى مصر فسار إليها. 
وفي ربيع الأول وصل إلى حلب الأمير سيف الدين طقتمر الأحمدي نائبا 
عليها. ثم في رجب منها سافر إلى مصر لوحشة بينه وبين نائب دمشق لأنه 
لعر ونه عدم عاى يكلم السلطان الكامل تكد اكب مكدر الساد: ثم فى لسع 
منها وصل إلى حلب نائبا عليها الأمير سيف الدين بيدمر البدري وكان 
عندة حذة أوقسيوة : كرهت فتاة زوجها قبل أن يدخل عليها : الك كاير 
وتتعرها وعلق ذلك على :عنقها وشدق أنفهنا وطيف بها على دابة يحلب 
وتيزين » وهي من أجمل البنات وأحياهن ؛ فشق ذلك على الناس وعمل 
النساء عليها عزاء في كل ناحية حتى النساء اليهود وأنكرت القلوب قبح 
ذلك. قال ابن الوردي : 
وضجٌ الناس من بدر منير يطوف مشرّعا بين الرجال 
دعوت 6ن اسمن ا قينا لجان - .“انظ طلبافنا فيدن علي لمان 

وفي محرّم سنة 748 وصل إلى حلب شهاب الدين بن أحمد بن 
الرياحي على قضاء المالكية بحلب » وهو أول مالكي استقضى بحلب. 
وفيها ظهر بين منبج والباب جراد عظيم صغير من بزر السنة الماضية . 
فخرج عسكر من حلب وخلق كثير من فلاحي النواحي الحلبية ‏ نحو أربعة 
الافه تفن - لفكلة وذقده #«وقامت عندهع: أسواق :وضير فكيين الرعية أموال: 
وهذه سنة ابتدأ بها ألطنبغا الحاجب من قبلهم. وفي المحرّم سافر الأمير 
ناصر الدين المحبّي من حلب بعسكر لتسكين فتنة ببلد شيزر بين العرب 
الكو اق فتن فيما من الذكز اد نكر كيهان تكن وحيقت امنزال قات 
وفيها ثار الأرمن في «إياس» فنكّل بهم أمير إياس حسام الدين الشيباني 
وأرسل من رؤوسهم إلى حلب. 

وفي منتصف ربيع الأول سافر البدري نائب حلب إلى مصر معزولا. 
أنكروا عليه فعله في البنت المتقدم ذكرها وندم على ما فعل. وفيه وصل إلى 
حلب نائبا أرغون شاه الناصري في حشمة عظيمة. وفي ربيع الآخر قدم 
على كركر ولختا عصافير كالجراد المنتشر فسار الناس إلى شيل غللات 
البذر وهذا مما ) لم يسمع بمثله. وفيه وصل تقليد القاضي شرف الدين 
موسى بن فياض الحنبلي بقضاء الحنابلة بحلب ؛ فصار القضاة أربعة. ولما 


بلغ 


(1) في الأصل : «حمام» بدل «مما». والتصويب من تتمة المختصر 2 / 491. 


- 150 - 


بعض الظرفاء أن حلب تجدد بها قاضيان مالكي وحنبلي » أنشد قول 
الحريري في الملحة )2 : 

وفي جمادى الآخرة نقل أرغون شاه نائب حلب إلى نيابة دمشق » 
وهو في غاية السطوة » مقدم على سفك الدماء بلا تثبّت » قتل في هذه المدة 
اليسيرة خلقا كثيرا ووسّط وسمّر © » وقطع بدويا سبع قطع بمجرد الظن »2 
فضربه حتى سقط. وهكذا عدة مرات حتى عجز عن القيام. فبكى 
الحاضرون على هذا الفرس فقيل فيه : 
عقلت طرفك حتى أظهرت للناس عقلك 4 
لاككاندهري ولي على بني الناس مثلك 

وفي أواخر هذه السنة أعني 748 وصل إلى حلب نائبا فخر الدين إياز 
وصل إلى حلب مكانه سيف الدين الحاج أرقطاي الناصري » ولما دخل إلى 
حلب أعفى الناس من زينة الأسواق لأنها تكررت حتى سمجت. 

وفي شوال وصل إلى حلب من قبل السلطان - أسود ليأخذ على كل 
رأس غنم تباع بحلب وحماة ودمشق درهما. فيوم وصوله إلى حلب وصل 
خبر قتل مرسله السلطان » فسرّ الناس بذلك. وفيها كان الغلاء بحلب وحماة 
ودمشق. وحلب أخفت غلاء من غيرها » وأشده بدمشق » حتى انكشف 
العاك وجلا كتير مق اهلها إلى حلب وعيوها »«وضلت فرها غزارة الهنت 
آذار في 
(1) في الأصل «اللمحة» خطأ » والمراد به متن «ملحة الإعراب» للحريري صاحب 
المقامات. 
(2) وسّطه : قطعه نصفين. وسمّره : شذه بالمسامير أو ثبّته بها. 
(3) في تتمة المختصر : «على فرس له قيمة كبيرة» وهو أجود. وقوله بعد ذلك : «مرح 
بالعلافة» يريد : عبث بالعلف وبعثره جدا. 


(4) الطّرف : الجواد الأصيل. 


-151- 


هذه السنة وقع بحلب وبلادها ثلج عظيم وتكرر » فأغاث الله به البلاد 
واطمأئت قلوب العباد » وجاء عقيب غلاء الأسعار وقلة الأمطار. وفيها 
توفي الحاج إسماعيل بن عبد الرحمن العزازي » كان له منزلة عند ألطنبغا 
الحاجب نائب حلب » وبنى بعزاز مدرسة وساق إليها القناة الحلوة وانتفع 
الجامع وكثير من المساجد بهذه القناة. وله آثار غير ذلك. 

وفي سنة 749 أسقط القاضي المالكي الرياحي بحلب تسعة من 
الشهود ضربة واحدة فاستهجن منه ذلك ٠‏ وأعيدوا إلى عدالتهم ووظائفهم. 
وفيها قتل بحلب زنديقان أعجميان كانا مقيمين بدلوك. وفي ذي القعدة ظهر 
بمنبج - على قبر النبي مثى » وقبر حنظلة بن خويلد » أخي خديجة رضي 
الله عنها (وهذان القبران بمشهد النور خارج منبج) وعلى قبر الشيخ عقيل 
المنبجي » وعلى قبر الشيخ ينبوب ٠‏ وهما داخل منبج » وعلى قبر الشيخ 
علي ؛» وعلى مشهد المسيحات شمالي منبج ‏ أنوار عظيمة » وصارت 
الأنوار تنتقل من قبر بعضهم إلى قبر بعض وتجتمع وتتراكم » ودام ذلك 
إلى ربع الليل حتى انتبه لذلك أهل منبج وكتب قاضيهم بذلك محضرا 
وجهزه إلى دار العدل بحلب. 


طاعون كبير 

وفيها كان الفناء العظيم و الطاعون العميم الذي جاز البلاد والأمصار 
ولم يسمع به في سالف الأعصار وأخلى الديار والبيوت وأوقع الناس في 
علة السكوت. وكان إذا طعن به إنسان لا يعيش أكثر من ساعة رملية » وإذا 
عاين ذلك ودّع أصحابه وأغلق حانوته وحضّر قبره ومضى إلى بيته 
ومات. وقد بلغت عذة الموتى في حلب في اليوم الواحد نحو خمسمائة » 
وبدمشق إلى أكثر من ألف ؛ ومات بالديار المصرية في يوم واحد نحو 
العشرين ألفا. هكذا ورد الخبر واستمر نحو سنة وفني به من العالم نحو 
ثلثيهم. وفيه يقول ابن الوردي : 
شححانة بتسصساز ع اللسم 01 في رفع © طاعون صدم 
مضمنأهح يسن بلعدم فقتقداأحبس بالعدم 


(2) في تتمة المختصر : «دفع» بالدال. والمعنى واحد. 


- 152 - 


وقد كثرت فيه أرزاق الجنائزية » فهم يلهون ويلعبون ويتقاعدون على 
الزبون » ولو رأيت بحلب الأعيان وهم يطالعون من كتب الطب الغوامض 
» ويكثرون في علاجه من أكل النواشف والحوامض » ويستعملون الطين 
الأرمني وقد بخّروا بيوتهم بالعنبر والكافور والصندل » وتختموا بالياقوت 
وجعلوا الخل والبصل من جملة الأدم والقوت. قيل : إن هذا الوباء ابتدأ من 
الظلمات قبل وصوله إلى حلب بخمسة عشر عاما » وهو سادس طاعون 
وقع في الإسلام » وعنه قيل : إنه الموتان الذي أنذر به عليه السلام. 

وفي سنة 750 نقل الحاج أرقطاي الناصري الى نواد ونتدق اجرج 
إليها فمات بعين المباركة وحمل إلى حلب ودفن بتربة سودي. وولي حلب 
قطليجا الحموي فمات بعد شهر من ولايته » فوليها بعده الأمير أرغون 
الكاملي. وفي سنة 751 كثر طغيان العرب والتركمان في بلد سنجار 
وتمادى بغيهم وفسادهم ونهبوا أموال التجار وقطعوا الطريق فركب إليهم 
الناصري نائب حماة مع العساكر الشامية وجدٌ في حصارهم بقلعة سنجار 
حيث تحصنوا بها وضيّق عليهم إلى أن نفذ (» زادهم وطلبوا الأمان 
فأمنوهم وأنزلوهم وانقطع فسادهم » وزيّنت حلب يوم قدوم الناصري 
منصورا عليهم مظفرا بهم. وفي سنة 752 ولي نيابة حلب الأمير سيف 
الدين بيبغاروس القاسمي. 

وفي سنة 753 أظهر بيبغاروس العصيان وانضم إلى نائب صفد 
وحماة وطرابلس والأمير زين الدين قراجا بن دالغادر » وساروا إلى دمشق 
وحصروها إلى أن مشى عليهم الملك الصالح فساروا عنها إلى حلب. وفي 
هذه السنة ولي نيابة حلب ثانية سيف الدين ارغون الكاملي. وفيها في سلخ 
شعبان ورد على حلب نائب صفد وحماة وطرابلس ‏ ومعهم عدة عربان 
وتركمان - وكانت خالية من العسكر والنوّاب » وذلك قبل أن يصل إليها 
نائبها أرغون الكاملي المذكور. وكان عسكر حلب في تجريدة © فنزل 
النواب المذكورون بظاهر حلب من جهة القلة وعسكرهم قد أحاطوا بهم. ثم 
ز حفر على المدينة فقتلز ا حطاعة عن المسلفين و ترفو طن فض كلس كم 
انصرفوا عنها وكانت عاقبة نائبي صفد وحماة القتل في دمشق » وعاقبة 
بيبغاروس القتل تحت قلعة حلب صبرا. وفيها ظهر شخص بحلب يعرف 


(1) الصواب : «نفد» بالدال. 
(2) التجريدة : الطائفة من الخيل. وتطلق أيضا على الجماعة من الجند. 


-153- 


بوضاح الخباط وااعى النبوة وذكر أنه قيل له : يا أيها الناس إني رسول الله 

وفي سنة 754 فهه ارقو الكاملي نائب حلب مع العساكر الحلبية 
إلى مدينة البستان في طلب الأمير قراجا بن دلغادر مقدم التركمان » ليقبض 
عليه بسبب اتفاقه مع بيبغاروس . فلما وصلوا إليها وجدوها مقفرة خالية 
وقد انهزم قراجا المذكور . فجاسوا خلال الديار وهدموا الحصون 
والأسوار. وفي ذلك يقول ابن حبيب الحلبي مخاطبا لأرغون : 
نازلت «أبلستين» يا ليث الثشرى ونزيلك التوفيق والتمكين 
أفستو كيه لفيا و اشر ليما ١‏ قم فيصان الظ مين تكتحوق 

ثم سار النائب المذكور يتتبع آثار المنهزمين حتى أدرك قراجا 
المذكور بأطراف الروم وقد التجأ إلى صاحبها . فأمسكه وجهزه إلى 
السلطان بمصر فقتله. وعاد أرغون إلى حلب. وفي سنة 755 ولي نيابة 
حلب الأمير سيف الدين طاز الناصري فاعتقل بعد ثلاث سنين. وفي سنة 
8 مات أرغون الكاملي بالقدس الشريف » وهو صاحب المارستان بحلب 
داخل باب قنسرين » وقد وقف عليه قرية بنّش من الغربيات. وقد سبق 
الكلام عليه عند ذكر محلة باب قنسرين في الجزء الثاني. وفي سنة 759 
ولي نيابة حلب سيف الدين منجك الناصري. ثم في هذه السنة وليها الأمير 
علاء الدين المارديني. 

وفي سنة 760 اجتمع أولاد مهنا ومن تبعهم من العرب » وانضم إليهم 
جمع من بني كلاب » وغزوا التركمان في العمق ونهبوا منهم ما يزيد على 
عشرين ألف بعير. وتواترت الحروب بينهم وانقطع الطريق واضطرب 
الناس. وفيها ولي نيابة حلب الامبراسيف الذي يكتمر المؤمني 2 ثم وليها 


غزو بلاد سيس 
وفي سنة 761 توجه النائب المذكور صحبة العساكر الحلبية لغزو 
بلاد سيس فوصلوا إليها ونازلوا أكثر مدنها وأسروا وغنموا. ثم أتوا إلى 
طرسوس المدفون بها عبد الله المأمون ابن هارون الرشيد ففتحوما من أيدي 
الأرمن ومهدوها وأصلحوا جوامعها وأخذوا ما وجدوا من الخيول 
والأسلحة. ثم دنوا من المصيصة ‏ وهي بلدة قديمة يجري بوسطها 


- 154- 


نهر جيحان - فاستولوا عليها » ثم فتحوا عدة قلاع في تلك البقاع » ثم عادوا 
إلى حلب سالمين. 

وفي هذه السنة ولي حلب الأمير شهاب الدين أحمد بن القشتمري. 
وفي سنة 762 وليها سيف الدين قطلوبغا الأحمدي. وفي سنة 763 وليها 
سيف الدين منكلي بغا الشمسي. وفي هذه السنة ولي قضاء المالكية بحلب 
أحمد بن عبد الظاهر الدميري عوضا عن القاضي شهاب الدين الرياحي » 
وبقي إلى أن توفي سنة 769 وفي سنة 764 وليها ثانية قطلوبغا الأحمدي 
المذكور فمات بها بعد ثلاثة أشهر. وفي سنة 765 وليها الآأمير سيف الدين 


ابطال وكلاء الدعاوي 

وفيها أمر السلطان الملك الأشرف بإبطال الوكلاء المتصرفين بأبواب 
مصر والشام لأنهم يتغلبون على الخصوم ويؤذونهم بما هومن كتب 
صناعتهم » ويقبلون على إبطال الحقوق بقواعد معلومة بينهم » ويلجئون 
موكليهم إلى الإنكار فقوبل المرسوم الشريف بالطاعة وبطل ما كانوا 
يعملون. وفي سنة 766 ولي حلب سيف الدين جرجى. وفي سنة 767 
توجه المذكور ومعه العساكر إلى جزيرة من ديار بكر لمنازلة صاحبها 
الأمير خليل بن قراجا دلغادر 2 التركماني » وهي من أخصب الجزائر 
وأحسنها » وفيها قلعة أحكمها صاحبها. فشرع جرجى في حصارها وتردد 
إليها مدة أربعة أشهر فلم يظفر منها بطائل. ثم إن صاحبها 


(1) كلمة «دلغار» محرفة عن ذي القدر وهي لقب طائفة من التركمان كانت في جهات 
الأناضول تحت حكم الدولة السلجوقية. وقد عرفت بالسخاء والشجاعة والبطولة في محاربة 
أعداء الدولة. وكانت مشاغب الأرمن قد كثرت فى أطراف المملكة السلجوقية وعجزت 
الدولة عن إخضاعها » ولا سيما في مرعش والبستان وما إليهما من تلك الجهات. فأقطعت 
الدولة قراجا بن ذي القدر الجهات المذكورة » فقهر فيها الأرمن واستفحل أمره حتى استولى 
على عدة بلاد هو وأعقابه من بعده وصاروا دولة مستقلة وكانت وفاته سنة 788 وكانت 
مملكة ذي القدرية : مرعش ‏ وهي عاصمتهم ‏ والبستان وملطية وعينتاب وعزاز وخرت 
بورت وبهسنى ودارنده وقيرشهر وقيسارية وحصن منصور وقلعة الروم وبلاد سيس وغير 
ذلك. وهم ينتسبون إلى كسرى أنوشروان ويقولون إن جدهم الأعلى كان يعرف بذي القدر. 
وقد استمر ملكهم هذه البلاد إلى سنة 928 وفيها كان انقراض دولتهم عن يد بني عثمان 
ودخولها في ممتلكاتهم. تلقيت هذه النبذة مشافهة من متصرف مرعش المرحوم عارفي باشا 
الذي كان قبل توليه المتصرفية رئيس كتاب في مجلس إدارة الولاية. (المؤلف). 


- 155 - 


نزل بالأمان من السلطان وتوجه إلى الديار المصرية فقوبل بالإحسان. 

وفي هذه السنة وهي سنة 767 توجه الأمير سيف الدين منكلي بغا ‏ 
وهو أتابك الجيوش بالديار المصرية ‏ وصحبته العساكر الحلبية إلى مدينة 
إياس حين بلغهم أن الإفرنج قصدوها في مائة قطعة من المراكب وأقبلوا 
عليها » فلما وصلوا وجدوهم قد برزوا إلى الساحل ودخلوا المدينة وانهزم 
أهلها ونهبوا الأمتعة والأقوات » فتقدمت العساكر لقتا لهم ومحوا أثر من 
هجم على المدينة. وتواتر قدوم العساكر الإسلامية من القلاع وهرب 
الإفرنج إلى جهة البحر فأدركوا وقتل منهم جماعة وأخذت خيلهم وسلاحهم 
وتألم كل الإفرنج بسبب ذلك. واستمرت العساكر في إياس إلى أن ينسوا من 
عود الإفرنج. ثم رجعوا سالمين غانمين. 

وفي سنة 768 ولي منكلي بغا نيابة حلب » وفيها تم بناء جامعه ونقش 
على بابه العبارة التي سبق ذكرها في الكلام عليه ؛ عند ذكر محلة ساحة 
بزة. وفي سنة 769 طمى نهر قويق وقلع الغراس وأخرب بيوتا كثيرة على 
شطه وأهلك عدة مواش ؛» ووصل إلى أماكن لم يصل إليها فيما مضى من 
الأزمان. وفي سنة 769 ولي حلب علاء الدين طنبغا الطويل الناصري 
ومات مسموما في آخر هذه السنة » دس إليه السمّ السلطان لما بلغه أنه 
يحاول السلطنة. 

وفي سنة 770 ولي حلب سيف الدين أسن بغا بن أبي بكر » ونقل إلى 
مصر بعد ستة أشهر. ووليها مكانه سيف الدين قشتمر المنصوري فقتل في 
أواخر هذه السنة بوقعة جرت بينه وبين العرب الكلابيين وغيرهم » حيث 
كثر فسادهم في البر وأخافوا السابلة ونهبوا عدة قبائل واستاقوا مواشيهم : 
فقصدهم قشتمر المذكور واشتبك الحرب بينهم وانجلى عن قتله وقتل ولده 
وتشقك شمل: العسكن 6و افر لك لغرب على ميو دهم وقطرن | ديد حدعا 
كثيرا ومن سلم عاد إلى حلب بأسو| حال. وفي سنة 771 ولي حلب سيف 
الدين أشقتمر المارديني. 

وفي سنة 772 في جمادى الأولى ظهر في السماء نور ساطع في لون 
الشفق الأحمر وضحت به مفارق الطرق واستمر من أول الليل إلى قرب 
الثلث الأخير. وفي سنة 773 ولي حلب عز الدين أيدمر الدوادار الناصري 
» وفيها رسم الملك الأشرف شعبان أن كل 


- 156 - 


شريف من أشراف الديار المصرية والشامية يسم عمامته بسمة خضراء » 

توقيرا لهم ورعاية لحرمتهم وحفظا لنسبهم » فقال في ذلك الشيخ أبو عبد 

الله المغربي » محمد بن جابر الهواري الأندلسي نزيل حلب : 

جعلوا لأبناء الرسول علامة إن العلامة شأن من لهم يشهر 

نور النبوة في كريم وجوههم يغني الشريف عن الطراز الأخضر 
وقال ابن حبيب : 

ألااقل لمن يبغي ظهور سيادة تملكها الزّهر الكرام بنو الزّهرا 

لئن نصبوا للفخر أعلام خضرة فكم رفعوا للمجد ألوية حمرا 
وقال محمد بن إبراهيم الدمشقي : 

أطراف تيجان أتت من سندس خضر كأعلام على الأشراف 

والأشرف السلطان خصّهم بها شرفالتعرفهم من الأطراف 
وفي سنة 774 ولي حلب سيف الدين أشقتمر ثانية. وفيها وقع بالشام 

وبلاده طاعون بلغت فيه عذة الموتى في اليوم نحو مائتي نفس. وفي سنة 

5 ولي حلب سيف الدين بيدمر الخوارزمي » وبعد اربعة أشهر وليها 

مكانه سيفة:الدين أشقتمز ثالثة. 


غزو سيس 

وفي سنة 776 وردت المراسيم الشريفة السلطانية من قبل الملك 
الأشرف شعبان إلى نائب حلب أشقتمر بأن يغزو سيس ويستخلصها من يد 
الأرمن. فتوجه النائب صحبة العساكر الحلبية حتى وصلوا إليها ونازلوها 
واجتهدوا في حصارها » حتى طلب أهلها الأمان ودخلها المسلمون ورتبوا 
فيها نائب السلطان ٠‏ وكان فتحا عظيما طال عهد المسلمين بمثله. ثم رجع 
النائب المشار إليه إلى حلب ومعه تكفور صاحب سيس وجماعة من أمرائه 
وأجناده » فجهزهم إلى القاهرة حسب المرسوم السلطاني. وقد عظم هذا 
النائب بهذا الفتح وامتدحته الشعراء بما يطول شرحه. 

وفي سنة 777 استمر الغلاء بالشام مبتدئا من سنة 776 ففتك بأهل 
حلب وأهلك 


- 157 - 


كثيرا من الضعفاء. وقد بيع مكوك القمح () بثلاثمائة درهم » ورطل الخبز 
بدرهمين. فانكشف الستر وانهتك الحجاب وأقدم الناس على أكل الميتة 
والقطط والكلاب » وغلت جميع الأقوات والمطعومات » ووصلت إلى سعر 
لم يسمع بمثله. ولم يبرح الحال على ما ذكر حتى فرّج الله عن المخلوقات 
أواخرها. 


قصد تمرباي سيس لردع التركمان : 

وفيها توجه تمرباي المذكور صحبة العساكر الحلبية إلى جهة بلاد 
سيس لردع طائفة من التركمان عاثوا في تلك البلاد وأظهروا فيها الفساد. 
فلما وصل تمرباي إلى قرب مدينة إياس سمع به التركمان ففزعوا منه 
وهابوه وراسلوه بالأمان » وعاهدوه بالتوبة عن جميع أفعالهم الشنيعة 
وأرسلوا إليه جملة من أعيانهم وأمرائهم لعقد العهد » فلم يقبل منهم بل أمر 
باعتقالهم وركب إلى بيوتهم فسبى نساءهم وأخذ أموالهم وأخرب ديارهم. 
وعند ذلك تأثر التركمان واستوحشوا ء وأعملوا الحيلة والخديعة وكمنوا 
للعسكر بمضيق هناك يقال له باب الملك على شاطىء البحر » وأوقعوا بهم 
وكسروهم كسرة شنيعة أتت على أكثرهم وأخذوا جميع ما معهم بعد أن 
فرقوهم شذر مذر. وكان ما اخذه التركمان من الحلبيين في هذه الوقعة 
ثلاثين ألف جمل بأحمالها » وثلاثة عشر ألفا من الخيل المسرجة وغير 
ان 

: ولاية سيف الدين تمرباي المذكور على حلب ووقوع غزوته 

75 أخذتهما من درّة الأسلاك في دولة الأتراك لابن حبيب الحلبي » 
ذكرهما في حوادث سنة 781 وذكرهما ابن الخطيب في حوادث 780 
فليحرّر. 

وفي أواخر سنة 781 ولي حلب سيف الدين منكلي بغا الأحمدي 
البلدي. وفي سنة 782 توفي منكلي بغا المذكور ودفن بتربة له صغيرة 
خارج باب المقام. وبعد سنين قليلة نبش ونقل إلى دمشق. وفي سنة 783 
ولي حلب سيف الدين إينال اليوسفي. 


(1) المكوك : مكيال قديم. وكان يعادل في حلب عصرئذ حوالي 82 كيلو غراما. 


-158- 


ردع خليل بن دلغادر : 

وفيها توجه إينال اليوسفي المذكور بمن معه من النواب والعساكر إلى 
جهة خليل بن دلغادر وإخوته ومن معهم من التراكمين الذين تجاهروا 
بالعصيان ببلاد مرعش وما والاها » فوصلوا إليهم واجلوهم عن ديارهم 
ونهبوا أموالهم وهزموهم وركبوا آثارهم إلى حدود الممالك العثمانية وأمّنوا 
السابلة من شرّهم. كل ذلك وبنو الغادر يكاتبون إينال وجماعته ويطلبون 
منهم الدخول في الطاعة » وإينال لا يلتفت إليهم » حتى ورد له المرسوم 
السلطاني بالعود إلى وطنه مع جماعته. وفي هذه السنة أيضا ولي حلب 
سيف الدين يلبغا الناصري عوضا عن إينال اليوسفي. 


عزل القضاة الأربع : 

وفي سنة 785 رفع كتاب من عامل حلب إلى القاهرة أن القضاة 
الأربعة في حلب تخاصموا وتشاتموا » وأرسل الأربعة كتبا تتضمن سب 
كل واحد منهم للآخر. فقال الملك الظاهر : لا تحل تولية الفسّاق. وعزلهم. 


الحرب مع ابن رمضان : 

وفي هذه السنة تجاهر بالعصيان أحمد بن رمضان 2 التركماني أمير 
التركمان بأذنة وإياس وسيس. فتوجه إلى جهته يلبغا الناصري نائب حلب 
ومعه العساكر الحلبية وفرقة من العساكر الشامية » ومقدمهم إينال اليوسفي 
وعسكر طرابلس ونائبها ونائب حماة بعسكرها » ونواب القلعة ومقدمهم 
على الجميع يلبغا الناصري. ولما وصلت هذه الجموع إلى بلاد ابن رمضان 


اجتمعت برجل تركماني في حلب يقول إنه بقية من الطائفة الرمضانية حضر إلى حلب 
وقصد مقابلتي للاستعلام عن المدرسة الرمضانية التي أسلفت ذكرها في الكلام على محلة 
قسطل الحرامي من الجزء الثاني فزعم أن الطائفة الرمضانية من 'سلالة التركمان الأمزاء 
الذين قدموا مع سليمان شاه من بلاد خوارزم وأنهم لما غرق سليمان شاه في الفرات أمام قلعة 
جعبر فارقوا ولده الأمير أرطغرل وأوطنوا في نواحي العمق وكانت لهم فيها الرئاسة » في 
حدود سنة 622 وأن أول من استفحل أمره من هذه الطائفة في حدود سنة 778 أحمد بن 
رمضان ء فملك من البلاد أذنة وسيس وإياس وتوابعها. ثم انتقلت الإمارة بعده إلى أعقابه 
وأنسبائه إلى أن كانت سنة 790 فانضوت دولته تحت راية بني عثمان. قلت :هذه الدولة تكلم 
عليها القرماني في تاريخه فلتراجع. (المؤلف). 


- 159 - 


أنزل الثقل يلبغا الناصري بباب إسكندرون وأبقى عنده الأمير جلبان 
الحاجب بحلب والأمير شجاع الدين خالد بن كليكلدي نقيب النقباء بحلب , 
وركب من ساعته بالعساكر جريدة 7) وقت العشاء فأصبح ثاني يوم قبل 
الظهر بالمصيصة فحشد التركمان واجتمعوا وتقاتلوا على الجسر فانكسر 
التركمان وتملك العسكر الجسر وأقام به إلى حين أن حضرت الأثقال 
وحضر مملوك نائب سيس وأخبر بأن سيده الكبير طشبغا أمسك إبراهيم بن 

فركب يلبغا الناصري مع عساكره جريدة إلى أذنة ليقرر أمرها ء 
فاجتمع التركمان وحشدوا واستوحشوا لجماعتهم والتقوا مع الناصري في 
مكان وعر وتقاتلوا فانكسر العسكر وقلعت عين الناصري ووقع عن فرسه 
فعرفه شخص من التركمان فأخذه وأواه واحسن إليه. فركبت العساكر الذين 
كانوا مع الأثقال ومن بقي منهم واجتازوا الجسر وباتوا بالقرب من إياس 
وأصبحوا عليها. ثم بعد يومين أخبروا أن الناصري حي قادم عليهم . 
فركبت العساكر وتلقوه وبه جراحات ولم يفقد من العساكر إلا القليل. وفي 
ساعة حضوره نادى بالركوب فركب العسكر وطردوا التركمان وقتلوا 
منهم جماعة. ثم انثنى نحو الباب الأسود وباتوا به حتى مضى الليل وحشد 
التركمان وجمعوا وجاؤوا من نحو الجبل عن يسار العسكر والرجّالة من 
وراء العسكر » وصار اللجى من غربيّهم » فاشتبك بينهم القتال وكرٌ 
الناصري بمن معه من العساكر على التركمان كرّة هائلة كسرهم بها وقتل 
منهم ما ينوف عن سبعمائة رجل. 

ثم ركب الناصري وعساكره إلى بياس ونزلوا شط البحر واستمر 
القتال بينهم وبين التركمان أب ليلا ونهارا. ل 
نودون صاحب الحجاب ودائب كيكه + فانكيين التركمان كرة قبيعة 
وعولوا على الفرار » ورجع الناصري بمن معه إلى حلب. وفي سنة 787 
أمسك الناصري وحبس بالإسكندرية » واستقر عوضه بحلب سودون 
المظفري وأساء السيرة في أهل حلب. وفي سنة 788 عصى أحمد 
المكروف كنتطا ان يحلكد وانعى مع وقد امور لحك افاستطبيعفت: السطان 
سودون فعزله وأعاد الناصري إلى حلب. وفي سنة 789 توجه الناصري 
بعساكره إلى سيواس لإخضاع منطاش وصاحب 


(1) الجريدة : الطائفة من الخيل لا رجّالة فيها. 


- 160 - 


سيواس ومن معهما من التتر » فكسر الناصري أولا ثم ثبت هو ونحو ألف 
جندي معه » وكسروا منطاش ومن معه وكانوا نحو عشرين ألفا. وفيها 
حدث في حلب وأنطاكية زلزلة عظيمة هلك تحت الردم في أنطاكية خلق 
عصيان الناصري على السلطان 

وفي أوائل سنة 791 عصى يلبغا الناصري وخرج عن طاعة 
السلطان فأرسل السلطان عسكرا لمحاربته » والتفى الجمعان بظاهر دمشق 
فانهزمت العساكر السلطانية وتبعهم يلبغا بمن معه إلى مصر وانحاز إليه 
أكثر الأمراء واختفى السلطان وطلب الأمان من يلبغا فأمنه » ثم قبض عليه 
وأرسله إلى الكرك مقيّدا وأعاد السلطان صالح حاجي كمشبغا الحموي 
الأمير سيف الدين. 

قتال بين أهل بانقوسا وكمشبغا 

03 وفي شوالها ظهر أحمد بن عمر بن محمد أبي الرضا شهاب الدين ‏ 
أحد قضاة حلب السابقين في زمن الملك برقوق » وكان مستخفيا بحلب 
فاتفق مع أهل بانقوسا وبعض الأمراء وركبوا على كمشبغا الحموي نائب 
حلب » فقاتلهم ثلاثة أيام في البياضة وانتصر عليهم وأمسك القاضي وأخذ 
ماله وسيره معه إلى دمشق ومات في الطريق » كما سنحكيه في ترجمة 
القاضي المذكور. وسنة 792 أطلق الأمير كمشبغا نائب حلب الأمير 
طرنطاي الذي كان نائبا بدمشق » وبكلمس - أحد الأمراء المصريين ‏ وكانا 
محبوسين بالقلعة من قبل يلبغا الناصري » وبعد أن أطلقهما اتفق على قتال 
البنقوسيين لأنهم كرهوا فعله هذا ولم يحبوا توليته على حلب لظلم سابق 
منه. فاستمر القتال بينه وبين البنقوسيين بالبياضة ثلاثة أيام ثم جد في قتالهم 
وقثل منهم جماعة » وبعدها استماتوا في قتاله وحاصروه في القلعة فلم 
يتمكنوا منه وبقي الحصار أربعة أشهر إلا يومين. ثم تصالحوا أياما قلائل. 
وجِدٌ القتال بينهم وظفر بهم وقتل من أعيانهم وجندهم جمعا كثيرا ونهب 
بانقوسا كما نهبها قبلا في غير هذه المرة. 

وفيها نزل على حلب منطاش بمن معه من العساكر والعربان في نحو 
عشرين ألف مقاتل » فجِدّوا بالحصار وقطعوا القناة بحلب واجتهدوا في 
قتال الحلبيين قريبا من عشرين يوما فلم ينجح سعيهم » وذلك لأن الأمير 
كمشبغا كان بنى بعض أسوار القلعة وأصلحها وعمل 


-161- 


لها أبوابا ورمم أسوار حلب وأحكمها وكانت خرابا من زمن مجيء هولاكو 
بن جنكز خان. 00 

قلت : منطاش المذكور أحد الأمراء الذين وافقوا يلبغا الناصري على 
خلع الملك الظاهر برقوق وإعادة الملك الصالح حاجي ء ثم لما تغيرت نية 
الناصري على الملك الصالح ورجع الملك إلى الظاهر برقوق - كما تقدم ‏ 
أظهر منطاش مخالفة الناصري لكونه صار من حزب برقوق »؛ وسار إلى 
البلاد بالخراب والفساد وقصد دمشق وحمص وحماة وحذب وغير ذلك., 
وفي هذه السنة ولي نيابة حلب من قبل الظاهر برقوق الأمير سيف الدين 
قراد مرداش الأحمدي. وفي شوال سنة 793 وصل الظاهر برقوق إلى 
حلب بعد أن مر على دمشق وغيرها. وفي العشر الأخير من ذي القعدة من 
هذه السنة بلغ السلطان عن يلبغا الناصري أمور رديئة » أوجبت اعتقاله هو 
وجماعة من أصحابه ومماليكه فقتلهم في قلعة حلب. وفي مستهل ذي الحجة 
مخ :هذه البكفة و نئ: التملطان ننابة هلي سعيفت الذين تكلكان زدأسن كوية 
الظاهري » وخرج من حلب عائدا إلى الديار المصرية ونزل على العين 
المباركة بظاهر حلب ثم سار منها إلى جهة منحاه. 


القبض على منطاش وقتله : 

وفي سنة 794 قبض الأمير محمد نعير بن مهنا أمير العرب على 
منطاش وكان السلطان وعده بنيابة إن قبض عليه » فأاحضر منطاش إلى 
حلب وحبس بقلعتها ثم قتل بها بعد أن عذب وأرسل رأسه إلى مصر 


وباء عظيم : 
٠.‏ أئة ذ 3 

ثم تناقص في آخر السنة ومات فيه كثير من الأعيان والعلماء » وكان 
غالبا في الصغار. 

قدوم السلطان إلى حلب لحرب تيمورلنك : 

وفي سنة 796 بلغ السلطان الملك الظاهر برقوق أن تيمور تحرك 
نحو بلاده ووصل إلى الرها. فتوجه السلطان من مصر إلى جهة البلاد 


الشامية ووصل إلى حلب وأقام بها أربعين يوما ومهد أمور الملك ورجع 
إلى مقر سلطنته بمصر وصحب معه الآمير جلبان نائب 


- 162 - 


حلب وولى مكانه الأمير سيف الدين تغري بردي صاحب جامع الموازيني 
الذي تكلمنا عليه في محلة ساحتبزٌة ة فئ الجزء الثاني. وفي سنة 799 ولي 
ونه نكت رعق شا » لكل اين صرز وك اولترع البح بحي للحا مده قليلة 
الهذباني ثم خرج على السلطان. وف سة 801 ولي السلطان'الملك الناضير 
أبو السعادة فرج نيابة حلب الأمير دمرداش المحمدي الخاصكي. 


أول تحرش العثمانيين بالمملكة المصرية : 

في هذه السنة 801 استولى السلطان بايزيد يلدم خان على ملطية ٠‏ 
ولفشيت طلائع جيوشه إلى الدسستان لازرحفه على حلسم فاهتمك حكومة 
مصر بهذا الأمر وأعدت جيشا لكفاح السلطان با يزيد وقررت أن يؤخذ من 
الأملاك أجرة شهر تنفق على الجيش. ثم رجع السلطان إلى بلاده دون أن 
يحصل منه ضرر » فعدلت الحكومة المصرية عن إرسال جيشها. 


اقتراب شرور تيمورلنك من حلب : 

وفي سنة 802 قصدت طلائع جيش تمرلنك بغداد » فكسرهم سلطانها 
السلطان أحمد قان فصحبوا معهم قره يوسف بن محمد التركماني » صاحب 
ديار بكر وماردين وما والاهما ء وقدموا حلب بمن معهم من العساكر 
ونزلوا على نهر الساجور . فخرج إليهم الأمير دمرداش نائب حلب 
واستنجد بالأمير دقماق نائب حماة » وتوجّها بعسكرهما إلى الساجور فالتقى 
الفريقان هناك و اقتكاذ قتالا شديذا :اتحلى عن كن دمر ذاش + وأستن دقياق 
ونهب جميع ميرة () العسكر وخيوله وأثاثه وقماشه » وجفلت البلاد الحلبية 
»؛ ورجع دمرداش في نحو عشرة أشخاص. ثم افتدى دقماق نفسه ولحق 
بمكانه 


إجمال في تمرلنك 
هو تيمور بن طرغاي بن جغتاي. ونسبه بعضهم إلى جنكز خان من 
جهة النساء » وكان طويل القامة عريض الأطراف أبيض مشريا بحمرة 
جرع اليفناوين * جبارا علدا قهو 


(1) الميرة : المؤنة والأقوات المدّخرة. 


-163- 


الملوك والجبابرة » وهو من غلاة الشيعة وكان في ابتداء أمره يقطع السبيل 
هو ورفقاء له فظفر بهم حاكم هراة 7» السلطان غياث الدين » فضرب 
تيمور وأمر بصلبه » فشفع به ولده وأخذه ووكل به من داوى جراحه حدى 
برىء وقربه إليه وزوّجه شقيقته. ثم إن تيمور غاضبها في بعض الأيام 
المغل و قعد متخدومه البلك بيات الدين ليشكل قت طلا عككة فكلفو 1 و تكن 
في الحبس جوعا لأنه حلف له ألا يريق له دما. ثم عاد إلى خراسان ووضع 
السيف في أهل سجستان فأفناهم عن بكرة أبيهم » وخرب المدينة واستخلص 
جميع ممالك العجم » واستولى على بغداد وقتل أهلها وبنى من رؤوسهم 
مآذن » ولم يترك كبيرا ولا صغيرا ولا ذكرا ولا أنثى إلا قتله. ثم خرب 
المدينة بعد أن نهبها ثم مشى منها إلى الجزيرة وديار بكر وإلى الفرات. 

واستعد الظاهر برقوق لمدافعته ونزل تيمور بالرها وأخذها ونهبها. 
وبلغه أن طقتمش خان سلطان دشت قفجق في جهات القريم قد وصل في 
جموع المغل إلى الآأبواب فأحجم تيمورلنك وتأخر إلى قلاع الأكراد 
وأطراف بلاد الروم وأناخ على قره باغ ما بين أذربيجان والأبواب » ثم 
قوي على طقتمش وأخذ بلاده وانضمت جموع التتر إليه. ثم مشى على 
الهند واستولى عليها » وبلغه خبر وفاة الملك الظاهر برقوق ووفاة أحمد 
حاك سيواس > فاسطان في الهند و قصيه ياذة. الإننلام فاق بعداه وقتهها 
ثانيا وقصد سيواس وفتحها عنوة وحلف لأهلها أنه لا يريق لهم دما » فغدر 
بهم وألقى منهم في الحفر نحو ثلاثة آلاف إنسان. 

ثم نهب البلد وخربها ومشى إلى بهسنى فحاصر قلعتها مدة طويلة 
وفتحها صلحا مع ما هو عليه من العتوٌ والعناد. ولذلك سببان أحدهما متانة 
القلخة ويحشنابفها ر ذالعهما أن نانب قلع لماشو :الكت كاذك تقر كن نولم 
الروم وهو الناصري محمد بن موسى بن شهري - كان يخرج للغارات 
على معسكر تيمور عندما كان مقيما على حصار قلعة بهنسى. وكان 
الناصري المذكور ذا قوة وشجاعة ورأي وتدبير » فلم يسع تيمور إلا 
الانكل فرعن قلحة بسني إلى قلعة الستلميق فكاتت انيه الناصواي 
المذكور بقوله : إني أتيوت من أقصى بلاد سمرقند ولم يقف أحد أمامي 
وسائر ملوك الأرض حضروا إليّ » وأنت سلّطت على جموعي من يشوّش 


عليهم ويقتل من ظفر بهم » والآن قد مشينا عليك 


(1) هراة : بلدة عظيمة مشهورة في بلاد خراسان. 


- 164- 


بعساكرنا فإن أشفقت على نفسك ورعيّتك فاحضر إليذا لترى من الرحمة 
والشفقة ما لا مزيد عليه وإلا نزلنا عليك وخربنا بلدك » وقد قال تعالى (إنَّ 
الْمُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَة أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِرَةَ أهلِها أَذِلَّةَ وَكَذْلِكَ يَفْعلُونَ) 
فاستعد لما يحيط بك إن أبيت الحضور. 

فلم يلتفت الناصري إلى كلامه وحبس رسوله. فمشى إليه تيمور وبرز 
له الناصري في أوائل عسكره وقاتله قتالا شديدا رأى فيه تيمور من 
الناصري شدة حزم » فرجع عن محاربته وأخذ في مخادعته فطلب منه 
الصلح وأن يرسل له مالا وخيلا فلم ينخدع وتنازل معه إلى أن طلب منه 
جانبا فلم يعطه ؛» وعاد عنه تيمور خاتبا وعساكر الناصري في أواخر 
كل ذلك وباب قلعة الناصري لم يغلق يوما واحدا وفيه يقال : 
هذا الأمير الذي ص حت مناقبه ليث الوغى عمّت الدنيا مفاخره 
ولى تمرلنك مكسورا أوائلنه منهفاراومذعورا أواخره 

كان الناصري من السلالة العمرية ذا مروءة وصدق ودين وعلم. ثم 
إن تيمور استولى على حلب ودمشق » وما بينهما على الوجه الذي نبسطه .2 
ثم رجع إلى ممالك الروم فكاتب سلطانها السلطان با يزيد خان الغازي فلم 
يلتفت إلى كتابه وتوجه لقتاله وجمع العساكر على ميل من مدينة أنقرة » 
ونشبت الحرب بينهم وكانت وقعة عظيمة انكشفت عن أسر السلطان يلدرم 
با يزيد خان ولما أيقن بالهلاك قال لتيمور : أوصيك ألا تدرك التتر بهذه 
البلاد فإنهم يفسدونها وألا تقتتل رجال الأروام فإنهم ردء الإسلام » وألا 
تخرب قلاع المسلمين » ولا تجلهم عن مواطنهم. 

قال هذا وهو مكبل بقفص من حديد قد فغر الموت له فاه لابتلاع حياته 
بعد سويعات » فلم يذهله هذا الموقف الرهيب عن المحاماة عن رعيته » ولم 
تضطره الأثرة بروحه إلى التوسل بالدفاع عنها دون الدفاع عن رعاياه. 

وقد قبل منه تيمور تلك الوصايا. وبعد سويعات توفي السلطان با يزيد 
في قفصه ورجع تيمور إلى بلاده فمرض في مدينة أنزار وجعل يشرب من 
عرق الخمر إلى أن تفتت كبده ومات في ليلة الآربعاء سابع عشر شعبان 
سنة 807 وحملوا عظامه إلى سمرقند وعمره فوق 


- 165 - 


الثمانين » وخلّف ولدين أمير شاه وشاه رخ » ولم يكونا معه. فجلذس على 
سرير الملك حفيده خليل بن أمير شاه » وكان أبوه واليا على ممالك تبريز 
فقتل قزيه ووضيق يكاكم اذزييهان والماافات خليل المذكون قولى الملنك عمنه 
الشاه رخ. ثم سطا على ملكهم الفاتحون وتلاشت دولتهم سوى بعض أعقاب 
لتيمور كانوا سلاطين في جهات من الهند. 

والناس في أمر تيمور مختلفون : فمنهم من يعذه كافرا باغيا لإفراطه 
بإراقة دماء المسلمين » وتسلّط جيوشه على نهب الأموال والأرواح وهتك 
الأعراض. ومنهم [من] يقول بإسلامه ويعدّه عاصيا ويكل أمره إلى الله 
تعالى. ومنهم من يزعم أنه مصاح كبير لم يقصد من غاراته على بلاد 
المسلمين غير ردع ملوك الإسلام وجهادهم كي يكفوا عن مظالمهم التي 
كانوا يعاملون بها رعاياهم » ويرعووا عن قتل بعضهم البعض » حتى إنني 
سمعت من بعض علماء الاتراك القاطنين في بخارى - وقد جمعتني وإياهم 
باخرة كنت ركبتها في سفري إلى جهات غزة ‏ أن عددا كبيرا من علماء 
تركستان وخواصهم يعدون إيقاع تيمور بالبلاد الإسلامية جهادا مقدساء 
ويعتقدون فيه الولاية والكرامة ويترضون عنه كما يترضون على أولياء الله 
وأصفيائه » وأن ما كان يصدر من جيوشه وعساكره من قتلهم البريئين 
وهتك أعراض المخذرات لم يكن عن علم منه ولا رضاء به. 

وقد وضع العلماء والمؤرخون كتبا قيمة وأخبارا طوالا في سيرة 
تيمور وترجمته » أكثرها مطبوع متداول » وأعمّها كتاب «عجائب المقدور 
في أخبار تيمور» لابن عربشاه. وقد اقتصرنا على ذكر هذه النبذة في الكلام 


مجيء تيمور إلى حلب 


وما أحله فيها من الويل والصخب 
هذه الحادثة من أعظم الحوادث التي دهت حلب قديما وحديثا 
والصناعات ما لا تحصيه الأقلام ولا يعلم عدده إلا العليم العلام » وذلك أن 
تيمور بعد أن أقلع عن قلعة الروم ‏ كما حكيناه ‏ تقذم إلى عينتاب فأجفل 
أهل القرى بين يديه وجفل أهل البلاد الحلبية. ثم اجتاز بمرج دابق » وفي 
يوم الخميس تاسع ربيع الأول سنة 803 نازل حلب » وكان نائبها المقرّ 
السيفي دمرداش الخاصكي 


- 166 - 


وقد حضرت إليه عساكر الملكة الشامية كعسكر دمشق مع نائبها سودون » 
وعسكر طرابلس مع نائبها المقرٌ السيفي شيخ الخاصكي . وعسكر حماة مع 
نائبها دقماق » وعسكر صفد وغرّة فاختلفت آراؤهم فمن قائل : ادخلوا 
المدينة وقاتلوا من الأسوار » وقائل : اخرجوا إلى ظاهر البلد تلقاء العدو 
بالخيام. 

فلما رأى نائب حلب اختلافهم أذن للناس في إخلائها والتوجه حيث 
شاؤوا » وكان نعم الرأي لو فعلوا » فلم يوافقوا على ذلك وضربوا خيامهم 
في ظاهر البلد تلقاء العدو » وحضر قاصد تيمورلنك فقتله نائب دمشق قبل 
أن يسمع كلامه » وبئسما فعل. ثم إن النواب ومعهم بعض العساكر والعامة 
خرجوا إلى جهة بابلّي تحت مشهد الشيخ فارس » وسمع بعضهم دمرداش 
وهو يقول للتتر : إنا إذا حملتم أنكسر ء أو كلاما مثل هذا. ولما وقف 
0 ا ا لم ل ل عه 
والجمعة 

ولما كان يوم السبت حادي عشر الشهر المذكور ركب تيمور وجمع 
وحشد ء والفيلة تقاد بين يديه وهي ثمانية وثلاثون فيلا وزحف على حلب 
أيدي التتر وجعلوا يلقون انفسهم من الآسوار والخنادق » والتتر في اثرهم 
يقتلون ويأسرون وقد أحالت العساكر بالحوافر أجساد العامة » وجرى من 
دخول المنهزمين بالأبواب من فساد الأجساد وذهاب المهج ما أذهب 
العقول. 

وأما سودون نائب دمشق فإنه قاتل على باب النيرب قتالا عظيما 
دخل حلب., ودخلها جيش تيمور ينهبون الأموال ويحرقون المباني 
ويخربونها ويقتلون الكبار والصغار ويفتضّون الأبكار » ويأخذون المرأة 
ومعها ولدها الصغير على يدها فيلقونه من يدها ويفسقون بها. فلجأ النساء 
عند ذلك إلى الجامع الكبير ظنا منهنّ أن هذا يقيهنْ من أيدي الكفرة » 
وصارت المرأة تطلي وجهها بطين أو بشيء يشوّه محاسنها , فيأتي ذلك 
العلج إليها ويغسل وجهها ويتناولها ويتمسح بالاوراق الشريفة. ودام هذا 
الحال من يوم السبت إلى يوم الثلاثاء. ومع ذلك فإن طائفة من عساكر التتر 
لم يزالوا يشتغلون بنقب القلعة وبها جميع النواب وخواص الناس وأكثر 
أموالهم ونفائس أمتعتهم. 


- 167 - 


وفي يوم الثلاثاء المذكور ‏ وهو رابع عشر ربيع الأول أخذ تيمور 
القلعة بالآمان » ونزل إليه دمرداش ٠‏ وخلع تيمور عليه وصعدها في اليوم 
وك مود اام و حم ثم جلس في 
موس | الحتارى ننه مكب لكين ب الج ول الل ل 
العديم » وعلاء الدين أبي الحسن © علي بن خطيب الناصرية وغيرهم 
لأميرهم وهو المولى عبد الجبار ابن العلامة نعمان الدين الحنفي » وكان 
والده من العلماء المشهورين بسمرقند : قل لهم إني سائلهم عن مسألة سألت 
عنها علماء سمرقند وبخارى وغيرهما من البلاد التي فتحتها » فلم يفصحوا 
عن جوابها فلا تكونوا مثلهم » ولا يجاوبني إلا أعلمكم وأفضلكم » وليعرف 
ما يتكلم فإني خالطت العلماء ولي بهم اختصاص وألفة » ولي في العلم 
طلب قديم. 

قال ابن الشحنة : وكان بلغنا عنه أنه يعنت العلماء فى الأسئلة ويجعل 
ذلك سببا لقتلهم أو تعذيبهم » فقال القاضي شرف الدين عن ابن الشحنة : هذا 
شيخنا ومدرّس هذه البلاد وفقيهنا اسألوه والله المستعان. فقال عبد الجبار 
لابن الشحنة : سلظاننا يقول إنه بالأمس قتل منّا ومنكم فمن الشهيد : قتيلنا أم 
قتيلكم؟ فوجم الجميع وقالوا في أنفسهم : هذا الذي بلغنا عنه من التعنت. 
فسكت القوم. قال ابن الشحنة : وفتح الله عليّ بجواب سريع بديع وقلت : 
هذا سؤال سئل عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأجاب عنه» وأنا 
مجيب بما أجاب به رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم. 

قال ابن الشحنة : قال لي صاحبي القاضي شرف الدين بعد انقضاء 
الحادثة : والله العظيم » لما قلت “.هذا سؤال ستل عنه رسؤل اللهضك الله 
1 عليه وسلّم وأجاب عنه » وإنك لمحدّث زماننا وعالمنا » قد اختل عقله. وهو 
معذور ؛ فإن هذا سؤال لا يمكن الجواب عنه في مثل هذا المقام. ووقع في 
شن د الجا مال ذلك #«والدى ايسور متفه رصيو لحي ١‏ رقان بي . 
وكيفه أحاب؟ قلت وإجاء أعر ان إلى :رول الله رصلى اللارطية وسام ففال : 
يا رسول الله إن الرجل يقاتل حميّة ويقاتل شجاعة ويقاتل ليعرف مكانه ؛ 
فأيّنا في سبيل الله؟ فقال عليه السلام : من قاتل لتكون كلمة الله هي 


(1) أي أدناه من الأرض. 


-168- 


العليا فهو فى سبيل الله » ومن قاتل منّا لإعلاء كلمة الله فهو الشهيد. فقال 
ين وقال عبد الجبار : ما أحسن ما قلت. وانفتح باب المؤانسة » 
وقال تيمور : إني رجل نصف آدمي وقد أخذت بلاد كذا وكذا وعدد سائر 
ممالك العجم والعراق والهند وسائر بلاد التتر. فقلت : اجعل شكر هذه 
النعمة عفوك عن هذه الأمة ولا تقتل أحدا. فقال : إني والله لم أقتل أحدا 
قصدا وإنما أنتم قتلتم أنفسكم في الأبواب ٠‏ وو الله لا أقتل منكم أحدا وأنتم 
آمنون على أنفسكم وأموالكم. 

وتكررت الأسئلة منه والأجوبة منّا ء وطمع كل أحد من الفقهاء 
الحاضرين » وجعل يبادر إلى الجواب ويظن أنه في المدرسة » والقاضي 
شرف الذين ينهاهم ويقول : اسكتوا ليجاوب هذا الرجل فإنه يعرف ما 
يقول. يريد بالرجل ابن الشحنة. وآخر سؤال سأل عنه : ما تقولون في عليّ 
وتتعارية يريد ؟ قابدة شواف الذي الىداين التسحدة . زكنان :إلى حاقةه أن 
أعرف كيف تجاوبه فإنه شيعي. فلم يفرغ ابن الشحنة من سماع كلام تيمور 
إلا وقد قال القاضى علم الدين بن القفصي الصيفي المالكي كلاما معناه أن 
علدا احكين و نات وله لكو ان ٠‏ وها -ة احنيد ”1 كفلا ولنة كدر وز سن 
فتغيظ تيمور لذلك, ثم أجاب القاضي أبو البركات موسى الأنصاري 
الشافعي بأن معاوية لا يجوز لعنه لأنه صحابي. فقال تمرلنك : 1 
الصحابي؟ فأجابه : إِنّه » كل من رأى النبي صلَّى الله عليه وسلّم فقال 
تمرلنك : فاليهود والنصارى رأوه. فأجابه : بشرط أن يكون [الرّائي ©] 
مسلما. وأجاب شرف الدين أيضا بأني رأيت حاشية على بعض الكتب أنه 
يجوز لعن يزيد فقط. فتغيظ لذلك ووعدهم بالقتل وقال : علي على الحق 
ومعاوية ظالم ويزيد فاسق وأنتم حلبيون تبع لأهل دمشق » وهم يزيديون 
قتلوا الحسين. 

فأخذ ابن الشحنة في ملاطفته بالاعتذار عن المالكي بأنه أجاب بشيء 
وجده في الكتاب لا يعرف معناه. قال في كنوز الذهب : فلم يقبل وقال : 
أريد منكم مالا وأنتم أعلم ببعضكم بعضا. فأخذوا الورقة وكتبوا فيها أسماء 
من عليهم المال » وقدر ما على كل واحد. وقصد بذلك أن يعلم درجتهم في 
المال. ثم أخذ بعد ذلك في مصادرة الناس وعقوبتهم. ثم إن 


(1) في الأصل : «إن» والتصويب من البدر الطالع 1 / 176. 
(2) زيادة من البدر الطالع » ويقضيها السياق. 


- 169 - 


يمون كان حلفم في ذلك المخلين ركان :زان الشتذنة دو لكل عيه الكبار يدان 
مني ومن شرف الدين » فقال عن ابن الشحنة : هذا عالم مليح » وعن شرف 
الدين : هذا رجل فصيح. قال ابن الشحنة : فسألني تيمور لنك عن عمري 
فقلت : مولدي سنة تسع وأربعين وسبعمائة وقد بلغت الآن أربعا وخمسين. 
وقال للقاضي شرف الدين : كم عمرك؟ قال : أنا أكبر منه بسنة. فقال تيمور 
لنلك : أنتم في عمر أولادي » أنا عمري اليوم بلغ خمسا وسبعين سنة. 

وحضرت صلاةة المغرب وأقيمت الصلاة وأمافنا حد الحيان وصيل. 
تيمور لنك إلى جانبي قائما يركع ويسجد ثم تفرقنا. وفي اليوم الثاني غدر 
بكل من في القلعة وأخذ جميع ما كان فيها من الأموال والأقمشة والأمتعة 
مما لا يحصى. قال ابن الشحنة : أخبرني بعض كتابه أنه لم يكن أخذ من 
مدينة قط مثل ما أخذ من هذه القلعة ولا ما يقاربه » وعوقب غالب المسلمين 
بأنواع العقوبات وحبسوا بالقلعة ما بين مقيّد ومزنجر ومسجون ومرسم 
عليه. ونزل تيمور لنك من القلعة بدار النيابة وصنع وليمة على زي المغل 
ووقف سائر الملوك والنواب في خدمته وأدار عليهم كؤوس الخمر» 
والمسلمون في عقاب وعذاب وسبي وقتل وأسر ؛ وجوامعهم ومساجدهم 
ومدارسهم وبيوتهم في هدم وحرق وتخريب ونبش إلى اخر ربيع الآول. 

ثم طلبني ورفيقي القاضي شرف الدين وأعاد السؤال علينا فقلت له : 
الحق كان مع علي » وليس معاوية من الخلفاء » فإنه صح عن رسول الله 
صلَّى الله عليه وسلّم أنه قال : الخلافة بعدي ثلاثون سنة. وقد تمت بعلي. 
فقال تيمور لنك : قل على علي الحق ومعاوية ظالم. فقلت : قال صاحب 
الهداية : يجوز تقلّد القضاء من ولاة الجور » فإن كثيرا من الصحابة 
والتابعين تقلدوا القضاء من معاوية وكان الحق لعلّي في نوبته. فانسرٌ لذلك 
وطلب الأمراء الذين عينهم للإقامة بحلب وقال لهم : إن هذين الرجلين 
نزول عندكم بهذه البلدة فأحسنوا إليهما وإلى ألزامهما وأصحابهما ومن 
ينضم إليهما ولا تمكّنوا أحدا من أذيتهما ورتبوا لهما علوفة ولا تدعوهما في 
الفتعدديل اسلو (قامتهتا بالمدرسة بسني المتلطانية الذى تاه الفلجة. 
وفعلوا ما أوصاهم به إلا أنهم لم ينزلونا من القلعة » وقال لنا الذي ولي 
الحكم منهم بحلب الأمير موسى ابن الحاجب طغاي : إني أخاف عليكما » 
والذي فهمته من نسق تيمور أنه إذا أمر بسوء فعل بسرعة ولا محيد عنه » 
وإذا أمر بخير فالأمر فيه لمن وليه. 


-170- 


وفي أول يوم من ربيع الآخر برز إلى ظاهر حلب متوجها نحو دمشق 
؛ وثاني يوم أرسل يطلب علماء البلد » فرحنا إليه والمسلمون في أمر مريج 
وقطع رؤوس »ء فقلنا : ما الخبر؟ فقيل : إن تيمور يطلب من عسكره رؤوسا 
من المسلمين على عادته التي كان يفعلها في البلاد التي أخذها. فلما وصلنا 
إليه أرسلنا رسولا يقول له : إننا قد حضرنا وهو حلف ألا يقتل أحد منا 
صبرا. فعاد إليه ونحن ننظره وبين يديه لحم سليق في طبق يأكل منه » 
فتكلم معه يسيرا ثم جاء إلينا شخص بشيء من ذلك اللحم فلم نفرغ من أكله 
إلا وزعجة قائمة » وتيمور صوته عال » وساق شخصا هكذا وآخر هكذا 
وجاءنا أمير يعتذر ويقول : إن سلطاننا لم يأمر باحضار رؤوس المسلمين 
وإنما أمر بقطع رؤوس القتلى وأن يجعل منه قبة إقامة لحرمته على جاري 
عادته » ففهموا عنه غير ما أراد وإنه قد أطلقكم فامضوا حيث شئتم. 

قلت : وحكى القرماني عن بعض الثقات أنه شاهد بظاهر حلب قد بني 
شبه المآذن من رؤوس الرجال مرتفعة البناء » دورها نتف وعشرون ذراعا 
وعلوّها في الهواء نحو عشرة أذرع بارزة وجوهها تسفي عليها الرياح 
وعذتها عشرة. ثم قال ابن الشحنة : وركب تيمور لنك من ساعته وتوجه 
نحو دمشق فعدنا إلى القلعة ورأينا المصلحة فى الإقامة بها. وأخذ الأمير 
موسى في الإحسان إلينا وقبول شفاعتنا وتفقد أحوالنا مدة إقامته بحلب 
وقلعتها » وتأتينا الأخبار بأن السلطان الملك الناصر فرج قد نزل إلى دمشق 
وأنه كسر تيمور » ومرة نسمع بالعكس » إلى أن انجلت القضية عن توجه 
السلطان إلى مصر بعد أن قاتل تيمور قتالا شديدا أشرف مذه تيمور على 
الكسرة والهزيمة. 

ولما كان سابع عشر شعبان المعظم من السنة المذكورة وصل تيمور 
عائدا من الشام إلى الجبّول شرقي حلب ولم يدخل حلب بل أمر المقيمين بها 
من جهته بتخريب القلعة وإحراق المدينة ففعلوا ونزلوا من القلعة » وطلبني 
الأمير السيد عز الدين » وكان من أكبر أمرائه وقال : إن الأمير «تيمور 
قان» يسلم عليك ويقول : إن عنده مثلك كثيرا وهذه البلاد باب مكة وليس 
بها عالم فلتكن أنت بها » وقد رسم بإطلاقك ومن معك من القضاة » فاطلب 
من شئت وأكثر لأروح معكم إلى مشهد الحسين وأقيم عندكم حتى لا يبقى 
من عساكرنا أحد. وكان القاضي شرف الدين لا يفارقني » وطلبنا من تآخر 
من القضاة في القلعة واجتمع منا نحو ألفي مسلم » وتوجّهنا صحبة المشار 
إليه لمشهد الحسين وأقمنا به 


-171- 


ننظر إلى حلب والنار تضرب في أرجائتها. وبعد ثلاثة أيام لم يبق من التتر 
أ زو دز لذ إلى ابدوكدا والمدية قاستو ككينا قي وله يقن حدما على الإقالية 


ببيته من النّتن والوحشة » ولم يمكن السلوك في الأزقة من ذلك » كما قال : 


كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا 


أنيس » ولم يسمر بمكة سامر 27 


قال أبو ذر في تاريخه : وأما الجامع الكبير فكانت القتلى فيه من الباب 
الشرقي إلى البركة » وصار الناس يمشون على القتلى إلى بعد ذهاب هذه 


قال ابن خطيب الناصرية في تاريخه : وقال الشعراء في هذه الحادثة 
المدلهمة عدة قصائد » فمن ذلك ما قاله بعض أهل الأدب ٠:‏ 


يا عين جودي بدمع منك منسكب 
من العدوّ الذي قد أمّ ساحتها 
ويلاه ويلاه يا شههبا عليك وقد 
من زنك ذاك العلا والدة قد حكميت 


وحين جاء قضاء الله ما دفعت 


وأصبح المغل حكّاما عليك ولم 
وفرقوا أهلك السادات وانتشروا 
وبذلوا من لباس اللين ذا خشن 
وكل ما كان من مال لديك غدا 
وخرّبوا ربعك المعمور حين غدوا 
تر كدو ودورت الومسسظنيا 
كذا بلادك أمست وهي خالية 
لكن مصيبتك الكبرى التي عظمت 
من كل آنسة لا شمس تنظرها 
يأتي إليها عدوٌ الدين يفضحها 


(1) البيت للحارث بن مضاض الجرهمي. 
(2) غرفة واسعة ملحقة بالجامع. 


طول الزمان على ما حلّ في حلب 
ناح الغراب على ذاك الحمى 
بالذل فيك يد الأغيار والنوب 
عنك الجيوش ولا الشجعان 
يرعوا لجارك ذي القربى ولا 
ا ب _ ب ب ب 1 
في كلّ قطر من الأقطار بالهرب 
نعم » ومن راحة الأبدان بالتعب 
في قبضة المغل بعد الورق والذهب 
يسعون في كل نحو منك بالنكب 
وحرّقوا ما بها من أشرف الكتب 
وأصبحت أهلها بالخوف والرعب 
ويجتليها على لاه ومرتققفب 


-172- 


غادة يفتك وا مندرة معاقا يتاك . :ذاك الحمال :وت اك كات يا عط 
ولا نقول سوى سبحان من نفذت أحكامه في الورى حقا بلا كذب 


قضى وقدّر هذا الأمر من قدم2 بحكم عدل جرى في اللوح والكتب 
فنس أل الله بالمخكتار سيدنا محمد ذي التقى والطهر والحسب 
أن لا يريناعدواليس يرحمنا ولا يعامللذا بالمقت والغضب 
مكتك طايدية البنه الهو انها اح موه الورى 

قال ابن الشحنة : وكانت نواب الشام مع تيمور مأسورين فانفلتوا منه 
أول بأول. وذكر في كنوز الذهب أن يمور عرض أسرى بلد الشام 
وتو اكجيا فكانوا تللاتمنة الف أبسين .وسمتيق :الف أسيري قال انن الشتحنة : 
وكان السيفي دمرداش الخاصكي حين انفلت منه من حماة ‏ حال توجهه إلى 
نحو دمشق ‏ توجّه نحو السلطان واتفق معه وجاءه تقليد شريف من 
السلطان باستمراره في نيابة حلب » فدخلها وأخذ في عمارتها ورمم دار 
النيابة وسكن بها وتراجعت الناس. 


نزول أمير العرب على حلب 
وفي هذه السنة نزل على حلب الأمير نعير بن جبار - أمير العرب - 
قاصدا إخراج الأمير دمرداش منها لوحشة سبقت بينهما. فحاصرها مدة أيام 
وضايقها. وغلا السعر وحصل لأهل حلب شدة عظيمة » وكان العسكر 
بحلب قليلا جدا فاستنجد الأمير دمرداش بأحمد بن رمضان أمير التركمان 
فلباه وأقبل إليه بخيله ورجله » وجاء حلب ودخلها من باب النصر وخرج 
من باب قنسرين لأن القتال بين الحلبيين وبين العرب كان فيما بين حلب 
وجبرين. فاشتد القتال بين الفريقين وأشرف الحلبيون والتركمان على 
النصرة فحال الليل بينهم » فرجع الحلبيون والتركمان إلى المدينة وعوّل 
نعير أمير العرب على الهزيمة. ولما أصبح الحلبيون والتركمان خرجا 
للقتال فلم يروا أحدا. فتتبع التركمان آثار العرب فلم يظفروا بهم غير أنهم 
صادفوا بعض أغنام استاقوها ودخلوا بها إلى حلب. 
وفي سنة 804 ولي حلب دقماق عوضا عن دمرداش لأنه أظهر 
العصيان بحلب » فأرسل السلطان عسكرا مع دقماق وحاربه وقبض عليه 
وأرسله إلى القاهرة. 


-173- 


وسنة 806 ولي حلب الأمير علاء الدين أقبغا الجمالي الهذباني » 
عائدا إليها » فأقام بها أربعين يوما ومات ودفن بتربة أنشأها بسوق الخيل. 
واستقر في نيابة حلب السيفي دمرداش عائدا إليها. 


قتال فارس بن صاحب الباز 


وفيها استفحل أمر فارس بن صاحب الباز التركماني - أمير التركمان 
- بناحية العمق فاستولى على أنطاكية والقصير ودركوش » فخرج إليه 
قمر ذ ارق ومعه الداكر: الكلببة و سكل الى عخد الخنات فى الغيدى حي 
الفسين و احداكية والتقى الفريقاك هناك + فكسر الأمكتر وذ دن فتن هق 
عسكره وأمرائه جماعة وعاد إلى حلب بكرة عيد الأضحى » وقوي أمير 
التركمان جدا. ثم جمع دمرداش العسكر وتوجه إلى أنطاكية لقتاله » وكتب 
إلى الأمير علي باك بن دلغادر » وإلى أحمد بن رمضان مقدّمي التركمان 
في البلاد يستنجدهما عليه » فوافياه وهو على أنطاكية وابن صاحب الباز 
بها ومعه الأمير جكم. فأقام العسكر عليها مدة فلم يظفروا بطائل ورجعوا 
عنه خائبين. 

واستفحل أمره وعظم خطره واستولى على البلاد الغربية بأسرها 
ووصل إلى جبل سمعان » وتوجه إليه من حلب جماعة أقاموا عنده لأجل 
إقطاعاتهم » واستولى على جانب من بلاد طرابلس كصهيون وصار له من 
باب الملك إلى صهيون وأطراف بلد سرمين. وبقي نواب حلب ليس لهم 
حكم في تلك البلاد بالكلية وصاروا كالمحصورين » فإن هذه البلاد الحئن 
استولى عليهنا هي النى كاننك عافنة من أعمال حلب :وي اتطاكية 
والقصير والثتغر ودير كوش وح ارم وبغراس والحلقة وسائر أعمالها 
وبرزيه وصهيون واللاذقية وجبلة وتلك النواحي » وعجز النواب عن دفعه 
؛ للخلف بينهم وقلة العساكر فيهم » وصار ابن صاحب الباز في عسكر 
عظيم إلى أن قدّر الله كسره على يد جكم حينما تولى نيابة حلب », فاستنقذ 
منه البلاد وأراح منه العباد » ثم تبعه إلى أنطاكية وقطع جسر الحديد ونزل 
شرقيّه واستمر يحاصره أياما » ثم شرع في حفر نهر لتحويل العاصي إليه 

ففر التركماني إلى جهة القصير » وتبعه الأمير 7 ا 

حاصره في قلعة هناك فطلب الأمان فأعطاه فنزل » ٠‏ ثم سلمه إلى عدو له 
فقتله . وكان على شجاعة عظيمة محبا للخير » بنى بحضرة سيدي حبيب 
النجار بأنطاكية مدرسة. 


174 


قصد دمشوخجا بلد حلب 
وفي هذه السنة أعني سنة 806 نزل على حلب دمشوخجا بن سالم 
التركماني - نائب قلعة جعبر - فأفسد القرى ونهبها وقطع السبل » وعاقب 
الرجال ببلد عزاز وارتكب أمورا عظيمة من المفاسد » ولم يأخذه رأفة على 
المسلمين. فقدم عليه عدوه نعير ابن جبار بن مهنا أمير العرب من ناحية 
الشرق ». واشتبك القتال بينهما أياما فانتتصر نعير عليه وفرق حزبه ونهب 
أمواله وعزقه كل مرق ركان ستريكةا من متت رو في ارظن رين 


زلزال عظيم : 

وفي صبيحة يوم الخميس عاشر شعبان من هذه السنة زلزلت حلب 
ذ لازال كبو + فنها واحدة مر عكة أخريت كيرا من الأماكن والمسيادد 
بحلب » وآخربت كثيرا من مدينة الشغر ولم يعهد من قديم الزمان زلزلة 
مثلها » فاجتمعت الفتن والزلازل. 


تملك جكم : 

وفي سنة 807 هرب «جكم» من السجن في قلعة دمشق وتوجه إلى 
حلب وأقام بها مدة يسيرة. فلما قويت شوكته قبض على دمرداش نائب حلب 
الناصر من الخطبة » وركب بشعار السلطنة » وباس له الأمراء الأرض 
بحلب وتلقب بالملك العادل. 


تواتر الزلازل 

وفيها زلزلت حلب يوم الجمعة ثالث جمادى الأولى وقت الاستواء 
زلزلة عظيمة فزع الناس لها ولجؤوا إلى الله تعالى » ثم سكنت بعد لحظة. 
ثم زاؤلت زلازل كفيرة في الببحة المذكور #تولطت اللابعيادة. 

وفي سنة 808 ثار نائب القلعة بحلب والحاجب وجماعة من التركمان 
على «جكم» وأخرجوه من حلب فبلغ السلطان ذلك وأرسل تقليدا إلى 
علان اليحياوي بنيابة حلب. وفي جمادى الآخرة أتى «جكم» وهجم على 

حلب وقتل دقماق المحمدي الذي كان ناتبا بها قبلا ونهبها 


-175- 


وملك قلعتها. وسمع السلطان ذلك فأرسل له تقليدا بنيابة حلب ونيابة 
طرابلس مضافة لنيابة حلب فعد ذلك من النوادر. وفي رمضان هذه السنة 
تحارب جكم مع الباز التركماني الذي سلف ذكره في حوادث سنة 806 
فملك جكم جميع أمواله وقبض جكم على العجل ابن النعير أمير العرب بعد 
أن جرى بينهما مقتلة عظيمة عند قرية زيتان على النهر » وولى جكم على 
العرب ابن العجل. 

أصل قبيلة آل المهنا : 

كانت هذه القبيلة من العرب تعرف بآل المهنا » وينتهي نسبه إلى بدر 
بن ربيعة. وكانت مساكنهم صحراء حلب وحماة وبعض صحراء الخابور. 
وكانوا أولي شوكة وصولة » كثيرا ما كان نواب حلب وحماة ودمشق 
يستعينون بهم على من عاداهم فيجدون منهم قوة ونجدة فوق مأملهم. وقد 
ذكر ابن الخطيب عدة رجال منهم يستحقون الذكر لما عندهم من الشجاعة 
والكرء والشهامة 

وفي ذي القعدة من هذه السنة ولي حلب دمرداش عوضا عن جكم. 
وفي سنة 809 وصل السلطان إلى حلب وقرر في نيابتها جركس القاسمي » 
فلما خرج السلطان من حلب رجع «جكم» إليها وملكها وفرٌ القاسمي. ثم 
ملك «جكم» دمشق وتلقب بالملك العادل. فعند ذلك تحرك عليه قره بلك 
نحو أمد فتبعه «جكم» في عسكر قليل ودخل مضيقا لا يسعه الفرار فيه . 
فسقط عن فرسه فقبض عليه بعض التركمان وقطع رأسه وجهزه إلى 
مصر. 

قصد ابن دلغادر حلب : 

وفي سنة 810 قدم إلى حلب علي بن خليل بن قراجا بن دلغادر . 
الشهير بعلي باك التركماني » أمير التركمان ببلاد مرعش وما والاها. قدم 
إليها لإنقاذ ولده المحبوس بقلعتها من قبل الأمير جكم فصادف وقت قدومه 
خلو حلب عن نائب , لأن نائبها جكم كان قد قتل ولم يقم مكانه نائب. ولمدا 
وصل ابن خليل إلى دابق سيّر إليه أهل حلب بالرجوع عنهم فطلب ولده 
فخرج أهل حلب 


-176- 


لقتاله وجرت بينهم وقعة انكسر بها أهل حلب ودخلوا البلد. واستمر يحاصر 
الحلبيون يقاتلون ابن خليل والتركمان خارج السور ء ويقاتلون أهل القلعة 
داخله » وأهل القلعة يرمون الحلبيين. وأصر ابن خليل والتركمان على 
حصار حلب أياما فجهزوا إليه ولده فلم يفد شيئا ولم يزده إلا بغيا » فنهب 
القرى التي حول حلب وأفسد في البر فسادا كبيرا » ثم انتقل من الجهة 
لآأهل حلب ضيق عظيم وطال عليهم ذلك نحو اثذين واربعين يوما حتى 
فرج الله عليهم بقدوم نجدة لهم من طرف حماة وانهزم ابن خليل. 

قتال أمير التركمان : 

وفي هذه السنة ولي حلب تمربغا المشطوب. وفيها عظم شأن كردي 
باك أمير التركمان بالعمق » فتوجه لقتاله تمربغا المشطوب نائب حلب 
وقاتله أياما فانكسر ورجع خائبا. وتمادى كردي باك في غلوائه حتى خرج 
عليه الملك المؤيد شيخ فقاتله بالقرب من بقراص - تحت جبل اللكام ‏ فغلبه 
وكسره كسرة شنيعة وعاد المؤيد شيخ ظافرا غانما. 

وفي ربيع الأول سنة 811 استقر في نيابة حلب الأمير دمرداش. وفي 
هذه المرة أكمل بناء جامع الآطروش الذي قدمنا ذكره في الكلام على محلة 


إبطال مكس البيض : 

وفيها نقش على جدار الجامع الأموي ما صورته : «لما كان بتاريخ 
سنة 811 ورد المرسوم الكريم العالي المولوي كافل المملكة الحلبية الملك 
دمرداش بإبطال مكس البيض من المملكة الحلبية » وملعون ابن ملعون من 
يعيده ويجدده». 

وفي أوائل سنة 813 جاء إلى حلب شاهين بن عبد الله من قبل ملك 

الأمراء شيخ فنزل ببانقوسا يوم الجمعة وزحف على المدينة وبها نواب 
الأمير دمرداش وحاصرها إلى أن أخذها ثاني يوم نهار السبت في العشر 
الأول من المحرم » واستمر بها حاكما إلى العشر الأول من ربيع الأول من 
السنة المذكورة » فصالح شيخ الآمير نوروز وجاء نوروز إلى حلب 


- 177 - 


من قبل شيخ لأنه ملك الشام جميعه. وكان سلطان مصر ولى حلب نوروز 
المذكور سنة 812 إلا أنه لم يستطع أن يدخلها خوفا من شيخ. وفي ربيع 
الآخر من السنة المذكورة أعني سنة 813 قرر السلطان في نيابة حلب 
قرقماش بعد أن قهر شيخ ونوروز وغلبهما. وفي ذي القعدة منها تصالح 
شيخ مع السلطان وتولى شيخ من قبل السلطان نيابة حلب » ونوروز نيابة 
دمشق. وفي ربيع الآخر سنة 814 اتفق شيخ ونوروز على العصيان 
وخرجا. 
من بلد إلى بلد » وكان مع هذا منغمرا في السكر فأعيت العسكر وشغبت 
عليه العامة وخلعوه وقتلوه في دمشق. وكان في هذه البرهة قد ولي 
دمرداش حلب , فأتى إليها نوروز في الربيع الآخر وهرب منه دمرداش 
وعَين نوروز لنيابة حلب يشبك بن يزدمر. وكان بين نوروز وشيخ عهود . 
منها أن يكون شيخ أتابك العساكر بمصر »ء والخليفة هو السلطان » ونوروز 
هو نائب البلاد الشامية. ثم لما تسلطن شيخ وخان العهود أظهر نوروز 
العصيان فحاربه السلطان في دمشق وقتله وسار إلى حلب وولى نيابتها 
إينال الصصلاقي وذلك سنة 817 وفي سنة 818 أظهر العصيان نائب 
دمشق قاني باي » ووافقه الصصلاقي نائب حلب. فحضر السلطان إلى 
حلب وكان النائبان المذكوران فيها ففرا منه فتبعهما إلى العمق وقبض 
عليهما وذبحهما. ثم ولى نيابة حلب أقباي الدوادار وذلك كله في السنة 
المذكورة. 

وفي سنة 0 سافر نائب حلب «أقباي» إلى القاهرة وكان أشيع عنه 
العصيان ففرح به السلطان وقرره في نيابة دمشق وقرر في نيابة حلب 
الأمير قجقار القردمي. ثم في رجب هذه السنة تغير خاطر السلطان على 
قجقار القردمي فسجنه وقرر في نيابة حلب يشبك اليوسفي » وقرر في نيابة 
قلعتها شاهين الأعور شاوي. وفي هذه السنة قتل علي عماد الدين النسيمي 
بحلب. وقد تكلمنا عليه في باب التراجم. ْ ْ 


53 05 


-178- 


قصد قرا يوسف حلب 

وفي سنة 821 قصد قرا يوسف التركماني ‏ ملك بغداد ‏ غزو قره 
بلك أحد أمراء التركمان في نواحي الموصل وما والاها ؛ فجفل منه قرا 
بلك. وجاء الخبر إلى حلب فجفل أهلها. ثم إن قرا بلك قطع الفرات فساق 
خلفه قرا يوسف جريدة () وكبسه على عينتاب فنهبها وأحرقها. ووصل 
الخبر بذلك إلى حلب فخاف أهلها خوفا شديدا وخرجوا جرائد على وجوههم 
النساء والأولاد مشاة حفاة. ومنهم من اعتصم في القلعة وسير نائب حلب 
عرد لو ع ل لد ا لوو ا 
فيكره الك حلت وكات عالية - فتلقاهم الأمير يشبك في شرقي بابلّي وهو 
ل ع و كر اي العو ب و 
على عسكر قرا يوسف ورجع إلى حلب منصورا. ثم اأرسل قرا يوسف إلى 
حلب رسولا يقول لهم : إني لم أرد حلب وإنما أطلب قرا بلك. ذ أخبره أهل 
حلب أن المذكور توجه من حلب منذ أيام » وعندها أقلع عن حلب ورجع 

الحلبيون إلى أوطانهم. 


مجيء الأمراء إلى حلب وقتل يشبك اليوسفي 

وفي سنة 823 دخل ألطنبغا القرشي الأمير يوسف حلب وصحبته 
عدة أمراء مظهرين أ السلطان جهزهم إليها لحفظ البلاد من قرا يوسف » 
لأن السلطان بلغه أن قرا يوسف جمع من العساكر ما لا يحصى وقصد 
ولم يجسروا عليه. ولما كان يوم الخميس ثاني عشر المحرم سنة 824 ورد 
هجّان © وبيده كتاب يخبر بوفاة السلطان الملك المؤيد شيخ. فاضطرب 
الطنبغا وجماعته وتوجهوا إلى جهة مصر وخرجوا من حلب من باب المقام 
» والامير يشبك اليوسفي يراهم ولم يخرج لتوديعهم. ولما أبعدوا عن حلب 
قليلا ركب اليوسفي في أثرهم فلما بصروا به رجعوا عليه وتقاتلوا ساعة ء 
فانتصر الأمير ألطنبغا وانكسر اليوسفي وقتل 
(1) الجريدة : الطائفة من الخيل لا رجّالة فيها. 
(2) الهجّان : راكب الجمل. والجمع «هجّانة». ثم أطلقت «الهجّانة» على شرطة البادية 
يركبون الإبل. 


-179- 


وجىء برأسه وعلق على باب القلعة. ومن العجيب أن السماط الذي أعده 
اليوسقى لغذاقه ضار غداء الأمين الطنيغا وجماعتم وانستقن الطنيتيا فى 
نيابة حلب. ْ 

وفيها عزل ألطنبغا عن نيابة حلب ووليها إينال الجكمي. ثم في رجب 
منها وليها تغري ويردي. ثم في رابع ذي الحجة منها عزل تغري ويردي 
لآنه شاع عنه العصيان وولي نيابة حلب مكانه قان بك ». فتسلم حلب في 
المحرم سنة 825 بعد أن حصل بينه بين تغري ويردي حرب شديدة 
وانكسر تغري ويردي وهرب. وفي سنة 826 ولي حلب جارقطلو. وفي 
ربيع الآخر سنة 830 ولي نيابة حلب قصرو ء وهو الذي احتفل بمشهد عبد 
الله الأنصاري الذي أسلفنا ذكره في الكلام على محلة الكلاسة في الجزء 
الثاني. وفي سنة 833 كان الوباء بحلب والشام ومصر وما بينهما » وتلشف 
فيه خلق كثير وبلغت فيه الوفيات اليومية في مصر عشرة آلاف نسمة » ثم 
ضبق :تله وللقه. 

وفي سنة 836 سار السلطان من الديار المصرية إلى الديار الشامية 
إلى حلب ودخلها في يوم مشهود . وخلع على القاضي محب الدين بن 
الشحنة وأقرّه في قضاته. ثم توجه نحو البيرة ونزل على آمد وجرى بينه 
وبين «قرا بلك» وقعة عظيمة. ثم بلغ السلطان أن قرا بلك سار إلى جهة 
حلب ليأخذها على حين غفلة من السلطان فجهز له عسكرا وأدركوه بالقرب 
من الفرات فحصل بينهم وقعة عظيمة ورجع قرا بلك وعاد السلطان. وفي 
سنة 837 في رجب ولي حلب قرقماش الشعباني حاجب الحجاب. وفي سنة 
9 ولي حلب إينال الجمكي ثانية ثم في رجبها وليها تغري ويرمش 
التركماني. وفي أواخر هذه السنة سار تغري ويرمش ومعه ثمانية مقدّمين 
 »(‏ وكان من جملتهم الآمير جقمق الذي صار بعد سلطانا ساروا جميعا 
إلى طرد ابن دلغادر عن البلاد الحلبية » فطردوه ثم عادوا إلى حلب. ثم عاد 
الأمراء إلى الديار المصرية حسب المرسوم السلطاني. 

وفي سنة 842 أظهر العصيان تغري ويرمش نائب حلب. وفي 
شعبانها ثار عليه أهل حلب ورجموه بالحجارة ونهبوه وأخرجوه. والسبب 
في ذلك أن تغري ويرمش حاصر القلعة واطلع على أن أهل حلب مائلون 
مع نائبها » فنادى مناديه بنهب البلد فثاروا عليه. ذم في شوال سارت 
العساكر إلى حلب لقتال تغري ويرمش ناتبها » فلما وصلوها وجدوه 


)1) في الأضيل : «مقذمون» فصححناها. 


-180- 


في جموع كثيرة من التركمان » فوقع بينهم مقتلة عظيمة. ثم قبض بعض 
التركمان الذين مع تغري ويرمش عليه وكاتبوا السلطان بذلك » فأمر بقتله 
تعلود و رمطر | رامت قاور وفي تنوال فده السنه ولى حلت الامبر 


إبطال مكس الكتان وتكسير 5 

سابع عشر ربيع الآخر سنة 846 ورد المرسوم الشريف النناطاتي + من 
املك الظذاهز حفمق د حلد الك#ملكة.. بإيطال مكين: الكتان. مرق كيان الكنات > 
وملعون من يجدده». ونقش أيضا : «لما كان بتاريخ سابع وعشرين ربيع 
الآخر سنة 846 ورد المرسوم الشريف السلطاني من الملك الظاهر جقمق 
خلد الله ملكه ‏ بإبطال ما كان يؤخذ من أهل مدينة سرمين عن تكسير 
الخوابي إبطالا دائما ابتغاء لوجه الله تعالى » والله يجزيه الثواب العظيم». 

وفي سنة 849 ولي حلب تغري ويردي الجركسي. وفيها حدث بحلب 
طاعون عظيم لم تعلم وفياته اليومية. وفي سنة 851 تقرر في نيابة حلب آق 
ويردي الساقي الخاصكي » ثم استبدل بقان بك البهلوان فتوفي في ربيع 
الأول » وولي حلب برسباي الناصري فتوفي في جمادى الآخرة وولي 
حلب «تنم». وفي سنة 852 أعيد قان باي الحمزاوي إلى نيابة حلب. 


إبطال ما كان يؤخذ من الدلالين : 
وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته : «لما كان بتاريخ جمادى 
الآأولى سنة 852 ورد المرسوم من الدولة الشريفة العالية الظاهرية مولانا 
الملك جقمق ‏ خلّد الله ملكه ‏ كافل المملكة الحلبية المحروسة .ء أعز الله 
أنصاره » في إبطال ما كان يؤخذ ظلما من الدلالين في سوق الحراج وأن لا 
يتعرض لهم أحد من خلق الله. وملعون ابن ملعون من يجددها أو يعيدها أو 
بسعى بها». 


طاعون : 
وفي مسودة كنوز الذهب ما خلاصته : في هذه السنة حدث في حلب 
وأطرافها طاعون 


- 181 - 


سرت جراثيمه إلى غدير خندق القلعة فأفنى ما فيه من السمك » وطفت 
كته على ود الماء: وفتك ف التهتلات الخادهة عن الستوز الا سما 
مِكلة الكلاسبة وبانقوسا أكثر مما فتك فى سكان :غيز همدا من مضلات حلي 
الداخلية وكثرت الوفيات منه في القرى القريبة من حلب حتى نتن هواؤها 
وبلغت وفياته اليومية في حلب نحوا من خمسمائة نسمة. 


إبطال مكس الزيتون من قرى عزاز : 

وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته : «لما كان بتاريخ خامس 
شهر ربيع الأول سنة 857 رسم المقرّ الكريم العالي يوسف الخاقاني - 
بإشارة مخدومه المقرٌ الكريم العالي السيفي المنصوري 2 مولانا الملك 
الآمر أعز الله أنصاره ‏ بإيطال مكس الزيتون من قرى عزاز ومعاملتها 
وملعون ابن ملعون من يعيدها أو يجددها». 

وفي سنة 859 ولي حلب جانم الأشرفي. 


احتفال الناس بماء السمرمر : 

قال :في سبودة كيز 3 الأأهت ها خلامكة» فى نهلةة الشف ؤكة لحتل 
الناس بوصول ماء السمرمر إلى حلب . أحضر إليها من عين ماء في واد 
جامع القلدة زعما داه وحلبطين السمرهر + الذ هرعدز الحراد. قلت : 
سيأتي لنا في حوادث سنة 964 ما فيه البيان لبطلان هذا الزعم. وفي سنة 
3 ولي حلب إينال اليشبكي. 

طاعون جارف : 

وفيها وقع طاعون بحلب أهلك الحرث والنسل » وأقفل دورا كثيرة 
ومحى عدة بيوت » وتوفي فيه حم غفير من العلماء والآعيان. ومات فيه 
بحلب وضواحيها زيادة عن مائتي ألف نسمة. 

إبطال خانية قلعة القصير : 

وفي سنة 864 نقش على جدار الجامع ما صورته : «لما كان بتاريخ 


سلخ شهر محرّم سنة 864 رسم حضرة مولانا السلطان الملك الأشرف 
إخال - خله الله ملكة دبإيطاق 


- 182 - 


ما تجدّد على المصعة بقلعة القصير عن كل خانية عشرة دراهم وأن لا 
القديم. وملعون ابن ملعون من جدد هذه المظلمة». 

وفي سنة 865 توفي إينال اليش بكي نائب حلب ووليها جاني بك 
التاجئ. 


إبطال مكس الزيت من قرى عزاز : 

وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته : «لما كان بتاريخ سادس 
شهر ربيع الآول سنة 865 رسم الكريم العالي المولوي الملكي المخدومي 
السيفي ‏ كافل المملكة الحلبية الشريفة المحروسة ‏ بإبطال مكس الزيت من 
قرى عزاز وتوابعها وملعون ابن ملعون من يجدده إلى يوم الدين». 

وفي سنة 868 ولي حلب بردبك الجمدار. وفي سنة 871 ولي حلب 


قتال أمراء ذي القدرية مع بعضهم : 

وفي جمادى الآخرة سمع السلطان بمصر أن رستم بن دلغادر قد 
تحارب مع قريبه شاه سوار » كلاهما من أمراء الدولة الغادرية. فرسم 
السلطان أن يخرج عسكر حلب لمساعدة رستم » وهذا أول باب فتح للشر 
مع شاه سوار. وفي سنة 872 قويت شوكة شاه سوار فقصده عسكر الشام 
وحلب فكسرهم وقتل كثيرين من الاعيان واستولى على عدة مدن وقلاع. 
وفي جمادى الآولى ولي نائب حلب عائدا إليها بردبك الجمدار. وفي سنة 
3 ولي حلب إينال الأشقر. 


محاربة شاه سوار : 
وفيها أمر السلطان أولاد الناس أن يخرجوا لمحاربة شاه سوار. لأنه 


عزم على أخذ حلب. وأمر السلطان أن من لم يسافر لمحاربة شاه سوار 
فليحمل إلى بيت المال مائة دينار بدلا. وفي شعبان هذه السنة سار العسدكر 


من مصر لمحاربة شاه سوار » فلما وصلوا إلى حلب هرب منهم فتبعوه 
ودخلوا في مواضع ضيقة فخرج عليهم في سواده الأعظم وقتل منهم 


-183- 


ومن أمرائهم ما لا يحصى ؛. وكانت وقعة مشهورة. ثم رجع العسكر 

وفي 874 ولي حلب قانصوه اليحياوي. وفي سنة 876 وصلت 
العساكر التي جهزها السلطان لمحاربة الشاه سوار فالتقوا معه وأخذوا منه 
عينتاب وغيرها. ثم في الآخرة التقوا معه ثانية وكسروه كسرة شنيعة حتى 
التجأ إلى قلعة زمنطوا فساروا إليه وحاصروه. ثم طلب أحد الأمراء 
ليخاطبه في الصلح فصعد إليه ومعه القاضي شمس الدين بن أجا » قاضي 
العسكر . وتكلما معه فيما قصد وضمنا له إن أصابه شيء. فلم ينزل فخرجا 
من عنده وأتيا المعسكر وضيقا عليه الحصار » فطلبهما ثانيا وتكلم معهما 
كلاما طويلا ونزل معهما » ثم غدر به نائب الشام وزنجره واستصفى بلاده 
وأمواله وسيّره معه إلى القاهرة » فشنقه السلطان مع عدة من أصحابه. وفي 
سنة 878 ولي حلب قايتباي الحمزاوي. 


إبطال مكس السلاح وغيره : 
ا ار و اورت او م 
الفعن: لكوي الغالى النجيفي قابتساق:الحمدز اوري ء كاقل التملك: اللخليية 
المحروسة ‏ بإبطال مكس جميع السلاح في سوق السلاح. وملعون ابن 
ملعون من جدد هذه المظلمة. ومن سعى بتجديدها كان الله ورسوله خصمه 
يوم القيامة». 

وفي سنة 882 نقش ما صورته أيضا : «الحمد لله » لما كان بتاريخ 
رجب سنة 882 رسم الأمير الشريف العالي المولوي الملكي الأشرفي 
فايتباي - خلّد الله ملكه وأدام اقتداره بمحمد وآله #نيطيان هنا على الدماغين 
بدير كوش من المكس والمظلمة». ونقش أيضا ما صورته : «لما كان 
بتاريخ ثالث عشر ذي الحجة سنة 882 ورد المرسوم الشريف من حضرة 
مولا القن العالي الططانئ الملفي الا هري قارتبايالحمر ازيب كافن 
المملكة المحروسة أغر الله أنضازة ‏ نإنظال مكين الملح الذاخل.مذينة حلب 
وملعون ابن ملعون من يتعرض له أو يعيده». 

وفي سنة 884 ولي حلب أزدمر بن مزيد. 


- 184- 


البطش بالحوارنة : 

وفي سنة 885 بطش الحوارنة ببعض أعوان أزدمر » فصار يتبعهم 
ليقتلهم. فحصروه مرة بدار العدل فخشي شيخهم ابن سيرك عاقبة أمرهم 
فأمرهم أن يطردوه بالسلاح والحجارة صورة » ففعلوا فهرب إلى دار العدل 
وقال لأزدمر : إن لم تنادهم بالأمان قتلوك وقتلوني ومتى اطمأنوا فتتبّع 
واقتل. فناداهم أزدمر بالأمان » ثم أمسك منهم بعد مدة طائفة وأمر 
بإحضارهم إليه في يوم الموكب حيث القضاة الأربعة حضور عنده » وذلك 
ليوهم أن قتلهم كان شرعا. فأحضروا إليه في اليوم المذكور وأمر الجلاد 
بقتل واحد منهم فضربت عنقه » وكان القضاة قد شعروا بخداعه فعارضوا 
بقتل البقية وحقنت دماؤهم. 

والحوارنة المذكورون هم طائفة من عتاد الأبطال كانوا بالدولة 
الجركسية ذوي بطش وسفك لدماء أعوان الظلمة. وكانوا يقولون : نحن 
نقتل فلانا ونعطي ديته معلاقا ) » لأنهم كانوا قصّابين » أو من © ذريتهم 
ومساكنهم أطراف باب المقام وحارة القصيلة. قلت : وإليهم تنسب حارة 
الحوارنة في ذلك السمت ©. وفي هذه السنة ولي حلب ورديش أحد 
المقدّمين. وفي ذي الحجة منها ثار أهل حلب فقتلوا نائب قلعتها لمظالم 
أحدثها » وقتلوا معه حاجب الحجاب. 


محاربة علي دولات : 

وفي سنة 888 عين السلطان تجريدة لحلب لمحاربة علي دولات أخي 
شاه سوار بن دلغادر. ثم في سنة 889 عين السلطان تجريدة ثانية تقوية 
للعسكر » فإنه بلغه أن المرحوم سلطان بيازيد خان الثاني العثماني قد أمد 
علي دولات بالعساكر العثمانية. وهذا أول تحرك السلاطين العثمانيين على 
السلطنة الجركسية. وفي ربيع الأول وقع الحرب بين علي دولات والعساكر 
الجركسي وقتل 
(1) المعلاق : يطلق على ما يقتلعه الجزار من بطن الذبيحة من الرئتين والكبد والطحال 
والقلب » وسمّوا ذلك كله معلاقا لأنه يعلّق بالحلقوم » وجمعه معاليق. 
(2) كذا » ولعل الصواب : «ومن». 
(3) أي في تلك الجهة. 


- 185 - 


ورديش وغيره من الأمراء. ثم خرج إلى علي دولات الأمير تمراز ومعه 
عدة أمراء » فتحاريوا معه وكسروه واستولوا على ما كان معه من الألوية 
العثمائية ودخلوا بها حلب: وفى ذئ القعدة ولى حلب عانذا إلنها زد أمير 
مجلس. 

اسثر ضاءٍ لعفن لمر يُ 0 0 : 
ا و ع ادو كي 1 
سبب الفتنة بين السلطانين أن أحد ملوك الهند أرسل على يد بعض التجار 
بالأحجار الكريمة » فلما وصل التاجر بالهدية إلى جدّة احتاط عليها عامل 
السلطان في جدّة وأرسلها إلى مخدومه السلطان الجركسي فاستحوذ عليها. 
فحقد السلطان العثماني عند ما بلغه ذلك » ثم أمد علي دولات بالعساكر 
وجرى ما تقدم ذكره. غير ان السلطان الجركسي بعد ذلك ارسل الهدية 
والخنجر إلى السلطان العثماني واعتذر منه. وقيل : السبب في ذلك أن 
السلطان قايتباي الجركسي أوى «جم» أخا السلطان بايزيد الثاني , وكان 
«جم» قد خرج على أخيه فحقد على السلطان قايتباي وكان من أمره ما 
كان. 

الحرب بين العسكرين العثماني والمصري 

وفي سنة 891 في صفر وقع القنال بين العسكر السلطاني العثماني 
ادو العسكررا العتمائن ويها هده مراع مع وام الى القاشرة 

إبطال إقامة المقاسين : 

وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته : «لما كان بتاريخ عشر من 
جمادى الآولى سنة 891 رسم بإشارة الكريم العالي المولوي المالكي 
المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي ‏ كافل المملكة الحلبية المحروسة أعز 
الله أنصاره » بإبطال ما كان بمدينة حلب من إقامة المكّاسين. وملعون ابن 
ملعون من يجددها». 


- 186 - 


إبطال رسم الحنّة : 
زان حشر شهن جمادى الآخرة ببنة 893 رس مولانا المقر العالى السلطاة 
المالكي الظاهري قايتباي الحمزاوي » مولانا الملك الآمر كافل المملكة 
الخلية أعدزررالله انصداده ؟ باعتاك ما كان كن قاط لحن رمق 
الحناوية وملعون من يجدده». 

وفي هذه السنة خرجت تجريدة من مصر لم يخرج منها مثلها 
لوسك الى جارك عق فى حصنا ريا حيار ها عن د حر عامدان ‏ 


الصلح بين السلطانين : 

وفي سنة 896 تم الصلح بين السلطان العثماني وبين المصري » ورد 
العثماني جميع القلاع التي استولى عليها من المملكة المصرية » وأطلق 
المصري جميع أسراه. وفي شوال هذه السنة وقعت فتنة كبيرة بين أهل 
حلب وبين نائبها ازدمر » وقتل من مماليكه سبعة عشر مملوكا وقتل من 
الحلبيين خمسون رجلا » وأحرقوا جماعة من حاشية النائب » وكادت حلب 
تخرب عن آخرها لو لم يتدارك الأمر قانصوه الغوري صاحب الحجاب 
وقتئذ بحلب. وفي سنة 891 حدث طاعون عظيم بحلب لم تذكر وفياته. وفي 
سنة 899 توفي أزدمر نائب حلب ووليها مكانه إينال السلحدار » نقل إليها 
من طرابلس. 


منع السقي من ماع الساجور : 

وفي سنة 901 نقش على جدار الجامع ما صورته : «لما كان بتاريخ 
رابع جمادى الآخر سنة 1 ورد المرسوم الكريم العالي المولوي الملكي 
النحذوهى الكتافلى السيفي الأشسرفئ'مولانا الملك الناصية كافل الفملكة 
الحلبية بأن لا يسقى من ماء الساجور الواصل إلى حلب زرع حاسين 
وفافين وملعون من يزرع على ماء الساجور زرعا». 


إبطال مكس القطن وغيره من المكوس : 


رجب الفرد سنة 


- 187 - 


2 رسم الجناب العالي المولوي الملكي المخدومي الكافلي السيفي 
الأشرفي مولانا الملك الناصر كافل مملكة حلب المحروسة ‏ أعز الله 
أنصاره ‏ بإبطال ما كان يؤخذ من مكس القطن من سوق القطن وملعون بن 
ملعون من يجدد غيره». 

ونقش أيضا في السنة المذكورة أمر بإبطال مكس المسك والزعفران 
» وآخر بإبطال مكس التماق من خان السماق » وآخر بإبطال ما هو معيّن 
من وقف نهر الساجور الواصل إلى حلب. وصورة كل هذه الأوامر على 
المنوال السابق فلا حاجة إلى ذكر نصها. 

وفي سنة 903 خرج أق بردي وهرب إلى دمشق وحاصرها ونهب 
ضياعها » ثم سار إلى حلب فنهب ضياعها وحاصرها نحوا من شهرين. 
فأراد إينال السلحدار صاحب حلب أن يسلمه المدينة فثار عليه أهلها 
ورجموه وطردوه عنها وحصنوها. فانضم إينال السلحدار نائب حلب إلى 
اق بردي وتوجّها إلى علي دولات والتجا إليه. وفي ربيع الآخر من هذه 
السنة ولي حلب جان بلاط. وفي سنة 904 ولي حلب قصروه بن إينال. 

حصار آق بردي حلب : 

وفيها رجع «آق بردي» إلى حلب وحاصرها أشد المحاصرة وأحرق 
ما حولها من الضياع وأشرف على أخذ المدينة » ثم تم الصلح بينه وبين 
الأمراء الذين قدموا لمحاربته من مصر إلى حلب » وفيها ولي حلب دولات 
باي بن اركماس. وفي سنة 905 ولي حلب الامير قرقماش بن ولي الدين. 
ثم في سنة 906 وليها أركماس بن ولي الدين. وفي سنة 908 ولي حلب 
سيباي بن عبد الله الجركسي المعروف بنائب سيس. وفي سنة 909 حاصر 
القلعة سيباي المذكور لوقوع وحشة بينه وبين نائب القلعة » وخرق المدرسة 
السلطانية من جهتين : جهة للدخول » وأخرى جعلها نصب القلعة » فلم يقدر 
عليها. وبلغ فعله هذا الغوري فتغير عليه ثم عفا عنه. وفي سنة 910 ولي 
حلب خير بك أخو قانصوه البرجي. 


هجوم الشيعي على منلا عرب : 
في سنة 915 قدم إلى حلب محمد بن عمر الأنطاكي الواعظ . 
المعروف بالروم بمنلا 


-188- 


عرب » ووعظ في جامعها الأعظم. وكان كثير القدح في شاه إسماعيل 
سلطان تبريز وفي شيعته. فحضر في مجلس وعظه شيعي متسلح من 
أصحاب سفير العجم الوارد إلى الغوري صاحب مصر ؛ جاء من عنده إلى 
حلت فيه الشليمي باقتها السيفة ليفكل: الشحيخ المتاكون فجاجله الحلييون 
وقتلوه وأحرقوه. فاضطرب السفير وعرض الحال على الغوري وسبقه 
خيري بك وعرض على الغوري أن قتله أحمد فتنة عظيمة أوقدها السفير. 
فطاب خاطر الغوري ورضي عن الشيخ. 


- 189 - 


نبذة من الكلام على دولة الأتراك المعروفة أيضا 
بدولة الأملاك » وعلى دولة الجراكسة في مصر والشام 
دولة الأتراك 

أكثر ملوك هذه الدولة مماليك لصلاح الدين الأيوبي ولأولاده من 
بعده. وهم يعرفون بالمماليك البحرية نسبة إلى بحيرة في أاراضي مصر. 
الشيخوخة والهرم » وشيوع أخبار التتر الجنكزيين ووشك قصدهم بلاد 
القداى فكت هل الحلا روكدم المتصصر ياي ضرع الفغية ووسلطم ] الور 
عز الدين أيبك مملوك الملك الأشرف بن صلاح الدين » وذلك في سنة 648 
فقتل سنة 655 وتسلطن ولده الملك المنصور نور الدين علي وقتل سنة 
7 وتولى الملك بعده وزيره الملك المظفر قطمز المعزي وقتل سنة 658 
وتولى الملك بعده الملك الظاهر بيبرس البندقدازي العلاني ؤمات:ستة 676 
وتولى بعده ولده الملك السعيد محمد بركة خان وخلع نفسه سنة 678 وتولى 
بعده أخوه الملك العادل سلامش فخلع نفسه وخلفه الملك المنصور قلاوون 
الصالكي التي وماك اسن 689 و تزلق بعد مسلا 2 لدي كليل وقتل سنة 
3 وقام بعده أخوه الملك الناصر وخلع في سنة 694 وخلفه الملك 
المنصور لاجين المنصوري وقتل سنة 698 وتولي بعده الملك الناصر 

وقام بعده الملك المظفر بيبرس الجاشنكير » فقبض عليه بعد أحدد 
عشر شهرا. وتسلطن بعده الملك الناصر محمد ثالثشة ومات سنة 741 
وتولى بعده ولده الملك المنصور أبو بكر فخلع سنة 842 وتولى بعده الملك 
الأشرف علاء الدين كوجك فخلع. وتولى بعده الملك الناصر شهاب الدين 
أحمد ومات سنة 743 وتسلطن بعده أخوه الملك الصالح عماد الدين 


- 190 - 


اتماغيل وساف سق 516 وخلقة أكون :املف العلال قفوان ومزاك اميد جره 
وقام بعده أخوه الملك المظفر زين الدين حاجي وقتل سنة 748 وخلفه أخوه 
الملك القاضين كسن #وكلع ةس 752 وقول يعذه الملك الدع 
الناصر بن قلاوون وخنق سنة 777 وتولى بعده أخوه الملك الصالح حاجي 
دولتهم وكان ابتداوها سنة 648 وانتهاؤها'سنة 784 فكانث مدتها 136 سئة 
مماليكهم الجراكسة ونبغ منهم رجال بالبطولة والشجاعة وجودة التدبير » 
فانتقلت. الدولة إليهم وعرفت بدولة:الخراكسة المماليك. 


دولة الجراكسة 

ابتدأ سلطان هذه الدولة في مصدر والشام سنة 784 وانقرضت سنة 
2 فكانت مدتها 138 وعدد ملوكها 23 أولهم السلطان الملك الظاهر 
سيف الدين برقوق بن نص العثماني الجركسي , تولى الملك سنة 784 ثم 
قبض عليه في سنة 791 ثم أعيد إلى السلطنة سنة 790 وفي سنة 801 
تسلطن ولده الملك الناصر فرج. وفي سنة 808 د ولى ولده المنصور عبد 
العزيز. ثم في سنة 815 أعيد والده الملك الناصر فرج فقتل » وأضيفت 
السلطنة إلى الخليفة المستعين بالله العباسي فجمع بين الخلافة والسلطنة ستة 
أشهر » ثم خلع منهما وتسلطن الملك المؤيد شيخ. 

وفي سنة 820 حضر الملك المؤيد شيخ إلى حلب وأمر بعمارة 
سورها الجوّاني وكان خرب معظمه في حادثة تمرلنك. وقد جمع الملك 
المؤيد شيخ القضاة واستشارهم في أمر السور ء وكان في ذلك خراب 
مساجد وجوامع وأسواق. قال علاء الدين بن خطيب الناصرية في تاريخه 
الدر المنتخب : فأشرت عليه ألا يفعل فأصرّ على بناء السور الجوّاني 
ورسم به » ثم سافر نحو القاهرة ورسم بإخراج دراهم من حلب ومعاملتها 
وغيرها وجهز الدراهم لحلب لعمارة السور الجواني. فشرع بعمارته وعمر 
جانب كبير أشار به » ولما 


-191- 


مات بطل العمل. مات الملك المؤيد شيخ سنة 824 فتسلطن بعده ولده الملك 
المظفر أحمد وقبض عليه في هذه السنة. وتسلطن بعده الملك الظاهر ططر 
فمات في هذه السنة أيضا. وتسلطن بعده ولده الملك الصالح محمد وخلع 
سنة 825 وتسلطن بعده الملك الأشرف برسباي. 

وفي سنة 841 عهد بالسلطنة إلى ولده الملك العزيز أبي المحاسن 
يوسف فخلع سنة 842 وخلفه الملك الظاهر أبو سعيد جقمق وخلع نفسه سنة 
7 وتولى بعده ولده الملك المنصور عثمان. وخلع في هذه السنة وخلفه 
الملك الأشرف أبو النصر إينال. وفي سنة 865 خلع نفسه وعهد بالسلطنة 
إلى ولده الملك المؤيد أبي الفتح أحمد. فخلع في هذه السنة وتولى الملك بعده 
الملك الظاهر أبو سعيد خوشقدم وهو غير جركسي توفي سنة 872 وخلفه 
الملك الظاهر بلباي الأتابكي فخلع بعد مدة وتسلطن بعده الملك الظاهر أبو 
سعيد تمربغا الأتابكي وخلع بعد شهرين » وولي الملك بعده أبو النصر 
قايتباي المحمودي الظاهري سنة 872 ومات سنة 891 فولي ولده الملك 
الناصر محمد بن قايتباي وقتل سنة 904 وولى مكانه خاله الملك الظاهر 
أبو سعيد قانصوه فاعتقل » وولي بعده صهره الملك الأشرف جانبلاط سنة 
5 فقتل وتسلطن بعده الملك العادل طومان باي سنة 906 فقتل. 

فتولى بعده الملك الأشرف قانصوه الغوري وهو آخر ملوك الدولة 
الجركسية ولما أراد المماليك أن يولوه السلطنة شرط عليهم ألا يقتلوه إذا 
أرادوا غيره بل يعلموه بإرادتهم فيخلع نفسه متى شاؤوا. وقد بقي في 
السلطنة إلى سنة 922 وفيها كان مقتله في محاربة السلطان سليم العثماني 
على ما نبينه. 

مقتل السلطان قانصوه الغوري واستيلاء السلطان سليم العثماني 


على مصر والشام : 

في سنة 922 تقدم السلطان سليم العثماني بجيوشه إلى البلاد الشامية 
ليستولي عليها ويستخلصها من يد السلطان قانصوه الغوري. وقد اختلف في 
أسباب قيامه فقيل : هي أن السلطان سليم ) لما غزا العجم مرّ بعساكره 
على البيرة فمنع علي دولات أهل مرعش 


(1) كذا والصواب هنا «سليما» على البدلية. ولا وجه لمنعه من التنوين. وسيتكرر ذلك عند 
المولقة 


- 192 - 


من أين يبيعوا الأقوات عساكر سليم » وأباح لأهل مرعش أن ينهبوا أحمال 
أقوات العساكر العثمانية » فمات أكثرهم جوعا » فاستاء السلطان سليم من 
ذلك وكتب إلى الغوري يستأذنه بحرب علي دولات فكتب إليه بأنك إذا 
أمكنك أن تقتله فافعل. وكتب إلى علي دولات يحرّضه على السلطان سليم. 
وكان قصده من تحريض الطرفين أن يتخلص من أحد عدوّيه. ففطن 
السلطان سليم لذلك وقصد حرب الغوري. 

وقيل : إن السبب هو أن السلطان قانصوه أظهر أن مجيئه إلى حلب لم 
يقصد منه سوى إيقاع الصلح بين السلطان سليم وبين الشاه إسماعيل 
الصفوي. وقد كتب إلى الشاه مع رسول بعثه خفية كتابا يعده فيه بالنجدة 
على السلطان سليم. فوقع الكتاب بيد السلطان سليم وتجرد لمحاربة 
الغوري. 1 

وقيل : إن مجيء السلطان سليم إلى هذه البلاد كان باستدعاء من أهلها 
تخاضيا من الحكومة المضيرية لما كانت كحريه على أهل هذه الداذة مسن 
العسف والظلم ومصادرة الأموال » حتى كثرت العوانية () لكثرة ما يصغى 
إليهم » وسلب كثير من الأغنياء أموالهم حتى عادوا فقراء. وكانت التركات 
تأخذها الحكومة وتبقي ورثة الميت فقراء. وقد أشار إلى هذه المظالم 
القرماني في تاريخه » والشيخ زنبل » ورضي الدين الحنبلي في كتابهما ©) 
»؛ وغيرهم من المؤرخين. 

وقال بعض المفكرين من الأتراك : إن سبب مجيء السلطان سليم إلى 
البلاد الشامية والقطر المصري عارض .» وإن السلطان سليم لم يكن في 
حملته هذه قاصدا فتح سورية » بل كان الغرض منها أن يقصد بها حرب 
الشاه إسماعيل ويزيل دولته ويستولي على مملكته لغرضين : أحدهما 
تخليص الناس من كفره وظلمه » وثانيهما ‏ وهو المقصد الأعظم ‏ فتح 
الطريق إلى الشرق الأقصى واستيلاؤه على ما فيه من الدويلات الإسلامية 
المتبعثرة » وجعل العالم الإسلامي جميعه تحت راية واحدة لا تقوى على 
تمزيقها عواصف الأيام والليالي مهما كانت عظيمة. هذا هو الذي كان 
يقصده من هذه الحملة وبقية الحملات التي كان 
(1) العوانية : كلمة أطلقت على الأموال المغتصبة ظلما وعدوانا عن طريق الوشايات والتهم 


الباطلة. وربما أطلقت أيضا على من يقومون بالوشاية كما يفهم من نص الغزي. 
(2) الوجه أن يقال : «كتابيهما». 


-193- 


يجهزها لغزو بلاد العجم. غير أنه لما تحقق أن السلطان الغوري حليف 
الشاه إسماعيل وظهيره » بدأبه قبل أن يبدأ بمقصده الأصلى لأنه عد سلطان 
مصر عقبة كؤودا ) تعوق سيره إلى تلك البلاد. والله أعلم. 

هذا وإن السلطان الغوري - قبل أن يخرج من مصر ‏ أعد من جهاز 
السفر والآث الحزت :ولوازنهما له سفع مثله» يحيك كان عند بحشه 
وعدد محاربيه يفوق عدد وعدة الجيش العثماني أضعافا مضاعفة. ثم خرج 
السلطان الغوري من مصر ‏ ومعه الخليفة والقضاة الأربع ‏ يوم السبت 16 
ربيع الآخر سنة 922 وكان معه 944 أميرا. وبينما هو في الطريق ورد 
عليه من نائب حلب خيري بك كتاب يقول فيه : إن ابن عثمان أرسل قاصدا 
ومعه كتاب لمولانا فأبقيت القاصد وأرسلت الكتاب. فلما فكّه السلطان وقرأه 
فإذا فيه عبارة حسنة وألفاظ رقيقة منها أنه أرسل يقول له : أنت والدي 
وأسألك الدعاء » وإني ما زحفت على بلاد علي دولات إلا بإذنك وإنه كان 
باغيا عليّ وهو الذي أثار الفتنة بين والدي والسلطان قايتباي حين جرى 
بينهما ما جرى » وإن البلاد التي أخذتها من علي دولات أعيدها لكم. 

فانشرح الغوري وجماعته من هذا المكتوب واستبشروا بالصلح. 
وكان ذلك كله احتيالا من ابن عثمان. ثم ورد عليه من سيباي نائب دمشق 
كتاب آخر » فيه : إن العبد سمع بأن حضرة السلطان يريد السفر إلى قتال 
ابن عثمان » وإن المملوك يقوم بهذا الأمر وتمدّوه بالعساكر المنصورة » 
وإن خيري بك ملاح علينا » ومكاتيبه لا تنقطع من عند ابن عثمان في كل 
وقت. فلم يلتفت الغوري إلى مكتوب سيباي حذرا منه » لأنه كان له رمّال 
يقول له : يلي الحكم بعك حرف السين فكان يحاذر من «سيباي» ظنا منه 
أنه هو المراد بالسين. 

ولما دخل الغوري دمشق زيّنت له سبعة أيام » وفرش سيباي تحت 
حوافر فرسه شقق الحرير » وازدحمت عليه المماليك بسبب نثر الذهب 
والفضة. ثم رحل إلى حمص ومنها إلى حلب فدخلها يوم الخميس عاشر 
جمادى الآخرة سنة 922 وكان دخوله إليها من باب المقام متوجها إلى 
الميدان الأخضر في موكب عظيم وأبهة زائدة » ومعه أمراؤه والقضاة 


(1) في الأصل : «كوود «فأثبتنا الصواب. 


- 194- 


الأربعة والخليفة المتوكل على الله العباسي » وجماعة من مشايخ الصوفية 
ذوي الأتباع ومعهم الأعلام » وخيري بك - كافل حلب حامل بجانبه القبة 
والطير » فنزل بالميدان المذكور ثم حضرت إليه كفال مملكته بعساكرها. 
ولما بلغ السلطان سليم » نزول الغوري إلى حلب عجب من ذلك وخفي 
عليه السبب ٠‏ فأوفد على الغوري - لكشف خبره ‏ قاضي عسكره زيرك 
زاده » وقراجا باشا » ومعهما هدية حافلة. ولما مثلا بين يديه سألهما عن 
السلطان سليم فقال له القاضي : هذا ولدك وتحت نظرك. فقال له الغوري : 
لو لا أنه مثل ولدي ما جئت من مصر إلى هنا بأهل العلم حتى أصلح بينه 
وبين إسماعيل شاه » ثم أجزل عطاءه وصرفه. 

ثم إن الغوري نادى بالرحيل لمقابلة السلطان سليم » ورحل في 
النصف الآخر من رجب من السنة المذكورة وقد أودع جميع أمواله وأموال 
أمرائه عند أهل حلب » وصحب معه قضاة حلب وجماعة من الصوفية 
ومعهم الربعءات والأعلام » وأظهر أنه بصدد الإصلاح بين السلاطين. 
عشرة عساكر من خيار عسكره لابسين أحسن الملابس وعلى رؤوسهم 
الخوذ » ومع مغلباي كتاب يتضمن طلب الصلح فيما بين السلطان سليم 
وشاه إسماعيل. فلما وصل القاصد المذكور إلى السلطان سليم ودخل عليه 
ومعه العساكر العشرة اغتاظ السلطان سليم وقال لمغلباي : ألم يكن عند 
أستاذك رجل من أهل العلم يرسله لنا؟ وإنما أرسلك بهؤلاء العشرة ليرعب 
بهم قلوب عسكري ويخوفهم » ولكن أنا أكيده بأعظم من هذا. ثم أمر 
بالعساكر العشرة فضربت رقابهم وحبس مغلباي. وبعد يومين أراد أن 
يلحقه بهم فشفع به متصرف عينتاب » فتركه حيا ولكنه حلق لحيته واخلق 
ثيابه وأركبه على حمار معقور أعرج » وقال له : قل لأستاذك يجتهد جهده 
وأنا سائر إليه. ولم يقرأ كتاب الغوري لشدة غيظه. 

ولما رجع مغلباي إلى الغوري على هذه الحالة عسر عليه ذلك وصمم 
على قتال السلطان سليم » وأمر كربتاي بأن يكشف خبر السلطان سليم 
ويرجع على الفور. فلما وصل كربتاي إلى قيصرية وجد أهلها قد قفلوا 
أبوابها وتأهبوا لقتال الجراكسة لما بلغهم عنهم ما فعلوه 


(1) كذا » والصواب : «سليما» بدل من المنصوب قبله. 


- 195 - 


بحلب وأهلها » ووجد نائب عينتاب قد انحاز إلى السلطان سليم فرجع 
كربتاي وأخبر الغوري بعصيان قيصرية وعينتاب » وأن عسكر السلطان 
سليم قد أقبلت طلائعها. فارتج عسكر الجراكسة لما فشا فيهم هذا الخبر 
ووقع فيهم الخلل. وعند ذلك انتبه الغوري وجمع الأمراء والأعيان وتحالفوا 
على الصدق فيما بينهم » وقام من بينهم الآمير سيباي نائب دمشق وقبض 
على خيري بك نائب حلب وجرّه من طوقه بين يدي الغوري قال : يا مولانا 
إذا أردت الظفر بعدوك فاقتل هذا الخائن. فقام الأمير جانبردي الغزالي 
ووخغفت تنو كتكم . وكاخ هذا الكلئح مكيدة من الغز الى. 

ثم إن الغوري أمر أن ينادى بالرحيل والنزول على حيلان. وفي اليوم 
الحادي والعشرين رجب ركب الغوري وخرج من ميدان حلب وبات بمن 
معه في حيلان. وفي الغد أمر العسكر بالرحيل إلى مرج دابق حيث جعله 
موعدا للسلطان سليم. فرحلوا وأقاموا به. فلما كان اليوم السابع والعشرين 
الإمام عثمان بن عفان (رضه). وكان على الميمنة سيباي وعلى الميسرة 
خاير بك. 

فى القهم الفزريقان للققال قو كان تعمر اإرتاعة حفى لاحت الغلجة على 
العثمانيين وأخذ الجراكسة منهم سبعة سناجق (2). وكاد السلطان سليم يهرب 
أو يستأمن » غير أن الغوري أراد أن يمكر بالقرانصة الذين طالما حاول 
نكبتهم وهم جند الدولة العام » فنادى بمماليكه الجلبان (وهم عسكره 
الخاص) ‏ الذين نوى في استحداثهم قهر القرانصة ‏ أن يكفوا عن القتال 
وَيتوكوا القرانصة يقاتلون وحدهم. فكقوا وقد شعر القرانصة بمكره فتغيرت 
نياتهم » وقد جد الجيش العثماني بإطلاق نيران المدافع فصارت تمطر على 
الجيوش المصرية وابلا من القنابل المهلكة فاضطربوا وخافوا وصاروا 
ينادون العثمانيين بأعلى أصواتهم : لسنا ممن كفر بالله حتى تحرقوننا © 
بالنار. 


(1) أي سبعة ألوية. 
(2) الصواب : «تحرقونا» بحذف نون الأفعال الخمسة. 


- 196 - 


يشما حرفي هذا" الاضطر اند والاز نباك إذا والسلطاك سليو كد رمه 
بجواده وشق الصفوف وبيده سيف عمر بن الخطاب (رضه) » وصاح في 
أمردانة صبيحة ودوا بها على: لحر اكينة كاليضر إذا سال بعريحق الواذى. وها 
زال السلطان سليم وعسكره سائرين حتى جاؤوا إلى صف الغوري » 
وهرب خاير بك والغزالي ومن معهما » ونادوا بأعلى اصواتهم ‏ تجاه خيام 
وانكسرنا. فتبعهم الجلبان وتشتت العسكر وظنوا أن الغوري قتل حقا. وكان 
هذا الفعل من خاير بك وصاحبه مكيدة للغوري. أما الغوري فصار ينادي 
الهارييق : يا سادات! المستجاعة صني بباعة. فلم يلتفتوا اليه ولما تتشفى 
الغوري أن الكسرة عليه نزل عليه خلط فالج أرخى حنكه » فطلب ماء فأتوا 
به فشرب قليلا وألفت فرسه ليهرب فسقط على الأرض وطلع الدم من فمه. 
فأمر الأمير علان عبدا من عبيده أن يقطع رأسه ويرميه في الجب خوفا من 
أن يظفر به السلطان سليم فيمثّل به في البلاد. ففعل العبد ما أمره به الأمير 
علان. وقيل إن الغوري لما شعر بنزول الخطب مات فجأة فمرّ به بعض 
عسكر السلطان سليم فحز رأسه وأحضره إلى السلطان فأمر بقطع رأس 
هذا العسكرق وقال ل0ه لوس لك إن تذكل بين الملو كه 

وعلى كل هال فلم يجام اللخور في خرن و لم وير كه 1 :كلو أتززر :ولا قات 
وقتلوا عدة أمراء من الجراكسة وغيرهم » وفقد المصحف العثماني ونهب 
وهو كالقطرة من بحر بالنسبة لما أبقاه الغوري وأمراؤه عند أهل حلب. ثم 
إن السلطان سليمان بقي ليلة في مرج دابق وذهب أكثر عسكر الغوري 
قاصدين حلب فمنعهم أهلها لما قاسوه منهم عند مجيئهم. 

وأما خاير بك فإنه دخل حلب وزيّن لمحمد بن الغوري - وكان أبقاه 
أبوه على خزائنه بقلعة حلب أن يسافر بالعسكر إلى مصر ويتبوأ موضع 
أبيهووعدة المساعدة علي ذلك بوكان هذا مق كاين بك عام المكييدة اراهد 
بالعسكر قاصدين مصر ؛ وسار معه خاير بك. فلما وصلوا حماة بقي بها 


-197- 


الا ل ارو مه 
يستقبلونه ويهنونه بالفتح ويسألونه الرفق والصفح فقابلهم بالجميل. 

حوادث الدولة العثمانية في حلب : 

ودخل السلطان حلب في رجب سنة 922 وتسلم قلعتها بالأمان وطلع 
إليها فرأى فيها ما أدهشه من الذهب والفضة وغيرهما. ثم جمع بأمره من 
تجار حلب مال كثير سموه «مال الآأمان» وصاروا يبذلونه بطيب كوم 
القحط أدنى شيء مع كثرة جيوشه. را نر رن ل 1 أن 
وت سلطا فى از ب حلي درول الشكر ” فلم يقبل منه السلطان 
غرضه بل أموهم أن لآ بن يبيت منهم بحلب ديّار. يرن امون لكان علي 
لاير اا ردان ار 
يوم الجمعة نزل السلطان إلى الجامع الكبير وصلى فيه ودعا له الخطيب 
وسماه «حامي الحرمين». ولما فرغ من صلاته أرسل إلى الخطيب يأمره 
بان يبدل بعد هذا كلمة حامي «بخادم» ثم خلع عليه واستمرت عادة هذه 
الخلعة مع ولاة حلب إلى أواخر أيام العثمانيين في أول جمعة يصلونها 
بجامع حلب. 

وكان إطلاق كلمة «خادم الحرمين الشريفين» على السلاطين 
العثمانيين لأول مرة في مدينة حلب. وقد سر السلطان سليم من هذه الكلمة 
وتفاءل بها خيرا. وقد بقي في حلب عشرين يوما وجعل عليها أحمد بن 
الله باشا زاده أن يحرر أملاك لوائها ليعين ضريبة الأملاك بموجبها. شم 
رحل السلطان من حلب إلى دمشق في العشرين من شعبان ذ فلما وصلها تلقّاه 
أهلها كما فعل الحلبيون » فأمّنهم وصلى بها الجمعة وتصدق بها سرا وعلنا. 
ثم حمّن له خاير بك أن يتوجه إلى مصر للاستيلاء عليها. فسار نحوها 
واستولى عليها في خبر يطول شرحه. ثم عاد إلى دمشق وأمر ببناء التكيّة 
الصالحية ثم إلى حلب إلا أنه نزل بمرج دابق وأقام به نحو شهرين شم سار 
إلى تخته قسطنطينية. 


- 198 - 


صلب حبيب بن عربو : 

وفى هذه السنة صلب تحت القلعة الأمير حبيب بن عربو » من طائفة 
معتبرة من أمراء القصير » من أهل السنة والجماعة » لاتهامه بأنه جمع بين 
تسعة نسوة في أن واحد. 


قتل طومان جماعة السلطان سليم : 
وفي سنة 923 أرسل السلطان سليم خان جماعة من الأمراء والقضاة 
بكر بن عبد البر بن محمد » ويتصل نسبه به حب الدين بن الث نة, 


نفي جماعة من الحلبيين إلى طربزون © : 

وفي سنة 925 ورد أمر السلطان لوالي حلب بسوق ستين رجلا من 
تجار حلب إلى طربزون » فحصل القبض عليهم في ليلة واحدة بحيث 
صاروا يأتون بالرجل وهو لا يشعر بما أريد فيه » ثم سيقوا إلى طرابزون. 
ثم ورد أمر آخر بنفي من في حلب من الأعاجم إلى القسطنطينية فسيقوا 
إليها. وبرز أمر آخر بسوق أهل بيوت القلعة لاتهامهم بأنهم أخفوا خزانة 
مال الغوري بعد ما كان السلطان أقر القلعيين على ما كانوا عليه من المكث 
فيها » فسيقوا إلى القسطنطينية أيضا. 

الاستئذان عن عقود الأنكحة : 

وفي هذه السنة صدرت أوامر القضاة إلى العلماء أن يأخذوا إذنا منهم 

الميحكمة الشسغينة. 

هبوب عاصفة شديدة : 

وفيها هبت ريح عاصفة ذهبت برأس منارة زاوية الاطغاني © , 


وطرابزون جامع الصيفي وبعض حجارتها وتاج الشرافة الكائنة فوق باب 
قبلية جامع الأموي بحلب » وبعض 


(1) طربزون » أو طرابزون : مرفا في آسية الصغرى , على البحر الأسود . قرب حدود 
جمهورية جورجيا. 

(2) كذا » وفي «الآثار الإسلامية والتاريخية» ص 248 «الاطعاني» وتقع هذه الزاوية في 
شمالي محلة المشارقة. 


- 199 - 


جدران متوهنة. وقلبت كثيرا من الأشجار العظام ورفدت رجلا كان في 
الفلاة قدر ذراعين عن الأرض ثم ألقته في مكان آخر. 

إشهار جان بردي العصيان وقتله : 

وفي سنة 926 أشهر العصيان جان بردي الغزالي ابن عبد الله 
السلطان سليم من أيدي الغوريين وولاه دمشق فلم يظهر معه هذا المععروف 
العظيم » بل عندما توفي السلطان سليم وجلس مكانه ابنه السلطان سليمان 
نبذ العهود والمواثيق وتجاهر بالعصيان وتسلم قلعة دمشق. ثم وجه جماعة 
مع مملوكه قانصوه المقرفع فقبض على والي حمص وقتله. ثم دخل حماة 
وقد فرٌ قاضيها وواليها إلى حلب , واوقع الحمويّين في أمر مريج. ثم 
في محاصرة حلب » وكان واليها قراجا باشا المتقدم ذكره. فلم ينل من فعله 
هذا طائلا » وآل أمره إلى أن حر رأسه في سنة 927 في معركة كانت بينه 
وبين قراجا باشا المرسل بعسكره إليه قبلا. ولما حز رأسه اشترته زوجته 
بمال جزيل ودفنته. 

عزل قراجا باشا عن حلب وبيان أغلاط في سالنامة سنة 1303 : 

وفي أواخر هذه السنة أعني سنة 926 عزل عن ولاية حلب قراجا 
باشا وأمره السلطان سليمان بسوق السفن إلى جهة بلغراد. فساقها وقتل 

تنبيه : لم نعلم من ولي حلب بعد قراجا باشا المذكور؟ وما ذكره في 
سالنامة الولاية المطبوعة في حلب سنة 1303 من أن الوالي بعده خسرو 
باشا سنة 952 فهو غلط محض © لما عرفت من أن قراجا باشا توفي في 
سنة 928 اللهم إلا أن تكون حلب بقيت بدون وال طول هذه المدة. على أن 
خسرو باشا نقل من ولاية حلب إلى مصر سنة 941 كما أفاده في درّ 
الحبب. 


(1) انظر در الحبب ج 1 / 210 - 212 وفيه أن مقتل قراجا باشا كان سنة 927. 
(2) في الأصل : «محط» فصوبناه كما ترى. 


- 200 - 


واعلم أن مثل هذا الغلط الفاحش وقع كثيرا في السالنامة المذكورة . 
وفي ذكر أسماء الولاة العثمانيين » بحيث قدّم بعضهم على بعض » وذكر 
نوم انق لم رنولك اكلض ولف 15: و اقدل ماق نر اها رونا طوياة. لهذا ل 
نعول عليها في ذكر الولاة إلا من لم نقدر على تحرير زمنه ذكرناه 
وعزوناه إليها لتكون العهدة عليها. وي اك رك اماع لاود علي قار بم 
في وسعنا صححنا جدول الولاة في سلنامة الولاية على 5 مقتضى ما حررناه 
»؛ وذلك منذ فتح حلب إلى يومنا هذا. ومن يراجع السالنامة المطبوعة سنة 
3 وما قبلها يظهر له ذلك جليا. 

وفي سنة 930 حدث طاعون مهول لم يبق ولم يذر. 

صلب نائب حلب أي قاضيها : 

وفي سنة 931 دخل إلى حلب مجتازا منها إلى آمد ‏ إبراهيم باشا 
ابن عبد الله باشا الرومي » وأمر بصلب نائبها محمد بن حمزة لما بلغه عنه 
من الظلم والتجاهر بالرشوة وشرب الخمر وحضوره إلى المحكمة ورائحته 
مشمومة منه. 

مقتل قرا قاضي : 

في سنة 934 كان قرا قاضي علي بن أحمد علاء الدين الرومي متوليا 
على خطة تفتيش أوقاف حلب وأملاكها والنظر على الأموال السلطانية. 
فبالغ في جمعها وتثميرها حتى أخرج حكما سلطانيا بمنع توريث ذوي 
الأرحام من الشافعية بخصوصهم ؛ وضبط التركة لبيت المال. وأراد أن 
بحل ملح المملحة التخبيرط ابيث: المال أغلى من الفلفل 4 ز اعمنا أن القتان 
أحوج إلى الملح منه » ومنع بيع حنطة كانت مخزونة للسلطان سليمان خان 

ولما اجتمعت هذه الأسباب وأراد الله إنفاذ أمره فيه حضر لصلاة 
الجمعة خامس شعبان من السنة الم ذكورة في الجامع الكبير » فقام عليه 
غوغاء الناس وأسافلهم وكثر لغطهم فيه » ثم كبّروا ووثبوا عليه وقتلوه 
ضربا بالنعال ورجما بالحجارة وقتلوا معه أحمد بن أبي بكر الأصلي 
العريقي الحلبي لأنه كان يعضده في أعماله. ومن العجب أن قصابا شق 


(1) كذا » ولعلها : بالمرّة. 


- 201 - 


المذكور وأخذ من شحمه شيئا بيده والناس يرونه ولم يردعه أحد عن فعله. 
وقد سحبوه إلى تلة عائشة بالقرب من السفاحية ليحرقوه » فترامى عليه أهله 
وسحبوه وخلصوه. كما أن السفلة المذكورين جروا جثة قرا قاضي وجردوه 
من ثيابه ليحرقوه » فخلصه جماعة من أهل الخير وخبئوه في الميضأة إلى 
ثاني يوم ثم غسلوه ودفنوه. 1 

ولها افكت هذه لقع نافع اذك ان ١‏ زوعتلنة لقان اال 
والانتقام منهم - عيسى باشا حفيد إبراهيم باشا المتقدم ذكره. وعندما قارب 
حلب حصل للناس فزع عظيم وقلق جسيم » وذلك أنه نزل بالميدان 
الأخضر في غرة محرم سنة 935 ودعا إليه سائر الأكابر والأعيان 
والتجّار وحبس مشايخ المحلات وأئمتها إلا من عصم الله. ثم أطلق الأئمة 
وقبض على بعض الموظفين بالجامع الكبير وشدد عليهم ووضع بعضهم 
في السلاسل وأخذ في الفحص عن المتهمين » فمنهم من أقرّوا ومنهم 
[من]1» اض طرب » ومنهم من عرّاه ليضربه فلم يقرٌ. ثم استخرج من 
السجلات أسماء آخرين وجمع المتهمين عن آخرهم وأمر بتقييد جميع 
الحاضرين من الخواص والعوام. ثم عفا عن الخواص إلا أنه لم يطلق منهم 
أحدا بل كلهم باتوا عنده في الميدان » ورجعت خيولهم إلى دورهم لا يدرون 
ما يفعل بهم. 
ولميزل العسكر متسلحين واقفين بين يديه حتى ظن أنه يضرب 
أعناق الجميع. وفي ثاني يوم ارسل شرذمة من العسكر إلى سجن حلب 
واحضروا منه بضعا ©) وعشرين إنسانا من المتهمين بهذه الحادثة فقتلهم 
في نهار واحد وسجن الباقين. وبقي الأكابر من العلماء وغيرهم عنده إلى 
عصر اليوم الثاني وهم في وجل عظيم بحيث لا يجسر أحد من المتخلفين 
من أهل حلب على أن يأتي بخبر المرسم عليهم عنده أو يصل إليهم من 
بعيد. ثم أطلق طائفة منهم واخرى من المتهمين وأبقى عنده العلماء ليلة 
قانية لكن مع الأكر انو الاحترام في "العداك والعتناى قه.افين أن بسحن في 
سجن القلعة وجامعها طائفة من العلماء وغيرهم بعد أن عيّن معهم طائفة 
من عسكره متسلحين » يسوقونهم إلى القلعة ما بين ماش مربوط اليدين 
وآاخر مسلسل العنق على وجه » لا يعلمون عاقبة امرهم » ثم كان ماله أن 
نفى أكثرهم إلى رودس وآقاموا بها أعواما حتى أطلق سراحهم بشفاعات 
وكفالات إلا البعض منهم. 


(1) ما بين مربعين زيادة يقتضيها السياق. 
)2( الصواب : «بضعة» لآن المعدود مذكر » فتخالفه. 


- 202 - 


عيسى باشا وحالته : 

وفي سنة 935 استقر عيسى باشا واليا في حلب . وكان عالما فاضلا 
في عدة فنون حتى في الطب إلا أنه كان عنده قوة غضبية بحيث إذا اشتد 
غضبه خمش يديه بيديه فأدماها. 

وهو لا يشعر بذلك ؛ فإذا سفك دم المغضوب عليه سكن ما به. وكان 
يعتاد لبس الثوب الأحمر يوم الغضب كما كان ذلك عادة لبعض المتقدمين 
من الجراكسة. ولم اعلم من تولى حلب بينه وبين قراجا باشا. 

وفي سنة 939 حدث طاعون ثشديد أهلك خلقا كثيرا. 


مجيء السلطان سليمان إلى حلب : 

وفي سنة 940 عاد السلطان سليمان خان من فتح تبريز » ومرّ 
بطريقه على حلب وطاف على مزاراتها » وكان بركابه إبراهيم باشا 
الوزير الأعظم المتقدم ذكره. وفي سنة 941 نقل خسرو باشا من ولاية 
حلب إلى كفالة مصر » ولم أر من صرّح بتاريخ دخوله واليا على حلب. 
ويفهم من در الحبب أن والي حلب قبله موسى بك » المشهور بابن اسفنديار 
الخالدي ). وعلى هذا فيكون موسى بك بين خسرو باشا وبين عيسى باشا. 

وفهم من در الحبب أيضا أن الوالي على حلب بعد خسرو باشا حسين 
بك. قال2):«وكان كثير القتل بغير سجل شرعي » سفاكا للدماء على صورة 
قبيحة من تكسير الأطراف والإحراق بالنار والمحرق حيّ متناولا للرّشا ©) 
لا نفع له. توفي وهو وال على حلي فى حصاذى الأول سنة 949 ودفن 
خارج الكلاسة» » ولم أقف على من تولى حلب بعده إلى أن دخلها واليا 
مصطفى باشا البيوقلي » كما يأتي. وفي سنة 950 حدث طاعون جارف لم 
تعلم وفياته اليومية. وفي سنة 951 دخل حلب واليا عليها مصطفى بن 
بيوقلي باشا الرومي ٠‏ فتتبع قطاع الطريق ليلا ونهارا بنفسه وعسكره » 
وأظهر سطوته في اللصوص وربما جاءه النذير عن طائفة من دعّار 
الأكراد وغيرهم من مكان كذا » فركب عليهم في الحال بثياب البذلة. 
(1) در الحبب : لابن الحنبلي ج 2 / 500. 


(2) در الحبب : ج 5577/1. 
(3) جمع رشوة. 


- 203 - 


حريق : 

وفي هذه السنة وقع الحريق ليلا بالحوانيت الكائنة تجاه جامع 
الأطروش والسوق الذي وراءه. فحضر الوالي بنفسه ووقف ونادى مناديه 
ألا يقرب الحوانيت إلا أربابها وقطع النار عنها. ثم نادى أن يرفع أهل حلب 
السقائف المعمولة من البواري ) لسرعة عمل النار فيها وأن يعملوا 
السقائف من الخشب. ففعلوا وجدّد في أيامه سقائف لم تكن قبلا حتى ارتفع 
ثمن الخشب لكثرة العمل بحلب. 


طاعون وغلاء وغيرهما : 
وفي هذه السنة وقع طاعون جارف توفي فيه ما لا يحصى من 
الأشراف والاعيان والعلماء. وحصل مع هذا الطاعون غلاء عظيم. 
واحترق نهر قويق بحيث صر الناس يمرون به » وخاف الناس من 
اللصوص خوفا شديدا بسبب سطوة مصطفى باشا والي حلب ؛ وقامت 
زوبعة عظيمة قصمت ظهور الناس رعبا. ووقع مطر غزير في عينتاب 
والناس في صلاة الجمعة فلم يشعروا إلا والسيول حفت بهم وأغرقت كثيرا 
من بيوتهم. 

وفي سنة 952 © قدم إلى حلب عمر بن محمد بن محمد الحصكفيّ 
الأصل متوجها إلى الباب العالي بقطعة من خشب ء ذكر أنها من قدح النبي 
صلَى الله عليه وسلّم » وأخبر أن القدح كان في بيت أبيه برمّته فأخذ منه 
السلطان الغوري نصفه وسيباي نائب دمشق ربعه وبقي منه ربع شرب به 
بعض أركان الدولة الرومية مستغيثا #) به من فالج اعتراه فشفي » فأخذ منه 
قطعة ثمَّ وثمّ © , إلى أن بقي منه أحد عشر قيراطا طلبها من أبيه السلطان 
سليمان خان » فأرسلها معه بعد أن رفقه بحجة شاهدة بصحة أنها من القدح 
الشريف. ودخل بها الشيخ المذكور إلى الحضرة السلطانية ثم عاد وهو 
منعم عليه ذاكرا أن ربع القدح الذي كان أخذه سيباي وصل إلى الخزائن 
المعمورة السليمانية » وجعل في رأس رايته التي تصحبه للجهاد. وفي أثناء 
هذه السنة عزل عن ولاية حلب مصطفى باشا ووليها سنان باشا بن عبد الله 
الخادم الرومي » كان في أول أمره خادما عند السلطان سليم خان. 
(1) جمع بورية وهي الحصير. 
(2) في الأصل 925 خطأ والتصويب من درّ الحبب ج 1 / 1035. 


(3) كذا. وأجود منه ما في در الحبب : «مستشفيا». 
(4) أي هنا وهناك. 


- 204 - 


توريث ذوي الأرحام من الشافعية : 

وفي هذه السنة حكم قاضي حلب بتوريث ذوي الأرحام من الشافعية 
من مورثهم مخالفا للحكم السلطاني الذي أخرجه قرا قاضي المتقدم ذكره. 
2 
وأمر بعمارة القسطل المنسوب إليه في ظاهر باب الفرج بحلب. وكان مع 
السلطان ولده جهانكر فمرض بحلب وتوفي بعد أيام من مرضه. فأمر والده 
بغسله فغسل وصلَّي عليه تحت القلعة وأم بالناس إمام السلطان الذي كان 
معه » ثم ساروا بالنعش إلى الفردوس تفاؤلا بأن يسكنه الله جنة الفردوس » 
وهناك شقوا بطنه وجوفوه ودفنوا أمعاءه ووضعوه في صندوق ٠‏ فساروا به 
إلى القسطنطينية فدفنوه بها. 


قدوم كوهر ملكشاه إلى حلب : 

وفي سنة 959 قدمت إلى حلب كوهر ملكشاه ابنة عائشة السلطانة 
بنت السلطان بيازيد خان » وكان قدومها من الحج الشريف على ولدها 
مجته نانح ادن توقةه كين والى حلص متاك جام العادان . فخرج 
الحلبيون لملاقاتها وأدخلوها حلب في أبهة زائدة ومشهد عظيم. ثم توفيت 
في السنة نفسها (» ودفنت ببيت اشتراه لها ولدها المذكور قرب السفاحية. ثم 
حصل بجواره بعد خرابه مسجد رتب فيه ثلاثون قارئا يقرءون في كل يوم 
ختمة » ولكل قارىء درهم. 

والمفهوم من هذه الحادثة أن والي حلب في هذه السنة هو محمد باشا 
عادلي ©) وغلط في السالنامة المتقدم ذكرها » إذ ذكره في سنة 972 فإنه في 
هذه السنة لم يكن حيا » فضلا عن كونه واليا في حلب ؛ فقد توفي بالروم 
سنة 964 كما نبّه على ذلك في در الحبب. ولم أقف على من كان بينه وبين 
سنان باشا من الولاة » ولم أطلع على تاريخ انفصال سنان باشا وابتداء 
ولاية محمد باشا في حلب. 

وفي سنة 960 ولي حلب بيربك بن خليل أخو قباد باشا الآتي ذكره 
قريبا. وفي سنة 961 ولي حلب قباد باشا بن خليل بن رمضان القرماني. 


(1) أي سنة 959 ه. وانظر درٌ الحبب ج 2 /  .69‏ . 
(2) يعني ولد «كوهر ملكشاه» » المذكورة قبل بضعة أسطر. انظر درٌ الحبب ج 2 / 263. 


- 205 - 


طاعون : 
وفي سنة 962 حدث طاعون جارف أهلك العباد وأطار الرقاد وتلف 
فيه ما لا يعد ولا يحصى. وقدر بعضهم أنه هلك فيه عشر سكان حلب. 


إحضار ماء السمرمر إلى حلب : 

وفي سنة 964 أرسل قباد باشا والي حلب رجلا أعجميا إلى ما وراء 
أصبهان لإحضار ماء السمرمر 2 إلى حلب بسبب جراد مهول كان بها ء 
وحقيق عوده إليها. وحسئن قباد باشا لأرباب الأموال أن يجمعوا للرسول 
مالا فجمعوا له ما ينوف على مائتي دينار سلطاني » ودفعوا له بعضها 
ووعدوه بالباقي إذا عاد بالمراد. فذهب وعاد في سنته ومعه الماء فخرج 
الناس إلى لقائه ودخلوا به بالتهليل والتكبير. 

ولما كان من تمام خاصّة هذا الماء ألا يدخل تحت سقف كما زعموا 
- كان مستصحبه إذا وصل إلى بلدة يسحبه بحبل من فوق بابها » حتى 
وصل إلى حلب » فسحب من فوق سور باب قنّسرين إلى أن أريد سحبه من 
أعلى سور القلعة فعارض دوز دارها © ومنع ذلك. وعندها وضعوه على 
قبة التكية الخسروية » وكان الجراد قد غرس فى الأرض »؛ فأخذت الحكومة 
نحنف دخ أطز اهن كلب يوقو كالذرات 07 محميعو | قد بضبط قاضي حلب 
- مائتي ألف كيل استانبولي » على كل بيت كيلان فيما زعموا » وألقوه في 
الحفر والآبار المهجورة. فلم يمض القليل من الزمان إلا وكبر ما بقي 
وزحف على البساتين » فحرّك الماء المذكور ليجيء السمرمر بتحريك 
الشيخ محمد الكواكبي ومعه مريدوه فلم يفد » فزعم الناس أن خاصديته 
انقطعت إذ لم يكن الوارد به من أهل الصلاح والشرط أن يكون منهم. 

كلك :ادر كنا فى اننا أن حماضة مين اندز اويذن المتسوبيقة: ان 
الطريقة البكداشية يحضرون إلى البلاد الشامية في أكثر السنين التي يشيع 
فيها غرس الجراد » ويحضرون معهم 
(1) السّمرمر : طائر يعادي الجراد ويقتله. ومن خواص ذلك الماء ‏ في زعمهم ‏ أنه يكون 


سببا في جلب طير السمرمر من الأماكن القاصية فيدفع عنهم جيوش الجراد. 
(2) الدوزدار : محافظ القلعة » أو ماسك القلعة. والكلمة فارسية. 


(3) في در الحبب 2 / 59 : «وهو يومئذ كالذباب صغرا» وهي أوضح. 


- 206 - 


أباريق من الصفيح ضمنها ماء السمرمر » فيعلقونها على جبهة منبر 
الحامع الكنين و ياختورق هلها مز ؤلاة حلت .حطية بحرت العاذة على أخذها 
منهم. وقد لاحظتها في سنين كثيرة فلم أر منها أقل فائدة. 


غدر والي حلب بالحلبيين : 

وفي هذه السنة أيضا انفصل قباد 2 باشا. فسرّ الناس بذلك سرورا 
عظيما إذ تخلصوا من ظلم صوباشيّه ©. وأظهر واحد من الحلبيين لقاضي 
حلب أمرا بالتفتيش على الصوباشي المذكور » فأرسله القاضي مع الأمر 
صحبة المحضرباشي © إلى قباد باشا ء وتبعه باقي المدعين على 
الصوباشي وجماعة من غوغاء الناس » ينتظرون ما ذا يؤول إليه حال 
المكخ ضحي" وو شفع :حاتت يدان الككريتةة ودهد لالد هن المجذكور 
والمحضرباشي إلى قباد باشا » فأمسكه عنده يومين ثم جدع أنفه وأطلقه . 
وأظهر أن القاضي أشار إليه بذلك مع المحضرباشي » وأنه لو لم يفعل به 
ذلك لهجم الناس عليه وقتلوه كما قتلوا قرى قاضي السالف ذكره. ثم كتب 
قباد باشا إلى الباب العالي أن الحلبيين اجتمعوا متسلحين بباب الحكومة 
ليقتلوه ويدخلوا منزل الحضرة السلطانية الذي حلّ ركابها فيه قديما. 

وأما قاضي حلب فإنه حامى عن الحلبيين وكتب عكس ما كتب الوالي 
» غير أن عرض الوالي وصل إلى الباب العالي قبل عرض القاضدي »2 
وشاع في حلب أنه سينفي منها جماعة إلى بغداد. ولماوصل عرض 
القاضي طلب المحضرباشي إلى الباب العالي » فأحضره القاضي لديه 
وأشهد على إقراره جماعة ثقات بأنه لم ير أحدا متسلحا بباب الحكومة. ثم 
توجه إلى الباب العالي وبرّأ الحلبيين عن تهمة قباد باشا ثم أمر الباب العالي 
فرهاد باشا أن يسير إلى حلب ويفحص عن حقيقة هذه المادة فحضر 
وفحصها من دوزدار القلعة وغيره » وظهر له أن الحلبيين مظلومون فيها. 

وفي هذه السنة استقر فرهاد باشا واليا في حلب. وكان عادلا عفيفا 
ظريفا مطرح الكلفة » له ولع بالحديث حتى إنه كان يقول : أنا أحفظ 
ثلاثمائة حديث. إلا أنه أكب 


(1) في در الحبب 2 / 59 «قباذ» الذال. وكذا في المواضع الأخرى. 


(2) الصوباشي : موظف عسكري يعيّن متسلما على مدينة أو يرسل في مهمة خاصة. 
(3) المحضرباشي : الذي يدعو المتخاصمين للحضور إلى القاضي لكي يبت في دعواهما. 


- 207 - 


ان فيتة الكسفاضي و ليك كان مو الحمفة عه ادهوالنة إلى طني سن 
ا ا م 0 
لذلك, 


خروج الجراد : 

وفي سنة 965 شاع أن الجراد خرج في بعض القرى فخرج بعض 
الناس لجمعه بأمر فرهاد باشا. وكان الناس في قحط عظيم وصل فيه رطل 
الخبز إلى عشرة دراهم. وبينما هم على هذه الحالة إذ نادى مناد من قبل 
يد لسر يه د كه 
ب ا د ده الاك 
في سرور عظيم. وبعد أيام ظهر الجراد في بعض معاملات حلب ؛ فخرج 
الوالي بنفسه إليه وأخرج خلائق كثيرة ما بين عوامٌ يجمعونه وخواص 
يناظرونهم. وبقي الجمع نحو أسبوع إلى أن دفنوا منه بالحفر والآبار ما لا 

ا و 500 
أحمد بن محمود ابن عبد الله الخالدي بالصيام ثلاثة أيام والتوجه إلى الله 
تعالى بالدعاء لرفعه » بعد أن خرج والي حلب فرهاد باشا إلى المكان الذي 
هو فيه » في خلائق من أهل حلب ونواحيها يزيدون على عشرة آلاف رجل 
؛ يجمعزن الخزاد. في قلاع التزت والبيسط ويدفنوبة في الأرطن بعد قتله 
وبقوا هناك نصف شهر وهم في مسافة نصف يوم » وعندهم سوق وبينهم 
لهو ولعب. وبينما هم كذلك إذ مطرت السماء لا على ناحيتهم بل على ناحية 
حلب بردا كالبندق والعفص . وربما وقعت واحدة نحو وقية في ساعة كادت 
الصواعق تقع بها » فأتلف كثيرا من الخضر والبقول وما بدا انعقاده من 
الفواكه. وفي سنة 972 ولي حلب أرناود سنان باشا كما في حديقة الوزراء. 

تنبيه : لم أظفر بمادة تسفر عن حوادث حلب من سنة 968 إلى سنة 
8 أما ولاة حلب في هذه المدة فإني ذاكرها نقلا عن سالنامة الولاية » 
وإن كان بعضها خطأ فإن العهدة على مرتبها. 

حرر في سالنامة سنة 1303 أن والي حلب سنة 973 عاد إلى محمد 
ذاقنا وفك عليت 


- 208 - 


ما فيه. قلت : ذكر المجبّي في الخلاصة أن حسن باشا ابن محمد باشا 
صرف من كفالة حلب إلى دمشق سنة 985 ولعل والي حلب سنة 987 
ألوند علي باشا » كما يستفاد مما كتب على الباب الشمالي » أحد أبواب 
الجامع الكبير. وفهمت من كتاب وقف جامع البهرمية أن بهرام باشا كان 
واليا في حلب سنة 991 ولم أعلم متى عيّن ثم متى انقضت ولايته. اه 

قال في السالنامة المذكورة : وفي سنة 994 ولي حلب رضوان باشا. 
2 محمد باشا. اه. 


الشركة الشرقية في حلب : 

قال في محلة المقتطف : وفي سنة 989 تشكلت الشركة الشرقية بأمر 
الملكة إليصابات الإنكليزية » وبعد ذلك بزمن يسير فتحت محلا للتجارة في 
حلب مع بلاد فارس والهند في الطريق البري » وعيّن للدولة الإنكليزية 
قنصل عرفه السلطان مراد خان الثالث. وكان فى حلب وغيرها من الممالك 
العثمانية كثير من المحلات التجارية الفرنسوية. اه. 

وفي سنة 1008 كانت وفاة «أحمد بن موتياب باشا» أمير الأمراء 
بحلب وواليها » ودفن بمحلة الجلوم. 


حريق في حلب وفساد من العرب : 

وفي إبّان ولاية «موتياب أحمد باشا » وقع الحريق في سوق 
العطارين وذهب للناس أموال كثيرة. قيل : سببه أن بعضهم نسي في 
الكانئون بعض النار. وقيل : إن جماعة الباشا فعلوا ذلك ليغرّموا الناس 
بالآاموال. والآول اولى. وفي أيام هذا الوالي أيضا وقع من العرب فساد 
كثير لم يعهد مثله. وقد بنى الوالي المشار إليه مدرسة وشرط لمدرّسها في 
اليوم عشر قطع فضية » وقيل عشرين عثمانيا صحيحا » ورتب ثلاثين 
ويعكتن ذكاكين .اد ذكر ذلك كله الشيخ أبو :الفا العرضي في معادن: الذهت 
؛ ولم يذكر متى ولي الباشا المذكور حلب » ولا عيّن مكان 
(1) كلب المؤلف اسيم الوالى هذا خلافا لمااتكن: قبل سظرين. :وهو :فى محادن الذهت 187 
وخلاصة الأثر 187/1 هكذا : «أحمد بن مطاف». وانظر كتاب الآثار الإسلامية 
والتاريخية في حلب 289 » 358. 


- 209 - 


مدرسته وما وقفه عليها وعلى المدفن. وفي هذه السنة أعني سنة 1008 
عين واليا على حلب أمير الأمراء الحاج إبراهيم باشا. 


فتك إبراهيم باشا بالانكشارية وذكر شيء من فظائعهم : 

وفي ربيعها الآخر فتك إبراهيم باشا بالانكشارية الدمشقيين » وكانوا 
قد استطالوا على فقراء حلب وأفحشوا في ظلم الرعايا جاعلين وسيلة ذلك 
تحصيل الأموال السلطانية فيتوصلون إلى أغراضهم الفاسدة » حتى تزوجوا 
النساء في حلب وصارت لهم قرى وأملاك. فعرض الوالي ذلك إلى 
السلطان فورد أمره بإجلائهم عن حلب إلى بلادهم دمشق » فأمرهم بالرحيل 
فلم يرحلوا وجمعوا جموعهم بالقصير واستعدوا للمحاربة ونهبوا الأموال ؛ 
فتمكن إبراهيم باشا منهم وقتل سبعة عشر من أعيانهم ورفع رؤوسهم على 
الرطاع ن عوك :كن اللولة إن تكن دور ى اف كينات امنينة عله قله 
تجبه » وعزل عن ولاية حلب في اليوم الحادي عشر شوال سنة 1009 
صرح بعزله مصطفى نعيما في تاريخه «الروضتين». 

وبعد أن عزل إبراهيم باشا من ولاية حلب ولي مكانه علي باشا ء 
وكانت الدولة استصوبت رأي إبراهيم باشا ‏ الذي سبق ذكره ‏ بتخصيص 
حلب بقسم من الجنود. 

ولما دخل حلب علي باشا الجديد كتب «القول» الجديد ورتبه على 
هيئة «قول» الشام وغيرها فلم يجد ذلك نفعا » وزاد الدمشقيون في عتوّهم 
وغلوائهم وبقيت في أيديهم خدمة الدفتردار ودار الوكالة وأبواب قناصل 
الإفرنج. وكان من جملة أعمالهم الفظيعة أنهم يعطون مال السلطنة عن 
القرية ويأخذون من أهلها أضعافا مضاعفة » وتبقى أهل القرية جميعا خدمة 
لهم يأخذون منهم جميع محاصيلهم. ولما وصل ضررهم إلى هذه الرادة 
جمع علي باشا زعماءهم بمحضر من العلماء والامراء وأمرهم بالخروج 
من حلب » ونادى الناس عليهم آلا يستوطنوا بحلب. فخرجوا وقوي عليه 
الحلبيون وطردوهم وأساؤوا إليهم » حتى إنهم قتلوا منهم عسكريا. 

فتويحة: الدمشفيو ق إلى الشدام وكقدو| وحمهوا وايرتعاتو! ور يحضو إل 
محاربة الحلبيين. وفي أثناء غيابهم عيّن واليا على حلب بشير باشا » ثم 
سعى بولاية حلب شريف باشا كافل دمشق ٠»‏ فعيّنه إليها السردار حسن باشا 
ورفقه بعساكر دمشق وسيّره معهم إلى حلب. 


-210- 


فوصل شريف باشا إليها ودخلها من باب المقام وخرج من باب بانقوسا إلى 
الميدان. فوجد بشير باشا والعساكر الحلبية ناصبين خيامهم هناك وهم على 
عزم التوجه إلى حسن باشا » السردار المذكور ‏ وكان في دمشق ‏ فنزل 
شريف باشا مع الدمشقيين في قرية بابلي » وإذا بالمساء ورد تقرير بشير 
باشا بولاية حلب من جانب السردار المذكور متأخر التاريخ. ففي اليوم 
الثاني وقعت محاربة عظيمة بين الأميرين واتخذ كل منهما متاريس وأمر 
بشير باشا بإطلاق المدافع من قلعة حلب على شريف محمد باشا 
والدمشقيين فتوقف شريف باشا عن المحاربة وارتحل بعسكره ليلا. 

ولما وقعت هذه الفتنة عرض بشير باشا إلى حسن باشا السردار واقعة 
الحال وطلب منه الاستعفاء » فأجابه إلى ما طلب وأرسل إلى حلب متسلما 
من قبل شريف باشا. وكان الدمشقيون رجعوا إلى دمشق وتقوّوا وعادوا إلى 
حلب ومعهم نحو عشرة الاف عسكري » ولم يكن عند الحلبيين سوى نحو 
ألف وخمسمائة عسكري » فخرج الحلبيون لمحاربة الدمشقيين وهم في 
قرية الراموسة » ودام الحرب بينهم من الصباح إلى قرب العصر » فانكسر 
الحلبيون ورجعوا وأكثرهم مثخن بالجراح. وفي الليل دخل الدمشقيون إلى 
الفيخادت الحا حة عق البدون فاضا طلم الدهاق .| على السلنيون أنو انا المديدة 
- سوى باب قنسرين - ووضعوا عليها المدافع. واتخذ الدمشقيون المتاريس 
عند باب النصر وباب بانقوسا وصاروا يرمون بعضهم بالمدافع. وفي كل 
ثلاثة أيام يخرج الحلبيون إلى جانب باب قنُسرين ويحاربون الدمشقيين. وقد 
خرج غالب أكابر حلب إلى القلعة خوفا من هجوم الدمشقيين على أسوار 
حلب. وكان معظم ذلك في شهر رمضان سنة 1010. 

ولما قدم حلب يحيى أفندي ابن بستان ‏ قاضيا عليها ‏ أنزله الدمشقيون 
عندهم خارج البلد ونسبوا الحلبيين إلى العصيان على السلطان » فأحضر 
القاضي علماء حلب وأمراءها وكتبوا محضرا إلى حسين باشا الجانبلاط ‏ 
كافل كلز ‏ يطلبون حضوره ليصلح بينهم وبين الدمشقيين. فحضر بعد ثلاثة 
أيام بعساكر كثيرة ودخل الجامع الكبير وأحضر العلماء والآعيان وقال : 
هذه فتنة لا تنطفىء إلا بقتل خليل كيخيه كبير «القول» الحلبي »؛ ومحمد 
جاويش من الشوربجية » وجمال الدين منهم أيضا. فأبى الحلبيون أن يعطوا 
واحدا منهم » وطال الكلام وكثر اللغط حتى رضي الدمشقيون بوضع 
الخلاقة في القلعةبجاعة فن النيان إهائة لهم وإطفاء للفتنة: فريطبي الطلبيود 
يذلك وحلدى أتذاللة علي المتصيحف 


-211- 


أن الدمشقيين الذين لهم دور في حلب يقيمون في دورهم » ومن لم يكن له 
دار منهم يرجع إلى وطنه. 

ثم فتحوا باب الفرج لقضاء حوائج الدمشقيين ووقف به ثلاثون رجلا 
من «القول» الحلبي حرسا ورقباء على من دخله من الدمشقيين بسلاح. 
وفي ثالث يوم هجم الدمشقيون وقتلوا من كان بباب الفرج وأخذوا في نهب 
دار محمد جاويش المتقدم ذكره. فثار الحلبيون وخرجوا إلى القلعة. فأرسل 
يقول لهم حسين باشا الجانبلاط : كان عند الدمشقيين حرارة فانطفأت بنهب 
الدمشقيون فإنهم زادوا في طغيانهم واستطالوا على نهب دور الحلبيين. ولما 
رأى حسين باشا أن الداء عضال ولى إلى كلز وقال : سلط الله الكلاب على 
البقر. وأخذ الدمشقيون في محاصرة القلعة ووضعوا المتاريس في سوق 
السراجين » وكان الحلبيون يهجمون على الدمشقيين ويقتلون منهم. فدخل 
الدمشقيون ليلا من تحت القسطل المقارب لباب القلعة ووضعوا النفط 
والقطران وأحرقوا جسر باب القلعة. وعجز الحلبيون بعده من الوصول إلى 
الدمشقفيين. 

وفي غضون ذلك ورد حلب واليا عليها حسن باشا ابن علي باشا ألوند 
؛ فرشاه الدمشقيون بخمسين ألف قرش فأمر برفع القنال حتى يصدر أمر 
الدولة باستخدام أحد القولين في حلب. ثم لما نزل الحلبيون من القلعة ورأوا 
قالوا في انفسهم : تغذوا بهم قبل أن يتعشوا بكم. فهجموا عليهم واثخنوهم 
الدمشقيون الحصار عليهم حتى رضوا بترك الخدمة بالكلية إلى الدمشقيين. 
فرفع الدمشقيون عنهم الحصار وأمنُوهم إذا نزلوا. فانخدع الحلبيون ونزلوا 
رؤوسهم بحضور الوالي والقاضي وهما ساكنان » حتى جمعوا من رؤوس 
الحلبيين مقدار القبة وكان ذلك في يوم عرفة من السنة المذكورة وهي سنة 
الصّوباشي وبيت القنصل وبيت الدفتردار » واستولوا على حلب أكثر من 


- 212 - 


وفي أوائل سنة 1011 قدم حلب واليا عليها نصوح باشا المشهور 
بناصيف باشا فأخذ يمهد أسباب إزالة ضرر الدمشقيين سرا ويستعد لكبتهم 
خفية , لأنهم صاروا أولي قوة ومنعة » وطغوا وبغوا وخافهم الكبير 
والصحيز هن أفل حلب + واستولو| هلئ أكثر كر زها بحيت كلظ الأموالن 
السلطانية وصار أهل القرى كالأرقاء لهم. ولما استحكم نصوح باشا من 
أمره واستعد لكبحهم أخذ في رفع أيديهم عن القرى وإجلائهم إلى بلادهم . 
وحصل بينه وبينهم وقعة عظيمة وكان مساعده عليهم حسين باشا كافل كلّز 
» ففروا بين يديه هاربين إلى حماة ثم جمعوا وحشدوا وجاؤوا إلى كلّز 
وحاصروها وخربوا ما حواليها من القرى كالباب وعزاز وقرى حلب 
ونهبوا الأموال وهتكوا النساء وافتضت عدة أبكار » ودخل بعض أشقيائهم 
بكلّز الحمّام وفعلوا أفاعيل جاهلية. ثم تلاقوا مع نصوح باشا وابن 
الجانبولاط خارج كلّز يوما واحدا ثم انهزموا وعادوا إلى دمشق. 

ثم رجعوا إلى قرب حماة وتظاهروا بقطع الطريق وضربوا على 
حمص وحماة ضرائب من المال » واعترضوا القوافل وجرّموهم. فتقدم 
إليهم نصوح باشا وأطلق عليهم المدافع » فلم يكن غير ساعة حتى انهزموا 
وعادوا إلى دمشق ونهبوا قراها وعاثوا خلالها في الفساد. وكان ذلك في 
سنة 1012 ولما استهلت سنة 1013 تفرقوا عن بعضهم لعجزهم وانقطع 
أمرهم عن حلب » وكفى الله المؤمنين القتال. 

تبييض القلعة : وفي هذه السنة بيض نصوح باشا قلعة حلب وأجرى 
عليها بعض الترميم » فقال بعضهم مؤرخا : 
وقالت : أرّخواء أعني بياضي فأرّخها مبتتضها نصوح 


قيام نصوح باشا على حسين باشا الجانبولاط وما جرى بينهما : 

ولما صفا الوقت لنصوح باشا والي حلب صار يشيع بين الناس أنه 
يريد قتل حسين باشا الجانبولاط والي كلّز زاعما أنه عاص على الدولة . 
مع أن حسين باشا المذكور لا يستحق من نصوح باشا هذا الجزاء بعد أن 
مباعده غلى انكشارية دمشق + وليس هو 


-213- 


عاص ١‏ على الدولة ‏ كما زعم نصوح باشا ‏ بل كانت الدولة تراعيه نظرا 
لما عنده من الشهامة والشجاعة » وبقاؤه في كلز واليا زمنا طويلا لا 
لعصيانه على الدولة إنما كانت الدولة ترى في عزله بعض الصعوبة » 
وتخشى من وقوع فتنة من عشيرة الجانبلاط إذا هي عزلته » فكانت تغضي 
عنه الطرف وتقنع منه بالمال وهو في غاية الطاعة. ولما بلغه تهديد نصوح 
ع ل و لاه رس جع مد د كر 
جريدة إلى كلّز فقابله حسين باشا بعساكره الكثيرة وكسره كسرة شنيعة 
وانهزم نصوح باشا في عسكر قليل إلى حلب. 

وبعد أيام قلائل أخذ في الاستعداد ثانيا لمحاربة حسين باشا وبذل 
الأموال وحشد الأبطال. وبينما هو كذلك إذ ورد على حلب قبجي باشي من 
قبل السردار سنان باشا ابن جفال يخبر نصوح باشا بالأوامر السردارية أنه 
قد صار حسين باشا كافل الممالك الحلبية » وعزل نصوح باشا منها. 
فغضب لذلك نصوح باشا غضبا شديدا وامتنع عن تسليم حلب لحسين وقال 
: إذا ولّوا حلب عبدا أسود فإني أطيعه إلا ابن الجانبولاط. وكتب إلى الدولة 
أن أمراء العشائر لا تصلح أن تكون ولاة للدولة. فما مضى أسبوع إلا وقد 
أقبلت عساكر حسين باشا إلى قرية هيلانة فاستقبلهم نصوح باشا فانكسر 
وعاد إلى حلب. 

ونزل حسين باشا مع عساكره في محلات حلب خارج السورء 
وأغلق نصوح باشا أبواب المدينة وسذها بالأحجار وفتح باب قنسرين 
وحرسه بعساكر وقفهم هناك » وقطع حسين باشا الماء عن حلب ومنع 
الميرة والطعام عن داخل حلب ونصب المتاريس على أسوار البلد» وحت 
نصوح باشا عساكره على الأسوار مع المدافع » وقام بين الفريقين حرب 
مهولة وأخذ حسين باشا في حفر اللُغوم والاحتيال على أخذ البلدء وأخذ 
نصوح في حفر السراديب لدفع اللغوم » وعم الحلبيين أنواع الكدر من 
المبيت على الآأسوار وحفر السراديب ومصادرة الفقراء والأغنياء كل يوم 
لطعام السكبانية وعلافتهم © » وإغلاق الدكاكين وتعطل الصناعات وحرق 
الأخشاب للطعام والقهوة بسبب قطع حسين الميرة حتى الحطب . ونزل 
الناذ ومن حافت العنهاء كلك كلدو فريحف تحنس الدى ليوات 


(1) الصواب نصب خبر ليس : «عاصيا». 
(2) السكبانية : عساكر غير منظمة. والعلافة » وكذا العلوفة : أعلاف الدوابت. وتطلق أيضا 
على ما يشبه التعويضات والاستحقاقات كالرواتب وما إليها. 


- 214 - 


قرش ريالي » وجرة الشيرج بثمانية قروش ؛ ورطل لحم الخيل الكدش 
بنصف قرش » والتينة الواحدة بقطعة . واوقية بزر البطيخ بأربع قطع. 
وأعظيرين في الله يتحد أكل البصمل:والكل دن اكسن: ا لطعم وكان 
بعضهم يأخذ الشمع الشحمي ويضعه في طعام الأرز والبرغل » وكانت 
العساكر لا تجد التبن بل كانوا يأخذون الحصر وينقعونها في الماء 
ويطعمونها للخيل. وكان كل فقير يغرّم في اليوم قرشين والمتوسط عشرة 
والغني عشرين. 

واستمر الحصار نحو أربعة أشهر » وأيام كل ذلك كان في سنة 
3 وبينما كان الحال كذلك إذ قدم إلى حلب قاضيا عليها السيد محمد 
المشهور بشريف أفندي » فنزل خارج المدينة وأخذ يسعى ة في الصلح فتم 
على يده » ولم يق نصوح إلا بأيمان السّكبانية وعهودهم » فحلّفهم جميعا 
بالسيف على أن يكون آمنا على نفسه وأمواله » وأنه إذا تعرض لها حسين 
باشا يقاتلونه معه. ثم أمر القاضي نصوح باشا أن يذهب بنفسه إلى حسين 
ويصالحه فأجابه » وتوجه نصوح إلى منزل حسين فأكرمه وسقاه شربة 
سكّر بعد أن شرب منها حسين أمامه تأمينا له » فشرب نصوح ثم خرج من 
البلد بعساكره وطبوله وزموره دون أن يتعرض له أحد بسوء. واستولى 
حسين باشا على ولاية حلب وشحنها بالسكبانية وصادر الاغنياء والفقراء 
لأجل علوفتهم. 


قتل حسين باشا : 

وفي سادس عشر جمادى الآخرة سنة 1014 كانت كسرة الوزير 
سنان باشا ابن جفال ببلاد العجم » وكان قد أرسل إلى حسين باشا بالتوجه 
إليه ليكون معه في محاربتهم » فتثاقل حسين باشا عن التوجه وتباطأ. ولما 
رجع سنان باشا من الكسرة تلاقى مع حسين باشا في «وان» فاتهمه 
بالمخامرة على الدولة وخنقه في الحال وقطع رأسه. وكان ذلك في السنة 
المذكورة. 

عصيان علي باشا على الدولة وما آل إليه أمره : 

ولما سمعت عشيرته بحلب أنه قتل ظلما وعدوانا ثارت فيهم الحمية 
وقاموا على قدم وساق » لا سيما ابن أخي المقتول علي باشا » فإنه استشاط 
غضبا وتحرّق غيظا » وكان هو وكيل غيبة المقتول , فحشد إليه أخلاط 
الناس وغوغاءهم وتغلّب على حلب. ولما 


-215- 


الستكبان حتى صار عنده ما يزيد على عشرة الاف فارس ؛ ومنع المال 
باشاء وكان ولاه السلطان عليها لما بلغه خروج علي باشا عن الطاعة. 
وكان تعسين ننانا المذكرن وصضل :إلى أنه فار يل علي :ناكا إلى تحاكنها 
الخارجي أيضا المعروف بجمشيد أن يصنع لحسين باشا ضيافة ويقتله فيها 
؛ ففعل. 
٠‏ "ونا صتيوة اق الانظاردوا اسن كارف مله تظينن قاف إلتى إن 
أرسل الأمير يوسف ابن سيفا صاحب عكا إلى باب السلطنة رسالة يطلب 
فيها أن يكون أميرا على عسكر الشام » والتزم بإزالة ابن الجانبولاط عن 
حلب. فجاءه الآأمر على ما التزم. فجمع عساكره والتقفى مع ابن الجانبولاط 
في قرب حماة فانكسر ابن سيفا » واستولى ابن الجانبولاط على أثقاله وف* 
ابن سبفا إلى داق ,رويد أن ابن الجنافيو باط إلنين طن ابلق واستولى عليه 
وضبط ما وجده فيها من الأموال. وفي يوم السبت من أواسط جمادى 
الآخرة سنة 1015 التقى ابن الجانبولاط بعسكره مع عساكر دمشق في 
وادي دمشق الغربي », فما مرّ مقدار جلسة خطيب إلا وانكسر عسكر دمشق 
وتقدم ابن الجانبولاط لنهب دمش ق. ثم صالحوه على مائة وعشرين ألف 
قرش ورحل عنهم عائدا إلى حلب. وفي طريقه صالح ابن سيفا وصاهره ثم 
يان إلى تدلكدو جاءكة الرمن هر خانفا السلظفة تقدء حلرشها. قمنه بالتكاء > 
فكان تارة ينكر فعله وتارة يحيل الأمر على عسكر الشام. وشرع بسد 
العلر كاتويقل شن بعرت اند سائر إلى طبرت الفتاطنة وو اهناف الخلقة 
ونفذ حكمه من آذنة إلى نواحي غزة. 

وانقطعت أحكام السلطنة من البلاد المذكورة سنتين ووقعت الوحشة 
وانقطعت الطرقات » إلى أن أمر السلطان وزيره الأعظم قويجي مراد باشا 
السردار بالمسير إلى ابن الجانبولاط وغيره من العصاة في نواحي آذنة 
وسيواس وغيرهما. فخرج الوزير من «إسكدار» ومعه من العساكر 
الرومية ما يزيد على ثلاثمائة ألف » ما بين فارس وراجل. فمر في طريقه 
على الخوارج المذكورين وابادهم. ثم قصد جهة حلب ولما بلغ خبره مسامع 
ابن الجانبولاط وضع أثقاله بقلعة حلب وحصن أسوار البلد وتأهب لملاقاة 
العساكر » وأرسل فرقة من أجناده لتحصين جبل بقراص ليمنعوا العساكر 
من المرور. غير أن مراد باشا لم يأت من هذا الطريق الضيق إنما أتى من 
جبل قاز فلم يشعر ابن الجانبولاط إلا وعساكر 


- 216 - 


الوزير قد دهمته . وكان الحرب نهار الثلاثاء ثالث رجب سنة 1016 
بأرض مرج دابق من أعمال قنُسرين » وكان مع ابن الجانبولاط من 
لمكن هاه ايحن لقا ول اكب إلى ورور د الفعار رلته داح تلك 
تكون الغلبة لابن الجانبولاط ثم عادت الكرة عا عليه وقئل من عسكره نحو 
والقة كات م يق له قر ل فيو وماء إلى كلب وهنادر هذه عن | غلقانينا 
وصع القلعة ومعه بعض رؤساء عسكره فاستقام ليلة ونزل منها معوّلا 
على الفرار. فخرج من باب بانقوسا فصاحت عليه النساء من الأسطحة 
بالويل والثبور وعظاتم الأمور وصرن يقذفن عليه القذر والنجاسات. وبعد 
أن خرج من حلب اختفى ببعض بساتينها. 

أما مراد باشا فإنه في ثاني يوم من الوقعة توجه إلى حلب واجتاز 
بطريقه إلى كلّز للتفتيش على ابن الجانبلاط فلم يره » فضبط جميع أمواله 
لبيت المال » وتوجه منها إلى حلب فوصل إليها في التاسع عشر رجب 
وضرب خيامه في الميدان الآخضر » واستقبله أعيان البلدة ووجهاؤها 
وهنّؤوه بالظفر والنصر. ثم التفت الوزير إلى استخلاص القلعة من أيدي 
بعض أعوان الجانبولاط فرام محاصرتها » فتحقق من فيها بأن كل 
محصور مأخوذ فطلبوا من الوزير الأمان فأنزلهم بأمانه » وكانوا نحو ألف 
رجل وكان منهم نساء ابن الجانبولاط. فلما نزلوا بادروا إلى تقبيل ذيل 
الى ذهو فاسان الو الشناء إن ترسك .فقي مكان عدر وو شرق الر رسال مون 
أرباب المناصب » وطلع إلى القلعة ورأى فيها ما لا يدخل تحت الحصر من 
أموال ابن الجانبولاط فضيطة كله إلى بوت المال. حم تجرح تحنس في 
ووأ كلبها فسن نان وولى قصداءها حنمن قدي فاص السك وده 
أمور العسكر وأكمل الشتاء في حلب ثم أقلع عنها. 

وأها ابن العانيو لاط فإنه هرزب إلى ملطية تمر مار ينتونا: لني الطويل 
الخارج على الدولة في بلاد الأناطولي » وأراد أن يتحد معه فقال له الطويل 
فرحل عنه بعد ثلاثة أيام وسار إلى العبد السعيد ومعه ابن قلندر » فتلقوه 
وعظموه وأرادوا أن يجعلوه رئيسا عليهم فشرط عليهم شروطا 


(1) انظر حاشية المؤلف عند كلامه على حوادث سنة 767 ه. 


-217- 


لم يقبلوها فخرج من عندهم وتوجه إلى «برصة» ودخلها ليلا واتصل 
بحاكمها وعرّفه بنفسه » فتحير منه وقال له : ما سبب وقوعك؟ فقال : 
ضجرت من العصيان » فأوصلنى إلى السلطان. فوصله وسأله السلطان 
بقوله : ما سبب عصيانك؟ فقال ما أنا بعاص إنما اجتمعت عليّ فرق 
الأشقياء وما خلصت منهم إلا أن ألقيتهم في فم جنودك وفررت إليك فرار 
المذنبين » فإن عفوت فإنت أهل لذلك » وإن أخذت فحكمك الأقوى. فعفا عنه 
واعظاء_ككرية طتدو راد اخر يا د«الرريم؟ ؛ فبقي بها سنة ثم عاد إلى ديدنه 
الأول وتجاهر بالعصيان فبرز الأمر د بقتله وأرسل رأسه إلى باب السلطنة » 
وكان ذلك في حدود 1020. 

“كل تصتكى حت الكاري حي كاوه + الووضيلين : إن عشيرة 
باشا المقتول عمّ علي باشا المذكور - هو أكبر رجالهم » وكانت له أعمال 
تستحق الذكر لأن الدولة العثمانية كانت تأمره بالسفر شرقا وغربا فيسرع 
الإجابة هو وعشيرته ويبلي في عدوها بلاء حسنا. 

قلت : ذكر فى ««درٌ الحبب» فى ترجمة أحد أجداد المذكور ‏ على ما 
أظن ‏ أن أصل هذه العشيرة من جبال القصير وأنهم كانوا في مبدأ أمرهم 
منحرفين عن السنّة. ذكر في السالنامة أن الوالي في حلب سنة 1017 حسن 
باشا » والظاهر أنه تحريف حسين باشا الذي عينه مراد باشا السردار كما 
تقدم. وذكر في السالنامة أن الوالي على حلب في السنة المذكورة ملك محمد 
باشا. 


قتل ملحد : 

بالكفر فضربت عنقه تحت القلعة » وجاء الناس بالنفط والقطران وحرقوه 
حتى صار رمادا. وفيها ولي حلب سنان كجك باشا. وفي سنة 1019 توفي 
سنان باشا المذكور بحلب. وفي أوائل سنة 1020 ولي حلب قره دده باشا. 
وفي سنة 1024 في شعبان وصل إلى حلب داماد محمد باشا الوزير 
الأعظم السردار متوجها إلى «وان» فبقي في الميدان هو وعسكره إلى 
انقضاء الشتاء. وفي ابتداء الربيع رحل عنها وكان ذلك في ربيع الآخر سنة 
5 وفيها ولي حلب كمكجي أحمد باشا. ثم في سنة 1026 وليها محمود 
باشا. ثم في سنة 1027 وليها قره اقش محمد باشا. ثم في سنة 1028 وليها 
حسن باشا. وفي سنة 1029 قدم 


-218- 


حلب منفيا داماد محمد باشا المتقدم ذكره » فتوفي بها ودفن في تكية الشيخ 
أبي بكر. وفي سنة 1030 ولي حلب يوسف باشا. وفي سنة 1033 وليها 
كوسا مراد باشا. 


شغب الإنكشارية : 

وفي سنة 1035 طغت الإنكشارية في حلب وقد حضر إليها حافظ 
باشا ء وكان في ديار بكر » فتواطئوا على قتل رئيس كتابهم مالقوج أفندي » 
فعوّل على الفرار وسعى في تهريبه من بين أيديهم أحمد آغا المعروف بقره 
مذاق هن الرجال الأقدفين في الوجاق الو اقفين انفسهو :فى خدمة السلطان 
عثمان. فوثب الإنكشارية وحزُوا رأسه بالموسى وطرحوا جسده في مزبلة 
الخندق. وفيها أعني سنة 1035 ولي حلب مصطفى باشا. ووليها في سنة 
07 فنيمان نانسا اوفي ينه 099] محنة وانما مره ثانية. وفي ككة 
0 مرتضى نوغاي باشا. وفيها وصل إلى حلب السردار الأعظم محمد 
باشا فتلقاه واليها مرتضى نوغاي باشا إلى قرب قلعة بقراص » وعمل له 
ضيافة حافلة عند جسر مراد باشا. وبعد سبعة أيام من دخوله إلى حلب 
رتب في دار الحكومة ديوانا حضره أعيان البلدة وأركان استانبول وألقى 
خطابا بيّن فيه حسن قيام مرتضى نوغاي باشا بخدمة الدولة والملّة إلا أنه 
اتهمه بقصور كان منه في تأخير بعض جماعة أمر السلطان بقتلهم. ثم في 
الليلة الثالثة من مجيئه إلى حلب قتل رجلا أمر السلطان بقتله وأرسل رأسه 
إلى استانبول » ثم عزل نوغاي باشا عن حلب ووجه رتبة الوزارة إلى أحمد 
باشا أحد الأغوات السلحدارية » وجعله واليا فى حلب. 

وفي اليوم التاسع عشر من السنة المذكورة وصل إلى حلب أحمد باشا 
المذكور وتسلم زمام الأمور. 

شغب الإنكشارية : 

وفي عشرين شعبان اجتمعت الإنكشارية بوسيلة طلب أرزاقهم 
ورفضوا عدة مستخدمين » منهم آغاتهم محمد آغا الكوسه وكاتبهم 
وكتخداهم. ثم تجمهروا وهجموا على المأمورين المذكورين وقتلوا آغاتهم 
المذكور. ثم كفت شرهم وقتل بعض زعمائهم ورد كيدهم في نحورهم. 


-219- 


إبطال التدخين بالتبغ : 
وفي سنة 1045 وردت الأوامر السلطانية المشددة بإبطال التدخين 
بنوعي التتن والتنباك ونودي على من يشربهما بجزاء القتل. 


استطراد في الكلام على هذه الحشيشة : 

قيل إن وصول هذه الحشيشة الخبيثة إلى البلاد الشامية كان في حدود 
سنة 1000 ويستدل القائل على ذلك ببيتين هما : 
قال خلي عن الدخان أفدني هلله في كتابكم إيماء 
قلت : مافرطالكتاب بشيء ثمأرخت يوم تأتي السماء 

جملة «يوم تأتي السماء» تبلغ بالجمّل (1000) أو (999) إذا لم 
تحسب الهمزة. 

أما منشأ هذا النبات فهو جزيرة اسمها (تبغو) في أميركا أحضر بزره 
منها إلى بلاد البورتكيز بعض نوتية الإسبان » ثم نقل منها إلى فرنسا 
بواسطة رجل اسمه (ثيفت) فزرع في فرنسة إلا أن الناس لم يلتفتوا إليه لأن 
النساء تكره ريحته. وبعد عشرة أعوا م قدم إلى فرنسة إلا أن الناس لم يلتفتوا 
إليه لأن النساء تكره ريحته. وبعد عشرة أعوام قدم إلى فرنسة سفير 
البورتكيز ‏ واسمه يوحنا ثيكوت - وأهدى الملكة كاترينا شيئا من بزر هذا 
النبات » وزعم أن التدخين به له فوائد عجيبة. فأقبل الناس في فرنسة على 
استعماله وذلك في سنة 1560 من الموافقة سنة 968 ه وسماه الناس 
حشيشة الملكة » أو حشيشة السفير » أو حشيشة الرئيس الأعظم ء أو 
حشيشة الصليب ؛ أو الحشيشة المقدسة. فلم ترق هذه الأسماء للرجل 
(ثيفت) واحتج على دار الفنون بتسميته باسم السفير دون اسمه مع كونه هو 
أول من أاحضره إلى فرنسة. وحينئذ ألغى الفرنسويون اسمه ثيكوت وسموه 
تبغا باسم الجزيرة التي هي منشؤه. ثم حرف هذا الاسم إلى تباكو عند 
التليان وتبا عند الفرنسيس » وتوبوكو عند الإنكليز » والتبغ عند العرب ١‏ 
وتنباكو عند الفرس » وتوتون عند الأتراك » وتتن أو دخان عند عامة 
العرب. اه. 

وفي سنة 1045 عزل عن حلب أحمد باشا ووليها يوسف باشا ابن 
أمير كونهء فأساء السيرة في أهل حلب واستنفر قلوبهم يصبروا له 
واضطربوا منه لأنه صادر كثيرين منهم » فسمعت الدولة بذلك وعزلته 
وأعادت أحمد باشا المتقدم ذكره. وكانت ولاية يوسف 


- 220 - 


باشا لحلب شهرين. وفي سنة 1047 كان والي حلب بويني أكري محمد 
باشا صاحب الوقف المشهور به في حلب. وفي سنة 1048 في حادي عشر 
ربيعها الأول وصل إلى حلب السلطان مراد خان وبقي فيها ستة عشر يوما 
ثم رحل عنها إلى استانبول. وكان قدومه إلى حلب من بغداد. وفيها قتل في 
حلب عشرون شخصا أحس بهم الحاكم أنهم يشربون الدخان سرا. 

وفي سنة 1050 ولي حلب حسين باشا نصوح باشا زاده. وفي سنة 
3 عزل عن حلب حسين باشا المذكور » وسبب عزله أنه صار ذا ثروة 
عظيمة فحسده بعض أقرانه وأشاع لدى الحضرة السلطانية بأنه عازم على 
العصيان فعزله عن حلب وجرى له بعد عزله مصافت في قرب «أسكدار» 
مع العساكر السلطانية. انكسر عسكره وقتل. وولي حلب بعده سبارش باشا. 
فبقي في حلب أياما وأساء السيرة جدا حتى جهز الحلبيون وفدا إلى 
استانبول للشكاية عليه » فعزل عن حلب في رمضان هذه السنة » ووليها 
جعته لرلي عثمان باشا. وفي سنة (1054 ه) قدم السلطان إبراهيم خان إلى 
أدركة وولى حلب إبراهيم ياشا سلحدان الخاصة: 


فساد العرب والإيقاع بهم : 

وفيها كثر فساد العرب في نواحي حلب وانقطعت السابلة » وكان أمير 
ف لاع العرتب الفتسوةة | كمير صيافه :دوكدان لهي فين القر نه واي 
معلوم. ولما زاد طغيانهم أراد إبراهيم باشا والي حلب أن يعمل الحيلة في 
القبض على عمتاف المذكور » وكان يريد أن يعزله عن إمرة العرب إلا أنه 
رأى ذلك لا يجديه نفعا فإن عسافا لا يعترف بالعزل في ذلك الحين. دم إن 
إبراهيم باشا خطر له أن يرسل إلى عساف رسولا يدعوه إلى ضيافة 
يصنعها له في حلب », فقال له الرسول : إن عرب البادية لا تأوي المدن بل 
ولا ما قاربها. فأمر إبراهيم باشا أن تصنع وليمة حافلة في قرب حلب على 
بعد خمس ساعات منها تقريبا. ثم سار الباشا إلى محل الضيافة بالمهمات 
والعساكر ومعه الهدايا » وأشاع أن هذه الوليمة مصنوعة إلى سلطان البر 
يعني به عسافا. 

>وكان الدهؤل قدوسق امن الأمكين كفت ووه اه الى هذه الكحاقة 
فأجابه إليها بعد أن استوثق منه على عدم الغدر » وعاد الرسول إلى ابراهيم 
باشا وأخبره وحذّره من الغدر بالأمير 


-221- 


عساف في خصوص هاده الضيافة. وكان الأمير عساف قد تجهز للقدوم 
على هذه الضيافة ومعه جمّ غفير من العربان خوفا من أن يغدر به الباشا. 
ولما وصل إلى محل الضيافة غدر به الباشا وأراد أن يقتله » فاستدرك 
الفرط )١‏ وانفلت من قبضته وعاد إلى أشد ما كان عليه من الإفساد وقطع 
الطريق. ولما سمعت الدولة بغدر إبراهيم باشا وعدم وفائه وسوء تدبيره 
عزلته عن حلب وولت مكانه درويش باشا المعزول عن ولاية بغداد. فقّدم 
حلب وتلافى خطر العربان الذي كان من أهم الأمور في ذلك الزمان » 
وأرسل من قبله رسولا يدعو عسافا بالرفق واللين إلى طاعة السلطان » 
وجهز معه هدايا ثمينة لعساف. وكان الرسول في ذلك علي آغا كجك » جد 
مصطفى نعيما الحلبي صاحب تاريخ خ الروضتين (وجد الأسرة الشهيرة في 
حلب باسم راغب زاده القاطنة في محلة السفاحية). 

فوصل الرسول المذكور إلى عساف وبسط له الكلام وتلطف به 
ووبخه على عصيانه وعظم من أمره وأمر هذه العشيرة المعروفة بعشيرة 
أبي ريش » وقال له : لا ينبغي ولا يليق بأدنى فرد من أفراد هذه العشيرة 
أن يشهر على السلطان العصيان. فأجابه عساف بقوله : يا علي والله ما لي 
ذنب في هذا العمل وإنما الذنب فيه لإبراهيم باشا. ثم إن عسافا استدعى 
بثلاثة دروع كان لبسها في يوم الضيافة وصار يري علي أغا التققوب التي 
حصلت من إطلاق الرصاص » وكانت إحدى الرصاصات قد ثقبت الدرع 
ووصلت إلى بدنه » فحلف له الأمير عساف أن جرح هذه الرصاصة بقي 
يبصق منه الدم شهرين. فسلاه علي آغا وذكر له أن الدولة لم تعزل إبراهيم 
باشا إلا لما أجراه معك من الغدر. فرضى حينئذ عساف وتعهد لعلى آغا 
والامن :وا لمان و أفذاة مقا عشرة سول وه ممه الى الدرله هذه 
خيول وأعطاه حوالة على حلب بألفي ذهب للدولة. 

وفي سنة 1056 ولي حلب ملك أحمد باشا كما يفهم من حديقة 
الوزراء. وفي شعبان سنة 1057 ولي حلب أحمد باشا الدباغ كتخدا موسى 
باشا . وفي أواخر هذه السنة ولي حلب أبشير باشاء نقل إليها من دمشق 
فبقي بها أشهرا ؛» ثم صرف عنها في أوائل سنة 1058 وولي مكانه 
موستاري مصطفى باشا. وفي ذي الحجة سنة 0 ولي حلب أبشير باشا 
وهذه هي الولاية الثانية ؛ ولم يتيسر له أن يتناول منشور الولاية إلا في 
أوائل سنة 1061 


(1) أي بادر مسرعا. 


- 222 - 


وعند ما أخذه كان في استانبول فتوجه إلى حلب ودخلها في ربيع الأول من 
السنة المذكورة. قال نعيما في وقائع سنة 1062 ما معناه : إن أبشير باشا 
كان في مبدأ أمره على جانب عظيم من الصلاح حتى كان يظن فيهه أنه 
ولي من أولياء الله تعالى » ومع هذا فقد كانت أتباعه غاية في الظلم والجور 
ولاقى الناس في زمانه من الجور والعسف ما لم تلقه في زمن غيره. ذم إن 
أبشير باشا سرى مسرى أتباعه وشغب في جمع المال وصادر الناس » 
وساءت سيرته واشتهر ظلمه وانعكست أفكاره وصار يظهر منه حمق 
عجيب » وفشا الظلم في أيام ولايته الصدارة العظمى » وجارت الولاة 
ولاقتا كلبتمن طبار باشاظلما عريضنا. 

وفي سنة 1065 قتل أبشير باشا بعد أن ولي الصدارة » وكان على 
جاتب عطي من الغدى: والارو © بحية لم يكن لاروضل في خصوس». ومع هذا 
فلم يبق له أثرا غير الوقف الذي أسلفنا ذكره في الكلام على محلة الشمالي 

من الجزء الثاني. ولم يزل أبشير باشا واليا بحلب حتى اجتمعت رجال 
الدولة على أن يكون صدرا أعظم وذلك في أواخر سنة 1064 ووافق 
اللباضان عي ذلك و ريل الج الكت مع أمتانه. درصاو ا الى حلط فى غرة 
محرم سنة 1065 وفي أواخر محرّم توجه إلى دار السعادة وتقلد منصب 
الصدارة » وعندما رحل من حلب ولي عليها مكانه مصطفى باشا طيار 
زاده بدراهم أخذها منه لنفسه ولغيره. 


حصار السيد أحمد باشا حلب : 

وفي سنة 1066 ولي الصدر الجديد حلب السيد أحمد باشا » وكان من 
المشهورين بالجور والظلم. فسمع به الحلبيون ولم يقبلوه وزادهم فيه بغضا 
مصطفى باشا والي حلب الذي لم يبرح منها ء فإنه لما سمع بقدوم السيد 
أحمد باشا إلى حلب جمع إليه أعيان البلدة ورؤساءها وكبارها وصغارها 
وحذرهم من السيد أحمد باشا وخوّفهم من ظلمه وجوره ومصادرته الناس » 
وذكر لهم غير ذلك مما انطوى عليه من الأمور المنقرة للقلوب. فنفروا من 
السيد أحمة انا ء كةو _السماعذة و المع هيد : بعليدة. اهنا كمد عاتن فاناد 
أرسل متسلما من طرفه إلى حلب فطرده الحلبيون عنها وشحنوا القلعة 
بالمهمات والعدّة والعدد واستعدوا لمدافعته أو تذهب أرواحهم. وكان أحمد 
باشا قد وصل إلى حلب فأخبره متسلمه عن جميع ما فعله الحلبيون فغضب 
غضبا شديدا وحاصر حلب وقطع القناة وضايقها مضايقة شديدة وخرب 
أكثر مباني البلدة الخارجة عن السور وأحرق شيئا كثيرا من البساتين وكان 


-223- 


يقاتل حلب قتال مكتف مؤنة الأكل والشرب وغيرهما » والحلبيون يقاتلونه 
قتال مضطر إلى شربة ماء فضلا عن الطعام. 

وامتتك المخاصيزة فمووي تكانار و فونه العلبيون استطزانا 
عظيما وقد أصبحت الأمور قوضى في حلب ٠‏ وقام الدغّار ينهبون الدكاكين 
ويتعرضون لبعض البيوت » وكان رؤساء البلدة قد كتبوا إلى الدولة 
يلتمسون منها غير هذا الوالي ويشتكون من فعله معهم » فكتبت الدولة إليه 
تردعه عن هذا الفعل القبيح فلم يرتدع وزاد في طغيانه » فكتب الحلبيون 
إلى الدولة ثانيا يتضجرون منه ويرجون غيره. فكنت إليه الدولة 
بالانطون اه تقر بعلب وز لق سيو ام وولنت خلس مر تحن :نائيا المتفصيل 
عن بغداد, وفي نصف ربيع الآخر من سنة 1067 نقل مرتضى باشا إلى 
دمشق فامتنع أهلها من تسليمها إليه ؛ فولي ديار بكر وولي حلب مكانه 
جلالي أبازه حسن باشا ء وهو من أولاد السباهية » وكان ظالما غاشما 
وكان حاكم التركمان قبل أن يولى حلب. 

وفي سنة 1068 خرج على الدولة أبازه حسن باشا ووافقه عدة ولاة. 
ثم اجتمعوا في صحراء قونيه وحشدوا إليهم عسكرا ضخما من مشاة 
وفرسان وعاثوا وأفسدوا وصادروا الغني والفقير » فتداركت الدولة ردعهم 
وولت حلب أدرنه لى سوخته محمود باشا في السنة المذكورة »؛ وطرد 
الحلبيون متسلم أبازه ومن معه من العساكر إلى خارج المدينة وتلقوا 
محمود باشا بالترحاب. ثم سيرت الدولة لردع أبازه وحزبه مرتضى باشا 
السردار وكان أبازه ومن معه في بلاد قونيه فقصدهم مرتضى باشا بعسكره 
ولما سمعوا بقدومه رجعوا نحو حلب وخيموا في عينتاب فوصل السردار 
إلى حلب وتوسط الصلح بين أبازه وجماعته وبين مرتضى » مفتي عينتاب 
؛ فحضر أبازه بمن معه إلى حلب لإتمام الصلح وعقد شروطه » فتمكن 
منهم السردار وقتلهم عن آخرهم داخل حمام في السراي وقطع رؤوسهم 
وحشاها تبنا وأرسلها إلى استانبول ورمى جثثهم أمام قسطل السلطان خارج 
باب الفرج. وممن قتل في هذه الوقعة أبازه حسن باشا وأحمد باشا ابن 
الطيار وأخوه مصطفى باشا » وصاري كنعان باشا وكتخدا مصطفى باشا 
وعبد الوهاب قاضي معسكر أبازه » وغيرهم ما ينوف عن ثلاثين رجلا. 
وكان قتلهم في سنة 1069 وكان معه السردار مرتضى باشا قوناقجي علي 
باشاء صحبه معه من الأناضول » وبعد قتل المذكورين ولاه حلب وعزل 
عنها سوخته محمود باشا المتقدم ذكره. 


- 224 - 


وفي سنة 1070 ولي حلب خصكى محمد باشا وذلك بعد أن حصّلت 
التولة منه سببعمائة كيس من الذراهم كانت في ذمته من مال بغذاد ومضس» 
وكان ولي عليهما. وفي هذه السنة طغى نهر قويق وهطلت السماء بالمطر 
الغزير حتى طافت أكثر المحلات المجاورة للنهر وغرقت البساتين 
وتهدمت عدة بيوت داخل البلد وخارجها. وفي سنة 1071 عزل عن حلب 
خاصكى محمد باشا وأشخص إلى استانبول. وسبب عزله أنه غش سكة 
النقود التي كان يضربها بحلب وسعى في رواجها بين الناس » فتداولتها 
الأيدي وفشا الفساد وتعطلت التجارة واختل نظامها. فعرض الصدر الأعظم 
ذلك على مسامع السلطان فأمر بعزل الوالي المذكور وإحضاره إلى 
استانبول فعزل وأحضر. وفي عشرين شوال منها ضربت عنقه وعنق 
كتخدا كاتب ديوانه وصرّافه أمام قصر الموكب في استانبول. عه 

ذكن فى سالنافة الولاية أن وإلى حلت فى هذ البئلةة؟ أبن الذون متخفنة 
باشا. ورأيت في بعض المجامع أن واليها في هذه السنة ميراخور يوسف 
باشاء وفي سنة 1075 صاري حسين باشا . وكان في هذه السنة مع 
المحاصرين قلعة قندية على ما حكاه راشد في تاريخه. وفي سنة 1080 
كان بحلب طاعون كبير » أحصى بعضهم الجنائز التي خرجت من باب 
المقام في أحد أيامه فقط فكانت ألف جنازة إلا واحدة » فعلق بعض الناس 
على باب المقام كلبا ليكون تمام الألف. وفيها ولي حلب إبراهيم باشا وكان 
يعرف بإبراهيم آغا وعين سلفه حسين باشا سر عسكر » وكان إبراهيم باشا 
مع المحاصرين قلعة قندية فأرسل إلى حلب متسلما كسلفه. ثم في أواخر 
هده الشكةا و لى كلت بكسن :انا تلكداى السلطات رول فصي 

وفي أوائل ذي الحجة سنة 1082 ولي حلب قبلان مصطفى باشا 
وكان مع العساكر في محاربة القرم فعين متسلما من طرفه كأسلافه. وفئ 
سنة 1083 عين سردارا أكرم علاوة على ولاية حلب. وفي سنة 1085 
ولي حلب إبراهيم باشا نقل إليها من دمشق ». وولى سلفه قبلان مصطفى 
باشا ديار بكر ولا أعرف متى عزل إبراهيم باشا المذكور عن حلب غير أن 
واليها في ابتداء سنة 1089 كان حسين باشا وكان ظالما غاشما. وفيها 
حررت بيوت الأشراف واليكجرية ولم أحقق عددهما. وفي أواخر هذه 
السنة ولي حلب قره محمد باشا وكان يعرف بقره محمد بك. 


- 225 - 


فساد العربان والتنكيل بهم : 

وفي سنة 1093 كثر فساد العرب في برية دمشق وحلب . وعظم 
ضررهم وأفحشوا بالسلب والإغارة على القوافل حتى ضجت منهم 
الولايات » وصدرت أوامر الدولة إلى وإلى حلب ودمشق وبغداد وطرابلس 
أن يبذلوا جهدهم بالقبض على أميرهم ملحم. فعندها عزم قره محمد باشا 
والي حلب على أن يأخذ ملحما بالحيلة » فوسّط حاكم المعرة أخا شريف 
مكة بينه وبين ملحم » فاجتهد المذكور في إحضار ملحم إلى حلب وحلف له 
على أنه يطلب له العفو من السلطان ويجعله أميرا على العربان. وكان 
حاكم المعرة داهية وكان متهما بأنه يقاسم الأمير ملحما بالغنائم ويسعى له 
في بيع ما يلزمه منها » فأراد أن ينفي الظنة عن نفسه بمكيدة ملحم وسعى 
في إحضاره واجتهد غاية الجهد » إلى أن رضي معه ملحم للحضور بعد أن 
استوثق منه بالآيمان المغلظة. فحضر معه إلى قرية جبرين » وكان قد 
أرسل إلى الوالي يخبره بذلك » فأنفذ له الوالي خلعة وخيلا ليغريه بالدخول 
إلى حلب على أنه يحلف له فيها على ما تقدم. 

فركب ملحم إلى حلب » ولحقه من عشيرته خمسون فارسا ينهونه عن 
الدخول إلى حلب وألحوا عليه بالرجوع » فقبل منهم ورجع إلى مخيمه » 
وقال لأخي الشريف المتقدم ذكره : لا سبيل إلى دخولي المدينة فإني آليت 
على نفسي ألا أدخل بين الجدران وتحت السقوف لأنها تضيق صدري »2 
فاذهب وقل للوالي إن كان يريد محالفتي فليأت إلى هنا. ولما لم ينجح سعي 
أخي الشريف في إقناع ملحم رجع إلى الوالي وأخبره بما جرى » وحين 
رجوعه أصحبه ملحم باثنين من بني عمه وبمستشاره ‏ وهو أعرابي طاعن 
في السن - فلما تمثلوا بين يدي الوالي قابلهم بالبشاشة وخلع عليهم وأحسن 
مثواهم » ثم أرسلهم إلى بيت أخي الشريف وركب في الليل سرا ومعه 
خمسمائة عسكري بالعدّة الكاملة وقصد مخيّم ملحم في جبرين وكان ملحم 
قد رحل من مخيمه وأبقى فيه خمسين من قومه » فحاربهم الوالي وبعد أن 
دافعوا عن أنفسهم دفاع الأبطال قتل بعضهم وأسر منهم ثمانية عشر وفر 
الباقون. 

ثم استدل الوالي من الفلاحين على الأمير ملحم وتبع أثره إلى أن 
دهمه بغتة عند الصبح في واد بين جبلين بحيث لم يره الأمير إلا عند ما 
وصل إليه » وكان مع الأمير عدد يسير 


- 226 - 


من جماعته » فأركن إلى الفرار وأراد أن يجتاز من نهر هناك فتوحلت به 
فرسه فتوكأ على رمحه لانتشالها من الوحل فانكسر الرمح. وكان الوالي قد 
أدركه والبندقية في يده وأحاطت به العسكر وقبضوا عليه وساقوه أسيرا إلى 
حلب » فكبلوه بالحديد ومن أسروا معه من قومه. ثم قتلوا الجميع صبرا 
سوى الأمير. وكانوا عندما يقتنلون أحدهم يخرقون أكتافه ويغرسون فيها 
فتائل مشعلة مصنوعة من المرخ ) والشمع ويطوفون به البلد ثم يقطعون 
راسه ويرمون جثته في مستنقع الخندق. واتفق أن واحدا من هؤلاء الآسراء 
كان شاعرا عند الأمير ملحم لم يغمس يده في دم ولم يشنّ غارة قط ء فبينما 
كانوا يطوفون به على تلك الحالة إذ لمح ضابطا سبقت له يد عنده فذكّره بها 
وقال له : إنني لم أكن لصا ولا قاطع طريق » إنما كنت شاعرا عند الأمير » 
فتضرع له الضابط عند الوالي وخلْصه من العقاب والقتل. ثم إن الوالي 
أرسل ملحما إلى أدرنة حيث كان السلطان إذا ذاك » فبعد أن نظر السلطان 
إلى ملحم مليا أمر بقتله وقد صعب ذلك على رجال الدولة لأنهم ك انوا 
يرجون خلاصه والعفو عنه ليكون كافلا قمع غارات العرب حسب شجاعته 
المفورطة: 

وفي هذه السنة أعني سنة 1093 كملت عمارة خان الوزير. وفيها نقل 
قره محمد باشا إلى ديار بكر ومحمود باشا والي ديار بكر إلى حلب. ثم في 
هذه السنة نفسها ورد الأمر إلى محمود باشا بالحضور إلى استانبول ليكون 
قائم مقام الصدارة في استانبول » وولي حلب قره بكر باشا. وفي سنة 
4 كان قره بكر باشا مع المجاهدين في بلاد بلغراد وله متسلم في حلب. 
وفي سنة 1096 ولي حلب مع السردارية مصطفى باشا قره حسين باشا 
وكان في حرب بلغراد فجعل متسلما في حلب. وفي سنة 1096 ولي حلب 
مع الوزارة إبراهيم باشا محافظ إيالة بدون » وكان مع المجاهدين في بلغراد 


غلاء » وقتل ابن حجازي : 
وفي هذه السنة حصل غلاء بحلب وارتفع سعر اردبٌ الحنطة إلى 


خمسة وعشرين قرشا. فنادى المتسلم أن يباع الإردب ©©» بخمسة قروش. 
وكان عبد الله بن محمد حجازي - نقيب الأشراف ‏ قد ارتشى من 


المحتكرين بألف قرش على أن يباع الإردبٌ بخمسة 


رف الأردث #مكياك ضحد يعادل 251500 


- 227 - 


وعشرين قرشا. فلما نادى المتسلّم بما ذكر أسرّها له في نفسه. وبعد أيام 
كلأئل دعا المقسلع إلى هدر لله وسفاه كدو ابا وموم ميات شه النسباء: بعد 
ثمانية أيام. فخرج ابن حجازي في جنازته إلى مقبرة الصالحين » وكان 
الناس قد سئموا من ابن حجازي لظلمه وجوره ؛ فبينما هو منصرف من 
الكنازة إن ضداخت امر أة : هداء قات المقنلم. .فتيعها جل من العواء و انيل 
وعثرت به فرسه فانكب على وجهه . » فهجم الناس عليه وقتلوه رجما 
بالكهاوة فى قرم المكان التعر و فم بقدة الصبون اتدالق يمقر ١‏ لد اجرف :؛ 
وذهب دمه هدرا وذلك في يوم الأربعاء سابع عشر جمادى الأولى من 
السنة المذكورة. 

وفي سنة 1097 ولي حلب عبدي باشا. وفيها حصل في حلب طاعون 
خفيف لم تطل مدته. وفيها شبّت النار بسوق بانقوسا » وامتد الحريق من 
باب بانقوسا إلى المكان المعروف بالورشة حتى أصبحت هذه المسافة من 
الحادين رادا . وفي سنة 1098 ولي حلب الوزير سباوش باشا وكان في 
اعم #وولى حلب حتمان داكا و دي مضة 1000 1 احتتر ف رو شق القلهة زا 
وكانت ساعة مفزعة جدا. ولا أعرف متى عزل عثمان باشا غير أن والي 
بلغت فيه الوفيات اليومية نحو سبعمائة نسمة. وفي سنة 1104 ولي حلب 
جعفر باشا محافظ بغداد وله بحلب متسلم. ثم في هذه السنة وليها مكانه 
طورسون محمد باشا فعيّن له متسلما في حلب. 


وضع حذ لقرى المقاطعات : 

وفي هذه السنة صدرت أوامر الدولة إلى ولاتها في حلب ودمشق 
وديار بكر وماردين وأذنة وملطية وعينتاب وغير هذه الولايات من بقية 
الممالك العثمانية ‏ أن تكون قرى المقاطعات الأميرية كالملك لذويها مدة 
حياتهم. ويجوز لمن أراد منهم بيع قرية من قراه ممن شاء فتوجه على 
المشتري بمنشور سلطاني » وإذا مات أحد منهم يقع ما يملكه منحلة 


(1) الروشن : النافذة. ويطلق أيضا على الشرفة والمشربيّة. 


- 228 - 


فيعرض للمزايدة العلنية وتقدم أولاد الميت على غيرهم إذا تساويا بالقيمة. 
وقد جعلت الدولة على كل قرية من القرى المذكورة مالا مقطوعا سنويا 
يأكذه ضاكيها مق أهل القررية غلك قلاتة أقسناظ وكان هذا العمل سن الدوالة 
مساعدة عظيمة للفلاحين واستنفاذا لهم من الظلم والجور لأن أرباب 
المقاطعات كانوا يدفعون مقاطعاتهم في كل سنة التزاما لمن رغب ذلك منهم 
فيخرج الملتزم إلى القرية ويتسلط على أموال أهلها فلا يبقي ولا يذر. 

وفي سنة 1107 ولي حلب ثانية جعفر باشا محافظ بلغراد » وعيّن 
سلفه طورسون محمد باشا إلى سيواس. وفي سنة 1108 ولي جعفر باشا 
محافظة طمشوار وولي حلب مكانه عثمان باشا قائم مقام استانبول. ثم في 
هذه السنة نفسها ولي حلب عثمان باشا والي دمشق وهو غير عثمان باثها 
القائم مقام. : 1 


غلاء عظيم : 

وفيها كان الغلاء العظيم بحلب »؛ وقلّت الأقوات » وصار الناس 
يزدحمون على الآفران لأخذ الخبز ازدحاما عظيما بحيث يؤذون بعضهم. 
فأمر الوالي بسد أبواب الأفران وأن يبقى فيها طاقة صغيرة يتناول الناس 
منها الخبز على قدر سد الرمق » فسمي «غلاء الطاقة» » وامتد أربعة 
أشهر. وفي سنة 1109 عين عثمان باشا والي حلب لمحافظة قلعة الروملي 
غرة شعبان منها أبطل قاضي حلب محمد بن عبد الغني بدعة قديمة » وهي 
أن مشايخ قرى جبل سمعان كانوا يجمعون بأمر نائب محكمة جبل سمعان 
من القرى في كل ثلاثة أشهر مبلغا من الدراهم يشترون به دجاجا يقدمونها 
إلى مطبخ قاضي حلب. وفي هذه السنة ولي حلب حسن باشا والي قرمان. 
ثم في سنة 1111 وليها علي باشا. 

وفي سنة 1112 عين علي باشا لمحافظة البصرة وكان وقع فيها 
اختلال عظيم فسار إليها لإصلاح الخلل » وولي حلب يوسف باشا قائم مقام 
وفي جمادى الأولى سنة 1115 ولي حلب جور ليلى علي باشا السلحدار - 
وكان في أدرنة ‏ فسافر إلى استانبول ليتناول منشور الولاية فولاه السلطان 
القدس الشدريف وفي سنة 1116 ولي حلب الحاج قيران حسن باشا 
الجعر ول كن مكاندة بزو لى تتطلفه محمد بالدا الجر كن الرفة لم ف فده البدقة 
ولي حلب أبازه سليمان 


- 229 - 


باشا السلحدار وكان يعرف بسليمان آغا. وفي سنة 1117 ولي حلب 
إبراهيم باشا والي شهر زور وولي سلفه أبازه سليمان باشا أغربيوز. وفي 
سنة 1119 ولي حلب عبدي باشا والي سيواس وولي سلفه إبراهيم باشا 
أرضروم. وفي سنة 1120 ولي حلب تبراد محمد باشا الصدر السابق 
وولي سلفه عبدي باشا الأناطول. وفيها جدد مرقد نبي الله زكريا في أموي 
حلب. وفي شعبان سنة 1122 ولي خلب ثانية إبزاهيم باثنا السلحذار:والي 
شهر زور. 1 
الدولة عليهما ليتمكن من تنكيل نصوح باشا أمير الحاج لأنه كان عازما 
كلب على :ياه مفتول ز اذه وكنان. فى اميقائيول فعين مشيلما إلى حلب : 
وسافر هو للمحاربة في المورة بعد أن عين سردارا » وكان من معه في 
المحاربة عبد الرحمن آغا الحلبي باش جاويش » فأبلى هذا الرجل في العدو 
بلاء حسنا. وسمعت الدولة خبره فعينته واليا على حلب وولت سلفه علي 
باشا على الأناطول. وفي هذه السنة زحف على حلب من الشرق جراد 
وليها في هذه السنة سليمان باشا السلحدار وهو الصدر الأسبق. 

وفي سنة 1130 وليها عثمان باشا فسافر إلى أدرنة ومنها إلى موقع 
صاحب المدرسة الرضائية المنسوبة إليه. وفي أوائل سنة 1131 ولي حلب 
موره لى علي باشا. وفيها وقع في حلب طاعون جارف أهلك خلقا كثيرا 
انشعو كا على بخ دي راكد .ركنن الو الى ويكاتسيةة, زفي إواخان ده 
وكان في دمشق أميرا على الحاج » وقد ضجر الدمشقيون من ظلمه وجوره 
“وهو ناخب السراي فين محلة يحسيتا «والستان الكائن فى شرفي 
الميدان الأخضر المشهور ببستان الباشاء وحوض الماء الذي بجانب 
البستان من غربيه. 

وفي سنة 1133 زاد طغيان العرب المعروفين بالعباسيين في 
صحراء حلب وكثر ضررهم 


- 230 - 


على السابلة وعسر على الولاة ردعهم فعيّن الباب العالي حسن باشا والي 
بغداد رئيس عسكر إلى شهر زور والموصل وديار » وعيّن علي باشا 
مقتول زاده والي الرقة رئيس عسكر إلى حلب وقرمان. ثم انفذت إلى 
وا نو 0 الأو امد الهو كد قشر لسار اك ومن تيبا ال لعز بان 
المذكورين » فتناوشتهم العساكر من كل جانب وأذاقوهم أنواع المعاطب 
والمصائب فكفت ضررهم ومنع خطرهم. وفي هذه السنة وقع في حلب 
طاعون كبير لم تذكر وفياته. وفيها ولي رجب باشا مصر القاهرة فسافر 
إليها وبقي بها أشهرا ولم يستقم أمره فأعيد إلى ولاية حلب وولي في غيبته 
عارف أحمد باشا رئيس الكتاب. وفي سنة 1135 أصيبت حلب بزلزلة 
مهولة دمرت أكثر بيوتها وقتلت كثيرين من أهلها. 

وفي سنة 1136 ولي رجب باشا تفليس وولي حلب مكانه كورد 
إبراهيم باشا نقل إليها من طرابلس الشام. وفي سنة 1137 ولي حلب علي 
باشا بن نوح أفندي رئيس الحكماء متصرف أدرنة » وشرطت عليه الدولة 
في توليتها إياه حلب أن يسافر مع العسكر إلى الجهة الشرقية أي ناحية 
تبريز في بلاد العجم. وولي سلفه إبراهيم باشا لواء «خوى» على هذا 
الشرط أيضا. وفي سنة 1138 رأت الدولة من علي باشا ما سرّها في سفره 
إلى جهة العجم وفتح تبريز » فأنعمت عليه بالوزارة وولته إيالة الأناطول . 
وولت على حلب مكانه محمد باشا سلحدار » سلفه في إيالة الأناطول. وفي 
ثامن جمادى الأولى من هذه السنة ولي حلب ثانية عارفي أحمد باشا » نقل 
إليها من ولاية سيواس » وشرطت عليه الدولة أن يبذل الجهد في تنظيم 
حالة الموالي العربان في ضواحي حلب ويتكفل في محافظة ما حول الرقة 
والمن الشريف 6 و عينتة سلفة محمد ناشا الملحدار سين ميك 

وفي سنة 1140 وفد على حلب من الشرق جراد كثير أتلف الزروع 
وغلت الأقوات وعرّت البقول والخضر. وفي أواسط محرم سنة 1141 
ولي حلب علي باشا صهر الحضرة السلطانية. وفي سنة 1142 ولي حلب 
الوزير كوجك مصطفى باشا. وفي ربيع الآخر سنة 1143 وليها إبراهيم 
جاتنا وال انون الررؤه سائقا .وو لى لذ كوحك معطي ياتا ذواء إبع 
إيل. ولما ولي إبراهيم باشا المذكور ولاية حلب كان في استانبول » فاستثقل 
من بقاثةتتها . الصبدره لظام يتح وانها 6و امدتكده على السدر | لتم لودل 
فعزم على ذلك وخرج من استانبول إلى اسكيدار بنيّة التوجه نحو حلب 
فاجتمع أكابر الدولة وأهل الديوان على أن يسند إليه منصب الصدارة 
وأجابهم السلطان على ذلك » وأرسل له ختم الصدارة وعين 


- 231- 


شلفة لكي السارق عفنة نافنا تلكا لعلنيف وكاق ذلكافى البز الال مقر 
من رجب الفرد من السنة المذكورة. وفي هذه السنة تمت عمارة جامع 
الرضائية المعروف بالعثمانية وصار لذلك يوم مشهود. وفي شعبان سنة 
5 ولي محمد باشا ولاية ديار بكر. ولم أحقق من جاء بعده. وفيها وقع 
في حلب طاعون عظيم أقفل دورا كثيرة. وفي سنة 1146 نزلت صاعقة 
في يتان القنار وقتلت كلاثة أشخاض: 


غلاء شديد وقتل شيخ المداراتية : 

وفي سنة 1147 كان الغلاء بحلب شديدا وهاج الناس وقاموا لنهب ما 
يرونه من الخبز في الأفران » وصادفوا خليلا المرادي شيخ المداراتية 
يقبض ثمن الطحين من الخبازين ومعه صرة دراهم » فطمعوا به ولحقوه 
لاخذها فاحس بمرادهم وحرّك دابته للهمرب منهم . » فلحقوه وأدركوه عند 
جامع قسطل الحرامي. ولما ضايقوه أراد الدخول للجامع ليحتمي به منهم » 
فمنعه قوّامه خوفا من أن يقتل فيسألوا عن دمه. فهرب إلى البرية فتبعوه 
وقتلوه رجما بالحجارة ولم يعلم قاتله. ثم في هذه السنة قدم إلى حلب واليا 
عليها أحمد باشا بولاد فاشتكى إليه أولاد خليل المقتول فأخذ بالفحص عن 
فاتليه ولم يظفر بهم » وآل أمره إلى أن أخذ جريمة وافرة من المحلة 
المذكورة. وفي سنة 1150 ولي حلب عثمان باشا المعروف بوقته بمحصّل 
حلب صاحب المدرسة الرضائية بحلب. 


وصول سفير العجم إلى حلب : 

وفي أوائل سنة 1135 ولي حلب يعقوب باشا وولي عثمان باشا أذنة. 
وفي شوال هذه السنة وصل إلى حلب سفير طهماس قولي المدعو بنادر شاه 
من مشسلكة إيوران كنار | منيها إلى اتبقائع ل واحتفلك له الفولة العتمانية 
إظهارا لأبهة السلطنة » ومعه تسعة أفيال على ظهورهم التخوت ؛ فدخلوا 
من باب النيرب وشربوا من قسطل علي بك » وهم أمام السفير المذكور . 
كل هنيّة يقفون لسلامه » ويأمرهم الفيال فيطأطئون خراطيمهم حين السلام. 
وكان يوم قدم سفير آخر من طهماس المذكور واجتاز بحلب عاشر شوال 
سنة 1145 لجمع الأسارى إلا أنه لم يكن بهذه الأبهة » وخرجت إليه نساء 
الأعاجم اللاتي أسرتهن الدولة العثمانية قبلا واستولدن في حلب وغيرها 
من الممالك المحروسة » فمنهن من أبى اتباعه ومنهن من تبعه لارتكاب 
القباتح علنا. 


- 232 - 


الزالة الإنكليزية في حلب : 

وفي هذه السنة أعني سنة 1153 كانت النزالة من الإنكليز في حلب. 
فكان لهم فيها قنصل وعشرة تجار وقسيس وكاتب أسرار وطبيب. وفي سنة 
5 ولي حلب حسين باشا. وفي هذه السنة كثر ظلم القاضي وتظاهر 
بالفسوق والرشوة فتألب عليه العامة وهجموا عليه وهو في المحكمة 
ورجموه ونهبوا المحكمة. وفي سنة 1156 وقع بحلب طاعون عظيم أهلك 
خلقا كثيرا » واشتد فساد العربان في البر. وفي ذي القعدة سنة 1157 ولي 
حلب الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق السر عسكر. وفي أوائل سنة 1158 
قتل الباشا من اليكجرية ') مقتلة عظيمة بسبب ظلمهم وفسقهم » وتحصن 
البهلوان في القلعة وبقي بها إلى أن ولي حلب علي باشا حكيم باشي زاده 
الصدر. الأسبق + وهذه الولاية الثانية تقل إليها من يومثة.:وولى سلفه الناخ 
أحمد باشا إيالة الأناطول » فكان ذلك في هذه السنة أعني سنة 1158 ثم فيها 
أعَيْذ لولاية حلب الحاح أحمكدياثنا الصبدر الأسببق لما ظهن للذولة من لزوم 
وجوده فيها لقمع العربان وتحرك العجم في ممالك إيران. 

وفي شهر ذي الحجة سنة 1159 ولي حلب أحمد باشا كوبريلي زاده 
متصرف قندية » وولي سلفه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق قندية. وقبل 
أن ينتقل أحدهما لمحله الجديد صدرت إرادة سلطانية بإبقاء كل منهما في 
محله الأول » » فبقي الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق في حلب » وبقي أحمد 
باشا كوبريلي زاده في قندية. وفي جمادى الآخرة سنة 1160 ولي حلب 
حسين باشا والي «وان» وولي سلفه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق ديار 
بكر. 

وفي هذه السنة أمرت الدولة أن يجلب من أذنة إلى قلعة حلب ستون 
مدفعا. وفيها جاء إلى حلب «كور وزير» وقتل جمعا كثيرا من اليكجرية. 
ولم أحقق هل جاء كور وزير لقمع اليكجرية خاصة » أم جاء واليا في حلب 
بعد عزل واليها حسن باشا؟ 

وفي سنة 1161 كسفت الشمس بين الص لاتين إلى وقت الغروب 
وأظهرت عه تحرم: و في نين | 1116نر لي كلتب إسماعيل باما همان انا 
راام راي وسكره دنه :10-4:] وان كلا هه اددع وانيا ابن لعفي تونفيل 
الجها من طواباس الشاة وولي سلنه إنسماغيل ياشا و لاية طر ابلين المساكوورة. 
وفي هذه السنة كان الغلاء بحلب شديدا حتى ثار الناس في يوم 


(1) يعني الإنكشارية. 


- 233 - 


الجمعة وتعطلت الصلاة والأذان وطلعت النسوة إلى المآذن. وفي محرم 
سنة 1165 نقل سعد الدين باشا إلى صيدا ووليها على وجه المالكانه 2 , 
وولي حلب مكانه السيد أحمد باشا والي صيدا وآغاة اليكجرية سابقا. ولما 
استقر بحلب أخذ بالظلم والجور وصادر كثيرين بلا حقّ » ونفى عددا وافرا 
من أغيان كلت إلى يان المعار كيكهم إناه لللمية فاصتطرنع الحلبمون 
وحرروا به محضرا عاما إلى الدولة ذكروا فيه ظلمه وجوره والتمسوا 
تبديله ومجازاته ٠‏ فأجابتهم الدولة إلى ما طلبوا وعزلته عن حلب وولته 
«القارص» تبعيدا له » وولت حلب صاري عبد الرحمن باشا مير ميران » 
ذلك فى تتعيان المنة المذكووة: خم في كنوالها توفي هيد الوحين يثنا 
بحلب وعينت الدولة لتحرير تركته علي بك ميراخور مصطفى باشا زاده » 
وولّت حلب مكانه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق » نقل إليها من آذنة وهذه 
الولاية الرابعة. 

وفي ثاني عشر شوال سنة 1166 توفي أحمد باشا بحلب وولي مكانه 
عبد الله باشا الصدر الأسبق. وفي أواخر سنة 1168 وليها راغب باشا 
العالم الكبير صاحب سفينة الراغب كما يفهم ذلك من تاريخ واصف. ثم في 
ربيع الأول سنة 1169 عين راغب باشا لمنصب الصدارة وجاءه ختمها 
إلى حلب ؛ فسافر إلى استانبول. وولي حلب بعده أمير الحاج : الحاج أسعد 
باشا ابن إسماعيل باشا عظم زاده. ثم في سنة 1170 وليها عبدي باشا 
فراري. ثم في اليوم الثاني عشر رجب ولي حلب علي باشا قائم مقام 
الصدارة. 


برد وغلاء : 

وفي هذه السنة وقع في حلب برد شديد وجمد الماء واستقام الجليد من 
أول كانون الثاني إلى آخر آذار. وفيها كان الغلاء شديدا. وبيع شنبل © 
الحنطة فيه بعشرة قروش ؛ والشعير بسبعة » والحمّص والعدس بستة » 
ورطل الدبس بنصف القرش , والعسل بقرش وربع » والسمن بقرش 
وثلاثة أرباع » والخبز باثنتي عشرة بارة. 

قال في السالنامة : إن والي حلب سنة 1171 حسين باشا عبد الجليل 
زاده. وهكذا 


(1) المالكانة : لفظة تركية تعني التمليك » أو الملكيّة. 


(2) الشنبل : مكيال عرف في بلاد الشام لكيل القمح والشعير ونحوهما. ويختلف تقديره من 
بلد إلى آخر » ومن عصر إلى آخر. وكان يعادل في حلب عصرئذ 5 ٠»‏ 61 كغ تقريبا. 


10 


رأيت في بعض المجاميع » لكن ذكر في حديقة الوزراء وفي تاريخ واصف 
أن واليها في السنة المذكورة محمد باشا محسن زاده » فلعله بدل واليان في 
هذه السنة. 

١‏ وفي هذه السنة وقع في حلب كساد عظيم حتى لم يبق في المدينة سوى 
أزكعة الات كل مقكعد : ر فلل قدريها صافقا مكداعنة قال واسيفة: 
ل د ل يا م 
ادي مي اا ل بليدة من أعمال ديار بكر ؛ فوصل 
عردانة ركان ورعاك- الى بعلت فعرل نيا ال ديق #بوولى نكاطة عبد 
باشا فراري وهي الولاية الثانية. 


غلاء عظيم : 

وفيها اشتد الغلاء في ديار بكر وعم تلك الديار بل سرى إلى جميع 
البلاد » 00 الحنطة بحلب بأحد عشر قرشا. وأما نواحي ديار بعر 
لدى الحاكم حة ا ري ا وي 0 
له أن خملة مق ماك حو ها في حلب (87) ألفه إنسان هنهم 12 الذا ضار 
و 5 آلاف يهودي والباقي مسلمون » سوى من ترك البلاد ونزح إلى 
غيرها. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب مصطفى باشا الوزير محصل 
التوقيع في موره سابقا. ثم في رجب سنة 1173 ولي حلب عبد الله باشا 
فراري وهي الولاية الثالثة. 


زلزال مهول : 

وفي فجر يوم الثلاثاء من ربيع الأول من هذه السنة » المصادف 
لابتداء كانون الأول » حصل زلزلة عمّت جميع البلاد الشامية بحلب 
ودمشق وحمص وحماة وأنطاكية وشيزر وحصن الأكراد » وجميع بلاد 
الساحل كصيدا وصفد وغزة والقدس . فخربت البلاد وتدحرجت الصخور 
من أعالي الجبال » وانفتحت في الأرض الأخاديد » ونضبت عيون وانفتح 
أخرى ؛. واضطربت السفن في مياه عكا حتى زحف بعضها إلى البر 
وخرجت الأسماك إلى الرمل ونقل منه الناس ما لا يحصى » وكان هذا 
الزلزال أخف ما يكون في 


-235- 


حلب. وقد اتصلت الزلازل في كل أسبوع مرتين وثلاثة إلى ليلة الاثنين 
سادس ربيع الثاني فزلزلت بعد العشاء المحالٌ المذكورة بأسرها واستقامت 
بدمشق ثلاث درج ٠‏ وخرب غالب دمشق وأنطاكية وصيدا وقلعة البريج. 

ولم تزل الزلازل متصلة إلى انتهاء السنة المذكورة. ثم أعقبها بدمشق 
وقراها وما والاها ‏ طاعون جارف غمرت غالب مساجد دمشق التي 
هدمتها الزلزلة من وصايا الأموات في هذا الطاعون ) وفي سنة 1174 
توفي عبد الله باشا فراري في حلب ودفن بتكية الشيخ أبي بكر » ووليها 
مكانه بكر باشا وكان يعرف ببكر أفندي أمين المطبخ. وفي سنة 1175 ولي 
وولي مصر بكر باشا والي حلب قبله » وفيها وقع بحلب طاعون شديد بلغت 
وفياته اليومية مائة وتسعين نسمة. وفي الرابع والعشرين من ربيع الآخر 
سنة 1177 أسند لمصطفى باشا منصب الصدارة فسافر إلى استانبول. 

ولاية محمد باشا العظم حلب وإبطاله بدعة الدومان وغيرها : 

وفي هذه السنة ولي حلب محمد باشا بن مصطفى باشا بن فارس بن 
إبراهيم » الشهير بعظم زاده » نقل إليها من ولاية طرابلس الشام ودخلها في 
رابع عشر شعبان. وكانت مجدبة فحصل بقدومه كثرة أمطار ورخاء أسعار 
ورفع عن أهلها من البدع ما كان ثلما في الإسلام. فأثلج بذلك الصدور 
العادة في بعض محلاتها أن تفتح حانات القهوة ليلا ويجتمع بها أوباش 
الناس إلى أن زاد البلاء وفجرت النساء » مع ما انضم إلى ذلك من شرب 
الخمور وفعل المنكرات وأنواع الفساد » فحانت منه التفاتة إلى ذلك فقصده 
متخفيا وأزاله في ثاني يوم » حيث نبه على الحانات ألا تفتح ليلا. 

ومن جملة ما رفع من المظالم بحلب أيضا بدعة الدومان عن حرفة 
الجزارين وكان حدوثه بحلب سنة 1161 والدومان اسم لمال يجمع من 
ظلامات متنوعة » يستدان من بعض الناس بأضعاف مضاعفة من الربا 
ويصرفه متغلبو هذه الحرفة في مقاصدهم الفاسدة. وطريقتهم 


(1) العبارة الأخيرة مضطربة » وقد وردت كذلك في الأصل. ويبدو أن فيها نقصا بعد قوله : 
«طاعون جارف»,. 


- 236 - 


في وفائه أن يباع اللحم بأوفى الأثمان للناس من فقراء وأغنياء وتؤخذ 
الجلود والأكارع والرءوس والكبد والطحال بأبخس ثمن من فقراء 
الجزارين جبرا وقهرا كل ذلك يعدن هن الشقواء الجر ارين ومتخلسيهم للبم 
مسن مدع و ستحيق كان قاطبدا يكل التولن أحمد,افتدي الك يدم تبيحئ فر 
رفع هذه البدعة فلم تساعده الأقدار » فباشر بنفسه محاسبة أهل هذه الحرفة 
الخبيثة ورفعها » وكتب عليهم صكوكا ووثائق وسجلها في قلعة حلب » فلما 
قبض الوالي المذكور على رئيسهم المعروف بكاور حجي وقتله وأبطل تلك 
البذعة النييثة ويضيان ' لأهل حاب يلك كمال الرفة وا هيبا اناس 
شعراؤها بعدة قصائد ذكر المرادي بعضها. 

وفي جمادى الأولى سنة 1177 ولدت امرأة من عشيرة الموالي 
طفلين ملتصقين ببعضهما » شاهده ألوف من الناس » ثم مات أحدهما 
وعاش الآخر ساعتين ومات. وفي السنة المذكورة أعني سنة 1178 اجتمع 
أفندي ابن أحمد أفندي داماد » غير المذكور آنفا » وبينوا فيه ظلمه وحرصه 
وارتكابه » وبرهنوا على ذلك » فعزلته الدولة عن حلب ونفته إلى قونية. 
وفي شوال هذه السنة ولي حلب أحمد باشا مير ميران وسماه في تاريخ ابن 
ميرو «محمد باشا» وقال إنه حاز رتبة الوزارة في حلب لظفره بعصاة من 
أهل بياس. وقد ولي سلفه عظم زاده ولاية الرقة. وفي خامس ذي القعدة 
منها هجم خنزير بري على المدينة نهارا ولما دخلها اشتد عدوه ولم يزل 
هكذا حتى دخل الجامع الكبير والناس والكلاب يركضون وراءه فأغلقوا 
ابواب الجامع وعاجلوه برجم الحجارة حتى قتلوه. 

وفي جمادى الآخرة سنة 1179 أنعم حضرة السلطان برتبة الوزارة 
على أحمد باشا والي حلب. وفيها كان الغلاء شديدا بحلب , بيع فيه رطل 
الخبز باثنتي عشرة بارة. وفي شوال سنة 1180 ولي حلب علي باشا كور 
أحمد باشا زاده. 


نفي نقيب الأشراف محمد أفندي طه زاده : 

وفي محرّم هذه السنة صدر الأمر السلطاني بنفي السيد محمد طه 
زاده نقيب أشراف حلب. وسبب ذلك أنه بقي زمنا طويلا في نقابة حلب 
واكة : شهرة ظٍ .-. وات 7 1 1 


- 237 - 


دنياه » وصار نافذ الكلمة مسموع الأمر رئيسا بين أقرانه » فاعتصب عليه 
عدة من رجال حلب وأعيانها ورؤساتها » وزعموا أنه طغى وبغى وجار 
وظلم وعاقب وعذب وسلب الأموال بغير حق » وفعل مالم يكن جائزا في 
الخترع المُطهر, وقدموا فى .هده المذالب محصير! إلى الدولة بللمسون فيه 
مق عدلهنا أغر لهروسهار اكه على فغلة: فضادقت هذا 'المستحيو بولا ورهز اند 
الدولة ومحت اسمه من جريدة الموالي ‏ وكان حائزا باية 1 إزمير - ونفته 
إلى أدرنة. ولما صدر الأمر بنفيه كان والده أحمد أفندي في استانبول فأخذ 
يدافع عن ولده حسب الشفقة الأبوية » ويقيم الحجة على أخصامه في دحض 
ما زعموه في ولده حتى خيف من وقوع فساد بينه وبينهم » فأمرت الدولة 
أن يلحق بولده وينفى إلى أدرنة. وقد رأيت في بعض المجاميع أنه استقام 
في المنفى ستة أعوام ونقل فيه إلى عدة بلدان كقبرص وغيرها. 

وفي ذي القعدة من هذه السنة ولي حلب حمزة باشا السلحدار 
وفوضت إليه التحصيلات فكان بحلب واليا ومحصّلا » وولي سلفه علي 
باشا محافظة القارص . وفي شوال سنة 1181 ولي حلب باغلقجي زاده 
محمد أمين باشا. ثم في سنة 1182 ولي الصدارة وولي حلب مكانه رجب 
باشا. وفيها حصل وقعة عظيمة بين اليكجرية والدالاتية وخرب عدة 
محلات بهذه الوقعة. وفي سنة 1183 محت الدولة اسم رجب باشا من دفتر 
الوزارة ونفي إلى ديمتوقة. وس بب ذلك أنه لما دخل حلب استأجر دارا 
فسيحة وأسكنها خمسا وعشرين جارية واشتغل بهن ليله ونهاره » وأهمل 
أمر ,الحكوفة زرفق الناين افوص وقد ولي حلب بعده محمد باشا أحمد باشا 
زاده متصرّف سلانيك سابقا. ثم بعد مدة قليلة نقل إلى محافظة ودين وولي 
حلت مكانه مكمة باش © نقل إليها مخ .ولاية رزوهلي. 


فتنة بين الأشراف والإنكشارية : 

وفيها حصل بين الأشراف واليكجرية وقعة عظيمة واشتد القتال 
والنهب » ونهبت قيسرية العرب تحت القلعة ونفيت عدة أشراف. وفي 
رمضانها المصادف لتموز وقع مطر غزير أخرب أماكن عديدة » من 
جملتها مكتب في محلة باحسيتا انهدم على عشرة أولاد من اليهود وحاخام 
وامرأة. وفي محرم سنة 1184 عين محمد باشا والي حلب سر عسكرا 
ووليها مكانه عبد الرحمن باشا فوصل إليها في رجب. 


(1) رتبة عالية أو لقب رفيع تمنحه الدولة. والكلمة فارسية أخذها عنهم الأتراك العثمانيون. 


- 238 - 


فتنة بين الأشراف والدالاتية : 

وفيها كانت الفتنة قائمة بين الأشراف والدالاتية » والأشراف هم 
الغالبون » فحاصر الوالي حلب وقطع القوافل عنها ثم دخلها وقت الفجر من 
باب قنّسرين » وهاج الأشراف وأطلقوا عليه الرصاص. وعظمت الفتنة 
بينهم وبين الدالاتية واستمر الحرب أربعا وعشرين ساعة ثم هرب 
الأشراف ». وهجم الدالاتية على سوق الجمعة ونهبوا البيوت والدكاكين 
وقيسرية العرب وأحرقوا جملة من بيوتها. وقبض الوالي على نقيب 
الأشراف وحبسه ثم نفاه. وفي جمادى الآخرة منها اجتمع جم غفير من 
العلماء والعوامٌ ودخلوا المحكمة الشرعية وطلبوا رفع بءوض بدع وأمور 
منحرفة عن الدين » فأجيبوا إلى ما طلبوا. وفي سنة 1185 ولي حلب محمد 
باشا عظم زاده » وكان الأشراف في قيام وثورة فأغلقوا دونه أبواب حلب 
ومنعوه من الدخول إليها » واشتعلت نار الحرب بينهم نحوا من أربعين 
يوما. ثم في غرة ربيع الثاني منها وصل إليه المدد فغلبهم ودخل حلب 
وجازى المفسدين. 

وفيها ولي حلب حسين باشا الداماد » ثم وليها في سنة 1186 الحاج 
عثمان باشا » وسنة 1188 محمد باشا. وفي سنة 1189 ولي حلب محمد 
باشا بن محمد عثمان بك زاده » وكان سكيرا فبقي بها أياما قلائل وحول 
عنها إلى ولاية الرقة » وولي حلب مكانه جتالجه لي علي باشا ء وكان 
ظالما غاشما أضر بالناس ضررا فاحشا فتشكى منه الحلبيون إلى الدولة 
فأجابتهم بعزله عنهم وولّت حلب عزت باشا محافظ القارص. وفي ذي 
الحجة سنة 1991 تحول عزت باشا إلى متصرفية القدس », وإبراهيم باشا 
المير ميران متصرف القدس إلى حلب. 

وفي محرم سنة 1193 المصادف كانون الأول وقع في حلب ثلج 
عظيم » واشتد البرد حتى تلف كثير من شجر الرمان والزيتون والتين. 
وفيها كان والي حلب مراد باشا ثم عزت باشا ثانية. وفيها اشتد الغلاء 
بحلب وبيع رطل الخبز بزلطه وهي ثلاثون بارة. وفي جمادى الأولى منها 
المصادف أيار وقع برد كثير » الواحدة منه في حجم الجوزة » فاتلف ثمر 
الشجر وبعض المزروعات. 

وفي سنة 1194 ولي حلب عبدي باشا الكبير كما يستفاد من تاريخ 
جودت. وفي السالنامة أنه وليها في السنة الماضية. وسنة 1195 وليها 
يوسف باشا أكبر أولاد محمد باشا عظم زاده. وفي سنة 1196 وليها 
إبراهيم باشاثم صرف عنها إلى القارص ووليها مكانه 


- 239 - 


خزينه دار شاهين علي باشا. ثم في سنة 1197 وليها مصطفى باشا والي 
قرمان. وفي سنة 1198 وليها احمد باشا متصرف لواء أوخري. وفي ثاني 
يوم من ربيع الآول سنة 1199 ولي حلب ثانية شاهين علي باشا ثم عبدي 
باشا. ثم في شوالها وليها ارحاجي مصطفى باشا. وفي اليوم الرابع من 
شعبان هذه السنة » المصادف شهر تموز »ء في الساعة الثالثة منه كسفت 
الشمس وظهرت عدة نجوم وامتد كسوفها نحو ساعتين. وفي شوال سنة 
0 ولي حلب بطال حسين باشا ابن الحاج علي باشا والي إيالة 
أرضروم » وولي أرحاجي مصطفى باشا إيالة أرضروم. 


غلاء عظيم : 

وف هده لماه نخدا العادء فتى حلب فطاع المكلار + وكين هنر 
قويق ودام يبسه إلى الأربعينية يلد 3 » وغلت أسعار القوت أولا ثم فقدت من 
البلدة بالمرة » فاضطر الناس لأكل حب الخرّوب وحب القطن وعجو 
المشمش المرّ ء يحلونه ويأكلونه. ومن الناس من أكل الدفل الذي يخرج من 
النشاء المعروف بالدوسة. ومنهم من أكل أمعاء الحيوانات وأحشاءها. وبيع 
شنبل الحنطة بخمسة وعشرين قرشا » ورطل الخبز بثلاث عشرة بارة إلى 
القرش » والزبيب بقرش » واللحم بقرش ونصف ., والسمن بربع القرش. 

وفي محرم سنة 1201 ولي حلب عثمان باشا محافظ أبرائيل وولي 
سلفه بطال حسين باشا دمشق الشام. وفيها وقع في حلب طاعون جارف 
هلك فيه خلق كثير. وفي سنة 1202 ولي حلب مير عبد الله باشا. وفي 
السالنامة أنه وليها في السنة قبلها وهو غلط, 

وفي سنة 1204 ولي حلب كوسه مصطفى باشا. وفي رابع ذي القعدة 
سنة 1205 قام الحلبيون على الوالي وحاصروه في قصره أربعة أيام ثم في 
ثامن هذا الشهر أخرجوه من باب الفرج فأقام في ظاهر حلب » وكانت 
الدولة عينث مكانه سليمان باشا ترنج زاده. 


فتن في عينتاب وكلّز : 

وفي سنة 1206 كتبت الدولة إلى كوسه مصطفى باشا ‏ المقيم في 
ظاهر حلب - أن يسيّر على نوري باشا بطال آغا زاده » وكان عاصيا على 
الدولة في عينتاب. وذلك أن نوري باشا كان من وجهاء عينتاب وبيده 
مقاطعتها فظلم وبغى » حتى اضطر أهل عينتاب إلى أن يستعينوا عليه 
بمحمد علي باشا طبان زاده متصرف كلّز . فدعوه إليهم وسلموه قيادتهم 


- 240 - 


فهرب منه نوري باشا ء واستقر هو في عينتاب وصفا له الوقت وسلك سنن 
من قبله من الظلم والعسف » حتى أسف الناس على نوري باشا. ولما عيل 
صبرهم منه هجموا على ولده الذي كان بيده مقاليد أموره وقتلوه شر قتلة 
وتخلصوا من جوره. ولما سمع بذلك نوري باشا اغتنم الفرصة وحشد 
أخلاطا من التركمان وقصد عينتاب وحصرها » وقطع طريق حلب وصار 
ينهب الأموال ويقتل النفوس. 

واتصل خبره بالدوله فعينت درويش عبد الله بك عزت بك زاده » 
فمشى نحوه بالعساكر الوفيرة واتفق في هذه البرهة أن مر بتلك الأطراف 
ككى عبدي باشا قائد الجيش السلطاني وكان معزولا من مصر . فدخل 
عليه نوري باشا واستشفع به للدولة » فضمن له العفو بشرط أن يكون 
بمعيته. وكان عبد باشا متوجها إلى ديار بكر فتوجه نوري باشا معه وأقام 
بها إلى أن توفي عبدي باشا. وعندها خرج نوري باشا من ديار بكر وعاد 
إلى فساده وقصد عينتاب » واتفق مع زمرة السادات واستولى على 
البكجرية وأحرق دورهم ونهب أموالهم » ثم حصن القلعة وأقام بها 
#المكحمين أنه عاتم عاق عدف إل أن كشك الذونة المي كرو مسسطي 
باشا بالمسير عليه في السنة المتقدم ذكرها » فتوجه نحوه وحاصره في 
لقاغة خمسة أشهر. إلى إن طذل به وله له ماغنا ند بخائدرتة , فلح 
رؤوسهم وأرسلها إلى حلب ومنها إلى استانبول. وفي أواخر هذه السنة ولي 
حلب عتفان ناث :رفي يشفة 1207:وقه'في احلني قخط وغلاء: 


صلح اليكجرية مع أهل حلب : 

وفي سنة 1208 ولي حلب عبد الله باشا عظم زاده » وكانت شرور 
اليكجرية فيها قد عظمت , واستبدوا بالآأمور حتى لم يبق للوالي حكم نافذ 
وكان ضعيفا. فولت الدولة حلب سليمان فيضي باشا وشرطت عليه إصلاح 
البلد من غير إقامة حرب. فحضر إلى حلب وأحضر إليه كبراء اليكجرية 
وتلطف بهم وعاهدوه على الراحة والسكون ونذر عليهم نذورا ثقيلة لأهل 
حلب إن نكثوا العهد » فلم يمض غير أيام قلائل إلا ونبذوا العهود وهجموا 
بلا سبب ظاهر على محمد أفندي غوري زاده وشتموه وضربوه ضربا 
مبرحا ء وعادوا إلى ما كانوا عليه ومدوا أيديهم للأرزاق الواردة إلى حلب 
من خارجها » فخافهم الوالي وخرج إلى ظاهر حلب بوسيلة أنه يريد تبديل 
الهواء » ثم أرسل إليهم رجلا من خاصته ذا نجدة 


- 241 - 


وشجاعة ورفقه بمباشر من زعماء اليكجرية وطلب منهم النذور التي 
نذروها أو يوقع بهم » وكتب إلى الدولة واقعة الحال. ثم في أواسط هذه 
السنة وقع الصلح وتمت الألفة بين أهل حلب واليكجرية. 

تخفيض عدد تراجمة قناصل الدول الأجنبية : 

وفي هذه السنة أيضا كتب سليمان فيضي باشا إلى الدولة أن قد بلغ 
عدد تراجمي القناصل في حلب نحو ألف وخمسمائة رجل. والسبب في ذلك 
أن الدولة سمحت لكل سفير في استانبول » ولكل قنصل خارجها » بشخص 
وترجمان استثنته من جميع التكاليف الأميرية. فانفتح بسبب ذلك باب لمن 
أراد الدخول في الترجمانية » حتى بلغ عدد من كان يلبس قلانس المتمّور () 
ألفا وخمسمائة » دخلوا بالخدعة والحيلة وامتنعوا عن دفع التكاليف الأميرية 
اقم وس الس تون ترك لوي د 1 
قور لد عر بده وق ١‏ امدق ل حاف د يانيع سارو التقجر ارهد 
أن دفعوا له وللكمرجى ولمحصّل الأموال خمسة آلاف ذهب ؛» وللوالى 
مثلها. فلم يقبلوها. وفي هذه السنة كانت وفاة سليمان فيضي باشا. ْ 

ولم أقف على من ولي حلب بعده إلى سنة 1211 وفيها وليها شريف 
باشا والي مرعش. ثم في أواخرها وليها حقي باشا والي روم إيلي » فتحرك 
من مكانه إلى حلب وعبر في طريقه من معبر كليبولي. ولما قارب قرية 
سكود أفسد أتباعه وحاشيته الكثيرة مزروعات تلك القرية وأضروا ضررا 
فاحشا. فابتدر الناس هناك مدافعتهم بالتي هي أحسن فكرّ أتباع الوالي عليهم 
وأوسعوهم جراحا وقتلوا منهم عدة أشخاص. وعندها رفعوا أمرهم للدولة 
دصحت بهم حضوت على جد باثنا رمحت اليمةه من الور ارة ١‏ وفيا 
إلى جزيرة استانكوي. وولي حلب مكانه في أوائل سنة 1212 حسن باشا 
محافظ بندر. وبعد بضعة أشهر وليها درويش مصطفى باشا والي الروم 
إيلي. 


(1) السمّور : حيوان لاحم مفترس » يتخذ من جلده فرو ثمين. 


- 242 - 


واقعة جامع الأطروش : 

في رمضان هذه السنة عظمت الفتنة بين السادات واليكجرية في حلب 
؛ وجرى بينهما منازعة وقتال » وتغلّب اليكجرية على السادات فالتجؤوا 
إلى جامع الأطروش وحاصروا فيه » ومنع نع اليكعجرية وصول الماء والقوت 
إليهم وشددوا عليهم الحصار » ونفذت ) أقواتهم وعيل صبرهم وأشرفوا 
على الهلاك من الجوع والعطش ٠‏ فاستأمنوا اليكجرية فأمّنوهم على أنفسهم 
وحلفوا لهم الأيمان المغلظة على ذلك. فوثق السادات منهم وفتحوا أبواب 
الجامع فما كان إلا أن هجم اليكجرية عليهم وفتكوا بهم قتلا وجرحا وسلبا 
وسبيا » والسادات يستجيرون بهم ويستغيثون بالنبي وآله فلا يلتفتون إليهم. 
وكانوا يقتلون السادات على أنحاء شتى : فمنهم من يقتلونه نحرا في عنقه » 
ومنهم من يبقرون بطنه » ومنهم من يفلقون بالسيف هامته » ومنهم من 
يذبحونه من قفاه أو من عنقه » ومنهم من يطرحونه في البئر أو في حفيرة 
حيا. وكان السيد يستغيث بشربة من الماء قبل أن يقتلوه » فلا يغيثوه بل 
يقتلوه 2 ظمآن. ومن الغريب أن يكجريا ظفر بأخيه السيد وأراد أن يقتله 
فاستغاث بشربة ماء قبل القتل » فبال في فمه وقتله. 

جرى ذلك والوالي غائب عن حلب لمحاربة بعض الخوارج على 
الذؤلة: ولما اتصل الكير بالدولة ولك حلب شنريف ياتا والبي مرعتن ب 
وهذه الولاية الثانية - فأسرع الكرّة إلى حلب وتدارك الحال وأطفأ نار الفتنة. 
وقد نظم شعراء العصر في هذه الوقعة عدة قصائد نعوا فيها السادات 
وهجوا اليكجرية. فمّما قاله الشيخ محمد وفا الرفاعي ‏ من قصيدة ‏ قوله : 
كلّ المصائب قد تسلى نوائبها إلا التي ليس عنها الدهر سلوان 
هي المصيبة في آل الرسول فكم سرى بأخبارها في الناس ركبان 
من آل بيت رسول الله شرذمة من النوابغ أحداث وشبان 
آووا لبعض بيوت الله من فرق منالعدو. وللأعداء عدوان 
فجاء قوم من الفجّار تقصدهم فآمنوهم . ولكن عهدهم خانوا 
(1) كذا » والصواب «نفدت» بالدال المهملة. 


(2) الصواب إثبات نون الأفعال الخمسة في : «يغيثونه » يقتلونه» لأنهما معطوفان على 
الفعل المرفوع «يستغيث». 


8 


وحالفوهم على فوز بأنفسهم 
وكيف صحٌ قديما عهد طائفة 
سلُوا عليهم سيوف البغي واقتحموا 
وباشثرواقتتلهم بمابدالهم 
أو باقر لبط ون أو ممثل أو 
أو مققتفاإثر مهزومليقتله 
أو خائض بدماء القوم مفتخر 
أو كاسر عظم مقتول وقاذفه 
وكل هذا وال البيت مارفعت 
إن ييستجيروا بجاها : 

5 سس كموا 
أو يستغيثوا يغاثوا من دمائهم 
فلو سمعت عويل القوم من بعد 
ياربٌّوالدةكيّت على ولد 
يارب أرملةريعت بصاحبها 


قصيدة : 
أهكذا تفعل الإسلام في نفر 
سلّوا عليهم سيوف الكيد وابتدروا 
ما ذا التباغض للأشراف مع حسد؟ 
هل عندكم أن خير الخلق سامحكم 
هدرتمو دم أبناء الرسول فهل 
ومن دنامتكم لا عفو عندكم 
يتمتمو كل طفل لا لسان له 
وكممخررة للوجه حاسرة 
يزيد أوصاكم في ذاك يا سفل 


لكنهم مالهم عهد وأيمان 
ضلّت وليس لهم في القلب إيمان 
كماتهيّمجبّار وشيطان 
فبعضهم ذابح » والبعض طعّان 
ضراب سيف وفتّاك وفتان 
وقلبه لدمءهء الآل ظماآن 
بالسيف مستولع بالهتك ولهان 
كنا تيو مادو اراق 
لهم عليهم يدوالرب ديّان 


أو بالصحابة سبّوا البيت » لا كانوا 


أو يستقيلوا الردى فالقلب صوّان 
إذ يستغيثوا لهددّت منك أركان 
فمزقوهء ومارقواومالانوا 
وحولها منه أيتام وصبيان 


وهي طويلة. وقال محمد أفندي الخسرفي في هذه الواقعة أيضا من 


المصطفى حبّهم من قبل ما كانوا () 
فليا وققلا .وما ذانو اونا لانوا 
هل جاءكم فيه قبل الآن قرآن؟ 
أم عند ربّكم في ذاك غفران؟ 
فرعون أوصاكم فيه وهامان؟ 
إذا قدرتم» الاانتّتم كسا دانوا؟ 
كحأن والجده اليجول تتتحان 
يهتز من نوحها للعرش أركان 
بموت نسل نبي » وهو ظمآن © 


(1) يريد بالإسلام هنا : المسلمين. والحبٌ » بكسر الحاء : المحبوب. 
(2) في الأصل : «النبئن» فصححناها إلى «نبيئ» ليستقيم الوزن. 


- 244 - 


وقال بعضهم في هذه الحادثة أيضا : 


يا مصطفى إن القلوب منغخصه 
في جامع الأطروش سال نجيعهم 
أدرك فجسم الدين أنهكه الضّنى 
أقبل :وقل للحربلئ + الحرب لي 
أبدت إلى الأشراف شر خيانة 
عهدت إليهم بالأمان وأصبحت 
يا سينها في النازعات أحلّه ال 


لبنيك في الشهباء حت منقصه 
فغفدت بهأرجاؤه متققصه 
وكوى بني السادات ابن الحقصه 
فأذق إلهي ذي العصابة مخمصه 
وغدت إلى داعي الضلالة مخلصه 
أعلامها بيدالخداع منقصه 
مولى وعمّهم العذاب وخصّصه 


أدماء أعداء الإاله ثمينة 
فلأنت اولخ بالجميع 2 وهذه 


سفر المتطوعة من حلب إلى مصر لإخراج الفرنسيين منها : 

في غرة جمادى الأولى سنة 1214 سافر سبعة آلاف فارس من 
اكدرر كلح ا اكد اقم اكد ا توص أوكار تعيم الارا 6ك جر 
» وتوجهوا إلى مصر لإخراج طائفة الفرنسيس منها. وفي غرة جمادى 
الأرلى سبفة :71215 سافن زمر اقم ماثنا قطار اغانبيى فتن عطماء ركان 
الدولة الحلبيين ‏ إلى مصر لمحاربة الطائفة المذكورة » وخرج معه 
متطوعا نقيب الأشراف محمد قدسي أفندي » ومعه من الأشراف نحو أربعة 
الاف رجل. 

ثم في شهر ربيع الأول سنة 1216 زينت حلب سبعة أيام لرجوع 
مصر ليد الدولة العثمانية. وفي جمادى الثانية منها عاد إلى حلب قدسي 
أفندي ومعه الأشراف فزينت لقدومهم أيضا. وفي ذي القعدة منها ‏ 
كارك الله ماتيا عار م ا ان جكريظ زرك اخريت ملم 
الححة مدينا المكبانفي: اليوم الحابين حشر مس تكستان وحمل إلى حلفت 
إبراهيم باشا قطاراغاسي قافلا من مصر ء وبعد برهة ولي حلب. وغلط في 
السالنامة إذ جعل ولايته حلب في سنة 1214 وفيها عمرت منارة جامع 
العدلية » وكانت هدمتها عاصفة خرجت في هذه السنة وهدمت معها عدة 
أبنية. 


ودماء أبناء الرسول مرخّصه؟ 
3 5 اهم رة إل أى 5 


- 245 - 


إصلاح ذات البين بين اليكجرية والسادات : 

وفي غرة محرم سنة 1217 قدم حلب يوسف باشا الوزير لحسم 
الفساد بين اليكجرية والسادات وكان كل منهما حنقا على الآخر. فأحمضر 
الباشا المذكور وجهاء الأشراف وسردار حلب عبد الرحمن آغا التل 
ارفادي وأولاد الجانبلات وخطباء الجوامع والأعيان وإبراهيم باشا الوالي 
وأغوات اليكجرية » وأخذ من الطرفين عهودا ومواثيق على استمرار 
الصلح والسكون بينهم » ونذر على الأشراف ثلاثمائة كيس ومثلها على 
اليكجرية أن يدفعوها للحكومة إن ابتدأ أحدهم بما يخلَ بالراحة العمومية . 
وأخذ من الفريقين صكوكا على ذلك. وفي محرّمها أيضا صدر أمر الدولة 
لوالي حلب أن ينفي ثلاثة وأربعين شخصا من زعماء اليكجرية » وأن 
يضبط منهم القلعة ويضع فيها مكانهم جماعة من الأرناوود ففعل. 

وفي سنة 1218 ولي إبراهيم باشا قطاراغاسي إمارة الحاج مع إيالة 
دمشق وطرابلس » وولى ولده محمد بك حلب مع رتبة الوزارة. وفي محرّم 
سنة 1219 خرج إبراهيم باشا من حلب متوجها إلى دمشق لمباشرة وظيفته 
»؛ وترك ولده محمد باشا واليا في حلب. وبعد ثلاثة أيام من خروجه قام 
الحلبيون وأشهروا العصيان على الوالي وأخرجوه من حلب. وكانت الدولة 
في ذلك الوقت مرتبكة جدا لا يمكنها أن تسوق عسكرا لحلب ولا أن توافق 
الحلبيين على عزل الوالي الذي رفضوه صونا لشرفها. فرأت الأوفق 
بالحال أن ترسل من استانبول مباشرا خاصا () لصلاح ذات البين » وكتبت 
بمساعدته إلى أحد بني الجابري. وفي سنة 1220 ولي حلب علاء الدين 
باشا وهو الذي أحدث مدافع رمضان والعيدين. وفي سنة 1221 ولي حلب 
عثمان باشا ابن أحمد باشا الحلبي » وولي معها محافظة الحرمين الشريفين. 
غير أن حلب في ذلك الوقت كانت أحوالها مضطربة والفتن قائمة فيها على 
ساق وقدم » بحيث كانت النفقات اللازمة لإدارة الوالي يعسر عليه 
التتحضعاليا و فقتدة عت اشتخضهال: النفقات اللاو لمحافظة الحومية 
الشريفين اللذين كانا تحت خطر الوهابية ومهاجماتهم » ولذا سلخت عنه 
محافظة الحرمين وبقي واليا على حلب فقط. 

وفي ثامن شوال سنة 1223 ولي حلب يوسف ضيا باشا الصدر 
الأسبق. ثم في أواسط سنة 1224 جاءه ختم الصدارة ‏ وكان في جهة 
ملاطية ‏ لردع بعض عشائر 


(1) أي مبعوثا خاصا ء كما يقال اليوم. 


- 246 - 


الأكراد » وكانت الدولة في ارتباك عظيم » داخلا من اليكجرية وخارجا من 
جهة روسية. فأراد أن يستعفي من الصدارة لخطر موقعها إلا أنه خاف 
غضب السلطان فقبلها وسافر إلى استانبول. وفي الخامس من جمادى 
الراك كن أولابة حلب القن لله دول لتميدقة سبوود ع اهنا مع ردقيه 
الوزارة. وفي سنة 1226 ولي حلب راغب باشا. وفي سنة 1227 أنهى 
راغب باشا إلى الدولة بوجوب قتل أبي براق محمد باشا » وكان منفيا 

فصدر الأمر السلطاني بقتله فقتل. وسبب ذلك أنه أثار بعض الناس 
لإيقاع فتنة أملا أن يحصل على غرض يريده فلم ينجح. 

ولاية محمد جلال الدين باشا ابن جوبان حلب ؛ وما كان في أيام 
ولايته من الحوادث : 

في سدة 1338 بوتي كل مهن جل الفزن ياننا العورف باين 
جوبان. فوصل إلى حلب في اليوم السادس من رجب الفرد من هذه السنة » 
وكان اليكجرية في هيجان عظيم وقد طغوا وبغوا واستكبروا وعتوا على أن 
حالتهم هذه في حلب وغيرها من البلاد العثمانية منذ مئات من السنين كما 
ستقف عليه في الإجمال الذي نثبته في اليكجرية سنة 1 وكانوا لعظمة 
سطوتهم وقوة عارضتهم يخيفون الولاة فكان معظم ولاة حلب ينزلون 
خارج البلدة » إما في تكية الشيخ أبي بكر أو في غيرها » خوفا من 
مهاجمات اليعجرية. ولهذا نزل محمد جلال الدين باشا حين قدومه إلى حلب 
في التكية المذكورة أسوة بالولاة السابقين. 

كان اليكجرية يسمعون بهذا الوالي ويعرفون ما عنده من الشدة 
والصرامة على اليكجرية. فلما بلغهم خبر تعيينه واليا على حلب أخفوا ما 
كان عندهم من الحلي والأمتعة الثمينة عند التجار الأجانب وقناصل اليهود 
» فإن هذا الوالى كبقية الولاة أمثاله اعتادوا فى معاقبة اليكجرية مصادرة 
الأغنياء منهم بالتعذيب ثم بالقتل. ولما وصل جلال الدين إلى حلب طاف في 
شوارعها ومعه الجلاد وقطع رؤوس خمسة من اليكجرية إرهابا للنفوس. ثم 
أظهر الاطمئنان واقبل على الصيد والنزهة » وكان في صحبته رجل ذو 
حيلة ودهاء هو عنده كتخداه 7) فحسّن له قمع هؤلاء اليكجرية بإعمال 
الحيلة والخدعة بمباشرة الحرب 


- 247 - 


والضرب. فعمل الوالي برأيه واختار واحدا من وجهاء اليكجرية ودعاه إليه 
بالرفق واللطف ‏ وهو إبراهيم آغا ابن خلاص - وجعل كلما حضر عنده 
يكرمه ويتودد إليه ويدنيه من مجلسه ويعده بما يسرّه. وما زال يعامله هذه 
المعاملة الحبيّة حتى تأكد أن إبراهيم آغا أيقن أن محبة الوالي إياه محبة 
صادقة لا يشوبها غش ولا يشينها تدليس. وحينئذ عمل الوالي وليمة في 
تكية الشيخ أبي بكر دعا إليها بواسطة إبراهيم آغا ثمانية عشر شخصا من 
كبراء اليكجرية وزعمائهم » وصار كلما حضر واحد منهم يدخل إلى التكية 
على انفراده ويقطع رأسه ويوضع على طرف الحوض حتى أبادهم جميعا. 
وكان من جملتهم صفيّه وحبيبه إبراهيم أغا ابن خلاص. 

ويحكى أن أحد المقتولين في هذه الوليمة الدموية كان ينصح إبراهيم 
آغا ويحذره من غدر الوالي » ويذكر له أن ما يراه منه من التودد والمحبة 
هو محض حداع وتغرير » فكان إبراهيم لا يلتفت إلى كلامه ويقول له : إن 
الك ع ام ارم من سورت 5 
وساله 00 اي ا اماه 
الوالي بقوله (هاي هاي) أي نعم نعم » فقال له : أرجوك أن تقتله قبلي حتى 
أرى رأسه بين هذه الرءوس فيطيب طعم الموت عندي ثم تقتلني. فأمر 
الوالي بقطع رأس إبراهيم آغا فقطع ووضع على طرف الحوض » وحينئذ 
تقدم الناصح المذكور إلى الجلاد وقال له : الآن طاب الموت. ولوى عنقه 
فضربه. وكان آخر قتلاء هذه الضيافة الحافلة. ثم إن الوالي جعل يتتبع 
زعماء هذه الطائفة ويقتلهم بعد أن يصادر أموالهم بالتعذيب القاسي » حتى 

وفي أوائل جمادى الأولى من هذه السنة وهي سنة 1228 عزل 
قاضي حلب عرزت زاده دلى أمين أفندي. وسبب ذلك أنه كان يعامل أشراف 
البلدة ووجهاءها معاملة العامة » وربما عامل الوالي على هذا النمط. وكان 
الوالي يتحمله تكريما لعلمه وفضله ويصبر عليه لانقضاء مدته العرفية. 
لكنه لما كان في بعض الايام نهر القاضي بالمفتي ووكزه في رأسه 


- 248 - 


فكي نك هذا الخلا بورق ناينم كاف لو الل هرم دوك قتد بين الما 
فأنهى به إلى الدولة فعزلته ونفته إلى طوسية. 


طاعون جارف 

في ربيع الآخر سنة 1229 حصل في حلب طاعون جارف بلغت 
وفياته اليومية ثمانمائة إلى الألف من المسلمين » وأربعين إلى الستين من 
النصارى » وعشرين إلى ثلاثين من اليهود. 


خروج مناد من قبل الحكومة : 

وفيها خرج من قبل الحكومة مناد طاف في محلات حلب وهو ينادي 
بقوله : (يا أهل هذه المحلة إذا كان في محلتكم يكجري ولم تخبروا عنه 
فجزاؤكم خمسمائة كيس). الكيس اسم لخمسمائة فرش. 


ورود أمر سلطاني بقتل جماعة من زعماء اليكجرية : 

وفيها ورد أمر سلطاني بقتل حسن آغا السيد خلاص ؛ والحاج علي 
آغا البيلماني » والحاج محمد بن إبراهيم اشبيب » فقتلوا وبيعت أملاكهم 
بواسطة مأمور خصوصي ورد من الآستانة يقال له إبراهيم آغا سلحشور 
في الباب العالي. والحاج محمد المذكور هو والد محمد آغا بازو الذي من 
جملة أولاده الأحياء السيد محمد بازو أحد وحبا كط الجد الآن. 

وفي هذه السنة قتل أيضا أحمد آغا ابن عبد القادر حمّصة وإبراهيم 
أغا الحربلي ‏ كلاهما من زعماء اليكجرية ‏ والحاج عمر بن عيسى 
الجربان من شجعانهم » وبعد قتلهم بيعت أملاكهم. 


أمر النصارى بالغيار : 

وفي ثلاثين من ربيع الأول أمرت الحكومة النصارى أن يعتموا 
بعمائم سماوية اللون » وأن يلبسوا بأرجلهم النعال الحمر. وسبب ذلك أن 
كثيرين منهم كانوا يتزيّون بزيّ اليكجرية ليتسنى لهم التسلط على الناس 
كاليكجرية. 


- 249 - 


تأديب حيدر آغا مرسل . وغيره من الخوارج : 

وفي سنة 1231 صدرت أوامر الدولة بتأديب حيدر آغا مرسل » 
وطوبال علي ؛ وسعيد آغا » وعمر آغا ابن عمو وغيرهم من الخذوارج في 
بلاد البستان. ولما ساق نحوهم العسكر جلال الدين باشا والي حلب خام عن 
لقائه حيدر آغا وهرب إلى الرقة ووقع دخيلا عند عربانها. وأما طوبال 
علي آغا وسعيد آغا فإنهما فرًا إلى جهة الزور وقطعا طريق حلب ».2 
فاضطر جلال الدين باشا أن يخرج العسكر إلى أطراف البرية » غير أن 
طوبال وسعيد ) تغيرت أفكارهما وتوجها مع الحجاج إلى المدينة المنورة 
واستغاثا بشيخ الحرم قاسم آغا » فرق لهما ووعدهما بالشفاعة عند الدولة , 
ثم استرحم من السلطنة العفو عنهما فأجيب إلى ما طلب بشرط أن يقيما في 
مصر » وفي خلال هذه السنة ولي حلب السيد أحمد باشا والي الأناطول 
وولي مكانه جلال الدين باشا. 

وفي سنة 1232 كثر فساد الأعراب في جوار حلب وجهات ريحا 
وأنطاكية » وكان الأمير مهنا البدوي هو الزعيم الأكبر على الأعراب » وقد 
فرض على كل داخل إلى أرضه مبلغا من النقود » وضرب على القرى 
المجاورة مضاربه جريمة سماها «الاخوّة» فكانت سببا لخراب عدة قرى 
وجلاء أهلها عنها. وتفاقم أمر هؤلاء الأعراب وتعطلت السبل وفقد الأمن. 
وذكر في الجزء الخامس من المجلد العاشر من محلة الجامعة الأميركية أن 
علي آغا رستم قتل ابن عمه واستولى على جسر الشغر واللاذقية » وصادر 
أغنياء هما حتى قنصلي بريطانيا وفرنسا. وكان اليكجرية في حلب مع هذه 
الحالة في قيام ومخالفة على الوالي. 

وفي صفرها صدر أمر الدولة لوالي حلب السيد أحمذ ياتا أن يقصد 
الأعراب في الصحراء ويوقع بهم » وأنفذ إليهم كتخداه عثمان آغا ورفقه 
بمقدار وافر من العساكر » وكان العربان على ثمان عشرة ساعة عن حلب 
؛ فوصل إليهم وكسرهم وظفر منهم بأربعة وثلاثين شخصا قطع رؤوسهم 
وجهزها إلى استانبول. فسرت الدولة من ذلك وارسلت لوالي حلب تشكرا 
واستقلالا بولايته. وفيها أيضا ثارت عشيرة براق وهجموا على أطراف 
كلز » فساق إليهم والي حلب وقاتلهم وظفر منهم ببضعة أشخاص قطع 
رؤوسهم وأرسلها لاستانبول. وفيها قدم نفر من يكجرية إدلب وقطعوا 
الطريق من جهة خان طومان » فظفر 


(1) كذاء والصواب «سعيدا» بتنوين النصب. 


- 250 - 


الوالي بهم وأرسلت منهم أربعة رؤوس إلى استانبول. وفي اليوم السابع من 
تشرين الثاني سنة 1816 م مسيحية ‏ المصادفة هذه السنة ‏ كسفت الشمس 
وقت الاستواء وبقيت مكسوفة نحو ساعتين وأظلم الأفق ق وظهر نجم 
الزهرة. 

ولاية خورشيد باشا على حلب : 

وفي اليوم الثاني والعشرين من ربيع الثاني سنة 1223 ولي حلب 
كور شيد يشا ,وفئ سنة5:1224 :1818 'قتلك الحكوسة 7] شخصبامين 
الروم الكاثوليك » وسريانيا » ومورانيا ». والسبب في ذلك أن الروم القديم 
كان لهم بحلب مطران هو المعترف به عند الدولة بالسيادة على جميع الروم 
القدورو الكاتو ليك » اسوة امتانه من قديع الزمان 0 كاننك طنفة كيتورت 
الروم الكاثوليك تأنف من سيادته وتنقاد إليه انقياد مكره » وكانت كنيسة 
الملتين في حلب واحدة. 

فلما كانت السدة المذكورة استحصدل الجتكوو من الذولة أمراينفتن 
جميع كهنة الروم الكاثوليك إهانة لهم » وعندها امتعط ) منه جميع طائفة 
الكاثوليك واحتشدوا » وكانوا زهاء سبعة آلاف شخص وهم أكثر عددا من 
طائفة الروم القديم. ثم ساروا يريدون الإيقاع بالمطران المذكور » ثم بدا لهم 
أن يحضروه إلى الوالي ويلتمسوا منه كفت سلطته عليهم استنادا على أنه لا 
اكراه في الدين. وكان نمي الخبر إلى الوالي وهو في تكية الشيخ أبي بكر 
جمعهم ويقتل منهم بعض ن أفراد تسكينا للفتنة. فنفذ ا وفرق جمعهم وفتل 
منهم الافراد المذكورون. وبقيت سيادة مطارنة الروم على عموم الروم إلى 
أن دخل المصريون حلب فاأفردوا لكل طائفة مطرانا وكنيسة. وبعدهم حذت 
الدولة العثمانية حدوهم.و اننتمر الحال على هذا المتؤال إلى يومنا هذا..هذه 
الحادثة مذكورة في كتاب عناية الرحمن مفصئلة فلتراجع. 


حصار حلب المعروف بحصار خورشيد : 
ألمعنا ‏ فيما تقدم قريبا - عن حادثة قتل اليكجرية وتشتتهم في البلاد 


(1) يعني مارونيا » على القلب. 1 
(2) كذا وردت في طبعة المؤلف نفسه » والصواب «امتعض» بالضاد » أي غضب وتالم. 


- 251 - 


جلال باشا جبار زاده » وأن حلب من ذلك اليوم أخذت بالسكون والراحة 
غير أنه لم يمض على تلك الحادثة زمن يسير إلا وقد اعتصب في حلب 
زمرة من السادات وأخذوا يدأبون بإخلال الراحة وانضباط البلد » ثم سولت 
لهم أنفسهم أن يقوموا على الحكومة ويخلعوا طاعتها. واستعدوا للقيام 
وكاتبوا جماعة اليكجرية الذين كانوا مشتتين في البلاد هربا من جبار زاده 
ه28 6456 هقةثتخت 0 
استعدادا وصاروا يتوقعون أدنى باعث للثورة. . 
ال د وذلك أن الوالى المشار إليه 
كان على جانب عظيم من الصلاح والدين » وبالعكس حاشيته وجماعة 
دائرته فكان إمامه لا ينفك عن السكر إلا قليلا » وأما كتخداه سليمان بك فإنه 
يداول المسكراث ليلا ونهازا وكثينا ما كان برق كالمجنون عند المسسساء 
محري و ب ا كر يم يح مارو 
بالخنجر في أي محل وقع الضرب ء وكان يدور في شوارع حلب على هذه 
الحالة إلى نصف الليل. وغضب مرة على رئيس ساسة الدواب وهدده 
بالضرب والقتل فخاف بقية السّاسة من شرّه وعولوا على الفرار وكان في 
الإصطبل عدد وافر من الخيول والبغال فعمد إليها سليمان بك وقطع 
مقادوها وقيودها واستنفرها إلى خارج الإصطبل فحصل بسببها غلغلة 
عظيمة في أسواق حلب. فهذه حالة الكتهدا , وأما بقية رجال الدائرة فإنهم 
كانوا على أشد انهماك من الفسق والارتشاء » وكان خورشيد باشا ليس 
عنده خبرهم بل كان يحسن ظنه بجميعهم. 

كانت هذه الأحوال تزيد من الحاشية يوما فيوما والحلبيون 
المتعصبون في دينهم يزدادون نفورا إلى أن ثاروا بغتة في إحدى الليالي 
من محرّم سنة 1235 وكان الوالي في أطراف نهر الساجور يعاني مكاشفته 
جره إلى نهر قويق » ومشوا نحو منزل الكتخدا المدكور فكبسوه وقتلوه . 

ثم انتقلوا منه إلى غيره من جماعة الدائرة المنهكمين في المعاصي 
(أعامي عن اخري » ثم التفتوا نحو عسكر الوالي وبغتوهم بالقتل. حتى 
إني رأيت في بعض المجاميع أن جملة من قتلوا من حاشية الوالي وأتباعه 
في تلك الليلة سبعة آلاف نسمة » وهو مبالغة فيما أظن. ثم إن هؤلاء 
الثائرين كبسوا بيت الإمام المتقدم ذكره فأخذوه مع جميع ما كان عنده من 
آلأك اللويو رو اللعنت و ادو اك" النسق و الفكون ركاه واابة الى السمكية 
الشرعية كأنه مشكّر . ونادوا القاضي قائلين وهم يشيرون إلى الإمام : 
يكفي أن تعلم بحالته استانبول 


- 252 - 


فقط. فتلطف بهم القاضي واستعمل أنواع الحيل والمداهنة ودفع عنه هذه 
الجمهرة » ثم أحضر إليه جماعة من العلماء وذوي الوجاهة وسار معهم إلى 
خورشيد باشا في تكية الشيخ أبي بكر وأثبتوا لديه رضاهم ومزيد صداقتهم. 

وكان خبر الحادثة نمي إليه ') وعاد من سفره فابتدر في الحال قطع 
القناة عن حلب ومنع عنها دخول الميرة والأقوات » وشدد حصارها وكتب 
إلى المتسلّمين بأطراف حلب فأحضرهم مع عساكرهم وأطار المكاتيب 
لاسترجاع عسكر كان أرسله قبل بضعة أيام لجهة ديار بكر ء» وكتب لوالي 
سلانيك أن يرسل له ألفي عسكري موظف تخرج من ميناء اللاذقية. وحورّر 
واقعة الحال يعلم بها استانبول. فوصلت مكاتيبه إليها في اليوم الشامن عشر 
من محرّم. وبينهما كانت الدولة مشغولة بإطفاء نار الفتنة المشتعلة في ديار 
بكر في تلك الأيام إذ ورد إليها خبر حلب أيضاء فوقعت في حيرة عظيدة. 
ثم بدا لها أن تكتب لأبي بكر باشا متصرف قيصرية أن يسرع الكرّة مع 
مقدار يتداركه من العسكر لإعانة والى حلب » وكتبت إلى جلال الدين باشا 
جبار زاده ‏ والي أطنة ‏ بأن يخابر والي حلب ويعاونه حسب الإمكان » 
بحيث إذا لزم حضوره بنفسه لا يتأخر. وكتبت إلى جماعة من المدفعية 
وأصحاب العربات الذين أرسلتهم لإخضاع أهل بغداد أن يكونوا أعوانا 
لوالي حلب لأنهم لم يبق لسفرهم إلى بغداد لزوم » لرجوع السلام إليها. 

أما خورشيد باشا فإنه كان وصل إليه المتسلمون الذين هم في أطرافه 
- كما تقدم ثم وصل العسكر الذي أرسل لديار بكر ء ثم عسكر الجبل 
والأرناووط ثم جلال الدين باشا ثم لطف الله باشا والي الرقة. فاشتدت قوته 
رتو عرعة وبنى بالكبدامن الوفيرة لكا الحلبيين #والنفى الفريقان 
غير ساعات إلا وتقهقر الحلبيون وولوا منهزمين إلى داخل البلدء 
واستمروا على تمردهم. وعندها اتفق رأي الوزراء الثلاثة على أن يدخلوا 
البلد جبرا » فرتبوا جيشا عظيما للهجوم على حلب في غرة ربيع الثاني. 
وفي سحرة يوم منه أطلقت المدافع على أسوار المدينة من عدة جوانب ٠‏ 
وانفتح فيها بضع ثلمات هجم منها عسكر الجبل والأرناوط ودخلوا البلدء 
والتقى الفريقان في الأزقة والشوارع وجرت بينهما محاربة مهولة أريق 
فيها 


(1) أي إلى الوالي خورشيد. 


- 253 - 


دماء كثيرة. ثم انجلت الوقعة عن كسرة الحلبيين وانهزامهم » ودخل 
الوززاع الثااقة المديضة وَصصيطوها يعد أن دام خصسار هم أراضا نحوا من 
أربعة أشهر. وهو آخر حصار جرى على مدينة حلب إلى يومنا هذا » وقد 
ظفر الوزراء الثلاثة بسبعة من رؤساء الثائرين قطعوا رؤوسهم وجهزوها 
الين استافيول مع تكو ير مقت ك مدهد :قوضلت إلى الذاب العالي: في إر ال 
جمادى الأولى وصارت موجبة للمسرة الزائدة وأرسل لكل واحد من 
الوزراء فروة سمّور » ولخورشيد باشا خنجر مرصع. 

غير أن هذه الحادثة كانت قد شاعت في استانبول وكثر بها لغط الناس 
استطرك الدولة لكضف الحقفة وز اله الشييةء وغينث ذلك رتكل يفال له 
مصطفى نظيف أفندي كاملي زاده وأرسلته إلى حلب للتحقيق » فوصل إليها 
بعد أن ضبطها الوزراء بيومين » ونزل في محل قريب من تكية الشيخ أبي 
بكر . وكان بينه وبين خورشيد عداوة قديمة » فكتب للدولة أن سبب الحادثة 
المذكورة هو ظلم جماعة الوالي وارتكابهم الرشوة وانهماكهم في المعاصي 
وما في معنى ذلك. كما أن خورشيد باشا كتب للدولة بأن نظيف أفندي رجل 
مفسد محرك للسواكن »له أغراض فاسدة يحاول الوصول إليها بزمرة من 
المفسدين الذين يترددون إليه » وما في معناه. ولما وصل الكتابان للباب 
العالي رأوهما متضادين فنبذوهما ظهريا. 

غريبة : 

حكى شاني زاده في تاريخه ‏ والعهدة عليه قال : لما انتهت هذه 
الحادثئة وصار الوالي يأمر بقتل الرجال » قياما بواجب السياسة » جاء أحد 
المأمورين في هذا الشأن إلى صالح آغا قوج متسلّم حلب من قبل الوالي 
وقال له : سيدي » مساء أمس الماضي تنازع أحد الفقراء الذين يصنعون 
الكراسي مع واحد من عساكر الدراويش المولوية بسبب مشاح » فحبس 
الفقير وعند المساء أدخل إلى محبس الدم واأصبح ميتا. وفي صبيحة هذا 
اليوم جاءت زوجته ومعها أربعة أيتام لباب الوالي وقدمت له عريضة تذكر 
فيها أنها محتاجة لعشاء ليلة فهي تسترحم أن يعطوها ما وجد على زوجها 
المقتول من الثياب لتبيعها وتنفقها على أيتامه. 

فأخذت منها العريضة وقدمتها للوالي » وعندما بينت له الكيفية أسف 
للغاية ورقّ للمرأة ورثى لحالها وأحسن إليها بنصف كيس من الذهب. 


- 254- 


أما صالح قوج فإنه لما سمع هذه الحكاية قال : هذا شيء عجيب » 
كيف يقتل هذا ظلما؟ والذين صدر الأمر بقتلهم ثلاثة أشخاص ء والمدافع 
التي أطلقت بإعلان قتلهم ثلاثة » وجثث القتلى التي أصبحت مطروحة في 
خندق القلعة ثلاث! فإن كان هذا الرجل قتل غلطا وخطأ فإني أفحص عن 
الرجل الذي كان يستحق القتل وأوقع القبض عليه. مع أن هذا الظالم الماكر 
كل فى الك اليل أرئعة انخاس درن ذنت ول جناي يدل ارإيعاة حاص 
صدر الأمر بقتلهم ؛ فرشوه وخلّى سبيلهم » وقتل عوضا عنهم من لا ذنب 
لهم وألقى جثثهم في خندق القلعة » كما أخبر بذلك من كان عالما بحقيقة 
الحال. 

انتهى ملخصا من تاريخ جودت باشا » مع زيادة قليلة وقفت عليها في 
بعض المجاميع » وقد ذكر فيها أن زعماء الثائرين في هذه الحادشة هم من 
السادات وأن الصلح وقع أخيرا مع اليكجرية فقط بسبب مخامرة السادات 
عليهم » ولذا كان معظم من قتل في تلك الوقعة من السادات. قلت : هذه 
الحادثة كانت من أهم الحوادث التاريخية وأعظمها بحلب » حتى إني رأيت 
في بعض الفهارس الإفرنجية الواردة من باريس أنه يوجد في حانوت 
صاحبها كتاب مخطوط يشتمل على زهاء ثلاثمائة صحيفة » كله فى خبر 
هذه الواقعة. وفي الحال كتبت في طلبه إلى باريز فرجع الجواب إليّ بأنه 
بيع قبل وصول كتابي. 

وفي أواخر هذه السنة 1235 حول خورشيد باشا إلى إيالة المورة » 
وولي حلب مصطفى باشا البيلاني صاحب الحمّام المنسوب إليه في محلة 
الفرافرة تجاه مزار النسيمي بحلب . وهو الذي جدد هذا المزار » وزوجته 
ماهلقا مدفونة فيه » وهي صاحبة السبيل الكائن في أواخر سوق العبي في 
حضرة المفارق الأربعة. وفي سنة 1237 ولي حلب إبراهيم باشا. 

الزلزلة الكبرى في حلب وأعمالها : 

في نحو الساعة الثالثة من ليلة الأربعاء بعد العشاء الأخيرة ثامن 
وعشرين من شهر ذي القعدة من هذه السنة 1237 ه الموافق آب سنة 
1 م زلزلت حلب زلزالا شديدا امتد حكم سلطانه الرهيب إلى مسافات 
بعيدة عن حلب » انتهت حدوده شمالا إلى مرعش » وجنوبا إلى حمص ١‏ 
وشرقا إلى الفرات » وغربا إلى إسكندرونة. زحفت جيوشه الجرارة إلى 
جميع هذه البلاد وما في ضواحيها وصحاريها من البلدان والقرى. وكان 
أعظمها مصيبة 


- 255 - 


به وأشدها نكبة وبلاء مدينة حلب ثم أنطاكية وبلاد القصير الأعلى 
والأسفل. 

حدثني الشيخ المعمّر محمد آغا مكانسي أحد أعيان حلب ووجهائها في 
القرن الثاني عشر المولود سنة 1202 والمتوفى سنة 1309 - وكان دقيق 
الفكر حسن التعبير قوي الحافظة لا يشدْ عن ذهنه كلّي ولا جزئي من 
الحوادث والكوارث التي مرت عليه مدة حياته بعد طور طفوليته ‏ وكنت 
أسمر عنده في مصيف منزله الكبير الكائن في محلة محمد بك » في ليلة من 
شهر تموز طاب نسيمها وسطع بدرها. وقد سألته عن أعظم فزعة عرته في 
حياكه 2 بمدائية حديث كان يحددا نه عما قانناة من الأحتؤال و الأبخطار في 
بعض أسفاره إلى الحجاز حينما كان إسباهيا » يرافق ركب الحاج فقال 
مجيبا لي عن سؤالي : إن أعظم فزعة عرتني مدة حياتي فزعة ارتعدت لها 
فرائصي وأوقعتني في مهاوي اليأس من الحياة » كانت في ليلة الزلزلة 
الكبرى التي حدثت في سنة كذا (وذكر الليلة التي قدمنا ذكرها). 

ثم طفق يقص علينا نبأ تلك الحادثة فقال : بينما كنت جالسا في 
مصيف داري القديمة في ذلك الوقت أسمر مع جماعة من خلاني وألتذ 
بمنادمتهم وحسن حديثهم ‏ والنسيم البليل يحيينا بأنفاسه وينعشنا بلطيف 
هبوبه ‏ إذ انقطع عنا بغتة واشتد الحر حتى شعرنا بضنك في صدورنا 
وضيق بأنفاسنا » وما مرّ علينا سوى نحو عشرين دقيقة في هذه الحالة 
المضنكة إلا وسطع في جو الفضاء ضوء أشرقت به الدنيا إشراقها بالشمس 
تتجلى فى ذروة الفلك الأعلى » فرفعنا أبصارنا إلى العلاء فرأينا هذا النور 
الساطع صادرا من كوّة مفتوحة في كبد السماء كأنها نافذة من نوافذ جهنم » 
وما كدنا نرجع أبصارنا إلى الحضيض حتى أوقر أسماعنا دويّ كهزيم 
الرعد ء وإذا بالأرض قد مادت بنا يمنة ويسرة والنجوم أخذت تتناثر 
وتتطاير في أفق السماء كشرر يتطاير من أتون. ثم انتفضت الأرض أربع 
مراك مثو الية أز اتنا عر مقاغدة) » فتيضيينا علس اللذ]منا وسداامنا اح إلا 
وقد أحسنٌ بدنو أجله كأن السماء وقعت عليه »ء أو الأرض كادت تنخسف 
تحت قدميه. فصرنا نكرر الشهادتين ونضرع إلى الله تعالى بقولنا : يا 
لطيف », والجدران تتداعى وتخرّ السقوف وتتدهده الحجارة على الأرض 
فيسمع لها جلبة ودويّ تقشعر منهما النفوس. كل هذا جرى في برهة من 
الزمن لا تزيد على نصف دقيقة وقد اشتد غواش الناس وضجيجهم 
يستغيثون بالله » وعلا صراخ 


(1) الإسباهي . والصباهي : العسكري المرافق » والخيّال. 


- 256 - 


ولد كل برح هرو ل الى ستاحل النسلامة يطلب التحاة انف + كي كان 
القيامة قد قامت وآذن حيل الحياة بالانصرام + وكان القشام شديدا حلك منه 
الظلام وحجب النجوم عن العيون. 

أهن الجماعية الذيق كنانوا ييتمووق عند ققد أسريغر | القوة إلى 
منازلهم ليتفقدوا أهلهم. 

وأما أنا فقد كان أهلي حين وقوع هذا القضاء جالسين في صحن الدار 
؛ وكانت الدار فسيحة وجدرانها قصيرة لم يؤثر بها الزلزال ولا انهدم منها 
شيع فحتعتهم في وسط الضدن و يكنا لرلتدا فني: فى ر:اكد. فلن الآر يكن 
كانت في كل برهة ترتجف وتختلج » ونحن نستغيث بالله ونتعوذ به من 
يتوم ون حاجانا كن الفروين والموكة وخرحذا بالأقل والعيال: لني احد 
ووانت اكت ف بطل لدأ كن بالا تغط جين لاتوسطاء: أملايقنة حيات الللد: “قم 
ا ال ل ا ل 0 كر 
النفقات وميه الفقر اع الذى ظلو ازتسفة السماد كاك كن (1 و اهلها . عفر 
الزلزال يتردد نحوا من أربعين يوما تارة خفيفا وأخرى شديدا. 
وفي فسحات دورهم جريا لعادتهم في موسم الصيف . فسلم بهذه الواسطة 
العدد الكبير من عطب الزلزلة » ولو لا ذلك لكان السالم منهم قليلا. ومع 
كر ا اسن ار يس جد وكان 
كانت قائمة في ذلك الفضاء المعروف باسم (نحت القلعة. قال؟؛ وما ودل 
0900 طظ(©56 


(1) من الدت : يعني من الخشب. والكنْ : البيت » وكلَّ ما يستر. 
(2) الصواب : «خمسة عشر» لآن المعدود ‏ وهو الآلف ‏ مذكر. 


- 257 - 


كان الناس يتكبدون مشقة زائدة وهم في الصحراء والبساتين 
بالحصول على الأقوات التي لم يبق الباعة لها سعرا محدودا » فإن كل واحد 
الفرصة » وكان الدعار والمتشردون يقصدون الدور والمنازل وينهبون ما 
فنها من [الآثاتث والمو نات قاضيطو اهل كل شكلة إلى أن جتعداو نوا علي 
إقامة حراس يحرسون أموالهم. وكانت جماعة الحكومة كالوالي والقاضي 
قد تركوا منازلهم وأقاموا في البرية تحت الخيام وبيوت الخشب » وشغلهم 
الخوف والفزع عن القيام بمباشرة وظائفهم. فاختل نظام الحكومة وكثشرت 
حوادث النهب والسلب. 

أما جثث القتلى التي كانت تحت الردم فكان أهلها المتمؤلون 
أخرجوهم على الفور ودفنوهم بثيابهم » وقد استخرج البعض منهم وفيهم 
رمق من الحياة فعاشوا » ومنهم من مات بعد ساعات » واستخرج بعض من 
خرّت عليهم السقوف أحياء لم يصابوا بشيء من الضرر لأن بعض 
السقوف انهدم جدارها الواحد فقط » فبقيت رؤوس الأخشاب الأخرى معلقة 
بالجدار الباقي فتكوّن منها وقاء لمن كان مقيما تحتها فسلم. أما الفقراء الذين 
لا مال عندهم فقد بقيت قتلاهم مدفونه تحت الردم في الخرابات الكبيرة 
فكانت هناك قبورهم إلى الأبد. 

كانت الأرض في هذه المدة ‏ وهي أربعون يوما ‏ لا تنقطع حركتها » 
غير قليل » فكان الناس يحسّون من وقت إلى آخر برجفات تحت أقدامهم. 
وقد شاع أن قطعة كبيرة من الأرض في ناحية قرية الأثارب قد خسفت » 
ولهذا كان كثير من الناس لا ينفك عنهم الفزع والقلق لأنهم قد تسلط على 
واهمتهم بأن الآرض ربما خسفت بهم وإن كانوا أمنين من سقوط الجدران 
عليهم لإقامتهم في بيوت خشبية. وكانت السنة كثيرة البقول والفواكه قد 
أكثر الناس من أكلها فكثرت فيهم الأمراض » ومات منهم عدد كبير. وفي 
سنة 1238 ولي حلب ثانية مصطفى باشا البيلاني. وبعد أيام حول إلى 
محافظة لواء صيدا وبيروت وصفد . وولي حلب بهرام باشا والي الرقة 
إلحاقا. 


في هذه السنة 1238 قتل نعمان أفندي. وسبب ذلك أن بهرام باشا لما 
قدم على حلب واليا عليها طلب من نعمان أفندي أن يقرضه مائتي ذهب إلى 
حين » فاعتذر له بضيق اليد 


- 258 - 


ا ا او ل ا ل شم وشسى واش 
بنعمان أفندي إلى السلطان بأنه يحاول إثارة فتنة بين الأشراف ‏ وكان هو 
نقيبهم - وبين اليكجرية. فأصدر السلطان إلى بهرام أمرا باغتياله. فأرسل 
إليه يطلبه فامتثل الأمر وخرج من منزله قاصدا منزل الوالي وهو لا يعلم 
بما أضمر له. ولما وصل إلى منزل الوالي كانت الخيول واقفة بانتظاره » 
فأمره الوالي بركوب أحدها موهما إياه بأنه يريد قمع بعض الفلاحين في 
جهات كلز لأنهم في صدد الفتنة. فسارت الخيول بهما وبمن معهما من 
الجند حتى وصلوا إلى قرية تل الشعير من أعمال كلّز وهناك نزل الوالي 
ومن معه ‏ وكان وقت الظهر قد مضى - فابتدر نعمان أفندي أداء فريضة 
الصلاة فتوضأ ووقف يصلي فما شعر إلا وقد خرط في رقبته حبل معقود , 
واثنان يشدان طرفيه حتى زهقت نفسه. فتركوا جثته ملقاة فى العراء » 
وعاد الوالي ومن معه إلى حلب. وشاع الخبر فخرج أهل نعمان أفندي 
وواروا جثته هناك. 

وفي خامس جمادى الأولى من هذه السنة 1238 ولي حلب حسن باشا 
الدرنده لي » والي الأناضول. وفي الثالث والعشرين من رمضان سنة 
9 وليها محمد أمين وحيد باشاء وهو مولود في كلز. 


لقاح الجدري البقري : 

في سنة 1240 وصل لقاح الجدري البقري إلى حلب عن يد طبيب 
من الفرنج المولودين في حلب اسمه منتوره » وأصله من إيطاليا. فلم يقبل 
أهل حلب على هذا اللقاح كما ينبغي إلا بعد دخول إبراهيم باشا المصري 
إلى حلب. وأصل هذا اللقاح كان ظهوره في البلاد العتمائنة مق الأتاصيون» 
اكتشف بواسطة الففلاحين الذين يقتنون البقر ويعانون حلبها. وفي سنة 
1 كان إلغاء حزب اليكجرية وانقراضهم. 


نبذة في الكلام على هذه الطائفة 
قال في دائرة المعارف وغيرها ما خلاصته : كانت عساكر الدولة 
العثمانية فى بدء تأسيسها رجالا يتخذون القتال واسطة لاكتساب معايشهم » 


منتقلين بجميع ما لهم من المال والعيال عند الخروج للغارات والغزوات. ثم 
صار إذا حاربوا أياما قليلة ولم يفوزوا 


- 259 - 


بسلب تبددوا وعسر جمعهم » فاضطرت الدولة في أيام السلطان أورخان بن 
عثمان إلى أن تستبدلهم بجنود لهم رواتب معلومة غير أنهم لم يمض عليهم 
غير سنيّات قليلة حتى تمردوا على السلطان أورخان » وربما قاتلوه إذا 
حملهم على أمر لا يريدونه. فبدا له حينئذ أن يقيم عسكرا من أولاد الأسراء 
الروم » وذلك بأن يفصلهم عن والديهم ويعلمهم العقائد الإسلامية ويمرّنهم 
على الحروب فيشبون على الغزو والجهاد. وبعد سنيّات قليلة تكوّن جيش 
من العسكر المذكور مؤلف من ألف رجل ما منهم إلا بطل صنديد. فاخذ 
السلطان أورخان ذلك الجيش إلى ولي الله الحاج بكطاش ؛. وطلب منه أن 
يسمّيه ويدعو له فوضع يده على رأس جندي منه وقال : ليكن اسمه يكجريا. 
ثم قطع كم لبادته ووضعه على رأس ذلك الجندي ودعا لهذا الجيش بالفوز 
والظفر. ومعنى يكجري : العسكري الجديد فحرفته العامة إلى انكشاري. 

ثم لما كثرت فتوحات السلطان مراد وكثر عدد الأسراء ‏ حتى بيع 
الأسير بكأس من البوزة © قال بعض العلماء : إن الحكم الشرعي بإعطاء 
خمس الغنيمة للسلطان يتناول الأشخاص أيضا ء وإنه إذا جرى هذا الأمر 
يرتفع ثمن الأسراء ويزداد عدد اليكجرية بسرعة. فأعجب السلطان هذا 
الرأي وأمر بإجرائه. وقد جرى اصطلاحهم في ذلك الزمان على أن يقسموا 
أولئك الأولاد إلى أجواق يسمونهم عجم أوغلان 3 أي أولاد أعجام ؛ 
ويعلمونهم القرآن الكريم ثم التمرن على الأشغال الشاقة » ثم يدخلونهم في 
السلك العسكري ». وبعضهم يتخذون حرسا وأعوانا للسلطان. وينقسم هذا 
العسكر إلى أرط ثم إلى أوض (مفرده أوضة محرفة عن أوطاق معناه 
الحصن) ثم وجاقات. والآرطة مؤلفة من عشرة أشخاص. وبلغت في أيام 
السلطان محمد خان الرابع مئة وتسعين شخصا. ولهم قائد عام يعرف باسم 
آغا . له سلطة مطلقة على وجاقه وحىّ تأديب من أذنب من عساكره 
ورؤسائه بالحبس والضرب دون معارض. - 

وكان راتب الآغا في اول الآمر فوق أربعة الاف قرش في الشهر ء» 
ثم زاد كثيرا. وله أن يبقى في مأموريته ما لم يرتكب ذنبا يستحق به العزل 
٠»‏ وإذا عزله السلظاة :وله 


(1) البوزة : كلمة تركية » ومعناها : الخمر المتخذة من الذرة » وعربيّتها : الغبيراء » 
والسّكركة. وتطلق العامّة لفظ «البوظة» على نوع معروف من «المرطبات». 


- 260 - 


يقطع رأسه يجعله واليا في إحدى الإيالات كأنه منفي » وللمأمورين من هذا 
الوجاق ألقاب شتى كشربجي باشسي + وعشي باشي:» وسساقي اغاسي + 
وأوظه ناقت > إلى غير ذلك همابدل غلئ أن أو لمك الحقود كناتو | خاتشين 
من إنعامات السلطان وأنهم كأولاد له. وكانوا يحترمون القدور والمراجل 
التي توزع عليه بها تعييناتهم ويأخذونها معهم إلى الحروب فإذا خسروها 
عد ذلك عارا عليهم. ثم في أواخر أيامهم صاروا إذا أرادوا رفض أمر 
يضعونها أمام منازلهم مقلوبة علامة على العصيان » ولكل واحد منهم وشم 
خاص على يده اليسرى فوق الكوع مستدير » قطره نحو قيراط وربع 
بأحرف تدل على اسم صاحبه وسنْه » وتحته عدد فرقته. وإذا عجز أحدهم 
بسبب جراح أو كبر سن يعتزل وجاقه تحت اسم «متقاعد» » ويعطى 
شهرية المتقاعدين ويؤذن له بالتروج. ٠‏ 

وعلى هذه الترتيبات البسيطة امتدت فتوحات تلك الطائفة من أبواب 
برصة إلى أبواب فيئا » وحافظوا على ذلك النظام مدة خمسمائة سنة » حتى 
إنهم بعد أن صارت طريقتهم ثقيلة على البلاد والعباد وأوصلوا المملكة إلى 
أقصى درجات الانحطاط ء كانوا 2م يزالوا من الأمة كالروح من الجسد 
حتى كاد سقوطهم يتهدد وجودها » وهم - قبل اختلال نظامهم ‏ أحسن جنود 
العالم ضبطا وانتظاما وأشدهم بأسا وإقداما. 

وهاك نبذة في ذكر معركة من معاركهم » بها تعلم ما كانوا عليه من 
القوة والنجدة : وهي أن السلطان با يزيد يلدرم خان سار في أيامه بعسكره 
الجرار المؤلف من اليكجرية وغيرهم إلى حدود هنكاريا قاصدا الاستظهار 
على أوربا بأسرها. وكان السلطان مراد خان الأول قد صادم عساكر 
الصّرب والبشناق بعساكره من اليكجرية فهزمهم وبدد شملهم » فألقي النفير 
العام في ممالك أوربا قاطبة أن النصرانية أمست في خطر التلاشي من 
مهاجمات المسلمين » وقامت دعاة النصرانية في كل صقع وإقليم يدعون 
بالغيرة الدينية » فأجاب الجميع صوت النفير وأخذت الأبطال تتهيأ للحرب » 
وأرسلت فرنسا وألمانيا أحسن رجالهما وخرجت فرسان مار يوحنا من 
حصونها في رودس » وثارت رجال هنكاريا بحمية لا مزيد عليها. ولم 
يمض إلا القليل حتى اجتمع عند الملك سيجسيمند مئة ألف مقاتل من 
الأبطال » وكان الجميع يمدون يد المساعدة في دفع العثمانيين عن بلادهم 
واستئصالهم عن آخرهم. ٠‏ 

وكان السلطان با يزيد خان قد استعد لمقابلتهم وجمع نحو مائتي الف 
مقاتل ونزل بهم 


- 261- 


متحصنا بالقرب من بيكويوليس. فلما أقبلت عساكر سيجسيمند على جيوش 
الإسلام ظنوا أن الغلبة سهلة عليهم جدا لأنهم رأوا تلك الجيوش خالية من 
كل ترتيب وإن كانت أسلحتهم كاملة. وكان يظن الناظر ذ فى اليكجرية أن 
ملابسهم الطويلة الواسعة تعوقهم عن خفة الحركة والرشاقة في استعمال 
الحراب » وعمائم الصباهية الكبيرة وقلانسهم الضخمة تزيد مناظرهم 
ضخامة في عين الناظر إليهم وتجعله يتهاون بمصادمتهم. فتقدم فرسان من 
فرنسا وأنشبوا الحرب مع فئة قليلة من اليكجرية لا يبلغ عددهم 4000 فبدد 
شملهم الفرسان وفتحوا فيهم طريقا ساروا منه إلى بقية جيش المسامين 
المجتمع وراءهم » وإذا بجيش عرمرمي من الرجال الاشداء لا يلتفتون إلى 
الهاربين من عساكر تلك الشرذمة ولا يبالون بما وقع عليها من الكسرة ؛ 
غير قليل حثى سمع منن عساكر المسلمين جلبة هائلة وفي أثرها ثارت 
اليكجرية على ذلك العدو فخام عن لقائهم فتبعوه واعملوا فيه السيف ولم 
يفاك بعس و الشر يذ" الها رقم وك يععل انلك لحل العظدع انقق الككر مه 
مهيبا جدا في أوربا بأسرها. 

وكانت طريقة اليكجرية في القتال أن يحيطوا صفوفهم بجيش من 
العساكر الجاهلة » ويفتحون بها باب الحرب ويشتغل بها العدو مدة ولا 
يتيسر له الوصول إلى معظم عساكرهم إلا بعد أن يكل من القتال » حتى إن 
دك الحتو لكا ملنه كانو | اشروق يجنها الحقانق :ور يسا حر هنا جزلا 
يتسلقون عليها إلى الحصون والقلاع التي يحاصرونها. ولما كان اليكجرية 
يباشرون الحروب دائما ويرزقون الفوز والظفر وينالون الغنائم العظيمة . 
داخلهم التيه والكبرياء وصاروا يعون أنفسهم هم المحامون عن بيضة 
الإسلام وحوزة الملك ؛ والعلة الوحيدة لوجودهما. ثم تمادوا في غلوائهم 
حتى صاروا يتجاسرون على خلع الملوك وتبديل الوزراء وقد 0 
الذين شادوا تر اولي ل 
استذى مالكه أن تلقب يسلطان اليرين وخاقان النحريق. 

ولما أحرزت المملكة هذه الشهرة العظيمة بواسطة اليكجرية ازدادوا 
عتوًا وتعديا وضعفت شجاعتهم وإقدامهم » وصاروا رعبا للسلاطين بعد أن 
كانوا رعبا للعدو » وصاروا يجاهرون بالعصيان لأدنى سبب حتى اضطر 
السلطان عثمان الثاني إلى العزم على ملاشاتهم » وأمر بجمع عساكر جديدة 


- 262 - 


ذلك وهاجوا واجتمعوا في ساحة آت ميدان وقلبوا مراجلهم أمام القشلة » 
وفبريوا الظبول: فانز عخ: السلطان' لذلك وأشاع بأده كان يست للحج 
الشريف وأن العساكر التي أمر بجمعها في آسيا لم تكن إلا للمحافظة عليه 
في طريق الحج » وأمر بتجهيز سفن لأجل تلك الغاية. فلم يقنعهم هذا 
الاعتذار وقاموا قومة رجل واحد وقتلوا عددا عظيما من الحرس والحجاب 
وأفرجوا عن السلطان مصطفى وبايعوه وأزالوا السلطان عثمان. 

وهكذا طغوا وبغوا وذاقوا لذة السلطة وحرصوا على إبقائها فيهم. 
وتاريخهم مدة قرنين بعد هذا العمل ليس هو إلا سلسلة متصلة مؤلفة من 
حلقات العصيان والتمرد والعبث بالنفوس الزكية » ثم صاروا يمتنعون عن 
الدخول في العسكرية إلا بالاسد ويؤذن لهم بالإقائنة دائما كالمحافطين :ثم 
حصلوا على إذن بالتزوج والإقامة مع عيالهم » فاضطرتهم العيلة 7) إلى 
الدخول في التجارة والصنائع وأهملوا سيوفهم وبواريدهم ولم يبق بهم من 
صفات الجنود سوى المحافظة على أخذ رواتبهم في أوقاتها. ولم يكفهم ذلك 
حتى صاروا يأخذون مرتبات لعيالهم » وقيدوا أسماء أولادهم في سلك 
الجنود الأمناء مستبدين لا يؤدون شيئا لخزينة الحكومة. وصار ينخرط في 
سلكهم جماهير غفيرة من الناس » وبعضهم ينفق مبالغ باهظة ليحرز شرف 
الانتظام في مسلكهم وأن يوشم على يده اليسرى بالوشم المتقدم ذكره » الذي 
كان صاحبه يستبد بجميع أعماله » صالحة كانت أم طالحة. وقد دخل في 
تلك الزمرة كثير من اليهود والنصارى طمعا في السلب والغنائم في أوقات 
العضيان. ,و:استولى عليهم الكمل والحيل:بالبتعمال. المتلاج تى إم كنز ] 
منهم من يضع في البارودة الرصاص قبل البارود » وكثيرا منهم من يكون 
في المؤخرة ويطلق بارودته على من في المقدمة. وربما حاول قوّادهم 
ردعهم عن ذلك فيجيبونهم بقولهم : إن رصاصة اليكجري تعرف العدو من 
الصديق. 

وقد انتشبت مرارا مقاتلات شديدة في أزقة القسطنطينية بينهم وبين 
الصباهية الذين كانوا أعداء لهم » فكانوا يطوفون في الأسواق وبين البيوت 
ويوسعون الناس ضربا وافتراء » ويسلبون ما صادفوه من الأمتعة 
ويرتكبون شرورا كثيرة ويسبون النساء والبنات من دون مانع ولا 
معارض. وكانت القسطنطينية بجملتها في قبضة يدهم يفعلون فيها ما 
يشاءون 


- 263 - 


من دون حساب ولا عقاب » وإذا قدم مركب موسوق ) حطبا أو فحما إلى 
الميناء يذهبون حالا إليه ويسمونه بسمة أرطتهم © ؛ إشعارا بأنه قد دخل 
تحت ظل حمايتهم وبأنه قد صار لهم حق بيعه وقبض ثمنه » وجميع 
الخضر الواردة إلى السوق تحت مطلق تصرفهم يبيعونها بما شاؤوا 
ويعطون أصحابها من الثمن ما سمحت به أنفسهم. وهم في كل يوم يذهبون 
جميعا باحتفال لأجل أخذ مرتباتهم » ويتعدون في طريقهم على كل من 
صادفوه » وقائدهم يمشي أمامهم وبيده مغرفة ضخمة طولها ذراعان وهم 
يتبعونه حاملين مراجلهم العظيمة على عتلات ومعهم جمهور من 
المحافظيق بأيديهة نواطاضكمة ..فإذا اتفق أن :أحد لد يح عن الطرويق : 
الذي يمرّون فيه حالما يسمع قولهم : صاغ (أي ظهرك أو احذر) فإن 
القائد يضربه بتلك المغرفة العظيمة فيرميه إلى الآأرض » ثم يأتي أصحاب 
السياط ويوجعونه ضربا. وإذا رأى الحمّال منهم مع رجل رزمة يجبره أن 
يسلمه إياها لكي يحملها له » طالبا منه أن يدفع له الأجرة سلفا » التي ربما 
تساوي قيمتها. ثم بعد قبض الأجرة يسمح له بحملها إن شاء » بشرط أن 
يعطيه شِينا على ذلك: 
وكان إذا بنى أحد بيتا يأتي إليه نجار من اليكجرية ويطرد نجّاريه » ثم 
يتمم هو العمل متى شاء » وبالطريقة التي يستحسنها. وكان الأمر والنهي 
في الدواوين والمحاكم والمأموريات بيد أولئك القوم العتاة في جميع بلاد 
المملكة العثمانية. وكانوا ينصبّون ويعزلون متى شاؤوا. ولم تزل الأمور 
جارية على بهذا العدوال يق كانت المملكة تفط كحت ير تلك القوزة الهائلة 
التي كانت أوربا بأسرها ترتعد من مجرد ذكر اسمها. 
وفي سنة 1208 ابتدأ السلطان سليم الثالث يتخذ عسكرا جديدا وسماه 
بالنظام الجديد. فهاج اليكجرية ومن يتعصب إليهم » فاضطر السلطان إلى 
إرسال ما كان عنده من العسكر المذكور إلى آسيا ثم أرجعه إلى استانبول 
حينم اتتتغلو | في الكوت كاز ها مكتتها تلك القرصية :وله أخد :هذا العسكر 
الجديد يزيد عذة » قام الجميع عليه بصوت واحد مدّعين أن ذلك بدعة تضادٌ 
الدين » فاضطره الأمر إلى التسليم لهم أيضا. ثم انتهز فرصة أخرى وأرجع 
النظام وحمل مده عكر | محافظين يعلن المدينة و اأعخدر هن سيا باكر 


(1) أي محمّل. والوسق : الحمل. 


(2) الأرطة : لفظة تركية » معناها الجماعة أو الفرقة من الإنكشارية. ثم صارت بمعنى 
الجماعة مطلقا. 


- 264 - 


فأخذ اليكجرية في إضرام نيران الاختلاف بين عساكر النظام وتلك 
العساكر التي هي غير منتظمة » فحدثت حركة شديدة من بين الفريقين 
دارت فيها الدائرة على عساكر النظام فهربوا إلى القشل 2 » وأما العساكر 
التي هي غير منتظمة فذهبوا إلى اليكجرية وأخرجوا المراجل المشهورة 
إلا الآمر بإبطال النظام. غير أن اليكجرية لم يرضوا إلا بخلعه وسجنه عند 
الحريم جزاء لما ابتدع في الإسلام من العادات والملابس الفرنجية على 
زعمهم » ونادوا باسم السلطان مصطفى. ولما أجلسوه على تخت السلطنة 

ثم في السنة التالية قام مصطفى باشا بيرقدار ووقف بعساكره على 
باب السرايا وطلب متهدّدا إرجاع السلطان سليم إلى تخت الملك. فلما رأى 
السلطان مصطفى ذلك الأمر خنق السلطان :8 سليما وطرح جثته من كوة 
القصر إلى العصاة الذين كانوا محيطين بالسرايا. فساءهم ذلك جدا وهجموا 
على السرايا وخلعوا السلطان مصطفى ووضعوه في السجن الذي كان فيه 
محمود يتردد دائما على السلطان سليم وهو في السجن » ويسرٌ جدا بما كان 
يطلع عليه من تدابير ابن عمه بما يرجع المملكة العثمانية إلى ما كانت عليه 
من النجاح والسطوة » ولم يكن أقل بغضا منه لطريقة اليكجرية » وكان 
يحسب نفسه قادرا على قهرهم » فحلف مقسما أنه لا بد من أن يهلك تلك 
القوة الفظيعة التي كانت قابضة على زمام السلطنة بأيديها الخبيثة. فتولى 
مصطفى باشا بيرقدار منصب الصدارة العظمى وأخذ ينتقم من أعداء 
السلطان سليم » وأما السلطان محمود فصرف همته في اتخاذ التدابير 
والوسائل اللازمة لقرض زمرة اليكجرية. وبعد أن تسلح بفتوى من شيخ 
الإسلام أمر بإجراء نظام اليكجرية القديم بكل صرامة وتدقيق وإيطال 
د حاأآآ10000272 

فلما نشرت هذه الأوامر 2 اليكجرية وأظهروا العسبد د شبزة 
رمضان وأضرموا النار في بيوت مجاورة لقصر الصدر الأعظم » فاحترق 
وهو نائم على سريره » ثم ساروا 


(1) جمع قشلة وهي الثكنة. «منزل العسكر». 


- 265 - 


هاجمين على السرايا » حيث كان السلطان محمود » فجمع السلطان حالا 
الطوبجية ومن عنده من العساكر الجديدة » وانتشب القتال بين الفريقين مدة 
يومين » وأصبحت المدينة في خطر عظيم من تلك النيران التي أضرمها 
اليكجرية. وكانت عساكر السلطان محمود قليلة ضعيفة ورعاع المدينة قد 
اتحدت مع اليكجرية والمتعصبون لهم يحركون العامة ويهيجونهم » فرأى 
السلطان أنه لم يبق له إلا وجه واحد للتخلص من أيدي أولئك القوم العصاة 
» وهو أن يقتل السلطان مصطفى فيبقى وحده من سلالة بني عثمان » ففعل 
ثم خرج ووقف وحده أمام ذلك الجمهور الهائج فلم يجسر أحد أن يمد إليه 
يدا » وسلم قواد العساكر الذين قاتلوا عنه في السرايا للعدو لكي ينتقموا منهم 
بحسب إرادتهم » وأقسم بأنه لا يجدد إلى الأبد ذلك النظام الجديد المكروه. 
وأجاب اليكجرية إلى كل ما طلبوه » وأطلق لهم العنان كجاري عادتهم حتى 
إنه قيّد اسمه يكجريا في إحدى أورطهم. 

ومن ذلك الوقت وقع القضاء على اليكجرية لأن انقياد السلطان 
محمود وتسليمه لهم في كل شيء لم يكن إلا بقصد الغلبة عليهم » فأخذ من 
ذلك الوقت بعزم شديد يستخدم التدابير اللازمة المؤدية إلى المرغوب » 
ودام مدة ثمان عشرة سنة منتظرا الفرصة لتنكيس تلك السيطرة وإنقاذ 
السلطنة من مخالبها الحادة. وكان جماعة من الطوبجيّة قد تعلموا من عدة 
سنين طريقة الإفرنج في استخدام المدافع » إلا أنهم لقلة عددهم وقصر 
معرفتهم في استعمال المدافع كان اليكجرية يزدرون بهم. وأما السلطان 
فكان يزيد عددهم ويقويهم شيئا فشيئا لكي يعتمد عليهم عند الاقتضاء. وفي 
تلك الأثناء حصلت حركة الأروام فصارت حجة لتعليم تلك الزمرة أصول 
العسكرية وزيادة عسكرهم » وكانوا شديدي البغضة لليكجرية » وكان 
السلطان لا يألو جهدا عن اتخاذ كل الوسائل لتقوية تلك الحماسة فيهم نحو 
اليكجرية. 

وفي سنة 1241 بلغ عدد الطوبجية في القسطنطينية أربعة عشر ألفا . 
وكانوا جميعا خاضعين خضوعا تاما للسلطان » خبيرين بأمور الحرب » 
خلافا لليكجرية الذين كانوا دائما يجلبون عارا على الراية العثمانية بعدم 
انقيادهم إلى قوادهم عند القتال » ورغبتهم الوحشية في سفك الدماء والسلب 
عند الانتصار » وكانوا قد أغضبوا الناس بمظالمهم وتعدياتهم » والعلماء 
بإدعائهم السيادة عليهم » وقوادهم بما كانوا يبدونه من الجبن والتمرد على 
أوامرهم. ولما ظهرت ‏ من انتصارات عساكر إبراهيم باشا في حرب 
المورة ‏ القوة التي يكسبها 


- 266 - 


التعليم الإفرنجي العساكر »رأى السلطان محمود خان أن الوقت الذي كان 
ينتظره منذ سنين كثيرة قد أتى » وأنه قد حان الزمان الذي يجب فيه بأن 
يخلص من مخالب اليكجرية بإيجاد قوة جديدة منظمة كافية لدفع قوتهم 
وإنقاذ السلطنة منهم » وقادرة على المدافعة عن المملكة إذا مسّت الحاجة. 
وإذ كان لا بد له من التخلص قبلا من الارتباكات الخارجية » اضطره 
الحال للتسليم إلى طلب اقترحته روسيا » ولم يكن لها قصد بذلك إلا جعله 
وسيلة لإضرام نار الحرب بينها وبين الدولة العلية. ثم عقد مجلسا من 
رجال الدولة العظام لأجل النظر في قوة العسكر وإصلاح الأحوال وأخرج 
فتوى بجواز تزيّي جنود المسلمين بزي أهل الكتاب » وبان يتخذوا ما لهم 
من العوائد فيستخدمونها لمدافعتهم ويقاتلونهم بسلاحهم. 

وفنا كان المحلي :ملتتما":: قال >ريهل مذ | عظزائة مركن شتيذا نيتنا 
: إن اليكجرية أشبه بعجائز ذوات عجب , وقد علاهن الكبر يفتخرن كثيرا 
بما كان لهن من الجمال منذ سنين كثيرة. وقال آخر : إنهم لا يعتبرون الآن 
جلبوا العار على الراية العثمانية بواسطة تجاوزهم حدود الشريعة وعدم 
العسكر . وحكم بأن يؤخذ رجال من كل فرقة من فرق اليكجرية ويجعلوا 
عسكرا جديدا وآن يكون لهم لباس خاص على نسق واحد وأن يتعلموا 
أصول الحرب على طريقة الإفرنج » مع المحافظة على الواجبات الدينية 
الإسلامية وعين ذلك المجلس مرتبات ذلك العسكر الجديد وكل ما يتعلق به 
من النظامات بكل تدقيق وتفصيل. 

وبعد أن حكم شيخ الإسلام أن ذلك جائز شرعا تعهد المجلس بإجرائه 
بالفعل. ثم عرضت تلك الأحكام على قواد العساكر فقبلوها وختموا على تلك 
العهود » ولكن حالما ابتدأت الحكومة في إجراء ذلك النظام الجديد وتعليم 
ذلك العسكر الطريقة الإفرنجية استفاق اليكجرية من غفلتهم فجاهروا 
بالعصيان وصفوا المراجل كجاري العادة وأخذ أصحابهم والمتعصّبون لهم 
من رعاع الناس يتواردون إليهم من كل أطراف المدينة. وكان ذلك في 
1 ه وكانت الدراويش تتقدم تلك الجماهير وتهيجهم لمقاومة تلك البدع 
الجديدة الإفرنجية » وذهبوا بهم إلى منزل كبير اليكجرية قاصدين قتله فنجا 
من أيديهم » فنهبوا منزله ومنزل الصدر الأعظم فوقعت المدينة ثانيا في 
قبضة أيديهم. 


- 267 - 


وأما السلطان محمود خان فإنه استحضر إلى سراياه جميع الطوبجية 
»وبدث رسولا إلى اليكجرية العصاة يأمرهم بإلقاء السلاح والتسليم 
فرفضوا الأوامر واستهزءوا بها. فجمع العلماء وأخبرهم بما كان فقالوا 
جميعا : إن اليكجرية هم أعداء الدين. فجلس السلطان تلك الليلة في السرايا 
في نفس الموضع والحالة التي جلس عليها منذ ثمان عشرة سنة » وكاذدت 
المدينة بأيدي جنود هائجة قد علا ضجيجهم إلى الجو وملؤوا الأسواق حتى 
وصلوا إلى باب السرايا وأخذوا يجلبون ويتهددون. وفي صباح اليوم 
السادس عشر من شهر حزيران من السنة المذكورة أخرج السلطان علم 
النبى صلن الله عليه وسَلم مين الخزيتة وسار:بكل جنوده إلى ساحة آت 
ميدان. وبعد تقديم الدعاء في جامع السلطان أحمد نشر هناك العلم الشريف 
فأخذت الجماهير تتقاطر إليه » ثم أخذت الجيوش تتقدم نحو اليكجرية 
وتدفعهم إلى الوراء » إلى أن وضلوا إلى تل مشترف على معسكرهم بقرب 
جامع السلطان محمود . وكنت ترى جماهير كثيرة من المسلمين يبادرن 
جماعة من الطوبجية نحو ساحة آت ميدان من دون مصادمة كثيرة » ولم 
من" ل القليل حت أحاظة الحدوة المكلفو نلك الحاكة الفعيدة هين كل 
جهة » وجعلت المدافع على كل مرتفع وفي كل شارع مقابل ذلك الموضع. 

وعند ذلك خرجت اليكجرية من القشل قاصدة الهجوم على عساكر 
السلطان فأرسل السلطان رسولا يأمر اليكجرية أن يسلموا » فقتلوا الرسول 
وللحال أشعلت الطوبجية المدافع وكان عددها مائة مدفع وأخذت تطلق 
اكرات بوالقتايل على ساكة اتميد ازع والفقيلة م فهحيت اليكخوية هلين 
الصفوف السلطانية فدفعتهم العسكر المظفرة دفعة هائلة وذبحوا منهم عددا 
بأسرها » وأشعلت النار الدائمة فلعبت بالقشلة. فصرخ اليكجرية من داخلها 
طالبين العفو والرجمة فلم يلتفت إلى صراخهم + وذلك أن ألوفا من الشيوخ 
والنساء والعدارى بطالما كانوا يضصرخون لديم في اينام سسطرنيم طالبين 
الرحمة فلم يرحموهم ولا التفتوا إلى صراخهم. ولم تزل المدافع تعج 
والبواريد ترسل الرصاص من دون انقطاع حتى سقطت حيطان القشلة د 
الداخل على من سلم فيها من نيران القتال فهلكوا عن آخرهم » ولم ينج أحد 
من جميع الذين كانوا قد.وقفوا في تلك المعمعة لمحاربة بتلطاتهم وولي 
ميل . تمدن لك العصيان ولا فظلنها فى أرق ظهر :4 لكان لم يكن 
ذلك نهاية العمل لأنه كان لم يزل ألوف من 


- 268 - 


أيضا مملوءة منهم. 

وفي اليوم الثاني خرج فرمان شريف بإبطال تلك الزمرة وملابسها 
ومصطلحاتها وقشلها حتى واسمها من كل المملكة ». ونادى به المنادون. 
وهذه ترجمته : «بموجب حكم الكتاب والشريعة » إصلاحا لحال أمة محمد 
» وإحياء للدولة والدين » تلغى أرط اليكجرية من الآن وصاعدا وتبطل كليا. 
وبموجب اتفاق العامة مع جميع العلماء حرر أنفار عساكر محمدية 
منصورة مكان هؤلاء » وعلى أهل العرض بعد هذا أن يفتحوا دكاكينهم 
ويكونوا في أشغالهم ومكاسبهم». اه. 

فوقع الرعب على كل زمر اليكجرية وهربوا متبددين في كل صقع 
وناد. وكانت الحكومة تفتش عليهم في كل مكان من المملكة وتلقي القبض 
على كل من وجدته منهم وتعاقبهم بالقتل بالسيف أو بالخنق أو بالسجن أو 
النفي » بحسب أحوالهم وذنوبهم. وكنت ترى خليج قسطنطينية مملوءا من 
جثث القتلى الذين كانت تلقى فيه 7». فبلغ عدد الذين قتلوا ثلاثين ألفا. وهكذا 
كاقة: نهاية جنؤ لا العساكن' المنكودة النحط + و[ الودل الم بهلية انفينها يكيها 
وعدم مراعاتها النعمة. وقد أرخ بعضهم هذه الحادثة بقوله : غزاي أكبر . 
وذلك سنة 1241. 

قلت : إن الفظائع التي كان اليكجرية يجرونها في استانبول » كانوا 
يجرونها بل أعظم منها في حلب وغيرها من البلاد الخارجة عن استانبول » 
فقد كانوا قابضين فيها على الحرف والصنائع » وكانوا يعاملون الناس 
بالجبروت والقسوة ويهينون الأشراف ويهتكون الأعراض. وكانت جميع 
الفتن والثورات في حلب: التي أسلفنا ذكرها هم السيب الأغظم بإثارتها 
وكان قمر في الدرجة القصوى من ردم والخدى وهم 0 جانب 
وَرَدعهم لمق لجأ هنهم في قهررهم إلى الخيلة والخذهة معهم “كنا فعل 
باستئصال عدد كبير من طواغيهم جلال الدين باشا. وكانوا يجرون في 
حلب من الفظائع والمخازي ما يقف اليراع خجلا عن تحريره وتسطيره : 
يهتكون شرف العذارى في حضور أوليائهم وفي منازلهم » ثم ييبصقون 
بوجه الرجل وياخذون منه ما يوجد عنده من النقود وما عند نسائه من 
الحلي » ويخرجون من 


(1) صواب العبارة : «.. التي كانت تلقى فيه» أو : «.. الذين كانوا يلقون فيه». 


- 269 - 


بيته وهم يودعونه باللعن والشتائم. ومن فظائعهم أيضا أنهم كانوا يدخلون 
رأس الكلب في بطيخة خضراء فارغة ويرسلونه في الأسواق والشوارع » 
ووراءه واحد منهم ينادي بقوله : تنحوا عن طريق السيّد (لأن السادة كانوا 
يلبسون في رؤوسهم العمائم الخضر). 

ومما كانوا مستولين عليه من الحرف والمهن حرفة اللحامين » فقد 
كان معظمها في أيديهم » وكان الرجل لا يقدر أن يطبخ في بيته إلا نوع 
الطعام الذي يأمره به لحّامه » فلربما أمره عدة أيام بأن يطبخ نوعا واحدا 
من الطعام لأن اللحمة التي عند لحامه لا تصاح لغير ذلك النوع » ولا 
يستطيع الرجل أن يشتري من لحام آخر مطلوبه من اللحم ‏ ؛ لأنه إذا فعل 
ذلك فربما يقضي لحامه عليه. فاتفق أن رجلا كان اسم لحامه رحمون آغا 
فكانت زوجة الرجل إذا سألته : ما ذا نأكل في هذه الليلة؟ يجيبها بقوله : 
«الإرادة لرحمون آغا». فسارت هذه الكلمة مسير المثل فى حلب يتمثل به 
من كانت إرادته تبعا لإرادة من هو أقوى منه. ْ 

والخلاصة أن الفظائع التي كانت تجريها هذه الطغمة الشريرة كثيرة 
جدا يحتاج استقصاؤها إلى مجلّد على حدته » وأن جميع ما كان يجريه 
عليهم الولاة من العقوبات والمصادرة والتعذيب قليل من كثير مما كانوا 
يستحقونه. فالحمد لله الذي أراح منهم البلاد والعباد. 

انتهى ما قصدنا إلى إيراده من الكلام على أحوال الطائفة اليكجرية. ولنعد 
الآن إلى سرد الحوادث فنقول : في سنة 1242 ولي حلب سيروزي يوسف 
مخلص باشا ابن إسماعيل بك من أعيان سيروز. وفيها حدث بحلب طاعون 
جارف بلغ عدد وفياته اليومية نحو أربعمائة نسمة. وفي سنة 1243 ولي 
حلب الصدر الأسبق رؤوف باشا. وقرأت في السجل المحفوظ في المحكمة 
الشرعية أنه في هذه السنة رفع مفتي حلب أحمد أفندي الجابري » ونقيب 
أشرافها عباس أفندي طه زاده ‏ وغيرهما من وجهاء حلب إلى الحاكم 
الشرعي أن بكير آغا ابن كعدان » وعبيد بن الجذبة وأتباعهما - وهم 
مصطفى وعواد وأحمد بن هاشم - عازمون على العود إلى حلب والإضرار 
بأهلها » فهم ‏ أي المفتي ونقيب الآشراف ورفقاؤهما ‏ يطلبون من الحاكم 


-270- 


ونبه عليهم بأن كل من وجد في محلته واحد من هؤلاء فعليه أن يدفع 
للخزينة العامرة 1500 قرش. اه وفي سنة 1244 ولي حلب علي رضا 
باشا. 


مقتل أحمد بك قطاراغاسي : 

في هذه السنة (1244) قتل أحمد بك ابن إبراهيم باشا أمير الحاج 
عصابة من المتمردين عليها في جهات أرضروم » فكلفته الشخوص إليها 
مع مائة وخمسين شخصا من أتباعه (على أن تكون النفقة على هذه الحملة 
من ماله أسوة بغيره من وجهاء البلاد العثمانية الذين كانوا في تلك الأيام 
تعاوده صحته » وكتب على الفور إلى أخيه مصطفى بك المقيم في استانبول 
.وهو صاحب رتبة (ميراخور) ‏ كتابا يذكر له فيه خبر هذا التكليف 
ويستشيره بالسفر إلى ارضروم. وارسل الكتاب مع ساع خصوصي. 

فكتب إليه أخوه في جوابه يحذره فيه من هذه السفرة » ويامره بأن 
يماطل بالإجابة على قدر استطاعته. وأرسل له هذا الكتاب مع ساع خاصّ 
استحتّه على السرعة والاستعجال. ولما وصل الساعي إلى حلب سأل عن 
منزل أحمد بك فقيل له : هو في الفرافرة. فلما وصل الساعي إليها وقيل له : 
هذه هي محلة الفرافرة » رأى رجلا عليه سيماء العظمة واقفا بباب منزل 
فخم يحفف به الخدم والحشم. فلم يشك بأنه هو صاحب الكتاب فقدمه إليه 
فتناوله منه وأعطاه جائزته وانصرف. ثم نظر ذلك الرجل في عنوان 
الكتاب فإذا هو لأحمد بك مرسل إليه من أخيه مسطفى بك. ففضنٌ ختامه 
وقرأ ما فيه ء. وكان هذا الرجل العظيم ‏ الذي وقع الكتاب بيده غلطا - 
يوسف باشا شريف زاده » الذي كان يتحين الفرص ويرقب الدوائر تدور 
على أحمد بك الذي كان يوسف باشا لا يشك ولا يرتاب بأنه هو ذلك الواشي 
الذي كان سببا لاغتيال والده نعمان أفندي . الذي أسلفنا خبر خنقه في 
حوادث سنة 1238 وقد ظفر الآن يوسف باشا بضالته المنشودة وأيقن بأنه 
قد نال أمنيته التي هي أخذ الثأر من قاتل أبيه. فأسرع إلى منزل الوالي علي 
رضا باشا وقدم إليه ذلك الكتاب واستحثه على تقديمه إلى حضرة السلطان 
ليرى رأيه في أحمد بك 


-271- 


وأخيه مصطفى بك. فما كان من الوالي سوى أن أرسل الكتاب مع ساع 
خاص إلى السلطان ولما قرأه السلطان استشاط غضبا وأصدر أمره إلى 
الوالي بقتل أحمد بك وتجهيز رأسه إليه بكل سرعة. ولما ورد هذا الأمر 
إلى الوالي كان أحمد بك متمارضا قد أقام في قصر بستان المفتي للاستشفاء 
بطيب هواه » ينتظر من أخيه جوابه عن كتابه وهو غافل عما خبأته له يد 
الأقدار. 

وفي يوم الثلاثاء 27 ذي القعدة من هذه السنة أشاع الوالي أنه يقصد 
أن يعود أحمد بك. ثم توجه هو وأتباعه إلى بستان المفتي » وكان قد نمي 
خبر زيارته إلى أحمد بك . فخرج لاستقباله إلى باب القصر وتلقاه 
بالترحاب » وبعد أن جلس معه جلسة العائد للمريض وحادثه بلطيف 
غدار اكه ووكدا ننه ضيح و الحاقية تينطرن لاتكيو انمد ز نلعة عدف نك 
ليشيّعه » وبينهم هو نازل على الدرج إذ أتته طلقة غدارة وتبعتها ثانية 
وثالثة فلم تخطىء رصاصاتهما جسمه فوقع قتيلا يتخبط بدمه. فتقدم أحد 
الرماة إلى جثته الهامدة وحز رأسه وبعد أن حشاه تبنا قدمه إلى الوالي الذي 
لم يتأخن لحظة واحدة عن إرسالة إلى:السلطان, ولما:وضل الرآس إلى 
المتلطاق أحضبز عطقي يك اخ المقتون وأطلعةه علين الكتدان) وسياله عدن 
كاتبه » فأقر بأنه خط يده » ثم أخرج له رأس أخيه وسأله : هل تعرف هذا 
الرأس؟ فأجاب : نعم هذا رأس أخي. وفي الحال التفت السلطان إلى الجلاد 
وأشار إليه بأن يقطع رأس مصطفى بك » فامتثل الأمر وقطع رأسه. ثم 
وضع الرأسان في كيس من البزٌ ودفنا في حفرة واحدة. 

وصدر أمر السلطان إلى والي حلب بمصادرة جميع أملاك الأخوين 
وأموالهما » وأن ينفي كل حالم من أولادهما وأتباعهما. فنفى من يصدق 
عليه أمر السلطان إلى جهات متعددة » ثم وضع أملاكهما في المزاد العلني 
فلم يرغب أحد بشرائها إما احتراما لأصحابها وإمّا تشاؤما © بها. وكان 
الحاج بكور آغا كتخدا الآتي ذكره قريبا قفل من بغداد وعزم على التوطن 
في حلب » وكان في الغاية القصوى من الثراء والغنى » فاشترى جميع 
أملاك الأخوين المومأ إليهما في حلب وخارجها. وكان من جملة تلك 
الأملاك الدور الكائنة فى محلة الفرافرة » وهى دور عظيمة فخمة » كل دار 
منها تضاهي محلة لما اشتملت عليه من 22 


(1) في الأصل : «تشائما» خطأ. 


- 272 - 


الأبهاء والمقاصير وكثرة الغرف والمرافق والحدائق ومتانة البناء 
وزخارف النقوش » وهي لم تزل تعد من بدائع الآثار البنائية القديمة التي 
يقصدها الأثريون للتفرج. ش 1 

وبعد أن اشتراها الحاج بكور آغا وتصرف بها مدة من الزمن أعادها 
جميعها إلى ورثة الأخوين بالثمن الذي أخذها فعد ذلك منه شهامة وكرم 
أخلاق » وظهر للناس أنه لم يقصد من شرائها إلا حفظها لورثة الأخوين 
وإعادتها لهم حين سنوح الفرصة. ولم يبق له منها سوى داره المقيم بها 
الآن بعض فروع أعقابه. ومن غريب الاتفاق انه كان لأحمد بك جارية 
كالحظيّة عنده » كانت تندد بالحاج بكور وتطعن به وتتحايل عليه لأنه حاز 
الزعامة لدى الولاة وصار نافذ الكلمة عندهم » فوقعت هذه المسكينة في 
قبضة الحاج بكور آغا » أخذها شراء مع جملة ما أخذه من تركة أحمد بك 
وجعلها خادمة في مطبخه بعد أن كانت حظية أعظم رجل في حلب يأتمر 
الخدم بأمرها ولا ترد لها كلمة. 


سفر علي رضا باشا إلى بغداد : 

وفي سنة 1246 تمرّد داود باشا والي بغداد على الدولة وخرج عن 
طاعتها. فأصدر السلطان أمره إلى علي رضا باشا بأن يكون واليا في بغداد 
٠‏ وشرط عليه أن يخضع واليها المتمرد وينكل به. فسافر إلى بغداد في 
أواخر هذه السنة وصحب معه (أبا بكر بن محمد ابن إبراهيم الكردي) أحد 
رجالات العمق وأمرائه » وجعله مستشارا له ووكيلا عنه في إدارة أمور 
الجيش وسماه كهيا أو كتخدا. ومن ذلك اليوم عرفت هذه الأسرة بآل 
الكتخدا. 

وفي هذه السنة 1246 ولي حلب إينجه بيرقدار زاده محمد باشا. وفي 
سنة 1248 استولى على حلب إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا خديوي مصر. 


إجمال بهذه الأسرة : 

لهذه الأسرة تاريخ حافل يسمى «المناقب الإبراهيمية» وهو مطبوع 
متداول استغنينا به عن إطالة الكلام في بيان أخبار هذه الأسرة واكتفينا 
بالإلماع إليها بهذا الإجمال فنقول :إن الجد الأعلى لهذه الأسرة هو المرحوم 
محمد على باشا » وأصله من مدينة قولة إحدى بلاد الأرناوود وبها كانت 
والاكخديقة 1183 وكانة :و الذم عقة م هو قير فكفله أهد اصددقاء أيه 
وأحسن تربيته » ونشأ على محبة الفوز والظفر بمقاصده وصحب الغزاة » 
واشتهر 


- 273 - 


بين أقرانه بالحزم والعزم. ثم لما دخلت طائفة الفرنسيس مصر وألقت 
الدولة العثمانية النفير العام لإخراجها » كان من جملة من امتثل أمر الدولة 
ونهض من بلده متوجها إلى مصر ء فدخلها وحارب الطائفة المذكورة في 
عدة وقائع واشتهر بالشجاعة وجودة الرأي ولما خرجت تلك الطائفة من 
مصر ولت عليها الدولة العثمانية محمد خسرو باشا » وكان محمد علي باشا 
قد اسكمال علماء: مصير :و وتكهادها قداو | السدو أاظهو :لد مين الفهية منا 
أطمعه أن يكون واليا عليهم. 

واتفق في ذلك الأثناء (» أن محمد خسرو باشا جهز جيشا لقتال بقية 
المتمردين من المماليك حكام مصر . وكان محمد علي باشا من جملة 
خدواط ذلك الشوان ويقكياء الله وقدته اتكندي 'الخييةن المدك :و تغلب 
المماليك » وانّهم القائد محمد علي باشا بممالأتهم ووشي به إلى الوالي » 
فقصد أن يوقع به غير أن محمد علي باشا فطن لما أراد وانضم إلى 
المماليك حذرا منه » وجرى بينه وبين الوالي وقعة كان هو الغالب فيها ء 
ووقع الوالي بقبضته. واتصل الخبر بالسلطان سليم خان فعظم عليه الأمر 
وأرسل علي باشا ليتولى مكان خسرو باشا ويكبت العصاة. فلما وصل إلى 
مصر لم تدن له المماليك بل خلعوا طاعته وقتلوه » ثم وقع النزاع بين اثنين 
من رؤسائهما وكان لعسكر الأرناوط مال مكسور عند أحدهما فطالبوه به 
باتفاق مع محمد علي باشا وحصروه في داره عدة أيام » ثم سنحت له 
فرصة هرب بها إلى الصعيد وانحل عزم المماليك بعده » ولم يبق منهم إلا 
رئيس واحد. وكان محمد علي باشا قد استمال العلماء والرؤساء وأحبوه 
محبة مفرطة وأقاموه مقام الوالي على مصر ؛ وأرسلوا محمد خسرو باشا 
إلى القسطنطينية وولوا مكانه رشيد باشا ولقبوه نائب السلطنة على مصر. 
ولم يمض إلا قليل من الزمان حتى مات الرئيس الذي بقي من المماليك 
وصفا الوقت لمحمد علي باشا وتولى مصر. 3 

ولما سمع حضرة السلطان بهذا الآمر تكدر منه جدا وأمر في الحال 
مصطفى باشا قبطان أن يسير إلى مصر ويسلمها إلى من بقي من المماليك 
علي باشا بالتوجه إلى سلانيك. فلما وصل مصطفى باشا إلى مصر وعلم 


علماؤها ورؤساوؤها بمراده اجتمعوا عنده وتلطفوا بتعريفه أنهم لا يرضون 


(1) كذا » والصواب : «في تلك الأثناء». ونكتفي بهذه الإشارة عن مثيلاتها في مواضع 
أخرى. 


1074 


واليا عييء لا تكن علي باننا. تحني الها كلدوا وكتي براقع لحن 
باشا واليا على مصر بشروط معلومة وذلك في صفر سنة 1220 دا 

تمكنت ولايته ورسخ قدمه بدأ ببقية المماليوك فأبادهم ثم شرع بإصلاح 
والفنون وارتقت إلى اعلى ذروة في الكمال. 

وأما سبب مسير ولده إبراهيم باشا إلى الديار الشامية : فهو أن عبد الله 
وحاصره وضيق عليه » استغاث بمحمد علي باشا فشفع له عند الدولة 
وخلصه من عقابها. غير أنه بعد مدة يسيرة حجد معروفه وشرع يطعن به 
عليه ذلك فجهز ولده إبراهيم باشا لمحاربته فخرج من الإسكندرية في غرة 
جمادى الأولى سنة 1247 وفي خمسة أيام وصل إلى حيفا وخيّم بها وسيّر 
باقي الجيش برا إلى عكا » فوصلوها في عشرين تشرين الثاني سنة 1831 
م:ويعد يضنعة أيآم وجل" إلبها إير اهيم باثنا وين تحاهها الممار يش وكات 
عبد الله باشا بالصلح فلم يفعل » وحينئذ أمر إبراهيم باشا بإطلاق المدافع 
على أسوار عكا وذلك في رابع يوم من رجب سنة 1247 وكتب للأمير 
جه إبراقي باضنا واكره. على جاكمرة لتاق .,وكان زر اهنم جانا قد أز سل لخد 
قواده لافتتاح بلاد الساحل فافتتحها. 

ولنا رافك الفسية مراف ! الحولة العشيانية عظم عانيا لأسو وفيت 
لوالي حلب بيرقدار محمد باشا أن يجهز جيشا تحت قيادة حسين باشا 
لمحاربة إبراهيم باشا. فحصن حلب وجمع العساكر وتوجه إلى حمص في 
سبعة ألاف فارس من الارناوود والهواري والعربان » وصحب معه أمين 
الارزل كو فقن د ها تدريف دوبع السالفت المذكن 4 ككليدا وحصتق فلجنها 
واستولى على اللاذقية وتقدم إلى جهة طرابلس والتقى بشرذمة من العساكر 
غظيية اتكشفت عن انهزناء حتماخ ياثنا. يلما بلغ اجر اغيم باثي هذا الحم 
وأن محمد باشا معسكر بحمص »؛ مشى نحوه وترك نفرا من عسكره عند 
كا و قه كاد أن يفتحها:: 


- 275 - 


فأدرك عثمان باشا في القصير وقد أمده محمد باشا » فاشتبك الحرب بينهما 
وانجلى عن كسرة عثمان باشا والتجأ إلى حمص » ورجع إبراهيم باشا إلى 
عكا وجد في حصارها حتى فتحها حربا في اليوم السابع والعشرين من ذي 
الحجة » ثم توجه إلى دمشق فوصلها في حزيران سنة 1248 ه والتقاه 
واليها علي باشا الأسعد » وجرت بينهما وقعة انكسر فيها الوالي المشار إليه 
وعمد إلى الفرار ودخل إبراهيم باشا البلد واستولى عليها.- 

وكان في هذا الأثناء وصل إلى أنطاكية حسين باشا السردار الذي 
عينته الدولة مع عسكر ضخم لقتال إبراهيم باشاء وقد أرسل حسين باشا 
طليعة إلى حمص. وعلى بعد نصف مرحلة منها التقفى الجيشان وشبت 
بينهما نار حرب هائلة انتهت بانتصار إبراهيم باشا ورجوع حسين باشا 
ومحمد باشا إلى حلب خائفين مذعورين » فدخلاها وجمعا الأعيان 
والوجهاء وطلبا منهم المدد فلم يجيبوهما » فرحلا عن حلب وقد تركا فيها 
أموالا وأمتعة لا تدخل تحت حصر » فنهبت جميعها ووقع الضعف فيمن 
معهما من العسكر فتبعهم أهل القرى وسلبوا أكثر ما كان معهم. وأما 
إبراهيم باشا فإنه بعد هذا الفوز توجه إلى حلب على طريق تل السلطان 
ودخلها بعد خروج الوزيرين المتقدم ذكرهما دون منازع ولا معارض » 
وذلك في ثامن يوم من صفر سنة 1248 الموافق اليوم السابع عشر من 
تموز سنة 1812 م فبقي بها مدة ثم نهض لقتال حسين باشا السردار وتوجه 
إلى جهة بيلان » وذلك في اليوم السابع والعشرين من صفر المذكور » 
وكان حسين باشا قد سد طريق الجبل على إبراهيم باشا فارسل عسكرا 
صعدوه من جهة كز وأقام هو بواد قريب من الجبل. 

ولينا جلت السباكره المدكوز 23 التقو ا تعي قز سين ناتنا علقك 
بينهم حرب شديدة كانت عاقبتها فوز إبراهيم وإقلاع حسين باشا إلى جهة 
قونيه ورجوع إبراهيم باشا إلى حلب. وبعد مدة سافر منها إلى أدنة . 
وكانت قد سلمت إليه فخيم فيها بعسكره. ثم وردت له أوامر أبيه بالتقدم نحو 
قونية فامتثلها وشخص إلى قونية. وقبل دخوله إليها أخلاها أمين رؤوف 
باشا الصدر الأسبق » فاستولى عليها إبراهيم بغير منازع ولا معارض بعد 
أن جرى له في الطريق بعض وقائع. ثم في اليوم السابع والعشرين رجب 
علقت نار الحرب بين الفريقين وكان عسكر كل منهما وافرا جدا. وبعد 
وقعات تشيب ناصية الوليد انتهت الحال بنصر إبراهيم وأسر رشيد باشا 
الصدر. ولما تفاقم الأمر توسط سفير فرنسة بالصلح بين 


- 276 - 


الدولة والمصريين على أن يكون لهم كريد وسورية وولاية أدنه. وعلى هذا 
ا ا 5 
سوؤرية ووككلضبها من المصريين + فامتتل رسافز د مقاتل. 
وسمع إبراهيم بقدومه فتقدم لملاقاته إلى «نزب» بأربعين ألف مقاتل وهناك 
التقى الجيشان وجرت بينهما معركة عظيمة أفضت إلى فوز إبراهيم 
وإنهزام حافظ باشا. وبعد هذه الواقعة خافت الدول الأجنبية سوء العاقبة 
وتداركت رتق هذا الفتق بإشارة الدولة العثمانية واتفقت إنكلترة والروس 
رابجا ووو عي إخرراخ المفتريي ون تعر ريا عوعا ار كزيها #زوان 
0 م ثم كاتبوا الحضرة الخديوية بالتصديق على اتفاقهم فلم يقبل منهم . 
وعندها أشهروا الحرب عليه وأرسلت إنكلترا عمارة بحرية إلى سواحل 
سوريا فاستولت على جميعها وشحنتها بالمهمات ٠‏ فضعف إبراهيم باشا 
عن مقاومتها وأوعز إلى عساكره بالهرب » فاجتمعوا إليه من سائر البلاد 
وتوجه بهم إلى جهة مصر من طريق البر لان إنكلترا ربطت عليه المسالك 
لحوم الخيل والبغال والحمير حتى أكارعها وأخمن ما فيها. وفي قرب مدينة 
غزة احترق بضع صناديق من البارود » وهلك بسببها عدد غير قليل من 
العساكر المرضى والنساء والأطفال الذين كانوا بمعية الجيش. ويروى أن 
هذه الحريق كانت مفتعلة ©» من إبراهيم ليخفف عنه الناس الذي أقلقوه 
بشكوى الجوع. والله أعلم. 


حوادث حلب أيام إبراهيم باشا المصري 

ولما دخل إبراهيم باشا إلى حلب - على ما تقدم ذكره ‏ نزل في تكية 
الشيخ أبي بكر » وبعد بضعة أيام انتقل إلى منزل بني العادلي » فأقبل عليه 
قناصل الدول وأعيان البلدة يسلمون عليه ويهئونه بالسلامة. فتلطف بهم 
وأعطاهم الأمان مما يخافون. وبعد بضعة 


(1) الصواب «نفدت» بالدال المهملة. 
(2) كذا وردت العبارة في الأصل 2 وفيها ترخص. 


- 277 - 


أيام صار يقبل عليه أعيان البلاد الحلبية ويدخلون في طاعته. ثم شرع 
بتنظيم أمور حلب وبلادها » وعيّن لها متسلّما أحمد أفندي ابن عبد القادر 
أفندي حسبي زاده » ثم غضب عليه وضربه بالسياط فمات بعد وه ومين. 
وكان متسلما حلب قبل دخول إبراهيم باشا ‏ إبراهيم آغا سياف زاده » 
وعين في مكان حسبي زاده عبد الله بك البابدشسي. وفي سنة 1249 رأى 
الحلبيون صرامته في أحكامه وشدته في انتقامه وعقوبته وشاهدوا ما يعامل 
به العسكري من الإهانة والشتم واللعن » فعزموا على مناضلته. واجتمع من 
زعمائهم جمَّ غفير » منهم عيسى آغا وبكور آغا كعدان وأحمد بن هاشم 
ومحمد أغا حطب ‏ وهم من بقايا زعماء اليكجرية ‏ وعقدوا بينهم اتفاقا 
وكتبوا به ميثاقا ختموه » سوى قليل منهم. فاتصل الخبر بإبراهيم باشا 
بواسطة محمد آغا حطب , فقتل بعضهم ونفى الباقين وأمر بجمع السلاح 
من البلد » فجمع منه ما لا يحصى » وارتفع سعره حتى بيعت نصلة بندقية 
بثلاثمائة قرش. وفي هذه السنة أمر أيضا بجمع العسكر فثقل هذا الأمر على 
الناس لعدم اعتيادهم عليه وهرب منهم خلق كثير وتشتتوا في البراري » 
ومنهم من مات تحت المطر والجليد وأكلتهم الوحوش ؛ وكانت تكبس 
البييوت ويؤخذ منها العسكر دون مراعاة شريف أو وضيع » حتى إن 
الآولاد الصغار كانوا يؤخذون ويدخلون المكتب ويكسون بملابس الجندية. 

وفي سنة 1250 صرر الشروع بتعمير الرباط الكبير المععروف 
دالقاق يورق :2 الذي انلكا الكاده كمه فى مدل للتسيصيات.: مق الخد 
الثاني » ورباط آخر في نواحي الكلاسة شرقي مشهد الشيخ محسّن » وغير 
ذلك من المباني. وكانت الفعلة والنجارون والمجصّصون يقادون للعمل في 
هذه المحلات بالسلاسل ويساقون بالضرب والشتم » ويدفع لهم قليل من 
الأجرة » ومنهم من لا يعطى شيئا. وكان أكثر أنقاض هذه الأبنية وحجارتها 
دن المميناجة العديجة و الخو امتع, المهكورة والكانات التؤمل:. رفي ابقذاء 
رمضان سنة 1253 تجدد طلب العسكر واشتند التفتيش عليهم » حتى 
صارت النساء يحبسن في بيوت القهوة ويضربن الضرب المبرّح ليقررن 
عن رجالهن. فجمع مقدار وافر وبقي بعض أفراد لم يشددوا في طلبهم 
رعاية لرمضان. ثم في أول يوم من عيد الفطر صدرت الاوامر بإتمام جمع 
من بقي من العسكر » فذاقت الناس أمرٌ من الصاب » وانقلب عيدهم مأتما. 
ثم في ثالث يوم من شوال ورد العفو عن بقية الأشخاص المرتبة على البلد. 
وفي اليوم الثامن عشر من شوال 


- 278 - 


في إدلب وريحا وأرمناز. 
وفي غرة ذي الحجة توجه الاصباهية إلى استانبول من سائر البلاد 
الشامية بأمر المرحوم السلطان محمود خان. وفي اليوم الثالث عشر من هذا 
الشهر وقع القبض والتفتيش على أولاد المسلمين ليدخلوا في النظام 
العسكري »؛ ومن لم يوجد منهم قبض على ابيه أو أمه او زوجته وعذبوا إلى 
أن يحضر الرجل المطلوب. ومن هرب منهم أو أحجم عن السفر يجعل 
هدفا للرصاص في ارض عواد » فكان لا يخلو يوم من عسكري مقتول. 
وقد استصفت الجندية شبّان أهل حلب وملحقاتها » فلم يبق منهم سوى 
الكهول والعجزة ووقفت حركة الأشغال وعزٌ القوت وتهتكت الحرائر في 
الحصول على ما يقيتهن. وفي اليوم الرابع عشر منه صدر الآمر بالعفو 
عن بقية المطلوبين ن. وفي هذه السنة كان الشتاء شديدا والأمطار غزيرة 
تعطّل بسببها أكثر العمران واستمرت نحو سبعة أشهر لم تنقطع إلا قليلا.. . 
وفي غرة محرّم سنة 1255 خرج العسكر من حلب وبلادها إلى جهة 
لفقا لمحارادة شافط يانكا المرسال من ك1 . الذو لك العقانفة وو سارت 
الأمتعة والميرة تنقل من حلب وغيرها إلى تلك الجهة. ثم كانت الوقعة بين 
الجيشين في المحل المعروف بنزب وقد مرّ خبرها. وفي ليلة الأحد ثاني 
عشر شعبان زرق 2 بين العشاءين نجم غلب ضوهه القمر ء واستمر 
شعاعه في السماء نحو عشر دقائق ثم أخذ في الذهاب نحو الجنوب. ثم في 
الليلة الرابعة عشر من الشهر المذكور وهي ليلة الثلاثشاء رجفت الأرض 
رجفة قوية غير أنها لم يحصل منها ضرر. وك نلا ركان بيه 1230 
المصادف لليوم السابع والعشرين تشرين الأول سنة 1840 مسيحية ‏ خرج 
العسكر المصري من حلب وبلادها وخلت الأرض منهم. وقدم على حلب 
الحاج يوسقة باشا شريف زادة ومعه خماعة من الجدن + فاتستس الثاين 
بقدومه » ثم قدم عليها من قبل الدولة العثمانية زكريا باشا مع عسكر كثير 
محافظة لها إلى أن يحضر الوالي الجديد. وبعد أيام قلائل حضر واليا عليها 
محمد أسعد باشا وأبقى عبد الله بك متسلما. وقبل خروج إبراهيم باشا من 
بلادنا أمر بإحراق بعض البيوت الكبار 


(1) أي لمع فجأة وبسرعة. والكلمة بهذا المعنى عاميّة. 


- 279 - 


لانحياز ذويها إلى الدولة العثمانية » من جملتها منزل يوسف باشا شريف »2 
فق احترق :هذا المنزل كله و اسمخ وماد كان له يكن. 


مجيء عسكر الأرناود إلى حلب : 

وفى سنة 1257 وفد على حلب نحو ثلاثة آلاف من عسكر الأرناود » 
وكان قدومهم من بلاد أشقودرة » وقد جاؤوا إليها بإشارة من الدولة إرهابا 
للحلبيين لما كانت الدولة تتخيل منهم إحداث بعض الفثن » ومن ثم كانوا 
يفعلون أمورا فظيعة تدل على عتّوهم وتوحشهم ليعظموا في أعين الحلبيين 
؛ منها أنهم كانوا يخرجون الجرذان من المراحيض ويشوونها في الآأتون 
وياكلونها » وربما وضعوها في مقلاة السمك . وكانوا ياكلون الفار واجراء 
«» الكلاب على هذا النسق. ومنها أنهم كانوا يفعلون الفاحشة والزنى 
بالعجائز والشيوخ. ولما تمادى فسادهم وضجر منهم الحلبيون قاموا عليهم 
وحصروهم في خان البيرقدار ‏ بالقرب من السوق الصغير - وكثر إطلاق 
الرصاص من الطرفين. وخاف كبراء البلد من تفاقم الحال فحضر إليهم 
المتسلم عبد الله بك وأمرهم بالرحيل قبل أن يفتك بهم الحلبيون » فسمعوا 
مقاله وأقلعوا من حلب ليلا. وفي سنة 1258 ولي حلب محمد وجيهي باشا. 
ثم في سنة 1261 وليها عثمان باشا. 


غلاء شديد : 

وفيها كان الغلاء شديدا » بيع فيه شنبل الحنطة بمائة وخمسين قرشا. 
وكان قبل البيدر بخمسة وعشرين قرشا. وكان كلما اشتد البرد واقترب 
الشتاء تقل الأقوات من البلد حتى انعدمت » وهاج الناس وصاروا يأكلون 
الحشيش والعشب. ومع شدة الغلاء في الحبوب كانت بقية المأكولات 
رخيصة : فكانت قيمة رطل الأرز بثلاثة قروش وربع قرش ٠»‏ ورطل اللحم 
الخالص بسبعة قروش ونصف » ورطل التين بقرش ومثله الزبيب » ومائة 
الجوزة بثلاثين بارة. ولما اشتد الخناق بالناس ونفذت المؤنات أمر الوالي 
المحتكرين أن يفتحوا مخازنهم ويبيعوا ما فيها من الغلّة ففعلوا » واشتغلت 
الآفران وازدحم الناس عليها وبيع رطل الخبز فيها بثلاثة قروش ونصف. 
وبالجملة فإن الناس قاسوا شدة عظيمة في شتاء هذه السنة 


(1) الأجراء : جمع جرو ء وهو ولد الكلب. 


- 280 - 


بحيث بيعت عدة بنات بأكلهن إلى أن أتى الحصاد وأقبل الخير. وكانت 
السنة مخصبة وبيع رطل الخبز بأربع وعشرين بارة وشنبل الحنطة 
بعشرين قرشا. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب مصطفى مظهر باشا 
الشيروزي. 

وفي سنة 1263 حصل في حلب وباء عظيم وكثرت الوفيات حتى 
ضاق النهار على الجنائزية وصاروا يشتغلون في الليل » والتزم الناس 
البيوت خوفا من أن يدرك أحدهم الأجل وهو خارج عن بيته. وفي سنة 
4 ولي حلب كامل باشا وفيها حضر إلى حلب نامق باشا رئيس العسكر 
وأحصى عدد أهلها الذكور دون الإناث » فبلغ عددهم نحوا من ستين ألفا. 
وفي سنة 1265 وليها مصطفى ظريف باشا وفيها شخت المياه وجفت قويق 
وعين التل والعين البيضاء. ثم في شتائها وقع مطر غزير وطغى قويق 
وارتفع حتى غطى قنطرة باب طاحون جبل النهر. وفي هذه السنة أسست 
دائرة إحصاء النفوس في حلب. 


الفتنة المعروفة بقومة حلب : 

هذه حادثة عظيمة لم يحدث بعدها من الثورات الأهلية في حلب أعظم 
منها. وكان حدوثها في عشية ليلة اليوم الثاني من عيد الأضحى سنة 1266 
وامتدت وقائعها إلى نحو اليوم الخامس عشر من شهر محرم سنة 1267. 

أسباب هذه الفتنة : 


اختلف الناس في أسباب هذه الفتنة. فقال بعضهم : سببها فرس 
اغتصبها عبد الله بك البابنسي ‏ متسلّم حلب من يوسف باشا شريف زاده 
فقام أتباع الثاني على الأول للانتقام منه » وانتقلت القضية من طور خاص 
إلى طور عام » وجرى على مدينة حلب وأهلها ما جرى. 1 

قلت : حدثني عبد القادر بك بن يوسف باشا المومأ إليه وهو أدرى 
الناس بماجريات هذه الحادثة وأعظمهم وقوفا على أسرارهاء لأن والده 
أحد بطلي روايتها كما ستعرفه ‏ أن قصة الفرس كانت على غير هذه 
الصورة » وأن قضيتها لم تكن سببا لهذه الفتنة بل سببها الحقيقي غير هذا. 
قال : وأما قضية الفرس فحقيقتها أن عبد الله بك كان يملك فرسا أصيلا 
معدودا في وقته من عتاق الخيل يعرف باسم (صقلاوية ابن سودان) 


- 281 - 


وكان علي بك ابن أخي يوسف باشا ‏ مولعا بالخيول الأصائل » فطلب من 
عمه أن يستخلص له هذا الفرس من عبد الله بك هبة أو شراء » فلم تسمح 
نفس عبد الله بك أن يهبه أو يبيعه كله بل وهب عليا نصفه وقاده إليه بطوعه 
ورضاه. وصادف إذ ذاك أن عباس باشا ‏ الذي صار خديوي مصر بعد 
عمه إبراهيم باشا ‏ كان مولعا بالخيول العربية » قد أرسل إلى سائر الجهات 
التي توجد فيها الخيول رسلا جمعوا له منها عددا عظيما حتى استصفى 
منها أجناسا كثيرة من عتاق الخيل في بلاد حلب وصحاريها » وكان عبد الله 
بك معروفا عند المصريين لأنه كان متسلم حلب أيام دولتهم فيها » فطلب 
رسول عباس من عبد الله بك فرسه الذي وهب نصفه لعلي بك » فطلب عبد 
الله بك من يوسف باشا ‏ عمّ علي بك أن يبيعه النصف الآخر من الفرس 
أو يهبه إياه فأخذه يوسف باشا من ابن أخيه وقدّمه إلى عبد الله بك بطوعه 
واختياره » وهو قدمه إلى رسول عباس باشا هدية. فلما وصل إليه أنعم على 
عبد الله بلك بسيف مرصع وعباءة وسرج مزركش. قال عبد القادر بك : وقد 
رأيت السرج المذكور تحت عبد الله بلك وهو يتجول على فرسه في أثناء 
الحادثة التي نحن في صدد الكلام عليها. 

قلت : وحدثني غير واحد في بيان أسباب هذه الفتنة حديثا طويلا 
خلاصته : أن عشيرة من عشائر البادية المخيمة في جهات الجبّول تمردت 
فى هذه السنة 1266 على الحكومة وامتنعت عن أداء ما عليها من 
الضرائب فندب الوالي لإخضاعها يوسف باشا » وقصدها في عدد كبير من 
الجند والأتباع فلم يفلح وعاد بالفشل » فندب الوالي إليها عبد الله بلك فقصدها 
وليس معه سوى ستة نفر من أتباعه » غير أنه ما كاد يصل إلى مضارب 
العشيرة حتى أحدق به رجالها وأنزلوه ومن معه عن خيولهم وشدوا وثائقهم 
وهو الحدية في ار جلي و عتاملوهد معافلة الأمراء. واتضبل الكبر 
بالوالي فأمر بتجهيز حملة قوية للتنكيل بتلك العشيرة وقبل أن تخرج الحملة 
من خلت نمي خبر ها إلى العدهزة فارتاعكا واضطريت فهِدن عبد اللديك 
روعها وقال لشيوخها : لا بأس عليكم فكوا القيد عن كاتبي وأنا أكفيكم 
بطش هذه الحملة. ففكوا القيد عن كاتبه فأمره عبد الله بأن يكتب على لسانه 
إلى قائد الحملة كتابا أرسله مع ساع خصوصيّ يقول له فيه أن العتير اكد 
طاعت ودفعت ما عليها من المرتبات فلم يبق لتجريد الحملة عليها من 
ا ' 
ثم إن العشيرة فكت القيود عن عبد الله بك وعن أتباعه وتداركت جمع 
ما عليها من 


- 282 - 


المرتبات وقدمتها إلى عبد الله بك » واعتذر شيوخها إليه عما أجروه معه 
ومع أتباعه من الأسر والتقييد وأفهموه أن السبب الذي حملهم على ذلك 
كتاب ورد إليهم من يوسف باشا قبل قدوم عبد الله عليهم يقول لهم فيه : إن 
عبد الله بك قادم عليكم ليخدعكم ويوقعكم في قبضة الحكومة لتنكّل بكم 
فاحذروا منه. ثم أبرزوا له الكتاب فقرأه كاتبه فوجد فحواه طبق ما قالوا. ثم 
إن عبد الله بك ودع العشيرة وقفل راجعا إلى حلب وقبل وصوله إليها خرج 
وآلوا عليه أن يدخل المدينة من باب النيرب » فدخل منه بهذه الأبهة الزائدة 
إرغاما لزعماء هذه المحلة الذين هم أتباع يوسف باشا » ومشى أمامه أتباعه 
وهم شاكو السلاح ينشدون الرّجلات الحماسية المشتملة على تهاني زعيمهم 
بعوده من سفره سالما غانما » وعلى التنديد بيوسف باشا وفشله فى سفره 
والحط من كرامته. فشق ذلك على أتباعه وأضمروا في نفوسهم الشر لعبد 
الله بك. وبعد أيام تجمهروا في عشية الليلة المذكورة وقصدوا الإيقاع بعبد 
الله باك وجرى منهم ما جرى كما سنبينه قريبا. 

قلت : هذه الحكاية تشتمل على عدة أمور يستبعدها العقل السليم : 

(1) يستبعد العقل من يوسف باشا داهية عصره أن يطوّح بنفسه 
ويرسل هذا الكتاب إلى جماعة من العرب البسطاء الذين لا ينبغى للعاقل أن 
يأمنهم على سره لا سيما وقد سبق منه قصده إياهم للإيقاع بهم فكيف 
يتصور العقل ائتمانهم على كتابه وعدم إيصاله إلى الوالي الذي يكون أدنى 
جزائه عنده النفى؟ 

(2) يستبعد العقل أن يتجرأ أتباع يوسف باشا في ليلة الحادشة على 
الإيقاع بعبد الله بك وهم يعلمون أن أتباعه أكثر منهم عددا وأقوى شكيمة . 
وأن عرب البادية كلهم أنصاره وأعوانه. 

(3) يستبعد العقل انتقال القضية فجأة من طور خاص وهو قصد 
الإيقاع بعبد الله بك إلى طور عام وهو تهديد سلامة البلد وإحداث ما كان 
فيها من الويل والنكد. 

(4) يستبعد العقل أن يكون أتباع عبد الله بك الذين جاؤوا للدفاع عنه 
في تلك الليلة قد اتفقوا مع أعدائهم أتباع يوسف باشا في هذه البرهة من 
الزمن » وصاروا جميعا يدا واحدة بإثارة هذه الفتنة العامة على غير رضاء 
من عبد الله بك. 


- 283 - 


السبب الحقيقي لهذه الكارثة : 

إذا علمت هذا تبين لك أن السبب الحقيقى لهذه الفتنة العمياء غير 
قضية الفرس وغير حكاية العشيرة » بل السبب الصحيح أمر مستور دبّر 
بليل خفيّ على الناس في وقته فصاروا يرجمون به الظنون » وكل يتكهن 
عنه حسب عقليته وحسبما شاهده من ظواهر الماجريات دون البحث عن 
بواطنها. ٠‏ 

إن السبب الحقيقي لهذه الكارثة قد بالغ من أوثق عقدته في ستره 
وإخفائه » وأسدل عليه حجبا كثيفة من الكتمان صونا لحياته » إذ لو كشف 
الستار عنه في تلك الأيام لما أحجمت الدولة قيد لحظة واحدة عن قتل ناسج 
برده ونافخ ناره. وإليك في بيان الحقيقة جملة استخلصتها من كلام 
المكانسي الذي كان في ذلك الزمن من خاصة الرجال المنتمين إلى يوسف 
باشا شريف » المخلصين في محبته والمطّلعين على أسراره. 

قال : إن الدولة المضرية لما دخلت هذه البلاد أناطت متسلمية حلب 
بعبد الله بك البابنسي » وهو من قدماء اليكجرية وله أتباع كثيرة في حلب 
وبرّها ء فكان عبد الله بك يأخذ المقاطعات الأميرية ويصرف أموالها على 
أتباعه وأعوانه من الحضر والبدو » والحكومة المصرية لا تعارضه فى 
ذلك وال تظاليه وأمودال#المقاطعات لعلمها يان ضير فيا الى أشباعة ينا يود 
نفعه إليها » فكأنها كانت تعتبر أتباعه كجند لها. ثم لما انسحبت الحكومة 
المصرية من حلب وعادت إليها الحكومة العثمانية أبقت متسلّميتها في عهدة 
عبد الله بك » فكان يأخذ المقاطعات ويصرف أموالها على أتباعه كما كان 
معتادا عليه في عهد الحكومة المصرية. غير أن الحكومة العثمانية لما رسخ 
قدمها في حلب وغيرها من البلاد التي عادت إلى حكمها جعلت تطالب عبد 
الله بك وبقية رؤساء البلاد ‏ ومنهم يوسف باشا ‏ بما تأخر في ذممهم من 
أموال المقاطعات ٠‏ وهي مبالغ طائلة تعد بألوف الألوف » وكان جل ثروات 
رؤساء البلاد مجموعة من تلك الأموال ؛ وكان ولاة حلب يتقاضون 
الرؤساء هذه الأموال فيما طلونهم بأدائها فيتساهلون معهم ولا يشددون في 
طلبهم » إلى أن ولي حلب مصطفى ظريف باشا فرأى أن أموال المقاطعات 
المتأخرة في ذمم الرؤساء قد بلغت ألوفا مؤلفة » وأن الدولة في ذلك الحين 
على أشد الحاجة إلى المال فجعل الوالي يشدد على الرؤساء الطلب حتى بلغ 


من تشديده أن هددهم ببيع أملاكهم وحبسهم وكسر شرفهم. فاضطربوا 
وذلت 


- 284- 


أنفسهم فمنهم من وفى شيئا من ديونه وعجز عن وفاء الباقي عليه » ومنهم 
من لم تسمح نفسه بوفاء ديونه التي تستغرق ثروته وهو يوسف باشا. 

وأما عبد الله بك فقد كانت ديونه أكثر من ديون جميع المدينين لكنه 
ليس عنده ما يفى بعشرها ء لأنه كان كما قيل - نهابا وهابا. فاضطرته 
الحالة أن يستعين بذي رأي وتدبير على إيجاد وسيلة تدفع عنه هذه الغائلة . 
فلم يركفؤا لهذه المهمة غير يوسف باشا . فحضر إليه سرا وبعد أن تعاتبا 
وطرحا ما كان بينهما من التعاكس والتشاكس - اللذين تتطلب وحدة 
المصلحة طرحهما ‏ تذاكرا في التماس وسيلة تدفع عنهما هذه المهمة 
المدلهمّة » فقر رأيهما على أن يدبرا إحداث ثورة إرهابية وقتية تضطر 
الوالي إلى أن يستعين بهما إلى إطفاء نائرتها » وعندها يرى من واجبه 
مسامحتهما بأموال المقاطعات المتأخرة بذمتهما. فقررا أن يذاع سرا بين 
الناس ‏ بواسطة دهاة من سماسرتهما ‏ تصميم الحكومة على أخذ عسكر 
بالقرعة » وإضافة ضريبة الأملاك المعروفة في تلك الأيام باسم (ترابيّة) 
وأن يجسّم ضرر هاتين البدعتين في أفكار العامة من أتباعهما تجسيما 
يحملهم على أن يثوروا في طلب رفضهما من تلقاء أنفسهم دون أن يدعوهم 
إلى الثورة أحد » تفاديا من وقوع تبعة الثورة على فرد معين. 

قال المكانسى : وقد جرت هذه التدابير كلها من عبد الله بك ويوسف 
باشا على صورة خفية جدا » بحيث كان الثائرون أنفسهم لا يعرفون سببا 
لشورتهم سوى معارضتهم لتصميم الحكومة على أخذ القرعة وإضافة 
ضريبة الأملاك » وهم يجهلون كل الجهل اليد المحركة لثورتهم » وأن 
يوسف باشا وعبد الله بك لم يقصدا في تدبير ما دبّراه سوى ثورة بسيطة 
إرهابية لا تبلغ درجة التفاقم وتصل إلى الحد الذي وصلت إليه » ولو أنهما 
علما بما تجرّه هذه الثورة من الفظائع والمصائب وتعقبه من طائل 
المحبة ولية > لما كان افتز فاها 6 غير أنهها لما وضلت إلى هنا وصضلة اليدمين 
الخطورة والتضخم لم يبق في قدرتهما منعها. 

كيف كانت الثورة؟ : 

بعد عشاء الليلة الثانية من عيد الأضحى سنة 1266 تألب جماعة من 
العوامٌ وزعمائهم في سوق باب النيرب » وعولوا على إحداث ثورة ضد 
الحكومة. واأول عمل باشروه أنهم قصدوا جماعة الدرك في مخفرة باب 
الحديد » وهددوهم بإطلاق عيارات نارية اضطرت 


- 285 - 


جماعة الدرك إلى الهرب منهم والالتجاء إلى الرباط العسكري (القشلة). 
ونمي الخبر إلى الوالي فحضر إلى محل الثوار بنفسه لإخماد ثورتهم » لكنه 
لما رأى جموعهم تجاه جامع التوبة » وما هم عليه من العربدة والهيجان 
و(إطلاق الرضنامن» قاله,الخطدةو اتعيوف عنهم ولنيان كاله يقول : 
الهوزيمة نصف الغنيمة. ولو أنه أظهر لهم الثبات وسطا عليهم بعض السطو 
لفلت جموعهم وكفي شرّهم » لكنه لما قدم عليهم ظنوه هو ومن معه جماعة 
العسس 2 » ولم يعلموا أنه هو الوالي إلا بعد انصرافه. فلما علموا بخوفه 
ورخاوته زاد شغبهم وقويت نفوسهم. 

وفي نحو الساعة الثالثة من الليلة المذكورة مشوا بطبولهم وزمورهم 
إلى محلة الفرافرة ليوقعوا ببعض الأعيان لأنهم لم يدفعوا عنهم غائلة 
البدعتين المذكورتين » مع قدرتهم على دفعهما على زعمهم. وكان الأعيان 
قد بلغهم قيام هؤلاء الغوغاء فتركوا منازلهم والتجئوا إلى الرّباط العسكري. 
ولما وصل الثائرون إلى محلة الفرافرة لم يجدوا في منازل الأعيان سوى 
الحريم والخدم فرفعوا أصواتهم بالسب والشتم وأطلقوا بعض العيارات 
النارية » ثم توجهوا إلى محلة قارلق لمواجهة عبد الله بك ومطالبته بدفع 
البدعتين المذكورتين » لأنه هو متسلم البلد وهو المسؤول عن دفع الحيف 
والظلم عن أهلها. وبينما هم عند سبيل الدلي محمود في قرب بانقوسا إذ 
تقابلوا مع تقي الدين أفندي المدرس. حدثني خادمه محمد آغا الفراش - وقد 
وظف بعد فراشا في المدرسة العثمانية وكنت مجاورا فيها ‏ أن الثائرين لما 
قبضوا على تقي الدين أفندي قال : وكنت معه ‏ أضجعوه إلى الأرض 
وأراقو] ذبحه: فقال يعضهم يحرم امتهان دم العالد وإناقنه على الأرض 
كدم شاة. ثم تجرّد القائل من عباءته ومذها تحت تقي الدين وقال : اذبحوه 
فوقها. وبينما هو يستعيث بهم ويطلب منهم الكت عنه إذ مرّ بهم الشيخ أحمد 
شنون ‏ المعروف بالحجار - فتشفع به فعفوا عنه. قال خادمه محمد آغا : 
وقد أثر الرعب في تقي الدين حتى قطع نسله. ' 

ثم إن الثوار أخذوا معهم تقي الدين إلى عبد الله بك ليرى رأيه فيه. 
قلمااوصاوا. إليه انكر عليهع عملي وبع به إلى الرزباط التسكري ومع مين 
يحفظه وقال عبد الله بك للثائرين : ما ذا تريدون؟ فقالوا : لا نعطي عسكرا 
ولا ضريبة » وأنت في قدرتك إبطال ْ 


(1) العسس : الحرّاس الذي يطوفون ليلا » يحرسون الناس » ويكشفون عن أهل الريبة. 


- 286 - 


هاتين البدعتين. فأجابهم بأن هذا مما أمرت به الدولة ولا قدرة لي على رذه. 
فقالوا : إذا نحن نحارب الدولة ونجبرها على إبطالهما. فقال لهم : أنتم قوم 
فجّار » اذهبوا عني حيث شتئتم. وكان قد انضم إليهم أتباعه وأحزابه فقالوا 
له : نريد أن نقصد النصارى ونطلب منهم مالا نشتري به ذخيرة لأن 
النصارى يشاركوننا بالاستفادة من نتيجة قيامنا » فتسقط عنهم أيضا ضريبة 
الأملاك وغيرها من الضرائب التي تصمم الدولة على طرحها. فقال لهم : 
أنتم قوم أشرار اذهبوا عني حيث شتتم. فتوجهوا إلى جهة محلات النصارى 
وقد كثر جمعهم وانضم إليهم البدوي والقروي وعلت ضوضاؤهم وهم 
يضربون طبولهم وينشدون زجلاتهم ويرفعون أصواتهم بقولهم : (عسكر 
ما نعطي فردي ما نعطي). 

ولما وصلوا إلى محلة الألماجي والماوردي قصدوا بطريرك طائفة 
الروم مكسيموس مظلوم وأرادوا القبض عليه لأنه كان منذ أيام إبراهيم باشا 
المصري وما بعدها يدور أحيانا بشوارع حلب وهو راكب بأبهة زائدة 
وشوكب خالل » يتلقن المسلتون هده ذلك كإر قا ليم عمال علمهه + فكاترا 
ينقمون عليه هذا الصنيع ويحملونه منه على قصد إهانتهم. ولما أحمن بقدوم 
الثائرين على محلته هرب منها إلى خان العلبية واختبأ عند بيت الركوبلي » 
ثم سافر من غده. أما الثوار فقد أخذوا بإطلاق الرصاص وتكسير الأبواب 
والنهب في محلة الألماجي والماوردي إلى قرب طلوع الشمس ثم توجهوا 
إلى هحلة الصانية #روكان عيد- اللدبك قد أرسل إلى أكادر ها يطلب متهم الف 
ذهب عثماني بشرط ألا يتعرض لهم أحد بسوء. فلم يجيبوه على طلبه وقالوا 
: إن أصابنا ضرر طلبنا تعويضه من الحكومة فعلام ندفع للشوار ألف 
ذهب؟ وحينئذ دخل الثوار إلى محلة الصليبة وشرعوا بتحطيم الأبواب 
والنهب . وكان أكثر أغنيائها قد تركوا بيوتهم وتحصنوا بالخانات مع 
عيالهم » ومنهم من أخذه لبيته بعض معارفه من المسلمين وحماه عنده » 
ومنهم من دعا إلى بيته بعض أصحابه من المسلمين ليحامي عنه » فسلمت 
بذلك بيوت كثيرة وسلم من كيد القوار عدة جهات كحارة المحبّي 
والشرعسوس , لأن بعض سكانها كانوا من وجهاء المسلمين فدافعوا عن 
جيرانهم النصارى فلم يصب أحد منهم بسوء. 

لم يزل النهب مستمرا ومتعاطوه في كثرة وازدياد حتى انضم إليهم 
الفلاح والبدوي ورعاع الناس من أهل حلب » وكان يتقدم الشائرين طبل 
لتجميع الناس إليهم فكانوا كلما مروا على رجل ولم يتبعهم أوسعوه ضربا 
وسبا. وأخبرني بعض تلامذة والدي أن والدي 


- 287 - 


بينما كان واقفا على باب مسجد أشقتمر ‏ المعروف بجامع السكاكيني - إذ 
مرت عليه شرذمة من الثوار فنادوه : «شيخ امشي معنا». فقال لهم : 
اسبقوني حتى ألبس ثيابي وألحقكم. ثم دخل إلى الجامع وأغلق بابه ولم 
يخرج منه إلا بعد أيام. هذا وإن النهب لم يزل يجري أحكامه إلى اليوم 
الثاني عشر من شهر ذي الحجة وكان البدوي قد ينهب الشيء من أثاث 
المثر ل وهو ل يعوفة ميا ذا بر ادنان استماله :و صيوافف إن توا تيب 
ساعة دقاقة ظنها صندوقا فيه نقود » وبينما هو سائر بها إذ دقت الساعة 
فارتاع منها وحسب أن فيها جنيا فبصق عليه! وطرحها إلى الأرض 
فتحطمت. ورأى بدوي في بعض البيوت كيسا فيه لؤلؤ ظنّْه رزا فحمله فلما 
كان في أثناء الطريق ذاقه فلم تقطعه أسنانه فحسبه خرزا فرماه إلى الأرض 
فتبعثر وسحق تحت الأقدام. 

فى الجوع القاني هنون هين ذي)الحكة نفك افيف أن الأعياك 
والحكومة أرسلوا إلى زعماء الثائرين يؤمنونهم مما يخافون » ويتعهدون 
هيما يطلبون, .وفي"اليوم :الثالك عدن من.هذا الشسهر كركين الرسل بين 
الطرفين واستقرت القاعدة على أن يكون عبد الله بك هو المفوض بالأمور ». 
وأن تستثنى حلب من القرعة العسكرية ومن عدة ضرائب أميرية » وأن 
يسامح عبد الله بك ورفقاه من أموال المقاطعات المتأخرة في ذممهم » وأن 
لااسوق التضياوم اماف العييت المساسية :وان بمتادواءحين المستامية 
بعلامات فارقة » إلى غير ذلك من الطلبات والاقتراحات. والذي اضطر 
الحكومة أن تجيبهم إلى ما طلبوا خلوٌ القلعة والرباط العسكري من الحامية 
» إذلم يكن موجودا فيهما سوى مائتي جندي. وبعد أن استقر الصلح على 
الشروط المذكورة أقام الثوار سلطانا عليهم ابن حميدة » فجعل وزيره عبد 
الله بك وصار ابن حميدة يأمر وينهى كسلطان قاهر. وكان الأعيان 
والويكفاء قد نر لوا مق الرياط إلى نكية يان قئره' ».و يقن الوالي: فني ليناد 
لشدة جبنه وخوفه. 

ولم يقتل من النصارى في هذه الحادثة سوى خمسة نفر قتلوا لا عن 
كسيد انتقام ستوى:واحد:منهم.: فالأول ل 
حفظ أمانات للكنيسة كانت عنده فقتل وأخذت الأمانات الخافي؟ ١‏ 
الفقسكين المتر قي اعت رق يقت كقيدة امار بان نيعا ليا لاق لحر 
معكلمها :كان المسيت تاهر اقها تتمانن موكل يحفظ ما فبيامة الكثان 
الفضية فسرقها وألقى النار فى الكنيسة وادعى أن النار هى التى أتت على 
الكثار. الثالث + رجل يقال له ابن التصباب :رعو الذي قل جني | الا كال 
يؤذي المسلمين بما كان يجريه 


- 288 - 


من التيه والعجرفة والازدراء بهم وسبّهم وشتمهم » مستندا في ذلك على أنه 
كان من عساكر النمسا. الرابع والخامس : نعمة الله الحمصي وخادمه. أما 
نعمة الله فسبب قتله أن عبد الله بك حينما أرسل إلى أهل محلة الصليبة 
يطلب منهم ألف ذهب رضي أكثرهم بإعطاء هذا المبلغ وأرادوا تقديمه إليه 
فمنعهم عن ذلك نعمة الله » وأجاب رسل عبد الله بك بما تقدم بيانه. فقتل 
وقتل خادمه معه لمحاماته عنه. 

بعد أن تم الصلح على الشروط المتقدم ذكرها كتب الوالي بالخبر مع 
بريد خاص إلى الآستانة. وكان قد أنفذ الرسل إلى حكام أنطاكية وأذنة 
وعينتاب وأغوات العمق يطلب منهم الإمداد وإرسال ما تيسر لهم من 
العساكر. فما مضى على ذلك سوى بضعة أيام حتى أخذت العساكر 
والمتطوعون من فرسان ومشاة يتواردون من الجهات المذكورة من جهة 
سيورك . فيدخلون القلعة والرباط خفية حتى اجتمع فيهما قوة كافية لخذل 
البغاة وكبتهم. وحينئذ كتب الوالي والأعيان إلى عبد الله بك بأن يحضر إلى 
دار الحكومة زعماء الثائرين ليعطيهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ويحرر 
أسماءهم في دفتر يرفعه إلى الدولة لتقرر كل واحد منهم بوظيفته ويستقر 
الحال على ذلك. فأجابهم عبد الله بك إلى هذا الطلب وعيّن لهم اليوم الذي 
يجمع فيه الزعماء المذكورون ويعمل فيه هذا العمل. 

وكان الوالي والفريق عبد الكريم باشا انتخبا نحو مئة وخمسين 
عسكريا من ذوي البسالة والنجدة وسيّراهما 2 ليلا إلى دار بني الجلبي 
حيث كان يسكن الوالي » وهي اليوم تعرف بدار العدلية داخل دار الحكومة 
يخرجوا بغتة ويحيطوا بكل من رأوه في دار الحكومة ويوقعوا القبض عليه 
ويسقوه © إلى الرباط العسكري. فلما كان الغد وهو يوم الثلاثاء رابع محرم 
الحرام سنة 1267 حضر الزعماء المذكورون إلى دار الحكومة ليأخذوا 
الأمان وتحرر أسماؤهم على الصفة المتقدم ذكرها. سرى الخبر إلى 
العساكر المخبوءة بدار بني الجلبي فأسرعوا الكرّة بأسلحتهم » ولم يشعر 
الزعماء إلا والعساكر قد أحاطت بهم وخالطتهم وأوقعت القبض عليهم 
ومشت بهم إلى الرّباط وأودعوهم فيه » وكان من جملتهم عبد الله بك. ولما 
اتصل الخبر 


(1) الصواب : وسيّراهم. وضمير الجمع للعساكر. 
(2) أي يحملوه » يقال : وسقه يسقه » أي جمعه وحمله. 


- 289 - 


بأتباعهم وحواشيهم وبقية أحزابهم قامت فيهم الحمية الجاهلية وهاجوا 
وماجوا وأخذوا يطلقون الرصاص على الرباط والقلعة » وذلك في صبيحة 
يوم الأربعاء خامس محرّم هذه السنة 1267 فقابلهم الجنود بإطلاق البنادق 
والمكافع واقنتفت الخر ب :وكانك من الرياط اشد» وكل من الحصكين 
صوّب أفواه مدافعه على محلة النيرب ومحلة قارلق وبانقوسا. وكان كثير 
من سكان هذه المحلات قد لجؤوا إلى المحلات الداخلة في البلد لأنهم لم 
يكونوا من حزب الثوار. 

وها تال الخال سافر .على :ةا المفوران إلى كليو ة الليوم المنذكوو قله 
أخذت الحرب تخف حسب اشتداد الحرّ وبقي الحال هكذا إلى وقت العصر. 
وقد أظهر الجنود أنهم قد انكسروا لعلمهم أن الثائرين يقاتلون من غير 
رئيس يقدّم لهم الذخيرة من البارود والرصاص ؛ فقصدوا بإظهار الكسرة 
أن يستصفوا ما عند الثوار من الذخيرة. وفى تلك الأثناء تسلق جماعة من 
الثوار سطح الجامع الخسروي ء وقلعوا ألواح الرصاص الذي صفحت به 
القبة ليصبوه بندقا. ولما كان بعد العصر سكن إطلاق الرصاص من 
الجانبين المتحاريين وعركن أعيان.البد :الصاح عليهما فرطنا بض وقرات 
في أحد مجاميع والدي أنه لما كان بعد غروب هذا اليوم (يوم الأربعاء) 
أقبلت العربان على حلب من فرق شتى كالعنزة والحديديين والبقارة 
والعساسنة وغيرهم » ما ينوف على أربعة آلاف رجل نجدة للثوار » فقويت 
نفوس الثائرين ونكثوا عن الصلح. 

وفي صبيحة الغد وهو يوم الخميس سادس محرم هذه السنة (1267) 
نشبت الحرب بين الفريقين وحمي وطيسها » وصبر كل منهما للآخر. 
واستمر الحال هكذا إلى وقت الظهر » فتقهقر الثوار ودهشت العربان ثم 
عوّلوا على الفرار » وانكسر الثائرون كسرة شنيعة وانحلت جموعهم. 
فنزلت العساكر من الحصون في أآثر الثوار وأسعرت النار في سوق 
بانقوسا وسوق باب النيرب وقارلق » فالتهمتها النار عن آخرها بعد ان غنم 
الجند أكثر ما فيها من الأموال والبضائع وألقوا النار في كثير من بيوت 
المنهزمين وقتلوا عددا كبيرا من الثائرين وغيرهم الذين لا دخل ولا تصنّع 
لهم يإحدات الفتنة..وكانوا يقثلون كل من صادفوه حتى العميان والأولاد 
الصغار. وهكذا أخذ المظلوم بجريمة الظالم. وهذا مصداق قوله تعالى 
(وَاتَقُوا فثنّةَ لا نُصيبَنٌ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةَ). وكان أكثر القتل في رجال 
تلك المحلات ووقع القبض على كثير منهم وكسبت بيوتهم وبيوت أخر 
اكقيك ) أفييها ذاخل 


- 290 - 


البلدة » وتبعتهم العساكر إلى القرى يقبضون عليهم وينكّلون بهم تنكيلا. اه. 

قال صاحب كتاب «محررات نادرة» التركى العبارة ما خلاصته بعد 
التعريب : لما وصل خبر هذه الحادثة إلى استانبول انعقد في اليوم الخامس 
والعشرين من ذي الحجة هذه السنة 1266 مجلس خاص لتلافي ما يقتضيه 
الحال في هذه الحادثة. وبعد مفاوضة طويلة استقرٌ رأي المجلس على 
إرسال أربعة كتائب (طوابير) من العساكر : اثنتين منهما من عساكر 
استانبول » واثنتين 27 من العساكر ؛ لأنه لا يوجد سوى هذين العسكرين 
صالحا للإرسال إلى حلب »؛ لأن جميع عساكر الدولة في ذلك الوقت كانت 
مشغولة بما هو أهم من هذا. ولما استقرٌ رأي المجلس على إرسال تلك 
العساكر كانت بواخر الدولة المعدة لحمل العساكر والأعتاد الحربية مشغولة 
» بعضها مسافر وبعضها متصذع » وقسم منها في محافظة المواني. 
فاضطرت الدولة أن تنتظر باخرة من بواخرها إلى أن حضرت فأرسلت 
فيها العساكر المذكورة ومعها ستة مدافع » وعزلت والي حلب ظريف باشا 
وعينت 'بذله محمد باننا البرصي» وترجه مع الناكن فرصل إلى حلب 
في محرّم سنة 1267 وكانت الأمور قد هدأت وشمل البغاة قد تشتّت. 

ومع هذا فإن محمد باشا أخذ من يوم وصوله إلى حلب يستقصي 
حقائق الأمور ويفحص عن السبب والمتسبب » حتى ظهرت له جلية الحال 
فنفى نحو 800 شخص إلى جهات مختلفة ‏ كعقًا وكريد وقبرص - وأمر 
المكانسي » وأعلن أن المال المتحصّل يدفع لذويه بعد أن يبرهنوا عليه ؛ 
وأن ما لم يتحصل من أموالهم تقدر له قيمة وتوزع على أهل البلد وتجمع 
منهم بواسطة الحكومة . كما أنها هي التي توزع القيمة على النصارى 
الذين لا تظهر أعيان ما نهب لهم من الأموال في هذه الفتنة. وبعد أن فرغ 
الزالي عن تير .هدم العيمة شوع تاخد السكردن نوي الاكتاد لد 
قرعة » ثم شرع يأخذ العسكر بالقرعة الشرعية من عامة أهل البلدة » وهي 
أول قرعة كانت في حلب أيام الدولة العثمانية. ومازال الوالي يدبر أمور 
البلدة ويقطع دابر المفسدين حتى استتبٌ الأمن وعادت المياه إلى مجاريها 
أه 

قال شيخنا المكانسي : وقبل وصول محمد باشا القبرصي إلى حلب 
صدر أمر الدولة 


(1) كذا » والصواب : «أربع كتائب ... اثنتان منها ... واثنتان ...» 


- 291 - 


بإرسال ظريف باشا والي حلب وعبد الله بك البابنسي ومعه بعض أقاربه 
إلى استانبول » فأرسلوا إليها. وبينما هم في الطريق مات عبد الله بك 
مسموما » وقيل مات حتف أنفه. ثم إن والي حلب الجديد نفى تقي الدين 
أفندي إلى القدس. وقبل وصوله إليها عفت الدولة عنه » فسار إلى الحجاز 
وحج وتوجه إلى استانبول واستقر في منصب إفتاء حلب , فعاد إليها. ونفى 
والي حلب أيضا يوسف باشا إلى قونية فسار إليها. ثم صدر العفو عنه 
فتوجه إلى استانبول ومنها إلى حلب. وقد حاز على رتبة مير ميران. 

انتهى ما قصدنا إلى إيراده من أخبار فتنة حلب 2 وقد أسهبت الكلام 
عليها خلافا لما ألزمت به نفسي من الإيجاز في غيرها من الحوادث 
والكوارث ؛ لأن هذه الفتنة الفاجعة آخر الفتن الأهلية في حلب » ولأن 
التحدث بها لا يزال يدور على الألسن بين حين وآخر لقرب عهدها بكثير 
من الناس الذين كان آباؤهم يحدثونهم بنتف من أخبارها وهم في توق شديد 
الى ستماغها مفضلا: 


استطراد في الكلام على احترام رابطة اللسان 


ورابطة الجوار عند أمة العرب في جاهليتها وإسلاميتها 

إن قيام التو غاء:في :هذه الحائكة .على التطبارى < لقو انهم باللبجنان 
والجوار ‏ مما لم يسبق له نظير من يوم فتح المسلمون مدينة حلب إلى يوم 
ظهور تلك الحادثة. فما كان قيامهم هذا بالحقيقة إلا نزعة شيطانية أثارها 
في أدمغتهم عاصفة الطيش والجهل » الذي 27 يأباها الدين وترفضها حقوق 
رابطة اللسان والجوار. 

إن كل من يتصفح وجوه التاريخ ويستقصي أخبار العرب في جاهليتها 
وإسلاميتها يتضح له جليا أنه لا يوجد على وجه البسيطة أمة تضاهي أمة 


العرب من جهة احترامها الرابطة اللسانية وحقوق الجار : 

الرابطة اللسانية : 

أما الرابطة اللسانية فقد جعلتها الأمة العربية هي الجامعة الوحيدة 
للوحدة القومية التي 


(1) الصواب : «التي» » صفة للعاصفة » وكما يتبيّن من بقية الجملة. 


- 292 - 


تدعو الأمة إلى التحابب والتوادد والتناصر والتعاضد . بحيث يكون كل فرد 
من أفراد هذه الأمة راقدا بواسطة هذه الجامعة في مهاد الوفاق والوئام مدع 
باقي إخوته العربيين مهما اختلفت مللهم ونحلهم. فقد يتجلى لك من ملامح 
وجوه التاريخ أن العرب المسيحيين والموسويين والوثنيين في البلدان 
والقرى والصحاري » من اليمن والحجاز والحيرة والعراق » والجزيرة 
والشام الجنوبية والشماليّة » كانوا في الأزمنة الغابرة رائغين مع بعضهم في 
بحبوحة الأمان والسلام على السواء » وكانوا لا يعرفون التعصب للدين ولا 
النعرة الدينية » بل كانت عصبياتهم لا تنعقد إلا للجنسية والحلف والولاء 
والجوار »كما أن الحرب التي تقع بينهم كانت لا تشور إلا بسبب التنافس 
على مادة الحياة والتنازع على الرئاسة » لا لاختلاف الملة والدين. فكانت 
قبيلة غسان مثلا فيها المسيحيّ والموسوي والوثني . تحارب قبيلة غفار 
التي يوجد فيها من الملل الثلاث لعداوة دنيوية أو تنافس قومي يقع بين 
القبيلتين ليس إلا. ولم ينقل إلينا التاريخ أنه جرى بين أمتين عربيتين حرب 
اثارتها حمية دينية سوى الطفيف النادر الذي ربما كان سببه أمرا خارجيا 
عن العرب » صادرا بتحريض من جاورهم وملك السيادة عليهم من الأمتين 
الفارسية والرومية. 

هكذا كانت الرابطة اللسانية مرعيّة عند الأمة العربية القحطانية 
والعدنانية. ثم لما جاء الإسلام بقيت هذه الرابطة محترمة بين العرب 
المسلمين وغيرهم » يعتمد العربي على العربي ويركن إليه لمجرد كونه 
عربيا » غير ناظر إلى ملته ونحلته. حتى إن هذه العاطفة العالية كانت من 
جملة العواطف الشريفة التي تحلت بها شمائل النبي العربي محمد بن عبد 
الله بن عبد المطلب صلَّى الله عليه وسلّم » فإنه لما اضطهده قومه الأقربون 
حسدا وحرصا على الرئاسة اضطر إلى الهجرة عن وطنه والالتجاء إلى 
قوم آخرين يأوي إليهم ويستنصر بهم على أعدائه » فخيّر بالهجرة إلى 
البحرين أو المدينة أو قنُسرين » فقال : أوحي إليّ : أي الثلاثة نزلت فهي 
دار هجرتك : المدينة والبحرين وقنُسرين, 00 ْ 

ومعلوم أن هذه الجهات كانت مسكونة بالعرب ؛ فالمدينة كانت مأوى 
أبناء قبيلة الأوس والخزرج » وكان يسكن في ضواحيها قبائل سليم وكلهم 
أهل أوثان » وكان القاطنون جهة البحرين بطونا من عبد القيس بن ربيعة 
وبكر بن وائل ٠‏ ومنهم كان أمير هذه الجهة من قبل الدولة الفارسية ‏ حين 
مجيء الإسلام ‏ المنذر بن ساوى » من بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن 
تميم » وكان فيهم النصراني والوثني. أما قنُسرين ‏ وهي الآن قرية 


- 293 - 


على مقربة من حلب وكانت بلدة عظيمة وإليها كان يضاف الجند فيقال جند 
للسوين اسيك سد ركو ار د 
وهدامن درية التعمان الدي تحناف إلينه المغرة + وكانوا تصبارى. ولااريب 
أن النبي لم يخيّر بالهجرة إلى إحدى هذه الجهات إلا لأن أهلها عرب 
يحدبون عليه وينصرونه على أعدائه قياما بحق الرابطة المرعيّة بينهم 
وهي وحدة اللسان. 

وهكذا بقيت هذه الرابطة محترمة بين العرب بعد انتقال النبي من هذه 
هو أعظم خلفاء الإسلام ‏ احترم الرابطة اللسانية وبنى عليها صرح نجاحه 
فيما يتوخاه من ماربه ومقاصده » فأمر العرب المسلمين في مبدا خلافته أن 
يبدؤوا بقصد العراق والشام دون غيرهما لأن فيهما عربا يتحدون معهم 
وينصرونهم وإن كانوا على غير دينهم. وقد صذقت الوقائع حسن رأيه 
وحققت الماجريات صحة تفرّسه » وذلك أن قائده الوليد بن عقبة لما قدم 
على عرب الجزيرة نهض معهم مسلمهم ونصرانيهم » واستخلصوا 
إلى فتح تكريت والموصل انضم إليه عرب إياد وتغلب والنمر والشهارجة » 
البويب بعث إلى من يليه من العرب المنتصرة يستنصرهم » فوافى إليه 
منهم جمع عظيم » وكان فيمن جاءه أنس بن هلال النمري في جمع عظيم 
فن"النمر انسار وقالو ا *انقاكل هع كررمنا ,كال لمق لأشدن #«إفنك 
امرؤ عربي وإن لم تكن على ديننا » فإذا حملت على مهران (وهو قائد من 
القرين) فاحمل مهي ذاحانة إلى ما عطلت وحم ويف حورو ذرمه على ونان 
»؛ وكان قاتل مهران غلاما نصرانيا قتله واستولى على فرسه. وحارب زبيد 
الطائي مع العرب في واقعة الجسر حتى قتل وكان نصرانيا. 

وكثيرا ما كان عرب الشام والعراق عونا لإخوانهم العرب المسلمين 
في حروبهم يرشدونهم وينصحونهم ويحملون إليهم أخبار اعدائهم. من ذلك 
أن الوليد بن عقبة خرج غازيا إلى الروم فجاءه رجل من العرب النصارى 
رفاك 440 إلى لسك هري دوكر و لكنكى نمك 2 للسنيت 5ه الققة انار نكم ردير 


(1) من الصحابة » والقوّاد في الفتوحات الإسلامية أيام الخليفة عمر بن الخطاب. 


- 294 - 


هربوا وتركوكم. ومن هذا القبيل أن حمص بينما كانت في ذمة المسلمين إذ 
شغلوا عن حفظها فردوا على أهلها ما كانوا أخذوه منهم من الجزية » فقال 
أهلها : لولاؤكم () وعدلكم أحبٌ إلينا مما كنا فيه من الظلم والضيم » 
ولندفعنٌ جند هرقل عن المدينة معكم. على أن الخليفة عمر بن الخطاب 
رضي الله عنه عرف حق هؤلاء العرب النصارى وكافأهم على حسن 
صنيعهم ونصرتهم للمسلمين وعاملهم بكل رفق ومواساة. من ذلك أن الوليد 
بن عقبة ابى أن يقبل من تغلب إلا الإسلام فكتب إليه عمر بان يتركهم وما 
يدينون به. وكان في تغلب عر وامتناع » وقد همّ بهم الوليد فخاف عمر أن 
يسطو عليهم فعزله وأمرّ عليهم فرات بن حيان. ولما همّ قواد المسلمين أن 
يضعوا الجزية على أهل الذمة ‏ وفيهم جماعة من تغلب وإياد والنمر وهم 
نصارى - أبى هؤلاء الجزية. وبلغ عمر ذلك فاستشار أصحابه فقال له 
بعضهم : إنهم عرب يأنفون من الجزية. فوافق ذلك ما في نفسه » ففرض 
ليم اماد كا محر سي املد 

هى الرابطة القومية العربية وهذه حرمتها ورعايتها د بين العرب 
في جاهليتهم وإسلاميتهم 


رابطة الجوار : 

وأما رعايتهم حرمة الجوار ومحافظتهم على حقوق الجار مهما جار 
» فإن الرجل من العرب كان قبل الإسلام متى قبل جوار إنسان وجب عليه 
حميّة أن يجيره من عدوه ولو ضحّى عنه نفسه » وأن يفديه ولو بروحه 
ويقوم بحمايته من أعدائه مهما كانوا » ويصونه من كل غائلة ويسعفه بكل 
طلب. وحسبنا شاهدا على ما قلناه قصة الكلابي مع عمير ابن سلمّي. 
وخلاصتها أن رجلا من بني كلب كان جارا لعمير » وكان لعمير أخ اسمه 
«قرين» بغى على الكلابي فقتله » فجاء أخو الكلابي واستجار بقبر أبي 
عمير وطلب من عمير أن يقتصّ من أخيه قرين » فاجتهد عمير هو وقبيلته 
بالكلابي أن يقبل دية أخيه جميع ما تملكه القبيلة ويعفو عن قتل قرين » فلم 
يفعل » فقتل عمير أخاه قرينا بالكلابي وأنشد : 
قتللنا أخانا للوفاء بجارنا وكان أبونا قد تجير مقابره 


)01 في الأصل : «لو لائكم» خطأ. واللام هنا لام الابتداء وهي مفتوحة والاسم بعدها مبتدأ 
مرفوع. 


- 295 - 


وأنشدت أم قرين : 
تعدّمعلرالا عدر فيها ومن يقتل أخهه فقدألاما 

هذا حال الجار عند العرب الجاهلية وهذه هى حرمة الجوار ورعايته 
فيما بينهم. ولما جاء الإسلام بقي الجوار محترما عند المسلمين » وأرشد 
النبي إلى احترامه بقوله : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه 
سيور ثته». وقد قدمنا في الجزء الأول من هذا الكتاب «نبذة من حقوق 
الجوار» فراجعها تجد فيها ما يقنعك بأن الجوار عند المسلمين لا يقل 
احترامه عما كان عند العرب قبل إسلاميتهم. 


رجعنا إلى سرد الحوادث : 
وفي سنة 1268 ولي حلب عثمان نوري باشا. 


النفير العام : 

وفي سنة 1269 كان النفير العام في البلاد العثمانية لمحاربة 
المسكوب (الروس). فخرج من حلب خمسمائة متطوع , وكان قائدهم علي 
بك بن سعيد أفندي شريف. ومن جملة المتطوعين المرحوم الشيخ علي بن 
محمد النيربانى ». الشهير بابن ناصر اغا. وهذه الحرب هى المعروفة 
بحرب القريم » كانت الغلبة فيها للدولة العثمانية بمساعدة حليفتيها فرانسدة 
وإنكلترا. وقد عاد المتطوعون بعد ستة أشهر ولم ينقص منهم غير القليل 
وكان من أعظم المشوقين إلى المتطوعين الحلبيين والدي كما أخبرني بذلك 
تلميذه الشيخ علي المومأ إليه. وفي هذه السنة (1269) ولي حلب سليمان 
وأقكديانا بن مصيظقى' اغا وكات لطيقا طريفا مها العلماة والأدياف 
ومدحه والدي بقصيدة أجازه عليها توجيه وظيفة التحديث عليه في أموي 
حلت 


وصول السكاير إلى حلب : 

وفي سنة 1270 وصل إلى حلب استعمال التبغ باللفافات المعروفة 
بالسكاير » فأنكر الناس التدخين بها أولا ثم ألفها أكثشرهم وهجروا التدخين 
بالقصبات المعروفة بالغليون. وكانوا قبل ذلك يتغالون بالغلايين » والأكابر 
منهم يتخذونها من عود الياسمين » وربما بلغ 


- 296 - 


طولها ثلاثة أذرع أو أكثر وكان الأغنياء وأولو الوجاهة من الناس يجعلون 
في فم القصبة حلمة عظيمة قد تكون قدر بيضة الحمام من الكهرباء 
يسمونها (أمزك) أو (طقم) وربما تبلغ قيمة البعض منها ألف قرش وزيادة 
» لأنها قد يكون بين قطعها خواتم مرصعة بالألماس والأحجار الكريمة . 
وكان لصنعة قصبات التدخين فى حلب عدة حوانيت » واشتهر بهذه الصنعة 
عدة بيوك يعرف أحدها بيت الجبوقجى » كما أن البوادق - التى يحرق فيها 
التبغ المدحّن بالغليون ‏ كان لها عدة حوانيت يعرف أصحابها بالبوادقجية 
وهم يعملونها من الطين » ولأهلها براعة في عملها. وقد أشرنا إلى هاتين 
الحرفتين في الكلام على صنائع حلب من الجزء الأول من هذا الكتاب. وفي 
سنة 1271 ولي حلب إسماعيل رحمي باشا. 


ظهور بقلة الطماطم في حلب : 

في هذه السنة ظهر في حلب بقل عرف باسم (باذنجان أفرنجي) أو 
باسم (بنادورة) أحضر بزره من مصر أحد التجار وزرع في حلب فأنجب 
وأخصب . غير أن الحلبيين لم يألفوا أكله في أوائل ظهوره بل كان بعضهم 
ينفر منه » حتى إن بعض البسطاء كان إذا رآه أو ذكر في حضوره ينطق 
بالشهادتين توهما منه أنه من الخضر المحرّمة التي اخترعها الفرنج. وكان 
النادر من الناس إذا رضي بأكله يقتصر على الأخضر مطبوخا ويتحامى 
الناضج الأحمر منه زاعما أن هذا (وخم) مضرٌ يسبب الأمراض. 0-0 
تمادي الأيام ألف للناس أكله وصاروا يتحامون الأخضر منه ولا يستعملونه 
إلا مخلّلا » وأقبلوا على استعمال الأحمر الناضج إقبالا زائدا حتى صاروا 
يعملون من عصيره دبسا يدخرونه للشتاء لتطبيب أطعمتهم التي لا تلذ في 
أذواقهم إلا بعد أن يضاف إليها شيء منه. 

وفي سنة 1272 ولي حلب حمدي باشا فبقي فيها مدة وكثرت شكوى 
الناس منه » فندبت الدولة لفحص أحواله رجلا يقال له أمين أفندي محاسبه 
جي » فحضر إلى حلب وفحص أحواله فثبت لديه ظلمه وتجاوزه على 
أموال الدولة. فأنهى بعزله » فعزل وولى حلب مصطفى باشا الأشقودري. 
وفي سنة 1274 وليها الحاج محمد كامل باشا. وفي سنة 1275 وليها محمد 
رشيد باشا. وفي شتاء هذه السنة أثلجت السماء في حلب وضواحيها أربعين 
يوما » فخربت عدة بيوت ومات ما لا يحصى من الأغنام وتعطلت الطرق. 


- 297 - 


قطع الماء عن قسطل الرمضانية : 

وفي هذه السنة 1275 حكم بسد ثقوب مجرى برد بك إلى قسطل 
الرمضانية » وصدر بذلك حجة شرعية محررة صورتها في سجل المحكمة 
الشرعية المحرر على ظهره : «من سنة 1273 إلى 1275». وفي سنة 
6 ه ولي حلب إسماعيل باشا. ثم في سنة 1377 وليها عصمت باشا 
الشهير بدالي عصمت .ء وكان الناس يهابونه حتى الأجانب. وفي سنة 
58 وفد من الشرق جراد كثير واستمر يعيث ويفسد في حلب وبلادها 
إلى سنة ست وثمانين. 

تمديد السلك التلغرافي : 

فى هذه النسنة و1378 أن :القت فليا همان اللبرزوع تفيذية البيتلك 
البرقي في حلب وبعض ملحقاتها. وكان البسطاء من الناس إذا قيل لهم إنه 
ينقل الأخبار من بلد إلى أخرى مهما كانت بعيدة بلحظة ‏ كطرفة عين - 
ينكروا ذلك ويقولوا © : لا شك أن الذي ينقل هذا الخبر شيطان مارد منبث 
في التيّل ©. وفي سنة 1279 ولي حلب تريّى باشا. 


بناء دور في جبل الغزالات : 

وفيها أنشأ الوالي في قمة جبل الغزالات دارا ذات غرف كثيرة » 
وتبعه المرحوم الشيخ محمد بهاء الدين أفندي الرفاعي ‏ مفتي حلب - فأنشأ 
في ذيل الجبل قصرا » وذو الكفل بك دفتردار الولاية فأنشأ في جواره دارا 
عظيمة. لم تزل أطلال هذه المنازل باقية حتى الآن. 

وصول استعمال زيت البترول إلى حلب : 

وفي سنة 1280 وصل إلى حلب استعمال زيت البترول - المععروف 
بالكاز ‏ في المصابيح المعروفة بالأنبات واحدها (لنبة). وقد تحامى الناس 
استعماله في أول ظهوره زاعمين أن ريحه يؤذي الصدر » وأن سطوع 
نوره يضر البصر . وكان من يستعمله من 
(1) الصواب «ينكرون ذلك ويقولون» بإثبات نون الرفع في الأفعال الخمسة ولا مسوّغ 
لحذفها هنا. 
(2) التيل : من ألفاظ العامّة بمعنى السلك. 


- 298 - 


الناس يقتصد بصرفه جدا بحيث كان ملء (اللّنبة) منه يسهر عليها عدة ليال 
إلى منتصف الليل. وهو معذور بذلك فإن ضوء هذا المصباح مهما كان 
ضعيفا فهو أسطع بكثير من ضوء السراج والقنديل والشمع وغيرهما من 
الظروف التي يكون الاستصباح بها بواسطة زيت الزيتون. ولا شك أنه أقل 
ضررا من هذه الظروف التي ينبعث منها العثان والسّخام فيضرا بالصحة 
وكمد | المدو لهاو أفاقة و يهنا :1 النضد رافك ظهر يك القاد :دو اند الها !هلد 
مدة قليلة فعم استعماله وبطل استعمال جميع ظروف الاستصباح وتركت 
في زوايا الاهمال حتى أصبحت نسيا منسيا. 

وفي هذه السنة (1280) حدث في حلب غلاء شديد وبرد قارس 
أدهش العقول. وفي سنة 1281 ولي قضاء حلب قاض عرف عند الناس 
باسم (أبي دية) لأن يده مقطوعة من مفصل ذراعها. وكان ظالما منهمكا 
بالمعاصي متجاهرا بتناول الرشوة. وفي 24 جمادى الأولى من هذه السنة 
أبرقت السماء وأرعدت ثم قذفت بردا كبارا واحدته في حجم البيضة أو 
أكبر » واستمر نحو 15 دقيقة فهلك به ألوف من الطير وانكسر للناس من 
زجاج نوافذ البيوت ما قيمته خمسمائة ألف قرش » وكان من غريب أمره 
أنه لم يتجاوز مدينة حلب. 


تشكيل لواء الزور : 

وفي ابتداء فصل الربيع من هذه السنة توجه الوالي ثريّى باشا ومعه 
شرذمة من العساكر لردع الأعراب المتمردين على الدولة في جهة الزور ‏ 
فأخضعهم وأجرى عليهم قوانين الدولة وعيّن عليهم قائم مقام وشكّل 
مصرفيّة الزور بالدير الحمراء » ورجع إلى حلب. وفي أواخر هذه السنة 
كثر تعسف القاضي أبي دية وضجر منه الناس » ورفعوا بسوء حاله 
محضرا إلى الدولة ؛ فعزلته وولت مكانه عثمان أفندي وكان غاية 
بالصلاح. وفي سنة 1282 وفي المحرّم عاد الحاجٌ من الحجاز » وأخبروا 
أنه مات هناك بالهواء الأصفر نحو مئة ألف نسمة. وكان ابتداؤه في تلك 
البلاد يوم عيد الأضحى. ثم في هذه السنة وصل هذا المرض إلى حلب 
وكان معظم سطوته في ربيع الأول » وبلغت وفياته اليومية ثلاثمائة نسمة » 
وقد أصبت به ونجوت ». وأصيبت والدتي فتوفيت. وكان الناس يدورون في 
الأزقة ليلا ويستغيثون 
(1) لا مسوّغ لحذف النون من الأفعال المضارعة الثلاثة الأخيرة » والصواب إثباتها : 
«فيضرّان - ويسوّدان - ويضعفان». والعثان : الدخان الذي ينبعث من ضوء السراج ونحوه. 


- 299 - 


بالله ويخرج بعض القراء إلى المآذن ويقرءون سورة الدخان. 

وفي سنة 1283 شكلت ولاية حلب وفيها حرّرت نفوس ولايتها. 
وفيها وليها جودت باشا صاحب التاريخ المشهور. وفي محرّم سنة 1284 
صدرت الإرادة بتخفيض البدل العسكري إلى 80 ذهبا عثمانيا وكان مئة 
ذهب. وفيه قسمت الحكومة محلات حلب إلى اثنتى عشرة منطقة سمّت كل 
واحدة منها قولا ألفت له مجلسا من مختاريه واختياريته. 


صدور جريدة الفرات : 

في محرم هذه السنة (1284) صدرت صحيفة الفرات الرسمية 
الأسبوعية باللغتين التركية والعربية. وهي أول جريدة ص درت في مدينة 
حلب. ثم صدر العدد الخخمسون منها باللغات الثلاث التركية والعربية 
والأرمنية. ثم صدر العدد ال 101 باللغتين التركية والعربية فقط. وكان في 
بعض الآنات ) يصدر لها ملحق تحت عنوان «علاوه فرات» أو «غدير 
الفرات». 

أسس هذه الصحيفة مكتوبي الولاية حالت بك » وهو الذي تولى 
تحريرها. واستمرت هذه الوظيفة تناط بمكتوبي الولاية يتناولون راتبهم 
الشهري عليها من ريع المطبعة. وأول مترجم لها من التركية إلى العربية 
(أحمد حمدي أفندي ابن محمد بن عبد المعطي زوين الحلبي) وكان أديبا 
شاعرا. وفي سنة (1290) هاجر إلى الحجاز. وتولى ترجمة الجريدة بعده 
(عبد القادر أفندي ابن تقي الدين أفندي) الذي تولى بعد الكتابة الثانية عند 
السلطان عبد الحميد خان الثاني. ثم تولى الترجمة بعده فقيد الوطن السيد 
الفاضل عبد الرحمن أفندي الكواكبي. ثم في حدود 1300 أنيطت هذه 
الوظيفة بي وبقيت في عهدتي نحو عشرين سنة » استقلت منها في خلالها 
عدة مرات » وكنت أعود إليها بطلب من المكتوبية سنة » استقلت منها فى 
خلالها عدة مرات » وكنت أعود إليها بطلب من المكتوبية وإلحاحهم. وفي 
حدود سنة 1324 وكلت بها العالم الشيخ محمد خير الدين أفندي الحنيفي » 
فبقي قائما بها إلى أن ألغيت في أيام النفير العام سنة 1334 وآخر ما صدر 
منها العدد ال (2420) ثم صدر بعدها عوضا عنها جريدة عنوانها (حلب) 
وهي تصدر الآن باللغة العربية فقط » يتولى تحريرها الأديب الفاضل السيد 
محمد منير المدوّر البيروتي » وهو 


(1) أي في بعض الأوقات. وقد < جمع المؤلف «الآن» - بمعنى الوقت والحين - على آنات » 
والصواب : الآونة. 


-300- 


مذي مطرعتها أيضنا وقد دكلت. غلتها إلى مالية الذولة وهات ممتخمويها 
يتناولون رواتبهم من صندوق المال العام بعد أن كانوا يتناولونها من 
دوق التطرعة الخاضن: 


سالنامة الولاية : 

كلمة سالنامة فارسية مركبة من كلمتين (سال) سنة و (نامه) ورقة. 
وقد تطلق على كتاب يصدر في آخر كل سنة يشتمل على إحصائيات 
الولاية المالية وغيرها » وعلى أسماء موظفيها وعلى بعض شؤون تاريخية 
سياسية ومدنية قديمة وحديثة تتعلق بمركز الولاية وبعض أعمالها » وعلى 
جغراقية الولاية وما فيها من الجبال والغابات والمعادن والبحيرات:» وعلى 
غير ذلك من المسائل والمقاصد التي تفيد الراغب بالاطلاع على أحوال 
الولاية فائدة إجمالية لا يستغنى عنها. وقد دعيت في أول صدورها باسم 
(فهرست السنة). ولعل تسميتها (سنوية الولاية) يكون موافقا. أول من 
أصدر هذا الكتاب في حلب حالت بك المكتوبي في هذه السنة (1284) وقد 
صدر المرة الأولى صغيرا وطبع على مطبعة الحجر وما زال ينّسع حجمه 
وتزاد مسائله إلى حدود سنة 1300 وإذ ذاك أنيط تحرير صحيفة الفرات 
بعارفي بك » أحد موظفي قلم المكتوبي الذي صار بعد رئيس الكتاب في 
مجلس إدارة الولاية. فاجتهد المومأ إليه بتوسيع السالنامة وتوفير أبحاثها ‏ 
ولحي وين دا ل للق كاك ررحت تر جف عكري الحرر حت رت 
جهدي في مساعدته وقدمت له عدة كتب تاريخية لاستخراج ما فيها من 
المسائل التي لها علاقة بحلب . فتوفرت فوائد السالنامة وعظم حجمها 
وصارت تصدر كل سنة مطبوعة بالحرف. 

ثم في سنة 1304 تحوّل عارفي بك إلى جذة قائم مقام عليها. وبقيت 
السالنامة تصدر تارة بترتيب مكتوبي الولاية وأخرى بترتيب صديقنا 
المحترم السيد أسعد بن ناجي أفندي إمام زاده » الشهير بالعينتابي » وكان 
قائما بوظيفة مديرية أوراق الولاية » وكان يحرر صحيفة الفرات في أكثر 
الآنات 27 بالنيابة عن المكتوبي. وفي أيام قيامه بترتيب السالنامة صححت 
منها جدول عمال حلب وكفالها وولاتها بطلب منه » وكان فيه أغلاط كثيرة. 
على أنه لم يزل يوجد فيه أغلاط أحدثتها أيدي عملة المطبعة » ولم تزل 
اللعالتافزة تضريك 


-301- 


إلى سنة 1326 وفي هذا التاريخ قلت مداخيل المطبعة وعجزت عن النفقات 
المقتضية للسالنامة فأهملت وما زالت مهملة حتى الآن. 

عارفي بك هذا أول من قال في السالنامة : إن نهر قويق سمي باسم 
قويق آغا الذي جرّه من منبعه إلى حلب. وقد آخذته بهذه الغلطة وشافهته بها 
حين مر من حلب متوجها إلى مرعش متصرفا في لوائها وقلت له : إن 
كلمة قويق محرفة عن قواق التي يطلقها الآتراك على شجر الحور » وإن 
هذا النهر سمي بنهر قويق لما يزرع عليه من هذا الشجر حتى إنه ليوجد 
في نفس مدينة عينتاب منتزه يعرف باسم (قواقلق) أي مزرعة الحور. فاقرٌ 
رحمه الله بغلطه وصوّب رأيي فيما رأيته بهذه الكلمة. 


غرائب الخلق : 

في هذه السنة (1284) ولد في أنطاكية مولود برأسين » أحدهما بشعر 
وأذن وأنف وفم . والآخر بعين واحدة فقط. وقد ولد حيّا ومات بعد دقائق. 

وفيها اهتمت الحكومة بجمع بزر الجراد من أطراف الولاية فجمعت 
منه نحو عشرين ألف شنبل ٠»‏ الشنبل وزن خمسين أقة. وقد وزعت على كل 
فرد مقدارا معلوما من البزر » وفتح لشرائه من التجار مسواق » فاشتغل 
الفقير وربح التاجر وخفت الضرر في تلك السنة. 


الشروع بفتح طريق إسكندرونة : 

وفيها كان الشروع بتعبيد طريق إسكندرونة وقد فرض على كل ذكر 
بالغ عمل أربعة أيام إما بنفسه وإما ببدل نقدي عن كل يوم عشرة قروش. 
وكان ابتداء العمل به في اليوم الثاني عشر ربيع الآول تبركا وتيمنا. 
وحضر وقت الابتداء به عدة من أشياخ حلب وعلمائها وصلحائها ومن 
حباتيم العالم الكرين لشي احم الثر مات ديعنو هودق أخطى يعن انديب 
البدل النقدي أربعين قرشا فاستبشر الناس بنجاح المشروع فيه وتفاءلوا 
خيرا. وفي هيار هذه السنة اختنق تسعة حجارين من الملة المسيحية في 
مغارة البختي خارج حلب إلى شماليها وذلك أن المذكورين التجئوا من 
المطر إلى المغارة المذكورة فلم يشعروا إلا وقد كبسهم السيل فاختنقوا عن 
آاخرهم. 


-302- 


الرروقي تسر نسي فى قصيدة ححا ونرة القواة بوذا سكيد ا لد عيذ تابه فين 
الشتاء الشديد حتى اضطر الناس للتدثئر بالملابس الشتوية وإيقاد النار في 
بيوتهم وفيها صدرت إرادة سنية بمنع زرع التبغ المعروف بالتوتن. وفيها 
كان إخضاع الأعراب المتمردين على الدولة في صحراء حلب بعد مقاومة 
شديدة وكثرة القتثل والأسر في رؤسائهم. وقد أخذت منهم قرعة شرعية 
واستفلحوا وعانوا الزرع والفلح. وفي ربيعها الثاني زينت البلدة زينة حافلة 
فرحا بعود المرحوم السلطان عبد العزيز خان من سياحته في أوروبا إلى 
العاصمة. 


حريق أسواق حلب : 

وفى الساعة السادسة من ليلة الأحد ثالث جمادى الأولى » المصادف 
الليلة الحادية والعشرين من آب سنة 1287 رومية » شبّت النار من دكان 
في وسط سوق الصاغة ولم يدركها رجال الدرك إلا وقد سرت إلى ما 
جاورها . ثم انتقلت إلى الأسواق المتصلة بذلك السوق فاستعرت والتهبت 
وانفتحت منها أبواب جهنم » وأخذ الناس يفرّغون حوانيتهم إلى الجامع 
الكبير حتى صار فيه تلال من الأرزاق ومنهم من لم يتمكن من تخليص 
رزقه, .وكان الدخان يغلو في الجبو طبقات متراكما بعكده فوق يكن + 
أسود حالكا كأنه قطع السحاب المكفهرٌ 2 وقد ارتفع من أسفله مارج النار 
يتلظى كالطّود العظيم الذي يسمع منه دوي وفرقعة تقشعر منها النفوس 

ذلع لت هده لسار الحاظبة فى اسصار ان و مضين حدن إن عل 
سوق الصيّاغين والبزازين المعروف بسوق البالستان » مع جميع تشعباته 
وزواياه وخلاياه » وسوق العفادين وسوق الطرابيشية وسوق القوّافين » 
وبعض سوق استانبول الكائن وراء شرقية الجامع الكبير. وقد أحصي ما 
اخترق مق الخوانيت والذكافين فكانت: 323 ككانا وبحرر ما المكرق كز 
الأموال المنقولة تقريبا فكان يساوي ما قيمته عشرة آلاف كيس (الكيس 
خمسمائة قرش). ومن لطف الباري تعالى على عباده أن النار لم تصل إلى 
سوق العطارين » مع أنها لم يبق بينها وبينه إلا مسافة بضعة أذرع. ورأيت 
عند بني المركوبلي مكتوبا مذيلا بنحو مائتي توقيع من تجار الملل الثلاثة 
في حلب يتضمن عبارات الشكر من الخواجه نقولا 


-303- 


المركوبلي على ما أبداه من الرأي والإشارة إلى هدم زابوقي 7) سوق 
الذراع وسوق الباطية لقطع الطريق على النار منعا لها من الوصول إلى 
سوق العطاردين»: ذانينا لتر :اتات نيه لاتعدمك كلي خر قدا وهدنا» لها 
اشتمل عليه هذا السوق من أنواع البضائع الملتهبة كالبارود والنفط 
والسّندروس © والزفت والقير وغير ذلك » بحيث كان فيه من هذه البضائع 

وقد أختلف النائن في أشباب.هذا الحريق العظيم #.فمتهُم من قال إننه 
مفتعل من الحكومة بقصد التمكن بعده من توسيع هذه الأسواق لأنها كانت 
غاية في الضيق. ومنهم من زعم أن السبب نار تركها بعض الصاغة في 
كانونه » فطارت منها شرارة على مفرش فيها وعلقت ©. والله أعلم بحقيقة 
الحال. وفى الساعة السابعة والدقيقة العاشرة من الليلة الخامسة عشرة من 
حنادف الأول أيثدا القسي بالكسوفة و كيل انخلاوه قي السبناعة الفاشدرة 
والدقيقة العاشرة. وفي هذه السنة كان تشكيل كثير من أقضية حلب وألويتها. 

ميت عاش : 

في رمضان هذه السنة توفي لرجل يقال له الشيخ محمد من سكان 
محلة مستدام بك في حلب ولد صغير عمره ثمانية أعوام » فجهز وحمل 
إلى المقبرة » وبينما الحمالون سائرون به لم يشعروا إلا وقد تحرك وأخذ 
بالبكاء. فرجعوا به إلى بيت أبيه وعاودته الصحة. وفيها كان الشتاء شديدا 
والمطر غزيرا » ولا سيما في شباط ء فقد طغت فيه الأنهار وضجر الناس 
من كثرة المطر والثلج والجليد والبرد القارس. وفي أواخر محرّم سنة 
5 وصل إلى حلب واليا عليها ناشد باشا. وفي اليوم الرابع عشر صفر 
خرج الوالي مع الهيئة المرتبة لترميم القناة وكاشفوا أحوالها ورتبوا عملها. 
وقد تكلمنا على ما كان منه في قناة حلب عند الكلام عليها في الجزء الأول 
فراجعه. 

وفيها صدرت إرادة سنية بجواز زرع التبغ بشرط أن يأخذ الزرّاع 
رخصة من إدارة الرسومات. وفيها أمر الوالي بتوسيع حجرة الميقاتي 
بإضافة حجرة أخرى إليها على باب 
(1) الزابوق : الزقاق الصغير الضيّق. والكلمة عامية. 


(2) نوع من الصمغ » وهو من المفردات الطبية. 
(3) أي التهبت واشتعلت. والكلمة بهذا الاستعمال عامية. 


- 304 - 


الجامع من جهة سوق الطيبية ؛ وأمر بجلب ساعة كبيرة توضع فيها. وفي 
جمادى الأولى أمر الوالي بتبديل سقوف أسواق حلب بالسقوف المعروفة 
بالجملون » وكانت قبلا من الحصر المنسوجة من البردي والقصب ؛» كثيرة 
الاستعداد للالتهاب. فشرعوا بذلك مبتدئين من باب النصر. وفى هذا الشهر 
كان تعديل الأوزان ورسمها بطابع البلدية. وفيه كان افتتاح دار الإصلاح 
المعروفة باسم إصلاحخانة. 


سفر الوالي إلى طريق إسكندرونة وما أجراه من الإصلاح : 

وفي أواخر جمادى الثانية سافر الوالي لمشارفة طريق إسكندرونة. 
وفي التاسع والعشرين منه ورد منه إلى وكيله حسني باشا الفريق العسكري 
مدز وات + مذلها أن "الطريى التدكور ملح مساقتة 32 عاضة» وجو هده 
محلات تحتاج إلى جسور وخنادق » ومنها عفرين فإنه محتاج إلى جسر 
يعسر بناؤه. قال : ولذا عوّلنا على سلوك طريق آخر هو بالجانب الفوقاني 
من ذلك الطريق في مسافة 22 ساعة » ويكون تمديده من جهة قلعة الكوبة 
لي » وبسلوكه تقرب المسافة عشر ساعات ويكتفى بجسر جزئي على 
عفرين » ثم قال : ووجدت الجبل الكائن فوق خان العسل المتوسط بين عدة 
قرايا كالأثارب وإبزمو وتلعدة » على مسافة سبع ساعات من حلب » خاليا 
مين الشسكر : فحمانا اهن تلك الشر ف كلس حر اتجكر القون و العلدة 
والزيتون وأخذنا منهم كفلاء على ذلك. ووجدت إدارة الريحانية غير منظمة 
لخلوها عن مركز حكومة واستبداد أغواتها » فعزمنا على بناء مركز 
الحكويئة قي تلك الجهبة ورافكنا طني منلطة أ غراتهنا وقرقنا أرراحسيها 
المملوكة لهم بحق عن غيرها » ومكنت الفقراء من العمل فيها. 

وفي هذه السنة فرش مقدار كبير من أزقة حلب بالبلاط على نسق 
الجملون. وهذه أول مرة فرش فيها البلاط على هذه الصفة. وفي اليوم 
الثاني عشر من شعبان رجع الوالي إلى حلب. وفي شوالها بدأ الوالي أن 
يتحول 1 يحطن الكر انب الكائدة تحاء يات القلعة منت ها خاما واقاط اهرك 
ذلك بحسني باشا. فغرست الأشجار وحوّط بدائر » وحفر لسقايته دولاب في 
كن قو كارب لفليعة اتطلى يعاو ده فلم تمصي نكة ل سل نر ا حمل٠‏ خا كفا 
كان. وفي 


(1) الصواب حذف «أن» هنا قبل الفعل المضارع. 


- 305 - 


الساعة التاسعة من الليلة الخامسة عشرة ذي ) الحجة هطلت السماء في 
مرعش بالأمطار الغزيرة وأعقبها زلزال انهدم به هناك منزلان. 


تولي الحكومة بريد إسكندرونة : 

وفي اليوم الرابع عشر ذي القعدة أنيط البريد ‏ الذي كان يتردد من 
حلب إلى إسكندرونة ‏ بالحكومة العثمانية. وكان قبلا يسافر عن يد قنصل 
فرنسة المقيم في حلب. وفي ذي الحجة قصدت جماعة البغّالة ‏ من الفرقة 
النظامية ‏ الأعراب بسبب كثرة فسادهم » وأوقعت بعشيرة المهيد وهريب 
والشميلات والعجاجرة والسباعة. وكانت الوقعة في مفاوز الزور فانخذل 
الأعراب » واستولى العسكر على نحو عشرين ألف رأس غنم ومئة 
وخمسين جملا » وأتوا بها إلى حلب. وفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع 
الأول سنة 1386 سافر الوالي إلى جهة المعرة التي ألحقت في تلك الأيام 
بولاية حلب » فرتّب أمورها وكاشف قراها ء وكانت قبلا ملحقة بولاية 
دمشى محافة إلى حماة :وفي السناعة السبعة من ليلة الأنين #اغؤة شواك 
المصادف اليوم الحادي والعشرين من كانون الأول سنة 1285 رومية 
حصل زلزلة بحلب مرتين من الشمال إلى الجنوب » فانهدم بها بعض 
جدران في ظاهر حلب مشرفة على الخراب » ولم يحدث منها ضرر غير 
ذلك. وفي هذه السنة ولي حلب درويش باشا. 


ابتداعء العمل في محلة العزيزية : 

وفيها كان ابتداء تأسيس الأبنية في حارة العزيزية على جبل النهر. 
وسببها أنه لما فتحت دار الإصلاح المتقدم ذكرها أرادت الحكومة أن تجعل 
لها جهة دخل تقوم بالنفقات التي صرفت عليها » فباعت جبل النهر لجماعة 
من المسيحيين » وعمروه محلة لهم على نسق جديد من الابنية وسعة 
الشوارع. وفي هذه السنة كان الجدب مستوليا على حلب وبرّها بحيث لم 
ينبت فيها حبّة ولا نزل من السماء قطرة » واشتد الغلاء حتى بيع رطل 
الخبز بتسعة قروش ونصف القرش »ء بدل قرش وربع القرش. واستمر هذا 
الحال إلى دخول سنة 1287. 


(1) التركيب يقتضي إضافة «من» قبل : «ذي الحجة» ولكن المؤلف ترخصن في التعبير » 
أو سبق إلى وهمه أنه تركيب إضافي ؛ وليس بذاك. ومثله ما سيأتي في أول الفقرة التالية. 


- 306 - 


زلزلة أنطاكية : 

في آذار الرومي هذه السنة (1287) في ضحوة يوم من أيامه زلزلت 
حلب زلزلة قوية بحيث أيقظت من كان نائما وسقط بها بعض شرفات من 
سور القلعة وعدة جدران متوهنة. ولم يمض غير بضع ساعات حتى ورد 
من تطاكية للوالى لدو كيني انه فى الو فت المذكون حبدث كناك رولوران 
قوي أتى على جميع أبنية أنطاكية » بحيث لم يبق منها إلا القليل النادر , 
فانهدمت البيوت والجوامع والخانات وبعض الحمّامات » ومات تحت الردم 
خلق كثير » والأحياء كلهم خرجوا على وجوههم إلى الصحراء ليس عندهم 
قوت ولا خيمة يأوون إليها مسلمين أنفسهم لحر الشمس وبرد الليل. ثم أخذ 
يتوارد من التجار وغيرهم المقيمين في أنطاكية تلغرافات » مثالها ما ذكر. 
فشاع الخبر عند الحلبيين فضجوا واضطربوا » وخرج كثير منهم إلى 
البساتين والبرية » فمنهم من ضرب خياما وأقام تحتها هو وأهله وولده. 
ومنهم من باشر عمل بيوت من الخشب ليقيم بها كذلك. ثم بعد ليلة أو ليلتين 
في أواسط الليل اهتزت الأرض مرة ثانية هزة خفيفة لم يحدث منها ضرر. 

وهكدا اسمن الخال في كل يض لوال توكر هيز خفيفة دون أن 
اهلها في ادو ا حلت وأكنت المكرهة كدان ك ليه ار غاقة من :الفرتير الح 
وأرسلت ذلك إليهم » إلى أن فرّج الله عن عباده » ودخل شهر نيسان وانقطع 
الزلزال واطمأن الناس ورجع أكثرهم إلى منازلهم وباشر أهل أنطاكية 
تعمير بيوتهم. وفي سنة 1288 ولي حلب ثريّى باشا ثانية. ثم في سنة 
9 وليها الحاج علي باشا » ثم سامح باشا. وفي سنة 1290 وليها كورد 
أحمة باشا وف سنة ] 129 وَليها ونتدي بأشا الشرواق © الصضر الأسيق ؛ 
فلم يلبث غير تسعة أيام واليا وصرف عنها إلى ولاية الحجاز » وصحبني 
معه إماما. وولي حلب مكانه محمد رشيد باشا ثانية وكان وليها سنة 1275 
وفي سنة 1292 وليها سامح باشا ثانية » ثم أسعد مخلص باشا. 

انقضاض صاعقة : 

وفي نيسان الرومي من هذه السنة انقضت صاعقة في محلة البياضة 
فقطّت () نحو 


)01 أي قطعت عرضا. وأما إذا قطع الشسيء طولا فيقال فيه : «قد» بالدال. 


-307- 


النصف من منارة جامع الحموي » وكأنما انفصل منها شظيّة فصدمت 
جدار قبلية الجامع المذكور من أعلاه » فغاصت به وثقبته ثقبا منتظما » 
وخرجت من نجف الشباك وأصابت رجلا يصلي المغرب فقتلته دون أن 
يبقى لها أثر به » وأصابت رجلا في رجله فلم يمت لكنه بقي في رجله أثر 
كأنه كي نار. وكانت المنارة قد سقطت على سّواس مارا «) من تحت القلعة 
فقتلته أيضا. وفي سنة 1293 ولي حلب أمين باشا وفيها حصل بحلب 
هيضة © ابتدأت من شعبان واستمرت إلى أواخر شوال وبلغت وفياتها 
اليومية مئة وخمسين نسمة. 

وفي 27 ربيع الأول من هذه السنة خلع السلطان عبد العزيز وجلس 
مكانه السلطان مراد خان » فبقي سلطانا ثلاثة أشهر وثلاثة أيام » ثم خلع 
وجلس بدله على عرش السلطنة السلطان عبد الحميد خان الثاني. وفي 
محرّم سنة 1394 رفعت رتبة كامل باشا إلى الوزارة وعين واليا على 
قوصوه. وقبل أن يسافر إليها حوّل إلى ولاية حلب » فقدم عليها في اليوم ال 
14 صفر واستقام بها سنتين وشهرا. ذكر ذلك في ترجمة حاله وغلط في 
السالنامة إذ ذكر ولايته سنة 1295 وقد اختارني إماما له في صلاة 
التراويح 

صدور جريدة في حلب : 

وفيها صدر في حلب جريدة عربية عنوانها «الشهباء» لصاحب 
امتيازها السريّ الماجد الحاج هاشم العطار المعروف أيضا بالخراط. وقد 
تولى تحريرها الكاتب البارع المرحوم عبد الرحمن أفندي الكواكبي 
بمساعدة جماعة من أدباء حلب. غير أن الجريدة ما لبئت سوى ايام قلائل 
حتى أمر بإبطالها والي حلب كامل باشا المعروف بكراهية صحف الأخبار. 


النفير العام : 

في هذه السنة 1294 أعلنت الدولة العثمانية في بلادها النفير العام 
لمحاربة روسيا. فحشدت العساكر من جميع بلادها » ومن جملتها حلب التي 
جندت منها عددا عظيما حتى كادت تخلو من الشبيبة. ولذا أصبحت 
الحكومة تخشى من قيام الغوغاء للنهب والسلب » 


(1) كذا في الأصل ٠‏ والوجه : «مارٌ» بالجرٌ » صفة لسوّاس. 
(2) الهيضة : مرض الكوليرا. 


- 308 - 


فجعل كامل باشا شيخنا محمد آغا المكانسي كمتسأم لحلب لأجل حفظها » 
فجمع محمد آغا عصابة من شبيبة محلة باب النيرب وجعل يطوف بهم ليلا 
في شوارع حلب ومحلاتها إلى أن انتهت الحرب ؛ وعاد المتجندون إلى 
أوطانهم ولم يحصل في حلب ما يخل بالسلام. 


شتاء شديد : 


في سنة 1295 كان الشتاء شديدا وتوالى سقوط الثلج على حلب وأكثر 
أعمالها نحوا من أربعين يوما » حتى هجمت الظباء والذئاب على العمران 
وانقطعت الطرق والمواصلات ومات في البر عدة أوادم وهلك ألوف من 
الغنم والمواشي. 

تشكيل عدلية حلب : 

وفي هذه السنة (1295) شكلت عدلية حلب. وقد أسلفنا ذكر (محكمة 


البداية) في الجزء الأول من هذا الكتاب. وفي سنة 1296 ولي حلب غالب 
باشا ثم سعيد باشا. 


غلاء شديد : 


وفيها ارتفع سعر الحبّ في تشرين الأول » واستمر إلى حزيران » 
واشتد الغلاء وبيع رطل الخبز باثني عشر قرشا بدل قرش ونصف »2 
وارتفع سعر بقية المأكولات على هذه النسبة كالرز والعدس والبرغل 
واللحم » فاضطرب الفقراء وثاروا في أحد الأيام » ومشى منهم جمهور إلى 
السوق الكبير المعروف باسم (المدينة) وأخذوا يتخطفون المأكولات من 
سوق العطارين » وبعض البضائع من بقية الأسواق » فأسرع الناس إلى 
إغلاق حوانيتهم وخيف من حدوث ثورة عامة. وكان الفريق على الجندية 
جميل باشا ابن نامق باشا » فنزل من الثكنة العسكرية مع ثلة من الجنود 
وهددوا الثوار فارتاعوا وسكنت الثائرة. 

وهذا أول عمل اشتهر به جميل باشا بين الحلبيّّين فأحبوه ومالت 
نفوسهم إليه » وقدموا له محضرا عاما يتضمن طلبهم منه أن يكون واليا 
عليهم. وكان سعيد باشا يرى ولاية حلب دون مرتبته فكان قيامه بأمور 
الولاية قياما يصحبه سآمة وفتور. ثم لما علم بميل الناس إلى جميل باشا 
الفريق العسكري استقال من خدمته. وكان جميل باشا قد أرسل محضر أهل 
حلب الناطق بطلبه واليا عليهم ‏ إلى استانبول فقبله الباب العالي وجعله 
واليا على 


- 309 - 


حلب علاوة على وظيفته الفريقية العسكرية » فجمع بين الوظيفتين وكان 
ذلك في سنة 1297. 

صدور جريدة في حلب : 

في هذه السنة صدر في حلب جريدة عنوانها (الاعتدال) أحد وجهيها 
عرض والاخن :تركي» ؛ لصاحب امتيازها السيد هاشم الخراط السالف الذكر. 
مك افع اس قن سير 
كاتا ليله 


حريق في مرعش : 

في ليلة الجمعة ثالث شوال سنة (1301) شبت النار من أحد أفران 
مدينة مرعش وسرت إلى ما جاوره » وكان الهواء شديدا فقوي استعارها 
ولم تخمة إلا بعد .أن التهصث ألفا وماتتي ذكان »*واريبعين دارا وخمسة 
جوامع وحماما وخانين والرباط العسكري ودائرة البلدية وقدرت قيمة ما 
أتت عليه هذه النار بمائة وخمسين ألف ذهب عثماني. وقد تدارك أهل حلب 
جمع إعانة وافرة لإسعاف المنكوبين من أهل مرعش بهذا الحريق 


سقوط نيزك من الجو : 

في يوم الخميس ثالث عشر ذي الحجة من هذه السنة 1301 
المصادف الحادي والعشرين أيلول سنة 1300 رومية » في رادة 7) الساعة 
الثانية عشرة منه صباحا » سقط حجر من الجو على تل قريب من قرية قره 
دينك في بعد خمس ساعات عن عينتاب » وعند سقوطه كان الجو خاليا من 
الغيم بالكلية والهواء معتدلا. وقبله بنحو عشر دقائق سمع له دوي شديد كأنه 
رعد قاصف » ولما سقط غاص في الأرض نحو نصف ذراع فلما أرادوا 
إخراجه على أثر سقوطه لم يتمكنوا من القبض عليه لشدة حرارته » فلمسه 
بعضهم بثوبه فأحرقه. وهو حجر أسود صلب شديد شكله على هيئة 
السلحفاة » وثقله نحو ألف وثمانمائة درهم. وقد أرسل من عينتاب إلى حلب 
» وشاهدته ثم أرسل إلى استانبول. 


(1) الرادة : الدرجة والمنزلة. والكلمة تركية. 


-310- 


فتح الجادة العظيمة : 

وفي هذه السنة كان افتتاح الجادة العظيمة المعروفة بجادة باب الفرج 
بحلب. وكان في العزم أن يجعلوها مسامتة طريق العربية » مبتدئة من 
جسر الناعورة ثم تقطع بمرورها بستان الكلاب حتى تتصل بالخندق الكبير 
فتمتد مستقيمة إلى محلة العوينة » ومنها تنعطف حتى تنتهي إلى تجاه دار 
الحكومة. ثم إن هذا العزم لم يتيسر إنفاذه وفتحت الجادة المذكورة من جسر 
الناعورة إلى باب الفرج فقط. 
الحادي والثلاثشين من تشرين الأول سنة 1300 رومية هطلت السماء 
بالأمطار الغزيرة وانكفأت كأفواه القرب في جهات الجوم » ثم حملت على 
وساقها » وهدم طاحونين عن آخرهما » وأغرق شخصين وبعض جمال. 
وفي هذه الليلة أيضا حمل نهر الذهب واغرق شخصين ومقدارا عظيما من 
الحبوب والأمتعة. ودخل السيل طاحونا في قرية من أعمال منبج يقال لها 
«عرب حسن» فهدمه عن آخره بعد أن اختطف منه سبعين عدلا من الدقيق 


والحبوب. 


إنشاء جامع منبج : 

في هذه السنة كمل تعمير الجامع الحميدي في قصبة منبج وكانت 
نفقاته من الخزينة الخاصة بالسلطان عبد الحميد خان الثانى » وتوجه 
للحضور في حفلة افتتاحه والي الولاية ورؤساء الحكومة وإدارة الجفتلك 
السلطاني » فاجتمع هناك جمّ غفير من الأكابر والأعيان وسكان القرى 
المجاورة » وأحرقت الملاعب الناريّة » ودارت كؤوس المرطبات. وفي 
اليوم الخامس والعشرين رمضان المصادف لمثله من حزيران سنة 1301 
وقع مطر خفيف وانتشر معه جراد كثير من الشمال إلى الشرق » وهذا 
الجراد لم يزل يتردد على حلب وبلادها إلى سنة 1308 وفي ليلة السبت 
8 صفر سنة 1303 المصادف الثالث والعشرين تشرين الثاني سنة 1301 
رومية في رادة الساعة الخامسة منها » سطع شيء في السماء كالكوكب 
المحترق ٠»‏ ثم أخذت الكواكب الصغار تتطاير ألوفا » ثم انعكس الهواء بغتة 
واشتد إيماض البرق وانكفأت السحب كافواه القرب. وفي شهر ربيع الأول 
سبق رديف ولاية حلب إلى جهة الروملّي الشرقي وقدره أحد عشر طابورا. 


-311- 


تقديم كتاب المجلة إلى القاضي : 

وفي اليوم 26 من هذا الشهر أهدى أعيان حلب من المسلمين 
والنصارى نسخة من كتاب مرآة المجلة إلى حسين توفيق أفندي » حاكم 
الشريعة الغراء فى حلب ». مكافأة له على عدله فى أحكامه واستقامته 
واعلته وكان حلة هذه الفسكة خن التكمل الأحمو مزركقا 7القصي الذهين 
؛ وفيه صورة قمر ونجمة مرصعة بالماس مكتوب تحتها بالزركشة هذه 
العبارة: «تهدى لحضرة الفقيه العلامة فضيلتلو حسين توفيق أفندي » حاكم 
الشريعة الغرّاء تذكرة من أهالي الشهباء لالتزامه جانب العدل والاستقامة 
في مدة مأموريته في حلب سنة 1303». 

وفي ربيع الآخر من هذه السنة كانت حفلة افتتاح طريق إسكندرونة. 
وفي غرة جمادى الأولى ورد وسام الامتياز من رتبة مدالية إلى والي 
الولاية جميل باشا مكافأة له على إكمال تمهيد طريق الإسكندرونة » فجرت 
له حفلة عظيمة في ذلك اليوم. وفي اليوم الثامن والعشرين رجب المصادف 
اليوم السابع عشر نيسان سنة 1302 رومية وقع في جهة قلعة الروم مطر 
شديد وبرد كبار ء حصل منه سيل أتى على اثنتي عشرة قرية فهدمها . 
وأهلك سبعين رأسا من البقر وخمسة خيول » ومئة وأربعين من الغنم 
والمعز . وهدم ثمانية طواحين. 

وفي شهر شعبان كان الشروع بتمهيد الطريق الكائن بين كز وطريق 
إسكندرونة وأوله من قرية قاطمة من أعمال كلز. 


عزل جميل باشا من حلب وما يتعلق به : 

في يوم الثلاثاء ثالث وعشرين ذي الحجة سنة 1303 قدم إلى حلب 
صاحب بك رئيس دائرة المحاكمات في شورى الدولة » ومعه معاون مدعي 
العموم في تمييز شورى الدولة » وأحد كتاب محكمة تمييز الحقوق في 
دائرة العدلية. والسبب في دومهم هو أن الوالي جميل باشا شدد على 
جماعة من أغنياء حلب ومن جملتهم آل الكتخدا ‏ بطلب إعانة لتسديد بدل 
تحويلات الاستقراض الداخلي » فامتنعوا عن دفع المبلغ المطلوب منهم لأنه 
فوق ما طلب من أمثالهم #فوصل يدلك لمسيع وصدق عليية لعرر طن 
يقصده » فلم يفعلوا ورفعوا ق تعدو إلى الحاج العلى و الباكدة المي 
روود الامو بإطلتكه #لطلتوا ل ثم انضم إليهم عدة أفراد واسترحموا من 
الدرنة إن كر ديد زوك ان حك قطن فى حولي ف الو الى 


-312- 


إرادة سنية بإرسال يو بكم ومن معه لأجل ما ذكر. ولما وصلوا إلى 
ل ير ع ب كا 
أن لفحليقه 


قصد زيرون اغتيال الوالي : 

وفي يوم الثلاثاء سادس عشر صفر سنة 1304 وهو اليوم الحادي 
عشر تشرين الثاني سنة 1302 بينما كان الوالي متوجها من دار الحكومة 
إلى منزله في جنينة البلدية قرب العبارة » وذلك في الساعة الحادية عشرة 
ونصف مساء اليوم المذكور ». إذ وثب عليه وهو في ظاهر باب الفرج 
على بعد نحو مئة قدم منه ‏ رجل يقال له زيرون جقماقيان المرعشي ». 
وخاطبه بقوله : «قف كيف تتخلص مني؟» ثم أطلق عليه الرصاص من 
مسدس كان بيده فأخطأه » فأطلقه ثانية وثالثة فأخطأه أيضا. وكان قد هجم 
عليه ياور الوالي وجاويشيّته فقبضوا عليه وأرسلوه للسجن. 

وذكر بعض من كان حاضرا هذه الحادثة ان زيرون المذكور لم يطلق 
الرصاص على الوالي » إنما الوالي لما رأى بيده المسدس خاف منه وأمر 
جنديا كان معه أن يطلق عليه الرصاص تهديدا له » ففعل فظن الناس أن 
الرصاص خرج من المسدس. قال : والدليل على ذلك أن جماعة الوالي لما 
أخذوا المسدس من زيرون وجدوا جميع عويناته مملوءة مع أنه لم تسدنح له 
فرصة بإملائها. 

أما السبب في وثوب هذا الرجل على الوالي فهو أنه كان أحد وكلاء 
الدعاوي في عدلية حلب ؛ وكان مشهورا بالعلم والصدق والاستقامة ؛ 
فصادف أن بعض الناس وكلّه في خصام بينه وبين ين الوالي فاغتاظ منه 
الوالك ومنعهمن وكالة الدعازي فى كلق افر إلى بلذةمرهان فده 
من وكالة الدعوى أيضا. فترك مرعش وسافر أنطاكية فكاتب الوالي 
الحكومة فيها بمنعه من الوكالات أيضا. ولما رأى هذا الرجل أن الأرض قد 
ضاقت عليه بما رحبت ولم يبق له وجه يسترزق به » خولط في عقله 
وزينت له الماليخوليا (» أن يعترض 


(1) الماليخوليا » والمالنخوليا : مرض سوداوي » من أهم أعراضه الاكتئاب والأرق ورفض 


-313- 


للوالي ويهدده بالقتل لعله ينفك عنه. ففعل ذلك فأخفق سعيه واتسع الخرق 
عليه » لأنه بعد أن بقي مدة محبوسا في حلب نقل إلى دمشق وحكم عليه 
بالحبس مدة خمس عشرة سنة فمات محبوسا بعد ثلاث سنين من حبسه. 

ثم إن الوالي بعد أن مرّت عليه هذه الحادثة في ذلك اليوم توجه إلى 
منزله وأقبل عليه الناس يهئونه بالسلامة وأمر بإيقاع القبض على جماعة 
من الوجهاء كانوا يتصدون لمناضلته » وقد زعم أنهم هم الذين أغروا 
زيرون وحملوه على ما فعل. فوقع القبض عليهم في تلك الليلة وهم في 
منازلهم لم يبرحوا منها ؛ لأنهم كانوا على غفلة لا يدرون الخبر » فأودعوا 
السجن وأمر الوالي بالتضييق عليهم وأن يوضع كل واحد منهم في حجرة 
على حدته » وأن لا يدخل إليه أحد من ظاهر السجن ولا من داخله ولا من 
رفقائه » ولا يمكّن من أداة كتابة ولا من أخذ خبر من ظاهر الحبس ., لا 
كتابة ولا شفاها. فكان خدمة الحبس يشقون رغيف الخبز المبعوث إلى 
المحبوسين المومأ إليهم خوفا من أن يكون فيه ورقة » ويفتشون جميع ما 
يدخل إليهم من الطعام والملبوس. وكان الوالي قد أحضر من الثكنة عساكر 
نظامية أمرهم بأن يقف على كل حجرة من حجر المحبوسين المذكورين 
جنديان متابطان سيوفهما معتقلان بنادقهما. 

ولما اطلع «صاحب بك» على هذه الأحوال عرف بها استانبول 
وأظهر أنه عازم على السفر من حلب لينظر ما ذا يكون من الوالي. فسار 
إلى تكية المولوية لينام ليلته هناك ويتوجه من الصباح إلى جهة استانبول. 
فلما سمع الوالي خبر سفره ظنه صحيحا فاغتنم الفرصة وأمر بإحضار 
دوابٌ المكارية ) ليركب عليها المحبوسين وينفيهم » وحينئذ فهم «صاحب 
بك» نيته وأظهر أنه عدل عن السفر فتوقف الوالي عن نفي المشار إليهم » 
لكنه لم يبرح عن إصراره في حبسهم والتضييق عليهم » بل كان يزيدهم 
تضبيقا يوما فيوما. فلما كان اليوم السابع من ربيع الأول من هذه السنة 
(1404) أبرق «صاحب بك» للدولة يقول : أنا عازم على الشخوص 
لاستانبول لأنني لا أستطيع البقاء في بلدة لا يعرف فيها النظام ولا القانون. 
وأبرق قائد الجندية النظامية في النهار المذكور للدولة يقول ما معناه : إنني 
غير مسئول إذا حدث في حلب ما يخل بالسلام لأنني لم يبق لي نفوذ على 
القوة العسكرية. 


(1) جمع المكاري » وهو الذي يؤجر الدواب » ويغلب على الحمّار والبغّال. 


-314- 


فلما اطّلعت الدولة على هاتين الرسالتين رأت أن الأمر قد أخذ بالتفاقم 
» وحينئذ اتفق رأي أولياء الأمور على تلافي القضية وصرف جميل باشا 
عن حلب » وأنفذت إلى شاكر باشا ‏ أحد الفرقاء في دمشق - أن يسافر إلى 
حلب في أسرع مدة ويتسلم بها زمام العسكرية ويعرّف استانبول. فركب 
شاكر باشا في الحال وذلك في صباح اليوم الثامن من ربيع الأول وتوجه 
إلى جهة حلب .2 ؛ فوصلها بغتة عشية يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول 
ونزل في رباط الشيخ يبرق رأسا وتسلّم زمام العسكرية وعرّف بذلك 
استانبول. وكان الخبر بلغ جميل باشا فأمر العسكر الذين كانوا يحافظون 
المحابيس بالصعود إلى الرباط. 

ثم في صبيحة يوم الاربعاء ثاني عشر ربيع الآول ورد التلغراف من 
استانبول بان يكون جميل باشا واليا على ولاية الحجاز » وعثمان باشا والي 
الحجاز يكون واليا على حلب » ويكون شاكر باشا وكيلا عنه إلى أن يحضر 
الوالي. في الحال حضر وكيل الوالي المشار إليه وصاحب بك », وخلّيا 
سبيل المحبوسين » وبعد يومين ورد الأمر إلى جميل باشا بتعجيل 
الانصراف عن حلب » فبارحها يوم الخميس سادس وعشرين ربيع الآول 
متوجها إلى مكة المكرمة. ثم في يوم الخميس تاسع عشر ربيع الثاني وصل 
إلى حلب عثمان باشا واليا عليها. وفي يوم الاثنين سابع جمادى الأولى 
أزمع صاحب بك الرحيل من حلب إلى استانبول » فأسف الناس على فراقه 
ودعوا بسلامته. 

تأسيس محلة الجميلية : 

وفي هذا الشهر ورد الإذن بإحداث محلة في أرض الحلبة » مما يلي 
طروي عراف الجكدور وان سمي يتك (الحلمة لرزسدا يدول 

الخد لدو كو عادر اك هناكو اسوين الور وكان قد أقيم بها 
ا م 
وهو أول قصر عمر في هذه المحلة. وفي هذا الشهر ‏ أعني ش هر جمادى 
الأولى كان الشروع بتسليط ماء رأس العين إلى قصبة إسكندرونة » وهي 
على مقربة من إسكندرونة وتعرف باسم (بيكار باشي) فأجريت إلى 
الإسكندرونة بكيزان من الحديد وبنيت لها الحياض والقساطل » وكانت 
النفقة عليها من سكان إسكندرونة. 


-315- 


التباس بين مولودين : 

في شهر جمادى الثانية اتفق أن امرأتين من اليهود وضعتا في بيت 
وآن واحد طفلين ذكرين. وكانت القابلة ومن حضر من النسوة يشتغلن 
بأمهاتهما » فلما فرغن منهن وطلبت كل واحدة ولدها التبس عليهن تعيين 
كل :وله إلى امه » ولد يظهر: لهن :ذلك إلآ نعدمشقة زإئدة: 

زفي هده السدة جمع معدان وافز من بز الحراد. وفي الساعة السابعة 
والدقيقة الخامسة عشرة من يوم السبت حادي وعشرين محرم سنة 1305 
سادس والعشرين أيلول سنة 1303 رومية » وقع في حلب » وعينتاب وكلّز 
ومرعش » والبستان وأورفة وسروج » زلزال من الغرب إلى الشرق » 
وامتد نحو نصف دقيقة دون أن يحدث منه خطر. وفي هذا الوقت نفسه 
حصل زلزال شديد في بعض قرى عينتاب فهدمت عدة دور وهلك بها تحت 
الردم طفلان وبعض مواش. وفي أوائل صفر كان قدوم حسن باشا والي 
حلب وسفر سلفه عثمان باشا. 


حريق في مرعش وبيادر حلب : 

وفي السادس والعشرين حزيران سنة 1304 حدث في مرعش حريق 
عظيم قوّم ضرره باثني عشر ألف ذهب عثماني » التهمت ناره (520) 
دكانا و 21 دارا و 11 فرنا وقسما من جامع وخان وتكية المولوية بتمامها. 
وفي يوم الخميس 17 ذي القعدة و 14 تموز شبت النار في بيادر قارلق 
بحلب فأحرقت 217 بيدرا. 


تفشي حمى التيفوس في المحابيس : 

وف َكِب القره حكة 306 [توشباط بسقة 1303 فقن بالنفاين فتن 
بون لحري حكى كاله يقال لها حي تين )ودار يموت بها كل جرم 
مم ركه ددن انهن صيزافها للحي قي شو دي لعل وحز ديزن للدت 
النار في إحدى محلات مرعش ولم تخمد حتى أتت على عشرين دارا » 
وامرأة وطفل. وفي اليوم الحادي والعشرين رمضان سنة 1306 الثالث 
عشر أيار سنة 1305 بين الصلاتين » وقع في حلب وأطرافها مطر غزير 
يصحبه برق ورعد 


-316- 


وصواعق وبرد كبار في شمالي حلب » حتى حملت السيول وساقت عدة 
مواش من بساتين حلب وأراضيها وأغرقت محلة الوراقة » واختنق بها 
بضعة أوادم. 

وفي أوائل ربيع الثاني سنة 1307 المصادف شهر تشرين الثاني سنة 
105 ورد الأمر من النظارة الصحية بإقامة منطقة الحجر الصحي في 
حدود الولاية » مما يلي الموصل . لما شاع من ظهور الهيضة () في 
الموصل » فأقيمت المنطقة المذكورة في جهة الرّها وحرّان والبيرة والرقة 
خمسة عشر يوما على كل مارٌ من هناك إذا لم يكن معه تذكرة مشعرة 
بنظافته . وفي هذا الشهر قدم من استانبول إلى حلب الشيخ وفا ابن الشيخ 
بهاء الدين ابن الشيخ «محمد وفا الرفاعي» ومعه من حلية رسول الله صلّى 
الله عليه وسلّم شعرة أعطته إياها امرأة من أكابر نساء استانبول. فتلقاه 
الناس بالتكريم » ووضعت الشعرة ة في زاوية الشيخ تراب المتصلة بجامع 
خسرو باشا. وفي الساعة الثامنة بعد ظهيرة يوم الثلاثاء شامن عشر شعبان 
المعظة مو هذه الننكة المسادف) لليرم 291 دار ببلة 11306هذا المطر يفيل 
كأفواه القرب » واستمر بهذه القوة العظيمة إلى الساعة الأولى ليلا » حتى 
طافت الشوارع وبعض جوامع وحمّامات ودكاكين » واغرق نحو ثلاثين 
حملا من الأررّ والملح وغيرهما في خانات باب الجنان » وخسفت الأزقٌة : 
وسقط صاعقة في محلة ساحة بزة فصدّعت أربعة جدران. 

وفك قوز الحمتين د مساج طن 10097 ووصلل 1١‏ كلقع اليا عانيا 
اروك ينا 

وفي صيف هذه السنة ظهر في حلب ونواحيها مرض وافد سماه 
الناس باسم «أبي الرّكب» وكان وفوده من الممالك الإفرنجية » وكانت 
أعراضه في حلب أن يبتدئ مع الإنسان بقشعريرة خفيفة تارة وسخونة 
ا ا ا ل ا 
ل ا ا ا 
وفي شتاء هذه السنة أيضا انقلب هذا المرض إلى علّة سماها الناس 
«الفولانزا» وفدت من البلاد الإفرنجية » وهي نزلة صدرية شديدة يصحبها 


(1) سبقت الإشارة إلى أنها الكوليرا. 


-317- 


وفي يوم الثلاثاء 29 شوال المصادف اليوم الخامس حزيران سنة 
6 فى الساعة الرابعة والدقيقة الثالثة والثلاثين ابتدأت الشمس بالكسوف 
وانقتهى الكسنف فى الساعة الخاصسة والدقيقة الرابع]ة والثلآافين».وبدا 
بالاتجلاء فنى الشساعة الخامسة والذقيقة الخامسة والثلاثين »«فكاتت مِدة 
الكو كنم ع الاشذاع الى (تقيداء. الاتهاة اميا هتين :و دفيفكين :قدا هنا 
انكسف من قرص الشمس تسع أصابع من اثنتي عشرة أصبعا. 


-318- 


سنة 1308 ه 

في يوم الخميس 26 محرّم هذه السنة 29 آب سنة 1306 تواردت 
الأخبار من جهة مسكنة بأنه أصيب فيها بالهيضة خمسة عساكر بواسطة 
ثلاثة أفراد من البدو » وقدموا إلى مسكنة من بلد الجزيرة » المنتقل إليها هذا 
المرض من ديار بكر فبغداد فالبصرة فالهند. ثم في يوم السبت 28 محرم 
أصيب بالمرض المذكور بضعة أشخاص من النصارى في زقاق أبي 
ناصر في محلة قسطل الحرامي بحلب. وفي ثاني يوم مات أكثرهم 
فوضعت الحكومة الحجر على هذا الزقاق عشرة أيام » وفشا المرض في 
اكه وحتص وكيا دكار رداص و ابره #وام تر يوحيكه ا البومي 

فاهتمت الحكومة بالأسباب التحفظية وبالغت بنظافة البلد » وحظرت 

بيع الخضر والبقول المضرة » ووضعت في عدة جهات داخل البلد مقدارا 
ا اسه ثم في الساعة الحادية عشرة من يوم الاثنين 28 
ربيع الأول أمرت أن تضرم النار في هذا الزبل » فعلا الدخان إلى طبقات 
الجو وانتشر ريحه في جميع البلدة. وكان الغرض من ذلك تنقية الهواء به 
من المكروبات التي يزعم الأطباء أنها السبب في مرض الهيضة. ثم نبهت 
الحكومة على مختاري المحلات أن يحملوا كل ساكن في محلتهم على أن 
يبخّر بيته كل يوم بالقطران والكبريت » ويطرح في المراحيض مقدارا من 
الزاج والكلس », ويرش البيوت بروح الفحم » ويحرق عند باب داره مساء 
كل يوم مقدارا من الزبل. فامتثل البعض منهم الأمر»ء فلم يفد ذلك شيئا. إلى 
أن كان أواخر كانون الثاني تقئص ظل هذا المرض الذي وقف دولاب 
التجارة ورفع أسعار العقاقير الافرنجية كالقينا وروح الفحم والكونياك ؛ 
لانقطاع جلبها من أوروبا . لعدم مجيء البواخر إلى ميناء إسكندرونة 
بسبب الحجر الصحي المضروب فيما بين أنامور وإسكندرونة برا وبحرا. 
وكانت مدته خمسة أيام » واستمر ذلك إلى اليوم الثاني والعشرين من كانون 
الثاني » فألغي الحجر وعادت التجارة إلى ما كانت عليه » ورجع الناس من 
هربهم. على أن السبب الأعظم لتكرر هذا الداء الوبيل في حلب 


-319- 


ماء قناتها ونهرها. يؤيد ذلك فتكه بسكان المحلات التي تشرب من ماء القناة 
والنهر أشد من فتكه فيمن يشرب من ماء غيرهما. 

وفي آذار هذه السنة انجس المطر عن بلاد حلب » حتى عدم نصف 
الموسم. وفي شوال هذه السنة أعني 1308 المصادف شهر مايس » عادت 
الهيضة إلى حلب وأنطاكية والعمق » وضرب النطاق الصحي على حلب 
وبلادها. وفي رابع عشر مايس سنة 1307 وقع في البيرة برد واحدته في 
حجم البيضة واستمر سقوطه نحو ربع ساعة » فكسر زجاجات البيوت 
وأضرٌ بالزروع وحمل سيله فاقتلع بلاط محلّة وادي جنك » وهدم بضعة 
جسور ء ونحو عشرة بيوت » وقتل أربعة أوادم وأهلك مقدارا عظيما من 
الدواب والأمتعة. وفي هذا اليوم وقع نحو هذا في الحمّام الغربي وقرية أربه 
لي » من قضاء بيلان » فأتلف جميع الزروع » وانقضّت صاعقة فقتلت 
دابتين وإنسانا. وكذا وقع في عدة قرى من قضاء عينتاب فأتلف زروعها 
وهدم بيوتها وأهلك كثيرا من دوابها. 

وفي حزيران هذه السنة كان الجراد في ولاية حلب كثيرا أكل فيها 
مبلغا عظيما من زروعها » فاجتمع في هذا العام الوباء على الناس والبرد 
والجراد على الزرع » فارتفعت أسعار القوت وتعطلت التجارة. وفي ذي 
الحجة من هذه السنة بعث قائمقام قضاء أنطاكية الن ولاية حلب عاديات 
وجدت قرب الجبل بالموضع المعروف هناك باسم «بين الخراب» يبعد عن 
أنطاكية مسافة ربع ساعة » وهي تمثال من الصّفر يمثل متصارعين » 
وشمعدان عليه صورة رأسين مقطوعين متصلين ببعضهما من طرفيهما. 
وقد فحصها بعض العارفين بالعاديّات فزعم أنها مضى على وجودها في 
الدنيا ثلاثئة آلاف سنة » وقد أرسلت إلى نظارة المعارف. 


-320- 


سنة 1309 ه 

في محرّم هذه السنة خفّت وطةة الهواء الأصفر في حلب وحارم 
وأنطاكية. بعد أن بلغت وفياتها اليومية في حلب مائة شخص وزيادة » 
ولكنها في هذا الشهر أيضا فشت في عينتاب وكلّز. وفي محرّم هذه السنة 
أيضا بوشر بستر مجرى المياه القذرة في الخندق الكبير » الذي صار جادة 
عامة بعد أن قطعت منه الأشجار وثقف 2 بالتراب من باب حديد بانقوسا 
الووتخصيرة مزان السهزوذي, وفي هذا الثنهن أيضا فشتعلة:الهيضنة في 
أورفة فأخذت تحت المنطقة الصحية. ثم في شهر ربيع الأول فشت في 
إسكندرونة. وفي ا عو رك جر اكد بلاد 
الولاية ورفع الحجر الصحي عنها. وفي آذار منها وصل إلى حلب جراد 
كنين طرق السوك والحيل و ميلد قناة حلي و أنهه ماءشاء تطتفقيا! الباديية 
بالحجارة الكبيرة من قرية هيلانة إلى قرب ناحية بعادين » منعا لسقوط 
الجراد فيها. وقد ترك من القناة بعض مواضع مكشوفة للشرب والوضوء. 
وطول ما طبق منها ثلاثة عشر ألف ذراع معماري » وجمع من بزر 
الجراد ‏ قبل أن ينقف ‏ زهاء ستة ملايين أقة. 

وفي هذه السنة بلغت رسوم عد الغنم عن سنة 1308 رومية في ثلاثة 
عشر قضاء ملحقة بحلب (7193242) قرشا موزعا هذا المبلغ على رأس 
كل شاة ومعزى : ثلاثة قروش ونصف القرش عملة أميرية » سعر الذهب 
العثماني مئة قرش. وفي ذي القعدة من هذه السنة بوشر بتنظيم جادة الخندق 
من باب دار الحكومة إلى باب الفرج. وفيها فتح مستشفى الغرباء تحت 
القلعة قرب سوق الضرب » وسمي مستشفى الغرباء الحميدي » وفرش من 
أموال إعانة جمعت من أهل الخير. وفيها طبق كثير من مجاري المياه 
القذرة في حلب » وكانت مكشوفة تنبعث منها الروائح الكريهة وتشوه 
مناظر الشوارع. 


(1) أي سوّي وقوّم اعوجاجه. 


-321- 


سنة 1310 ه 

في محرّم هذه السنة مات ولدان من أهل محلة أقيول ؛ لأكلهما لب 
عون المشمدن» ليع يرحة فيه يفال لحامين الكبالر سن و قيمسثر :هيده 
امع كي اطي كر لاما او يد ا 
دين الشهيد » وكادت قبلا شلال عظيسة كالجبال لا يشتريها أحد قوش 
يشترون كل ذراع مربع من التلل المذكورة من متولي المدرسة بعشرين 
بذهبين عثمانيين » فأثرى وقف المدرسة المذكورة وكثرت عقاراته » 
وعمرت المدرسة ظاهرا وباطنا. ومن هذا التاريخ أخذت محلة التلل بالسعة 
والعمران حتى أصبحت في هذه الأيام من أجمل محلات حلب وألطفها 
موقغا وأغلاها قيمة..وقد أنبلفنا ذكزها في الكلام على محلة الصيلبب: 
الصغرى من الجزء الثاني. ٠‏ 

وفي اليوم الخامس من شهر ربيع الاول حدث في سوق راس الجسر 
كلد يظاكه عرير ن أتى على 65 نام نميا بين دان ودكان. وفعةاايطنا 
نباتا يعرف بالفطر فمات منهم ثلاثة. وفي رجب بوشر بتعمير مستودع 
لزيت البترول المعروف بالكاز في مديئة إسكندرونة. وفيها حول المكذب 
الإعدادي الملكي في حلب إلى ليلي فبلغت طلبته نيفا وثمانين. وفيها قبضت 
الحكومة على رجل يستخرج من قرية قرق مغارة (أربعين مغارة) ملح 
البارود فصادرته وحبسته. وفي شعبان ‏ المصادف شباط الرومي - حدث 
عدة هزات أرضية في حلب والرّها ومرعش والبستان وعينتاب والبيرة. 
المدخنون بالماربيج يستعملون فيه بدل التنباك حب الرز وعرق السّوس » 
ويزعمون أنه يغني عن التنباك. فلم يقيموا على ذلك غير القليل ثم عادوا 
إلى التنباك. 


-322- 


وفي ربيع هذه السنة كانت الأمطار كثيرة غزيرة في جميع الجهات . 
فكبست السيول بعض المنازل في الرّها وأنطاكية وغيرهما من البلدان » 
وظطعت المياه على سيول العمق فأغر قف كتين | 'من قواد «وكاق ذلك كامكا 
عن ضيق مصائد السمك المبنية فى نهر العاصى »؛ المعروفة فى أنطاكية 
باسم (داليان). وفيه قذف بحر السويدية قرب «الجوليك» حوتا عظيما طوله 
- عدا رأسه ‏ ثلاثون ذراعا معماريا » فأخذ الأرمن هناك رأسه واستخرجوا 
منه مقدارا عظيما من الدهن. وفيها وزعت الحكومة على بعض الزراع 
حب ذرة صفراء وبيضاء أحضرت من أميركا قصد تجربة محص ولها فلم 
تنجح. ا 

وفي صيف هذه السنة في آب منه اشتد الحر في حلب حتى صعد 
الزئبق في مقياس السنتغراد في الظل الشمالي إلى الدرجة الأربعين. وفيها 
تواردت الأخبار من الرقة بأنه فشا في غنم بعض قراها مرض سببه دودة 
في كبدها تحصل من رعيها حشيشة اسمها البور. وفيها عاد لدين الإسلام 
عشيرة فلجلو في قضاء بازارجق » بعد أن صارت إباحية من الطائفة 
المعروفة باسم قزل باش (الرأس الأحمر). وفي يوم الثلاثاء 15 جمادى 
الثانية وصل إلى حلب واليا عليها الحاج عثمان باشا » وهي ولايته الثانية , 
وكان كسيحا يحمل بين يدي الرجال ويوضع في عربته ويحمل منها إلى 
محل جلوسه. وهو من أعظم وزراء الدولة عند السلطان عبد الحميد. 
محبوبا لديه » لأنه هو الذي سعى بقتل بطل تركيا الفتاة مدحت باشا حينما 
كان محبوسا في الطائف » وعثمان باشا واليا في الحجاز. وكان هذا الوالي 
في منتهى درجات السخاء إلا أنه أيضا كان في منتهى درجات قبول 
الرشوة. وفيها نقل مركز قضاء جبل سمعان إلى قرية خان تومان. 


-323- 


سنة 1311 ه 

في ربيع الثاني منها تم افتتاح جادة الخندق » وبدأ الناس يسيرون فيه 
بكعل سهولة. وكان هذا الخندق بستانا كما بينا ذلك في الكلام على أسوار 
حلب . وفيه تم بناء القنطرتين المضافتين إلى جسر الناعورة تعريضا له. 
وفيه ورد من قضاء إدلب أن رجلا في قرية «شلاية» في ناحية «ريحا» 
ذبح ماعزا مريضة وباع لحمها فكلٌ من أكل منه مرض » ومنهم ثلاثة 
ماتوا..وفيها مد الدبلك البرقي من حلب إلى الرقة على طول 180 ميلا 
(كيلومتر). وفيها وضع أساس مسجد وتكية في قرية «حيش» من أعمال 
قضاء المعرة لزعم مرقد لوليّ هناك اسمه علي خزام. وفيها أحدث في 
حلب مكتب للإناث تدفع نفقاته من جهة المعارف. وفيها مد السلك البرقي 
من حلب إلى دير الزور. 


- 324 - 


سنة 1312 ه 

في سادس محرّمها توفي الشيخ حسن وادي » ودفن في حجرة غربي 
قبلية مسجد الزاوية تحت القلعة » قرب باب محلة ألطون بغا. وفي 11 
محرّم منها ولي حلب حسن باشا الأشقودري ثانية. وفي جمادى الأولى منها 
المصادف تشرين الثاني سنة 1310 احترق سوق بيلان. وفيها كان تأليف 
كتائب الحميدية من عشائر البوادي مضاهاة لعساكر القوزاق عند الدولة 
الروسية لأنهم من عشائر بواديها. وفيها جعل مركز قضاء حارم في قرية 
كفر تخاريم تفاديا من وخامة هواء حارم وضيقها » ورغبة في جودة هواء 
كفر تخاريم وسعتها. وقد تعهد جماعة من أهلها أن يعمروا فيها من أموالهم 
دارا للحكومة ومستودعا للرديف ومحل للتلغراف » فوفوا بوعدهم. 

عصابات الأرمن : 
جماعة من عصابات الأرمن ظهروا في الجبال المتوسطة » بين ناحية 
وانهم تحرشوا ببعض قرى المسلمين والمسيحيين وتعذوا على أهلها. فلم 
يلتفت الوالي ‏ وهو حسن باشا الآأشقودري - إلى هذه الأخبار وأراد أن يبقي 
هذه الحادثة في حيّز الكتمان لغرض لا نعلمه. ولكن هذه القضية لم تقف 
على حدّ يمكن كتمانها عنده فقد عادت تلك العصابة الأرمنية إلى تعديها 
والمضايق حتى وصلت إلى الزيتون من أعمال مرعش. 

ولما بلغ الحال هذا المبلغ لم يسع الوالي أن يتغاضى عنه » فندب 
للتحقيق عن هذه القضية رجالا من حلب أشخصهم إلى جهة السويدية : 
فتبين لهم أن جماعة من ناشئة الأرمن قدموا على ثغر السويدية من أميركا 
بقصد الترؤّس على طوائف الأرمن في البلاد العثمانية والقيام 


(1) يعني أعالي الجبال. 


-325- 


على الحكومة لينالوا الاستقلال » وأنهم ‏ بعد أن أهاجوا الفتن والقلاقل في 
جهات السويدية وأضرموا فيها نار الشورة ‏ تسلقوا الجبال وقصدوا جهة 
الزيتون ليجعلوها مقرا لحركاتهم الحربية. فلم ترق هذه الأخبار بعين الوالي 
بل مسخها وشوّه وجه حقيقتها وأذاعها في صحيفة الفرات. والظاهر أن 
الوالي كان يخشى أن يتطير السلطان منه لحدوث هذه المسألة في أيام 
ولايته. 

ثم إنه لم يمض سوى مدة يسيرة حتى اشتهر الحال وظهر الاختلال 
في جهات الزيتون حيث انضم إلى تلك العصابة ألوف من الأرمن وثاروا 
بغتة » وكان من أمرهم ما سنذكره في حوادث السنة التالية. وكان سبب 
تفاقم أمرهم تغاضي حسن باشا الوالي عن أخبارهم في مبدأ أمرهم » ولذا 
نقم عليه السلطان وعزله عن ولايته فسافر إلى استانبول وبعد مدة وجيزة 
أدركته الوفاة. وفيها وضع في مسجد مشهد الحسين بحلب منبر وجرت فيه 
خطبة في الجمعة والعيدين. وفيها ظهرت علة الهواء الآصفر في حلب 
وبلغت أقصى وفياتها في اليوم نحو الثلاثين. 


-326- 


سنة 1313 ه 
في شوّالها الموافق آذار سنة 1312 ورد من قضاء جسر الثتغر أن 
الغنم في الجبل الوسطاني قد فشا فيه مرض قتّال » سببه تراكم قراد على 
أديمه ©. وبعد أن أشخص إلى تلك الجهة المأمور البيطري وفحصص 
المرض قال : إن علاجه إزالة القراد على الدابة بالنظافة إن كان القراد 
قليلا »ء ومسحه بمزيج مركب من جزء من روح الترمنتينا وجزءين من 
أن بقرة لعثمان من أهل قرية «أفيز» ولدت عجلا ميتا له رأسان وأربع 
عيون واربع اذان وفمان واربع قوائم. وفيها ‏ في ذي القعدة ‏ وردت 
الأخبار من جهات السويدية وأنطاكية أن جمعا عظيما من الأرمن الأغراب 
وفدوا على السويدية وجبل موسى وما جاورهما من القرى الأرمنية . 
عنهم والتنكيل بهم بعد أن يتبين لهم فساد طريقتهم » ففحصوا الحقيقة وتبين 
لهم أن تلك الطائفة ومن انحاز إليها هم من الثوار » فقبضوا على بعضهم 
وهرب البعض الآخر وتشتت شمل تلك العصابة. وفي 11 جمادي الثاني ©) 
منها وصل إلى حلب واليا عليها مصطفى ذهني باشا » ثم عزل وولي حلب 
رائف باشا فوصل إليها في خامس شعبان منها. 
تمرد الأرمن في الزيتون : 
في شعبان من هذه السنة أيضا أخذت الأخبار تتوارد من الزيتون بأن 


ونشيو! و اسكولو| على "النكثة العسبكرية وفتكو ا ,السيكن و الحنباظ وقتلوا 


(1) الأديم : الجلد. والقراد : حشرات صغيرة تقتات من الدّم » تمتصّه حيث تستطيع. 
(2) الصواب : «جمادى الآخرة» أو «جمادى الثانية» » لأن كلمة «جمادى» مؤنثة. 


-327- 


فاهتمت الدولة بأمرهم وجهزت جيشا من حلب وآخر من أطنه تصحبهم 
الأرزاق والمهمات الحربية وكان الوقت شتاء والأمطار غزيرة والثلوج 
متراكمة في الطريق المؤدية إلى الزيتون فلقيت العساكر بالوصول إليها 
الشدائد من البرد والثلج والجوع مات منهم بسبب ذلك عدد غير قليل. 
وأخذت البلدية في حلب من الناس عددا عظيما من الدواب كالجمال والبغال 
والخيل لتحمل عليها المهمات إلى الزيتون على أن تعوض أصحاب الدواب 
قيمتها بعد انقضاء تلك الحادثة فلم تعوض عنها سوى نحو عشرها 
وضاعت بقية الدواب على أهلها. ولما علم الأرمن الثائرون في الزيتون أن 
العساكر سائرة إليهم جزعوا واضطربوا وتحققوا أن لا قبل لهم في النصرة 
عليهم فاخذ زعماؤهم يخابرون لجانهم الكبرى في البلاد الآوربية فاستغاثت 
تلك اللجان بالدول الأجنبية وطلبت منها السعي بإنقاذ أولئك الثوار وانتشالهم 
من مخالب العساكر التركية. فأصدرت كل من دولة إنكلترا وألمانيا 
وفرانسة وإيطاليا أمرا إلى قنصلها في حلب بأن يتوجه إلى الزيتون 
ويتوسط الصلح د بين الحكومة العثمانية وبين الأرمن الثائرين ن. وفي أسرع 
وقت سافروت الفتاصيل إلى الزيتوان ولقوا.من الطريق نيزيضا مين شدة اليرد 
وقد استمروا في الزيتون زهاء ستة أشهر إلى أن أخلد الثوار إلى الطاعة 
وصدر العفو عنهم وتقرر بأن يكون القائممقام في قضاء الزيتون مسيحيا 
وله معاون مسلم. وفي هذه السنة حدئنت المشاغب الآرمنية في مدينة أورفه 
ومرعش وعينتاب وكلز وبيره جك من ولاية حلب ووان وبتليس وغيرهما 
كن يقية الباكد العتمائية وقتل من الأرمن فى هذه المشاعب على رو انةجافة 
ألف نسمة. وكان الباعث على هذه المشاغب قيام الأرمن على الحكومة 
وإقلاقهم راحتها في طلب انفصالهم عنها وبقائهم دولة مستقلة أو تحت نفوذ 
دؤلة روسيا أو إنكلتوة :تحن 'لا نشك أن تلك المكباغب كانت بإشارات 
خفية وأوامر برقية مرموزة من السلطان عبد الحميد إلى ولاته وأمرائه 
العسكرية في ممالكه رغما عما كانت الحكومات تختلق لكل مشغبة سببا 
غير معقول لدى أرباب العقول. على أن جميع البلاد السورية بل سائر 
البلاد العربية لم يحدث فيها شيء من تلك المشاغب والسبب في هذا عدم 
الإيعاز "من فيلك البناطان عيذ الحميد: إلى أغلينا باهداك ثلك المشاغي لغلمه 
أن أهلها لا يلبون طلبه ولا يلبث أن يذيعوا ذلك السر الذي لا يخفى عليهم. 


استطراد في الكلام على الأرمن ومدينة الزيتون : 


نورد في هذا الاستطراد بعض ما وقفنا عليه من الأحوال الروحية 
والتقاليد القومية » 


-328- 


التي سارت على سننهما الهيئة الاجتماعية من الطائفة الأرمنية التي مضى 
على مجاورتنا إياها بضع سنوات غبّ أن هاجرت إلى حلب بعد الحرب 
العالمية + وقد اصح قيها متهم :العدد' الكدين التذى يدر يتين الكه تنصة» 
فنقول : 
غاملة منصرقة عتليقهيا إلى المانيات دوق المعو ياخاء وه ثابتية في 
مقاصدها قوية الإرادة في منازعها » تمارس من صعاب الأمور ما يعجز 
عنه غيرها من أمم الشرق » لا تعتمد إلا على نفسها ولا يعوقها عائق في 
سيل غاية تطلبها. ترى كل فر من أفرادها ‏ ذكرا كان آم أنتى © كبيرا كان 
أم صغيرا ‏ مكبًا على عمله مهرولا إلى حانوته مبكرا لمزاولة مهنته التي 
ارتضتها له قوة جسمه وسعة مداركه » فمنهم التجار بأنواع البضائع 
والصرّاف والخادم والكاتب . والميكانيكي والخياط والحائك . والنجار 
والحداد والحجّار » والمعمار والطاهي واللحّام » وصاحب المقهى والمنزل 
؛ وبائع الخضر والبقول » وغير ذلك من المهن التي لا تخلو واحدة منها ء 
شريفة كانت أم حطيطة , إلا والمشتغلون بها من الأرمن عدد كبير 
يزاولونها باعتناء وإتقان لا مزيد عليهما. وهم على اختلاف مهنهم 
وحرفهم ‏ يقنعون بالربح اليسير ويقتصدون بالإنفاق على أنفسهم » الأمر 
أنه :لا يتتيون كارك امسن لتتو دك على الترمع با فاق دون الاقتصاز 
على ضروريات الحياة. 1 

كل فرد من أمة الآرمن ‏ ذكرا كان أم أنثى ‏ لا يرضدى أن يكون 
عاطلا عن العمل متقاعدا عن الاحتراف » ولذا لا ترى منهم متسؤّلا ولا 
متشردا ء ولا من هو عيلة على غيره » سوى من أعجزته العاهات 
والزمانات 7» عن النهوض بعمل ما » وسوى الأيتام الذين ليس لهم مال ولا 
الخيرية الآرمنية المؤلفة في حلب وغيرها من بلاد أميركا وأوربا » ففتحت 
لهم دور العجزة والمياتم والمدارس » وأغنتهم عن الحاجة إلى غيرهم 
وعنيت بأمورهم أحسن عناية. 


(1) الزمانات : جمع زمانة » وهي المرض الدائم (المزمن). 


-329- 


أما نساء أمة الأرمن فإنهن يرين للرجل حق السيطرة عليهن » فهن 
بهذه العقيدة من أطوع نساء العالم لأزواجهن . وهن بعيدات (إلا ما شد 
منهن) عن معانقة الأزياء الغربية في لباسهن وزخارفهن » إذ قلما تجد على 
أرمنيّة ثوبا يبدو منه الذراعان إلى قرب الكتف ويظهر منه الكاهل والنحر 
وأعالي الصدر. كما أنك لا تجد فيهن واحدة تستعمل في وجهها وشفتيها - 
وما افق يدنها: القوفة بالياض. والهمرة :85 اعصدية عن ذلك كله 
بنظافة بشرتهن واعتدن على الاغتسال بالحمّام والتردد إليه من حين إلى 
الخو وإلذ عرقي ناشين يحمي زايد و الكل ربعو خرص بيط ياكد ا . 

يستر المرأة من رقبتها إلى ما تحت ركبتيها ساترة ساقيها بجورب منتعلة 
بحذاء: (كتتررة) له كعب هال + فاق على نر أسها شح طبلسان .سو اللورن 
مثلث الشكل » قد أرسلت خلفها زاويته الوسطى تستر بها ظهرها 
وضفيرتها. ومنهن من تفتح على رأسها منديلة صفيقة سوداء » ترذي منها 
ذؤابة على ظهرها تخالط بها شعرها » فلا يفرق الناظر إليه بينه وبين ذؤابة 
المنديلة. على أن هذا النسق من اللباس والطيلسان لا يكاد ينقص عن الإزار 
الشرعي سوى عدم ستره ج جميع الشعر. وقل منهن من تلبس القبعة 
(البرنيطة) في رأسها. 

ما تواخذ به أمة الأرمن : 

ادر ادي طروي لي عليه مز الدرزيا امكاح بر ادر باعل يصن 
هنات تستوجب عليها المؤاخذة وهى 
ْ (1) التعصب المفرط الخارج عن دائرة الاعتدال » فإن كل واحد من 
الأرمن يرى الصواب كله فيما هو عليه من العقيدة والتقاليد والعادات » وان 
ضد ذلك فيما هو عليه غيره. على أن هذه العقيدة هي التي تجعل الأرمني 
بعيدا عن معاشرة غيره منكمشا عن صحبة الناس » غير مؤتلف ولا مختلط 
60 50 هوة هم 50 3 

(2) التهوّر وقصر النظر وقلة التبصر بالعواقب » وعدم وزن القدرة 
في القيام على طلب الاستقلال الذي طالمنا جلب علئ أمة الأرمن:البوار 
والدمار » وأفنى منها ما يعد بألوف الألوف . دون الحصول على ما تبتغيه 
؛ غير متعظة بقول الحكيم : 


(1) الطيلسان : وشاح يوضع على الكتف والرأس » يشبه ما يسميه العامة «الشال». 


-330- 


(3) الإلحاح بالانتقام من عدوهم إذا ظفروا به » حتى إنهم ليبطشون 
ببعضهم إذا طرأ بينهم خصام ونزاع » فترى سورة الغضب في أحدهم 
تحمله على أقصى ما تجود به قوته من الضرب والبطش. 

إن التهور وقلة التبصر في العواقب قد كلفا الأرمن أن يريقوا من 
دمائهم بحارا دون أن يحصلوا من ذلك على جدوى. 

إن من تصفح التاريخ ونقب فيه عن حوادث الزيتون والارمن » وعما 
طرأ على مرعش من الخراب المتكرر ء يظهر له جليا أن قيام الاآأرمن 
وتمردهم على الحكومات الإسلامية لم يخل منها زمن من الآزمان »2 
يقومون على الحكومات تارة بأنفسهم وأخرى بواسطة الروم الذين يشنون 
الغارات على جهات الاناضول بإغراء الآرمن والالتجاء إليهم » ينضمون 
إلى الصليبيين تارة وإلى التاتار أخرى ؛ فلا ينالون من ذلك سوى الفشل 
الذي كان الأحرى بهم أن يقودهم إلى العيش مع جيرانهم بالمسالمة والوفاق 
كما يعيش غيرهم من بقية الطوائف المسيحية التي تعيش في غبطة من 
السلام والوئام. 

انظر إلى ما كتبناه في الكلام على مرعش يظهر لك أن هذه البلدة 
خربت بمشاغب الآرمن خمس مرات ؛ أعاد بناءها في المرة الآولى معاوية 
؛ وفي الثانية العباس بن الوليد » وفي الثالثة الوليد بن هشام » وفي الرابعة 
حمدان. ثم تنقلت عليها الولاة المسلمون حتى استولى عليها كيخسرو بن 
قليج ارسلان السلجوقي » وكانه استصعب حفظها والقيام بها فوهبها لبعض 
طهاته » وهو حسام الدين » ثم انتقلت عنه لأولاده إلى أن كانت سنة 656 
فعجز عماد الدين ‏ آخر من تولاها من أولاد حسام الدين - عن ضبطها 
لتواتر غارات الأرمن عليها » فعرضها على كيكاوس صاحب الروم فأباها 
» فعرضها على السلطان صلاح الدين فأباها أيضا ء فرحل عنها وتسلمها 
الأرمن حتى أخرجهم منها سنة 900 علاء الدولة بك أحد أمراء الدولة ذي 
القدرية » وعمرها في موضعها الحالي وأجلى الأرمن عنها إلى أن 


(1) انظر حاشية المؤلف عند كلامه على حوادث سنة 767 ه. 


-331- 


كانت سنة 928 دخلت تحت سلطة الدولة العثمانية » وكان جاليتها الأرمن 
ومن اختاروا التوطن في ضواحي قلعة الزيتون الخربة التي هي في وسط 
جبال وعرة المسالك جدا » تحصْنا وتمنعا عن الحكومة التي تهددهم بقوتها 
إذا حاولوا التمرد عليها. 

ونقلت من كتاب «فظائع الأرمن» التركيّ العبارة ما خلاصته أن 
الأرمن في حدود سنة 952 ه رأسوا منهم أربعة أشخاص سموهم (إيشخان 
- برنس) وقسموا مدينة الزيتون بينهم أربعة أقسام » أقاموا على كل قسم 
منها واحدا يحكمها من هؤلاء الأربعة » وعقدوا جمعية سموها (فه أودال) 
جعلت وظيفتها السعي وراء تأييد السلطة الأرمنية على أهل تلك النواحي 
المجاورة لهم. فاستفحل أمر هذه الجمعية وامتدت سلطتها إلى القرى 
المجاورة لها » حتى صارت تجبي الضرائب من أهلها بواسطة جباة 
ينصبونهم » حتى إن كثيرا من القرى الإسلامية القريبة من الزيتون خربت 
وجلا أهلها عنها فرارا من ظلم الزيتونيين وتعديهم » وكانوا كثيرا ما 
يتمردون على الحكومة بدعوى كثرة ضرائبها عليهم » حتى إنهم قاموا مرة 
عليها بزعم أن ضراتبها البالغة في السنة 15 ألف قرش لا يقدرون على 
دفعها » ثم إنهم لما رأوا أن لا مناص لهم من دفعها أذعنوا للطلب ودفعوها 
ثم تجاهروا بالعصيان وقاموا عليها في سنة 1197 ثم تكرر منهم هذا 
التمرد في كل من سنة 1201 و 1223 و 1224 و1241 و 1247 و 
8 . 

وفي سنة 1270 حضر إلى الزيتون قسيس اسمه (ملكيان 
أورزروفي) ليكون عضوا عاملا في العصابة العصيانية. وعندها انتتخب 
الإيشخانيون القسيس (ديراسويان) مشاور الحكومة » فنصبوه حاكما عاما 
على الأرمن في تلك النواحي. فتوجه هذا إلى دولة روسية ليؤيد حاكميته 
الموهومة. وبينما هو في الطريق إذ ألقي القبض عليه في مدينة أرضروم 
وحضر إلى الزيتون شابٌ اسمه (هاروتيون جاقريان) وهو زيتوني الأصل 
؛ وكان من مأذوني مكتب الأرمن في «غلطة» فتعين عضوا عاملا في 
وانفكاكهم عن الدولة العثمانية. 

ومن ذلك الوقت أخذوا يشدّدون الوطأة على من حولهم من أهل القرى 
المسلمين » وأخذوا يستعطفون أمة الأرمن ويطلبون منهم المدد والمعونة 
على مشروعهم فصارت الإعانات ترد إليهم تباعا من أميركا ومصر 
وغيرهما ء حتى إن أرمنيا اسمه (مياسيال أنيكه) 


-332- 


الزيتوني المقيم في مصر ء تبرع على هذه الجمعية بأربعمائة ليرا » وأرسل 
إلى مكاتب الأرمن في الزيتون معلمين خصوصيين » وصار يحضر إلى 
الزيتون ‏ من غير أهلها ‏ جماعة تمكنت فكرة الاستقلال من رؤوسهم . 
منهم رجل أعطوه لقب (برنس) حرروا له محضرا عاما ليقدمه بنفسه إلى 
نابليون الثالث إيمبراطور فرانسة » قالوا فيه إنهم يسترحمون من حضرة 
الإمبراطور باسم سبعين ألف بطل أرمني أن يظاهرهم على الاستقلال. 
فاهتم الإمبراطور بهذا الطلب أولا ثم لما تأمل المحضر وعلم ما فيه من 
المبالغة في العدد والتظلم طرحه وراء ظهره. 

قال في الكتاب المذكور : وفي سنة 1282 سرى تمرد الزيتونيين إلى 
استانبول بواسطة مرخّصي الأرمن ن الزيتونيين. وفي تلك الأثناء عينت 
الحكومة للزيتون قائمقام » فقام بعضهم يطلبون من البطركية رفعه » وظهر 
واحد من شجعانهم اسمه (بابيك باشا) وصار يتعاطى الدعارة وقطع 
الطريق إلى أن مات. وفي سنة 1297 بدأ الاختلال في تلك الجهة وكان 
زعيمه رجلا اسمه بابيك » وقد دام هذا الاختلال إلى سنة 1313 وقد حدث 
في هذه المدة عدة وقائع أهمها الواقعة التي تقدم ذكرها . التي بدأت سنة 
233 وقد اشترك في هذه الواقعة عامّة الأرمن الجبليين » سوى أفراد 
قليلين منهم. واستغرق هذا الاختلال مدة خمسة وأربعين يوما. ثم تداخلت 
القناصل ووقفت هذا الاختلال كما قدمناه. 

قال صاحب الكتاب المذكور : والغريب أن زعماء هذا الاختلال قاموا 
في أوله على قصد النهب والسلب , ثم بدا لهم أن يفرغوه في قالب سياسي » 
وبذلك اغتنموا فرصة جمع مبلغ عظيم من النقود » جمعوها من الأرمن 
ودلوها في جيوبهم. وكان الغرض الحقيقي من هذه المشاغب الدعوى 
للمذاكلة الأحدية + وإضبعائت الذو ثنة العثمافيية والسامين كلب انيتفاذن 
الزيتون. اه الاستطراد, 

وفي هذه السنة 1313 استولى الخوف على الناس في حلب وصار لا 
يمر يوم وإلا ويقع فيه الرعب من الثورة » فيغلق الناس حوانيتهم 
ويتراكضون إلى بيوتهم. وفيها ‏ في ثاني عشر أذار ‏ سطع بين العشاءين 
داخل خلواتهم وجعلوا ينظرون إليه » وبينما كانوا يرونه جرما ملتهبا آخذا 
بالهبوط » إذ بصروا به جرما عظيما كأنه قطعة سحابة نارية يتطاير منها 
شرر كثير كأنها 


-333- 


حمر اناك مالم اكد إرزكيكا تساف حت هاقلن ف بيدا لعجاف كيضيتا: 
استمرّت تشاهد في الجو نحو ساعتين. وقد ترك حين نزوله من العلوٌ أثرا 
محمرا بقي قدر ساعتين. وشوهد هذا الحادث أيضا في جزيرة قبرص 
وقونية وأدرنة. ْ 

وفيها استتب الأمن في الزيتون وأقلعت عنها طوابير الرديف إلى 
مزاكزها ‏ فوضل نيا قي يوم الحيعة ]اذى :الفحدة هذه كتاكن سارت 
في ثاني يوم إلى أزمير. وفيها عمر في قرية قره أغاج قرب مدينة 
إسكندرونة جامع على نفقة الخزينة الخاصة. وفيها أضيفت ناحية تركمان 
إلى ناحية حرّان » وجعلت قضاء سمّي «قضاء حرّان» ألدق بمتصرفية 
أورفة. وفيها صدر الأمر بأن يعمر على الساحل الممتد من بياس إلى 
السويدية إحدى عشرة مخفرة لتكون بالمرصاد على الآأرمن الذين يقدمون 
من أميركا وأوربا إلى البلاد العثمانية بقصد تهييج المشاغب وطلب 
الاستقلال. 


- 334 - 


سنة 1314 ه 

في صفر هذه السنة اهتم مجلسنا البلدي برحبة السقاية ‏ المعروفة 
بسبيل الدراويش - في شمالي حلب على بعد ميلين منه » فعمر فيها غرفتان 
على طرز جميل » وأنشئ تجاههما بستان فسيح » وجعل ذلك المكان محلا 
لنزهة العموم. وفي ربيع الثاني منها تواردت الأخبار من الآستانة بأن 
عصابة من الأرمن أثاروا فيها وفي غيرها من البلاد مشاغب شديدة » 
فعوقبوا على عملهم وعاد الأمن والسلام إلى مجراه القديم » ودعت حكومة 
حلب علماءها وأعيانها ورؤساء الكهنة فيها وألقت عليهم النصائح اللازمة 
وحتته على الرزفاق و المجبالعة لتعحميم » وكذر قم جافة المخالقة كم 
فرقت الحكومة على الناس بواسطة عرفاء المحلات نشرة مآلها : أن بعض 
أولى الفساد من طائفة الأرمن العاملين على إثارة الفتن والقلاقل فى 
الآستانة قد عقدوا النية على إثارة ذلك أيضا في عامة البلاد العثمانية : 
وغرضهم من هذا العمل إغضاب المسلمين ليوقعوا بالأرمن » فيبرهن 
الأرمن لأوروبا بأنهم مظلومون وأن المسلمين لهم ظالمون فتنهض أوروبا 
لإنقاذهم من ظلمهم وتقع الدولة العثمانية في خطر سياسي جديد. فالواجب 
على كل فرد من أفراد الرعية العثمانية أن يلزم جانب السكون والحياد ولا 
يتعرض إلى ما لا يعنيه » فإن الحكومة وحدها هي المسؤولة عن إخماد كل 
ثائرة وقطع دابر كل فساد. ١‏ 

وفي أيلول منها وقع في السويدية مطر غزير انقضّت في أثناء وقوعه 
صاعقة على زورق في الميناء حطمت ساريته. وفيها ورد الآمر بان إحدى 
عشرة قرية بعضها في قضاء حارم من أعمال ولاية حلب » وبعضها 
الآخر في قضاء الخاصة من أعمال ولاية أطنة - تسلخ عن هذين القضاءين 
وتضاف إلى قضاء بيلان » وهي : دده جنار » وبوز هيوك . وقره بابو» 
وبرتهلى. وباصي بورت . وبلانقوز . وزنكي » وجام صاري » 
وطوسون هيوكي . وكوز كجه . وقره مان قاش. وفيها تم بناء الثكنة 
العسكرية في زيتون. 


-335- 


حدوث حرب اليونان : 

وفيها بدأت دولة اليونان تتحرش بجزيرة كريد وتثير فيها الفتن 
والقلاقل بواسطة عصابات يونانية تمدهم بالأموال والسلاح » فيقطعون 
السبل ويشنون الغارات على القرى وينهبون ويقتلون. وكان الحامل لدولة 
البوانان على هذا العمل :اعتنامنها فرسية اشنتغال الذولة نحؤزادتك الأرمسن 
وعجز ماليتها عن الحرب. وفيها رأت الدولة العثمانية وجوب حرب 
اليونان وردعها لتماديها في غيّها. إلا أن مالية الدولة في عجز عظيم عن 
الإنفاق على هذه الحرب » فاضطرها الحال إلى أن تفرض على المملكة 
إعانة سمّتها إعانة التأسيسات العسكرية » قدرها 5852250 قرشا. فلحق 
مدينة حلب منها 947750 قرشا وقضاء أنطاكية 664500 قرشا » وقضاء 
عينتاب 762750 قرشا » وقضاء كلّز 759750 وقضاء إدلب 531250 
وقضاء الباب 230750 وقضاء الجسر 279750 وقضاء حارم 289500 
وقضاء بيلان 82000 وقضاء إسكندرون 144000 وقضاء المعرة 
0 وقضاء منبج 18500 وقضاء الرقة 69750 وقضاء جبل 
سمعان 251250 وشعب الأملاك السنية 657000 قرش. 

وفيها عين السلطان عقيب حوادث الآرمن ومشاغبها مشيرا جوالا في 
الولايات الشاهانية ليفحص عن وجوه الإصلاح التي تحتاجها كل ولاية ‏ 
وكان تعيين هذا المشير صوريا » الغرض منه التمويه على الدول الأجنبية 
التي تطلب حماية الأرمن وتطهير البلاد من الظالمين والمستبدين. والمشير 
7 إليه مه باشاء فطاف ا 


اي لم كن كرد 
الشاهانية وأعيان البلد » ونزل ضيفا كريما في منزل بني العادلي في محلة 
السفاحية » وكان معه حسيب أفندي مستشار السفارة العثمانية في طهران 

ب ل ا 0 
بضعة أيام أعلن أنه يقبل كل لائحة تبحث في إصلاح حلب وجميع ولايتها. 
فأقبل عليه الكتّاب وأولو العقول الثاقبة باللوائح المتنوعة الطافحة بالفواذد 


-336- 


مكاتب علمية وصناعية وتجارية وزراعية » وافتتاح طرق ومعابر » 
وإحضار معامل وأوائل وتخفيض رسوم وتكاليف واحداث غيرها » وتأليف 
ضابطة من الملل الثلاث وغير ذلك. فكان يتلقى تلك اللوائح بكل ارتياح 
ويظهر بها إعجابه. ويعد بتنفيذها مع أنه لم يظهر لها بعد ذلك أدنى أثر ولا 

وفيها حوّل أدهم باشا قائد حلب إلى القائدية العامة في حدود اليونان 
لحرب المتعدّين على كريد » فبارح حلب على الفور متوجها إلى جهة 
الحدود المذكورة » وكان أدهم باشا صار بعد حادثة الزيتون قائدا عاما فوق 
العادة على حلب وأطنة وما جاورهما قصد استطلاع أخبار الأرمن ومراقبة 
أحوالهم. فلما تحول إلى حدود اليونان » خلفه في القائدية العامة المذكورة 
على محسن باشا. وفى شوال هذه السنة المصادف شباط سنة 1312 
تكلا هوركة در له اليونان بالهداء على الدولنة العتيائية .فجي كا دارعة 
(لورييورم) وشحنتها بالعساكر وأمرتهم أن يخرجوا إلى (كوكيمباري) 
فعارضتهم دارعة إنكليزية وساقت دارعتهم (لورييورم) مخفورة إلى خانية 
» وكانت الدولة العثمانية قد جهزت مائة واثنين وتسعين طابورا وعزمت 
أن تجعل هذه القوة مائتين وعشرين طابورا » وصدرت الأوامر للحامية 
العثمانية المرابطة في حدود ألاصونيا وتساليا بأن تكون على قدم الدفاع. 

وفيها صدر الأمر بجمع إعانة اسمها إعانة المعابد الإسلامية » وبجمع 
إعانة أخرى اسمها إعانة مهاجري كريد المسلمين. وهكذا كان لا يمر في 
تلك الأعصار العجيبة شهر أو شهران إلا وتصدر الأوامر بجمع الإعانات 
على اختلاف أسمائها ومقاصدها » فكأن أموال الدولة على كثرتها كانت في 
تلك الأوقات ترمى في عرض البحار » كما أن تلك الإعانات ‏ التي 
أضجرت الناس وأز عجتهم - كانت تدفن في الأرض. وفي شهر ذي القعدة 
الموافق نيسان سنة 1313 بدأت تتوارد الرسائل البرقية من الصدارة 
والنظارة الداخلية إلى ولاية حلب , نقلا عن القائد العام في جزيرة كريد » 
مبشرة بظفر العساكر العثمانية واستيلائهم على البلاد اليونانية وحصونها ؛ 
بلدة بعد بلدة وحصن بعد حصن. وكان حضر إلى حلب عدد وافر من 
مسلمي جزيرة كريد مهاجرين منها فرارا من تعدي اليونان عليهم وإيقاعهم 
بهم ؛ فقر رأي المرحوم والي حلب رائف باشا ومجلس إدارة الولاية على 
أن تلك الرسائل البرقية التي ترد تباعا تعرزب وتطبع وتباع وتصرف قيمتها 
بتعريبها حسبة » فصرت أعربها ثم تطبع في مطبعة 


-337- 


الحكومة وتباع » ويصرف الحاصل من ثمنها في مصالح المهاجرين. 

وفي يوم الخميس 21 ذي القعدة سافر من حلب شاكر باشا المشير 
المفتش العام المتجول في ولايات الأناضول وقد تقدم الكلام فيه. وفيها ورد 
أم و يجمع إعانة لمهاجرئ مسلمي كريد الدين ووضتلوا إلى الأسيتانة »ويبلة 
عددهم مائة ألف وخمسة آلاف إنسان » منهم 60 ألفا لا يملكون قوت يومهم. 
وفيها توالت انتصارات العساكر العثمانية وفشل الجنود اليونانية » ففتٌ ذلك 
في عضد ملك اليونان فاستغاث بقيصر روسيا والتمس منه أن يتوسط بينه 
وبين السلطان ففعل. 


-338- 


سنة 1315 ه 
في محرّم هذه السنة تم الصلح بين الدولة العثمانية واليونان على 
غرامة حربية تدفعها الثانية للأولى قدرها أربعة ملايين ليرة » وأن يرد إلى 
اليونان جميع البلاد التي أخذت منها في هذه الحرب » وبقيت جزيرة كريد 
تحت حماية الدول العظمى ريثما يتفقون على طريقة في شأنها » ثم اتفقوا 


على أن تكون لليونان. 


قصيدة من نظم الشاعر الأديب عبد الفتاح الطرابيشي الحلبي ) » نوّه 
بها بذكر ما أحرزه العثمانيون من الظفر في حربهم مع اليونان وما فتحوه 


عنوة من البلدان والمواقع : 

الحمد لله حقّ النصر والظفر 
و صبحت دولة الإسلام سائدة 
والجيش سد عليهم كل ناحية 
له درٌ جيوش المسلمين فقد 
فم اللوف :إذا كان النوفق التشعوية 
أمسى تلدّذهم » والحرب دائرة » 
هافك بيتكم كد الشيعاب كينا 
يا يوم (لاريس) ©) والأبطال غائرة 


وأقبل الدهر في ذا الفتح يفتخر 
وسيفها في قفا الأعداء مشتهر 
مثل الشيّاه إذا أسد الشرى نظروا 
حتى تخيّل أن الناس قد حشروا 
أبدت فعالا لها طول المدى سير 
والواردون إذا عنها العدى صدروا 
تحت الغبار بقلب دونه الحجر 
صوت المدافع ؛ والتصهال » لا 
ا ور 
يثني عليها قضاء الله والقدر 
يكاد يعطيه كنه العبرة الننظر 
دانت لحزمهم الأمصار والقطر 
هل أنت إلا على أعدائنا سقر 


(1) هو عبد الفتاح بن محمد أمين الطرابيشي » معاصر للمؤلف. ولد سنة 1277 ه وتوفي 


سنة 1330 ه. «إعلام النبلاء». 


(2) في الأصل : «لاريسا» فحذفنا الألف ليستقيم الوزن. 


-339- 


خَينك الندافغ وعد والتحهان جه 
يوم بهجاءنا عر ومنفعة 
و(طرنوى) أصبحت تهتزٌ من 
لحي 00 
لاقت رجالا تروع الآسد حملتهم 
باعوا نفوسهم لله وانتدبوا 
ما وا كك كيد و النمنانت | حواف: 
وترخالة كترينا ما دوت نقد 
وحذر 2 الروم من قوم جبابرة 
فإن يظنّوا الجبال الشمّ تعصمهم 
يفضّلون المنايا في مقاصدهم 
يلقون أنفسهم في كل مهلكة 
و(غولس) صر بالتسليم مأمنها 
وقد غدت في جيوش النصر زاهية 
والحمرب حرب (ولستين) فتلك 


نا 





أحاطها الجند من بعد الهجوم لها 
لله (الورس) ما لاقت وما نظرت 
قد هاجموها مساء والعدوٌ بها 
أمسوا تذمّهم الأعداء وتمدحهم 
قولوا لمن ظنّ أن العجز أقعدنا 
دوموا أيا عصبة الأعداء في قلق 
سلوا (زراقا) و (كروانا) فقد شهدا 


مثل النزيف الذي قد هزه السّكر 


ويرهب الجن لقياهم وهم بشر 
نحو الأعادي فما أمسى لهم أثر 
وأطلقوا السبي عفوا بعد ما أسروا 
حارت بمخبرك الألباب والفكر 
إذا نضوا سيفهم لا ينفع الحذر 
إن الجبال لدى فرساننا مدر 
على الدنايا ولا يثنيهم الخطر 
كأنهم للقا الأعداء قد فطروا 
وزال عنه العنا والهمٌ والكقدر 
زهو العروس التي قد زانها الخفر 
مما يقصّر عنها الوصف والخبر 


حزنا وسهلا » فمنها لم يفز نفر ©) 
نا أدوا الكل حتس اقبيل الخلسن 
أهل الشجاعة حتى السّبع والثمر 
عن رذهم حينما في عهدهم غدروا 
لانسسة التكلق حكن يس السن 
لا بالخيانة منايبلغالوطر 
فعال أبطالنا والحرب تستعر 


(1) كذا في الأصل » ولعلها : «وحذري» بياء المؤنثة عطفا على «خجّرينا». 
(2) الحزن » بفتح الحاء : الغليظ من الآأرض » في ارتفاع. وهو ضد السهل. 


-340- 


تخبّرا عن رجال ليس يأخذهم 
(فرسالة) نبّئينا عن فوارسنا 
ادهل خصيو تف كدت ووم ست 
وراماك 134ل كديا لفق اليه 
هيا(لدومكة) وانظر معالمها 
حلُوا ذراها وساروا نحو (أرمية) 
أروا عدوهم حربا فسالمهم 
وقائد الجيش قسطنطين حين رأى 
ولى ولم يلتفت خوفا إلى أحد 
لا غرو إن مرّ وانشقّت مرارته 
يا أدهم الاسم ياقاني الحسام ويا 


أنت المشير الوزير الفارس البطل 


ترذكات قغدلا النددغ اليو دان متنتينا 
0 0 0 
و1 للد مها هذا المسببون وخا 
أولئك الحزب حزب الله من شهدت 
زب السياسة منشي العدل مالكه 
أفكتناوكنييتب اقرالسة قضيجف 
من فضله عامل الأعداء مذ كسروا 
كم من مليك قبيل الحرب أنذرهم 
خليفة الله دم فالنتصر مقتصر 
ذا معقن النانى:هتتواا ذا التلينك ققد 


(1) الأين : الإعياء والتعب. 
(2) البهر : الإجهاد وتتابع النفس من الإعياء. 


فيما يرومونه أين ولا ضجر 7) 
هل عاقهم عنك ذاك المسلك الوعر 


نفعاء وهل صدهم عن أخذك البهر 
)2( 


حتى توالت على أعدائنا الغير 
كالم تقب ينا 9 بيد الفويد 
بعارض هطله النيران والشرر 
لها تحقق لا منجى ولا وزر 
ويه كس لد كه تكو 
من بعد ما زاغ منه القلب والبصر 
قفتن :فوارسسنا الأطمو اد تتقطدق 
مردى أعاديك إن قلُوا وإن كثروا 
مالك الشيون اكب الصبانم 
الي حي شاه 
متى جرى ذكره أودى بها الذعر 
فليس منا يفيك الحمد والشكر 
تلك الفوارس والأبطال والبشر؟ 
بحسن حزمهم الأرماح والبتر 
عبد الحميد الذي تزهو به العصر 
بحن الدزاينة سام القدر معتيز 
إنعامه سحب تهمي وتنهمر 
بالصفح عن عظم ذنب ليس يغتفر 
خوفا عليهم فما أغنتهم النذر 
عليك إذ أنت في الشدّات مختبر 
أضحى بتاريخه © من دأبه الظفر 


(3) سنة 1314 وهي تاريخ ابتداء هذه الحرب (المؤلف). 


-341- 


وعظّموا همة منه قد اشتهرت يقول تاريخها ) من دأبها الظفر 

إلى آخره. وهي قصيدة طويلة اكتفينا منها بهذا القدر. 

رجعنا إلى تتمة حوادث هذه السنة : في أواخر محرّمها تم بناء 
مستشفى الغرباء تحت القلعة. وفيها عمر في مدينة الرقة جامع ومكتب 
وبعض خلوات للطلبة وكانت النفقة على ذلك وقدرها 156500 قرش - 
من أموال الكزائة الخاصنة وفى هذا الثحين أيْضينا كان الاحتفال تمندرة 
السبيل المتقدم ذكره بالغا حد الغاية من الرونق والبهاء. وفي صفر منها 
الموافق تموز سنة 1313 أحيت الحكومة في المكتب الإعدادي ليلة طرب 
وعزف . صرفت مجموع دخلها على تجهيز هدية لجرحى الجنود العثمانية 
في حرب اليونان وأيتام شهداء الجنود وأراملهم. وكانت تلك الليلة بالغة 
منتهى الرونق والبهاء » وكان مجموع دخلها 1015 ليرا عثمانية و 
5 قرشا. 

وفي شهر جمادى الثانية منها الموافق تشرين الأول سنة 1313 وقع 
في جهات السويدية مطر يتخلله برد » الواحدة منه في ثقل 33 درهما تقريبا 
؛ مستمرا ذلك نحو خمسين دقيقة » فحطم عروق الأشجار وقتل كثيرا من 
الطيور وانقضّ في خلال ذلك عدة صواعق لم تعقب ضررا. وفي رجب 
منها وردت الأوامر بأن يؤخذ على كل شاة تذبح أربعون » وعلى كل معزاة 
ثلاثون » وعلى كل بقرة مائة وعشرون بارة » يؤخذ ذلك وقتيا إعانة 
لمحاويج مسلمي كريد المهاجرين. وعليه صار هذا الرسم يؤخذ في مسلخ 
حلب » وهو فوق ما كان يؤخذ من الرسم قديما باسم الذبحية من جهة 
البلدية. وقد انقضت حادثة كريد وعاد مهاجروها إليها وبقيت هذه الإعانة 
تؤخذ على الوجه المذكور , إلا أنها صارت تصرف بعد رجوع المهاجرين 
إلى أوطانهم » نصفها على مكتب الصنائع ونصفها الآخر على المكاتب 
الابتدائية » وكان يبلغ مجموعها في السنة نحو مائة ألف قرش. وفيها في 
كانون الأول توالت الأمطار في مرعش بضعة أيام فانهدم فيها جامع 
آراسته عن آخره ولم يبق منه سوى منارته. وفيها عمر تجاه منتزه السبيل 
محقرة هبكري نإهانة حيفت من أفل الخين. 

وفيها ‏ في كانون الأول - بينما كانت قافلة كبيرة تسير إلى مرعش إذ 
هبت عليها ‏ وهي قرب قمة جبل آخور ‏ عاصفة ثلجية وقفتها عن السير » 
وكادت تهلك عن 


(1) سنة 1315 وهي تاريخ انتهائها (المؤلف). 


- 342 - 


آخرها لو لا أن اتصل خبرها بمرعش وترسل الحكومة لإنقاذها عددا من 
المساكن اهل البلده ».ومع ذلك تقد هلك فيه 13 خمار او 6 اكنهاة. وفيها - 
في كانون الثاني - ورد من مرعش أن ادوع تتساقط عليها مدة ثلاثين 
ذراع» وأنه هلك في عواصف الثلج مسافر وسبعة دواب معه » وانقطع من 
كثرة الثلوج سير القوافل بين مرعش والبستان والزيتون وأندرين » 0 
دابة البريد وصقع () في مرعش طفل رضيع » وأتى البرد القارس على 
كثير من الوحوش والضواري. وورد من معرة النعمان أن الثلج فيها كثير 
والقرٌ شديد. وجاء من عينتاب ما يشعر بذلك وأنه صقع في إحدى الطرق 
المؤدية إليها رجل. وورد من إدلب أن شدة البرد قتلت في إحدى ضواحيها 
رجلا » وأنه لم يحدث في إدلب نظير هذا البرد منذ خمسين سنة. 

وفها فتحت بهلذة الختوى 'الممدذة بهذ العريفة وبان بحديه بالقيهنة: 
وهدم خان الدلال باشي وصار بعصة جادة . وفيها - في آذار - شعر الناس 
في حلب بهزّة أرض » وحدث مثلها في أورفه ومرعش وعينتاب وكلّز 
وإسكندرونة وبيلان والجسر وإدلب والبيرة والباب والزيتون والبستان 
وأرسوز لكنها لم تعقب ضررا. وفي آذار هاجت عندنا العواصف » وقرس 
© البرد وكثر المطر والثلج. وفيها في نيسان كثر تهطال الأمطار على 
القرى القريبة من عينتاب » وتساقط معها برد كثير » وانقضّ صاعقة على 
جدار فهدمته وقتلت عشرين شاة » وجرف السسيل من قرية أولو معصرة 
وحصانا © و 36 ماعزا ومن قرية أخرى نيفا وأربعمائة شاة » وراعيا. 
وأفسد البرد كثيرا من الزروع. وفيها أحضرت البلدية من أوروبا دولابا 
للماء يدور بالهواء نصبته على بئر في منتزه سبيل الدراويش » وهو أول 
دولاب أحضر من أوروبا على هذا الطرز. 


(1) صقع فلان : أصابه الصقيع بأذاه » وبابه فرح. 
(2) قرس البرد : اشتد, 
)03 في الأصل : «حصانا» فزدنا الواو العاطفة لتستقيم العبارة. 


-343- 


سنة 1316 ه 

فيها نقلت دار حكومة قضاء حارم من قصبة حارم إلى قرية كفر 
تخاريم » وبنيت فيها دار حكومة بإعانة جمعت من أهل ذلك القضاء. وفي 
شهر صفر منها خسف القمر مبتدئا بالخسوف في نحو الساعة الثالثة ليلا ؛ 
وتكامل خسوفه نحو الساعة الرابعة والنصف , ثم في نحو الساعة السادسة 
انتهى انجلاؤه. وفي أثناء خسوفه أخذ الناس يطلقون البنادق ويضربون 
على النحاس ويدقون بالهاونات جريا لعاداتهم حين خسوف القمر من قديم 
الزمان » زاعمين أن خسوف القمر سببه حوت يبتلعه وأنه إذا سمع أصوات 
البنادق وتلك الأصوات المزعجة يخاف فيمجٌ القمر (). وفي هذا الشهر 
بوشر بتعمير المخفرة الكائنة في سفح جبل البختي » تجان منتزه السبيل من 
شرقيه » وقد عمرت من إعانة جمعت من أهل الخير. 

وفيها حدث فى أنطاكية أن امرأة أحبت شابا فاحتالت على زوجها 
وأطعمته كبّة نيئة وضعت فيها شيئا من الشك المعروف بطعم الفار » وأكل 
معه على غير قصد منها بنت وولد لها » فلحقت الولد وأخرجت اللقمة من 
فمه فلم يلحقه ضرر » وأرادت أن تخرج اللقمة من فم البنت فلم تتوفق » 
وابتلعت البنت الطعام وبعد ساعة ماتت البنت وأبوها من السم. وشاعت هذه 
الحادثة في أنطاكية وحكم على المرأة بالقتل قصاصا. وسيأتي بقيّة خبرها. 
وفيها وضع أساس منارة الساعة في حضرة باب الفرج »؛ في موضع قسطل 
كان يعرف بقسطل السلطان. وقد جرى لوضع هذا الأساس احتفال باهر 
حضره الوالي والأمراء والأعيان والوجهاء » فكلفني الوالي إلقاء خطبة في 
هذا الموضوع فقلت على الفور والبديهة بعد البسملة  ::‏ - ْ 

الحمد لله مبدع الكائنات » خالق الأوقات والساعات » منشئ الأملاك 
ومسير 


(1) أي يلفظه ويخرجه من جوفه. 


- 344 - 


الأفلاك » الملك الوهاب ؛. جاعل الشمس ضياء والقمر نورا » وقدّره منازل 
لنعلم عدد السنين والحساب. أما بعد فإن أولى ما يفتتح به الكلام في هذا 
المقام رفع أكفت الضراعة والابتهال إلى المولى المتعال ؛ مانح النوال 
وسامع السؤال » بدوام أيام مولانا إلخ. وهو دعاء طويل سلكنا فيه على 
أسلوب ذلك الزمن. ثم قلت بعد ذلك : 

هذا وإن بلدتنا الشهباء لم يمض عليها غير ردح من الزمن تحت ظل 
عناية هذا السلطان الأعظم حتى استبدلت خرابها بالعمار » ووحشتها 
بالأنس وخمولها بالانتباه وخوفها بالأمن » فاتسعت فيها الشوارع وكثشرت 
المهايع (1) وأقبل الناس بكل جد ونشاط على تملك الأراضي » واتسع 
نطاق العمران وأصبحت الشهباء بسعتها وضخامتها ضعفي ما كانت عليه. 
كل ذلك في برهة من الزمن يصعب على من كان غائبا عن حلب أن 
يتصورها. بلغت هذه الغاية العظيمة بأقل من نصف قرن. وها هي الآن 
يتعزز جمالها ويتتوج هام كمالها بتاج يحلو للعيون منظره ». ويلذ للآذان 
خبره » ويعمٌ نفعه البعيد والقريب » ويشمل شرفه الوطنيّ والغريب » به 
اح لودع اك كير لين د ون 
بالوالد أن يحضن ولده وبالم يا ل منارتها الي 
ستكون بعظمتها ناطقة بهمم الرجال أولي المجد والإقبال إلخ. ْ 

وقد أرخها الشاعر الأديب عبد الفتاح الطرابيشي بقوله : 
قدشدد © بالشهبا منارة ساعة تزهو بإتقان وحسن صناعة 
في دولة الملك الحميد المرتجى ال ثاني الذي ساس الورى بدراية 
وبهمة الوالي الرؤوف أخي الحجا وصنيع قوم من أعاظم سادة 
فهمرجال قدروى تاريخهم: لعلائهم حتى قيمم الساعة 

وقال أيضا : 
لقد شيد في الشهبا منارة ساعة بعصر حميد عن علاه غدت تروي 


(1) المهايع : جمع «المهيع» وهو الطريق البيّن الواسع. ٠‏ 
(2) كذا في الأصل . ولعل الصواب : «شيد» كما سيأتي بعد خمسة أسطر. 


- 345 - 


وجاءت كما يهواه رائف أرّخوا : تنبّه للأوقات من كان في لهو 


وفيها عمر مستودع للرديف في قصبة كفر تخاريم تبرّع بالإنفاق عليه 
جماعة من متموّلي القضاء. وفيها بلغنا أن امرأة من قرية تغله » في قضاء 
كلّز » بينما كانت جالسة في بيتها إذ دخل عليها شاب من أهل القرية شاكي 
السلاح يريد مواقعتها » فاستغاثت به على أن يكف عنها فلم يفعل » وحينئذ 
قامت إلى بندقية مزدوجة معلقة بالجدار وأخذتها وأطلقت عيارها عليه 
فأصابت رصاصتها كبده » فما كان منه إلا أن أطلق عليها عياره فأصاب 
كبدها ووقعا قتيلين. وفي ذي الحجة منها توفي في مدينة إسكندرونة غلام 
في سن الخامسة عشرة وهو ابن فضل الله زريق » وقد حضر إليه وهو 
على النعش - أحد أقاربه المسمّى قيصر , فاكبٌ عليه يقبّله » ولفرط حزنه 
عليه فاضت روحه ولحق به في الحال. 

فيها تم بناء منارة الساعة. 


- 346 - 


سنة 1317 ه 

وفي صفر منها الموافق حزيران سنة 1315 بوشر بتجفيف مستنقع 
طوله 950 مترا ثم فترت الهمة وبقي المستنقع على ما كان عليه. وفيها هدم 
مسجد كان عند ياب حديد بانقوسا توسعة للطريق + ويني بدله في موضعه 
مسجد بديع الطّرز مع مكتب ابتدائي في قربه. وفيها وصل الى حلب دولاب 
طولمبة 7) يدور بقوة الهواء فنصب عند العوينة وعمر له في قربه حوض 
عظيم ينفذ ماؤه إلى كيزان مطمورة في الآأرض ممتدة إلى قرب باب الفرج 
:“قد جد لها منافد ار لبية يوطي فيها خوطية لزنن ركذا المتجلل جرلا فيه 
عثماني. وقد نصب نظير هذا الدولاب في محلة الجميلية وبعض البساتين 
0 598 
وفيها تم بناء العمارة على عين الموقف ذي إسكندرونة وجرت لها 
حفلة فائقة . وفي جمادى الاولى منها قدم على حلب سيف الدولة ابن شاه 
إيران قاصدا زيارة مقامات أهل البيت النبوي في حلب وغيرها من البلاد 
الشامية » فاستقبلته الحكومة استقبالا باهرا ونزل ضيفا عند شهبندر ©) دولة 
إيران فبقي بضعة أيام ثم سافر إلى جهة مقصده. وفيها تم عمل خريطة 
لمدينة حلب اعتنى بوضعها منهدس الولاية شارتيه افندي وراغب بك ابن 
رائف باشا والي الولاية » وقد أخذت في الفوطغراف على مقياس جزء من 
أربعين جزءا » وهي أول خريطة وضعت لمدينة حلب وجاءت غاية 
بالضبط والإتقان. وفيها نجز فتح جادة العطوي ووصلت بطريق المركبات 
الآك إلى إسسكقارومة لماز قوب محلة اللرمرة - المعرروفة والجميلية - ولهني 
تبتدىء من مزار السهروردي آخذة إلى طريق المركبات ٠‏ 
(1) أي مضخة. وسيرسمها المؤلف في أول حوادث سنة 1319 هكذا «طلنبة» والكلمة 
فرنسية الأصل أو إيطالية » وأصل معناها خرطوم الفيل » أو البوق. وترسم أيضا كما تلفظ 
في الفرنسية : «طرمبة» و «طرنبة». 
(2) الث لشهبندر : القذ ل 


-347 - 


من وسط بستان باقي جاويش وبستان إبراهيم آغا مارة على الجسر الجديد 
الذي تم بناؤه في هذه الأيام وهو من أحسن جسور نهر قويق وأفخمها. 

وفي هذه السنة كان الشتاء شديدا وكثرت فيه الثلوج والأمطار وغرق 
في السيول كثير من الناس والدواب في حلب وغيرها » وكثر الهدم ‏ 
خصوصا في عينتاب ‏ وقرس البرد ولا سيما في البلاد الشمالية » فقد 
تعددت فيها حوادث توقف القوافل في الطرقات وموت الكثيرين من الناس 
والدواب بالقز. وفي ضاحية كلّز هجم وحش شبيه بالكلب على صغار 
يمرحون فاختطف منهم بنتا وغاب بها وبعد أن تعقبه جماعة من الشجعان 
وجدوا رأس البنت وذراعها على سفح جبل ولم يظفروا بالوحش. 


- 348 - 


سنة 1318 ه 


عزل رائف باشا عن ولاية حلب : 

فيها عزل المرحوم رائف باشا عن ولاية حلب » وكان وزيرا شهما 
جمع بين القوة والأمانة. وقد أثر في حلب آثارا حسنة » منها منتزه السبيل 
وبرج الساعة والجادة الكبرى الممتدة من حضرة مزار السهروردي إلى 
محطة الشام » والجسر العظيم المضروب على نهر قويق في هذه الجادة 
الذي تضاف إليه. وله في حلب غير ذلك من الآثار التي يثني عليه لسان 
حالها مدى الأدهار. وكان السلطان عبد الحميد يحذره ويسيء به ظنونه » 
لاعتقاده به أنه يسير في الدولة على منهاج مدحت باشا بطل الدستور 
ليان + ذه كار ستاره دقر ولةعاى ذا . 
استانبول فتوجه إليها بحرا عن طريق إسكندرونة. وله وصبل: الى الميمل 
قلي مكبر ونا -وسلة يلوق نز اها الشصيدوت إرادسسيه برقي 
رائف باشا عن السفر إلى استانبول. فبلّغه وكيل الوالي هذه الرسالة وهو في 
قرق خان » فبقي هناك مدة كالمنفيّ. ثم وردت رسالة أخرى بعوده إلى 
حلب فعاد إليها ونزل ضيفا كريما في منزل المرحوم أحمد أفندي كتخدا. 
وكان سبب توقيفه عن السفر أن بعض كبار الأتراك المنفيين في حلب سعوا 
به سرا لدى السلطان عبد الحميد وألصقوا به تهمة الطعن والتنديد بالسلطان 
»؛ وأنه أزال أثرا عظيما من آثار السلطان سليمان خان » وهو القسطل 
المعروف باسم قسطل السلطان ‏ الذي أسلفنا الكلام عليه في محلة بحسيتا 

من الجزء الثاني - وأنه بعد أن محا أثره بنى في موضعه برج الساعة الذي 
هو من بدع الفرنج. وأنه فعل غير ذلك من الأمور التي لا تنطبق على 


- 349 - 


وطتية الططان عه نهد الذي خا ارم التظاهر بالأعمال الدينية 

والصدق يدهو رام المتفيون عدر دلكرمن. لكوي القتن »كو براه مخهنا 
والتي لم يقصد من عملها سوى خدمة الوطن وتحسين أحوال البلدة. وكان 
الباعث لهؤلاء الطغمة الشريرة على وشايتهم به أنه كان مدة ولايته في 
الحكومة » وكان أسلافه الولاة يهابونهم ولا يعارضونهم في تداخلهم » أما 
هو فإنه ضرب على ايديهم ووقف تيار استبدادهم واعلمهم بانهم هم منفيون 
ليس لهم من الآمر شيء. 00 

بقي رائف باشا ضيفا كريما في منزل أحمد أفندي كتخدا مدة تزيد 
السلطان بجعله من جملة المنفيين » غير أن السلطان تحقق في هذه المدة 
بواسطة جواسيسه الصادقين أن رائف باشا من المخلصين في ولائه وأن 
جميع ما ألصقه به أعداؤه من التهم كذب وبهتان » فأصدر إرادة سنية 
ترخص له الحضور إلى استانبول » فتوجه إليها. وفي يوم خروجه من حلب 
خف لوداعه عدد عظيم من العلماء والأعيان إلى منتزه السبيل » فجلس 
هناك برهة من الزمن ثم استأنف المسير إلى جهة إسكندرونة » فأسف عليه 


ولاية أنيس باشا في حلب : 

وقبل سفر رائف باشا إلى استانبول بأيام قلائل » حضر إلى حلب 
الف انا واليا بعليها فنزل في :داز البلددةأواقيل الخلن عليه للدم وفي 
فى البلذة زور ار ثمز اقكدالار لباء والكالحين و عاد الى مدر له ومطبي عدن 
قدومه إلى حلب عدة أيام ولم تزره قناصل الدول المعظمة. ثم شاع عنهم 
أنهم يطلبون من السلطان تبديله وانهم لا يعترفون بولايته على حلب 
زاعمين أنه هو الذي أغرى الآمة في ولاية ديار بكر حينما كان واليا 
عليها ‏ بالقيام على الأرمن وقتلهم. ولما أصر القناصل على عدم الاعتراف 
بولايته على حلب ورد إليه أمر مرموز بأن يبقى مختبئا في منزله لا يظهر 
إلى أحد حتى يأتيه أمر آخر يوضح له ما يجب عليه عمله. فبقي هذا الوالي 
المسكين مختبئا في منزله كالمحبوس مدة شهرين أو أكثر لا يظهر لأحد . 


-350- 


وقام بأمور الولاية بدله علي محسن باشا القائد العام على حلب وأطنه وما 
والاهما. ثم ورد له الأمر بالظهور ومباشرة العمل. 

رأى السلطان عزل أنيس باشا عن ولاية حلب لمجرد رفض 
القناصل ولايته عليها - وهنا فى سطوته وإخلالا بشرف سلطنته » فأبقاه 
مختبئا تلك المدة مغالطة وإيهاما بأنه قد عزله. ثم استرضى السفراء على 
إيقائه واليا في حلب فبقي أمره نافذا ولم ينكسر للأجانب ٠‏ وعد تدبيره هذا 
من جملة دهائه ونبوغه في فنون السياسة. 

وفيا جفانى دراك منها ترود يروخ اولك الكازوة السفرية: 
المعروف باسم جبخانة ‏ خارج حلب في شرقيها إلى الشمال قرب تكبة 
الشيخ أبي بكر الوفائي وكانت المواد النارية قبلا تحفظ في مستودع داخل 
القلعة وبعضها يحفظ في مستودع داخل الثكنة العسكرية المعروفة بقشلة 
الشيخ يبرق » فخيف من حدوث حريق يتصل بهذين المستودعين فينجم عنه 
أضر ار عظيفة كول .ما فيهما إلى الفستواع العديد, وف هذه النسدة كان 
الشتاء شديدا والثلوج كثيرة وأخبار الهالكين بالقرٌ والصقيع وفيرة » 
خصوصا في جهات مرعش والبستان وتلك الجهات. 

وفي ذي القعدة منها تمّ إنشاء حديقة محلة العزيزية المعروفة بالمنشية 
؛ وركب على بئر ‏ حفر فيها ‏ دولاب هوائي يرفع الماء إلى برميلها ثم 
ينحدر إلى حوض مهندم في الحديقة كأنه حوض طبيعي. وقد جاءت 
الحديقة غاية باللطافة وحسن المنظر. وفي هذا الشهر كان الاحتفال بتأسيس 
الثكنة العسكرية في مدينة إسكندرونة. وفيها انتهت جميع متممات مستشفى 
الغرباء الكائن تحت القلعة قرب سوق الضرب » وفرش بالأسرة ودخلت 
إليه المرضى من الفقراء وهو مستشفى حافل يقل نظيره في البلاد العثمانية 
»قد اشتمل على غرف للرجال وأخرى للنساء وخلوات للممرضين 
والأطباء وأماكن للتشريح والأعمال الجراحية وأهراء ) للمؤنة وغير ذلك. 


(1) الأهراء : المخازن » وما يسمى بالمستودعات. والمفرد : الهري. 


-351- 


سنة 1319 ه 

وفي صفر منها فتح في حلب مكتب للصنائع » وهي النجارة والخياطة 
وعمل الأحذية ‏ المعروفة بالقندرات ‏ ونسج الأقمشة الغزلية ونسج 
الجوارب. والنفقات الأولية لهذا المكتب جمعت من دخل مسارح التياترو 
والنفقات الدائمة من إعانة وضعت على اللحم قبل بضع سنوات باسم إعانة 
مهاجري كريد » وقد وليت إدارته فأسست صنائعه ورتبت أموره وبقيت 
مديرا فيه مدة أربع سنوات. وفيها حضر إلى حلب آلة لحفر آبار شبيهة 
بالأرتوازية » وحضر مع الآلة أستاذان فباشرا مهنتهما في جهة من جادة 
الخندق ‏ بين باب النصر والسهروردي ‏ وعملا هناك بئرين فما مضى 
عليهما غير قليل من الزمن حتى تعطلا » وانصرف الأستاذان من حلب بما 
معهما من الآلات. على أن هذه الآبار يستخرج منها الماء بواسطة طلنبة (0 
مركبة على فوّهة الأنبوب الذي يخترق الأرض ويصل إلى منبع الماء. 

وفي فصل الربيع من هذه السنة الموافقة سنة 1317 رومية تساقط 
على ولاية حلب برد كثير ‏ لا سيّما في جهات مرعش والبستان ‏ وكان 
كبير الحجم » بعضه في حجم البيضة » وقد قتل عدة أوادم ومواشي © . 
وأفسد كثيرا من الزروع. وفيها ورد من البستان أن سبعة أشخاص أكلوا 
نوعا من الفطر فماتوا كلهم » واتصل الخبر بحكومة ذلك القضاء فأصدرت 
أمرا يقضي بمنع بيع الفطر. وفيها ‏ في التاسع والعشرين أيار ‏ سقط في 
إسكندرونة صاعقة على زاوية غرفة في الطابق العلوي من شرقي فندق 
فهدمت جانبا من الزاوية ودخلت الغرفة فصدمت قائمة سرير حديدي كان 
نائما عليه رجل فاحترقت حاشية السرير ولم يتضرر النائم بشيء من 
جقت درجت من الغرفة وصدمك قنطر: 
(1) انظر الحاشية السابقة في أول حوادث سنة 1317 ه. 
(2) الوجه حذف الياء : «ومواش». 


-352- 


فى جهة النهر فهدمت أكثر من نصفها » ورفعت حصانا كان هناك وألقته 
على بعد عشرة أمتار من موضعه فهلك. 

وفي ليلة الخميس عشرين من جمادى الثانية في نحو الساعة 
السادسة منه ‏ شبّت النار من دكان روّاس في سوق العرصة من عينتاب 
وسرت إلى ما جاورها فأتت على ثلاث دور ومائتين وسبعين دكانا واثني 
عشر فرنا وسبعة بيوت قهاوي وثمانية مخازن ومطحنة وأتت على جانب 
عظيم من خان وعشرين دكانا ثم خمدت. وفي آذار السنة الرومية ‏ بعد 
العشاء الأخيرة ‏ انقضىّ على ردهة دار بنى صولا ‏ أحد بيوتات المسيحيين 
التليانيين في محلة الجلوم الكبرى بحلب ‏ صاعقة دخلت من داخن الموقد 
الفعودو هف والضنويا #:وكانة الر دهة خالية شر التاس:: فخطنة الصناعقة 
شيئا من زجاج النوافذ » وصدمت بعض عقود قناطرها فنفر من اللطمة قدر 
قيراطين » ثم خرجت الصاعقة من النافذة التي حطمت زجاجها ودرجت 
على الزنك الذي هو سقف الدرج وصدمت قنطرة باب الدار الذي غلقه من 
الحديد فأبقت فى القنطرة أثرا دخانيا وتطايرت المسامير المغروسة فى باب 
الحديد » وهكذا انتهت حركتها. وفيه هاج في اسكندرونة إعصار دمر منها 
عدة منازل على البحر. على أن هذه المدينة لا تكاد تسلم من الإعصار في 
مثل هذه الأيام كل سنة. 


-353- 


سنة 1320 ه 

فيها كان افتتاح مربى الخيل المعروف باسم حارة في جهة الحمرة. 
ققنام الوجهاء وأكابن المنامورين بتر لفون الي النسلطان بإهداء الخييول 
الاصائل التي تربّى في ذلك المحل. وفي مدة وجيزة نجح المربى نجاحا 
باهرا ثم أخذ يتقهقر إلى أن اضمحل في بضع سنوات ولم يبق له ذكر. 
وفيها نصب على قنّْة جبل البختي - تجاه منتزه السبيل في ظاهر حلب 
طاحون يدور بالهواء على الطرز الجديد » فاشتغل مدة ثم تعطلت آلاته 
وبطلت حركته. وفي هذه السنة في كانون الأول توالت الأمطار على 
حلب وعينتاب وأنطاكية » فحملت السيول وطغت الأنهار طغيانا عظيما 
وأغرقت عدة أوادم ودواب. وفيها عزل والي حلب أنيس باشا من ولايته 
وكان عفيفا متدينا محبا للخير » وقد بذل ما في وسعه لنجاح مكتب الصنائع 
وغيره من المباني الخيرية. وقد ولي حلب بعده مجيد بك. 

وفيها ‏ في كانون الأول - أنبأت حكومة دمشق أن الهواء الأصفر قد 
تفثتى فيها » فأرسل من حلب ضابط ومعه عدد كاف من الجندرمة () 
الفرسان إلى كل موضع من المواقع الكائنة وعلى حدود ولاية دمشق » 
وهي خان شيخون والهبيط وقلعة المضيق والحمراء » لتكون هذه القرى 
تحت نظارة الضابط ومن هو في صحبته من الجنود. ثم فتح في خان 
شيخون محجر صحي .ء فيه الأطباء وأدوات التبخير لفحص من يمر من 
هناك قاصدا جهات حلب » وضرب على قرية الهبيط والمضيق والحمراء 
نطاق صحي. وفيها انتهى تعمير مخفرة ا ل ا 
المراة الأعير قن دن ور فحت المحاحر الم 


(1) الجندرمة : الدرك. وكان هذا الاسم يطلق على رجال الشرطة في الأرياف. وقد سبق 
ذكر الكلمة أيضا في الجزء الأول. 


- 354 - 


(الكورنتينة) من خان شيخون والهبيط والمضيق والحمراء. وفيها عملت 
أشهر من هذه السنة » فكانت كما يأتي 2 : 


وفيات مواليد 
الإناث الذكور الإناث الذكور جمعه جمعالمواليد اسم القضاء 
الوفيات 
805 604 565 926 01 14061 قضاء أنطاكية 
١4‏ 464 432 601 808 1013 - حارم 
33 0 112 136 105 208 - إسكندرون 
72 888 165 848 1110 1404 - كلز 
09 111 179 187 00ظ1 366 - المعرة 
16 1307 384 482 4604 8666 - جسر الشغور 
8 597 606 777 1315 13.4 إدلب 
10113 022) 
00 1687 2575 3048 2 2647 2023 لواء مرعش 
110/0 1.5 


وأحصيت المواليد والوفيات في لواء مرعش في غضون ستة الأشهر 
المذكور 3 فبلغت مواليده 2003 الذكور منهم 20)8ظ2 والإناث منهم 251/5 
ووفياته 2647 الذكور منهم 1687 والإناث منهم 960 نسمة. وفيها ورد 
من متصرفية مرعش أن بقرة في قرية جلكي ‏ في قضاء البستان ‏ ولدت 
ثلاثئة عجول في بطن واحد وبعد اربعة وعش رين ساعة هلكت العجول 
وأمّهم 2. 
(1) في الجدول التالي أغلاط وخفاء في بعض الأرقام » وفي جموعها أيضا. فأبقينا مالم 
نهتد إلى صحته على ما هو عليه. 


(2) كذا وردت العبارة في الأصل. والصواب فيها : «أربع وعشرين ساعة هلكت العجول 
وأمّها». 


-355- 


سنة 1321 ه 

فيها مد السلك البرقي من حلب إلى الباب. وفيها ‏ في أوائل آب ‏ فتح 
في المكتب الإعدادي الملكي ‏ الكائن في محلة الجميلية ظاهر حلب 
معرض عام لتشهير البضائع التجارية والصناعية الوطنية : كالمنسوجات 
القطنية والحريرية والقصبية الفضية » والمصنوعات التطريزية والغالات 
الرق اعنه و الحيواننة 1:4 المضة عات؟ الفصوة ولد كية .و الهزو هر الكفافن: 
والسراجية والحديدية والنحاسية » والنجارية والترابية والدباغية والعطرية 
» من حلب وأكثر البلدان الكبار في ولايتها كعينتاب والرها ومرعش. وزيّن 
المكتب داخلا وخارجا بالرايات وانواع السجّاد ‏ الذي هو من مصنوعات 

حلب والقطع الجميلة » وأنير في الليل بالأضواء الساطعة » وأقيمت في 
رحبته الألعاب التريّضية المعروفة باسم (جيمنستق) ٠‏ وفي الليل الخيالية 
المعروفة باسم (سينه توغراف) وهرع إليه الناس من حلب وغيرها ء 
واستمر مفتوح الابواب كذلك مدة شهر وزيادة » والبضائع التي حازت فيه 
قصب السبق وصارت محل إعجاب الجميع هي منسوجات حلب. وقد 
أخذت فيه غرفة لعرض مصنوعات مكتب الصنائع » فأقبل الناس على 
شرائها باليانصيب فراجت وربحت. ثم زاحمني على الغرفة نجيب بك ابن 
الوالي # أخذها من اريدل سك طلس فهبور > فا تداك سين هذ | العمل 
واستقلت من مديرية المكتب. وبلغ الخبر والده فاستاء منه وزجره 
واسترضاني فعدت إلى إدارة المكتب. 

وفيها في آب سنة 1319 ظهر في حلب مرض مشكوك به ثم تحقق 
الأطباء أنه مرض الهواء الأصفر . وكان قبلاا ظهر فى دمشق وفتك فى 
أهلها فتكا ذريعا » وزحفت جراثيمه إلى حماة ومنها إلى جسر الشغر وإدلب 
والبيرة وكلز وعينتاب » ثم ظهر في حلب وأحصي عدد من مات فيها في 
برهة أسبوع فكانوا أحد عشر شخصا. فاهتمت الحكومة في قضية الكنس 
والرشن وتنظيف الشوارع والأزقة من القمامات والأقذار. وكان قبل أيام من 
ظهوره وصل إلى حلب طبيب ألماني اسمه فونسكي أفندي » ومعه عدد من 
الأطباء أمر ْ 0001 


-356- 


السلطان بإشخاصهم إلى حلب للاهتمام بالأسباب الواقية من تطرق هذا 
المرض إلى حلب من البلاد التي ظهر فيها في الولاية وغيرها. فأوعز 
هؤلاء الأطباء إلى البلدية بآن تعزز وسائط النظافة وتلتفت إلى الفواكه 
المضرّة فتمنع بيعها » وان تعمر على كل حوض مكشوف في المساجد 
وغيرها جدارا يمنع تناول الماء من الحوض رأسا منعا للتلويث » بل يكون 

فقامت البلدية بجميع ما أمرها به الأطباء » ولكن مع هذا كله ما برح 
هذا المرض يفتك في النفوس حتى أوائل تشرين الثاني من سنة 1319 إلا 
أنه كان خفيف الوطأة بحيث لم تزد وفياته اليومية في شدة بحرانه » على 
خمسين نسمة. ثم إنه بعد أيام تقللص ظلّه من إدلب وعينتاب وبيره جك 
وإسكندرونة وحماة وحمص وطرابلس الشام وبقية بلاد سورية » ورفعت 
عنها مناطق الحجر الداخلية والخارجية وعادت مياه الصحة إلى مجاريها. 
وفيها ‏ في حادي عشر تشرين الثاني - هطلت أمطار غزيرة على عينتاب 
وضواحيها » فحملت منها السيول على قرية «تنب» القريبة من عينتاب 
الموضع التقطت جثث الغرقى ودفنت. 


وفاة علي محسن باشا : 

وفي أول يوم من شوال هذه السنة توفي في حلب الفريق علي محسن 
باشا ابن كل حسن باشا ء أحد ياوري ‏ السلطان عبد الحميد » ووكيل القائد 
العام فوق العادة في حلب وأطنة (آذنة) وضواحيهما. أمضى في حلب نحو 
حمس حشر سن رحينها حضين إليها كان برنبة الفائممقام ؛ شم حار وقية 
الفريق » ثم في حادثة الزيتون صار وكيل القائدية العامة المذكورة ليكون 
واقفا لحوادث الأرمن بالمرصاد » وهي وظيفة وقتية ألغيت بعد انقلاب 
الحكومة العثمانية إلى الحكومة الدستورية. وكان علي محسن باشا جوادا 
كريما حلو الشمائل ْ 


(1) كذا في الأصل «مبذل» بالذال » خطا » وإنما هو بالزاي «مبزل» والمراد به هنا 
الصنبور أو ما يسمى «بالحنفية». وسيذكر أيضا بصيغة الجمع في كلام المؤلف على حوادث 
سنة 1335 هتحت عنوان : «قلة الماء في حلب ...». 

(2) أي في أوج حدته وقوة فتكه. 

(3) الرمكة : نوع من الخيول يتخذ للنّسل. 

(4) الياور : لفظة أخذها الأتراك عن الفرس ء ومعناها : المساعد والمعاون. 


-357- 


ا له د ف كر 
ومشى في جنازته منهم زهاء ثلاثين ألف شخص . سوى من كان واقفا 
منهم على أسطحة البيوت الكائنة في ممر الجنازة من محل سكناه في 
السليمية إلى التكية المولوية خارج باب الفرج حيث دفن. وقد عمل على 
قبره الرخام الأبيض المؤزر البديع الصنعة وكان مولده سنة 1268 وهذا 
العدد يوافق عدد حروف (علي محسن) وهو اسمه. 

وفي هذه السنة اهتم يحيى بك ألاي بك الجندرمة الدمشقي ‏ من بني 
الشمعة - بافتتاح مكان في منزله في محلة «الجديدة» لنسج السجاد الذي 
كان لا يوجد من صنّاعه في حلب سوى شخص أو شخصين. وقد أحضر 
يحيى بك صناعا من البلاد الشمالية » وعمل في ذلك المحل مكانين أحدهما 
للرجال والآخر للنساء » فما مضى غير زمن قليل حتى ظهر من المتعلمين 
بارعون في هذه الصنعة واستغنوا عن المعلمين » وفشت هذه الصنعة في 
أكثر محلات حلب وصار السجاد الحلبي مما يتنافس فيه أهل الولع في 
السجاد. على أن هذه الصنعة كانت معروفة في حلب منذ دهر قديم ثم فقدت 
إلى أن جددها يحيى بك المومأ إليه. 


-358- 


سنة 1322 ه 

شهدا اق تككود لوكتدقي الفرياع قري اترتككدورودة ويعهي المقافة: 
الحميدي » وهو مشتمل على ثمانية مخادع » كبرى سفلى وعليا » وعلى 
سبعة مخادع صغرى » والقسم العلوي منه يستوعب اثنين وخمسين سريرا. 
ويشتمل أيضا على قاعة كبرى تعرف بالصالون وكانت النفقة على تعميره 
من بلدية اسكندرونة. وفيها كان الشروع بإحصاء سكان ولاية حلب . 
فقسمت مدينة حلب إلى أربعة 27 مناطق » عينٌ لكل منطقة منها لجنة تتجول 
ف محلاتها وتخضي أهلها. وفيها كان الثتاء شديذا واليزه قار سا #:وكذرت 
أخبار الغرق والهدم وسقوط الصواعق وموت الناس والدوابٌ بالبرد في 
شمالي الولاية. وفيها عزل مجيد بك عن ولاية حلب ووليها عثمان كاظم بك 
» وكان مجيد بك عفيفا عاقلا غير أن ولده نجيب © كان سفيها مسلطا على 
المستخدمين بأخذ أموالهم بالتخويف والتهديد . وكانت أفعاله سببا لعزل 
والده. 


(1) الصواب : أربع. 
(2) الصواب : «نجيبا» » ولا يمنع من التنوين. 


-359- 


سنة 1323 ه 
فيها عزل عثمان كاظم بك عن ولاية حلب ووليها ناظم باشا 
الشروع بأعمال سكة حديد حلب حماة 

فيها تم الاتفاق ب بين الحكومة العثمانية وبين شركة سكة حديد حماة 
وخلت :على أن تفع الحكومة للشركة كلاقة عكر الفا و ستفاثة ويمئدة ونين 
فرنكا باسم تأمينات عن كل كيلومتر من الخط المذكور الذي تقرر مده من 
حماة إلى حلب » والمسافة بينهما 143 كيلومتر. وشاع أن الشركة مزمعة 
على أن تجعل محطة حلب في غربي البلدة » أي في محلة السليمية بعد أن 
كانت مصممة على جعلها في محلة قارلق. فقام أهل المحلات الشرقية من 
حلب وقعدوا وخابروا قائدية العسكرية ووعدوه بإعطاء أراض كثيرة في 
جوار المحطة التي تكون في ضاحية محلاتهم » فوعدهم بأنه سيجعل 
المحطة فى قارلق. فعارض بذلك أهل المحلات الغربية وكثر اللغطء 
وحينئذ رأى الوالي ناظم باشا بأن يجمع عددا وافرا من أهل الزراعة 
والتجارة ويرى أي الفريقين أكثر » القائلين بجعل المحطة في قارلق أم 
علدو وس نيا بود لكين اجتعيز ني دار الحكر من انيدان لقالاع كاري 
رجب. وكان قبل الاجتماع بساعة تولّد في هذه المسألة رأي جديد » وهو 
جعل المحطة في خراب تحت القلعة. فلما اجتمع الناس في ذلك اليوم تبين 
أن القائلين بجعل المحطة في قارلق ثمانية وفي السليمية ثلاثة وعشرون »2 
وفي خراب تحت القلعة واحد وعشرون شخصا. فأنهى الوالي بذلك إلى 
المراجع العليا » وتهافت كل حزب على التلغراف يرفعون فيه الرسائل 
بطلب جعل المحطة في الموضع الذي أراده. فلم يفدهم ذلك شينئا لأن 
الشركة والمراجع الاختصاصية متفقون منذ بضع سنوات على جعل 
المحطة في السليمية. 


-360- 


ثم في أوائل رجب بدأ العملة يشتغلون بحفر الأسس وتمهيد الأرض 
في محلة السليمية عند المحطة الحالية. وتتابع العمل » وفي برهة وجيزة 

من الزمن ارتفعت المباني وتحقق الناس أن المحطة لا تكون إلا في هذه 
المحلة. وفيها تم إحصاء النفوس في حلب وملحقاتها فزاد فيه عدد أهل حلب 
ان اواك ام ا مناه و امكل 
ملحقاتها ‏ لا يقلون عن الثلاثين في المائة » عدا سكان البوادي الرحل فإنهم 
لم يسجل من عددهم عشرة في المائة. وفيها ورد من قائمقام قضاء إدلب 
وحارم إلى والي حلب أن بغلة شقراء عند أحمد الحمودي من عشيرة البقارة 
وأهل قرية «عري» في قضاء حارم » وبغلة أخرى عند صون آغا تومي 
من قرية بقسمتة في قضاء إدلب - ولدت كل واحدة منهما بغلا » وقد أحضر 
فلو ) إحدى البغلتين إلى حلب وشاهده كثير من الناس. 

ضريبة جديدة : 

وفيها ورد الأمر بفرض ضريبة جديدة على الناس اسمها «ويركو 
شخصي» وذلك بأن يطرح على كل ذكر بالغ صحيح الجسم مقدار من 
لكان بنقعه جين كل سه الى جو لحك مان بحرن كور لوقا ف هقد" 
المال حالة الشخص من جهة الفقر والغنى » على أن تكون أقل المراتب 
خمسة عشر قرشا في السنة وأكثرها مائتي قرش ». وأن المستخدمين في 
الحكومة يحسم عن كل واحد منهم في السنة من راتبه الشهري راتب يومين 
إن كان راتبه يبلغ خمسمائة قرش في الشهر » وراتب أربعة وعشرين يوما 
إن كان راتية قوق حمييماثة قرش. وقد استاء التاس من هذا الأمر ولا سينا 
الفقراء متهم :رو انتدت كتين من أهل الجة والبشاط ير فعوق شكراتيم إلى 
السلطان ويسترحمون منه مسامحتهم عن هذه الضريبة الجديدة فلم يلتفت 
إلى استرحامهم. 

وكانت الحكومة باشرت جمع هذه الضريبة في جهات الأناضول »2 
فهاج أهل أرزروم وماجوا وامتنعوا عن دفع الضريبة وهجموا على الوالي 
وأهانوه وكادوا يوقعون به. وتفاقم الأمر في تلك البلدة فخافت الحكومة سوء 
العاقبة وصدر الأمر بإبطال هذا المكس الجديد 


(1) الفلو هنا : ولد البغل. ويطلق أيضا على ولد الحصان (أي المهر). 


-361- 


الذي لم تمتنع الرعية عن دفعه إلا لعلمها بأنه سيكون من جملة ما يصرف 
على الخونة والمستبدين والجواسيس اللائذين بقصر يلديز » فقد كان القسم 
الأعظم من مداخيل الدولة تدخل هذا القصر وتختفي فيه » وما يبقى منها 
خارجه يصرف في سبيل الفسق والفجور . وجنود الدولة وحماتها 
والمستخدمون فيها ومن له راتب على وظيفة شرعية يتململون على نار 
الفقر والفاقة لتأخر رواتبهم وحبس جراياتهم عنهم بسبب فقر بيت المال ء 
وما فيه من فقر ولكن الظالمين كانوا متسلطين عليه. وفي هذه السنة كان 
الخراذ فى ملكقات حلت كثير | ولا سيما فى قطناء الدات: ولنا كان قضيل 
الشتاء اهتمت الحكومة بجمع بزره وإتلافه فجمع من ذلك القضاء فقط 
5 شنبلا حلبيا ومجموع ذلك 169150 أقة. 


-362- 


سنة 1324 ه 

فيها ‏ في آذار ‏ كان البرد في ولاية حلب شديدا والأمطار غزيرة » 
وقد تواردت الأخبار من أورفة وإدلب وجسر الشغور بموت عدة أشخاص 
على الطرقات من شدة البرد وكثرة الأمطار وزوابع الثلج. وفي هذه السنة 
قدم على حلب عدد عظيم من مهاجري قافقاسيا وداغستان وغيرهما من 
الأمم الإسلامية الذين هم تحت حكم الدولة الروسية » وقدم اخرون من 
مهاجري جزيرة كريد » فاهتمت الحكومة بإسكانهم في ولاية حلب ١‏ 
وخصصت لهم في أكثر أقضيتها جهات عمرت لهم فيها المنازل » وأعطت 
كل ذي عائلة منهم قدر ما يكفيه من الأراضي ليزرعها ويعيش من 
خيراتها. والجهات المذكورة هي قرية خناصر ‏ في قضاء منبج - وقرية 
رعده لى في قضاء كلز » وقطعة أرض من مدينة إسكندرونة » وقرية 
بالطه جي في قضاء أنطاكية » وقطعة أرض في مدينة الرقة. 

وصول قطار سكة الحديد إلى حلب : 

وفي يوم الخميس 12 جمادى الثانية الموافق 20 تموز سنة 1322 
رومية وصل إلى محطة شمندوفر () حلب وحماة ‏ المتقدم ذكرها ‏ قطار 
من واغونات (عجلات) العمليات » وهي أول عجلات سكة حديدية وصلت 
إلى حلب » وكان الناس قبل أيام يخرجون إلى المحطة ألوفا مؤلفة للتفرج 
على مد قضبان الحديد » ومنهم من يتوجه إلى جهة جسر الحج للتفرج على 
أعمال الصكة .+ إلى أن كان مساء بوه الخميس المذكون أقئل اقطان المتقدم 
ذكره وهو مزين بأنواع الرايات » وحوله في المحطة ألوف من الناس 
يشاهدون وصوله. 

ثم في يوم الخميس 16 شعبان الحادي والعشرين من أيلول سنة 
2 رومية جرى 


(1) أي الخط الحديدي. والكلمة فرنسيّترع] عل صمنصت©. 


-363- 


الاحتفال بتدشين سكة حديد حلب وحماة على صفة باهرة » فحضر الوالي 
وقائد العسكرية ومن دونهما من المأمورين والأمراء والأعيان والوجهاء » 
وبعض أدباء حلب وبيروت وتلامذة المكاتب » فتليت الخطب وعزفت 
المواكرقى العيتك رودا 3 معت الذر الونااو مكل حسفاء الناش | ل محكر اخرم 
من حجرات المحطة أعدّت فيها أنواع من الأطعمة الباردة فأكلوا ثم ركبوا 
عجلات الشمندوفر وهي مزدانة بالرايات العثمانية. وكان واقفا على طول 
الخط من المحطة إلى قرب جبل الجوشن صف من الناس يعدون بالالوف » 
وركب جوق الموسيقى العسكرية عجلة أخرى وطفق يترم باللحن الحميدي 
والأنغام المطربة. ثم سار القطار إلى قرية الوضيحي التي تبعد عن حلب 
مشدافة خمسة عقن كيلو مكق) ب هناك انتراح الركاب قذن بصلف شاع ثم 
عاد بهم القطار إلى حلب وهم يشئفون أسماعهم بأنغام الموسيقى. ولما 
وصل إلى المحطة أكرم الحاضرون بالمرطبات والقهوة وانصرفوا إلى 
أماكنهم. 

وفيها ألحق بقضاء أنطاكية عدة قرى كانت من أعمال جسر الشغر » 
وهي : جقصونية وجوقاق وسيلوه » وشمره جق وجيله وجوراق » وميادون 
وباملكه وحاجي باشا ء وكولي وطاملاينه وعاقليه ودوايته » وأوج أغز 
وجقور أوراق » وقارلق وباسيه وعين فوار. وألحق بقضاء الجسر عدة 
قرى كانت من أعمال قضاء أنطاكية وهي : زرزور وهبته وعين ثابت » 
وبيرون ودوز أغاج والحمام » ودستور فوقاني وعين سماق وعين الخنزير 
»؛ وأستاريه وتروف وكوجوك كين » وباغ ببلي وموبلين وزنباقيه وحسيني 
قرب. وفيها اهتمت البلدية بفرش البلاط على الجادة الكبرى الممتدة من باب 
دار الحكومة إلى حضرة السهروردي. فاختل بعد مدة وجيزة وأكلته بكرات 
العجلات فقلبته البلدية وفرشت الجادة بحجر أسود فاستقام أمره. وفيها - في 
كانون الثاني كثر تساقط الثلوج على مرعش وضواحيها واشتد القرّ فهلك 
بسبب ذلك عدد من الناس والدواب. 


- 364 - 


سنة 1325 ه 


مضا وكين 
ا ا او جر 
المذكورة » والناس في حلب يسمونها الكهرباء. 

وفيها ‏ في حزيران - خصصت الحكومة في المكتب الإعدادي بحلب 
مكانا لأعمال تربية دودة القز » وأباحت الدخول إليه كلّ من أراد أن يشتغل 
بتربية الدودة المذكورة » ووعدت السابق منهم بنوط () ونقود. فأقبل على 
ذلك المكان صنّاع القز من حلب وأنطاكية وأعطت السابق منهم الجائزة 
الذي وعدت بها. وفيها في أيلول أجرت الحكومة سباق الخيل في ارض 
الحلبة ووعدت من يحوز قصب السبق بجائزة نقدية قدرها ليرتان إلى 
خمس وعشرين ليرا » أدنى السابقين ليرتان وأعلاهم خمس وعشرون ليرا. 
وكان ذلك اليوم مشهودا حضره الأمراء وعظماء المامورين والوجهاء 
والأعيان وألوف من الناس. وهي أول مرة أجرت الحكومة العثمانية في 
حلب سباق الخيل. 

وفيها وضع في خان أقيول مطحنة إفرنجية عظيمة قوة محرّكها 58 
حصانا تنقي الحبوب وتغسلها وتطحنها وتنخلها » وهي تدور بقوة تسمى 
الغاز الفقير » يتولد من الفحم الحجري أو النباتي. وهي أول مطحنة من هذا 
النوع وضعت في حلب ؛ وكان وضع قبلها بسنة في برية المسلخ مطحنة 
بقوة خمسة وأربعين حصانا يدور محركها بقوة زيت البترول المعروف 
بالكاز. وقبلها وضع في حلب وغيرها من بلدانها مطاحن عديدة من هذا 
النوع » وهي ومعامل الجليد آخذة بالزيادة يوما فيوما. 


(1) يعني بمكافأة أو تقدير » أو ما يشبه ذلك. 


-365- 


سنة 1326 ه 
فيها ‏ في حزيران - ورد من الجهات الشرقية جراد طيّار نزل في 
حلب وضواحيها وكثير من مضافاتها » فأكل الزروع الصيفية كالقطن 
والسمسم والبطيخ » وما يوجد في بساتين حلب من الخضر كالباذنجان 
والخيار والقثاء »ء حتى غلت أسعارها وعزّ وجودها. وكان يتهافت على قناة 
حيلان ونهر قويق تهافت الفراش على النار » ففسد ماؤهما وخيف من 
ضرره ؛ فقطعت البلدية ماء القناة عن حلب وصرفته إلى النهر » وكان 
الحر شديدا فاشتد احتياج الناس إلى الماء وصاروا يتكبدون في الحصول 
عليه مشقة عظيمة . وفي محرّم هذه السنة قدم على حلب والدة شاه العجم 
وأخوه ناصر الدين ميرزاخان واحتفلت الحكومة باستقبالهما وإكرامهما. 
النداء بالدستور وقلب الحكومة العثمانية 
من الحالة المطلقة الاستبدادية (الأتومقراطية) 
إلى حالة المشروطية المقيدة (الدمقراطية) 
في تاسع تموز سنة 1324 رومية المصادف شهر جمادى الثانية من 
هذه السنة ورد من استانبول بلسان البرق رسالة بتوقيع سعيد باشا الصدر 
الاسبق » مالها أنه تعيّن الآن لمسند الصدارة. ثم في ثاني يوم ورد منه 
بلسان البرق رسالة أخرى تشعر بأن السلطان قد أمر بإعادة مجلس النواب - 
المعروف بمجلس المبعوثان ‏ الذي مضى على إغلاقه بضع وثلاثون سنة. 


ثم أخذت الرسائل البرقية والكتب المرسلة مع البريد تتوارد كل يوم مذيعة 
أنه نودي في الآستانة بالحرية والمساواة. 


العفو عن المنفيين : 
وعقيب ذلك بأيام قلاقل وردت الأوامر إلى الحكومة بصدور العفو 
العام عن المنفيين 


- 366 - 


بالجرائم السياسية غضب السلطان عبد الحميد عليهم بسبب مسّهم إياه بكلمة 
أو إشارة إلى بعض مظالمه). وكان منهم في حلب زهاء خمسين منفيا » 
عدا من كان يوجد منهم في بقية بلاد حلب » وهم ما بين أمير ملكي وقائد 
عسكري » وأديب وكاتب » ومهندس وطبيب. فسرّوا من هذا الخبر سرورا 
عظيما » وأخذوا يسافرون إلى أوطانهم زمرة بعد زمرة حتى لم يبق منهم 
واحد. وكان أكثرهم مقيما في محلة الجميلية » ففرغ ت منهم المنازل التي 
كانوا يسكنونها وهبطت أجورها » وبقي الكثير منها فارغا مدة طويلة. 

صدور الأمر بإطلاق السجناء : 

وفيها ورد الأمر بصدور العفو عن السجناء المحكومين بجرائم 
سياسية. وفي ثاني يوم من ورد هذا الآأمر اجتمع تجاه دار السجن جماعة 
من كبار الموظفين الملكيين والعسكريين » وأخرج من السجن نحو عشرين 
الخطب الكيية :وخوطنوا بالإخاء: وبنوة الوطن+ والتوجع والاسف على منا 
ع كه لس ع ل 0 الاستبداد الحميدي. ثم 

نقهم أكثز الحاضرين: وودعوهم وانضرفوا إلى أوطاتهع وكان ذلك 
ري 0 
في جميع سجون الولاية من الآلوية والاقضية. 


إبطال التجسس : 

وفي هذه الأيام أبطلت الجاسوسية المعروفة باسم : خفية. وفيها في 
4 تموز - ورد بلسان البرق أن كامل باشا الصدر الأسبق قد تبوأ مسند 
الصدارة بدل سعيد باشا. 


صدور الترخيص بالسفر : 

وفي هذا التاريخ ورد من نظارة الداخلية بلسان البرق صدور الإذن 
العام لكل عثماني أراد السفر من بلده إلى بلدة أخرى من البلاد العثمانية أ 
غيرها من البلاد الأجنبية. فسرٌّ الناس من هذا الإذن سرورا زائدا 2 
خصوصا طائفة الأرمن وبقية الطوائف المسيحية » وذلك أن من كان يريد 
السفر من بلده في أيام الاستبداد الحميدي فرارا من الظلم والجور يتكبد 
عرق القربة بالحصول على تذكرة المرور. هذا إذا كان سفره لغير أميركا » 
أما إذا 


-367- 


كان سفره إليها فإنه يكاد يستحيل عليه أن يسافر إليها إلا هربا . خصوصا 
إذا كان من جماعة الأرمن » حتى إنه كان يوجد في كثير من ثغور البحر 
الأبيض - كبيروت وحيفا وصيدا ‏ شركات لتهريب المسافرين إلى البلاد 
الأميركية » فكانت الشركة تأخذ ممن يريد السفر إلى تلك الجهات ليرتين 
إلى عشر ليرات » وتهرّبه بواسطة زورق تحمله فيه من فرضة عسرة 
المسلك أو بعيدة عن العمران. وكثيرا ما كان ولاة بيروت ورجال الدرك 
فيها يأخذون من تلك الشركات شيئا معلوما على كل مسافر فيجتمع لهم من 
ذلك مقذار -عظيم فق المال: 

وفي أوائل رجب منها قرر أمراء العسكرية وضباطها ‏ ومن انضم 
الففة من مورطفي الحكومة و الراعيان .فت كلتب - يدا ويسطو ركه وكيا 
لإذة نلعت اله يقر الات الظر جم الفا الخطت لدي قوطد عا ادر يه 
دالضمة والشكر على المناذاة#القانون الأساتتن » وعود متحلشن المنعر كان ؛ 
وانتشار راية الحرية والعدل والمساواة بين جميع العناصر العثمانية » على 
أن يكون إحياء تلك الليلة في بستان الشاهبندر ليلة الاثنين 6 رجب الموافق 
2 تموز الرومي. وفي مساء يوم الأحد أقبل الناس إلى البستان المذكور » 
ولما انتظم عقد المدعوين قام الخطباء يتلو بعضهم بعضا يلقون الخطب 
باللغتين التركية والعربية » مآلها ما ذكرناه » وهي أول خطب ألقيت في 
حلب بعد قرون طويلة لم ينقل إلينا التاريخ في أثنائها أن أحدا ألقى في حلب 
خطبة سياسية على رؤوس الأشهاد » فيها بيان خطأ سلطان أو خليفة أو 
أمير » حتى زالت هذه الملكة من علماء حلب وكتابها ؛ وصار يعسر على 
النابغة منهم إيراد خطبة ولو على المنبر خصوصا في أيام السلطان عبد 
التعمية لذ كانت تلك الليلة مما ذهكن له القان حيتها سمعونا الخطياء نقطة 
ألسنتهم في مدح العدل والحرية والمساواة والتنديد بالظلمة والمستبدين. غير 
أن بعض من لا خلاق لهم من العامة أصبحوا بعد تلك الليلة يتظاهرون 
بالفسق والفجور وعدم المبالاة بالحكومة » لفهمهم بأن الحرية التي نودي 
بها هي عبارة عن الرخصة لكل إنسان أن يعمل كل ما يريده دون قيد أدبي 
أو ديني. 

وبعد هذه الليلة بدأ الحزب المتقهقر قبل إعلان الحرية يطلقون ألسنتهم 
علنا بذكر مظالم السلطان عبد الحميد وتنفير القلوب منه . وذكر مساوىء 
حاشيته وأعوانه وجواسيسه ويصرّحون بشتمهم ولعنهم. فارتاع لذلك أهل 
الصيّال قبل الإعلان المذكور في حلب وغيرها » وظهر على عظمائهم 
وعتاتهم الذل والانكسار » فانزووا عن الناس ولزموا بيوتهم. 


-368- 


ثم بعد أيام قليلة تألف في المكتب الإعدادي الملكي جمعية عظيمة 
قوامها الضباط وبعض المأمورين وجمهور من أهل البلدة » فاختاروا من 
الحاضرين جماعة سموّهم جمعية الاتحاد والترقي العثماني » وألقي في ذلك 
الاحتقال: الخدي التي ماله مدع الكوية والمسباواة ونيا مظالم بحسن 
الأسر الحلبية وكثرة جورهم وتعديهم. وقد جعلت هذه الجمعية فرعا لجمعية 
الاتحاد والترقي العثماني في سلانيك المنعقدة تحت رياسة أنور بك ونيازي 
بك بطلي هذا الانقلاب. وقد تحالفت هذه الجمعية بجميع فروعها على 
التفاني والتهالك في سبيل المحافظة على تنفيذ أحكام القانون الأساسي 
والضرب على يد كل من خالفها وحاول المروق عنها. وجعل لهذه الجمعية 
فروع في جميع الوية الولاية وأقضيتها أسوة بأامثالها من الولايات العثمانية 
»؛ وعمل لها زينة في كل لواء وقضاء » وعين لها مكان للاجتماع يسمى 
(كلوب). ْ 

وأول شيء قامت به هذه الجمعيات هو السيطرة على المأمورين 
وتدقيق أحوالهم فكانت الجمعية متى سمعت بموظف يميل إلى الرشوة 
والمحاباة ترسل إليه من يتهدده ويتوعده فلا يلبث غير قليل حتى يستقيل من 
وظيفته. وبهذه الواسطة استقال نحو نصف الموظفين الذين كانوا متخذين 
الوظيفة وسيلة لجمع المال » غير مبالين ‏ في سبيل الوصول إلى رغائبهم - 
من تضييع الحقوق وتخريب البيوت وتخليد الأبرياء في السجون. على أن 
كثيرا من ذوي الأغراض والمقاصد السيئة صاروا ينسبون أنفسهم إلى هذه 
الجمعية الحرة ويتسلطون على الحكّام والموظفين البريئين من دنس 
الجرائم. ولهذا بدأ الناس ينقمون على الجمعية بعض أعمالها وينددون 
بانحرافها عن جادة العدل التي لم تنعقد الجمعية إلا لأجل السلوك عليها. 

وقد كر نظين :ذلك فى الاسيكانة و أكثر اليااة: التثمائينة #.حتى فطق 
مركز الجمعية الكبرى في سلانيك بأعمال هؤلاء المتطفلين عليها . 
فصارت ترسل إنذاراتها إلى الولاة وتحذرهم من مجاراة أولئك المتطفلين » 
وتظهر تبرّؤها منهم ومن أعمالهم. غير أن الولاة كانوا لا يقدرون على 
منعهم والتعرض إليهم فوقعوا تحت نير تسلطهم وصاروا مغلوبين على 
أمرهم مغلولة أيديهم عن مباشرة إصلاح أحوال ولاياتهم وتنظيم أمورها » 
فأصبحت الحالة بسبب ذلك شبيهة بالفوضى » وكشثر التجاهر بالمعاصي 
والفجور » ونهض أهل الدعارة واللصوص في المدن والقرى يتصذون 
لقطع الطرق وسلب أموال الناس » وقام القرويون يطردون من قراهم 
أصحابها وينتهبون مدخرات حبوبهم وأصبح الناس في أمر مريج. 


- 369 - 


وفيها ‏ في أواخر فصل الربيع ‏ قدم على حلب والجهات الشرقية من 
ولايتها جراد كثير أتى على ما في البساتين من الخضر والبقول » وأكل ما 
في القرى من الزروع الصيفية كالبطيخ والقطن والسمسم » ثم غرز في 
الجهات المذكورة » فخاف الناس ضرره في العام التالي وضنّ أهل الثراء 
من المزارعين والمحتكرين بما عندهم من الحبوب فحبسوها عن البيع . 
فارتفعت أسعارها ارتفاعا فاحشا » وبيع شنبل الحنطة بمائة وعشرة قروش 
بدل ثمانين قرشا. وكان شمندوفر (2 حلب وحماة ينقل من حلب كل يوم إلى 
ثغر بيروت نحو خمسمائة شنبل » فقام فقراء الناس وغوغاؤهم واجتمعوا » 
وأقبلوا جماهير على دار الحكومة يطلبون منها منع تسفير الحبوب 
بالشمندوفر. فلم تلتفت الحكومة إلى طلبهم مستندة على قاعدة (التجارة 
حرة) وحينئذ اجتمع من عامة الناس جمهور عظيم. ‏ . 

وفي ضحوة يوم الخميس 24 رجب والسابع من أب هاجوا وماجوا 
أمامهم واسرعوا لقفل حوانيتهم » ووقع الفزع في قلوبهم فتراكضوا إلى 
منازلهم. ونمي الخبر إلى الوالي ناظم باشا والقائد العسكري باكير باشا 
فأسرعا الكرّة نحو باب الجنان لردع هؤلاء الغوغاء وصذهم عن خانات 
الحبوب الموجودة هناك » وصحبا معهما عددا كافيا من العساكر فلم يبال 
الحبوب والتطاول على الناس. وحينئذ أمر القائد بعض الجنود بإطلاق 
الرصاص عليهم تهديدا وتخويفا » فأطلقوا عياراتهم فخافت تلك العصابة 
من هجوم العساكر عليهم فوقفت عن حركتها » ثم هرب بعضها وألقي 
القبض على آخرين وزجّوا في السجن. ثم تتبعت الحكومة المنهزمين 
وقبضت عليهم وزجّتهم في السجون » وبعد الفحص والتحقيق عنهم اطلقت 
البريء منهم ونفت المتعدّي إلى البستان وغيرها. حتى إذا كانت أوائل 
شوال هذه السنة أطلقت سراحهم من المنفى. 

على أن الحكومة بعد انقضاء هذه الحادثة رأت طلب الناس منع 
إخراج الحبوب إلى خارج الولاية صوابا » فأصدرت أمرها إلى البلدية بمنع 
تسفير الحبوب بالسكة الحديد » وأقامت الخفراء لمنع التسفير على محطة 
حلب والوضيحي » وبو الظهور » وأمّ ارجيم 


-370- 


والحفداته : 0000 احتين الحوات و رفنت اسعاريها عن النضبا عد وكا هذا 
شهر نيسان حتى نقف وأخذ يزحف على الزروع » فأكل جميع حقول 
ارتفاعا فاحشا وبيع شنبل الحنطة بمائة وخمسين إلى مائة وثمانين بدل مائة 
وعشرين قرشا. هذا مع منع تسفير الحبوب ومجيء الحبوب والدقيق من 
حماة ودمشق كل يوم. ولو لا ذلك لعدمت الآأقوات وأكل الناس بعضهم » 
وقد تبعت أسعار الآقوات بعضها فارتفع سعر الزيت من 15 إلى 30 وسعر 
السمن من 35 إلى 70. 

خطبة عامة في الجامع الكبير : 

وفي أواخر شعبان هذه السنة قدم من استانبول على حلب رجل من 
أذكياء علماء كركوك يقال له الشيخ عناية الله أفندي » وكانت جهة مقصده 
الموصل وهو عضو سيّار في جمعية الاتحاد والترقي العثماني. وفي يوم 
قدومه إلى حلب قصد منزل الوالي ناظم باشا واستدعى بواسطته طائفة من 
علماء حلب فأطلعهم على منشور عضويته » وكلفهم أن يسعوا بحشد الناس 
وجمعهم في مكان فسيح ليلقي عليهم خطبة أمرته الجمعية بإلقائها في جميع 
البلدان التي يتجول بها. فقر الرأي على حشد الناس في الغد في الجامع 
الكبير. وفي صبيحة الغد خرج اشخاص ينادون في الآأسواق بما معناه : 
(معاشر الناس من كل ملة ودولة » سيلقى بعد الظهر في الجامع الكبير 

وبعد ظهر ذلك اليوم أقبل الناس إلى الجامع الكبير مسلمين ومسيحيين 
وإسرائليين ميس 0-0 الشيخ عناية الله 
ل ا ور بوكر اص م كدكر د 
ساعة » وخلاصتها : حمد الله تعالى وشكره على نعمة الحرية والمساواة 
والعدالة والاتحاد » ومدح هذه الخلال وبيان فضائلها والحث على التزامها 
وعدم الحياد عنها » وأن تكون الأمة العثمانية على تمام الوفاق والتحابب مع 
بعضها مهما اختلفت مذاهبها ومشاربها » وأن هذه الأمور هي أقصى 
غايات جمعية الاتحاد والترقي العثماني التي سعت بقلب الحكومة العثمانية 

من الحكومة المطلقة إلى الحكومة المقيدة المعروفة بالمشروطية » وأن 
المشورة من 


-371- 


المسائل التي أمرت بها الشرعية 2 المحمدية بلسان القرآن العظيم » وأن 
مجلس المبعوثان هو عبارة عن مجلس الشورى وأن الواجب على الأمة ألا 
تنتخب لهذا المجلس إلا من عرف بالعلم والاستعداد والصلاح والتقوى إلخ 
ما قال. 

افتتاح نادي جمعية الاتحاد : 

وفي أواخر شعبان أيضا فتح في فندق خان قورت بك مكان سمي 
»؛ يجتمع فيه أعضاء الجمعية المذكورة للمذاكرة والمفاوضة. وقد أقبل الناس 
عليه يسجلون أسماءهم بدفتر الجمعية » وبعد أن يحلفوا للجمعية يمين 
الإخلاص تعتبرهم من حزبها. وفي يوم افتتاح هذا المنتتدى حضر الوالي 
المسيحية وتليت فيه الخطب باللغة التركية والعربية » وكلها ترمي إلى 
غرض واحد وهو مدح المشروطية والحرية والاتحاد والعدل والمساواة. 


انتهاء مرمّات الجامع الكبير : 

وفي رمضان من هذه السنة انتهت مرمّات الجامع الكبير التي كان 
الشروع فيها منذ سنة » وهي تجصيص أكثر جدران الجامع داخلا وخارجا 
وترميم الرواق الشرقي من جهة الحجازية » وتوسيع باب الحجازية 
المذكورة وتوسيع شباكها وفرشها بالرخام » وتجديد رخام الرواق الشرقي 
والرواق القبلي » وتوسيع باب قبلية الآأحناف من جهة الغرب وتوسيع باب 
القوافين وغير ذلك » ورفع طرابزون كان يتوسط القبليتين ويقطعهما 
شطرين طولا من الشرق إلى الغرب » ونقل سذة قبلية الآحناف إلى محلها 
الحالي » وفرش هذه القبلية بالسجاد الجديد وتنويرها بمصابيح لوكس وغير 
ذللك, 

وقد بلغت النفقات على هذه الإصلاحات زهاء ثلاثمائة ألف قرش هي 
بدل أحكار معجّلة عن أراض ظهرت جديدا في جهات التلل قرب محلة 
العزيزية وكانت قبلا غير معروفة أنها من جملة أوقاف الجامع. وكان 
العمدة فى هذا الثر ميم مفتي حلب الشيخ محمد العبيشى 


(1) كذا في الأصل ولعلها : «الشريعة». 


-372- 


الحموي. وللوالي ناظم باشا في هذا الترميم واستحصال الأرض سعي 
يستحق أن يذكر فيشكر. 

وفي هذا الشهر أيضا ورد على حلب وفد من جمعية الاتحاد والترقي 
العثماني » فاحتفلت الحكومة باستقبالهم وأنزلتهم في فندق دوبارك في 
بستان الشاهبندر » على نفقة البلدية التي عملت لهم ضيافة حافلة حضرها 
الوالي والقائد العسكري وغيرهما من كبار الموظفين » وتليت الخطب 
وعزفت الموسيقى العسكرية » وكانت ليلة حافلة. 


إبراهيم باشا ابن معمو التمّو : 

وفي هذا الشهر أيضا مات إبراهيم باشا ابن معمو التمّو الكردي » في 
الموضع المعروف بتل شرّابة » بين قضاء نصيبين ولواء الزور » وهو من 
عشيرة كردية يقال لها عشيرة الملية تبلغ زهاء أربعمائة بيت » تقيم تحت 
خيام الشعر في جهات «ويران شهر» من أعمال قضاء رأس العين التابعة 
لواء الزور. والرجل المذكور شيخها ورئيسها » وكان والده توفي في حلب 
في حدود سنة 1295 ودفن في زاوية الشيخ جاكير خارج باب النيرب 
فخلفه ابنه هذا في المشيخة على عشيرته » وكان يعرف إذ ذاك بإبراهيم 
آغا. وبعد أن صار شيخ العشيرة المذكورة اقتفى أثر آبائه وأجداده في شن 
الغارة على العشائر الكردية والعربية وأسرف بالنهب والسلب » خصوصا 
في عشيرة قره كج فإنه لم يبق لها سبدا ولا لبدا ©. 

ولما كثر تشكي هذه العشائر منه أمسكته حكومة ولاية ديار بكر ونفته 
إلى سوارك » فبقي فيها إلى حدود سنة 1297 وفيها استغاث بوالي حلب 
جميل باشا وقدم له تقدمة جزيلة » فسعى باستقدامه إلى حلب فحضر إليها 
ومعه الخيول المطهّمة © العربية هدية خص بها الوالي المشار إليه » فشفع 
به عند السلطان عبد الحميد وصدر العفو عنه وعاد إلى وطنه «ويران 
شهر». ولما تألفت الكتائب الحميدية من سكان البوادي مضاهاة لكتائب 
القوزاق في دولة روسية » جعل إبراهيم آغا مقدّم مائة ثم مقدّم ألف ثم أمير 
لواء » ومن ذلك الوقت صار يدعى إبراهيم باشا. وقد كثرت أتباعه وشيعته 
واستقدم إلى الآستانة لعرض كتيبته فشخص إليها مع عدد وافر من عشيرته 
الجند «الحميدي» البالغ حد النهاية بحسن البزّة 


(1) أي لم يبق لها شيئا قليلا ولا كثيرا. وهما في اللغة كناية عن الإبل والغنم. 
(2) أي الحسنة التامة » أو المتناهية الحسن. 


-373- 


والرونق. وقدم إلى السلطان عبد الحميد من الخيول العربية والسّمن العربي 
ما جعله يعتقد أنه من خواص محبّيه ومواليه. واتصل بوالدة السلطان وقدم 
لها مبالغ طائلة فسرّت منه أيضا ودعته بقولها : : أنت ابي وأحسن إليه 
السلطان بالأوسمة العظيمة وأمر بأن يبلّغ سلامه. 

ثم عاد إبراهيم إلى وطنه فازدادت سطوته وعظمت نكايته وصارت 
أتذاعه تشن 'العار :على العشائن المكاورة له والقورى القن ع فرت اعمال 
أورفه وولاية ديار بكر. حتى خرب الكثير منها بسبب جلاء أهله عنه 
وضرب على القفول والكروان ) التي تمر من تلك النواحي ضريبة من 
المال تدفع إليه وإلا سلط أتباعه عليها وانتهبوها. فضج أهل تلك الجهات من 
جوره وواصلوا الشكايات عليه لحكوماتهم مدة طويلة فلم يجدهم ذلك نفعا» 
لأن الولاة كانوا لا يجسرون على الإيقاع به لعلمهم بالتفات السلطان إليه. 
ولشدة اشتهار أتباعه ومواليه بالنهب والسلب صار كثير من الدغّار 
والشطار الأجانب عنه يقطعون الطرقات ويتسمّون بأسماء أتباعه وأعوانه. 
تعظم صوق التانى مق لكاو اخذوا يوالون الشتبكي علية إلى الخزائ الكبرى 
فى الآستانة : كالباب العالى » ونظارة الداخلية والكتابة الأولى فى 
«المابين» ©. وشخص جماعة من بلاد الرها إلى الآستانة للتشكي عليه 
وبذلوا في إزالة ضرره النفيس والغالي » فلم يحصلوا على طائل ورجعوا 
بالخيبة لأن تلك الدوائر كانت تعلم أيضا أن إبراهيم ملحوظ السلطان وأحد 
منابع استفادته. 

ثم شرع الناس يتشكون منه لذات السلطان على لسان البرق مخاطبين 
إياه بلهجة عنيفة غير مبالين بما كان عليه من الشدة والجبروت » وتجهز 
منهم جماعة من أهل الثراء وسافروا إلى الآستانة بقصد التظلم من أعمال 
هذا الرجل وصرفوا على نوال غايتهم المبالغ الوفيرة والأعوام العديدة 
فأخفق سعيهم وعادوا خائبين. وكان هذا الرجل لا يفتر شهرا واحدا عن 
تقديم الهدايا إلى السلطان ووالدته وكبار جواسيسه ومطبخه وإصطبله » 
يقدّم إلى السلطان ووالدته وبعض جواسيسه النقود الكثيرة » وإلى المطبخ 
ضداديق السهن ٠‏ و الى الإصعطيلة الحيون الأضائل: وبيذه الراسطة كان 
السلطان لا يسمع فيه وشاية ولا يصغي 


(1) أي القوافل. 
(2) المابين : الجناح الإداري الملحق بقصر السلطان والمرتبط بأوامره مباشرة. 


74 


لشكوى أحد مذه. ثم لما تمادى الرجل على بغيه وعدوانه هاج الناس 
وماجوا في ولاية ديار بكر وحلب وأخذوا يوالون فيه الرسائل البرقية 
المشتملة على أشد العبارات التي يخاطب بمثلها ذلك السلطان العظيم. وقد 
ساعدهم والي حلب ووالي ديار بكر وأيّدا شكاويهم وجعلاها مصبوغة 

وحينئذ خشى السلطان عاقبة الإغضاء عنه إلى ذلك الحد فأصدر 
إرادته بتأليف لجنة من عدة أشخاص للفحص عن أحوال هذا الرجل على 
أن يكون محل اجتماع هذه اللجنة في مدينة ديار بكر وأن يكون ثلاثة 
أشخاص من هذه اللجنة من مدينة حلب وشخص من مدينة حماة وآخر من 
أورفة وبقية أعضاء اللجنة من ديار بكر ورئيسها واليها. فاختار مجلس 
إدارة حلب أن يعيّن لهذه اللجنة من ديار بكر » ورئيسها واليها. فاختار 
مجلس إدارة حلب أن يعيّن لهذه اللجنة مرعي باشا الملاح والشيخ حسين 
أفندي الأروفه وي وأحمد أفندي ميسّر. وبعد أن أخذوا نفقات طريقهم 
وفرض لكل واحد منهم يومية كافية » سافروا إلى ديار بكر واجتمعوا مع 
باقي إخوانهم وشرعوا يفحصون أحوال هذا الرجل فحصا مدققا » فظهر 
لهم صدق شكاوي الناس عليه وأنها غير مبالغ فيها ء إلا أنهم رأوا أن تمام 
التحقيق عنها متوقف على استجوابه عما نسب إليه لعله يدلي به عذرا ء 
فأرسلوا بطلبه فلم يحضر وأرسل يعتذر بأنه منحرف الصحة » فلم يجسروا 
على إحضاره قسرا لعدم الرخصة لهم بذلك. ولما لم يروا فائدة من مثابرتهم 
على التحقيق عن أحواله حلّوا عقدة اجتماعهم وعاد الغرباء منهم إلى 
أوطانيه بعد أن خانو] بعنها راها ميق أشين. 

ثم في شعبان هذه السنة أصدر السلطان إرادته بإشخاص إبراهيم باشا 
المذكور إلى الحجاز لينضم إلى الجنود السلطانية المخيّمة هناك ويعاونهم 
على ردع قبيلة عوف وهوازن وغيرهما من القبائل العربية التي قامت 
تعارض الدولة في مدّ السكة الحديدية من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة. 
فامتثل إبراهيم الأمر ونهض من محلّه «ويران شهر» وقصد الحجاز من 
طريق حلب فوصل إليها في بضعة أيام » ونزل هو وعساكره الحميدية في 
الميدان الأخضر تحت خيام قدمت لهم مع الأطعمة والعلف من قبل الثكنة 
العسكرية. وقد استقبله الوالي والقائد العسكري واحتفلت الحكومة بنزوله 
احتفالا باهرا. وبعد أن بقي في حلب بضعة أيام بارحها إلى جهة دمشق 
على قطار السكة الحديدية » وما كاد يستقر فى دمشق قراره إلا وحدث 
الانقلاب ونودي بالدستور » فارتاع إبراهيم باشا من ذلك وخاف أن يلقى 
القبض 


-375- 


عليه لما يعلمه من نفسه بأنه أول من يستحق العقوبة والتنكيل على سابق 
أعماله » فأظهر للمشير في دمشق أنه يريد الرجوع إلى حلب ليحضر بقية 
جنوده. وقبل أن يأذن له المشير بالرجوع إلى حلب نهض من دمشق في 
اليل وكن راههًا إلى وظنه امن طريق حلب إلا أنه لخ يدخلها بل تؤهه إلى 
جهة «ويران شهر» من خارج حلب. , 

وحينما تحققت الحكومة هربه أرسلت في طلبه الجنود من حلب 
يقتفون أثره فلم يدركوه إلا في جهات ماردين معتصما في جبل هناك » 
فشددوا عليه الحصار مدة شهر »؛ ولما علم بأن لا مناص له من سطوة 
الجنود ركب جواده وقصد أن يسلم نفسه طائعا مختارا. وكان التعب 
والسهر قد أنهكا جسمه واستولى عليه الهم والغم » وبينما هو راكب جواده 
إذ وقف ونزل إلى الأرض وفي برهة دقائق فاضت نفسه. والمروي عن 
هذا الرجل أنه كان يوجد عنده نحو مليونين من الليرات وأنه عمل نفقا خفيا 
في الأرض وكنزها فيه » وأن المعمار الذي عمل له هذا النفق قتله حالما 
فرغ من عمله كيلا يخبر عنه. وقيل إن هذا النفق لا يدري مكانه سوى ولده 
الكبير والله أعلم. وعلى كل حال فإن إبراهيم باشا كان على جانب عظيم من 
السخاء والدهاء والشجاعة . يتكلم باللغة الكردية التي هي لغة آبائه وأجداده 
وعشيرته » وباللغة العربية التي هي لغة أمه وزوجته » وباللغة التركية التي 
هي لغة الدولة. ويذكر أنه أنشأ في سواريك مكانا شبه تكية يطعم فيها 
الفقراء والمسافرون رحمه الله. 


الشروع بانتخاب النواب المعروفين بالمبعوثان : 

وفيها في رمضان وردت المضابط من مراكز أقضية الولاية تفيد بأن 
عدد ذكور الولاية الذين أعمارهم فوق الخامسة والعشرين 284102 نسمة 
2 فاتضح من ذلك أن عدد المبعوثين الذي يجب انتخابهم من ولاية حلب ستة 
أشخاص لكل خمسين ألف ذكر تقريبا شخص. 

تنازل السلطان عن أملاكه ومزارعه : 

في هذا الشهو تفال السلطاة. عبد الحميه كنات :الو بيت الال عق 
دخل جميع المسقّفات المعروفة باسم الأملاك السنية » والقرى والمزارع 
المعروفة باسم الجفاتلك الهمايونية في سائر البلاد العثمانية. وكان دخلها 
يقدر بربع دخل جميع المملكة العثمانية » وكان السلطان يستأثر 


-376- 


به وحده علاوة على رزقه من بيت المال الذي كان لا يقل عن تسعين ألف 

ما هي الأملاك السنية والجفاتلك الهمايونية؟ 

لما استولت الدولة العثمانية على هذه البلاد كان العمار غالبا على 
برها ء والزراعة سائدة فى أكثر أنحائها » ثم لم تلبث غير قليل بسبب سوء 
إدارة حكامها إلا وأخذ العمار ينزح عنها ويحل محله الخراب حتى كاد يعم 
جهتي الجنوب والشرق من ولاية حلب. وكانت جهة الجزيرة في منتهى 
دورحاخ العمان بحيت كاقت ولانة غطيية عاضمتها الزقة» واماهكلت 
تحت استيلاء الدولة العثمانية اعتبرتها أيضا ولاية واستمرت ترسل إليها 
واليا يحكمها على انفرادها » إلى أن أخذ عمرانها بالانحطاط صارت تعهد 
بالولاية عليها إلى والي حلب وتسمّيه والي حلب والرقة. وما زال الخراب 
بشن عليها غاراتة حتى.ألقى فيهنآ جر انه (0 وخلت. من السكان الحضين »ولم 
ببق من أرضها معمورا سوى واحد في المئة وخلت مدينة الرقة من 
الحكومة وأصبحت عاصمة الرشيد قرية يسكن أهلها تحت مضارب الشعر 
مستمرة على هذه الحالة نحوا من قرن ونصف. 

ونا حلزن العلطان هية الحكيد خا على لمان الحتباتن الفشة نوه 
إلى جميع ما في المملكة العثمانية من القفار الواسعة والمفاوز الشاسعة » 
خصوصا ما كان من ذلك في الشام والجزيرة والعراق » فاعتبر السلطان 
هذه البراري » مواتا وعزم على إحيائها لتكون ملكا له بحكم :«من أحيا 
مواتا فهي له» ©. فعمل لأجل هذه الغاية ديوانا خاصا جعل وظيفته السعي 
والاهتمام بإحياء هذه الأراضي 2 وأمده بشيء من ماله لينفقه في هذا السبيل 
ودعا هذا الديوان (جفتلك همايون إداره سى) إدارة المزارع السلطانية » 
وفوضه أن يشتري له مسقفات وأملاكا في البلاد العثمانية. فباشر هذا 
الديوان وظيفته واشترى له عدة أملاك وعقارات في حلب وغيرها 
كالخانات والحمامات والبساتين. ومن جهة أخرى بذل الديوان اهتمامه 
بإحياء الأراضي واستعان على إعمارها بالولاة والأمراء العسكريين » وبعد 
العقاء الطويل: ” 


(1) أي ثبت واستقرٌ. والجران في اللغة : مقتم عنق البعير. 


(2) في سنن الترمذي 5 / 67 قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : «من أحيا أرضا ميتة فهي 
له». وإحياء الأرض يكون بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء. 


-377- 


تمكن الديوان من تحضير بعض العشائر البدوية وإسكانها في قرى حقيرة 
بنيت لهم في تلك البراري. ومن ذلك اليوم عادت روح العمار تدبٌ رويدا 
رويدا في جح جهتي الشرق والجنوب من ولاية حلب » وجهة الجزيرة التي 
عضيف اررق 

ولما جلس السلطان عبد الحميد خان على كرسي المملكة العثمانية 
فق( 21293 اهتم جهذه العسالة اختطاما عظيما وأسسسن 'لينا في استانيول 
ديوانا خاصا سماه (خزينه خاصه نظاره سى) نظارة الخزينة الخاصة. 
وجعل له فرعا في كل بلدة يوجد في بورّها أراض موات » سماه إدارة 
الجفتديك الهمايوني. اي هذه ره بإعمار الكررئ كين أطاوليا 
ال لا ا 
وسوى الأعشار وكومة الطابوء فإن الإدارة جرت في أخذها من الزراع 
على قاغذة نبتنها التخمين : وهى أن يعدن اهل الحبرة البيدر ١‏ قبل: أن 
يدرس - بقدر معلوم من الحب ويكتب على صاحبه سبعة عشر في المئة من 
مجموع الحبٌ المقدر » عشرة من هذه السبعة عشر هي العشر الشرعي » 
والباقي - وهو سبعة أجزاء ‏ أجرة الأرض وتسمى كومة الطابو » وبعد أن 
تتم دراسة البيدر ويتمحض الحب يحمل صاحبه القدر المفروض عليه إلى 
المستودع المعين لناحيته ويسأمه إلى حافظ المستودع ويأخذ به وصلا. 
وكانت إدارة الجفتلك هذه تأخذ العشر الشرعي أيضا لنفسها مع أن العشر 
حق بيت المال كما لا يخفى. 

وقد نجحت هذه الفروع في أعمالها » وجد في ولاية حلب قرى كثيرة 
يربو عددها على الخمسمائة » وكثر عدد سكان الرقة واستعمل عليها حاكم 
ضكر انايد دين اث [ :0 العما. فى جينانيا و اننا فهنا السلكان جانها 
وجعلت مركز قضاء وتعين لها قائمقام. وهكذا كان العمل في منبج. وقد بلغ 
دخل السلطان من هذه القرى التي هي في شرقي الولاية وجنوبها سبعين 
ألف ذهب عثماني في السنة المتوسطة بين الخصب والجدب . وذلك عدا 
رسوم الأغنام التي كان يستأثر بها السلطان أيضا. ولما خلع هذا السلطان 
وضعت الحكومة يدها على سائر الآأملاك والمزارع المذكورة وسمتها 
الأملاك المدورة ثم الأملاك الأميرية وصارت تجبي غلاتها على قاعدة 
التكمين المتالفة الذكر :إلى جيه خر انه الحكرمة عو النيك النطار 8 الخاضية 
في استانبول وفروعها في خارجها وأنيط النظر في الأملاك المذكورة 
بدواوين مالية الدولة 


-378- 


التي تعرف باسم المحاسبة وسميت هذه الأملاك بالأملاك الأميرية. 

وفي هذه السنة ورد من نظارة المعارف رخصة بإصدار عدة صحف 
إخبارية مثل جريدة الشهباء وصدى الشهباء والشعب والتقدذم وغيرها . 
فصدرت أكثر هذه الجرائد وأقبل الناس عليها ولا إقبال الجياع على القصاع 
؛ لأنهم في عهد الاستبداد الحميدي كانوا لا يطلعون على جريدة مصرية أو 
وروية الانشتى الانفسين: اه ده ل ا سو 
تمشق إلى المدينة المنورة. 


-379- 


سنة 1327 ه 

فيها ولي حلب رشيد بك وكان من دهاة الرجال. 

وفي صفرها فتح في جادة باب الفرج تجاه التكية المولوية مكان جديد 
تأسست فيه جمعية جديدة سميت جمعية الإخاء العربي. وكان الاحتفال بهذا 
المنتدى بالغا حد النهاية بالرونق والبهاء. وقد أقبل الناس على الاكتتاب به 
أفواجا » ثم لم يلبث غير قليل حتى اختل أمره وانحلّت رابطته. وكان 
الغرض منه ظاهرا التعاضد على تأييد أحكام القانون الأساسي والمطالبة 
بحقوق الأمة العربية فيما يتعلق بخدم الدولة » وباطنا الضرب على يد 
جمعية الاتحاد والترقي والوقوف لها بالمرصاد وقيام العرب على جمعية 
الاتحاد والترقي انتصارا للسلطان عبد الحميد وهو الذي ندب إليه سرا. 

وفي هذه السنة وصل إلى حلب أول مرة عجلات الأتومبيل المعروفة 
بالسيارات أحضرها من أوربا أحد التجار الحلبيين المسيحيين المععروف 
باسم الخواجا يوسف أندريا ليشغلها بين حلب واسكندرونة فلم تنجح. 

خلع السلطان عبد الحميد 

في اليوم السابع من شهر ربيع الأول من هذه السنة ‏ وفي 19 نيسان 
سنة 1325 رومية ‏ خلع السلطان عبد الحميد خان الثاني العثماني » وخلفه 
عل هرشن "الملك البتطاق محمد روفاك الكامين :وأ علق ف يعن خلعنة 
وجلوس أخيه مكانه بإطلاق مئة مدفع ومدفع من قشلاق 7) حلب وقلعتها. 
وفي الليل قامت في البلدة مظاهر الزينة وأطلق فيها من العيارات النارية ما 
يعد بعشرات الألوف. كان خلع هذا السلطان مبنيا على أسباب يعلمها 
القارئ من الفتوى التي أصدرها شيخ الإسلام بوجوب خلعه ونصها بعد 
الترجمة : 


(1) القشلاق : لفظة تركية » كالقشلة » بمعنى الثكنة «منزل العسكر». 


-380- 


إذا كان زيد إمام المسلمين طوى وأخرج من الكتب الشرعية بعض 
المجدانن اليم الستدة #دوهتة الكت المتكور : وبخرق خومتهنا ز اخوقة ؛ 
وتصرّف في بيت المال بالتبذير والإسراف بغير مسوّغ شرعي » وقتل 
وحبس وغرّب الرعية بلا سبب شرعي واعتاد جميع المظالم » ثم حلف 
اليمين على الرجوع إلى الصلاح وعاهد على ذلك » ثم حنث بيمينه وأصرٌ 
على إقاره فقن خطيدة و إنقا ع قال مكدل ريه امون التمتلمية سكل 3 يكفة 
كليا » ثم وردت الأخبار متوالية من جهات متعددة من بلاد المسلمين يقولون 
بها إن زيدا المزبور () تغلب على منصة المسلمين وإنهم لذلك يعتبرونه 
متذلوعا .ثم اوحظ أن رفي إيقانه صر واامحقها وف رز الننداصيلاها ؛ فين 
يجب على أرباب الحل والعقد تكليفه أن يتنازل عن الإمامة والسلطنة أو 
يخلع منهما » وهل لهم ترجيح إحدى الصورتين؟ 
الجواب : نعم. 
كتبه الفقير السيد محمد ضياء الدين 
عفي عنه 


ذكر شيء من سيرة هذا السلطان 

خصصت هذا السلطان بذكر شىء من سيرته لغرابة أحواله ولأنه 
كان من أجلّ ملوك زمانه وأعظمهم دهاء وأعلاهم كعبا في فنون السياسة . 
ولأنه آخر س لطان عثماني يستحق أن يسطر له شيء من سيرته في 
صفحات التاريخ » ولآنه كان حصنا حصينا لدولة بني عثمان مدة سلطنته » 
فلما خلع أخذت صنوف البلاء تنصب على هذه الدولة يوما بعد يوم حتى 
تدهورت إلى الدرك الأسفل وكادت تمحى سطورها من صحائف الوجود. 

كم سنة بقي سلطانا : 

كا حاوينه علتى "فزن الخلذفة الانتلايية والنبلطنة العتعانقة مله 
اثنتين وثلاثين سنة وسبعة أشهر وسبعة وعشرين يوما وست عشرة ساعة 
وخمسا وأربعين دقيقة. 

قبض هذا السلطان على رقبة ذلك الملك العظيم بيد من حديد طول 
هذه المدة » ولم 


(1) أي المذكور ء أو المكتوب اسمه في صدر هذه الفتوى. 


-381- 


يضع منه سوى النزر اليسير الذي ربما كان هو المتساهل بحفظه ليكون 
فداء عن باقي دولته وليتمكن من التنكيل بأعدائه وإبادتهم. 

بي مي ل ل 
كان له اللتات و أخا مه السب كلم هد خدز انه ١‏ فسن علق 
بالأسلوب الذي كان يسير عليه في سياسة الأمة وإدارة الملك لا يلبث أن 
يزول عنه العجب ويقنع بأن ذلك الأسلوب حقيق أن ينتج عنه تلك النتيجة. 

كيف كانت سيرته في رعيّته : 

كانت الطبقة الدنيا والوسطى من الرعية على اختلاف عناصرها 
تخافه وتحبه : 

تخافه لقوة د بطشه وعظيم دهائه وتمكنه من الاطلاع على أحوال 
ناه نه حل لا تعزن عر اعافد من أجواليم كر ذي شخصية بارزة 
في ممالكه معروف عنده واقف تمام الوقوف على ما هو عليه من المحاسن 
والمساوئ. ٍ ٠‏ 

وتحبه رعاياه لآنه كان لا يحب أن يبهظهم بالضرائب » فكان الرخاء 
في أيامه شاملا والرعية راتعة في بحبوحة التنعم والرفاهية » وكان عظيم 
العناية بكل ما يرضي رعاياه لا سيما البسطاء منهم » غير متوان عن 
الإتيان بكل ما ينطبق على رغاتبهم »ء خصوصا بما كان له علاقة بالدين 
كخدمة شعائره وإعمار المعابد » فقد عمر في أيامه ما يعسر على القلم 
إحصاؤه من المساجد والجوامع والمدارس الدينية والزوايا والتكايا 
وأضرحة الأولياء والصالحين. وكان من أجل آثاره وأكبر حسناته ‏ وأقواها 
اجتذابا لقلوب المسلمين عامة وقلوب رعيته خاصة ‏ سكة الحديد الحجازية 
فإنه هو وحده الساعي بإنشائها وبسعيه المشكور تم أمرها. وكان لا يقصر 
بإنقاذ المستغيثين به من مخالب الظلم ما لم يكن الظالم من مردته وأتباعه. 

عدم سماحه عمن يمدن شخصه وسلطانه » 


وكيف كان يعاقب المسيء إليه بالنفي وغيره من العقوبات : 
وه ولا يؤاخذ أحدا على إطلاق لسانه بالظلمة والمستبدين من 
مستخدمي الحكومة 


-382- 


أو متنفذي الرعية » فقد كان الإنسان في أيامه يطلق لسانه بما شاء وبمن 
شاء لا بأس عليه بذلك » إلا أن يتكلم بما يمس سلطانه فإنه لا يسامحه بأقل 
كلمة سوء تصدر منه في حقه فيعاجله بالنفي عن وطنه » لكن مع تعيين 
راتب شهري له يقوم بتمام كفايته حسب مقامه. وهذه العقوبة جعلها مختصة 
بمن يتجرأ عليه بقول أو عمل يشتمَ منه رائحة المساس بشخصه أو سلطانه 
ولو من مسافة بعيدة. على أن العقوبة بالنفي على هذه الصفة كانت تعد من 
أهون العقوبات وأخفها عبئا على من يستحقها. 

سألت الفريق عابد باشا ‏ أحد كبار المنفيين إلى حلب عن سبب نفيه 
فقال :حدثت في استانبول هزة أرض لم ينجم عنها ضرر ء فقلت لجماعة 
من أصحابي وأترابي : «بظلٌ ملجأ الخلافة لم يحصل من هذه الهزة 
خطر». قلت ذلك بلسان تهكم وسخرية » أعني بهما المتملقين من اللائذين 
بقصر يلديز وكتبة الجرائد الذين يأتون بهذه العبارة في مقدمة كل مقال 
ينمقونه بالإخبار عن كل حادث ٠‏ طبيعيا كان أم مفتعلا. مثلا يقولون : بظلّ 
ملاذ الخلافة وقع في حلب مطر غزير » وبظل حامي حمى الخلافة بني في 
دمشق مكتب للإناث » وبظلّ السلطان الأعظم كانت هذه السنة ذات فيض 
وبركة. قال عابدين () باشا : فاتصلت كلمتي تلك بسمع السلطان بواسطة 
جميعا من خواص أصحابي وأترابي ولم يخطر لي على بال قط أن بينهم 
متجسسا لعبد الحميد. 

وحكى لنا عزيز بك - وهو من كبار المنفيين أيضا ‏ أن سبب نفيه ©) 
أنه كان أمّ السلطان مرادا بصلاة التراويح. وحكى لي عثمان بك أحد 
المبعدين إلى حلب وهو ممن غلب عليه البله » وكان يعاني في استانبول 
مهنة الحلاقة ‏ أن السلطان عبد الحميد نفاه لأنه كان يبري الأقلام للسلطان 
رشاد وكان عثمان بك حسن الخط. 

هكذا كان السلطان عبد الحميد يعاقب بالنفي على أدنى كلمة وأقل 
حركة يرى بها مساسا لشخصه أو سلطنته ولو توهما وتظنيا. 

أما عقوبته بالتغريق أو الاغتيال أو الحبس فقد جعلها نصيب من 
يتوهم منه صدور 


(1) كذا ورد اسمه هنا : «عابدين». وسبق في أول هذه الفقرة باسم «عابد». 
(2) يعني في أيام سلطنة عبد الحميد. 


-383- 


شيء له مغزى سياسي يقصد به خلعه أو اغتياله. مثلا أطلق مسدسه الذي 
بكي اتنا علي إحدى بخطياققة فار اهنا فين الحا رولك لأنينا كلت 
عليه دون استئذان منه » فأطلق عليها عياره قبل أن تفوه بكلمة متوهما أنها 
أت لاغتياله » وكم مرة أمر بتغريق إنسان لمجرد ما أخبر به عنه 
جواسيسه من أنه أثنى على مدحت باشا ورحّم عليه (2 » أو لمجرد ما بلغه 
عنه أنه مر من قدام قصر السجين السلطان مراد ء أو قصر السجين الآخر 
محمد رشاد. 

استخدامه الرجال في مآربه وكيفية سياسته معهم : 

كان من حملة المويدات لبمانة بعلن كريي الستلدةطينة يذه اليد 
استعماله سياسة التفريق » وذلك أنه حشد حوله أشخاصا لهم ظهور في 
أقوامهم من كل ملة تستظل بالراية العثمانية » اختار من كل إقليم منها رجلا 
فأدناهم من حضرته وطفق ينهال عليهم بالعطايا الجزيلة والمرتبات 
الشهرية والرتب السنية والأوسمة العلية » فملك أفئدتهم وأدهش عقولهم وكمّ 
أفواههم عن إظهار مساويه » وأطلق ألسنتهم بحمده وشكره وإذاعة محاسنه 
يملؤون بذلك صفحات المؤلفات وأعمدة صحف الأخبار. وكل واحد منهم 
يرى من قدس واجباته استمالة قلوب أهل إقليمه إلى محبة هذا السلطان 
والإخلاص بولائه » قد أرصد نفسه لأجل إقليمه وناحيته ونصبها لهم 
كالباب المفتوح يتوصلون بواسطته إلى السلطان لقضاء أوطارهم التي هي 
طلب المعاش أو الرتب أو الأوسمة أو الإنقاذ من الظلم أو إحقاق الحق أو 
إتطال الناطل أو حكن ذلك و لا قبل هما كان يتسرفى إلى هذا الات من 
الأموال والتحف والطرف التي يعجز اليراع عن إحصائها. 

وكان عبد الحميد سيّىء لطن حاري محتر ( )مدت هن الوح 
البطر وسعة النعمة أولئك الرجال إلى الانقلاب عليه » وأن تدعوهم 
الضمائر الحرة إلى التبرم من جبروته » ويتفقوا على إظهار حقيقته أو على 
الاقل أن يخفوا عنه ما يجري حوله من مناوئيه » وما يدبره له أعداؤه 
ورقباؤه من أسباب البوار والدمار كما دبروا لعمّه السلطان عبد العزيز 
خان. فكان السلطان ‏ دفعا لهذه الاحتمالات ‏ يستعمل مع الرجال المشار 
إليهم سياسة التفريق . فلا يغفل في كل حين وآخر عن إلقاء الشحناء 
والبغضاء بينهم. وطريقته في ذلك 


- 384- 


أنه كان يلتفت إلى زيد من أهل الإقليم الفلاني مدة فينهال عليه بالعطايا 
والرتب والأوسمة وقضاء المآرب ». وفي الوقت نفسه يلفت نظره عن 
عمرو ‏ الذي هو من ذلك الإقليم ‏ فيهجره ويبقيه مطروحا في زوايا 
الإهمال والنسيان » فيستوحش عمرو من هذا الإهمال وينكسر قلبه وتدبٌ 
في فؤاده نار الحسد لزيد » ويرى أن هذا الأنكيس 0 لم يأته إلا من قبل زيد 
؛ وأنه لا يعود التفات السلطان إليه إِلّا بتنكيس أعلام خصمه زيد وسبقه 
عليه بنقل الأخبار إلى السلطان وإعلامه بما يجري حوله من الأمور 
والأحوال التي تمس شخصه وسلطنته » ويكون زيد قد انتبه إلى مكايد 
عمرو واجتهاده بالتقرب إلى السلطان وإبعاد خصمه عنه» فيقابل عمرا 
بمثل عمله فيقع بينهما التحاسد والتنافس. والسلطان أذن صاغية لكل واحد 
منهما » يبقى على ذلك مدة من الزمن إلى أن يستوفي ما في وطاب ©) 
المتجاولين ويستفرغ ما حواه جرابهما فينقلب على زيد ويقبل على عمرو». 
ويعود بينهما الدرس الآول. وهلم جرا. 

بهذم السرانية المدهتينة كانك و ارات اليلقاق متقادة إتى جناعنة هنذا 
السلطان فى كل هذه المدة » رغما عما أظلته سماؤها من تعدد العناصر 
واختلاف الملل. ومثلها الولايات العربية. 

استخدامه صحف الأخبار الأجنبية في مآربه : 

وكان يدر إنعاماته الوافرة على أصحاب الجرائد الأجنبية الممتازة 
فتذكر محاسنه وتغضّ الطرف عن مساويه وتنوّه بعظمته وقوة دهائه » 
وتجسّم خطورة مناوأته في مخيلات عظماء الرجال من الدول الأجنبية 
اللواتي لهن مستعمرات إسلامية » بما كانت تبثه في تضاعيف عباراتها من 
الكلمات التي مفهومها أن عامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها 
يدينون بمحبة السلطان عبد الحميد وولائه » وأنهم على اختلاف أجناسهم 
وعناصرهم منقادون لسلطانه الروحي عليهم » وأن أدنى إشارة منه إليهم 
تثير فيهم الحمية الدينية فيهبون لقيام عام يزحزح أركان السلام ويقلب 
الأرض ظهرا لبطن. 
(1) كذا في الأصل » ولعلها : «التنكيس» كما سترد بعيد ذلك. 


(2) الوطاب : جمع وطب وهو وعاء اللبن. وجاءت في كلام المؤلف على المجاز » أي لم 
يبق هناك شيء جديد يريد السلطان معرفته. 


-385- 


رغبته بالمستخدم المبتلى بهوس ما . وعدم رغبته بالمستخدم 
المتنفذ : 
ومن غرائب السنن التي كان يسير عليها في استخدام بعض الموظفين 
ال فر حير با لسك 
مباشرتها إلى استغراق وقته وتجعله غير مكترث ولا عان بأن يشتغل 
بغيرها من الأمور السياسية أو بالبحث عن أحوال السلطان وغيره. وعليه 
فإن المستخدم المحبوب عنده هو المصاب بهوس المقامرة » والميل إلى 
الأحداث أو بنات الهوى أو بنت المدام » أو بغير ذلك من المحن والشوائب. 
ذلك المستخدم الذي يتمسك به ولا يسمع فيه شكوى شاك وكأن لسان حاله 
يقول : 
أذشني لحبييي صسافية صمت عند الواشي الستمج 


حكى لنا زين العابدين بك مكتوبي الولاية سنة (1328) حكاية فحواها 
من هذا القبيل فقال : كنت مكتوبيا في إحدى ولايات البلقان » وكان واليها 
ممتحنا بوجع الظهر منهمكا بالرشوة » فكثرت عليه الشكايات فلم يعرها 
السلطان أذنا. ثم إن أحد الدهاة العارفين بالطرق التي تثير حفيظة السلطان 
دمن في شكاية عليه كلمة مؤداها أن الوالي يجتمع عنده نفر من شبان 
«جون ترك» ويتفاوضون بأمور تمس حضرة ملجأ الخلافة. قال زين 
العابدين : وحينئذ أصغى السلطان إلى هذه الشكوى وسرعان ما أصدر 
إرادته السنية بإحضاري إلى استانبول لأسأل عن حقيقة هذا الوالي. 
فشخصت في الحال إلى استانبول وحضرت توا إلى «المابين» 20 ولما أعلم 
السلطان بحضوري أمر رئيس كتابه أن يستقصي مني أحوال الوالي » وقد 
وقف السلطان من وراء الحجاب يسمع كلامي. فقال لي رئيس الكتاب : 
أصحيح أن والي ولايتكم يجتمع عنده نفر من شبان «جون ترك» 
ويتفاوضون بمسائل السياسة؟ فأجبته على الفور : إن هذا الرجل ممحون 
بوجع الظهر » وبالكاد ©) أن يتسع له الوقت لأجل استيعاب اشتغاله بمداواة 
محنته » وإن الشبان الذين يجتمعون عنده ليسوا سوى الشبان الذين يطيّبون 
مرضه. 


(2) من ألفاظ العامة التي سرت إلى أقلام المنشئين. والصواب أن يقال : ««ولا يكاد» أو ما 
بمعناها. 


-386- 


قال زين العابدين : فسمعت قهقهة السلطان من وراء الحجاب » ثم 
خرجت من «المابين» وقد تبعني رئيس الكتاب يقول لي : إن ولي النعم قد 
سرّ من كلامك وأمر لك بمائة ذهب. وفي المساء اجتمعت مع ناظر الداخلية 
وحكيت له ما جرى » فقال :إنك مدحت الوالي وثبتّه بوظيفته من حيث لا 
تدري. فقلت له : وكيف كان ذلك؟ قال : أو ما قذفته بوجع الظهر؟ قلت : 
بلى » أو لم يكن هذا المرض موجبا لعزله؟ قال :بل هذا المرض هو الذي 
جعل السلطان يتمسك به ويثبته في وظيفته لأنه ‏ كما قلت يعوقه عن 
الاشتغال بغيره من أمور السياسة والبحث عن أحوال السلطان. قال زين 
العابدين : وكان الأمر كما ذكر ناظر الداخلية » فإن السلطان قد أبقى الوالي 
بولايته ولم يصغ فيه إلى واش أو رقيب. ٍ 

أما عدم رغبة السلطان بالمستخدم القوي فلانه يخشى منه استعمال 
نفوذه بما يمس سلطنته فيجري عليه ما جرى على عمه السلطان عبد 
العزوز :قوز بررة مححة باسادومنا تحكى عن السلطاق فى هذا الصيده أنه 
هو الذي اقترح على غليوم إيمبراطور ألمانيا التخلص من داهية السياسة 
بسمارك المشهور » وذلك أن الإيمبراطور غليوم لما زار استانبول في 
المرة الأولى تحدث مع السلطان عبد الحميد عن نفوذ بسمارك في أوربا 
فقال له السلطان : أنا لا أحب أن يكون خادمي قوي النفوذ كهذا » أترغعب 
جلالتكم أن ترى كيف أعامل خدمي؟ فقال غليوم : نعم. وحينئذ لمس 
السلطان الجرس المنيّه. ولما دخل الحاجب قال له : ادع كاملا (وكان كامل 
فأحضروه » ولما دخل إلى المثول بين يدي السلطانين وقف مطرقا برأسه 
إلى الأرض مكتوف اليدين كأنه واقف في صفوف المصلين » فلم يلتفت إليه 
السلطان. وبعد برهة من الزمن قال له : لا لزوم للانتظار فالمسألة بسيطة. 
فسلم الصدر سلام الخلافة وذهب ماشيا القهفرى حتى غاب عن نظر 
العاهلين. وقد انتبه الإيمبراطور غليوم إلى ما كان يراه من وزيره بسمارك 
من التوسع في الحرية حين مقابلته ومحادثته » فعزله عن وظيفته وحرم منه 
ذلك الدهاء الذي كان سياجا لسلطانه وملكه. 

كان السلطان عبد الحميد لا تخفى عليه خافية من أحوال رجال 
«المابين» ومن هولائذ بقصر يلديز ء فقد كان يعلم كل العلم أحوال كل 
واحد منهم على حدته » ويدري ما انطوت 


-387- 


عليه سريرته من الخير والشر فكان لا يهمه من مكروه أوصافهم شيء ما 
دام أحدهم صادقا في خدمته مخلصا بولائه. 


استكثاره من الجواسيس : 

أكثر هذا السلطان من استخدام الجواسيس المعروفين بالخفية وجاد 
عليهم بالعطايا والمرتبات الوافرة » وبثّهم في جميع دوائر الحكومة وأزقة 
استانبول وخاناتها وفنادقها وجوامعها ومدارسها. وهم على هيئات مختلفة 
وازياء شتى : ما بين كاتب وخادم ومتسول ودرويش وكسيح وسائح وأبكم 
وأعمى. ولم يكتف ببثهم في دوائر الحكومة بل أقام منهم العدد الكبير في 
نفس بيوت المستخدمين مصطبغين بصبغة الخدم والحشم. بل بعض منازل 
المستخدمين كان لا يخلو من متجسس على المستخدم من أهله وذوي قرابته 
حتى صار الإنسان يحترز من زوجته وابنه وأخيه وهو في بيته فلا يجسر 
شوة تان كلت تون مشر : السلا لذأ سر | راكنا 

لم يرخص قط بدخول التلفون (الهاتف) إلى استانبول » ولا أن 
تستخدم فيها الكهرباء بجميع وظائفها منعا لسهولة التخابر بين مناوئيه 
ومعارضيه. 


كراهيته الجمعيات . ومنعه استعمال 

بعض الألفاظ » وتضييقه على المؤلفات وصحف الأخبار : 
كراهيته الجمعيات حتى اجتماع الأصحاب مع بعضهم للمسامرة والمؤانسة. 
وكان المجتمعون يحذر بعضهم بعضا خشية أن يكون بينهم من يتجسس 
للسلطان والأغراب من هذا أنه منع استعمال الكلمات الآتية الذكر تلفظا 
وكتابة وهي : (كلمة جمعية » وخان » وخونة » وعزل » وخلع) . وما 
تصرف من هذه الكلمات » (ومراد » ورشاد ء ويلديز) » وغير ذلك من 
الالفاظ التي مفهومها التحزب والاجتماع والعزل والخلع » حتى إن هذه 
الكلمات هجرت ) استعمالها في أيامه الصحف الإخبارية » والصكوك 
الشرعية » والنظامية » والمؤلفات العلمية » فلا يجوز لكاتب أن يأتي بكلمة 
: «جمعية» » ولا لقاض » أن يقول 


(1) كذا في الأصل » والصواب : «هجر» بلا تاء. 


-388- 


في صكوكه : خالعت فلانة زوجها فلانا » ولا أن يقول في متولٌَ : عزل 
لأجل خيانة. 

وكان شياطينه يتعقبون له هكذا ألفاظ » حتى في كتب الدين » وقد أمر 
مرة بأن يطبع كتاب صحيح مسلم » طبعا متقناء فنفذ أمره » وبعد أن تم 
طبع الكتاب . أخبره بعض شياطينه بوجود حديث الإمامة فيه » وهو 
«الأئمّة من قريش» فأمر في الحال » بجمع نسخه » وإحراقها » وأن يعاد 
طبعه بعد حذف هذا الحديث منه (2. وهذا هو المراد من قول شيخ الإسلام 
في الفتوى السابقة الذكر : «وأخرج من الكتب الشرعية بعض المسائل 
المهمّة» إلى آخره. وكان يبعثر أموال الدولة ويصرفها على كبار جواسيسه 
» وإعمار القصور في بلاطه المعروف باسم «يلديز» » الذي لا يجسر أحد 
أن يلفظ به » حتى ولا بكلمة «نجم» التي هي ترجمته » ولا بكلمة «مراد» »2 
ومن كان مسمّى بهذا الاسم » فعليه أن يمسخه ويحرّفه حين يلفظ به - أو 
حين يكتبه ‏ إلى «مرات». وأغرب من هذا ء أن البقل المسمى بالحرف ». 
يشيرون إليه بقولهم : «أخو المقدونس». 

واتفق لي مرة ‏ حينما كنت رئيس كتاب المحكمة الشرعية ‏ أني 
أعطيت حجة شرعية في مخالعة جرت بين رجل وزوجته ٠‏ فأرسل الرجل 
الحجة إلى المشيخة الإسلامية لأجل التدقيق فلم أشعر إلا والحجة قد أعيدت 
إلي ومعها كتاب من شيخ الإسلام يقول فيه ما معناه : يعمل بمضمون هذه 
الحجة بعد إجراء بعض الإصلاح عليها. فأخذت الحجة وقرأتها بكل د دقيق 
رإفعاق فلم يطهر لي نيها خلل من جهة ما فعرت في اموي نم عنت إل 
تصفحها وبذلت جهد المستطيع بتدقيقها » إذ بصرت بعض الكلمات منها قد 
سحب فوقها خط بالحمرة ضئيل جدا ربما كان أدق من الشعرة فعلمت حينئذ 
أن المراد من الخلل هو وجود تلك الكلمات فإذا هي كلمة : «خلعت .2 
وخلعها » ومخالعة» » وباقي ما يتفرع عن هذه الكلمة. فاضطررت آنئذ أن 
أعيد كتابة الحجة من جديد مع قيدها في السجل وأستبدل لفظة «المخالعة» » 
وما تصرف منها ء بكلمة «المبارأة» » وما تصرف منها. 
(1) يبدو أن المؤلف تعجّل في هذا الخبر بلا تثبت. ف الحق أن حديث الإمامة المذكور » لم 
يروه مسلم أصلا في صحيحه » ولا البخاري أيضا ؛ بل رواه كل من ابن حنبل » والنسائي » 
والضياء المقدسي. وهو صدر حديث طويل. ولتتمّته رواية أخرى عند الحاكم » والبيهقي. 
انظر كشف الخفاء للعجلوني 1 / 318 والفتح الكبير للنبهاني 1 / 504. 


-389- 


كان محررو الجرائد من جراء هذا التدقيق المشين يتكبدون عرق 
القربة بتحرير صحفهم ؛ إذ على المحرر منهم ا 
وطبعها ‏ أن يقدم أول نسخة منها إلى المراقب (السنسور) المعيّن » فمتى 
ج ها كمه من الك التي سن نيا ار وج لها سار شوك لول 
وراء ألف ألف حجاب ‏ عن غمز أو لمز يقصد بهما السلطان » فإن حضرة 
(السنسور) لا يحجم لحظة واحدة عن تشذيب المقالة وضربها بقلمه القاسي 
ضربة تقضي على حياتها مهما كان موضوعها أديبا بديعا » وحينئذ يذهب 
تعب ذلك المحرر أدراج الرياح » ويضطر إلى تحضير مقالة بدلها ليملا بها 
من جريدته ما حدث فيها من الفراغ. وبعد أن يطبعها أيضا يرفعها إلى 
حضرة المراقب فربما ضربها ضربة ثانية بذلك القلم الشبيه بمعول يهدم 
معاهد العلم وصروح الأدب » محتجا على محررها ولو بكلمة فيها حروف 
لفظة «عزل» مثلا كأن يقول : عزال » عزاليك . أو عزرائيل. ولا تسل 
حينئذ عن حال ذلك المحرر المنكود الحظ الذي قد يشتغل أسبوعا تاما 
بتحرير مقالة يرضي بها المراقب » وينفي فيها الشبهة الموهومة عن نفسه. 

وكان المؤلفون الذين يصرفون من أعمارهم الثمينة الأعوام الطويلة 
في تأليف كتاب أدبي , أو علمي أو فني » مكلفين ‏ لأجل الحصول على 
الرخصة في طبع مؤلفهم وتدوينه ‏ أن يبيضوا منه نسختين يقدمونهما إلى 
نظارة المعارق فى.استانيؤل:٠:وهى‏ تدفع إحتداهما إلى مراقبها الخياضص 
فيفحصها على الصورة المتقدم ذكرها في فحص الجرائد » ولربما شذبها 
وضرب بقلمه المشؤوم تلك الضربات العنيفة فمحى نحو ثلث الكدّاب أو 
يشبهها. وقد يستغرق (السنسور) في هذا العمل الذميم نحو سنة أو سنتين » 
وقد لا يرخص له بطبع ذلك الكتاب مطلقا بعد تلك المدة الطويلة. 

وروى بعض أصدقائنا من منوّري شبان الأتراك أن بعض شياطين 
السلطان عبد الحميد استلفت نظره إلى ما في القرآن الكريم من الألفاظ 
المتقدم ذكرها » التي تنبو عن سمعه وتشد عن ذوقه وطبعه » فكاد السلطان 
يصدر أمره الكريم بتنقيح نسخة منه وتنظيفها من تلك الألفاظ وطبعها » 
مهذبة منقحة » غير أن بعض محبيه المخلصين بين له خطارة هذا العزم 
وما ينشأ عنه في العالم الإسلامي من الاضطراب فأمسك عن إصدار أمره 
المذكور. 

وقد أسمعنى ذلك الصديق أربعة أبيات باللغة التركية فى هجاء 
مراقبي الكتب والمؤلفات 1 


-390- 


في دولة السلطان عبد الحميد » وكلفني بنظمها بعد ترجمتها إلى اللغة 
العربية فقلت : 

بامباح كناك لممين ننه كتهنا" عه قذروية التذامدب و ركيت 
كنم فين كنسانه مقدكة فى ازيمت . +33 ايدو | من الفبسطيم النتهت 
هذا كتاب الله وهو منزرّل ظنوه جهلا أنه قصص العرب 
فتصفحوه ونقّحوه بزعمهم من كل ما تأبى السياسة والأدب 


تحرزه المفرط في أكله وشربه ومحل نومه : 
ومما بلغ فيه حد الإفراط تحرّزه في المأكل والمشرب » فقد كان من 


إذ هي الموكول إليها أمر حراسة مأكوله ومشروبه وبمعرفتها ومراقبتها 
يطبخ ويجهز له ما يأكله ويشربه. 

ومن جملة احترازه أيضا أنه كان لا ينام ليلتين متواليتين في غرفة 
معينة في قصر من قصور يلديز » بل كان في كل ليلة ينسل خفية تحت 
جناح الظلام إلى قصر من تلك القصور ويرقد على أحد سرره المنصوب 
في إحدى غرفها العديدة » التي له في كل واحدة منها سرير مطابق ‏ بشكله 
وهيئته ‏ بقية السرر المنصوبة في جميع الغرف مطابقة تامة. 

غناه وحشده الأموال : 

كان يعد في عصره أغنى ملك في الدنيا. ولم لا يكون كذلك ورزقه 
من بيت المال كل يوم أربعة آلاف ذهب عثماني قبل افتتاح مجلس النواب 
للمرة الثانية » وثلاثة آلاف كل يوم بعده؟ هذا عدا مداخيل أملاكه ومزارعه 
فى الو لآيات العثمافية التى كانت تدر نتلك أموال الذولة مهدا ما يأخذه 
اعتناطا :مره مستاديق "الو اكن كصهدوة: الأرقاف وصددوق الدافعة وصسدوق 
العحاذ مذن دو ةا ما اع ةداقل وين كلاذت: امتجان يق لمعاف وني كك 
الحديد وغيرها. وكان له فى المصارف الأجنبية الكبيرة عشرات ألوف 
الألوكك من :الذقه ".وكا الستطاءفى الشاين الث وتكو ون عليية هذا الحدى 
لأنهم كانوا يزعمون أنه لم يحتكر تلك الأموال العظيمة إلا بقصد تهريبها 
من أيذي وزرائه الحائئين وادخارهنا للمهمدات الحربيئة التي قد تفاجىء 
الدولة في مستقبل الأيام. ونحن لا ندري ما فعل الله بتلك الأموال بعد وفاته 
: هل أنكرتها المصارف » أم استخلصها منها الاتحاديون فصرفوها في 
شؤون الدولة » 


-391- 


أم وضعوا أيديهم عليها وصرفوها في شؤون أنفسهم؟ 

التغالي بألقابه ومدائحه : 

تغالى المداجون من محرري الصحف وغيرهم بألقابه ومدائحه إلى 
غاية لم نسمع صدور نظيرها في ملك قبله ولا بعده. لقبوه بملك الملوك 
(شهنشاه) وملجأ الخلافة (خلافتبناه) وباني الدنيا (كيتى ستان) وظل الله في 
الأرض ء والسلطان الأعظم ء والذات الأقدس . وغير ذلك من الألقاب 
والكلمات التشريفية التي يصلح بعضها أن يطلق على منشئ العوالم وخالق 
السماوات والأرض. وهكذا كان تغاليهم بمدائحه. 


الاحتفال بزينة عيدي ميلاده وجلوسه : 

وكان الاحتفال بالزينة العامة في جميع الممالك العثمانية يحدث في 
العام مرتين » إحداهما في عيد ميلاده والأخرى في عيد جلوسه » وفي كل 
من الاحتفالين كانت الصحف الإخبارية تبرز يوم الاحتفال في ثوب قشيب 

من الزينة والبهاء. وفي كل صحيفة منها مقالة افتتاحية تستوعبها من أولها 

إلى آخرها محررة بمداد مذهب », محفوفة بإطار ذهبي بديع » محشوة 
بعبارات أنيقة كلها مدح وإطراء في عدل السلطان وتعداد مآثره وشرف 
أخلاقه وأنه هو الملك الوحيد في الدنيا » وأن يوم ولادته ويوم جلوسه من 
أبرك الأيام وأشرفها وأسماها طالعا وأسعدها ؛ لأن فيه كان بزوغ شمس 
العدالة في العالم المعمور وطلوع أقمار السعادة في سماء الربع المسكون. 
إلى غير ذلك من عبارات المدح والإطراء البالغة حد الغلو والاستغراق. 
وكان من الواجب في ذلك اليوم على كل مستخدم ووجيه في محلته أن يزين 
باب منزله بالسجاد وعروق الشجر » ويسرج عليه كثيرا من المصابيح التي 
ريما عدت المنات: وكلما كتاق المؤائن أكثر مهد احاة و أقيه كز لقا الحكوية 
ازداد تأنقا في زينة باب منزله وأكثشر عدد مصابيحه. ومنهم من يعد 
للمتفرجين على احتفاله بهذه الزينة مقاعد ومفارش » ويحضدر لهم جماعة 
المطربين العازفين بآلات الطرب ويحرق الألعاب النارية ويكرم الزائرين 
بالمرطبات. 

ويقدّر ما كان يصرف من الأموال في كل احتفال من هذين العيدين 
في حلب فقط بألوف الليرات. كان المداجون وأرباب الوجاهة منهم 
يتنافسون بهذه الزينات » لأن السابق 


-392- 


منهم بزينته والمبرّز بها على أقرانه ربما يكافأ على إخلاصه برتبة أو وسام 
» وكانت جماعة الشرطة لا شغل لهم في تلك الليلة سوى التجوال في أزقة 
البلدة وشوارعها والبحث والفحص عن المزينين وعمن تكون زينته أعظم 
وأفخم » فيكتبون أسماء المزينين ويحررون عند اسم كل مزين منهم إشارة 
لرتبة زينته من العدد الأول إلى العدد السابع » وإذا سهت جماعة الشرطة 
عن مزيّن ولم تذكر اسمه فإنه في الغد يعترض ويطلب أن ينص على 
احتفاله بالزينة في جريدة الولاية » لأن هذه الجريدة تصدر في صبيحة ليلة 
الزينة محررة من أولها إلى آخرها بأسماء المزينين والإشارة إلى مراتب 
زينة كل واحد منهم » وإذا طوت الجريدة اسم أحد المزينين أو قصّرت في 
بيان رتبة زينته فلصاحب الزينة حق الاعتراض » وعليها أن تصحح الخبر 
في عددها التالي. 


مواكب السلطان في صلاة الجمعة والعيدين : 

كانت مواكب السلطان عبد الحميد في صلةة الجمعة والعيدين في 
استانبول من أجل وأفخم جميع مواكب ملوك الدنيا. وكان السيّاح يطوون 
للتفرج عليها المسافات الطويلة » وينتظرون حولها الساعات الوفيرة وكانت 
ذات جلال ويهاء يعجز القلم عن تصبويرهما. 


احتفال السلطان بالأضاحي في عيد الأضحى : 

وصف الأستاذ الصابونجي 2 في كتابه (ديوان شعر النحلة) الاحتفال 
السلطان بالاستعداد إلى عيد الأضحى قبل حلوله بشهر » وبانتخاب عدد 
متروض بسن الأكباش القظيمة ويغلنها 
(1) هو لويس البري الشهير بالصابنجي » ناظم وناثر واسع الاطلاع متضلع باللغات 
الشرقية والغربية » رشيق العبارة حلو الحديث بعيد عن التعصب المذموم. والمستفاد من 
كتابه ديوان نحلة الشعر أنه ولد في جزيرة العششاق الكائنة بين دجلة والفرات وأنه وجد 
عضوا في الجمعيتين العلميتين » المعروفة إحداها باسم (أكاديمية الأركادي) في رومة 
والأخرى باسم (الجمعية الآسيوية الملكية) في لندرا » وأنه كان انتخب أستاذا لتعليم اللغات 
الشرقية في دار الفنون المعروفة باسم (إيمبريال أنستيتيون) في لندرا » واتخذه السلطان عبد 
الحميد خان الثاني العثماني أستاذا لأولاده في علم التاريخ ومترجما خاصا له من اللغة 
الإنكليزية والعربية والتليانية والفرنسية إلى التركية. وله في السلطان مدائح كثيرة لما كان 
يوالي عليه من برّه وإحسانه. أخبرني بعض معارفه أنه الآن حي في الديار الأميركانية وأنه 
ربما كان سنه فوق الثمانين (المؤلف). 


-393- 


وتسمينها وبالاعتناء بنظافتها وغسل صوفها وتمشيطه وجعلها في رادة () 
تصلح أن يتقرب بتضحيتها إلى الله تعالى » قيمة كل كبش منها » يضحّى 
عن السلطان » نحو ثلاثين ليرا ذهبا وعن أنجال السلطان 25 ليرا وعن 
حرمه 15 - 20 ليرا » ويبلغ عددها مئة كبش وزيادة » ويهدي السلطان إلى 
كل موظف كبشا أو أكثر للتضحية يوم العيد. ومتى حل يوم العيد تصدر 
إرادة السلطان إلى جميع رجال الدولة ورؤساء الجيوش والقواد والصدور 
العظام بأن يقبلوا إلى قصر «طولمه بغجه» ببزتهم الرسمية ليرفعوا إلى 
أعتابه فروض التهاني بحلول العيد. 

وفي أول يوم من العيد ينهض السلطان مبكرا ويؤدي صلةة العيد 
بموكب حافل في جامع بشكطاش » ثم يركب في موكبه ويسير إلى قصر 
«طولمه بغجه» تتقدمه كتائب الجيوش ويتلوها رجال والساف» بملابسهم 
الرسمية المطرزة بالقصب وعلى صدورهم أوسمة الدولة العثمانية فقط. 
(لأنه لا يسوغ لأحد على الإطلاق أن يحمل وينانا اجنييا في يحطير» (أميئر 
المؤملين ) :و حيقمايضل المؤكب الملوكي إل :الفضعر. يكل الدبلطان يعن 
المركبة ويرقى بوقار وإجلال درج الرخام المغطى بالسجاد »ثم يأخذ 
السكين من أحد الموظفين في المابين الملوكي. ويكون رعاة القصر قد 
اعدو | الكبدائن المعلوفة القى امكلفنا ذكن ها » ومتسطو | حتوفها الأسضن 
الطويل وزينوا قرونها الكبيرة وجباهها وصوف ظهرها بورق الذهب 
وشرائط الحرير الأحمر والآأزرق والابيض » وجعلوا على رؤوسها تيجانا 
من الورق الذهب المزدان بالزهور المصنعة والريش وقطع من المرايا 
ووضعوها صفين بين يدي السلطان » وقبض كل جزار بيده اليمنى على 
قرن كبش من الكباش ولبث ينتظر الإشارة من حضرة السلطان لينحر 
الكبش. ويلبس كل جزار منهم في مثل هذا الوقت جبّة من الجوخ الأخضر 
تصل أذيالها إلى ما تحت ركبتيه وحواشيها مطرزة بأسلاك الذهب. ويضع 
على رأسه قبعا مخروط الشكل مصنوعا من الجوخ الأخضر »ء وعليه 
تطريز بأسلاك القصب » وله شرّابة طولها نحو نصف ذراع مصنوعة من 
الحرير الأخضر وأسلاك الذهب » وهو يرخيها من أمام على كتفه. 

وحينما يحل وقت ذبح القرابين يسلّم السلطان السكين إلى رئيس أولئك 
الجزارين ويأمره بذبح القرابين نيابة عنه » ثم يصعد درج القصر ويدخل 
قاعة الاستراحة ويلبث هناك مدة قصيرة يتهيأ فيها للدخول إلى قاعة 
العرش. 


(1) أي في حالة ومنزلة. والكلمة تركية. 


- 394 - 


وصف قاعة العرش 

قال الأستاذ الصابونجي ما خلاصته : إن قاعة العرش في وسط قصر 
«طولمه بغجه» المشيد على ساحل البوسفور من جهة أورباء وهي أكبر 
قاعة قام بناؤها على وجه الأرض كلها » في الطول والعرض والارتفاع. 
هذه القاعة حسنا وغرابة في السعة أن قبتها العظيمة مستندة إلى أعمدة 

ليست مركوزة في صحن القاعة بل هي مصطنعة صنعا ظريفا في لصق 
جدرانها » وقد بقي الصحن كله خاليا منبسطا يسهل الجولان فيه وينشرح به 
الصدر. قال الأستاذ : وقد رأيت قصور ملوك فرنسا بباريس وفرسايل » 
وقصور ملوك الإنكليز بقرية وندرز ومدينة لوندره » وقصور ملوك إيطاليا 
بمدينة تورين ورومه » وقصر الباباوات والواتكان برومة » فما شاهدت 
قاعة بلغت من السعة وحسن هندسة البناء مثل قاعة «طولمه بغجه». 
الجدار - عرش أمير المؤمنين متجها نحو البحر. وهذا العرش كرسي 
وارتفاعه من أمام نحو ذراع » وكله قطعة واحدة من الذهب الابريز 
المسبوك سبيكة واحدة في قالب الهندام وحسن الصنعة » وعلى ظاهره 
نقوش محفورة في صلب الذهب وثخانة جدار العرش نحو ثلاث عقدء 
وعلى مقعده فرش محشوٌ بريش النعام وغطاؤه قماش من الحرير الأحمر 
المنقوش بقصب الذهب. 
السلطان سليم لما فتح الديار المصرية سنة 922. 

مفروش تجاه هذا العرش ‏ مكان موطئ قدمي السلطان ‏ سجادة من 
زوايا قاعة العرش أربعة شمعدانات (منارات) من الفضة الخالصة يبلغ 
ارتفاع كل منها ثمانية أذرع. وله قاعدة مسدسة الجهات تبلغ ثخانتها نحو 
شبر ومحيطها نحو ستة أذرع » وعلى رأس كل شمعدان عشرون مشعلا 
لإيقاد نور الغاز الهيدروجيني » وعلى كل مشعل قبع من البلور المنقوش 
ليمنع تفوذ الخاز من المشعل بعد انظفاته. ويوجد كذلك:في كل زاوية من 
الصنعة وجمال الهيئة. 


-393- 


ثم يوجد ثريا أخرى عظيمة جدا في غاية الحسن وإتقان الصنعة وكلها 

من البلور النقي المثمن ؛ معلقة في سقف قبة القاعة بسلسلة نصفها الأعلى 
منم الفضة ونصفها الأسفل من جنس بلور الثريا. ويبلغ طول هذه الثريا 
البديعة الصنعة نحو 40 ذراعا ومحيط دائرتها الوسطى نحو ثلاثين ذراعا. 
وهي مركبة من دوائر عديدة مختلفة القطر في الكبر . قد ركب بعضها 
فوق بعض بترتيب يناسب كبرها وصغرها ء فإنك ترى قطر دائرتها 
السفلى أكثر من ذراع » وما فوقها من الدائرة يزيد قطرها درجة عما تحته. 
بالتدريج حتى يبلغ قطر الدائرة الوسطى منها نحو ثلاثين ذراعا » ثم تأخذ 
الدوائر بآن تصغر بالتدريج حتى يصير قطر اعلى دائرة كقطر الدائرة 
السفلى. وفي اهذه ما بيت على الف 'مشعل لأيقاد تور العار البقدر ويجيني»» 
وعلى كل مشعل بلورة منقوشة في شكل قبع جعلت منعا لنفوذ الغاز من 
أنابيبه قبل الإشعال. ثقل هذه الثريا (8500) أقة, اشتغل في تركيبها بالقاعة 
رجل أوربي نحو سنتين وكان راتبه الشهري ثلاثين ذهبا عثمانيا » وكانت 
الثريا صنعت في أوربا ونقلت إلى القاعة قطعا ثم ركبت. 

أرض هذه القاعة مفروشة بتقاطيع خشب السنديان المصقول 
والمصبوغ بصباغ يحكي لون خشب الجوز. ويفرش الخدم القاعة يوم 
المعايدة سيورا من الطنافس الثمينة المنسوجة في المعمل السلطاني » يبلغ 
عرض كل سير منها نحو ذراع ونصف الذراع » ليمشي الزوار عليها 
وقاية من الزلق على خشب أرض القاعة المجلوٌ جلوا صقيلا. أما سقف 
القبة وجميع جدران القاعة فمنقوش بالقلم والألوان نقوشا جميلة بديعة 
الصنعة » وفي الشقة العليا من القاعة أربعة أطناف ) أحدها تجاه العرش 
يقف فيه جماعة الموسيقى السلطاني . والآخر عن يمين العرش مختص 
بسفراء الدول الأجنبية وحواشيهم الذين يقصدون التفرج على رسم المعايدة 
من ذلك العلو الشاهق » وقد أعد لهم من كرم السلطان مائدة عظيمة عليها 
من المأكول والمشروب والأقراص الحلوة أشكال وأفانين. 

وصف المعايدة : 

قال الأستاذ الصابنجي : ولما فرغ السلطان من إيفاء سنّة الأضاحي 
مشى إلى غرفة 


(1) جمع «الطنف» وهو هنا ما يشرف على أرض القاعة من سقيفة أو سدة أو شرفة » وما 
إليها. 


- 396 - 


الاستراحة فلبث بها مديدة حتى تهيأت له مراسم المعايدة. ثم نهض إلى قاعة 
العرش ودخلها من باب بينها وبين غرفة الاستراحة وانتصب واقفا أمام 
العرش ووجهه إلى جهة البحر ولفيف الحرس السلطاني الخاص ورجال 
الموسيقى يكررون الهتاف بالدعاء الملوكي «بادشاهم جوق يشا» 2 » ثم 
صدحت الموسيقى السلطانية بأنغامها المطربة يتراجع صداها في فضاء قبة 
القاعة » وينزل على الحاضرين كأنغام نازلة من السماء تسحر الألباب , 
وتهتز لها طربا ألياف القلوب ما دامت ذرات الهواء مهتزة بها في قلب 
الأثير. قال الأستاذ : وقد سمعت أنغاما موسيقية كثيرة في أوربا وأميركا 
ولم أسمع فيها أنغاما تشابه هذه في الطرب. 

قال : ثم إن السلطان 5-6 أمره إلى إبراهيم بك رئيس التثشريف ‏ 
بالبدار إلى المعايدة. وفي الحال اصطف رجال «المابين» وراء العرش 
صفا واحدا في مقدمتهم رئيس الحجاب (سرقرنا حاج علي بك) ورئيس 
الكتاب (تحسين بك) والكاتب الثاني (عزت بك) مع لفيف الحجاب وآغاوات 
الحرم السلطاني » ثم أقبل نقيب الأشراف وهو لابس جبة خضراء وطأطأ 
رأسه ثلاثا وسلّم بسلام الخلافة ووقف تجاه العرش على بعد نحو عشرة 
أذرع »ثم بسط ذراعيه وتلا الفاتحة. وفعل السلطان فعله وتبعه الصدر 
الأعظم وباقي الوزراء » والسلطان واقف على قدميه في الطرف الشمالي 
من العرش وكفاه مجللتان بالقفاز الأبيض » مستندتان إلى مقبض سيف 
الخلافة. وكان الصدر الأعظم واقفا على يمين العرش وقد حمل على كفيه 
سيرا من الحرير الأحمر المقصب بأسلاك الذهب المفتول » فإذا أقبل 
الوزير وصار على مقربة من العرش سلم ثلاث مرات بسلام الخلافة ثم دنا 
من العرش وقبّل طرف السير ورجع القهفرى وهو يسلم بسلام الخلافة 
وأقبل عليه وزراء الجهادية فسلموا بسلام الجندية دون أن يحنوا ظهورهم 
ولثموا طرف السير ورجعوا. 

خبر زلزال حدث في ذلك الوقت وثبات جأش السلطان : 

ثم أقبل صف أصحاب الرتب وابتدؤوا بالمعايدة وكانت الساعة بلغت 
الرابعة إلا خمس عشرة دقيقة إذ سمع صوت رجة خفيفة حصلت من 
اصطكاك في بلور الثريا الكبيرة المتقدم ذكرها » ثم اشتد صوت الارتجاج 
رويدا رويدا حتى صار اهتزازا عنيفا تناثرت من قوته 


(1) عبارة تركية سبق ذكرها في الجزء الأول ومعناها : «لتعش أيها الملك» أو «أيها 
السلطان». 


-397- 


قطع بلور الثريا وسقطت على فرش القاعة وتكسرت إربا إرباء فاستولى 
الرعب على الحاضرين » وبينما كانت قلوبهم تهتز طربا بأنغام الموسيقى 
صارت أقدامهم تهتز بالزلزال هلعا ورعبا. غير أن السلطان لم يبرح جالسا 
على عرشه بجاش رابط وقدم ثابت » وقد هرع أكثر الحاضرين إلى 
القاعات المجاورة لقاعة العرش » ومن بقى منهم ضجوا يستغيثون بالله 
ويطلبون منه النجاة. ثم إن السلطان لما رأى انقطاع المعايدة وخروج الناس 
نهض عن العرش بوقار وهدوء ومشى الهوينى نحو قاعة الاستراحة. . 

قال الأستاذ : أما أنا فلبثت فى قاعة العرش وقلت لنفسى : إلى أين 
الفو أن مت هده القاعة السيلطانية قاعة العكلية و الحاذك الك لآ مثيل لها ينين 
قاعات ملوك الدنيا كلها؟ فإذا كانت الزلزلة تهدم هذه القاعة (لا سمح الله) 
فتهدم معها القصر بتمامه » وإذا كان الأجل دنا فالموت في قاعة العرش 
الفسيحة وتحت قبتها العظيمة أمر عظيم لا يحصل كل يوم لأيَ من كان ولا 
أستطيع أن أختار له مكانا أحسن من هذا المحل. 

ثم إن الهزة قد خفت وزال الخطر وعاد السلطان إلى مكانه. وأتم بقية 
المعايدين فروض المعايدة على الوجه الذي سلف بيانه » ثم نهض السلطان 
محفوفا بكتائب الجنود » والخدم ينثرون الدنانير في الطريق على الفقراء 
الذين كانوا يدعون للسلطان بالإقبال وطول العمر. 

سلام الخلافة ٠‏ 

سلام الخلافة هو أن ينحني الإنسان إلى الأرض بنصف جسمه (كأنه 
راكع) ويمد يده اليمنى إلى أن تلمس الأرض ثم يرفعها إلى جبينه باحترام » 
ويكرر ذلك ثلاث مرات بين كل مرة وأخرى فترة من الزمن » كأنه يشير 
بذلك إلى أن تراب أقدام الخليفة على الرأس والعين. قال الأستاذ : ورأيت 
من كرر ذلك السلام أكثر من ثلاث مرات ومشى القهقرى مسافة طويلة » 
ووجهه يحاذي وجه السلطان ولا يلفت إليه ظهره حتى يغيب عن منظار 
السلطان. 


نبذة في الكلام على الزلزلة : 
قال الأستاذ الصابونجي : ولما كانت الزلازل من أعظم المصائب 
التي نكبت بها الكرة 


- 398 - 


الأرضية مع سكانها » رأيت أن أذكر في هذا الباب شيئا من أحوالها 
وأسبابها تتمة للفائدة. ثم قال ما خلاصته : يحدث الزلزال في الليل أكثر من 
النهار. وقد أحصى المدققون نحو خمسماتة زلزلة وزلزلتين كان حدوثها 
فى بلاد أسفيزرة » منها 320 زلزلة حدثت فى الليل بين الساعة السادسة 
بعد الظهن :ونين السياعة الساسة قيله :نو اق التى 'تصدت قبل تصيف اليل 
تَكُون أخد هما تعديث كفده ١‏ 

وقالوا إن الزلزال في الأراضي البركانية أكثر من الزلزال في 
السهول. وإن حدوث الزلزال 7» في فصل الشتاء أكثر منها في فصل 
الصيف » وما يحدث منها في الكانونين يكون أشد من غيره وذلك لكثرة 
سقوط الأمطار التي تجري مياهها إلى شقوق الأرض وتتطرق إلى قلب 
الأرض وتصل إلى الصخور المسخنة بحرارة المواد النفطية المشتعلة 
فتحدث في الصخور انفجارا ينبعث عنه هزة في قشرة الأرض. 

تنتشر الهزة التي تحدث في قشرة الأرض بسرعة عظيمة ربما بلغت 
سرعتها 20526 قدما في الثانية. 

والزلازل التي كانت عواقبها وخيمة كثيرة » منها زلزلة حدثت في 
مدينة لزبون سنة 1755 م و 1169 ه فقد ٠‏ 

دفنت تحت أنقاض المدينة نحو 10 آلاف إنسان » والأحياء الذين بقوا 
بعد الهزة الأولى التجئوا إلى رصيف الميناء فباغتتهم الهزة الثانية ورفعت 
مياه البحر إلى علو 50 قدما » ثم جرفت الرصيف وكل ما كان عليه إلى 
أعماق البحر » ثم انشقت الأرض تحت البحر وابتلعت جميع السفن التي 
كانت في الميناء ثم أطبقت عليها ولم يظهر منها فيما بعد أثر على وجه 
المناء. 


أسباب الزلازل : 

أسباب الزلازل كثيرة » منها ما هو معروف ومنها ما هو مجهول 
فالمعروف هو : ' 

أولا : تأثير جاذبية القمر في قشرة الآارض. 

ثانيا : المد والجزر في البحار. 

ثالثا : ضغط الهواء على قشرة الأرض وسطح البحار. 


(1) كذا والوجه أن يقال : «الزلازل» لما سيأتي في بقية العبارة. 


- 399 - 


رابعا : الانفجار الذي يحدث في الجبال البركانية. 

خامسا : الانفجار الذي يحدث أحيانا في معامل البارود. 

سادسا : الانفجار الذي يحدث في قلب طبقات الأرض بسبب تطرق 
المياه إلى الصخور المسخنة باشتعال المواد النفطية فمتى لامس الماء هذه 
الصخور الشديدة الحرارة تفرقعت وأحدثت هزة عنيفة في قشرة الأرض. 

سابعا : تموج المادة النارية المائعة في مركز الأرض » فهذه الكتلة 
من المادة المائعة إذا لامست جدران قشرة الأرض من داخل فعلت بها فعل 
امواج البحر بصخور الساحل » أي إنها تجرف من جدران قشرة الأرض 
بعض الصخور العظيمة بقوة تفوق إدراك البشر ء» ومتى سقطت تلك 
الصخور في بحر تلك المادة النارية المائعة فرغ مكانها فيتدحرج إليه ما 
جاورها من الصخور ويشغله. وعلى هذا الأسلوب صخر يعقب صخرا في 
التدرج فيحصل من جراء ذلك ارتجاج وهرّة هائلة في قشرة الأرض ثم 
ينتشر إلى سطحها. وقد يكون مركز الهزة على عمق ثلاثين ميلا من سطح 
الأرض وربما كان أقل من ذلك إلى نحو ميل ونصف ميل » وهلم جرا. 

ثامنا : إن السبب الأكبر لحدوث الزلازل في الكرة الأرضية وفي 

جميع الشموس والنجوم والكواكب » هو الله جل جلاله الذي وضع للمادة 
ال وام ير تستن بهاء »ثم ساسها بحكمته الأزلية 
وشند وله مق شنا لاحر اله راادطة الإنيلة ف كا فق 

بقية حوادث سنة 1327 : 

في وين الثاني ون هده السنة حلت في كل سن حرط والطاكي , 
وقريتي كسب وقريق خان » مشاغب أرمنية قتل فيها عدة أشخاص من 
الأرمن والمسلمين » وعلّقت الحكومة بعض الرجال ) من أعيان مسلمي 
أنطاكية وسكنت الفتنة. 

مظاهرة في حلب ومقاطعة اليونان : 

وفي ضحوة يوم الاثنين 29 رجب من هذه السنة احتشد الجم الغفير 
من أهل حلب 


)01 أي أعدمتهم تعليقا على الأعواد «المشانق». 


- 400 - 


في فسحة سوق الجمعة ‏ وهو الفضاء الممتد من تجاه جامع الاطروش » 
إلى قرب باب القلعة إلى حمام الذهب » إلى سوق القصيلة ‏ فأجرى 
المستقدون وظاهرة حماسية طليوا فيها من الحكومة عدم النشماع ميقتو قها 
من جزيرة كريد وقد تليت في هذه المظاهرة عدة خطب حماسية من قبل 
علماء المسلمين والرؤساء الروحيين المسيحيين: قمرجرت بعد ذلك عدة 
مظاهر اك فى حلب ومواكز أقطبيتها وقوظعت اليوئان:فى ابيتابوك :أي 
أضرب الناس عن شراء بضائعها. 

وفي رمضان هذه السنة ولي حلب فخري باشا ابن ناشد باشا ء وهو 
وال حسن السيرة لو لا ولعه بالميسر. وقد شدد العقوبة على المتجاهرين 
بالسكر وعاملهم بضرب أرجلهم بالسياط دون تمييز بين رفيع ووضيع 
فخار :زا تعاطي ف المنتكن: ثم اعتن صبت على هذا العمل مدعي التو 
في دائرة العدلية فأبطل الوالي تلك العقوبة وعاد السكيرون إلى ما كانوا 
عليه 


9 


 401- 


سنة 1328 ه 


تجنيد المسيحيين والإسرائليين : 

في هذه السنة صدرت أوامر الدولة بإبطال الجزية ‏ وهي المسماة عند 
الدولة العثمانية باسم «البيدل العسكري» ‏ وأن يستعاض عنها تجنيد شبان 
الطائفتين أسوة بأمثالهم من طوائف الرعايا العثمانيين. وبناء على ذلك 
أجريت القرعة الشرعية على عامة شبان الرعية العثمانية » فجند فيها شبان 
على هذا النمط. وقد سرّت الطائفتان الأخيرتان من هذا الصنيع سرورا 
زائدا لتخلصهم من غائلة البدل العسكري. ثم انقلبت مسرّتهما إلى الاستياء 
بعد أن باشر شبانهما الجندية وزاولوا بعض ما فيها من المشقات العسكرية 
الى يضعب عليهم تحملها لعدم تعؤد هم أغلبها”ء فكانو! متتمر و من :الجندية 
ويتظاهرون بندمهم على تعرضهم إليها ولا تحين 2 ندامة. 

كلمة في الجزية والبدل العسكري : 

الجزية شيء معلوم من النقود يعطيها المعاهد من أهل الذمة على 
عهده في كل سنة وسميت جزية لاجتزاء المعاهد بإعطائها عن القيام 
بالجهاد » كما قاله الزيلعي. وهي بحكم الشريعة الإسلامية لا تؤخذ إلا من 
الحر البالغ الصحيح العاقل المحترف » فلا تؤخذ عن العبد ولا عن مكاتب 
ولا عن امرأة ولا عن صبيّ » ولا عن مجنون ولا عن مزمن واعمى وفقير 
غير محترف » ولا من راهب لا يخالط ء لأنها خلف عن النصرة وهؤلاء لا 
تجب عليهم النصرة. 


(1) الأولى أن تكتب : «ولات حين». 


- 402 - 


مقدار الجزية : 

مقدار الجزية على نوعين : نوع يوضع على أهل الذمة بصلح 
وتراض » فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق فلا تزاد ولا تنقص » ونوع 
يبتدئ الإمام بوضعه إذا غلب على أرضهم » وهذه لا تزاد على ثمانية 
وأربعين درهما على الغني ‏ تؤخذ منه على اثني عشر قسطا » في كل شهر 
أربعة دراهم - وأربعة وعشرين درهما على وسط الحال : تؤخذ منه في كل 
كل شهر درهما. والفقر والغنى يعتبران بحسب عرف البلدة. ولو مرض 
الذمي السنة كلها ولم يقدر أن يعمل لا تؤخذ منه وإن كان موسرا » وكذا لو 

والمعتبر في تعيين وزن الدرهم هو أن يكون كل عشرة دراهم بزنة 
بخمس قمحات معتدلة الوزن » فيكون المثقال بوزن مئة قمحة » والدرهم 
الشرعي مقدر بأربعة عشر قيراطا »كل قيراط مقدر بخمس قمحات كذلك 

؛ فعشرة دراهم تبلغ سبعمائة قمحة وهي سبع مثاقل 7). وكانت الدراهم في 

أيام خلافة سيدنا عمر بن الخطاب مختلفة الوزن » فكان منها عشرة تزن 
عشرة مثاقيل » وعشرة تزن ستا » وعشرة تزن خمسا. فخشي الخليفة من 
تلاعب الجباة وتحيلهم بان ياخذوا الجزية من نوع الدراهم التي تزن العشرة 
منها عشرة مثاقيل » فيظلموا أهل الذمة. فأخذ من كل نوع من هذه الأنواع 
الثلاثئة ثلاثئة دراهم ثم جمع الأثلاث إلى بعضها ووزنها فبلغت سبعة مثاقيل 
؛ فأمر الجباة أن يأخذوا دراهم الجزية على معدّل كل عشرة دراهم بزنة 

والذي تبين لي بعد الإمعان والتدقيق أن الدرهم الذي كان يؤخذ على 
المعدل المذكور يساوي في زماننا نصف فرنك تقريبا » أي قرشين ونصف 
القرش من النقود الرائجة التي هي أجزاء الذهب العثماني المقدر بمائة 
وخمسة وعشرين قرشا » والريال المجيدي المقدر بثلاثئة وعشرين قرشا. 
وعلى هذا المعدل تبلغ جزية السنة كلها عن الغني مئة وعشرين قرشا ء 
وعن المتوسط الحال نصفها » وعن الفقير المعتمل ربعها. لا جرم أن هذا 
غاية الرفق من الشريعة الإسلامية التي قنعت من الذمي بهذا القدر من 
المال وتكفلت بحماية نفسه وصون 2 ْ 


(1) كذا ء وقبل قليل كتبها على الصواب : «سبعة مثاقيل». 


- 403 - 


شرفه وساوت في الحقوق بينه وبين المسلم فجعلت له منها ما للمسلم وعليه 
ما على المسلم وكلفت المسلم أن يقاتل عنه ولم ترغمه على التجند بل تركت 
ذلك إليه إن رضي الدخول في الجندية » وإن لم يشأ كفّت عنه وقنعت منه 
بالجزية. 
لعي جا د ار 
» مع أنها لم تميز في الجهاد المفروض على المسلم بين الغني والفقير وذي 
العيال والمجرد بل جعلت المسلمين كلهم في مباشرة الجهاد بمنزلة واحدة. 

وكا عي وو الح جمدل ها لحي الحم كص لوي 
في كل عمره ‏ لو أراد أن يجاهد بماله لا بنفسه ‏ وبين ما يدفعه الذمي من 
الدر د واار عدا إن كلاد بحن منيما يفوك اننع بن : هن ذا نه 
يدفعه المسلم ضعف ما يدفعه الذمي. مثال ذلك : ثلاثة من أهل الذمة 
مكلفون للجزية وهم من المراتب الثلاث غني ووسط وفقير » جزية الأول 
عن السنة (48) وعن الثاني (24) وعن الثالث (12) فإذا جمعنا هذه 
المقادير إلى بعضها يبلغ المجموع (84) درهما. فإذا قسمنا هذا المبلغ على 
ثلاثة يصيب الواحد منهم (28) درهما في السنة فإذا ضربنا هذا المبلغ في 
(55) سنة وهي من السنة الخامسة عشرة من عمر الذمي إلى السبعين. يبلغ 
الحاصل (1540) درهما وهو جميع الجزية التي يؤديها الذمي في عمره ‏ 
فأما المسلم المكلف للجهاد ‏ سواء كان فقيرا أم كان غنيا ‏ فإنه إذا عاش 
القدر المذكور من السنين فلا أقل من أن يطلب للجندية ثلاث مرات فلو دفع 
عن كل مرة ألف درهم على أقل تقدير لبلغ مجموع ما يدفعه في عمره 
(3000) درهم وهي ضعف ما يدفعه الذدمي تقريبا. 

ثم إن الدولة العثمانية لما رآت لاستثناء صاحب العيال من الدخول في 
الجندية لزوما 2 » رفقا بعياله وصونا للتناسل من الانقطاع » استثنته من 
الجندية واستثنت معه العجزة والزمناء © » ثم عملت معدلا فظهر لها أن 
عدد الذين يكلفون للتجنيد في كل سنة : واحد من كل مئة وخمسة وثلاثين 
مسلما. وقد جعلت بدل الجندي من النقود - 


(1) أي ضرورة وحاجة. 
رمي نري الامواص املف 


- 404 - 


إذا أراد أن يدفعها بدلا عنه - خمسة آلاف قرش أي خمسين ذهبا عثمانيا » 
فاعغيرت: كل هكة وخمسة وثلاكين شتخضا من أهل الذجة كسسسكرى :واه 
وكلفتهم دفع هذا المبلغ الذي هو خمسة آلاف قرش » واستثنت منهم 
المغامية و المكتعلية في المكاقفب"العسكرية : الطبيئة والطلدة المج تكدهينة 
في الدرك والشرطة ما داموا في وظائفهم » واستثنت على الدوام من كان 
سنه دون الخامسة عشرة وفوق السبعين » وجماعة الكهنوت والفقراء 
والعجزة » وجعلت توزيع ذلك المبلغ على المكلفين بيد رؤساء الطوائف » 
وأن ما يلحق المستثنأين » يوزعونه على بقية الأفراد. وقد جعلت للمكلفين 
حق الاعتراض على رئيس طائفته إذا لم يوزع عليه أسوة أمثاله » فتنظر 
الحكومة في شأنه ذ إذا رأت اعتراضه في محله فإنها تكلف الرئيس أن 
يساويه بأمثاله إلى آخر ما هو محرر في نظام البدل العسكري المذيل 
بتاريخ 9 ربيع الثاني عام 1311 و 7 تشرين الأول سنة 309 رومية. 


تتمة حوادث سنة 1328 : 

رفي :هذه السنة ورد الأمر بإلغاء أخة ذاكر المنوون لمن يريية السفن 
إلى داخلية الولاية. وفيها وصل إلى حلب صديقنا الأديب الفاضل السيد بهاء 
الدين بك الأميري » وهو أحد مبعوثي حلب وقد عاد الآن إليها من استانبول 
ومعه شعرة من الحلية النبوية. فاستقبل بموكب حافل ووضعت الشعرة في 
قبلية جامع الحاج موسى. وفي رجب هذه السنة ثارت طائفة الدروز في 
الجبل المنسوب إليهم فأوقعوا بدرك الحكومة وامتنعوا عن دفع المرتبات 
فمشت عليهم جيوش الدولة وبعد حروب طاحنة تغلبت الجيوش عليهم 
فأخلدوا للطاعة وحكم بالإعدام على عدد من زعمائهم فعلّقوا ونشرت راية 
الأمن والسلام في جبل الدروز وبقية تلك النواحي. 

وفي شعبان هذه السنة عزل فخري باشا والي حلب ووليها حسين 
كاظم بك. وفيها وردت الأوامر بإبطال التغالي باحتفال زينة الميلاد 
والجلوس السلطاني » وحينئذ قصرت 


الوب 
(2) الصواب : «لكل من المكلفين» لما سيأتي بعدها. 


- 405 - 


الزينة في هذين المهرجانين على إسراج عدد قليل من المصابيح ونشر 
السجاد وعروق الشجر فوق أبواب الدوائر الرسمية وبعض بيوت الوجهاء 
على صفة بسيطة. وفيها ظهر في الجزيرة وقضاء الباب ومنبج جراد كثير 
أتلف مقدارا عظيما من الزروع » ثم في الشتاء التالي اهتدت الحكومة 
بجمع بزره فتلاشى وأمن من شره. 


- 406 - 


سنة 1329 ه 


شدة الشتاء وكثرة القرٌ والثلج : 

في محرّم هذه السنة ‏ الموافق كانون الثاني سنة 1326 رومية ‏ كان 
الشتاء شديدا والقرّ والثلج في حلب وباقي جهاتها مما لم يسبق له نظير. 
وفي أثناء هذه الأزمة بعثت إلى السيد الماجد أمين بك التميمي قائممقام 
قضاء منبج كتابا نشرت في طيه نبأ هذه الحادثة الكارثة. ومنه يعلم القارئ 
ما أحدثه القرّ والثلج من البلاء في حلب وأنحائها على وجه التفصيل. وإليك 
صورة الكتاب » بعد ديباجته : 

على أني أحرّر لكم حروف هذا الكتاب والقلم يكرع شرابه من محبرة 
جامدة » والفكر يستمد مادته من قريحة نارها بأنفاس البرد خامدة » ذلك لآن 
تتاءكا فى هذه الحنة أقبل كليكا فاغو | فا كالها دئحية معقيز | عن أجاف 
منيخا بكلكله حالا بأثقاله قد قرس قرّه » واشتد أمره » وسكر زمهريره » 
وتكسرت على الأرض قواريره » فأحال الألوان » وقشفت به الأبدان )2 »2 
وكتعت الأصابع 2) » وأرعدت الأضالع » وعصب الريق في الأشداق » 
وجمد الدمع في الآماق » تقلصت منه الشفاه » وكزّت له الأسنان في الأفواه 
» صفح بجليده ه الأنهار والبحيرات » وأسال لعابه من الميازيب والشرفات » 
يتساقط ثلجه على الأرض تساقط النور من أشجار ثار بها إعصار » 
ويتهافت على الحضيض تهافت الفراش المبثوث على لهيب النار ؛ كلل 
بملاءاته رؤوس الأطواد » ومدٌ بساطه اليقق © على الروابى والوهاد » 
فعادت به القيعان كأنها درّة » وأصبح من مرآة الغريب في كل عين قرّة ‏ 
ورحم الله القائل : 
كم مؤمن قرصته أظفار الشتا فغدا لسكان الجحيم حسودا 
(1) أي ساءت حالها » وخشن جلدها. 
(2) أي انقبضت وانعطفت نحو الكف. 
(3) أي الأبيض » يعني الثلج. 


- 407 - 


وترى طيور الماء في وكناتها تختار حر النار والسقودا 
وإذا رميت بفضل كأسك في الهوى عادت عليك من العقيق عقودا 
يا صاحب العودين لا تهملهما حرّك لنا عودا وحرّق عودا 

وتحرير هذا الخبر هو أننا أمسينا يوم الخميس 30 كانون الأول 
الرومي والغيوم البيضاء متلبدة في السماء والهواء لطيف معتدل » وما كاد 

انعضي اليريع الأول عن لبن يكتى لخد التلع رتواقط بكار والاببكايو نا داك 
لأن الأرسن كانت عطنى مكقافة إلى الماء » حكن س الزروع الشتوية قد 
أشرف على التلف. فنمنا ليلتنا فرحين مسرورين إلى أن كان الصباح 
نهضنا من مضاجعنا لقضاء حوائجنا فما راعنا غير الثلج المتكاثف قدر 
ذراع وقد تغير الهواء وقرس البرد والغيوم باقية على تلبدها » تثلج مرة 
وتفسك أخرى © مشستهرة كذلك مدة سيعة أيدام هتوالينة» إلى أن كان مفباء 
يوم الخميس سادس كانون الثاني اشتد الدمق 7) وبرد الهواء حتى هبط 
الؤقق الى الدزركنة. العاشر ةفحت الضور :في مقياين البنانتكز اك تهت السيماء 
» فجمد الثلج القديم وتكاثف فوقه الثلج الحديث قدر ذراع والغيوم لم تزل 
متلبدة ترسل الثلج تارة وتمسكه أخرى » إلى أن انقضى كانون الثاني وتم 
العقد الأول من شباط, وفي هذه الأثناء قرس البرد حتى بلغ درجة لم نشهد 
نظيرها فيما مر من حياتنا ولا حدثنا الأشياخ أنهم شاهدوا نظيرها قطء فقد 
أصبحت أصقاعنا في هذه الأيام تضارع الأصقاع القريبة من القطب 
الشمالي المعروفة باسم (سبيريا) حيث يهبط الزئبق إلى الدرجة الثلاثين 
تحت الصفر » وقد هبط عندنا في هذه الأيام إلى الدرجة الرابعة والعشرين 
وفي رواية ‏ عمن عني بهذا الأمر وحققه ‏ أن الزئبق يط في يعض الايام 
إلى الترهة الساعة والعشوين "تهت الصبقر بالفقاين الستكور . 

تأثير الثلج والقرٌ : 

وقد نجم عن هذا الثلج والقرٌ العظيمين وقوف حركة القطار الناري 
مدة ثلاثين يوما بين حلب ودمشق وبيروت » ثم سار من حلب إلى حمص 
بعد عناء شديد وبقيت الطريق مسدودة من حمص إلى بيروت ودمشق إلى 
أوائل شباط » فكأن القطار كان يعتذر عن وقوف حركته في لبنان بقول 
المتنبى : 


(1) الدمق » محرّكة : ريح وثلج معرّبة دمه. قاموس. (المؤلف). 


- 408 - 


وعقاب لبنان وكيف بقطعها وهوالشتاء » وصيفهن شتاء 
لبس الثلوج بها علي مسالكي فكأنها ببياضها سوداء (0 

وقد انقطع سير القوافل من سائر الجهات القاصية والدانية » فغلت 
الأسعار لا سيما الفحم » فقد ارتفع ثنمن رطله من قرشين إلى اثني عشر 
قرشا وثمن رطل الحطب من قرش إلى ثلاثة قروش » فقاسى الفقراء 
الشدائد والأهوال من قلة القوت وفقد مادة الوقود وقام الدغّار والشطار 
ينهبون أغلاق أبواب قناء الماء ودفوف سقائف الأسواق وتسلطت 
الأمراض الصدرية والعصبية » فمات مئات من الناس بالأزمة والذبحة 
الصدرية وذات الجنب وذات الرئة والفالج وسكتة القلب » وكأن الصّقع © 
بدأ يجري على أهله الانتخاب الطبيعي فأخذ من يضعف عن برده وأبقى 
من يقوى عليه » وقد جمد عدد غير قليل ممن كان مسافرا على الطرق أو 
كان مضطرا لمعاناة خدمة شاقة في البلد فمات أو كاد يموت لو لم يتداركه 
الناس بالدّفء أو الأخذ إلى الحمام » ولذا ألزمت الحكومة أصحاب 
الحمامات بأن يفتحوها ليلا لتكون ملجأ لمن أصابه الجمد » ومأوى للفقراء 
الذين فقدوا وسائط الذفء. 

واهتمت الحكومة بجمع الإعانات من أصحاب الخير فجمعت زهاء 
ثلاثة آلاف ليرا » فرقت ثلثها على الفقراء نقودا وثلثها اشترت به طحينا 
وفرقته وثلثا أحضرت به فحما من جهات حمص وبعلبك شحنته مجانا إلى 
حلب ». إلا أنه لما قارب حماه عارضته الثلوج التي تجدد سقوطها فبقي 
القطار هناك نحو خمسة عشر يوما إلى أن تمكن من المجيء إلى حلب في 
أوائل شباط » فبيع منه جانب برأسماله وفرق باقيه على الفقراء. وكانت 
الحاجة إلى الفحم كثيرة » الفقير والغني فيها على السواء وكان طلب الناس 
له أشد من طلب القوت » وسبب ذلك أن القوت كان وافرا في حلب بسبب 
جودة الموسم . أما الفحم فإنه كان في الوقت الذي جرت العادة على 
ادخاره ‏ مفقودا لأن الدوابّ التي تحمله من محلاته في فصل الخريف كانت 
مشغولة بأعمال الحبوب وكان الناس مؤملين بكثرة وجود الفحم في فصل 
الشتاء حين تفرغ الدواب من نقل الحبوب » كما يقع ذلك في أكثر السنين 
التي يكون فيها الموسم جيدا والشتاء معتدلا يمكن أن تسير فيه قوافل الفحم 
من الجبال وغيرها. أما 


(1) أي إن جبال لبنان صعبة المرتقى والاجتياز في وقت الشتاء » وصيفها مثل الشتاء في 


البرودة » وقد أخفت الثلوج فيها عليه مسالكه فضلّ فيها. 
(2) الصقع : أذى الصقيع. والصقيع : الجليد. 


- 409 - 


الآ افق كان يكتسين أن تسر القواقل الي حتتهبولو من قوت هل إلنهنا 
ولهذا عز وجود الفحم على الغني والفقير وصار من أحب الهدايا بين 
المتحابين وأفضل الصدقات عن المتصدقين » وكان الناس يستعملون بكثرة 
مواقد الكاز البترول بالطبخ ويحتالون باستعمالها للدفء بأن يرتكز عليها 
صفحة الحديد المعروفة بالصاج » ويضعون فيها رملا ويدفؤون عليه. 

وفي هذه المدة هلك مئات من الكلاب في حلب وغيرها مما أبقته آفة 
التنيعيد ‏ لت وبتطنيا الحكرهمية عديةا فى الحديقة الناطفي ووقه يقافيت 
الوحوش والضواري على وجوهها في ضواحي حلب ومفاوزها وهجم 
والضباع والنمور والثعالب والأرانب وأنواع الطيور الدواجن وغيرها ء 
الموصل وأرضروم » ولحق تجار حلب من ذلك نحو سبعين الف رأس » 
في المائة ووقفت حركة التجارة » واقفلت أكثر حوانيت الباعة في الاسواق 
والخانات » وتعطل كثير من الأفران لفقد مادة الوقود وتهدم مقدار عظيم 
من سقائف الأسواق » بطبعه » أو هدمته الحكومة خوفا من خطره. وخرب 
فى تاك علد جور لديل عر البو لان ونع ها وكيز ساعد لتحمل قاد 
اا ال ا ل 7 ارمس 
مساجد حلب أعمدة صخرية مر على ركزها في محلها ستمائة سنة فلم 
يحصل بها خلل سوى هذه السنة. 

وبهذا يستدل على أن برد هذه السنة مما لم يسبق له نظير في حلب 
منذ ستمائة سنة » وتكسر كثير من الحجارة المرصوفة في سفل الأبواب 
المعروفة باسم البرطاش وعدد غير قليل من الأدراج الحربية » وتفرقع 
الأوائى الو حاجية التى يحفظ فيها بعضن الزائعات كالكل والأشرية الحلتوة: 


-410- 


الخضر 22 والبقول الشتوية في البساتين كالسلق والإسفانج والقنبيط » ولم 
يسلم منها سوى ذوات الجذور كالجزر واللفت » وعطب شجر البرتقال وما 
هو من هذه الفصيلة » وشجر التين والجوز والزيتون والرمان في حلب 
وأنطاكية والباب وأرمناز وسلقين وما قارب تلك النواحي » وقبحت مناظر 
المنازل والشوارع بما تراكم فيها من الثلوج وأكداس الجليد واندلاع ألسن 
الميازيب وسيلان أنوف الأسطحة مما تقشعرٌ لمنظره النفوس وترتعد له 
الفرائص. ولسان حال الناظر إلى ذلك يقول : 
فإن كنت يوما مدخلي في جهنم ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم 

مناظر تخدع العين وتدهش العقل » فيحسب السائر في منازل حلب 
وشوارعها أنه سائر في خرابة عظيمة رومانية أخنى عليها الدهر وعاثئت 
بها أيدي الأيام والليالي »ء حتى عادت أنقاض أطلالها ركاما وأبنيتها 
المتزاحمة وديانا. عطلت الحكومة جميغ المكاتب والمدارس وانقطع البريد 
عن حلب من جميع الجهات مدة ثلاثين يوما » فاجتمع في ثغر بيروت من 
الكنت و الرسائل ما يماد فلافين عدلا. قد في العشين الأول بسن شباط كيلت 
في البحر إلى إسكندرونة ومنها إلى حلب. 

وكان الناس في بحران هذه الآزمة © الشديدة قد لزموا منازلهم 
المتوسظدة فى لهال الى كات العاقلة الوزاحدة مقا تسكن أفز ادها مقر قة 
في خلوات الدار وغرفها ‏ قد انضموا في أثناء هذه الشدة إلى بعضهم » 
وصاروا كلهم » كبار وصغار © » يقومون ويقعدون في خلوة واحدة طلبا 
للدفء فلا يجدونه 2 وكان الإنسان يتدثر بأثقل ما عنده من الدثار حتى يكلّ 
متنه ويوقد في خلواته المناقل العديدة فلا يتيسر له الدفء الذي يريده » وقد 
حمد هداذ:المحارن وما فى ظروقت المنآاء الموضوعة قرف هتافة الكلوة وكنا 
نأخذ قطع الجليد ونذيبها في النار فلا تذوب إلا بعد بضع دقائق » وكأنها ‏ 
لما كان جمودها ببرودة درجتها بضع 
(2) أي في شدتها » وأوج احتدامها. 


(3) كان في الأصل : «كبارا وصغارا» لكن المؤلف في جدول «إصلاح الغلط» جعل 
الصواب هو «كبار وصغار» فأثبتنا ما ذهب إليه. 


-411- 


وعشرون تحت الصفر ‏ كان ذوبانها موقوفا على حرارة تعدل درجتها 
درجة برودتها. ٠ ٠‏ 
ومن الغريب أن رجلا احتاج إلى منقل مهجور عنده فأسعر فيه النار 
وطبخ عليها قهوة البن ثم أراد طمر النار في رماد المنقل فأحمن بجرم في 
أسفل المنقل تحت الرماد فعالجه فإذا هو قطعة جليد في أسفل المنقل لم تؤثر 
في كل هذه لحان 9 <٠‏ بلي :وهنا لشدوو إلكة التدو ين« لخر له لفلف فنا 


موت كثيرين من عرب البادية المخيمين في بيوت الشعر في المفاوز 
المنقطعة. من ذلك ما حكاه صديق لي من تجار السجاد القافلين من بغداد في 


هذه الأيام » قال : لما بلغنا مدينة الدير الحمراء واشتد علينا البرد وكشر 
تساقط الثلج صرنا نسير في عربة مغطاة جلّلناها بالسجاد مع خيولها ‏ 
ووضعنا فيها موقدة كاز استحضرناها معنا لمثل هذا الطارئ » ولو لا ذلك 
لهلكنا وهلكت دوابنا. 

قال : وبعد أن جاوزنا ضواحي الدير قاصدين حلب مررنا على واد 
لاح لنا فيه بعض بيوت من الشعر منغمسة بالثلج » قال : فنزلت من العربة 
وقصدت بيتا منها لأستأنس بأهله وأستطلع أحوالهم فوصلت إليه بعد مشقة 
زائدة » ثم رفعت طرف الخباء ولفت نظري إلى داخله فرأيت ؛ ولكن ما ذا 
رأيت » لا أراك الله مكروها؟ رأيت ما غشى على بصري وأوهى عزائمي 
؛ رأيت كلبا وأربعة أوادم مطروحين على الأرض جثثا هامدة بلا روح » 
تبصن 2 ذرّات الجمد من وجوههم وأيديهم » فعلمت أنهم من شهداء البرد . 
وعدت عنهم وقلبي يخفق وأعضائي ترتجف. قال : وشاهدت في أثناء 
الطريق على ضفاف الفرات مئات من جيف الأغنام التي اغتالها البرد. اه 

ورأيت رسالة واردة من بعض تجار اليهود في عينتاب أرسلها إلى 
شريكه في حلب يقول فيها : بلغ عدد ما افترسته الوحوش من الأوادم في 
عينتاب وضواحيها في أثناء الثلج بضعا وثلاثين شخصا. وذكر عن واحد 
قدم من ملطية في هذه الأيام أنه قال : شاهدت في أثناء الطريق المتوسطة 
بين ملطية وعينتاب نحو ألف صندوق من التفاح وغيره ملقاة على الأرض 
؛ قد تخفّف أصحابها بإلقائها وفازوا بأنفسهم ودوابهم. 

والخلاصة أن تأثير هذه الحادثة الكارئة عظيم وأضرارها خطيرة لو 
أفضنا بذكرها لملانا 


(1) أي تلمع وتبرق. 


412 - 


منها مجلدا على حدته. وقد استمر هذا الثلج والبرد إلى أواسط شباط 
الشرقي , ثم انقطع الثلج وخفّت وطةأة البرد. 

تتمة حوادث هذه السنة : 

فيها كانت الكمأة كثيرة جدا » اكتفى بها سكان البوادي وأحضروا منها 
إلى حلب ما أغنتهم قيمته. وفي صفر هذه السنة بوشر بعمل محطة لسكة 
حديد بغداد في حلب وفيها حررت الحكومة الأملاك أي قدرت قيمتها 
بواسطة جماعة من أهل الخبرة بالأملاك. وكان هذا العمل شاملا أكثر 
البلاد العثمانية التي منها حلب. وفيها كان قيام الأرناؤد في جهات مكدونيا : 
الفتوى بيد الحكومة وهي مذيلة بعدة تواقيع من قبل تلاميذ ذلك المفتي » 
إلى جزيرة رودس » فأقاموا فيها إلى ان استولى عليها التليان في السنة 
التالية. 

وفيها عزل والي حلب حسين كاظم بك وولي عليها مظهر بك ابن 
بدري بك » وهو من خيرة شبان دولة تركيا ونخبة ولاتها علما وعملا 
وعفافا. والوالي الذي كان قبله كاتب بارع غير أنه استهان بأعيان حلب 
كثيرا من أعمال الاستبداد والتسلط على الفقراء والمزارعين. وفيها تقرر 
حرب الدولة الإيطالية في ولاية طرابلس الغرب. 


-413- 


سنة 1330 ه 


سير قطار بغداد : 

فيها كان ابتداء سير القطار على سكة حديد بغداد من محطتها الأولى 
في حلب » الكائنة في كرم الخناقية » سار منها إلى جهة راجو ثم ما زال 
كي ل سا ب ب ل م م لج 
يدق جا و قد 1 22 59 
هناك حتى جاوز ماردين. ثم وقف العمل بحدوث الحرب العامة. 

وفيها انتهت الحرب بين تركيا وإيطاليا على طرابلس الغرب 
واستولت إيطاليا على طرابلس وجزيرة رودس وغيرها. وفيها في أثناء 
حصان إيطاليا للدوديل ب إرغاما لتركيا على نيليه طرابلس يدت في 
ححك ياد كيذ اكالضا اعد كا كر كدر وتيك وفيها صدر الأمر 
ومن نيل الدخول في القابمرة الغتمافة :وفيها اتفال و إلى حلف مظهيو نك 
وتعيّن بدله رفيق بك والي سيواس الأسبق. 


انتهاء حرب طرابلس وابتداء حرب البلقان : 

وفيها انتهت حرب طرابلس الغرب كما قلنا سابقا وبدأت حرب البلقان 
بين تركيا ودول البلقان » وقد احتشد لتركيا من الجيوش عدد لا يحمصى 
خصوصا ما احتشد لها من البلاد العربية » فإن شبان المسلمين من أبواب 
غزة إلى منتهى حدود البلاد الشامية لم يكد يتخلف واحد منهم عن التجند في 
هذه الجيوش » فكانوا يسيرون إلى جهة البلقان لحرب أعداء الدولة هناك 


المشقات 


414 - 


المضنكة كالبرد والجو ع » وتحكم الأطباء عليهم وزعمهم أنهم موبوءون 
ومحامتهم يكل عاظة وقسبوة» واعادة الكتيوين مهم إلى أ وطانهم على أو 
حالة. ولهذه الأسباب انتهت هذه الحرب بمدة وجيزة منجلية غياهبها عن 
انكسار جيوش تركيا وضياع جميع أملاكها في البلقان. 


- 415 - 


سنة 1331 ه 

في هذه السنة والتي قبلها كانت المواسم جيدة والرخاء شاملا. وفي 
ربيع الثاني منها تعيّن واليا على حلب علي منيف بك. وفيه جذت الحكومة 
بجمع إعانة سمّتها الإعانة الملّية, 

وفي جمادى الأولى منها صدرت أوامر الحكومة بجواز قبول عرض 
الحال باللغة العربية في البلاد التي اكثر اهلها عرب. وفيه بوشر بانتخاب 
أعضاء المجلس العمومي وهو مجلس جديد حادث » وظيفته البحث عن 
المسائل التي تعود على الوطن بالرقي والعمار » ينعقد مدة أربعين يوما في 
السنة. وفي جمادى الثاني ) منها وردت الأخبار بأن نيازي بك قتل شهيدا 
بيد أرنؤدي في مدينة أولونيا إحدى بلاد الأرناؤد. نيازي بك هذا هو رفيق 
أنور باشا في السعي بقلب الحكومة العثمانية إلى الديمقراطية. 

وفيه أعطي امتياز بتجفيف بحيرة أنطاكية التي تبلغ مساحتها خمسين 
ألف هكتار وقد مضت المدة المضروبة للشّروع بأعمال التجفيف ولم يباشر 
صاحب الامتياز العمل ففسخ الامتياز وبقيت البحيرة على ما كانت عليه. 
وفي شعبان حول الوالي علي منيف بك إلى ولاية بيروت وتعين بدله في 
حلب جلال بك. وفيها استردت تركيا أدرنه وقرق كليسا. وفيه تجاهر سكان 
بيروت ودمشق بطلب إصلاح بلادهم فأجيبوا إلى بعض مطالبهم » وشكر 
الدولة على ذلك بعض الشبيبة العربية. وفي شوال تم الصلح بين تركيا 
والبلغار. 

وفي ذي القعدة بوشر بفرش جادة الخندق بالحجر الأسود وكانت 
مفروشة بحجر أبيض واختلّ بمدة وجيزة وأكلته بكرات العجلات. وفيه 
بوشر بفرع إسكندرونة من خط سكة حديد بغداد. وفيه صدرت الأوامر 
بتوحيد الساعات » أي بجعل عيار الساعات الفرنجية مبدؤه وقت الزوال. 
وفيها رخص بأن يكون التدريس في مكاتب الدولة باللسان العربي في البلاد 
العربية. 


(1) صوابه : «جمادى الثانية» أو «جمادى الآخرة». 


-416- 


سنة 1332 ه 

في أواخر محرّم هذه السنة قتل تعليقا في رحبة باب الفرج ‏ قرب 
برج الساعة ‏ أحد الشبان » قتل قصاصا منه على قتله غلاما من أسرة 
كريمة اغتاله في رمضان السنة السالفة. وكان الحامل على قتله إياه غيرته 
عليه وأمله الاجتماع معه في دار البقاء. والجنون فنون. وفيها جذت 
الحكومة بجمع إعانة الأسطول في سائر البلاد الدولة العثمانية وألّفت لهذا 
الغرض في سلانيك لجنة خصوصية وحضر للحث على بذل هذه الإعانة 
وفد خاص من استانبول جمع لهذه الغاية مبلغا طائلا وكانت هذه الإعاذة 
تجمع منذ سنتين من التجار والمأمورين على أنحاء شتى تؤخذ تارة مشاهرة 
وأخرى مسانهة 7). وفيها اسست العدلية في منبج مركز هذا القضاء. 


أول طيارة في جو حلب : 

في شهر ربيع الأول من هذه السنة الموافق نيسان سنة 1329 رومية 
تراءى في سماء حلب لأول مرة طيارة وردت عليها من استانبول » تحمل 
أستاذين في فن الطيران وهما شابان تركيان غضًا الشبيبة » اسم أحدهما 
صادق والآخر فتحي » وكان وصولهما إلى حلب وقت الغروب وكانت 
مهدت لطيارتهما مسافة من الأرض قرب السبيل تجاه جبل البختي » ورشن 
في هذه المسافة تراب أبيض »٠‏ فنزلا بطيارتهما عليها بعد أن حلقا في الجو 
برهة. وقد خرج لاستقبالهما والتفرج عليهما كبراء الحكومة والعسكرية 
وأعيان البلدة وألوف من أهلها. ولما استقرت الطيارة في الآرض علا لها 
الهتاف والتصفيق وارتفعت الأصوات بالدعاء للدولة بالفوز والنصر. ثم 
إنهما أقاما في البلدة بضعة أيام أقيمت فيها لهما المآدب الحافلة ونالا من 
الناس إكراما زائدا. ثم نهضا من حلب على طائرهما الميمون قاصدين 
ممق الشام فوصتلا 


(1) مشاهرة : أي كل شهر. ومسانهة : كل سنة. 


8 


إليها في أقلّ من سحابة يوم وبقيا فيها أياما قليلة وحصل لهما فيها من 
الحفاوة والإكرام ما حصل لهما في حلب. 

ثم نبهضا من دمشق قاصدين القاهرة » وبينما هما يطيران في سماء 
ضواحي الأردن إذ عرض لطيارتهما عارض أبطل حركتها فخرّت بهما 
من الجو إلى الحضيض ودفعتهما عنها في أثناء هبوطها » فسقطا إلى 
الأرعن سقوط الصلاعقة وق اندقت أقيئلاء كل واحد هنيما واخناطت 
ببعضها فصارت كأنها فدرة 7» لحم مدقوق. ولو لا ما كان يحمله كل واحد 
منهما من الوثائق لما قدر أحد أن يميزه عن رفيقه. فحملت أشلاؤهما على 
عجلة إلى دمشق ودفنا في قبرين متجاورين في تربة المرحوم السلطان 
صلاح الدين » وكان أسف الناس عليهما شديدا. 

كان الغرض من إرسال هذه الطيارة وباقي الطيارات التي أرسلت 
بعدها إلى هذه البلاد إعلام الشعوب العثمانية بأن الدولة مهتمة بترقية 
الفنون العسكرية كإحدى الدول المعظمة وأنها انتبهت من رقادها ونفضت 
عنها غبار التواني والتكاسل اللذين كانت عليهما. 

الحرب العامة 

الحرب العامة وما أدراك ما الحرب العامة؟ حرب كلح لها وجه 
الأرض وزلزلت جبالها وقلقت بحارها وكادت تميد لها الدنيا بأهلها. شبّت 
نيرانها في عاشر رمضان من هذه السنة الموافق 21 تموز سنة 1914 م 
وحمدت تلك النار العامة فى محم سنة 1337 'ه وتشيرين الثاني سنة 
8 م »ء فكانت مدتها أربعة أعوام وخمسة شهر تقريبا » نخرت في هذه 
المدة كبد العالم » أماتت أمما وأحيت أخرى. أقامت الأمم على بعضها » 
يسفكون دماءهم ويخربون بيوتهم وينهبون أموالهم ويعيثون فسادا في 
أعراضهم كأن رحم الإنسانية قد تقطعت بينهم » يستعملون في إبادة أنفسهم 
كل ما تصل إليه أيديهم من آلات التدمير ومعدات الهلاك والبوار حتى ظهر 
مصداق قول الملائكة الأبرار : «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء » 
ونحن نسبّح بحمدك ونقدذس لك 2». 


(2) من الآية 30 من سورة البقرة. 


-418- 


آفة على البشر أهلكت من النفوس ما يعد بعشرات ألوف الألوف » 
ماتوا ميتات مختلفة ما بين قتيل وغريق ومحروق ومفقود » وميت بالثلج 
والبرد وهالك بالجوع وانواع الأمراض وغير ذلك من صنوف البلاء. 
ناهيك أن عدد الجيش العثماني كان في أثناء هذه الحرب الطاحنة مليونين و 
0 ألف رجل استشهد منهم من ضبطت أسماؤهم فقط 325 ألف ضابط » 
وعدد الجرحى 400 ألف ؛» ومجموع الأسرى والمنهزمين مليون و 565 
ألف رجل. وإن ما أنفقته هذه الدولة في هذه الحرب من الأموال يبلغ نصف 
مليار من الذهب العثمانى. هذه هى خسائر الدولة العثمانية فقط من الأموال 
والنفوس. ومنه يعلم بالقياس مقدار ما خسرته بقية الدول العظام من هذين 
النوعين. هلك في هذه الحرب للدولة العثمانية في حملتها على ترعة 
الشووتن فق اثنا “عثين: آلف حمل .يلما كلك فيها من يفية المواشي مما نا 
يدرك حذه ولا يمكن عده فإن البغال والحمير والخيول في بلادنا كادت 
دهن حقائلة الانقز امن الاتميكاة. ْ 

هذا وإن أخبار الحرب العالمية قد تستوعب مجلدات ضخمة تملأ 
المكتبات مما ليس الإتيان به فى استطاعتنا » فضلا عن كونه ليس من 
واجباتنا في هذا التاريخ الخاص. وإنما علينا ‏ قبل الشروع بسرد حوادث 
هذه الحرب في حلب وبعض ملحقاتها ‏ أن نأتي بمقدمة إجمالية يتصور 
منها القارئ فداحة خطبها ويدرك شيئا من أحوالها وأسبابها على وجه 
الإجمال فنقول : 


الدول المتحاربة مع بعضها : 

الدول المتحاربة مع بعضها ثمان وعشرون دولة. وهي تقسم إلى 
فريقين » أحدهما نطلق عليه اسم (دول الاتفاق) والآخر نطلق عليه اسم 
(التحالف المربع). أشهر دول الفريق الأول : إنكلترا » روسيا ء فرنسا » 
أميركا »اليابان » الصين » بلجيكا ء اليونان » الصرب . الحبل الأسودء. 
رومانيا » البرتكيز » وغير أولاء الدول مما لا تخطر أسماؤهن فى بالنا. 

أما دول التحالف المربع فهن : دولة ألمانيا » النمسا » تركيا » البلغار. 

جميع دول الاتفاق أعلن الحرب على دول التحالف المربع متعاقبات 
دولة إثر دولة. إن عدد جيوش دول الفريق الأول يفوق بكثير جدا عدد 


- 419- 


فإن النصر كان حليف الفريق الثاني لاجتماع كلمة دوله على غرض واحد 
وهو الفوز والانتصار » ولتوحيد حركاتهن طوعا لرأي واحد » ولانتظام 
مهماتهنَ وطواعية أجنادهن الذين يقاتلون بصدق وإخلاص ويسمحون 
تصيكة شي ذذاعا خخ | ركذ تيمر سقط لتيرقيم (تطعفا فاك رزو نهم 
جزءا لا يتجزأ من ثمن أرواحهم. 

ثم في آخر سنة من سني الحرب انضمت دولة أميركا إلى دول 
الأفاق داتعكيرن الحال وانفيظ الكريت عرز شا عوقة فتك الجوع بالضيا 
واضطرها أن تنفرد بالصلح » ثم تبعتها البلغار وحذت حذوها. وبسبب ذلك 
انقطع خط الاتصال بين تركيا وحلفائها ودب الرعب في قلوب عساكرها 
وانكسرت معنوياتهم » فانسحبوا من سوريا تطاردهم جيوش الإنكليز 
بمعونة عرب الشريف. وحينئذ تقررت الهدنة ووقفت رحى الحرب. 

أسباب هذه الحرب : 

لهذه الحرب سببان : أحدهما أولي والآخر ثانوي نتكلم عليه بعد. 

السبب الأوليّ : 

السبب الأولي الذي اضطر كل دولة من دول الاتفاق إلى أن تطرح ما 
بينها وبين الدولة الأخرى من الدخل والضغن - ويكنٌ جميعا يدا واحدة في 
إشهار هذه الدرب ‏ هو تضخم دولة ألمانيا وتوجس الدول الخيفة من 
غائلتها » وتوهمهنٌ أنها بعد قليل من الزمن ستجرها قوة معداتها البرية 
والبحرية ومهارتها في الفنون الحربية إلى الطمع باكتساح أوربا وابتلاع 
الفنيا + الامو الذي كان بتخسم تسيهه المريع فى أعين حول الالفاق عو ل 
مرعبا مكشرا عن أنيابه الحديدية يتطاير من عينيه الجهنميتين نار شرر 
حاطمة تلتهم أوربا بأسرها. 

على أن بعض الساسة من الغربيين ينكر على دول الاتفاق ما يتوهمنه 
من غائلة هذا التضخم ويقول : إن جد ألمانيا في بلوغها تلك الدرجة من 
التضخم لم يكن لها من ورائه غرض ترمي إلويه سوى ترقي اقتصادياتها 
وحفظ كيانها وصد هجمات المحدقين بها من أعدائها » وإنها لا تفكر قط 
بالفتح والاستعمار أو التعدي على الجوار والأغيار. 

وسنورد بعد قليل نبذة من الكلام على تضخم إيمبراطورية ألمانيا وما 
بلغته من التفوق والعظمة في فنون الحرب والاقتصاد وغيرهما. 


- 420 - 


هذا وإن لكل دولة من دول الاتفاق ‏ في القيام إلى هذه الحرب ‏ 
أغراض ”) خاصة (عدا الغرض العام) دعتها إلى القيام على ألمانيا 
ومحاربتها وقهرها. 

وها نحن نتكلم هنا على ما علمناه لكل دولة من دول الاثفاق من 
الأغراض الخاصة بهذه الحرب فنقول : 


أغراض دولة بريطانيا العظمى من هذه الحرب : 

هي حفظ أسيادتها الجحرية وإنشكت فقل:سيادتها الدولية. المحاماة عن 
مستعمراتها في الكونغو التي قصدت ألمانيا تقسيمها سنة 1913 م / 1332 
ه ء دفع غائلة ألمانيا عن الهند لأنها بدأت تبذل جهودها في أسباب الوصول 
إليها » فعزمت على مد السكة الحديدية إلى العراق » وأخذت تمهد الأسباب 
لذلك في خليج البصرة. عزم بريطانيا العظمى على جعل شبه جزيرة 
العرب إمارات تحت نفود إمبراطورية عامة عربية خاضعة لإرادة إنكلترا 
#وهناك لهذه الدولة العظيمة مقاصة أكرئ:من :هذه الحخرب يطول شركها. 

أغراض دولة فرانسة من هذه الحرب : 

هي أخذ الثار من ألمانيا واسترداد اللورين وقلعة متس والألزاس 
وستر برج وضمّ ما فيهما من الألمان ‏ البالغ عددهم مليونا ونصف المليون 
- إلى الجمهورية الفرنسية. شل يد ألمانيا عن إنجاز وعدها لحكومة مراكش 
سنة 1905 م/ 1323 ه بأنها ستمد إليها يد المساعدة على فرنسة. إرجاع 
ألمانيا عن طلبها من فرنسا سنة 1906 م / 1324 ه أن تتخلى لها عن 
حقوقها في تلك البلاد. صذ المانيا عن بذل جهودها في مؤتمر الجزيرة 
المنعقد سنة 1907 م / 1325 ه بأن تنسحب فرنسا من مراكش. مجازاة 
ألمانيا ومعاقبتها على بذل مساعدتها سنة 1908 م/ 1326 ه إلى النمسا 
على اغتصابها بوسنه سراي وهرسك ». وعلى نقضها معاهدة برلين 
وتحرشها سنة 1910 م / 1328 ه بالفرقة التونسية وتعديها عليها وإرسالها 
سنة 1911 م/ 1330 ه إنذارا ثانيا وأسطولا إلى أكادير محتجة على 
فرنسا بهجوم جيشها على مدينة فاس. ومن تلك الأسباب أيضا اتفاق ألمانيا 
مع بعض خونة من الوزراء 


)1) الصواب «أغراضا» بتنوين النصب » لأنه اسم إِنْ. 


- 421- 


على أن تأخذ ألمانيا مائتي ألف كيلومتر من الأراضي الفرنسية في 
مستعمرة الكونغو. ولها غير ذلك من المقاصد والمطالب. 


أغراض الدولة الروسية من هذه الحرب : 

هي تمزيق دولة تركيا والاستيلاء على استانبول. كانت دولة روسية 
مذ :جنات من السنين تحاول الوصول إلى »هذه الغاية».وكانة كل هن دولة 
إنكلتر وفرنسا يحبطان مساعيها في ذلك الوقت. وفي النهاية أدركت روسية 
بعد معاهدة برلين أن استيلاءها على استانبول أصبح من رابع المستحيلات 
» فحوّلت وجه أطماعها إلى الهند. ولما أوصدت السياسة الإنكليزية في 
وجهها هذا الباب حوّلت أطماعها إلى الشرق الأقصى وقصدته فضربت 
دولة اليابان على يدها تلك الضربة الدامية » وحينئذ رأت روسية أنه لم يبق 
عندها لتوسيع أملاكها سوى الرجوع إلى تلك النغمة القديمة وتحقيق حلمها 
الأزلي » وهو تمزيق تركيا واستيلاؤها على استانبول تنفيذا لوصية بطرس 
الأكبر. رضيت بذلك إنكلترة لتحول قصد روسية عن الهند » وتجعل 
المفلكة العثنانية حبحية عذيهنا وتكيون ذلك قد استفانت قاكدة خرف لها 
عندها أهمية كبرى ؛ وهي تخلّصها من الخلافة العثمانية وسيطرتها 
الروحية على العالم الإسلامي في الهند. وقد أطلقت إنكلترا يد دولة فرنسة 
في سوريا لتسكت عن روسية في انقضاضها على ملك بني عثمان. 

ومن جملة مقاصد روسية من القيام على المانيا والنمسا تحقيق حلمها 
والمجر وضمّه إليها » وجمع شمل البعض الآخر من هذا العنصر في 
البلقان وجعله ولاية خاضعة لحكمها. 


سبب دخول دولة أميركا إلى هذه الحرب : 

كانت دولة أميركا ‏ منذ نشبت الحرب العالمية إلى أن دخلت هي فئ 
غمارها ‏ واقفة موقف الحياد تستغل الأرباح الطائلة من الفريقين 
المتحاربين اللذين يجتهد كل واحد منهما بأن يضمها إلى صفه. بقيت أميركا 
واقفة هذا الموقف حتى قم وزير خارجية إنكلترا المستر بلفور إلى المستر 
بايج ‏ في أواخر شهر فبراير سنة 1917 م / 1326 ه - برقية فحواها أن 
ألمانيا تستعد الآن لمحاربة أميركا. وقد أرسل البرقية وزير خارجية ألمانيا 
عن 


422 - 


طريق بطرسبرج إلى السفير الألماني في واشنطون ليرسلها إلى سفير 
المانيا في المكسيك ليطلب من رئيس جمهورية المكسيك أن تتحد مع المانيا 
على محاربة أميركا » وأن مكافأة جمهورية المكسيك على هذا الاتحاد ضم 
عدة ولايات إليها من أميركا. وفي هذه البرقية أيضا تكليف السفير الألماني 
إلى السعي بفصل اليابان عن دول الاتفاق وضمها إلى التحالف الألماني. 
وكانت تلك البرقية محرّرة بالشفرة » وإنكلترا هي التي استحوذت عليها 
وفكّت طلاسمها لأنها تمكنت في أول الحرب من الاستيلاء على مفتاحها. 
ولما اظلعك اميردكا علق اليرفية المذكورة عيات عسوو تها وانطيديت: إلن 
دول الاتفاق وخاضت معهن في عباب هذا البحر الطامي وكان من أمرها 
ماكان. 


السبب الثانوي لهذه الحرب : 

السبب الثانوي لهذه الحرب الضروس اغتيال عصابة صربيّة ولي 
عهد إيمبراطور النمسا وزوجته. وذلك أنهما في اليوم الثامن والعشرين من 
حزيران سنة 1914 م - الموافق أوائل شهر رمضان سنة 1332 ه - بينما 
كانا في مدينة «بوسنه سراي» راكبين في سيارتهما متوجهين بين صفوف 
الموكب العسكري إلى إحدى كنائس المدينة » إذ فاجأتهما قنبلة متفرقعة 
وعيار ناري أوديا بحياتهما. وفي الحال ألقي القبض على من جنى عليهما 
هذه الجناية الفظيعة وهو البيكباشي (وجاتا نكوسك) و (ميلان سيغانوريك) 
كلاهما من عصابة سربية اسمها (نارودنا أو ديرانا) أخذت على عاتقها بذل 
بحكومة الصرب. وقد تبين من تقرير الجانيين المذكورين انهما مدفوعان 
إلى هذا العمل من قبل كبار الموظفين في حكومتهم قصد إثارة فتئة يكون 
املك يها زاللترن معطة كلهم مرخ العنضر الفشروي. * 

وبعد حدوث هذه النكبة بعثذت حكومة النمسا في اليوم الثاا”لشث 
والعشرين فق قموق إلى كرما السرت تدارا اديه الليجه اميلنها و عطداء 
الانذاد تريضفة لحكريكة تنقيا لتهكنها ام نفسها العدر من مذاؤمتق فنيتها 
عن ذلك حكومة روسيا وشجعتها على الثبات أمام النمسا ووعدتها المساعدة 
وتحيننة 


5 


423 - 


اضطرت حكومة النمسا إلى عمل مناورة حربية إرهابا لسربيا لتكرهها 
على قو[ مسنفوق الأنذار عو أطلقة جنوه الحكونة اللمسوية يعطن كرات 
مدافعها على حدود سربيا تهديدا لها. وكانت حكومة سربيا قد علا صراخها 
استنجادا بالدول العظمى ٠‏ فقامت عساكر روسيه على حكومتها وأكرهتها 
على تعبئة جيوشها وإشهار الحرب على ألمانيا توصلا إلى محاربة حليفتها 
النمسا. ثم شبت نيران تلك الحروب على الوجه الذي سنبيّنه. 

بيان أن هذه الحرب كانت مقررة قبل هذه الحادثة : 

سمّيت هذه الحادثة سببا ثانويا للحرب لأن العقل يستبعد أن تكون هذه 
الحرب ‏ التى قامت من أجلها الدنيا وقعدت ‏ مسيّبة عن تلك الحادثة 
الاعتيادية التي يكثر وقوع نظائرها في أوربا فلا تأبه بها. غاية ما يمكن أن 
يقال في هذه الجريمة أنها كانت سببا لتعجيل إغلان الحرب لا سنيا 
لوجودها. ودليلنا على ذلك ما كنا نراه في حلب من الحركات العسكرية 
الدالة على الاهتمام بالتأهب والاستعداد إلى مباغتة المستقبل بأمر عظيم » 
فإن الضباط العسكريين كانوا قبل إعلان الحرب بأشهر يحضرون بين حين 
وآخر إلى خانات التجار ويسجلون مقادير ما عند كل تاجر من البضائع 
والغلات وأحيانا يأمرون التجار بالإمساك عن بيع بعض البضائع الموجودة 
عندهم. ثم قبل إعلان الحرب بنحو شهر أو أكثر دعت جهة العسكرية 
عرفاء المحلات المعروفين بالمخاترة وأعطت كل واحد منهم مغلفا مختوما 
على صحيفة مكتوبة » وأمرته بحفظه عنده مع بقائه مختوما » وحذرته من 
فتحه ووعدته بالقتل إن هو فتحه قبل أن تأمر بفتحه. فكان المختار يأخذ 
المغلّف ويحفظه في أحرز مكان عنده. 

ومن الأذلة المناظعة على أن هذه الهحوي كاقث سديرة مقونة قدل 
حدوث نكبة الاغتيال ‏ قول جمال باشا في مذكراته أثناء كلامه على 
التحالف التركي الألماني : إن عرض ألمانيا على تركيا التحالف معها لم 
يكن إلا لانزعاجها لتأهبات خصومها. وقال السير روجر كيسمنت الإرلندي 
في كتابه الذي ألفه تحت عنوان «الجريمة التي ارتكبت ضد أوربا» : إن 
الخلاف الذي وقع بين السرب والنمسا لم يكن سوى شطر يسير جدا من 
المسألة الكبرى التي قسمت أوربا على ما نراه فيها من الأقسام المسلحة. 
وأكبر دليل على ذلك تقرير أرسله السير «ج بوشنان» بمناسبة الطلب الذي 
قدمته حكومة روسيا إلى سفير 


424 - 


حكومة إنكلترة في بطرسبرج. وهو أن يؤكد على حكومته أن تنضم إلى 
روسيا وفرنسة وتعضدهما في أعمالهما. لجا ف اعد ع ل 
بقوله أن ليس لحكومته مصالح في السرب تقضي عليها اتخاذ هذه الخطوة ‏ 
ثم إن الرأي العام الإنكليزي لا يمكن أن يقنع بوجوب اشتراك حكومته في 
هذه الحرب من أجل السرب فقط, فعند ذلك رد عليه ناظر خارجية روسيا 
بقوله : يجب علينا ألا ننسى أننا في الحقيقة واقفون أمام المسألة الأوربية 
الكبرى » وما أمر السرب إلا جزءا يسيرا 7) منها منها. وأنا أظن أن إنكلترا لا 
يحسن بها أن تضيع الفرصة وتتغاضى عن المسألة التي نحن بصددها. اه 

أقول : من قرأ هذه المناقشة وأمعن النظر في فحواها علم علم اليقين 
أن هذه الحرب مدبرة قبل حادثة الاغتيال » وأن هذه الحادتة كانت سببا 
لتفجرل: الغرية اهيا هود ها كد انثلفنا بياقة 


نبذة من الكلام على تضخم إيمبراطورية ألمانيا : 

إن الأمة الألمانية ارتقت من بين الأمم الغربية المتمدنة الذروة العليا 
في جميع حاجيات الحياة. فكما أنها أحرزت قصب السبق في فنون الحرب 
ومهماته ومعذاته » فقد حازت القدح المعل مين كشو الاقتصاديات على 
كثرة أنواعها » ونالت النصيب الأوفر من العلوم الاجتماعية والسياسية 
وفنون الطب وحفظ الصحة التي بواسطتها لم تزل مواليدها بالنسبة إلى 
وفياتها آخذة بالازدياد يوما فيوما. كان عدد نفوس الإيمبراطورية الألمانية 
سنة 1816 م/ 1232 ه يقدر ب (25) مليونا. ثم في سنة 1871 م/ 
8 هبلغ عدد نفوسها (41) مليونا. ثم في سنة 1888 م / 1306 ه بلغ 
(48) مليونا. وفي سنة 1911 م / 1330 ه بلغ (66) مليونا. 

ومما برعت به الأمة الألمانية فلسفة الطبيعيات والكيميا اللتين 
أوصلتاها بالأبحاث الدقيقة إلى إخضاع القوات النارية والكهربائية إخضاعا 
لم يعهد له مثيل. فاستخدمت تلك القوات بالزراعة والصناعة على تعدد 
أنواعها : من سكب الحديد ونسج الأقمشة » وعمل السيارات والطيارات » 
والغواصات والقوات البحرية التي لا يباريها بها مبار. 


(1) الصواب : «إلا جزء يسير» بالرفع » لأن «ما» انتقض نفيها ب «إلا» فبطل عملها. 


- 425 - 


كان عدد حصن البخار عندها في سنة 1882 م / 1300 ه مقدرا 
بمليون ومائتي ألف حصان. ثم في سنة 1907 م / 1325 ه بلغ عدد هذه 
القوة نحوا من خمسة ملايين ومائتي الف حصان. 

على أن الذي أعان الأمة الألمانية على النبوغ في المسائل الاقتصادية 
والفنون الحربية » هو غناء بلادها من الحديد والفحم الحجري اللذين هما 
أس كل قوة آلية. وعليه فإن ألمانيا بمعاملها ‏ التي تتحرك بالبخار والكهرباء 
والغاز الفقير والبترول والبنزين ‏ قد فاقت بكثرتها . بالنسبة إلى عدد 
نفوسها » جميع الأمم في أوربًا وغيرها. 

كانت صادراث ألمانيا قبل خمس.وعغشريق دبتة مق القطن تقدز يت 
77 مليونا » فصارت الآن تقدر ب 421 مليونا من الماركات. وصادرات 
الصوف كانت تقدر ب 177 فصارت الآن تقدر ب 253 مليونا من 
الماركات. وعلى هذه النسبة زادت فيها صادرات الحرير والكتان وبقية 
المواد التي تنسج منها الأقمشة. وعلى هذه النسبة أيضا زاد فيها عدد التجار 
؛ فقد كان في سنة 1882 م / 1300 ه يقدر بمليون وخمسمائة ألف فصار 
الآن يقدر بثلاثة ملايين وأربعمائة وسبعة وسبعين ألفا وستمائة تاجر. 
وهكذا قل فى زيادة الخطوط الحديدية وأسلاك البرق وأسلاك الهاتف 
والمواد الطبية والفنون الزراعية » وجميع البضائع التجارية » وصنوف 
الأصبغة والأشربة الروحية التي تصدرها دول العالم المتمدن من ممالكها ‏ 
فإن ألمانيا قد برعت بها أيما براعة. 


لم لم تتفق تركيا مع دول الاثفاق ٠‏ ولم لم تبق على الحياد؟ 

يؤخذ من مذكرات جمال باشا أن تركيا رغبت عقد التحالف مع دول 
الاتفاق » وأن جمال باشا سافر إلى باريز للحصول على هذا الغرض وقابل 
وزير خارجية فرانسة » وطلب منه ‏ قبل إبرام عهدة الوفاق ‏ حل مسألة 
الجزر بين تركيا واليونان. فكان جواب الوزير له ما معناه أن فرنسة لا 
يسعها الموافقة على هذا الطلب دون رضاء حلفائها. ومن هذا الجواب فهم 
جمال باشا أن دول الاتفاق لا ترغب التحالف مع تركيا » فعاد إلى استانبول 
بخيبة الأمل. وقابل فيها السير لويس ماليت سفير إنكلترا. وبينما هو يحادثه 
إذ قال له السير لويس : أرغب منك يا جمال باشا أن تصدرح لي بمطاليب 
الحكومة العثمانية في مقابلة بقائها على الحياد. فأجابه جمال باشا ء بعد أن 


- 426 - 


الأعظم بقوله : إن الحكومة العثمانية تطلب ‏ في مقابلة بقائها على الحياد ‏ 
إلعاء الامتياذ ات ]غاذة الحز و القن الخدتها اليو تان من تركيا » بعل متدكلة 
مصر ء تعهد روسيا بعدم التدخل بشؤون تركيا الداخلية » معونة إنكلترا 
وفرنسة الفعلية فيما لو هاجمت روسيا بلاد تركيا. قال جمال باشا ما معناه : 
فأبلغ السير لويس حكومة لندره مطالب تركيا فكان جوابها هكذا : 

لا يمكن التفكير بإلغاء الامتيازات » إنما يمكن لإنكلترا ‏ بعد اتفاق 
حلفائها - أن تسمح بإلغاء بعض امتيازات مالية. وأما مسألة الجزر فيجب 
تأخيرها والنظر إليها فيما بعد ء كما أن المسألة المصرية يترك الخوض 
فيها الآن » وإن روسيا لا تفكر مطلقا في مهاجمة تركيا. وإن إنكلترا تطلب 
في مقابلة إلغائها بعض الامتيازات المالية ‏ عدم إغلاق المضايق في وجه 
سفن روسيا. ٠‏ 

فهم جمال باشا من هذا الجواب أن دول الاتفاق لا تود اشتراك تركيا 
بالحرب في جانبهن ؛ لأن ذلك يضيع لروسيا فكرة الاستيلاء على استانبول 
وأن غرض دول الاتفاق السعي في منع تركيا عن القيام بشيء لغير 
مصلحتهن » وبالاحتفاظ في غضون الحرب بالاتحاد مع روسيا وإعطائها 
عند الفوز النهائي استانبول » ومنح الولايات العربية استقلالا داخليا يسهل 
فيما بعد سقوطها تحت حمايتهن ووصايتهن. 

قال جمال باشا في مذكراته ما خلاصته : إن بقاء تركيا على الحياد . 
مع عدم معارضة الملاحة في المضايق » يسهل لروسيا بعد خروجها من 
الحرب العالمية ظافرة الانقضاض على استانبول والولايات الشرقية في 
الأناضول. 

قال : وإذا قصدنا التخلص من هذه الغائلة وأردنا إقفال المضايق ‏ مع 
أن دول الاتفاق لا تسمح لنا بقفلها - أمكن حينئذ دول الاتفاق أن تضغط علينا 
» بل ربما يقول لنا البعض منهن أن يحتل المضايق إلى أن تضع الحرب 
أوزارها وحينئذ نعيدها إليكم. 

قال جمال باشا بعد هذا كله : فلم يبق لنا سوى الالتجاء إلى تحالف 
فوي. 

تحالف تركيا مع ألمانيا : 

قال جمال باشا فى مذكراته أثناء كلامه على موقف دول الاتفاق حيال 
تركيا ما ملخصه: 2 


5 


إن إنكلترا قد تمكنت من القطر المصري » وهي تجتهد بالحصول 
على العراق وفلسطين وتوطيد نفوذها في جميع أنحاء شبه جزيرة العرب. 
وإن روسيا لا تحتاج عداوتها لتركيا إلى دليل » وهي لا ترى لتحقيق 
مظامعيا اقضيل "مين حزلئة تركيا. وأما نوك التخبالفب التلاني فإث النميا 
وإيطاليا لم يبق لهما مطامع أخرى نحو تركياء فقد قدمتا لها كل ما 
استطاعتاه من الأذى فلم يبق لهما حاجة إلى مطمع جديد. وأما ألمانيا فإنها 
ترغب أن ترى تركيا عزيزة الجانب إذ لا يمكن ضمان مصالحها إلا 

لا تستطيع ألمانيا الاستيلاء على تركيا وتجعلها كمستعمرة ؛ لآن 
المركز الجغرافى والموارد الألمانية يجعلان ذلك مستحيلا. فألمانيا إذن 
تعتبر تركيا بمثابة حلقة في سلسلتها التجارية » ولهذا أصبحت من أشد 
انصبار تاها رط كرات الأشاق الت كار لت تمزيقها. خفيوصضينا أن تضفية 
تركيا كان معناه تطويق ألمانيا بصفة نهائية » وذلك أن تركيا في الجنوب 
الشرقي من ألمانيا كغلق © لذلك الطوق » فالطريق الوحيد الذي تدرأ به 
ألمانيا ضغط الطوق الحديدي هو منع تمزيق تركيا. ش 

ولما قنطت تركيا من التحالف مع دول الاتفاق على الوجه الذي أسلفنا 
محالفة تنقذهاامن- هذا الخطو. وقذ اسشتغرق تفكرها هذا نكو سحكة اتمهر, 
وبينما كان الوقت قد آذن بنشوب الحرب » وتركيا في قلق من عزلتها » إذ 
بألمانيا تعرض عليها عقد محالفة تتفق مع مصالحها وتضمن حقوق 
الطرفين. فلم تتأخر تركيا عن قبول المحالفة مع تلك الإيمبراطورية القوية 
البأس » فإن لهذه المحالفة محاسن كثيرة منها منع دول البلقان عن التدخل 
في شؤون حكومة تركيا. ومنع دول الاتفاق عن الاستيلاء على بلادها. 
ومنها أن علماء ألمانيا وفنونها وخبراءها التجار يصبحون تحت تصرف 
تركيا. إلى غير ذلك من المحاسن والمزايا التي تستغلها تركيا من هذا 
التحالف. ثم إن دولتي النمسا وبلغاريا دخلتا مع ألمانيا في عقد هذا التحالف 
دون تردد ولا توقف لأن ما يهم ألمانيا يهمهما أيضا. 


(1) الغلق » بفتحتين : الباب العظيم. وهو أيضا ما يغلق به الباب ويفتح. 


- 428 - 


تصريح بالفوائد التي تقصدها ألمانيا من محالفتها مع تركيا : 

لألمانيا في عقد تحالفها مع تركيا مقصدان : 

المقصد الأول : 

هو حفظ مضايق استانبول من استيلاء روسيا عليها كيلا تفقد ألمانيا 
وأوستريا ‏ حليفتها الأخرى ‏ استغلال الفوائد الاقتصادية اللائي تجنيانها 
من قبل العالم الإسلامي القاطن وراء البحر الأسود والأبيض ». ولتكون 
تركيا سدا منيعا لوصول المدد إلى روسيا من حلفائها إبان الحرب .» إذ لا 
سبيل إلى إمداد حلفائها إياها من جهة البحر الأبيض إلاامن طريق 
استانبول. 

إن روسيا لو وصل إليها المدد من حلفائها من هذا البحر لما كانت 
ألمانيا حين نشوب الحرب العالمية تقوى على إخضاعها في تلك المدة 
القصيرة. وكيف يتصور العقل جواز قهر أمة ‏ في تلك المدة الوجيزة ‏ يبلغ 
عدد شعوبها زهاء مائتي مليون » وجنديها من أشهر جنود الدول البرية لو 
كان المدد واصلا إليها من حلفائها كما يجب. لا جرم أن المضايق لو كانت 
مفتوحة لإمدادها بالمعدات والمهمات الحربية لصعب على ألمانيا أن 
تضربها تلك الضربة القاصمة لظهرها التي لم تكن متوقعة من قبل. ناهيك 
دليلا على ما وقر في صدور الألمان من عظمة روسيا وضخامة ممالكها 
وكثرة شعوبها أن الإمبراطور غليوم سئل عن عدد الدول التي يحاربها في 
هذه المعركة فقال : «عدد الدول التى أحاربها الآن ثلاث » منها دولتان هما 
روسيا وحدهاء.والدولة الثالثة هى بقية الدول», فاغتير ذولة رسيا وحذها 
دولتين واعتيديفية الدذؤق العديدة دولة واحدة 


المقصد الثاني : 

هو : من المعلوم أن موقع المملكة الألمانية والنموسية من قارة أوربا 
متوسط » وهما معدودتان من الدول المركزية في هذه القارة » وأن المنطقة 
المحدقة بهما مفتوحة الغلق 7) من جهة تركيا فقط. ثم لا يخفى أن العالم 
الإسلامي يبلغ عدده نحو ثلاثمائة مليون من 


(1) سبق شرحه بأنه الباب. 


- 429 - 


النفوس » وهو متبعثر في الربع المسكون ما بين محكوم بدولة إسلامية 
ضعيفة مضروب عليها نطاق السيطرة من قبل دولة أجنبية » وما بين قاطن 
بمستعمرات تحكمها دول أجنبية 00 وتركستان وتونس والجزائر » فإِنْ 

ولا راث حدولة المانيا أن العام الإنتلامي المشجشر على هذه الضيفة لبو 
تألفت أجزاؤه وربطت ببعضها برابطة الدين لجاء منه قوة تهدد الأرض 
ببأسها » فرغبت 2 أن تكون هذه القوة بجانبها ورأت أن لا سبيل إلى 
استمالة هذه القوة إلى جانبها إلا بالاتفاق مع الدولة العثمانية مقرّ الخلافة 
الت عاق بعر ها عافة المستفوك” فيذلت الدولية المقنان النهنا جيه ها حقة 
أعوام طوال بموالاة الدولة العثمانية والمحاماة عنها إلى أن اطمأنت تركيا 
منها » فمدت إليها ألمانيا يد الاتفاق » وعقدته معها على أن تكون الدولتان 
يدا واحدة في إنقاذ العالم الإسلامي وإرجاع مجده إلى ما كان عليه. حتى إن 
جمال باشا صرح في مذكراته عدة مرات أن أول غرض لتركيا من هذه 
الحرب هو خدمة العالم الإسلامي. لاريب أن دولة ألمانيا لو كانت هذه 
الحرب منجلية عن فوزها وظفرها لكانت جذبت إليها بهذا الاتفاق قلوب 
عامة المسلمين واستمالتهم نحوها بحكم قاعدة : (من والى صديقك فقد 
والاك) فكانت تستفيد هي وأوستريا من استمالة العالم الإسلامي إليهما ثلاث 
فوائد : 

الفائدة الأولى : 

إشغال قوات عظيمة لأعدائها حين قيامهم عليها تتركها أعداؤها في 
مقابلة من جاورهم من الحكومات الإسلامية وإماراته المستقلة » حينما 
يحدث بين ألمانيا وأوستريا وأعدائهما حرب في أوربا. 

الفائدة الثانية : 

التي تستفيدها الدولة الألمانية من استمالة العالم الإسلامي إليها : هي 
جعل الدولة الإسلامية وإماراتها ‏ في عامة الرّبع المسكون ‏ جزءا من دول 
الاتفاق المربع لتقاتل معها كجيش من جيوشها حينما تسنح لها الفرصة بشن 
الغارة على إحدى مستعمرات دول 


(1) لا وجه لدخول الفاء على الفعل الماضي هنا. والجملة جواب «لمّا» الظرفية الشرطية. 


- 430 - 


الاتفاق في آسيا وأفريقيا » ولا سيما الهند التي هي مصدر قوة إنكلترا. وقد 
وأت#دولة الماتها وغينها من الذوك المخكلمة أنه لآ سبيل إل قهين: الآمنة 
البريطانية وجعلها في عداد الدول الثانوية إلا بسدلب الهند من يدها وشن 
الغارة عليها من جهة آسيا ما دامت مخانق البحار في قبضتها وأن الأمم 
الإننلافية :الك تعتر صن طرريق الوصو "لها فى سنا ممنا لا وحفي عن 
مظاهراتهم والاستنصار بقوتهم حين الإغارة على تلك الدولة 2 الأمر الذي 
تعده ألمانيا من مقدمة المقاصد من استمالة المسلمين إليها. ولا يخفى أن 
الدول الإسلامية وإماراتها في آسيا يتألف منها جيوش ضخمة تملا الفضاء 
» وهي في منتهى درجات القوة والشجاعة بحيث إذا أمدت بالمعدات وقادها 
رجال محنكون عارفون بفنون الحرب لجاء () منها قوة لا تلبث معها أكبر 
دولة حتي تهن قوتها ويتلاشى معظم ملكها. 

الفائدة الثالثة : 

رواج البضائع الألمانية والنمسوية في الممالك الإسلامية. إذمن 
المعلوم أن الأمة الألمانية لم تدع لباقي الأمم مجالا للسبق في ميادين 
الصناعة والاقتصاديات كما أسلفنا بيانه. ولا يخفى أن استثمار هذا التقدم 
والرقي يحتاج محصوله إلى أسواق يروج فيها ؛ وأن أول داع لرواج 
البضاعة حصن أسعارها ولا شك أن البضائع الألمانية ب غلى اختلاف 
أنواعها ‏ حائزة هذه المزية » ولهذا يتهافت الناس عليها في مشارق الأرض 
ومغاربها حتى إن كثيرا من شعوب الدول العظام ‏ كشعوب إنكلترا وشعوب 
فرانسة ‏ يرغبون بالبضائع الالمانية عن غيرها فيقبلون على شرائها بكل 
رغبة ونشاط ء حتى إنك لتجد في نفس جزيرة بريطانيا كثيرا من 
المحركات الألمانية في المعامل الكبيرة » اختارها أصحاب تلك المعامل 
دون غيرها لإتقانها ورخصها. ا 1 ا 1 

ومع كثرة ما يصرف من البضائع الالمانية في أسواق أوربا وأميركا 
فإنها لم تزل كثيرة وافرة يزيد محصولها على الصادر منها زيادة عظيمة 
» فرأت ألمانيا أن تفتح لها أسواقا جديدة في آسيا وأفريقيا تصرف فيهما ما 
توفر لديها من محاصيل البضائع. ولما كان العالم الإسلامي في هاتين 
القارتين يعد من الشعوب الكبيرة فقد رغبت ألمانيا أن تستميله إليها بواسطة 
الخلافة الإسلامية لتنال منه رغبتها في رواج محاصيلها » فيقبل عليها 
وتزداد بواسطة الخلافة فوائدها 


(1) الصواب حذف اللام » لأنه لا يقترن بها جواب «إذا» الشرطية. 


- 431- 


تصريح في البواعث التي حملت تركيا على الاتفاق مع دولة ألمانيا : 

معلوم أن دولة تركيا أتى عليها زمن ورايتها تخفق فوق ممالك يربو 
0 0 ا ا 
يداولها بين الناس ا 2 
لخواطر رعاياها المسلمين المرتبطين بالخلافة العثمانية برابطة الدين 
وتوهينا لأعدائها عن تقربهم إلى مستعمرة الهند » كمحاماتها عنها في واقعة 
القرم التي كسرت فيها جيوش دولة روسيا أيما كسرة » توهينا لقوة هذه 
الدولة وإيقافا لها عند ذلك الحد, 

ثم إن إنكلترا أمنت غائلة الروس باتفاقها مع دولة اليابان على دفع 
الروس عن الشرق الأقصى . وكانت دولة تركيا قد وصلت إلى دورها 
الأخير من التقهقر والانحطاط وأصبحت عرضة لاستيلاء الفاتحين » وقد 
ذهب قسم عظيم من بلادها في الحرب الآخيرة مع روسيا ولم يبق ريبة في 
عجز تركيا عن مقاومة أعدائها » فاستغنت دولة إنكلترا عن مجاملتها لتركيا 
ورأت أنها أولى من غيرها بالأكل من هذه المائدة المبسوطة لكل وارد 
وصاددر ء وأجدر من سواها بالاستيلاء على تلك البلاد » وأن المسألة 
الشرقية قد آن أوان مباشرتها » فاحتلّت ‏ في حادثة اعرابي باشا ‏ مصر. 
ومن ذلك الوقت بدأت تركيا تشعر بانحراف هذه الدولة عن مجاملتها » 
وكانت عيونها وقناصلها ذي الممالك الأجنبية تعلمها من وقت إلى آخر 
بأمور تدل على سوء مقاصد أوربا مع تركيا وعدولها عن مجاملتها واتفاقها 
على معاكستها » فتعكّر صافي اعتقادها بإخلاص أوربا » ثم ازدادت نفورا 
من دولها حينما تحققت أنهن يعاكسنها في جزيرة كريد ويساعدن مقاصد 
اليونان. وبعد مدة تأكدت بأنهن انقلبن ضدها انقلابا بينا وانضم إليهن عدوها 
الأكبر دولة روسيا وغيرها من باقي أعدائها مبرهنة هذا الانقلاب باتفاق 
الدول على حرمانها مما جنته سيوف جنودها من بلاد حكومة اليونان في 
حربها الآخيرة معها. 


432 


وكان قد تواتر عند العثمانيين أن دول أوربا غير المركزية قد اتفقن 
على تقسيم بلاد تركيا فيما بينهم » وعلى إخراج نواياهن في المسألة 
الشرقية من حيز القوة إلى حيز الفعل. فلم ير السلطان عبد الحميد بدا من 
التمايل إلى.قؤلة الماننا (لثى كانت تخطف:صذافة تركيا مذ امك بعييد تتهيدا 
لبلوغ مقاصدها التي أسلفنا ذكرها. فأحضر هذا السلطان جماعة من الألمان 
- أساتذة العلوم العمرانية والفنون العسكرية ‏ إلى مدارس استانبول ووظّفهم 
بوظيفة التدريس والتعليم. ومن ذلك الوقت شرع هؤلاء الأساتذة يغرسون 
في أفكار التلامذة حب ألمانيا ويجسمون في مخيلتهم عظمة دولتهم وحبها 
لدولة تركيا ؛ ويؤكدون لهم ما وقر في صدر دولة إنكلترا من المقاصد 
السيئة في حق تركيا وأنها قسمت بلادها بينها وبين باقي دول أوربا ودول 
البلقان. وكان التلامذة يعتقدون صحة هذه المبادىء ويثبتونها في أذهان 
الأمة حتى تمكنت من عقولهم واستحكمت في اعتقادهم. 

ثم قام حزب الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد وحملوه على 
العمل بالقانون الأنباسى :وقلبوا الحكومة إلى الديُمقراطيّة كم خلعوور وقد 
ساعدت دولة إنكلترا الاتحاديين فى هذا الانقلاب انتقاما من السلطان عبد 
الحميد على ميله إلى الألمان وتقريبه إياهم » واتخاذه منهم الأساتذة 
والمرشدين وبعض قواد عسكريين. ثم حدثت حرب طرابلس الغرب بين 
تركيا وإيطاليا. وكان الاتحاديون يأملون من دولة إنكلترا المساعدة في هذه 
الحرب فخاب أملهم ولم تساعدهم إنكلترا بشيء حتى ولا بإمرار قواتهم من 
مصر إلى جهة طرابلس. فازداد نفورهم من إنكلترا وتأكدت رغبتهم بالميل 
إلى ألمانيا حينما لم يروا بدا من التجائهم إلى هكذا دولة قوية تساعدهم على 
الذي قدمنا بيانه. ثم حدثت حرب البلقان بين تركيا وحكومات البلقان » 
وانجلت هذه الحرب عن انكسار تركيا وخسرانها جميع ولاياتها في البلقان 
» وأعلنت البلغار استقلالها بالرومللي » والنمسا في البوسنه والهرسك. ثم 
إن تركيا سنحت لها فرصة أمكنتها بمساعدة ألمانيا 8 اللم اكير من 
لدفع العادية على ثمالة ممالكها 7( ؛ لأنها تحقق ا مرح ا هذه 
الأحوال أن جميع دول الاتفاق العظيمة تشرئب أعناق مطامعها إلى أخذ 
بلادها وملاشاتها مع ما هي عليه من الضعف والفقر » وأنه لا ينجيها من 
نشوب مخالب 


(1) أي على بقيّتها. 


- 433 - 


هذه الدولة سوى اتفاقها مع دولة عظيمة كألمانيا التي لم تمد من قبل إلى 
بلادها يدا ولن تقدر أن تمد إليها يدا لموقعها الجغرافي » مؤملة بذلك أن 
تحفظ كيانها بل طامعة بما سولته لها ألمانيا وبما علمته من قوتها وعظمتها 
بأن تعيد لها مجدها السالف لتحققها أنها وحلفاءها هم الغالبون » وأن كل من 
نواهم سيكون مغلوبا. ٠‏ 

هذا ما دعا تركيا إلى الاتفاق مع ألمانيا وحلفائها : إيطاليا والنمسا 
والبلغار. وهذا هو اجتهاد الاتحاديين » أخصّهم بالذكر بطلهم وصنديدهم 
أنور باشا الذي نشأ في مدارس ألمانيا وتغذى بألبانها » وقد أداه سعيه إلى 
أن يكون الرجل الواحد في دولة تركيا لا يعارضه فيما أراد معارض ولا 
ينازعه منازع. 


دولة إيطاليا حيال الدول المتحاربة : 

كانت دولة إيطاليا متفقة منذ عهد قديم قبل الحرب مع دولة ألمانيا » 
فلما بدأت الحرب بقيت إيطاليا على الحياد مدة سنة أو أكثر » وكانت 
الأخبار تصل إلينا عنها ملونة » فمرّة يبلغنا عنها أنها لا بد وأن تبقى على 
اتفاقها مع ألمانيا » فهي عما قريب تعلن معها الحرب على دول الاتفاق ؛ 
وأخرى يبلغنا عنها أنها ستنضم إلى المتحالفين وتعلن الحرب معهم على 
الاتفاقيين. والناس يبنون على دخولها مع أحد الفريقين رجحان كفة الميزان 
مع الفريق الذي تدخل معه. ثم في آخر الأمر انضمت إلى الاتفاقيين 
وأشعلت نار الحرب مع النمسا فلم تفز بطائل. 


منذرات هذه الحرب في حلب قبل ظهورها : 

قبل إعلان هذه الحرب بأعوام طويلة كانت بعض النفوس الحساسة 
في حلب تشعر بأنه لا بد وأن تقع هذه الحرب ولو بعد أعوام. وسبب 
الشعور بذلك هو ما يحس به الباحثون ععن أحوال أوربا ‏ خصوصا عما 
يجري بين الأمتين ألمانيا وفرانسة ‏ من المراقبة والتحفز على بعضهما إذ 
أنهما ماتريكتا منة ديعن سنة د أئ هن الثهاء حرم السنعين حكن الا 
تجد كل :واحدة متهم فى إعذاد المعمدات"الحويينة الحهدية استعداذا لهذه 
الحدني"الطاحنة #4 فكان قار هواتب النتسينة قد خم دك ظداهو] :و لكنها ف 
الناطن كانت تاهج كالنان المدقونة فى الرماد ولذا قال بعنض الساسة ؛ إن 
الحرب العامة القائمة الآن لم تكن حربا 


04 


جديدة محدثة » وإنما هي من تتمة حرب السبعين. ولذا كنت ترى حينا بعد 
حين في الصحف الإخبارية والمجلات العلمية أقوال المنجمين والمتكهنين 
المنذرة بهذه الحرب قبل ظهورها بعدة أعوام. ‏ / 

هذا » وفي أوائل هذه السنة وهي سنة 1332 بدأ بعض الناس في حلب 
يتحدثون سرا بأنه عما قريب تشتعل نار حرب حامية بين عامة الدول » مع 
أنه كان لا يوجد في صحف الأخبار ما يدل على ذلك. وكان هذا التحدث 
السري يتفشى بين الناس يوما فيوما حتى شاع بين جميع الطبقات غير أن 
من الناس من كان يستبعد الحرب » ومنهم من يرى أنها قريبة الوقوع. 
وكان أمراء العسكرية وضباطها يحضرون في بعض الايام إلى خانات 
الغلات » ويسجلون مقادير ما يجدونه فيها من الحبوب والذخائر » ويأمرون 
الخاني ) بعدم بيعها أحيانا » ويرخصون له به أخرى. وربما طافوا في 
خانات التجار وأحصوا ما عند كل واحد منهم من الأقمشة والبضائع 
المأكولة وغيرها. فكان الناس يرتابون من هذه الأعمال لأنها مما لم يسبق 
لها نظير » وبسببها كانت تقوى عندهم صحة الشائعات المنتشرة فيما بينهم 
بخصوص الحرب العالمية. 


تتمة حوادث سنة 1332 ه 


سباق الخيل : 

وفي شهر جمادى الثانية من هذه السنة جرى في أرض الحلبة ‏ ظاهر 
حلب سباق خيل حافل » حضره كبار الموظفين من ملكيين وعسكريين 
وألوف من الأهليّين ©. وأجازت الحكومة الحائزين قصب السبق بجوائز 
نقدية. 

دعوة العرفاء إلى الثكنة العسكرية : 

وفي هذه الأيام دعت جهة العسكرية إلى ثكنتها جميع عرفاء المحالات 
المعروفين بالمخاترة وأعطتهم المغلفات السالفة الذكر. 


(1) هو صاحب الخان. والعامّة تفول : الخانجي. 
(2) وردت هكذا عند المؤلف بياءين في معظم المواضع. والوجه أن تكتب بياء واحدة : 
«الأهلين». 


- 435 - 


إعلان تركيا النفير العام في ممالكها : 
يوم السبت عاشر رمضان هذه السنة (1332) الموافق اليوم الحادي 
والعشرين من تموز سنة 1330 رومية واليوم الثالث من آب سنة 1914 م 
- أصبح الناس فرأوا في منعطفات الشوارع وأبواب الأماكن الشهيرة - 
كالجوامع والخانات ‏ أوراقا ملصقة بالجدران مطبوعة ملونة فيها صورة 
الشعار العثماني » وتحته سطر واحد فيه كلمة (سفر برلك) أي النفير العام. 
فعلم الناس أن هذه الأوراق هي التي كانت في المغلفات التي سلمتها الجهة 
العسكرية إلى المخاترة وأمرتهم بحفظها. وقد عظم هذا الأمر على الناس 
وأصبح تحدّثهم به شغلهم الشاغل » وبعد أيام قليلة غلق بالشوارع من الجهة 
العسكرية إعلان فحواه : «أن كل من كان بالغا سن المكلفية العسكرية أن 
يحضر إلى المكان المعيّن (مثل برية المسلخ) ويثبت اسمه وكنيته في 
سجلات العسكرية في برهة أيام قليلة». 
فتسارع الناس إلى تلك الأماكن لتسجيل أسمائهم » وكان المسلمون 
صائمين والحر شديدا » فتكبدوا من أجل ذلك مشقة زائدة. وبعد أيام دعت 
الجهة العسكرية كل من أثبت اسمه وكنيته إلى حمل السلاح والدخول في 
السلك العسكري. ثم أذيع قانون عسكري مصرّح فيه بأن كل ذكر من 
الأسويا العلمااية تعايل يجنديا» متطلما كان ا غير منحام + سوا كان 43 


القانون عسكريا. ان المكلف المحدوز بعر شرعي مسرل يمتجه عن 
القيام بالجندية ‏ يؤذن له بعد تحقق عذره بالانفكاك عن التجند مدة تلبسه 
بالعذر. فإذا انقضت معذرته فعليه أن يعود إلى التجند. 

هذا القانون قد استعظمه الناس وعدّوا أحكامه جائرة » لأنه لا يرحم 
الوحيد في عياله ولا الضعيف في بدنه » وقالوا : إنه مما جناه على الأمة 
جماعة حرب الاتحاد: و الترقي اقتداءبالحكومة الألمانية الثى مشت عدن 
قاعدة التجنيد العام. 1 1 


الإدارة العرفية : 
في اليوم الثاني عشر من رمضان الجاري أعلنت العسكرية الإدارة 


- 436 - 


التكاليف الحربية وحجز أموال التجار : 

في هذا الشهر بدأت الحكومة بأمر العسكرية تأخذ الأموال من التجار 
باسم التكاليف الحربية بالقيمة التي تقدرها لجنة سميت «لجذة المبايعة» . 
وهي بعد أن تقدر للبضاعة المأخوذة قيمة وتأخذ البضاعة تسلم صاحبها 
مضبطة بالقيمة على أن تدفعها له بعد مدة غير معلومة. 


تطواف الضباط العسكريين في الخانات : 

في شوال هذه السنة بدأ الضباط العسكريون يطوفون خانات الغلات 
وخانات البضائع التجارية » ويكتبون كل ما عند بائع غلّة أو بضاعة 
تجارية » ويأمرونه بالإمساك عن بيع غلته وبضاعته حتى يصدر له الإذن 

كيف بدأت هذه الحرب : 

ذكرنا قبلا في الكلام على السبب الثانوي لقيام هذه الحرب كيف 
كان بدء الدخول إلى ميدانها والشروع بإشعال نيرانها. ونقول هنا : إن 
إيمبراطور ألمانيا لما بدأآأت الحرب على هذه الصفة اهتم بأمرها اهتماما 
على صفة سلميّة » فأكثر في ذلك المخابرة مع إيمراطوري إنكلترا وروسية 
ورئيس جمهورية فرنسة والتمس منهم أن يسعوا بوقف هذا البلاء » ويحلوا 
عقدة الخلاف بين الحكومتين على طريقة سلمية ووعدهم بذل ما في وسعه 
لفض هذه الحادثة على صفة حبيّة. فلم يصغوا له ولا سمعوا صراخه وكان 
كل من دولتي روسية وفرنسة قد أعلن النفير العام وحشد الجيوش على 
حدود الإيمبراطورية الألمانية فاضطر حينئذ الإيمبراطور غليوم أن يصدر 
أمره إلى جيوشه بأن تكون على قدم الاستعداد منتظرة أول إشارة تصدر 
منه. 

أول تحرش بألمانيا : 

وفي اليوم الثاني من آب الغربي سنة 1914 م طار قسم من الطيارات 
الفرنسية إلى البلاد الألمانية مجتازة إليها من أراضي الفلمنك والبلجيك 
المتظاهرين بالحياد » فألقت هذه 


3 


الطيارات قنابلها على بلاد ألمانية غير محصنة » فقابلتها الجيوش الألمانية 
بالمثل واجتازت طياراتها حدود بلجيكا إلى فرنسة » وكانت ألمانيا طلبت 
من هذه الدولة أن تسمح لها بإمرار جيوشها من بلادها إلى جهة فرنسة 
وتعهدت لها بتعويض كل ضرر يصيبها » فلم تجبها على طلبها. وكانت 
ألمانيا قد تأكد لديها أن دولة بلجيكا متفقة في الباطن مع فرنسة وإنكلترة وأن 
تظاهرها بالحياد خدعة » ولهذا لم تلتفت ألمانيا إلى امتناع بلجيكا عن إجابة 
طلبها بل اعتبرتها دولة من جملة دول الاتفاق » وأمرت أسطولها الطيار 
بأن يجتاز حدودها إلى فرنسة بمقابلة اجتياز طيارات فرنسة إلى حدود 
الألمان 

ن. 


إعلان روسية وإنكلترة واليابان الحرب على ألمانيا : 

وفي اليوء الال مرق اب الحاري اغلفكورسيا الحري علس الالماة 
وزحفت جيوشها على حدودهم. ثم في السابع من هذا الشهر أعلنت إنكلترا 
الحرب عليهم بحجة أنهم خرقوا حياد بلجيكا ولم يحترموا العهود . وتلت 
دولة إنكلئرة دولة الكابان فأعلفت الخرت عليهم. 


توغل جيوش روسية في أراضي ألمانيا وطردهم منها : 

وكانت جيوش روسية قد زحفت على حدود بلاد الألمان - كما قلنا - 
وتوغلت في أراضيها من الجهة الشمالية أي من جهة بروسية » واقتربت 
من برلين حدى أصبحت منها على بعد ستين كيلومترا. وعندها تأكد 
الإيمبراطور غليوم أن هذا الأمر مما دبّر بليل واضطره الجزع على ملكه 
إلى تجريد جيوشه تحت قيادة هندنبورغ القائد الشهير وسوقها إلى جهات 
روسية ليطردوا جيوشها عن بلاد الألمان » فكان النصر حليفهم لأنهم لم 
يلبثوا غير قليل حتى طردوا الروس من بلادهم. 


إعلان إنكلترا وفرنسة وروسية على تركيا الحرب » وإعلان تركيا 


اتفاقها 
مع ألمانيا والنمسا وبلغاريا , ثم إعلانها الحرب على روسية 
وإنكلترا وفرنسة : 


بعد أن أعلنت إنكلترا الحرب على ألمانيا بدأ أسطول إنكلترا يتجول 
في البحر المتوسط ء وكانت الدارعتان الألمانيتان (جوين) و (برسلاو) قد 
خرجتا لهذا البحر للاستكشاف » فبصر بهما أسطول إنكلترة المتجول وجعل 
يطاردهما فلجأتا إلى الدردنيل ودخلتا فيه. وأحس بذلك سفراء الأجانب 
وأغاظهم هذا الحال ؛» وسألوا الصدر الأعظم عن رضائه 


- 438 - 


يدخول يغاتين الدازعتين بن الى اللذر نيار هه ميا حاتي وقوت تركها 
تسلّمناهما الآن. 

ثم إن تركيا سمّت إحداهما (ياوس) والأخرى (مديلى) وعلى أثر 
دخولهما أقفلت المضايق. 


إعلان تركيا الحرب على الدول الثلاث : 

ثم إن الأسطول الروسي هاجم الأسطول العثماني » فاضطر الأخير 
أن يطلق نيرانه على أودسا سباستبول وبعض موانئ أخرى » وذلك في عيد 
الأضحى من هذه السنة (1232). وفي ذلك الأثناء أعلنت روسية أولا » ثم 
فرنسة ثم إنكلترا » الحرب على الحكومة العثمانية. وقد اقترحت تركيا عمل 
تحقيق مشترك لمعرفة أي الأسطولين كان البادئ بالعدوان؟ فأبت روسية 
ذلك » فاضطرت تركيا أن تعتبر نفسها في حال الحرب مع الحكومات 
المذكورة. غير أن بعض وزراء الدولة العثمانية صرح بأنه يكره الحرب 
ولايرضى به 22 . فاستعفى من وظيفته. إلا أن الأكثرية الساحقة كانت 
تقول بالحرب » ومن هذه الأكثرية أعضاء مجلس النواب المعروف بمجلس 
المبعوثان وحينئذ أعلنت تركيا اتفاقها مع ألمانية والنمسا وبلغاريا وكانت 
وفعت على عهدة الاتفاق مع تلك الدول في بدء الحرب غير أنها كتمت هذا 
الأمر وتظاهرت بوقوفها موقف الحياد ريثما تتمكن من تعبئة جيوشها. إلى 
أن كانت تهادقة الأسظول الزوسئ :و أغلفت دول الاتفتاق الصري علبيدا 
أعلنت هي أيضا اتفاقها مع حلفائها أولا ثم أعلنت الحرب على دول الاتفاق. 

وكان من أعظم الأسباب التي دعت تركيا لإعلان الحرب على إنكلترا 
مصادرة الثانية مدرعتي (السلطان عثمان) و (رشادية) اللتين أوصت تركيا 
بعملهما بعض معامل إنكلترا » فإنهما بعد أن انتهى عملهما ودفعت تركيا 
آخر قسط من ثمنهما وتقدمت لاستلامهما أعلنتها إنكلترة بأنها قد 
صادرتهما. 


(1) كلمة «الحرب» مؤنثة. ويجوز تذكيرها على معنى «القتال». 


- 439 - 


إعلان إنكلترة استقلالها بمصر : 
في أواخر هذه السنة أعلنت تركيا | ستقلالها بمصر » وعينت لها 
كديويا فكامة حبين: كاقل باقنا: 


منع الحكومة إخراج الذهب : 

وفي أواخر هذه السنة أيضا منعت الحكومة العثمانية إخراج الذهب 
من ممالكها » وأعلنت أن المسافرين الذين يوجد معهم ذهب أو نقود ذهبية 
يؤخذ مما يوجد معهم الزائد عن عششرة دنانير ويعطون بما أخذ منهم 
مضبطة يدفع بدلها إليهم بعد انتهاء الحرب. 


440 - 


سنة 1333 ه 


فتوى شيخ الإسلام في النفير العام : 

في محرّم هذه السنة أصدر شيخ الإسلام فتوى شرعية في وجوب 
النفير العام » وصرح فيها بأآن كل مسلم قادر على حمل السلاح عليه أن 
يكون مجاهدا. وقد جرى لتلاوة هذه الفتوى في حلب اجتماع حافل في 
المكاب ال عدي الكاار في هك امراب ٠‏ واتركه تراه المنوا مكو الخطية 


نوم جمال باش إلى حلب : 
اك او ل بر ل فبقى في تحني 
يومين ثم توجه على القطار إلى دمشق. 

أمر جمال باشا جلال بك والي حلب بحمل الناس على 


العمل في طريق المركبات : 

ولما كان جمال باشا في حلب أصدر أمره إلى جلال بك والي حلب 
بأن يحمل الناس طوعا أو كرها على العمل بإصلاح طريق المركبات في 
جهة «راجو» ليشتغلوا كعملة في طريق سكة حديد بغداد. فأرهق الوالي 
الناس وأزعجهم بالسفر إلى تلك الجهة حتى إن الكثيرين منهم من أيقظوه 
من فراشه ليلا وساقوه إلى جهة راجو دون غطاء ولا وطاء ©. فمنهم من 
سار مشيا على قدميه ومنهم من أمكنه أن يركب دابة وكانوا زهاء ألف 
إنسان. 


(1) الوطاء : ما يفترش أو يوضع تحت الإنسان وغيره. (ضد الغطاء). 


441 - 


ولما وصلوا إلى راجو لم يروا فيها مأوى يأوون إليه ولا شيئا يقتاتون 
نقوي اذا كالمعول والنسكاء مكار نهنا رو حدو | فاك عدن هيدان 
عسكريين فلما رأوا تلك الجموع مقبلة عليهم بادروهم بالسبّ والشتم وقالوا 
أن يرجع إلى حلب فليرجع ومن شاء فليبق هنا حتى يموت. فعادوا إلى 
ووخامة الهواء. وعدت هذه القضية أول فلتة من فلتات جمال باشا وأول 
سبب موجب لنفرة القلوب منه. 


وفود استقبال العلم النبوي الشريف : 

في هذا الشهر (محرّم) 1333 أوفدت كل من حكومة حلب وبيروت 
وطرابلس الشام وحمص وحماة ‏ وغيرهما من حكومات البلاد السورية ‏ 
وفودا إلى دمشق الشام لاستقبال العلم النبوي الشريف المحمول إليها من 
المدينة المنورة إيذانا بالنفير العام وإثارة لحمية الإسلام. وكنت من جملة 
وفد حلب مع رفقائي الآخرين وهم : مفتي حلب الشيخ محمد العبيسي » 
والسادة النبلاء الشيخ محمد رضا بن الشيخ محمد وفا الرفاعي » وعارف 
بك ابن عت بك قطار اغاسي » وأحمد بك بن حسين باشا المدرس » 
وعاكف بك بن نافع باشا الجابري وفؤاد بك بن زكي باشا المدرس وفؤاد 
بك بن أحمد بك العادلي. 

وبعد أن وصلنا إلى دمشق الشام بقينا فيها ننتظر قدوم العلم الشريف 
أحد عشر يوما. ثم في ضحوة اليوم الثاني عشر من قدومنا أرسلت إلينا 
القيادة العليا بأن نتوجه إلى جهة «محطة القدم» لأن العلم سبيحضر في ذلك 
الوقت. فتوجهنا إلى المحطة المذكورة وقد أعدت هناك للوفود مضارب 
لأجل الانتظار » فجلسنا في الخيام ننتظر وصول القطار. وما كاد يستقر بنا 
المجلس حتى قدم علينا رسول من قبل جمال باشا القائد العام يطلب أحد 
رفقائنا مفتي حلب , فأسرع المفتي الإجابة » ولما قابله القائد قال له ما معناه 
: إن وفود البلاد كثيرة وإن إعطاء الرخصة بالخطبة لكل فرد أمر يطول 
شرحه ولا يسعه الوقت ». ولذا تقرر ألا يخطب أحد حين مجيء العلم : 


(1) الذرب : مرض يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام » ويفسد فيها ولا تمسكه. وعرى 
المرض فلانا يعريه » وعراه يعروه أيضا : غشيه والمّ به. 


442 - 


واحد منكم والثالث الأستاذ الشيخ أسعد شقير » فانتخبوا واحدا من وفدكم 
الحلبي يخطب بالنيابة عنكم وعن بقية وفود البلاد. 

ولما عاد المفتي إلى حلقة وفدنا الحلبي أخبرنا بما أوحى إليه القائد 
العام » فقال لي رفقائي بلسان واحد : قد اخترناك أن تكون أنت ذلك 
الخطيب . فشقّ علي هذا الأمر لأنني لم أمرن على الخطبة » سيما في مثل 
ذلك الجمع العظيم الذي يضم إليه المنين من علماء سوريا وأدبائها 
وشعرائها ومحرري صحفها. وبينما أنا أتنصل من القيام بهذه الوظيفة إذا 
بصفير القطار المعلن بوصوله إلى المحطة »؛ فما كان إلا أن هرعت إلى 
جهته تلك الجموع التي لا تقل عن مئة ألف نسمة » وبدأت العسكرية 
بإطلاق المدافع لتحية العلم » وضج الناس بالتهليل والتكبير إعظاما 
واحتراما للعلم » فكنت لا تسمع سوى دويّ المدافع وصدى أصوات 
المهللين بكلمة «الله أكبر» كأنه الرعد القاصف. وكان قد تقدم القائد العام 
جمال باشا ووالي ولاية دمشق نحو حافلة القطار واعتنقا العلم الشريف 
وسارا به نحو الموقف الذي أعد لإلقاء الخطب فتبعتهم الجموع تموج موج 
البحر في يوم عاصف فاختلط الناس ببعضهم وأضعت رفقائي. 

وبينما أنا أبحث عنهم إذ وقع نظر أحدهم علي فأقبل يعدو نحوي وقال 
: إن خطيب دمشق على وشك الانتهاء من خطبته وإن الناس يتشوقون 
إليك. ثم أخذني من يدي ومشى إلى الموقف فإذا هو عبارة عن مركبتين قد 
وقف في إحداهما مفتي السادة الشافعية في المدينة المنورة وهو يحمل العلم 
الشريف . والمركبة الثانية قد أعدت لوقوف الخطيب وقد تحلق الناس 
حولهما لسماع الخطب حلقا وهم يعدّون بعشرات الألوف. وما كدت أقف 
بضع دقائق حتى انتهى خطيب دمشق من خطبيه ونزل من المركبة . 
والتفتت العيون نحوي فصعدت إليها وفؤادي يخفق هيبة وجلالا » سيما وأنا 
ممن لم يعتد على الوقوف في هكذا موقف رهيب » ولست على أهبة فيما 
أقوله بهذا الموضوع ؛ إذ لم يفسح لي من الزمن ما يسع تحبير ما أريد أن 
أقوله لآن تكليفي للخطبة كان قبل بضع دقائق. فصعدت المركبة ولما 
استوليت على ظهرها شعرت كأن هاتفا يهتف بي بما أحاول أن أقوله . 
فحييت العلم ببعض كلمات وذكرت ما كان من تأثير المجاهدين الذين 
ساروا تحت ظله » وما فتحوه من الأقطار والممالك ببركة روحانيته » وما 
عانوه من الأخطار والأهوال في سبيل حفظه 


- 443 - 


وصيانته. ثم أشرت إلى العلم وأنا أنشد أبياتا من هائية الأزري 1) وهي : 
علم تلحظ العوالم منه خير من حل أرضها وسماها 
هوظ]1 اله الذي لوأوته أهلوادي جهن لحمافا 
لق أعيسرات مين سلتعديل تسداة كرّّة النار لاستحالت مياهها 

ثم ختمت المقال بالثناء على حمية أهل دمشق وفرط غيرتهم الدينية 
وتعظيمهم الشعائر الإسلامية » وسخائهم في سبيل خدمة الدين وإعمار 
مسجد دمشق الذي أعيد إلى رونقه الأول بما بذلوه من الأموال الطائلة التي 
تعد بعشرات الألوف من الدنانير. 

وهكذا انتهيت من الخطبة ونزلت من المركبة » وصعد على الفور 
إليها الأستاذ الشيخ أسعد شقير » ففاه بخطبة مسهبة كلها درر وغرر » أتى 
فيها بالعجب العجاب مما لا يباريه به مبار ولا يلحق له في حلبة البيان 
بغبار. 


قتلى بالرصاص : 

وفي صفر هذه السنة قتل رميا بالرصاص بضعة أشخاص من الجنود 
الفارّين من الجندية » قتلوا فى البرية القريبة من الثكنة العس كرية المعروفة 
بالشيخ يبرق. هذه هي أول مرة جرى فيها القتل بالارصاص بعد عهد 
المرحوم إبراهيم باشا المصري الذي كان يعاقب الفارين من الجندية برميهم 
برصاص البنادق » وذلك حينما كان مستوليا على حلب وباقي البلاد من 
المملكة العثمانية في التاريخ الذي سبق بيانه في هذا الجزء. ‏ - 


خبر استيلاء الجيوش العثمانية على أردهان : 

وفي صفر هذه السنة ورد الخبر بالبرق العثماني بأن الجنود العثمانية 
استولوا على مدينة «أردهان» وكان الزمان شتاء والثلوج في تلك الجهات 
كثيرة والبرد فارس » وأن الجنود العثمانية قطعوا بالوصول إلى هذه المدينة 
مسافة طويلة كلها جبال ومضايق ؛ لأنهم تعسفوا ‏ بالوصول إلى أردهان - 
الطريق المؤدية إليها توا فسنلكوا مق أجل ذلك المسالك 


(1) هو كاظم بن محمد الأزري البغدادي » توفي سنة 1211 ه/ 1796 م. اشتهر بقصيدته 
الهائية تلك » وهي تزيد على ألف بيت » ومطلعها : «لمن الشمس في قباب قباها». 


444 - 


العنمون ةل هنف ستيو اللاك والسوة عه ارت اشاس روا 
وأربعين ألفا على رواية أخرى. 

ولما وصل خبر هذا الظفر إلى حلب خرج المنادي من قبل الحكومة 
ينادي بلزوم عمل مظاهرة فرح ومسرة » فاحتشد في ثاني يوم تجاه باب 
القلعة ألوف من الناس ومعهم الطبول والزمور » وخرجت تلامذة المكاتب 
تنشد الأزجال الحماسية وتعزف بالموسيقى » ثم سارت تلك الجموع إلى 
دار الحكومة ووقفوا صفوفا في ظاهرها وباطنها وألقيت عليهم خطب 
البشارة بهذا الفتح العظيم والتنويه بعظمة الدولة وفوزها وفشل الروس 
وخذلانهم. ثم بعد أيام شاع أن الروس استردوا هذه البلدة وقتلوا من الجنود 


فروغ الفحم الحجري واستعمال 


الفحم النباتي وقطع أشجار من البساتين : 

وفيها فرغت مدخرات الفحم الحجري الذي تتحرك بناره قطارات 
اليفك الحضيدية فاضتطرة الكية العكن نه أن تينقيهن عكه و الخطلب : 
وفتح لها مورد جديد للنهب والسلب لأنها جعلت تستورد الحطب اللازم لها 
على طريقة التضمين المعروفة بالالتزام » على أن يقدم الملتزم الحطب من 
الغابات القريبة من حلب إلى أقرب محطة إلى الغابة » سعر كل طن كذا 
مبلغ » فكان يقع في هذا الالتزام » من السرقة والمحاباة في الوثائق » وبدل 
الالتزام ما يكل عنه الوصف وقد استغنى بسببه كثير من الناس وجمع منه 
الضباط وأتباعهم ما لا يحصى من المال. وفيها بدأت العسكرية تقطع من 
بساتين حلب الأشجار التى لا تثمر كشجر الدّلب والصفصاف وغيرهما 
لتجعل خشبه آلة لعربات النقل وتقدم ما لا يصلح منه للآلة إلى مطابخ 
الجنود. 


متطوعة الدراويش المولوية : 

وفيها أقبل علينا من جهة قونية رهط من دراويش الطريقة المولوية . 
وقد تألفت منهم كتيبة عسكرية للتطوع في جهاد أعداء الدولة. 

وفود القدس : 

وفيها أوفد من حلب وغيرها من البلاد العثمانية العربية وفود للقدس 
قصد الاستطلاع 


445 - 


على قوة الجيوش العثمانية وحسن:انتظامها. 


فرع من سكة الحجاز إلى الترعة : 
وفيها بوشر بمد فرع من خط سكة حديد الحجاز يمتد إلى جهة 
الترعة. 


إنهاء جسر جرابلس : 

وفيها تم إنشاء جسر جرابلس الذي طوله ثمانمائة واثنا عشر متراء 
وعرضه خمسة أمتار ونصف . وقناطره عشرة مسافة كل قنطرة ثمانين )١‏ 
مترا وثقلها ثلاثمائة ألف كيلو. وقدرت نفقاته بثلاثمائة ألف ليرا. وهو حقيق 
أن يعد من المباني العجيبة. 

وفيها ولي حلب بكر سامي بك وبعد أشهر انفصل عن ولايتها وعين 
بدله مصطفى عبد الخالق بك. 


وصول الورق النقدي إلى حلب : 

وفيها وصل إلى حلب الورق النقدي العثماني المعروف باسم بنكينوط 
امشكانة هده الذرك حي فده الكد ع يكل التقوة ‏ المحانية | سوه ليقي ارم 
المتحاربة. وقد أقبل الناس على تداوله بأسعاره المرسومة فيه ورغبوا به 
أكثر من رغبتهم بالنقود الذهبية والفضية التي كانوا يستصعبون تداولها 
لنقصها وشويه الضيارفة إياها بالثقبب وسوقة شبيء فنهنا بواسطة الحك 
ووضعها بالكذاب ©. أما الورق النقدي فهو خال عن جميع هذه العيوب 
ولذا أقبل الثانى علئ: استتعباله فتال زواحنا عظيما. 


إعانة الكسوة الشتوية : 

وفي شتاء هذه السنة جمعت الحكومة من الرعية إعانة نقدية باسدم 
الكسوة الشتوية للعساكر. واستمرت تجمع هذه الإعانة في شتاء كل سنة من 
سني الحرب. 


(1) كذا » والصواب : «ثمانون». 
(2) الكذاب : ماء الفضة. والكلمة أعجمية الأصل » من الدخيل. 


- 446 - 


مهاجرو 2 مكة : 
وفيها وصل إلى حلب جماعة من أهل مكة المكرمة مهاجرين منها 
فرارا من الجوع. 


قانون تأجيل الديون : 

وفيها نشرت الحكومة في الصحف الإخبارية قانونا سمّته قانون 
تأجيل الديون » يقضي بتأخير وفاء الدين إذا كان قبل الحرب ». سواء كان 
الدين للمصارف والتجار أم كان لغيرهما. 


تعرض إنكلترا للبصرة وتقسيم جيوش تركيا : 

وفيها بدأت دولة إنكلترا بالتعرض إلى البصرة ؛ فاضطرت الدولة 
العثمانية أن تجهز لجهة العراق جيشا علاوة على باقي جيوشها في غير 
هذه الجهة. والخلاصة أن تركيا اضطرت في هذه الحرب أن تقسم جيوشها 
إلى سبع جبهات : الأولى جبهة فلسطين. الثانية جبهة جناق قلعة الثالثة 
جبهة العراق. الرابعة جبهة العجم. الخامسة جبهة قفقاسيا. السادسة جبهة 
اليمن. السابعة جبهة الحجاز. هذا كله عدا القطعات العسكرية التى بعثتها 
إلى جهة النمسا والبلغار لمعاونتهما على أعدائهما. ْ 

إعلان الحكومة إلغاء الامتيازات الأجنبية : 

وفتى مده إلدة ايكدا اعاندك التكرية فى حرق ونيا ا 
الامتيازات الأجنبية المعروفة باسم (كابيتولاسيون) التي كان بعض الملوك 
العثمانيين خصها بالأجانب » وذلك كوجود ترجمان أو مراقب من الأجانب 
في محاكمة أجنبي مع عثماني في مسألة حقوقية أو جزائية » وكعدم جواز 

حبس أجنبي بمحبس عثماني إذا وجب عليه الحبس »بل يحبس في محبس 
قنصله نو كفقه: ركز انا الأحدي علي أكذ رخصية قينا بريد قم اطده من السياة 
التي تحتاج إلى أخذ رخصة من الحكومة العثمانية بحسب قوانينها » كبيع 
المسكرات وفتح المعامل » وكعدم أخذ رسوم كمركية العثمانية بحسب 
قوانينها » كبيع المسكرات وفتح المعامل » وكعدم أخذ رسوم كمركية على 
ما يحضره القنصل لنفسه من البلاد العثمانية خاصة بنفسه » وكعدم منع 
الأجانب من إقامة بريد على حدته يحمل كتبهم وكتب من أحبّ من 
العثمانيين أن تحمل كتبه فيه. إلى غير ذلك من الامتيازات التي كانت كثيرا 
نكت كه كرو ا 


(1) في الأصل : «مهاجري» فصحّحناها. 


447 - 


في سبيل تنفيذ أحكام القوانين العثمانية وتجحف بحقوق تبعتها. 

ومن أراد الاطلاع على صنوف هذه الامتيازات وأسبابها وتاريخ 
تخصيصها بالأجانب فليراجع ما كتبه فيها وطنيّنا الحلبي الكاتب البارع 
جميل بك النيال في كتاب ألفه باللغة التركية سماه «حقوق الدل» يستوعب 
ستمائة صحيفة فرغ من تأليفه سنة 1326. 


وفود للقدس : 

وفيها أوفد من حلب وغيرها وفود للقدس الشريف لحضور حفلة 
افقاك الكية القع سيك :إلى المرركو :السلطاق مااع الذين مر ااطتلدع 
على قوات الدولة العثمانية هناك وانتظام أحوال جيوشها. 


وصول جنود الألمان إلى حلب : 

وفيها بدأت جنود الألمان تصل إلى حلب ومنها إلى دمشق » ومعهم 
من الأثقال والمهمات الحربية مالا يكاد يحصى » وكانوا ينزلون في حلب 
و ا ته ال ا لي 
ا ا لم ل رك 
وكان المتأمل في جذهم وحركاتهم وعددهم وكثرة مهماتهم لا يشك ولا 
يرتاب بأنهم لم يحضروا إلى هذه البلاد إلا بقصد الاستيلاء والاستعمار لا 
بقصد المعاونة لحكامها الأتراك على أعدائهم. 

إجلاء أمة الأرمن عن أوطانهم : 

ْ قال جمال باشا في مذكراته ما خلاصته : إنه يعتقد اعتقادا جازما أن 

الأرمن كانوا قد دبروا ثورة من شأنها تعريض مؤخرة الجيش التركي في 
القوقاز لأشد الأخطار لو وقعت » 


)1) أي الأسلاك, والكلمة من عامية حلب . مفردها «تيل» » وسبق استعمال المؤلف للمفرد 
في حوادث سنة 1278 ه. 


448 - 


بل ربما أدت في ظروف خاصة إلى إبادته عن بكرة أبيه. ولذا اضطر 
الاتحاديون إلى نقل الشعب الأرمني بأسره إلى جهة أخرى بحيث يؤمن 
شره من أن يعرّضوا المملكة العثمانية للمحن والخطوب الفوادح ويجلبوا 
عليها الطامة الكبرى ٠‏ فيكون احتلال روسية لآسيا الصغرى بأسرها أول 
رزاياها. 

ثم قال : أما ما وقع من الحوادث في خلال نفيهم فينبغي أن يعزى إلى 
الأحقاد المتغلغلة في نفوس الأتراك والأكراد والأرمن في أثناء سبعين 
عاما . وتبعة ذلك إنما تقع على السياسة الروسية التي حولت الشعوب الثلاثة 
- التي عاشت القرون الطويلة معا في صفاء وهناء ‏ إلى أعداء ألذاء ولا 
ينكر أن الفظائع التي جرت على الأرمن أثناء نفيهم في سنة 1915 م / 
4 ه قد أثارت السخط الشديد » ولكن ما ارتكبه الأرمن في غضون 
ثورتهم على الأتراك والأكراد لا يقل عنها قسوة بل يفوقها فظاعة وغدرا. 
ثم قال : ولم يكن فرار الأتراك من ديار بكر ء من طريق حلب وأطنة إلى 
قونية » ومن أرضروم وأزرنجان إلى سيواس من وجوه الروس » والفظائع 
التي ارتكبها الأرمن ضدهم » بأقل سوءا ووحشية منه. 

ثم قال : فلنفرض جدلا أن الحكومة العثمانية نفت مليونا من الأرمن 
من ولايات الأناضول الشرقية وأن زهاء 600 ألف منهم ماتوا أو قتلوا في 
الطريق أو سقطوا ضحية الجوع والتعب » فقد قتل ما يربو على مليون 
ونصف من الأكراد والاتراك في ولايات طرابيزون وأرضروم ووان 
وبتليس » قتلوا على صورة تقشعرٌ منها الابدان بأيدي الأرمن عندما زحف 
الجيش الروسي على تلك الولايات. 1 

ثم إن جمال باشا استشهد على صحة ما قاله بتقريرين مفصلين 
مسهبين مقدمين من ضابطين روسيين ‏ ذكر اسمهما ‏ وقد أوضحا في 
تقريرهما حوادث الاعتداء التي ارتكبها الأرمن ضد الأهلين الأتراك في 
ولاية أرضروم وما جاورها » من مبدأ نشوب الثورة إلى أن استردت 
الجنود التركية قلعة أرضروم في 27 فبراير سنة 1918 م/ 1337 ه. 
انشهى هنا قصيدنا الن إيذا اده هن مذكر اك كمال باشنا 

أقول : في هذه السنة (1333) بدأت تركيا بإجلاء الأرمن عن 
أوطانهم فكانت جالياتهم تصل إلى حلب زمرة تلو زمرة » كل زمرة منها 
تعذ بعشرات الألوف. وقد أثرت 


449 - 


عليهم مشقات الطريق ولا سيما على فقرائهم الذين قطعوا المسافات الطويلة 
مشيا على الاقدام مدة شهرين وهم حفاة عراة » الأرض وطاؤهم والسماء 
غطاؤهم » لم يفلت منهم من مخالب الجوع والبرد إلا من قويت بنيته 
وأبطأت منيّته. وقد وصلوا إلى حلب كأشباح بلا أرواح » وكان أغنياؤهم 
ينزلون في البيوت ٠‏ وفقراؤهم في القياصر والازقة والشوارع حتى ملؤوا 
حلب وازدحمت بهم الجواد 00 

وكانت الحكومة تبقي منهم الجالية في حلب أياما قليلة وتفرق عليها 
أقراص الخبز ثم تزجيها إلى جهات حماة أو إلى نواحي الزور والجزيرة » 
بلاء حل بهم جناه سفهاؤهم على ضعفائهم. وكان عرب البادية يأخذون 
منهم الأيامى © واليتيمات » ويتخذون الفتيات منهن زوجات لهم ء 
والقاصرات خادمات وراعيات لمواشيهم » وكل واحدة منهن تدخل إلى 
مضاربهم يشمونها © بالزرقة في وجهها ويديها تزيينا لها وتحسينا حسب 
أذواقهم. وكانت قافلة الجاليات منهم كلما خف منها القطين 9 في حلب ياتي 


الجرب وحمّى القملة : 

وفشا في المدينة والقرى التي مروا منها في ولاية حلب داء الجرب » 
فأصبي يه الوق م الناين + امرض آخر شبماة الأطباء حمّى القملة أو 
حمى التجمع وربما سموه حمى التيفويد. وكان المصاب بهذا المرض 
يعتريه في أوائله شبه صداع وزكام مدة ثلاثة أيام » ثم تشتد به أعراض 
الحمى يوما أو يومين فيسود لسانه وشفتاه ويلعثم في كلامه » ثم يسكت ليلة 
أف اليانيت وتيمو كا ب« كام "حية الشوحدية لاددة الموافية علص المحضكاف نيذه 
العلة الوبيلة » فكانت متى أحست بوجود مريض بهذا الداء تأخذه إلى 
مستشفاه الخاص به فيبقى فيه إلى أن يصحّ 


(1) القياصر : يراد بها هنا بيوت صغيرة من القصب والأعواد المشبكة » وما إليها وقد 
يستعمل فيها الصفيح. والجواد : جمع جاذة. 

(2) النساء اللواتي لا أزواج لهن. 

(3) من الوشم. وفعله : وشم يشم. 

(4) أي القاطنون المقيمون. 


- 450 - 


أو يموت. وقد هلك بهذه الحمى من الحلبيين عدد غير قليل. أما من مات بها 
من الأرمن فهم كثيرون جدا وقد بلغت الوفيات منهم في اليوم الواحد في 
أقصى اشتداد هذا المرض زهاء مائة وعشرين نفسا. 

وما زال هذا المرض يفتك في الأرمن والحلبيين والعساكر العثمانيين 
وناقي: الأغر ان في كلب إلى النبنة الرذابفة من بيني هده الخرج + وكردد 

خفت وطأته فقلَ عدد المصابين به وقلّت وفياتهم » وكان أكثرهم يبرأ منه 
غير أن آثاره مازالت باقية في حلب إلى ما بعد انتهاء الحرب. على أن 
الأرمن بعد أن قل عددهم في حلب مدة سنة ‏ وهي السنة الثالثة من سني 
الحرب ‏ أعادت الحكومة في السنة الرابعة إلى حلب من كان منهم في 
جهات حماة والزور » فازدحمت بهم حلب مرة ثانية وقدر عددهم بعد 
دخول الدولة العربية إلى حلب بنحو ستين ألف نسمة. 

وفي أثناء وجود جالياتهم في حلب كان الحلبيون على اختلاف مللهم 
يعطفون عليهم ولا يقصّرون بالإحسان إليهم » وقد اتخذ من نسائهم بعض 
المسلمين زوجات شرعيات ». ومنهم من اتخذ منهن خادمات لم يمسّوا 
شرفهن » بل بعض المسلمين استخدموا صغارهن وعنوا بتربيتهن كما 

غلاء البضائع الأجنبية : 

وفي هذه السنة بدأت البضائع الأجنبية ترتفع أسعارها حتى ارتفع 
سعر البعض منها عشرة أضعاف عما كان عليه قبل هذه الحرب » وذلك 
كالسكّر والقهوة » وأنواع الحديد والقزدير » وجميع أنواع الأقمشة والغزل » 
والعقاقير الطبية والبترول والمسكرات. وكان سبب هذا الارتفاع انقطاع 
ورود هذه المواد من البلاد الأجنبية لوقوف الحركة التجارية في البحار. 
وقد تنبهت أفكار بعض التجار لهذا الأمر فاحتكروا من هذه البضائع شيئا 
كثيرا وباعوه أخيرا بثلاثين أو أربعين ضعفا من ثمنه الذي اشتروه به ؛ 
فكان ذلك سبب اعتنائهم. وكان حظ تجار حلب من هذه الأرباح أوفر جدا 
من حظوظ تجار باقي البلاد السورية وغيرها. وحكمة ذلك أن حلب كان 
يوجد فيها من هذه البضائع قبل هذه الحرب مالا يوجد في غيرها » كأنها 
كانت لهذه البضائع مستودعا تستمد منه سوريا والأناضول. 


- 451 - 


تصاعد أسعار الحبوب : 

وفي هذه السنة بدأت أسعار الحبوب تتصاعد في بعض الأقضية 
الغربية من ولاية حلب كأنطاكية وإسكندرونة وحارم ؛ لأن المواسم في تلك 
الجهات كانت غير جيدة في هذه السنة » وبيع رطل الحنطة في أنطاكية 
باثني عشر قرشا بدل ثلاثة قروش. 

حجز الغلات : 

وفيها وضعت الجهة العسكرية يدها على الغالات في خانات حلب 
ومنعت أصحابها من بيعها » فانقطع وارد الحبوب من القرى وغلت 
أسعارها وبدأ الفقير يحس بعضن أنياب الجوع. 


الجراد النجدي : 

وها وال لوم لاك مقن نويع وك لخر لاله يكرقا كل مدروفنا فتن 
هذه البلاد » وسماه الناس جرادا نجديا. وهو شيء كثير انتشرت جيوشه من 
أطراف الحجاز إلى أوائل بلاد الأناضول ؛ فعم ضرره بلاد دمشق 
وفلسطين وحلب وأذنة. وقال بعضهم : إنه وصل إلى أزمير. أتى هذا 
الجراد على جميع ما في حلب ونواحيها ومفاوزها من الأعناب والتين 
والزيتون والفواكه والقطن والسمسم والذرة وأنواع اليقطين والبطيخ . 
وافسن الانتجا كبو اعظها أنه كان ذكل ورنها د لبجة كل لحائها؟ 
فكانت الشجرة تسقط ثمرتها ثم تجفت وتصير حطبا. 
بلادنا. يغرس وينقف مرة في كل شهرين غير متأثر بالشتاء ولا بالصيف »2 
وهو يغرس في الأرض الصلبة والمفلوحة بين الزروع » بخلاف جراد 
بلادنا فإنه لا يغرس إلا بالأرض الصلبة ولا ينقف في السنة إلا مرة واحدة 
؛ يغرس في تموز وينقف في نيسان » ولا يأكل النباتات المرة. والجراد 
النجدي هذا يأكل كل نبات يمرّ به. وقد عدّت بليته هذه أول ضربة سماوية 
إذلا دخل في إيجادها للحرب العامة. 


- 452 - 


هدم الحكومة المنازل في جادة الستويقة : 

وفيها هدمت الحكومة الأماكن والمنازل التى على جانبى الجادة 
الآخذة من حمام الواساني في السويقة إلى منتهاها » تجاه الجادّة الآخذة إلى 
العقبة. وكان غرض الحكومة من ذلك توسيع هذه الجادة التي كانت ضيقة 
جدا مع أنها تعتبر من الجادات العمومية. 

قدوم أنور باشا إلى حلب : 

وفيها قدم إلى حلب أنور باشا » وجرى استقباله على صفة باهرة » 
وحضر لاستقباله من دمشق جمال باشا القائد العام » وأدبت لهما بلدية حلب 
مأدبة فاخرة أعدتها لهمافي المكتب السلطاني (2. وكان مع جمال باشا 
مفتي جيوشه وخطيبه المصقع الشيخ أسعد شقير » فتليت الخطب وأنشدت 
القصائد وقدمت البلدية إلى كل من أنور وجمال عباءة حريرة موشاة 
بالقصب الفضي » يستعمل نوع هذه العباءة نساء أكابر استانبول كالإزار 
ليلا. وكان تقديمهما عن يدي وقد سرًا منهما. وقدم أنور باشا للبلدية خمسين 
ذهبا عثمانيا وزعتها البلدية على فقراء حلب. 

وفود من بلاد العرب إلى استانبول : 

وفي ذي القعدة من هذه السنة » وهي سنة 1333 أوفدت الحكومة إلى 
استانبول ‏ من حلب وباقي البلاد الشامية العربية ‏ وفودا ليستطلعوا على 
خصنانة يدايق الخر دنيل الماكوة تحت حصياز أساطيل: إتكلقر | > و ليتحفقوا 
ما تجريه الدولة العثمانية في دفع هذا الحصار من الحزم والعزم » وما تعده 
من المهمات والقوات الحربية » وليظهر عظماء الدولة وكبار موظفيها 
إكرام أبناء العرب وحسن التفاتهم إليهم » نفيا لما كان شاع بواسطة سوء 
تدبير جمال باشا وغيره من جهلة الأتراك من أن الأتراك ينظرون إلى أبناء 
العرب بعين البغض والازدراء » الأمر الذي نفر عن الدولة قلب كل عربي. 
وقد دعيت لأن أكون من جملة هذا الوفد فاستقلت:خوفا من مشقة الطريق. 
وكانك النققة حلن هذه الوقوة مخ أموال الدورلة #«وكل :و احد هزه هذه الوفوة 


(1) هو اليوم «ثانوية المأمون». 


- 453 - 


وكانت الوفود فى استانبول محل حفاوة الوزراء وأعيان الدولة 
وأقيمت لهم المآدب الحافلة » ودعاهم السلطان محمد رشاد إلى مأدبته 
وأظهر لهم محبة العرب وحسن نيته بهم. ولم يبق محل من الأماكن التي 
الوفود » وأشخصوا إلى جهة «جناق قلعة» ليطلعوا على حقيقة الحال 
ويتبينوا قوة الدولة وحصانة المواقع. وقد ألقوا هناك الخطب وشكروا القائد 
والجنود ووعظوهم وحثوهم على الثبات » ونال بعض أفراد الوفود وساما 
وساعة ذهبية ثم عادوا إلى أوطانهم وكلهم ألسن تتلو آيات الثناء على الدولة 
العثمانية وحسن حفاوتها بأبناء العرب وعظيم اهتمامها في مصانع الأسلحة 
وشدة حزمها في حرب أساطيل الإنكليز. 


أخذ العسكرية أموال التجّار : 

وفيها اشتدت حملة الجهة العسكرية على التجار في حلب لأخذ 
البضائع منهم كالمنسوجات وغيرها ء تأخذها باسم التكاليف الحربية . 
البعض منها مصادرة بلا بدل ولا عوض » والبعض الآخر تأخذه بقيمة 
تعيّنها جمعية تسمى «لجنة المبايعة» وتعطي به وصلا. 


هبوط أسعار الورق النقدي : 

وفي آخر هذه السنة بدأت الأوراق النقدية تهبط عن قيمتها الموضوعة 
لها. وسبب ذلك أن إدارة الدخان المعروفة بإدارة الريجي أصبحت في يوم 
من الأيام معلنة باعة الدخان بأنها لا تقبل منهم ثمن الدخان إلا نقودا فضية 
أو ذهبية. فشاع هذا الخبر بين الناس وحصل منه الارتياب في عاقبة الورق 
النقدي فهبطت أسعاره عشرين في المائة. ثم لم يزل يه بط مرة ويصعد 
أخرى حتى هبط في آخر سني الحرب ثمانين في المائة. 


تكليف موظفي الحكومة التجار تبديل الورق بالنقود : 

ومما ساعد على هبوطه أيضا أن كثيرين من ولاة الأمور كانوا 
يكلفون التجار أن يبدلوا لهم الورق النقدي بالنقود الذهبية رأسا برأس » وهم 
يعتذرون عن عملهم هذا بقولهم نحن مضطرون لذلك لان العربان الذين 
نشتري منهم المواشي لا يفقهون حساب الورق ولا يقبلون أثمان مواشيهم 
إلا نقودا ذهبية. وهو اعتذار غير مقبول ؛ من وجهين : 

الأول : إذا كان قولهم هذا صحيحا فعلى الحكومة أن تدفع للعربان 


- 454 - 


ذهبية من مالها ؛ لأنها يوجد عندها مبالغ طائلة من هذه النقود فهي غير 
كدان إلى أن تكلف التجار تبذيل أوراقها بنقودهم الذهبية فبكون تكليفيا 
هذا سببا لخسارتهم وخسارة نفسها ؛ لأن فعلها هذا هو الذي جعل سعر 
الورق في الحضيض الأسفل وخفضه إلى سدس قيمته. 

الثاني : أن كثيرين من الضباط والمأمورين ‏ الذين لم يوكل إليهم 
شراء شيء من المواشي المذكورة ‏ هم الذين كانوا يكرهون التجار أيضا 
على تبديل الورق بالنقد » فهم لا شك لم يفعلوا ذلك إلا لحساب جيوبهم. على 
أن الإنصاف والعدل يوجبان على الحكومة إذا كانت مضطرة إلى النقود 
الذهبية أن تبدل الورق على سعره التجاري كما كان يفعل الألمان لا على 
سعره الأميري المحرر عليه 


إحسان الحكومة بالحبوب على خدمة العلم : 

وفي هذه السنة كثر تشكي الناس - الذين من جملتهم خدمة العلوم 
الدينية - من غلاء أسعار الحبوب » فأصدر جمال باشا أمره بأن يوزع على 
خدمة العلوم حنطة كما وزع على أمثالهم في دمشق ». فوزع على الفقير 
منهم ثلاثة شنابل مجانا » وعلى غيره مقدار مؤنته » قيمة كل شنبل ورقة 
ونصف. وكانت قيمة الشنبل في خانات حلب نحو مائتي قرش نقودا ذهبية » 
والورقة والنصف كانت قيمتها التجارية مائة وعشرين قرشا. فكان هذا 


استيلاء جيوش بريطانيا على البصرة : 
وفي هذه السنة تواردت الأخبار باستيلاء الجيوش البريطانية على 


مدينة البصرة » وأنهم تقدموا إلى جهة بغداد يطاردون الجيوش التركية 
بمعاونة عربان تلك البلاد. 


- 455 - 


سنة 1334 


تصاعد أسعار الحبوب : 


في هذه السنة ازداد تصاعد أسعار الحبوب ٠»‏ وبيع رطل الخبز بثلاثة 
عشر قرشا معدنية. 


عقد شركة إسهام لبيع الحبوب : 

ولما كان السعر آخذا بالصعود يوما فيوما ‏ حتى ربما بلغ حدا يتعذر 
ندا راك القرك على الفقرر ل عرد النفية السستكريدة تقسي عر أن القاقت 
العام حفال ناقنا أن يعفل حديين! ينامن بو ابيطةة خالة ققد القوت يسوب 
مطامع الزراع والمحتكرين » فدعا إليه ‏ وهو في دمشق ‏ جماعة من 
الحلبيين تجارا ومزارعين وكلفهم أن يعقدوا فيما بينهم شركة إسهام تقوم 
بجمع الحبوب وحصرها عندهم وبيعها للآهلين والجيوش عن يدهم. 
تشتريها هذه الشركة من ذويها بأسعار محدودة من قبل جمال باشا وتدفع 
ثمنها لهم ورقا نقديا على سعره الأميري » ثم تبيعها بورق نقدي كذلك بربح 
الأيزيد. عن عقتزة في المائة : تاهذ الشركة هذا المقدار:من الريع لقاء 
أتعابها ونفقاتها التي تصرفها في سبيل جمع الحبوب ونقلها وإحرازها 
وغير ذلك من النفقات. 

سن المد عزون مخ نب اها جك الكاييت و اكندر كنا عه مده 
شروط : منها أن يرخّص لهم بمصادرة الحب الذي يمتنع صاحبه عن 
تسليمه بالسعر المحدود أو يخفيه عنهم أو يهربه منهم. ومنها أن يمذهم 
بالقدر اللازم من العساكز لحفظ مستخدمبهم وإرهاب من يمتدع,عنهم في 
تسليم حبوبه. ومنها أن يعطيهم عددا كبيرا من الوثائق التي يستثنى حاملها 
من الجندية ليعطوا كل واحد من مستخدميهم في هذه القضية وثيقة يخلشص 
بواسطتها من تعرض الموكول إليهم إلقاء القبض على العساكر الفراريين. 
ومنها ان يصدر أمره إلى جهة العسكرية بألا تتعرض إلى خانات الحبوب 
أو إلى أحد من المزارعين في القرى والمنازل » بأخذ ما يوجد عندهم من 
الحبوب » بل للعسكرية أن تطلب الحبوب التي تعوزها من هذه 


- 456 - 


الشركة » وعلى الشركة أن تقدم لها كفايتها مهما أعوزها. ومنها أن يسلف 
جمال باشا هذه الشركة مقدارا كبيرا من الورق النقدي ليستعينوا به على 
مهمتهم ريثما ينتظم حال الشركة وتقرر قواعدها فيما بين أعضائها. ومنها 
أن يكون داخلا فى منطقة نفوذ هذه الشركة أربعة أقضية » وهى قضاء جبل 
سمعان والباب ومنبج وإدلب. إلى غير ذلك من الشروط التي قبل جمال باشا 
جميعها وتعهد للمدعؤين بإنفاذها. 
فعادوا المدعوون 7» من دمشق وهم فرحون ؛ لأنهم رأوا بمقتضى 
حسبانهم أنهم يربحون من شركتهم هذه أرباحا طائلة تعد بمئات الألوف من 
الليرات. ولما وصلوا إلى حلب شرعوا بتعيين المستخدمين وأعدوا مكانا 
في حلب يجتمعون فيه للمذاكرة في شؤون مهمتهم. فأول خلاف نجم بينهم 
تنازعهم على الرئاسة » فإن كل واحد منهم يريد أن يكون هو رئيس هذه 
الشركة. والخلاف الثاني في تقسيم الأسهم : زيد يريد عشرة أسهم » وخالد 
يريد عشرين » وبكر يريد أربعين. وهكذا قام النزاع بينهم حتى أفضى بين 
اشن عقيم الب المشاتمة و المخاصيكة :وفعت فحميتهما إلى التجاكم ند 
تداخل بعض عقلاء الشركة فصالحوهما مع بعضهما. وبعد أن مارسوا 
العمل بهذه الشركة أياما قليلة ونقلوا إلى بعض الخانات مقدارا من الحبوب 
وتزاحم الناس على شرائها بدأ يظهر لجماعة الشركة من ماجريات الأحوال 
أنهم عاجزون عن إتمام القيام بتعهدهم » غير قادرين على جمع القدر اللازم 
من الحبوب : (1) لأن أصحابها في القرى والمزارع قد أخفوا الحبوب عن 
العيون بأماكن لا يمكن لمستخدمي الشركة أن يهتدوا إليها. (2) لعدم قيام 
جمال باشا بتعهده الذي هو إمداده إياهم بالعدد اللازم من العساكر لأجل 
حماية مستخدميهم وتهديد من امتنع عن تسليم حبوبه. (3) لقلة الجمّالين 
والمكارية وغلاء أاجرة النقل. )4( لعدم مساعدة حكومات الآأقضية 
المذكووة مستككين الشركة على متحصيال الكيوي»» استحراحوا ومن عفد 
ذويها. بل بعض قائمي مقام هذه الأقضية كان يعاكس المستخدمين 
ويعارضهم بتشددهم على الزارعين. (5) لقيام جماعة من الزراع للتشكي 
على بعض مستخدمي الشركة وتذمرهم من ظلمهم وقلة إنصافهم ومعاملتهم 
الزراع بالضرب والشتم. (6) لأن الجهة العسكرية كانت تطالب الشركة 
بالقدر اللازم لها من الحبوب بكل شدة وصرامة » غير مصغية إلى شكواها 
من صعوبة جمع الحبوب ونقلها. (7) لإعطاء جماعة الشركة الوثائق التي 


(1) كذا في الأصل » والوجه إفراد الفعل : «فعاد المدعوّون». 


- 457 - 


من العسكرية بعض أفراد من أقربائهم وأنسبائهم دون أن يباشروا عملا من 
أعمال الشركة بل لمجرد تملّصهم من العسكرية وقد باعوا منها عددا كبيرا 
لجماعة من التجار بقيمة وافرة ليتملص آخذها من العسكرية ليس إلا. 

والخلاصة أن هذه الشتركة لم تلببث عيدو اليل تحتى ظهر السيكزية 
والشكرنة عجزها عن القياد يما يدت يه فاهملنا جانبها وشرعت 
العسكرية تجمع اللازم لها من الحبوب تارة بواسطة الحكومة وأخرى 
انان حرفي فكوا ووضف ذلك انطع حلى ككرت لي الكامات 
وتصاعدت أسعارها . لأنه كان متى حضر إلى خان من الخانات حبّ 
وضعت العسكرية يدها عليه وصادرته أو دفعت قيمته ورقا بالسعر الذي 
تحدده هي » فلا يبلغ ربع قيمته الحقيقية. وبعد أن مضى علي هذا العمل 
بضعة أشهر اضطر أصحاب خانات الحبوب إلى إغلاقها وقأّت الأقوات 
وصارت الحبوب تباع د بين البيوت أو خارج البلدة سرا بأسعار باهظة 
إشطر ضاكب الغيل إلى | ممتترهها حك يهان إذ لا ووجدين عه 
مؤنته بأقل منها. 

فك الحصار عن الدردنيل : 

رقن كانس يوم من وهم الأول دمن تناه الكقةاء المواقى خاشر هيانا: 
سنة 1915 م أقلعت أساطيل الإنكليز عن حصار الدردنيل » فقامت الأفراح 
والمسرات في البلاد العثمانية وعد الإقلاع عنها فوزا عظيما للعثمانيين. 

قدوم أنور باشا إلى حلب وتعليق الستار على المرقد الشريف : 

وفيها حضر إلى حلب أنور باشا من استانبول » وحضر جمال باشا 
من دمشق لاستقباله » ونزل أنور باشا إلى الجامع الكبير وعلّق بيده على 
حجرة الضريح ستارا مزركشا نفيسا. 

توزيع البذر والنقود على الزراع : 

وفيها وزعت الحكومة على المزارعين حبا للبذر لأن أكثر حبوبهم قد 


أخذته العسكرية باسم المبايعة » فأصبح الكثيرون منهم لا يوجد عنده شيء 
من الهب يقتات يدا فيلا عما 


- 458 - 


يحتاج إليه حقله من البذر » ووزعت على محاويج ج الزراع شيئا من النقود 
ليشتروا به دوابا 2 » لأن العسكرية أخذت دوابهم باسم المبايعة أيضا » ولم 
تبق لهم منها غير الضعيف الذي لا يصلح للعمل » على أن ما وزعته © 
عليهم من الحبوب والنقود تستوفيه منهم في الموسم التالي. 

مكتب المعلمات : 

وفيها اشترت العسكرية دار البلدية الكائنة في الجميلية » التي كانت 
معذة لسكنى الولاة » وجعلتها مكتبا للمعلمات سمته «مكتب سليمان الحلبي» 
تنويها بذكر هذا الرجل الذي كان خلاص مصر وعودها إلى الدولة 
العثمانية بواسطته على ما حكيناه في ترجمته. وكان الساعي بإيجاد هذا 
المكتب جمال باشا » والمساعد له في الحصول عليه والي حلب مصطفى 
عبد الخالق بك وقد قال لجمال باشا إن هذه الداز عظيمة كثيرة الغرف 
والمقاصير التي تزيد على حاجة الولاة » فيبقي يي الزائد منها فارغا غير منتفع 
به » وإن كثيرا من الولاة القليلي الإنصاف يستأجرونها من البلدية بخمس 
أجرتها بحيث لا يفي ما يدفعونه منها بما تنفقه البلدية على فرشها ومرمتها. 
وكانت قيمة الدار التي دفعتها الجهة العسكرية للبلدية نحو سبعة آلاف ورقة 
نقدية عنها نحو 350 ألف قرش ؛ القرش جزء من الذهب العثماني المقدر 
ب 127 جزءعا. ولما كانت هذه القيمة دون قيمتها الحقيقية فقد تنازلت الجهة 
العسكرية للبلدية - علاوة على تلك القيمة - عن عرصة المقبرة الصغيرة 
الكائنة في جنوبي بستان إبراهيم آغا. وكان جمال باشا أمر بإبطالها ونسف 
ما فيها من القبور فعادت قاعا صفصفا. 


تشدد العسكرية بالوثائق : 

فيها تشددت الجهة العسكرية في قضية الوثائق التي تخلّص حاملها 
مز تند امرك كلمن كان بعاواجدة دان ركو * شخصه صورثين »؛ 
لفخل لوقاف :اسبو هنا التشدد اطلاع الحهة الغسكرية 


(1) الصواب «دوابٌ» وهو اسم ممنوع من التنوين. 
(2) في الأصل : «ما وزعتهم» والسياق يقتضي ما صححناه. 


- 459 - 


على عدة وثائق مزورة اخترعها بعض الناس وباعها من المكلفين للجندية 
للتخلص منها. وقد ظفرت العسكرية ببعض مزوري تلك الوثائق فنكلت به 
وصادرت ما كان عنده من الأموال وزجته فى أعماق السجن. 


استيلاء الجيوش البريطانية على قود الإمارة : 

وفيها استولت الجيوش البريطانية على قود الإمارة بين البصرة 
وبغداد واضطر قائد الجيوش التركية إلى الانتحار بعد أن أصيب بجراحات 
خطيرة. ثم أمدت الجيوش التركية واستردت البلدة المذكورة وأسرت قائدا 
كبيرا من قواد الإنكليز يقال له (طاوسند). ثم دارت الدائرة على الجيوش 
التركية فكسروا وعادت البلدة إلى استيلاء الجيش البريطاني. 


إسعاف الفقراء بالحبوب والخبز : 

وفيها كثرت شكوى الفقراء من قلة الخبز والحب وغلاء أسعارهما. 
فأصغى والي حلب مصطفى عبد الخالق بك إلى شكواهم واهتم بتخفيف 
ويلاتهم فاشترى من الجهة العسكرية مقدارا عظيما من الحب ودفع لها ثمنه 
من أموال صندوق البلدية وسلّم البلدية حوالات بتلك الحبوب على الجهة 
العسكرية » فاستلمت البلدية الحب شيئا فشيئا وأودعته فى أهراء 7) خاصة. 
ثم أخذت من كل محلة من محلات حلب دفترا حرر فيه أسماء المعوزين 
منها » كل أسرة على حدتها » وأعطت رئيس الأسرة وثيقة بمقدار محدود 
من الحب وأخذت منه قيمته ورقا نقديا على معدل السعر المقطوع » وأحالته 
على أمين الأهراء التي أودع فيها الحب ليأخذ قسطه منه » واستثنت من 
أهل المحلات من كان عسكريا أو مستخدما فلم تعطهما وثيقة ؛ لأنهما 
يأخذان ما يلزمهما من الحبوب وغيرها من جهة دائرته الرسمية. 

وصارت البلدية تأخذ كل يوم مقدارا من هذا الحب وتطحنه وتفرقه 
على الأفران لتبيعه خبزا لفقراء المحلات الداخلة في منطقتها بالسعر 
المقطوع . وهو سبعة قروش ورقا نقديا عن كل رطل عنها 4 قروش 
معدنية تقريبا. استمر هذا العمل مدة خمسة أشهر ء ثم نفد الحب الذي 
ادخرته البلدية وامتنعت العسكرية عن بيعه لها » فانقطع بيع البلدية الحب 
والخبز وعاد الحال إلى شدته الأولى وصعد سعر شنبل الحب إلى ثلاثمائة 
قرش ذهبا. 


(1) الأهراء : مفردها «الهري» وهو بيت كبير يجمع فيه القمح ونحوه. 


- 460 - 


حوادث الأرمن : 
في السنة السابقة وانتهت في هذه السنة (1334 2 رهي محرارة فى علدا 
مطبوع باللغة التركية عنوانه (فظائع الأرمن) قد فصلت فيه تلك الحوادث 
تفصيلا مسهبا » وصورت منها الوقائع المهمة الفظيعة بالفوطغراف. وهو 
كتاب كبير يستوعب ثلاثمائة صحيفة » نقلنا عنه جميع ما كتبناه في هذا 
الفصل سوى حوادث الأرمن في أنطاكية فقد أخذناها بالتلقي عن بعض 
ثقات من أهل تلك البلاد فنقول ٠‏ 


مشاغب الأرمن في أورفة : 

في خلال السنة السابقة شاع في حلب أن جماعة من طائفة الأرمن في 
مدينة أورفة شقوا عصا الطاعة » وجاهروا بعصيانهم بينما كانت الحكومة 
آمنة من غائلتهم لما تشاهدهم فيه من الغبطة والرخاء والحرية الشاملة في 
معايشهم ومعتقداتهم ومكاتبهم ومعابدهم » حتى إنها لثقتها بهم وفرط 
اطمئنانها منهم قررت أن يكون لواء أورفة محل إقامة من تجليه عن بلاده 
من الأرمن الذين ارتابت بصداقتهم وخشيت غائلتهم على جيوشها المتصدية 
لمحاربة الروس. ., ٍ ٠‏ 

يبلغ عدد طائفة الأرمن في أورفة نحو ثلاث عشرة () ألف نسمة. 
على أن هذه المنطقة الأرمنية لم تلبث بعد إعلان النفير العام سوى قليل من 
الأيام حتى تظاهرت بالانحراف عما كانت الحكومة تعهدها عليه من 
الوداعة والسكون » فأشهرت عداءها على الحكومة العثمانية أسوة ببقية 
إخوانها الأرمن القاطنين في جهات آسيا الصغرى وغيرها من البلاد 
العثمانية. وسبب ذلك حسبما ظهر من البحث والتدقيق ‏ إغراء المبشرين 
الأميركان وغيرهم من مبشري الدول الأجنبية » فإنهم بواسطة مكاتبهم 
يستخدمون الأمة الأرمنية كآلة صمّاء لبلوغ مآربهم. أضف إلى هذا وسوسة 
مرخص الأرمن في أورفة » الذي كان منفيا إلى طرابلس الغرب بعد حادثة 
الزيتون التي سبق ذكرها في حوادث سنة 1313 فإنه بعد أن أطلق سراحه 
وعاد إلى أورفة عاد إلى ديدنه الأول » فأخذ يلهج بحط مقام الدولة العثمانية 


- 461- 


والانتقاد على أعمالها والتحرش بباقي رعاياها المخلصين. 

وكان الأرمن في أورفة يتربصون بإعلان عصيانهم على الدولة قدوم 
جيوش الروس على جهاتهم » غير أن الحكومة العثمانية لما أمرت بتجنيد 
مواليد سنة 1310 اتخذ الأرمن هذه القضية ذريعة للتجاهر بالعصيان » 
فهبوا للتمرد وجمعوا عددا كبيرا من شبانهم في قرية كرموش التي تبعد عن 
أورانة تكافة سافة وتصقه هدك كوا المصكان. 

هذه القرية عظيمة فيها كنيسة كبيرة ومعبد للبروتستان ومغائر 
متعدكة.:ولمنا اتصسل كبر تمر د هم دالحكوينة انفنت الرشكلة من اللذرك مولفة 
من كلاقين شخضا + ففاجأها القصاة واطلاق الماز, فتكل:منها و اعد وحوح 
آخر. ومع ذلك فإن هذه الثلة هجمت عليهم وغنمت مقدارا كبيرا من السلاح 
«المتخائر و قبطت فل سس العدابوع متيو وتنا كانت الحدوق الملقاتت 
تبحث في نفق للتحري عن السلاح إذ وجدت فيه ثلاثة من غرباء الأرمن قد 
طالت شعورهم لطول مكثهم في هذا النفق. وفي الحال أطلقوا عياراتهم 
على الجنود فقتلوا منهم اثنين وجرحوا آخرين. ثم إن شرذمة من الأرمن 
تعرضت إلى كتيبة من الدرك على طريق «سيوه رك» فلم تفلح. ثم 
تعرضت إلى عملة يشتغلون في موضع يقال له «اق هيوك» (تل أبيض) 
فقتلت ضابطا وجرحت أربعة أفراد ومختار قرية. 

وبعد هذه الواقعة اختفى الأرمن في منازلهم واجتمع منهم شرذمة في 
دار أولاد الأطراقجي . وأخذت تطلق عياراتها. ثم قام الأرمن كلهم يرمون 
الرصاص ويهجمون على محلات المسلمين واستولوا منها على بعض دور 
حصينة وقتلوا عشرة من نساء تلك الدور. وفي ذلك الوقت نقس 7) جرس 
الكنيسة الكبرى بأن هبوا جميعا لإشهار العصيان » وكان ذلك بتدبير رجل 
اسمه (صوغومو) قسيس بروتستاني يدير دفة سياستهم » فنفروا للحرب 
جميعا وقد خيّط على كمّ كل واحد منهم رقعة فيها عنوان وظيفته. فهاجوا 
وَمَاجِوًا وقذقو امن أفواء يناتقيم نار ا حامية #بوكانت:القوة العسكرية غير 
كافية لكبحهم فدام تمردهم كذلك حتى وصلت إلى أورفة قوة عسكرية 
يقودها وكيل قائد الجيش الرابع > فأرسل إليهم سع.طائفة من نساتهم بيانا 
يقول لهم فيه : من كان منكم مطيعا للحكومة فليخرج من باب «صمصاد». 
فلم يصغوا إلى بيانه وثابروا على الامتناع وحينئذ صوّب 


(1) نفس الناقوس بالخشبة : ضربه بها. (متعد). ونقس الشيء : صوّت (لازم). 


- 462 - 


أفواه المدافع إلى جهة حصونهم فهدمها » واخترق الصف الأول من 
محلاتهم د شم دعاهم للانقياد والإذعان فلم يجيبوا واستمروا مجاهرين 
بالعصيان + فأعاد إطلاق المذافع عليهم » فما كان منهم إلا أن رفعوا خرقة 
بيطناء كتنب علوها يتلم عرريص كلمات بالثر كية معنا هنا .زرار قفو الخار: 
للمخابرة». فأسكتت المدافع وبعد نصف ساعة سلموا نحو ستمائة من 
نسائهم وأطفالهم. 

ثم في اليوم التالي عادوا إلى ما كانوا عليه من التمرد والفساد وهجموا 
على الجنود فقوبلوا بالمثل وانكسروا شرٌ كسرة » واستولت الجنود على 
الكنيسة ودار الايتام والاماكن التي اتخذوها حصونا لهم ونكلوا بالعصاة شر 
تنكيل. وهكذا انتهت هذه الحادثة » وكان عدد من قتل وجرح من مسلمي 
أورفة 42 شخصا ء ومن الدرك ثمانية وجرح أربعة وعشرون » ومن 
العمراكز وداننا مقي هناب و احد: 


حادثة الأرمن في الزيتون : 

لا ينكر ما لبعض رؤساء الأرمن وما لبعض الحكومات الأجنبية من 
الأيدي اللاعبة في عقول الأمة الأرمنية تهييجا لعصاباتهم على القيام في 
وجه تركيا أثناء اشتغالها في الحرب العامة » عرقلة لمساعيها ولاشغالها 
0 1 
يترون للسالة مالل وليب » تلق دخر عم فى لجل وخر جو على 
قافلة تسير على طريق «فرنس» فقتلوا أكثر أهلها ونهبوا أموالهم وقتلوا 
جماعة من الدرك في بعض القرى. وحينئذ اهتمت الحكومة بشأنهم فألقت 
الفبكي على 65 تبخصبا مديم. وبلغ الحكومة أن بانوس بن جافر - زعيم 
جمعية «خنجاق» ذ فى الزيتون قد عزم على كبس دار الحكومة وقتل 
المأمورين وكبس مستودع السلاح ونهب ما فيه وقطع أسلاك البرق. فأخفق 
سعيه 


فيد التمرضن إلى غيماك حوبينة قانمة على الريقون قله سل ذه 
العصابة أربها ؛ إنما خرجت بغتة على جماعة من الدرك فقتلت منهم ستة 


- 463 - 


وتعرضت إلى عسس () مرعش » وقتلت شابا مسلما من قرية بشانلي. 

وقامت عصابة أخرى تتعرض إلى دار حكومة الزيتون وثكنتها 
العيتكدية تفتلت أثنون مر كا متها و هددض: المامون يك واعتصيويت عضيان: 
أخرى في دير التكية ‏ وهو دير حصين - فقضذها سليمان افتدي البيكبائسي 
قائد الدرك بمن معه من الجنود » فق فقتلته وقتنلت معه خمسة وعشرين 
عد ذا جرح اريف لحري تحصن والقى الشظر على شري مسن مم 
اشر كيون السارلة وفدر ون مع كن المطائع روز تنه حر مله اللفودق. وألقي 
احبص على راح كر اا اسمه «ملقون» فك الى سحاد أن 
عار ع د 0 0 
جمعية خنجاق وجمعيات البلاد الأرمنية في لواء مرعش غير أن الجنود 
التركية ما زالت تجد في تتبعهم حتى ظفرت بهم واستولت على الكثير من 
اسلحتهة التى من يجملتها فنابل الديداميت و غيريها. 


حادثة الأرمن في السويدية 

بعد إعلان الحرب العامة بقليل من الأيام » بدأ الأرمن ‏ سكان جبل 
موسى في جهة السويدية من أعمال أنطاكية ‏ يظهرون العتوّ والتمرد على 
خصوص | أهل قرية كابوسية وقرية خضر بك وقرية حاجي حببلو » 
وغيرها من القرى الجبلية المنيعة التي يصعب السلوك إليها. وقد شوهد بين 
أرمن هذه الجهات عدد عظيم من أرمن العصابات الأرمنية المعروفة في 
جهات مرعش والزيتون. ولما علمت الحكومة ذلك أرادت إجلاءهم تأمينا 
تنقطع عن التردد إليه. 

وقد شعر الآرمن بعزم الحكومة على إجلائهم عن ديارهم فقاموا كلهم 
مغائرها وكهوفها من 
(1) العسس : الحرّاس في الليل. 
(2) الشعف : أعالي الجبال (وفي الأصل : بشغف ., بالغين » فصححناها). 


- 464 - 


الأقوات والمهمات » وصاروا يتعرضون ‏ حينما تسنح لهم الفرص - إلى 
سكان قرية السويدية والزيتونية والحسنية بالنهب والسلب. وعندها اهتمت 
الحكومة بشأنهم وأنفذت العساكر لكبحهم فقصدت أماكن اعتصامهم » وبعد 
أن قاومهم الأرمن مقاومة عنيفة وجرح من الجنود كثيرون تحقق الأرمن 
أنهم مأخوذون لا محالة » فتركوا معاقلهم وأسرعوا بالهرب ليلا إلى جهة 
البحر وكأنهم كان لهم مع المدرعة التي حملتهم ‏ إشارات خصوصية 
مصطلح )2 عليها فيما بينهم » فلم تشعر العساكر التركية التي تتعقبهم إلا 
ومدرعة ضخمة قد حضرت إلى ثغر السويدية » وصارت تطلق قنابلها 
على الجنود الذين اضطروا حينئذ للتغيب والتواري بين غابات السويدية 
ووراء آكامها. وفي ذلك الأثناء تقدم العصاة إلى جهة البحر تحت حماية 
قنابل المدرعة » وقد أعدت لهم الزوارق والقوارب فركبوها زمرة بعد 
زمرة » وكانوا نحو خمسمائة شخص. ثم أقلعت بهم المدرّعة وغابت عن 
العيون غير أن الجنود التركية ‏ رغما عن هذا كله ظفروا بعدد عظيم من 
المتمردين وسلموهم إلى إدارة سوق المهاجرين فأجلتهم إلى الجهات المعينة 
لهم. 

أحزاب الأرمن في حلب : 

قال في الكتاب المذكور : اجتمع في حلب عدد عظيم من جالية أرمن 
ا كال ل ادع اس سسا اي ديه 

تتزيا العصابات بالزي العثماني وتسير إلى جهات موش وبتليس » 
اه أنفاق خط سكة الحديد وتتعرض للقوافل وتغتال بعض 
كبار الموظفين من ملكيين وعسكريين » وتقتل ما تصادفه في طريقها من 
العساكر الذين رخص لهم بالذهاب إلى بلادهم لتبديل الهواء » ثم تلتحق تلك 
العصابات بجيوش الروس » على ألا تتظاهر بأعمالها إلا بعد خروجها عن 
حدود حلب ؛ كيلا يتضرر الأرمن في حلب. وقد نمي خبر هذه العصابت 
إلى الحكومة قبل شروعها بأعمالها » فظفرت الحكومة بالجمعية التي أأفت 
هذه الأحزاب وألقت القبض على سبعين شخصا كانوا يعاونون الجمعية 
ويمدونها بأموالهم وآرائهم » وسلمت الجميع إلى الإدارة العرفية » فظهر 

من اعترافهم والأوراق التي وجدت عندهم ما كتبناه عنهم في هذا الفصل. 


(1) في الأصل : «مصلح» فأثبتنا الصواب. 


- 465 - 


أحوال الأرمن في عينتاب وكلّز : 

قال في الكتاب المذكور : أحسّت الحكومة في عينتاب وكلّز أن 
الأرمن متهيئون لإظهار العصيان في أول فرصة تسنح لهم » وأنهم بدءوا 
يتأهبون لهذا القيام كما كان تأهب إخوانهم في حادثة أذنة قبلهم. وقد حضر 
إلى قريتي حبار وجنكن في قضاء كلّز نحو ثلاثين أرمنيا مسلحين من أهل 
الزيتون وجماعة من رؤساء عصابات كرون » ففتكت بهم الجنود التركية 
وفرٌ البعض منهم » وألقت الحكومة القبض على «أغوب قازار» ابن راهب 
كلّز » وهو رئيس فرع جمعية خنجاق ومرتب حركات العصيان في كلّز , 
فسلّم إلى الديوان العرفي وتشتت شمل هذه العصابة. 


الحملة على قناة السويس : 

في هذه السنة (1334 ه) ورد الخبر البرقي بأن جمال باشا أمر 
بتسيير حملة على مصر لتدخل إليها من جهة قناة السويس بعد أن تم مد 
فرع سكة حديدية من الخط الحجازي إلى بئر السبع. 


ماهو الغرض المقصود من هذه الحملة؟ 

في الفصل الخامس من كتاب «مذكرات جمال باشا» كلام مسهب 
بالإفصاح عن شؤون هذه الحملة وما يتعلق بها من التأهب وإعداد الجنود 
والمهمات الحربية ؛» وإصلاح طرق المواصلات والتزود من الأقوات 
والمياه » وكيف كان هجوم الحملة على القناة وأسباب فشلها » وعدد من 
استشهد منها » مع بيان قوات الإنكليز ومعداتهم » وغير ذلك من الأمور 
التي تفيد الراغب بالإطلاع على شؤون هذه الحملة فائدة تامة. 

غير أن هذا الفصل ‏ على ما فيه من الإسهاب والإطالة ‏ لا يحقق 
أمنية الباحث فيه عن حقيقة الغاية التي ترمي إليها هذه الحملة ؛لأنه ‏ بينما 
يفهم مما سطر فيه من عبارات جمال باشا أن الحملة ليست مقصودة لذاتها 
بل الغاية منها محض مظاهرة يقصد منها الاستطلاع على قوات العدو 
وإلفات نظر تركيا إلى ما يجب عليها تداركه وإعداده لحملة أخرى - إذ يمر 
بذلك الباحث من عبارات جمال باشا ما يفهم منه أن الحملة مقصودة لذاتها 
لأن الغاية منها الفتح والاستيلاء. 


- 466 - 


فمن عبارات الشق الأول » قول جمال باشا بعد فشل الحملة : «فلو 
كتب لنا النجاح لهذا المشروع الذي هو محض مظاهرة مصحوبة بقوة 
عسكرية لاعتبرناه فالا حسنا لتحرير الإسلام وتخليص الإيمبراطورية 
العثمانية» » وقوله : «إن المشروع إنما كان محض استطلاع هجومي على 
القناة لمعرفة الموآدٌ التى لندى العدو وما نحتاجه تكن أنفستا من المواد 
لعبور القناة. وبما أننا أدركنا غايتنا تماما فالأصوب أن ننسحب إلخ». 

ومن عبارات الشق الثاني » قول جمال معربا عن هواجس نفسه إبان 
الترى 7) في صحراء التيه : «ونحن نواصل السير بالليل على ضوء القمر 
؛ كان قلبي مفعما بالكآبة الممزوجة بالأمل الكبير في النجاح كلما رددت 
الموسيقى أنشودة الراية الحمراء تخفق فوق القاهرة » والتي على وقعها 
شفَّت الصفوف الزاحفة طريقها في ذلك القفر الذي لا نهاية له» 

أقول : الذي يتبادر للذهن أن الغاية كانت من هذه الحملة هو الفتح 
والاستيلاء لا التمهيد لحملة أخرى »؛ وذلك أن التأهب لها كان عظيما لا 
تحتاجه فيما لو كان الغرض منها محض استطلاع واستكشاف. غير أن هذا 
التأهب وإن كان عظيما فهو بلا ريب دون ما تحتاجه حملة يقصد منها 
الهجوم على قناة السويس لأجل الاستيلاء على مصر وسلبها من يد أعظم 
دولة في العالم » بل كان من أقلَ ما يلزم لهذه الحملة في اجتيازها إلى بر 

مصر أن تردم الترعة ويدخل منها جيش لجب © إلى بر مصر ويبقى 
نظيره في برية الشام لعرقلة سير المدرّعات الإنكليزية الضخمة » ورميها 
بقنابل المدافع التي هي من عيارات واسعة ٠‏ كما أشار إليه نفس جمال باشا 
بعد فشل حملته ومحاولة القائد الألماني إعادة هجوم الحملة مرة ثانية. 

ومما يدل على أن الحملة كان المقصود منها الفتح والاستيلاء : تيقن 
جمال بنجاحها وأنه لا بد وأن يدخل إلى مصر ظافرا 0 
إعداده جماعة تناط بهم خدمة الدرك في مصر واستحضاره ‏ وهو في حلب 
- ملابس لهم . الأمر الدالٌ على أنه كان غير شاك ولا مرتاب مطلقا في 
فوز حملته وتكليل مساعيه بالفلاح والنجاح. 


(1) السرى : السير ليلا. 
(2) الأجب : الكثير العدد. 


- 467 - 


أما عباراته التى مفهومها بأن الحملة كانت الغاية منها تمهيدا لحملة 
أخرى » فإنما فاه بها بعد فشلها تخلصا من رميه بسهام الملام على تقصيره 
في إعداد ما يلزم لهذه الحملة من الجيوش الضخمة والمهمات الوافرة 
والتدابير الصائبة التي بدونها لا تجوز المغامرة في تيار هذا الخطر العظيم. 

ورود نبأ برقي بنجاح الحملة : 

وفي هذه السنة (1334) ورد علينا من جهة بئر السبع نبأ برقي بأن 
هذه الحملة قد نجحت بهجومها على القناة ومشت إلى جهة مصر ء فكان 
الناس لهذا الخبر بين مصذق ومكذب » وهمّ حزب الاتحاد بترتيب مظاهرة 
فرح وسرور بهذا الظفر » وبينما هم يتذاكرون في شؤون هذه المظاهرة إذ 
ورد بالبرق تكذيب الخبر الآول. 

أقول : إن جمال باشا أوضح في مذكراته سبب النبأ البرقي المعلن 
نجاح الحملة بما خلاصته أن مدير تلغرافات الجيش (الذي كان مشتغلا بمد 
الخطوط في الصحراء) أبلغه أحد المعتوهين كذبا نبأ سقوط الإسماعيلية » 
فعجل بإبراقه إلى الآستانة » فلما ظهرت الحقيقة انعكست الآية وكان لها 
أسوأ تأثير. 


عدد الأيام التي أمضتها جيوش الحملة في قطع الصحراء بين بئر 
السبع والقناة : 

قال جمال باشا في مذكراته ما خلاصته : إنه ما كاد يمر عشرون 
يوما على بدء الزحف من بئر السبع حتى وصل القسم الأول من الحملة 
بقوة كبيرة إلى نقطة تبعد نحو 11 كيلومترا من القناة. ووصل الجناح 
الأيمن الذي زحف من العريش في جهة «قاطية» تجاه القنطرة » بينما 
الجناح الأيسر الذي زحف من العقبة - عن طريق قلعة النخل ‏ وقف في 
مقابلة السويس. 

ما لاقاه الجيش من التعب والضنك : 

قال جمال باشا في مذكراته : ويقصر اللسان عن أن يوفي القوات 
العثمانية - لا فرق بين ضباطها وجنودها ‏ اللائي اشتركن في حملة القناة 
الأولى » حقّهن من الثناء » على ما بذلنه من الجهود وأظهرنه من ضروب 
الوطنية العالية. وأرى من واجبي تقديم إعجابي 


- 468 - 


لأولئك الجنود البواسل الذين قاموا بذلك الزحف », غبر مبالين بما لاقوه من 
ضروب الضنك وتحملوه من المشاقٌ في سحب المدافع » فضلا عن 
الجسور المتحركة (وهي ما كان لدينا من المعذات لعبور القناة) وسط بحر 

من الرمال. هذا وقد ساد بين رجال الحملة ‏ لا فرق بين الأتراك والعرب - 
شعور العطف الأخوي. ولم يكن بينهم من يضن بحياته دفاعا عن إخوانه. 
والواقع أن الحملة الأولى كانت برهانا ساطعا على أن غالبية العرب 


عدد عساكر الحملة وعدد عساكر الإنكليز : 

والمفهوم من مذكرات جمال باشا أن عدد جنود الحملة كان واحدا 
وعشرين ألفا : وأن جمال باشا قد علق أكبر آماله وقتثئذ على مساعدة 
الوطنيين المصريين الذين رجا أن يثوروا كلهم بعد أن يشجعهم سقوط 
الإسماعيلية في يد الجيش التركي. أما عدد جيوش العدو ‏ حسب المعلومات 
التي:وضلت إلى مركز قيادة الجيق التركي ‏ فهي 35 الفا علبئ طول خط 
القناة » عدا مئة وخمسين ألفا ‏ ويزيدون ‏ موزعين في طول مصر 
وعرضها. 


مساعدة ابن السعود وابن الرشيد وعدد الجمال التى كانت فى جيش 
الحملة : ْ ْ 

قال جمال باشا في مذكراته : ولم يكن في استطاعة الأمير ابن السعود 
أن يمد لنا يد المساعدة المباشرة لقربه من الإنكليز الذين كان في استطاعتهم 
إيصال الأذى إليه ء إلا أنه كان شخصيا نافعا لنا جدا إذ أرسل الجمال 
للجيش وسمح بتصدير التجارة من بلاده إلى سورية. ولقد أقام الأمير ابن 
الرشيد البرهان الصادق على أنه مسلم صميم وشديد الإخلاص للخلافة. قال 
: وكان عدد الجمال التي سخرت لحمل أثقال الحملة وحمل الماء اثني عشر 
ألف جمل ؛ بعضها من سورية والقسم الكبير منها من بلاد الأمير ابن 
السعود. 


ثقة جمال باشا بإخلاص العرب : 
قال مما راقا نا كاخصته: :و كانت ككانيه الخحة مكوتة مسن صرت 


وفصيلة مشاة من متطوعي «دوبريجه» التي أنشأها جمال باشا لخدمة 
القيادة. قال : أفلا يدل كل ذلك على ثقتي 


- 469 - 


هجوم الحملة على القناة وفشلها وعدد من قتل وأسر وجرح فيها : 

المفهوم من كلام جمال باشا في مذكراته أن الوقت الذي كان معينا 
لعبور القناة هو الليل » غير أن الجيش المعدّ للعبور تأخر وصوله » وحينما 
بدأ بمد الجسور المتحركة وشرع بالعبور كانت الشمس في الأفق » 
فصارت أعمال الجيش ظاهرة للإنكليز فهبوا للدفاع عن نقطة العبور 
مباشرة بما كانت نتيجته تحطيم الجسور عدا ثلاثة منها. وكان قد تمكن من 
العبور 0 مجاهد فأسرهم الإنكليز. وهاك بيان خسائر هذه الحملة ٠:‏ 


قتلى جرحى اسرى مفقودون 
ضابط 14 15 : 15 
جندي 1/5 366 000 712 


ولكن الإنكليز قدروا خسائر الأتراك في هذه الحملة بألف قتيل وألفي 
جريح وستمائة وخمسين أسيرا. 

مقتل زعماء الجمعية اللامركزية : 

في رجب هذه السنة (1334) الموافق مايس سنة 1916 م ورد الخبر 
كانت قبل أربع سنوات ‏ عقدت في مدينة باريس مؤتمرا عربيا للمفاوضة 
في طلب الحاكمية اللامركزية للبلاد السورية تحت سيادة الدولة العثمانية. 
ا 


علّقوا كلهم في ليلة واحدة » فارتاع الناس من هذا الخبر وداخلهم من 
الس ام مره كه 


أعذاره في تعليقهم. وسنتكلم على ذلك في الآتي. 
قيام حضرة الشريف حسين على تركيا : 
في شعبان هذه السنة (1334) تواردت الأخبار بأن حضرة الشريف 


خسيرة بن الشريفة على - امير مكة المكروفة قر ناهر والغذاء محال الدولة 


- 470 - 


الأخبار في رمضان بأنه استولى على مكة المكرّمة وجدّة والطائف وينبع ؛ 
وطرد العساكر التركية وأسر بعضها » وعقد مع دولتي إنكلترا وفرنسة 
معاهدة على أن يستولي على البلاد العربية العثمانية بمعاونتهما فيستقل فيها 
العنصر العربي ويكون هو الملك عليها إلخ. 

حركة حضرة الشريف هذه قد أثبت فيها جمال باشا ‏ في مذكراته ‏ 
كلاما مسهبا ليس من غرضنا التعرض إلى تفنيده أو إلى تصويبه » بل نكل 
ذلك إلى من يرون أنفسهم مضطرة إلى كشف الحقيقة وتمحيضها في هذه 
المعالة الخطينة: 

على أنني لا أنكر أن هذا القيام لم يخل من فائدة لسوريا فإنه قد وقف 
تيار الفتك الذي كان يخوض في بحره جمال باشا دون رادع ولا مسيطر. 

إجلاء أسر من دمشق ق وحلب : 

فيها أجلى جمال باشا بعض أسر كريمة عن دمشق لقرابة بينهم وبين 
تعن المقتولين الدين تقدم ذكوهم + أحلا ها إلى بحينات الأناصيول» و خلس 
من حلب أسرة محترمة لان جنديا من ذوي قرابتها التتحق بجيوش حضرة 
الدويف» أجلاها إلى مكينة فرق كلبسنا. في ولاية أدرينة: 


إحداث جريدة في المدينة : 

وفيها صارت الأخبار ترد من الحجاز تارة بانتصار الجيوش التركية 
فلن الكدرن: الدنهة مرك بالحكين جز إن المذينة الددور: دخلت في 
حوزة العرب وأنهم نسفوا سكة الحديد في جهات الكرك ومعان وغيرهما. 
ولما كانت هذه الأخبار تضعف معنويات الجنود التركية وتزيد في قوة 
معنويات العرب » رأى جمال باشا أن يصدر في المدينة المنورة صحيفة 
إخبارية تحرر ما يجري في الحجاز بين الجنود التركية والعربية على 
الصفة التي تخدم إرادته وتروّج أفكاره » وأن تنشىء مقالات تبرهن على 
حسن سلوك جمال باشا وسوء سلوك حضرة الشريف في هذه المسألة. 
فجهز للمدينة المنورة مطبعة بأدواتها ولوازمها واختار محررا لها وطنينا 
البارع الأديب الشيخ بدر الدين النعساني ؛ فسافر إلى المدينة المنورة 
وأصدر هناك صحيفة ة سماها «الحجاز» واستمرت تصدر مدة سنة أو أقل 
منها » ثم بطلت وعاد محررها إلى أوطانه. 


47 


وفود إلى المدينة : 

وفيها ‏ في رمضانها ‏ أوفد جمال باشا إلى المدينة المنورة وفودا من 
حلب ودمشق وغيرهما ليطلعوا على حقائق الأحوال ويعودوا إلى أوطانهم 
فيخبروا أهلها بأن المدينة المنورة لم تزل باقية في يد العثمانيين » وأن سكة 
الحديد بين دمشق والمدينة لا يوجد فيها شيء مختلٌ. وقد دعيت لأن أكون 
من وفذ خلب:فاستقلة: خوقفا من مشقة الطريق وقدة الحن: كانت تفقة هذه 
الوفود من جهة العسكرية » وقد أعطي كل واحد منهم خمسين ليرا عثمانيا 
ورقا نقديا. ولما عادت هذه الوفود إلى أوطانهم أخبر كل واحد منهم أهل 
وطنه بأن المدينة المنورة لم تزل باقية بيد العثمانيين وأن لا سبيل إلى 
الاستيلاء عليها » وأن سكة حديد الحجاز سليمة لا خلل فيها. 


فتوى في وجوب قتال من خرج على الخليفة : 

وفيها ورد من دمشق الشام طائفة من علمائها » ومعهم صورة فتوى 
الجماعلة ندع الو إلى عند الخالق بكانتر ازمن علماء كلف وكلدهم حلم نه 
الفتوى أسوة بعلماء دمشق فختموها. 


قدوم الشريف علي حيدر باشا على حلب : 

وفيها قدم على حلب حضرة الشريف علي حيدر باشا ء وقد تعين 
لأهارة مك المكومة يذل بكصدوة الشتر يف نون »+ المتتاهر جعدام الفؤلتة. 
فأقام حيدر باشا بحلب قليلا ثم سافر منها إلى دمشق فبقي بها مدة ثم سافر 
منها إلى جهة لبنان لينتظر نتيجة الحرب الحجازية » فلم تسنح له الفرصة 
بالتوجه إلى الحجاز وعاد إلى استانبول في أواخر سنة 1336. 


جودة الموسم ورخص الأسعار : 

وفيها كانت المواسم جيدة والرخاء شاملا. وشاع بين الناس أن جهة 
العسكرية عازمة على مصادرة السمن والحبوب والصوف وغيرها. فخاف 
المحتكرون ولم يجسر أحد منهم على احتكار شيء من هذه البضائع. فازداد 
رخص السمن وبيع رطله بخمسة وعشرين قرشا ء وبيع كل مائة بيضة 
بسبعة قروش » مما لم يعهد له نظير منذ عشرين سنة » وبيع رطل اللحم 
الخالص بخمسة عشر قرشا ورطل الصوف بأحد عشر قرشا. وكانت جميع 


0 


أسعار الأقوات الوطنية رخيصة سوى الحبوب وزيت الزيتون والزبيب 
والتين والجوز وباقي الفواكه التي أتى الجراد النجدي على شجرها ء كما 
أسلفنا ذكره في السنة 1333. 


7 


سنة 1335 ه 


ملكية حضرة الشريف حسين على البلاد العربية : 

في اليوم السادس من محرّم هذه السنة نودي في البلاد الحجازية باسم 
تكيرة الشرريفت يخشين: أميل امكة المكرمة ملكا على البلاد: العريية العثمانية. 
وقد تقدم الكلام على مبدأ قيامه على تركيا واستيلائه على معظم الحجاز في 
كماد «السدة الماضية. 

وفد من استانبول إلى البلاد الشامية : 

فيها قدم من استانبول إلى حلب وفد مؤلف من رجال الدولة العثمانية 
وأعيانها لرد زيارة الوفد العربي الذي كان في العام الماضي زار استانبول. 
وقد استقبل الوفد التركي حينما دخل إلى محطة بغداد استقبالا حافلا ؛ 
وأدبت له البلدية في فندق البارون مأدبة فاخرة » وقذمت لكل واحد منه 
عباءة حريرية جميلة من صنع حلب. ثم بعد ثلاثة أيام سافر الوفد إلى 
دمشق ومنها إلى بيروت » ولقي فيهما من الحفاوة والإكرام ما لقي في حلب 
وزيادة. وكان الغرض الحقيقي من زيارته هذه البلاد تطييب قلوب أهلها 
العرب وإظهار محبة الأتراك إياهم » ونزع ما غرسه بعض الاتحاديين في 
قلوبهم من النفرة والبغضاء بسبب سوء تدبيرهم. 

سباق الخيل : 

وفيها جرى في أرض الحلبة من ظواهر حلب سباق خيل على أبهج 
طرز. 

دار للمعلمين ودار للحكومة : 

وفيها بوشر في أرض الميدان الأخضر الشهير في شمالي مدينة حلب 
[ببناء ](1) مكتب 


(1) ما بين مربعين زيادة منا يقتضيها السياق » وهي ساقطة من الأصل. ويحتمل أن تكون 
الكلمة المقدرة هي :«بتأسيس». 


474 - 


سمّي دار المعلمين » وبوشر أيضا بتأسيس دار للحكومة جديدة تجاه باب 
القلعة © باتضبال المدومسة الساطانية من شر كيه وقة,وضع لها هين 
الولاية مصورا دخلت فيه «الغوثية» فهدمت عن آخرها ولم يبق لها أثر. ثم 
شفت الآسس وبوشر ببنائها على صفة متقنة. وقبل انتهاء بناء الاسس وقع 
الاستيلاء على حلب فبطل العمل بعد أن صرف عليه مبلغ طائل. 

أخبار غزة : 

فيها تواردت الأخبار بأن «غزة هاشم» دخلها الجيش العربي 
الإنكليزي » وكانت الجنود التركية كامنة فيها فخرجوا من مكامنهم وهجموا 
على الجنود الإنكليزية فقتلوا منهم في البلدة عددا كبيرا وأخرجوا الباقين 
منهم قسرا » وأن البلدة قد خربت ولم يبق من أبنيتها سوى القليل. وقد نزح 
عنها أهلها وتشتتوا في البلاد » منهم من سار إلى عربان البادية وأقام عندهم 
» ومنهم من سار إلى جهات طبرية والخليل والقدس ودمشق وحمص 
وحماة وغيرها » وجرى عليهم من البلاء ما لم يجر على غيرهم. ثم في 
أواخر هذه السنة أعادت الجيوش الإنكليزية العربية الكرّة على غزة 
فاستولت عليها وعاد إليها من أهلها من كان مهاجره قريبا منها. ومن ذلك 
الوقت بدأ العمار يعود إليها شيئا فشيئا. 


انفكاك مصطفى عبد الخالق عن ولاية حلب : 

وفي هذه السنة انفك الوالي عبد الخالق بك عن ولاية حلب وعيّن 
مستشارا في نظارة الداخلية. وهو من أنزه ولاة تركيا وأحرص هم على 
رعاياها المخلصين وقد تعيّن بدله لولاية حلب توفيق بك. 

نفي بعض المتلاعبين بالورق النقدي : 

وفي هذه السنة شدد جمال باشا العقوبة على المتلاعبين بالورق النقدي 
؛ ونفى بعض التجار إلى جهة أذنة لتلاعبهم بهذا الورق فلم يحمصل من 
نفيهم نتيجة واستمر سعر الورق على هبوطه. 


- 475 - 


قلة الماء في حلب وجرّ ماء عين التل إليها : 

وفي هذه السنة بدأت الآبار والينابيع تنضب مياهها وقل ماء قناة حلب 
ونهرها. وكثرت شكوى الناس من هذه البلية التي لا دخل للحرب في 
وجودها بل هي بمحض إرادة ربانية قضت بأن لا يقع في موسم الشتاء ثلج 
على جبال عينتاب وغيرها من الجبال التي ينصب ماء عيونها إلى مجرى 
نهر حلب. وكان جمال باشا مطلعا من قبل على قلة ماء حلب » وقد أعلمه 
الأطباء بأن ماء القناة والنهر ‏ مع قلته ‏ يحمل أنواعا من جراثيم الأمراض 
القتالة التي يخشى على العساكر من فتكها. فاهتم جمال باشا بجر ماء عين 
التل إلى حلب وأحضر لذلك قساطل الحديد من جهة يافا وغيرها. وفي مدة 
وجيزة مدها من العين إلى رأس محلة التلل » وهناك عمل لها خزان عظيم 
يصب فيه الماء ومنه يتوزع إلى جهة حلب. 

وعمر في رحبة باب الفرج حوض جميل بديع الصنعة ‏ لو تمّ عمله ‏ 
يصب فيه الماء فينفر إلى العلاء قدر رمح » ثم يصب في حويض مستور » 
له مباذل ) مغروسة بدائره. وعمل لأخذ الماء عدة مراكز أقصاها عند 
خان الكمرك ‏ في سوق السقطية ‏ وفي متوسط خندق العطوي الآخذ إلى 
باب النصر. فلم يستفد من هذا الماء سوى المحلات القريبة من باب الفرج 
بسبب قلته وعدم ارتفاع خرّانه. وعلى كل حال فإن سكان هذه المحلات وما 
قاربها قد ارتاحوا قليلا من جهة ماء الشرب » وعد عمل جمال باشا هذا من 
أكبر الحسنات التي تكفر بعض سيئاته وتخلد ذكره في التاريخ. 

ولما انتهى هذا المشروع الحسن عمل له في شعبان هذه السنة - 
ومايس سنة 1333 رومية ‏ حفلة افتتاح عند حوض باب الفرج المذكور . 
حضر فيها الجمّ الغفير من الأعيان والأمراء والأهلين » وأنشدته قصيدة من 
نظمي اقترحها علي والي حلب توفيق بك » وهي قصيدة طويلة منها قولي : 
إن ماء أجراه عدبا فراتا فيه إرواء غألّةالوراد 


(1) يعني صنابير أي «حنفيات» أو ما يشبهها. وكذا رسمت في الأصل بالذال «مباذل» خطأ 
» والصواب بالزاي «مبازل» وسبق مثله في حوادث 1321 ه. 


- 476 - 


كوو انا التبعوان لح سنا 
ونه ستافة المشدازب فى النشيه 
ونه اتج الفتدور كبا فيد 
جاريا في ربوعنابابتذال 
من ةطالما النفوس تمتها 
مثة أحيت النفوس وأحيت 
ذخرتها له الليالي © حتى 
قجكرن الله سحمجحعدة بقح ححا 


فروى من نميره كل صد () 
باوكانت عسيرة الازدراد 
أضرم النار في قلوب الأعادي 
كنجيع الأعداء في كل واد © 
م إلى أن أتت بلا ميعاد 
ذكره بالجميل حتى المعاد ©©) 
يجتتى حمدها إلى الآباد 
وفلاح ورأيهبالتدد 


وأرّخها الأديب الفاضل الشاعر الشيخ إبراهيم أفندي الكيالي بقوله : 


أحمد الفعل 5) جمال في الورى » 

إنَ هذا الخير ء أرّخ : زانه 
5 وبقوله : 

صاح ء إن رام الورى تاريخه : 


5ظؤ15 


وبعد فراغي من إنشاد القصيدة افتتح جمال باشا بخطبة قال فيها : إن 
أحيك شيف !إليه هو إيقاء الآنار الخيرية التي تخلد ليه الذكر الجميل + وان 
جرّه ماء عين التل هو ثاني ماء جرّه من محل بعيد إلى بلدة » وذلك أنه كان 
جرّ ماء عين في جهات الرومدّلي إلى مدينة «قرق كليسا». 


)01 الثمير : الماء العذب. والصادي : العطشان. 


(2) النجيع : الدم الأحمر. 


(4) تحريك ياء «الليالي بالضم» ضرورة شعرية. 


(5) أي قام بفعل حميد. 
(6) ويجوز كسر اللام في قافيتي البيتين. 


10 


أَقَول # .و الذق :يقال إن ع غين هاء: الكل إلى حلب :حقيق أن بعد لأحمد 
جمال باشا أثرا عظيما ويدا بيضاء ومنّة كبرى على سكان الشهباء » فقد 
حفق :بها أماتيهد'يهذا "الما :الذئ .ظالما تملوا إمسالتة إلى كلب“ فلم يتح لهنم 
القدر ما تمدوه. 


الغلاء وضحايا الجوع : 

في هذه السنة أخذت أسعار الحبوب تتصاعد بسبب رداءة الموسم 
وإقبال الألمان على الاحتكار. وقد شددت الحكومة ‏ بأمر العسكرية ‏ 
المراقبة على محتكري الحبوب من الأهلين وأعلنت أنها ستكبس البيوت 
والستزكهات قفن كدف حندة من الحبو يه أزيه عق موفة ببفة فإنينا 
تصادر الزائد وتحاكم صاحبه في الديوان العرفي وتعاقبه بما تقفضي عليه 
أحكامه . وقد نتج من هذا الإعلان انقطاع ورود الحب من القرى » وارتفع 
سعر الشنبل من الحنطة إلى ألفي قرش » ومن الشعير إلى ألف وأربعمائة. 
واشتد الخطب على الفقراء في شتاء هذه السنة وهلك بالجوع كثيرون ولا 
راحم لهم ولا مغيث » وكل واحد من الناس يقول : نفسي نفسي ؛ لأن 
الجميع كانوا يرون أن هذه الحرب يطول أهداها وتكون :ييا لإبادة الغالم, 

خسوف القمر : 

وفي رمضان هذه السنة ‏ في ليلة النصف منه ‏ خسف القمر خسوفا 
كما جحو عاج جديعه ذم عاد ارجا كما كاج وف الشاء كيت كه ام 
في الماز نات 00 خريا على العادة القفيمنة. . 

مقتول بالتعليق : 

وفي هذا الشهر علّق عند برج الساعة ‏ في رحبة باب الفرج - شخص 
من العساكر الفرارية ©. 
(1) كذا جاء الجمع عند المؤلف . مع أن المفرد : «الهاون» بغير ألف بين الواو والنون. 
ويقال أيضا في المفرد :«الهاون» وجمعه هواوين. 


(2) الفرارية + كلمة شاعت وقتئذ على الألسنة تحني الثين كربو امدق الخدمة الفسكرية. 
والمفرد «فراري». 


- 478 - 


طوابع على الثقاب ودفاتر اللفائف : 

وفيه أيضا ورد في صحف الآستانة قانون يقضي بلصق طوابع على 
علب الكبريت ودفاتر ورق سكاير التبغ » فهبطت أسعار هذين النوعين أولا 
ثم تصاعدت جدا. 


تعلية شخه ين : 
وفي شوال هذه السنة علّق عند برج الساعة *: تنقخضاة 


قدوم إبراهيم بك على حلب : 

وفيها قدم على حلب إبراهيم بك أحد كبار موظفي نظارة الأوقاف في 
الآستانة - وهو ابن صاحب بك - متوجها إلى المدينة المنورة فنزل إلى 
الجامع الكبير الأموي في حلب وأمر برفع الطرابزون الذي يجعل قبلية 
الحنفية شطرين » ورفع الطرابزونين اللذين يفصلان قبلية الحنفية عن 
القبلية الشافعية » ويكون بينهما الدهليز الذي يستطرق منه إلى باب 
القوافين. فرفع الطرابزونان وصارت القبليتان واحدة » وصار الداخل من 
باب القوافين يدخل إلى القبليّة مباشرة دون دهليز. وأمر أيضا بنزع 
الرفراق المرفوع فوق باب الحجازية ؤقاية لنزول المطن دفوق المجتازين 
من باب الطيبة إلى الرّواق الموجه إلى القبلة ‏ فنزع » وكان جدّد منذ قريب 
وصرف عليه مبلغ كبير وكان نزعه خطأ. 

ثم إن إبراهيم بك سافر إلى دمشق الشام ومنها إلى المدينة المنورة 
وأقو هناك بتحويب تفن الديوت العامز ة المتحلة بالكرء:الشوي مو أخد 
حميع ما في قية التمويم البوي فين الذكائن النفيينة القضبية والذهينة 
والأحجار الكريمة » وما في كتبيّة (» الحرم من المصاحف الشريفة والكتب 
النادرة » مما تقدذر قيمته بمئات ألوف من الليرات. وضع جميع هذه الأشياء 
في صناذيق محكمة وعاد يها إلى استانيول. 

عزل توفيق بك والي حلب ٠‏ وتعيين بدري بك » وأكياس الرمل : 

فيها عزل توفيق بك والي حلب وتعيّن بدله بدري بك. وفيها بدأت 
الجنود البريطانية 
(1) الكتبيّة : أطلقت هذه الكلمة على الرفوف الثابتة التي توضع عليها الكتب » وكان في كل 


بيت «كتبيّة» أشبه بخزانة الكتب. ثم حلّت بعض أواني الزينة وما إليها محل الكتب » وبقي 
الاسم : «الكتبيّة» مستعملا. 


- 479 - 


بحصار قلاع القدس الشريف ؛ وصدر أمر جمال باشا بأن يعمل أكياس من 
الخام لأجل إملائها رملا وجعلها متاريس في قلاع القدس لترد عنها كرات 
المدافع. ففرض على أهل حلب فقط ستون ألف كيس جمعت من التجار 
باسم الإعانة » وجمع أضعاف هذا المبلغ من بقية البلاد وملئت رملا 
وجعلت متاريس في القلاع المذكورة » فلم تغن شيئا. 

قدوم أحد أفراد الأسرة العثمانية على حلب : 

وفيها قدم على حلب البرنس عبد الحليم أفندي ‏ أحد أفراد الأسرة 
السلطانية العثمانية - متوجها إلى جبهة الحرب في فلسطين لمشارفة الحرب 
» فاستقبل بكل تجلّة واحترام. ثم توجه إلى جهة مقصده. 


توحيد أوائل الأشهر : 

وفيها ورد في البرق العثماني أن مجلس النواب العثماني قرر توحيد 
أوائل الأشهر الشمسية الشرقية والغربية » فاعتبر رأس السنة الشمسية 
الشرقية أول شهر كانون الثاني كما يعتبره الغربيون - إلا أن تاريخ السنة 
بقي شرقيا عثمانيا » كما سلف الكلام عليه في مقدمة هذا التاريخ » فأسقط 
من شهر كانون الأول ثلاشة عشر يوما التي هي الفرق بين الغربي 
والشرقي واعتبر أول سنة 1333 الشرقية ابدداء كانون الثاني. ثم بعد 
دكول الدولة العريية إلى هده الثلاد يجرت حكوماتها فى تارب السنة أيطيا 
على القكار كه الخو دن الها ده دافم اذا كان الجميران شحهن ا ووطة 
وصارا تاريخا واحدا. 


الأوراق النقدية المعروفة باسم بنكينوط : 

أسلفنا الكلام في حوادث سنة 1333 على حدوث الورق النقدي 
وتداوله وهبوط أسعاره. وهنا نقول : إن هذا الورق ما زالت أسعاره في 
حلب تيبطء إلى أن كانثت هذة :البنة فازذاد.فية تلاعب التجان والمنيارفة 
حتى هبطت أسعاره هبوطا زائدا » وكان يهبط ويصعد في اليوم الواحد عدة 
هر اكاركوق سني عدون :تحت أنذا كنا تقول إن لديل أميغار هذا :التووف 
سرا طبيعيا لا يمكن للعقول إدراكه كبقية الأسرار الطبيعية » وكثيرا ما كان 
يهبط ويصعد تبعا لما هو عليه في استانبول أو دمشق أو بيروت أو غير 
هذه البلاد حسبما تفيده أخبار البرق والبريد » وقد يهبط ويصعد وليس هناك 
خبر برقي ولا بريدي يشعر بهبوطه 


- 480 - 


أو صعوده. كما أنه كثيرا ما كان يهبط إذا توالت الأخبار بانكسار جيوش 
تركيا وقد تنعكس الحالة فيصعد مع توالي تلك الأخبار ولا يهبط. 

وقد صار كصنف كبير من الأصناف التي يشتغل بها التجار » ولهذا 
كنت ترى جماهير الصيارفة والتجار واقفين في باب خان الكمرك يتعاطون 
بيع هذا الورق وشراءه من بعضهم » وكل اثنين أو ثلاثة منهم متكاتفون 
يتكلمون مع بعضهم همسا وفي أيديهم ألوف من هذا الورق يشتري زيد من 
عمرو الف ورقة مائة قرش ». سعر كل واحدة منها ثلاثون قرشا وربع 
القرش مثلا » ويدفع له الثمن نقدا في الحال نقودا ذهبيّة أو فضية » وبعد 
ساعة يصعد سعر الورقة إلى ثلاثين قرشا ونصف القرش فيبيع زيد ألف 
الورقة ‏ التي اشتراها قبل ساعة ‏ إلى خالد على السعر الأخير فيربح منها 
مائتين وخمسين قرشا. ثم لا تمضي ساعة حتى يهبط السعر أو يعلو فيبيع 
خالد ألف الورقة التي اشتراها قبل ساعة » فيربح أو يخسر على حسب 
السعر الموجود. فمن الناس من ربح من هذا الورق أرباحا طائلة ومنهم من 
خسر فيه جميع ثروته كأنه كان يلعب بالميسر. 

من الأسباب الظاهرة التي حملت الناس على الخوف من عاقبة هذا 
الورق ‏ فازداد سعره هبوطا حتى نزل إلى خمس قيمته المحررة فيه 
خطبة ألقاها طلعت باشا ناظر مالية تركيا في مجلس النواب » تكلم فيها 
على حالة هذا الورق وتلاعب التجار في أسعاره وأورد من جملتها عبارات 
يفهم منها بأن هذا الورق لم يكن مكفولا من قبل ألمانيا ولا من غيرها كما 
كان يعتقده الناس الذين لا ثقة لهم بمالية الدولة ‏ وإنما كانوا مقبلين على 
تذاوله اعتمادا على ثروة كافلته دولة ألمانيا فلما سمغوا تلك العبازدات:من 
خطبة طلعت باشا أحجموا عن قبوله خوفا من سوء عاقبته » فهبط سعره 
إلى خمس قيمته كما قلنا. مع هذا كان كثير من الناس يعتقد أن هذا الورق 
مكدر أبن ذو لاد ردضها كنا و الدروطلية اق ع ارو ينا اله في جه 
العكوطة من 'الروعية بالثمن اليكل بوابيظة ماين كتين وتقلمه فتكيورة 
بعملها هذا قد وفت سلفا قسما كبيرا من الديون عن دولة تركيا من هذا 
الورق بقسم منه » والله أعلم بحقيقة الحال. 

إن كثيرين من التجار كانوا يشترون الورق من البلاد التي يهبط فيها 
سعره ويصرفونه في البلاد التي يعلو فيها فيبدلونه بالذهب الذي يهرّبونه 
إلى بلادهم بإرشاء المراقبين في محطات ش 


- 481- 


سكك الحديد أو بغير طريقة. وربما اشتروا بالورق أموالا من استانبول أو 
مملكة النمسا أو بلغاريا وأحضروه إلى بلادهم كذلك. وقد يشترون بالورق 
من بلدة أجنبية أموالا تجارية لا يمكن إحضارها في إبان الحرب فيبقونها 
في تلك البلاد إلى أن تنتهي الحرب فيحضرونها. وقد يشترون بالورق 
العثماني المذكور أوراقا مالية أجنبية ويبقونها في أيديهم إلى ما بعد الحرب 
فيربحون منها مبالغ طائلة. مثلا : يشترون بثلاثة 7) ورقات عثمانية من 
أوراق المائة قيمتها التجارية الحاضرة 75 قرشا ورقة إمريكانية قيمتها 
0 قرش إلا أنها لا رواج لها الآن بين تجار البضائع في البلاد العثمانية 
فيبقونها محفوظة عندهم إلى انتهاء هذه الحرب » ثم يصرفونها في شراء 
بضائع من البلاد التي يروج فيها الورق الأميركاني فيربحون منها أرباحا 
عظيمة 


الورق النقدي وحالة مرتزقة الحكومة : 

ركيت انيار أكثر المكرائة الوطدية فى مدا ريه بن ااه ده 
الخرب يباع يثلاثة قروثن :+ قصب ببعره في أثناتها إلى ستين قركنا ذهيية 
أو فضية. أما البضائع الغربية فمنها ما ارتفع سعره عشرين ضعفا » ومنها 
ما ارثة تفع أكثر من ذلك » كالسكر فإن سعره ارتفع قريبا من أربعين ضعفا » 
كان الرطل يباع منه قبل الحرب بسبعة قروش فبيع في أثنائها بنحو ثلاثمائة 
قرش. وهكذا كان الحال في كثير من البضائع الغربية كالمنسوجات وأنواع 
الحرير والعقاقير والبترول وغيرها. وبسبب غلاء البضائع على هذه الصفة 
تضرر مرتزقو الحكومة من هبوط اسعار الورق أكثر مما تضرر به 
راتبه كل يوم عشرون قرشا أميرية ‏ وعياله سبعة أشخاص يعيش بهذا 
الراتب قبل هذه الحرب عيشة رضية ؛ لأنه يكفيه في اليوم رطل من الدقيق 
قيمته ثلاثة قروش » والباقي من راتبه - وقدره سبعة عشر قرشا ‏ يصرفها 
في باقي حاجاته من الادم والكسوة والوقود والاستصباح والحمّام واجرة 
المنزل » وغير ذلك من النفقات الضرورية. 

وكانت الحكومة تدفع ليرة الذهب العثماني على سعرها الأميري وهو 
مائة قرش . وقيمتها الرائجة في التجارة مائة وسبعة وعشرون قرشا 
ونصف القرش. فكان معاشه الشهري - الذي هو ستمائة قرش يبلغ 
سبعمائة وخمسة وستين قرشا رائجة. والمعاملة بين الأهليّين 


(1) كذا والصواب : «بثلاث» كما هو واضح. 


- 482 - 


المسكين يأخذ راتبه من الحكومة ست ورقات » سعر الورقة في التجارة 
عشرون قرشا » فكان معاشه عن الشهر كله يبلغ مائة وعشرين قرشا رائجة 
توفي قم ررطلين عن الذقيق فق ل كفده بنع ال تتصينات. اكترن مين جوم 0 
خدالاه خدى يشبطر للسسبرل. ريا كان الحدمنه تنتلط على الاين فيشسطره 
الحال ‏ رغما عن عفافه - أن يمد يده إلى أخذ الرشوة وأكل المال الحرام » 
فين الحن ريسن الداطل 

ولا نلعت الخالة والسيتفتديو ماد الغانة زاك اسكرويية ويدوية في 
ذانكا + كه لمن كن يقيحة لله إلر مع القت عن لوي الحقيفية و واف 
للزراع هذه القيمة ورقا على سعره الأميري. وأما باقي المأكولات 
والصابون ومادة الوقود فإن الحكومة جعلت تشتريها من ذويها بقيمة 
تضعها من عند نفسها » وتدفع لهم تلك القيمة ورقا على سعره الأميري 
أيضا. ثم جمعت هذه الأموال في مكان ووظفت لتوزيعها على المأمورين 
موظفين وكتابا » يعطون المستخدمين من هذه الأموال مقدار ما يخفف 
ضررهم بقيمة تزيد على قيمتها التي اشترتها الحكومة بها شيئا قليلا : 
وتأخذ منهم القيمة ورقا من رواتبهم - على سعره الآأميري. وسمّت هذا 
العمل (إذارة الإبعاشة): 

وبهذه الواسطة خفت ضرر المستخدمين وصار يمكنهم أن يحصلوا 
مع الاقتصاد على ضروريات حياتهم. فكان المأمور يأخذ من هذه الإدارة 
والملح والسكر والقهوة والحطب والفحم والصابون والزيت والبترول » 
فيبيع من هذه الاشياء ما يمكنه الاستغناء عنه بقيمته الحقيقية » ويصرف 
القيمة في باقي حوائجه. 

جالية أهل المدينة المنورة : 

وف كه النندة وهنى 53 كدف كلكا تعالية اهن التويفة 
المنورة وهي في حالة يرثى لها » قد تركت أموالها وأمتعتها في المدينة 
المنورة. وجاءت هذه البلاد في وقت غلت فيها أسعار الأقوات وارتفعت 
أجور المنازل. وكان بين هذه الجالية أسر كريمة فيهم السادات 


- 483 - 


والأعيان الذين كانت موائدهم في المدينة المنورة مبسوطة للصادي 
والغادي » فلما وصلوا حلب وليس معهم من المال سوى القليل اشتد عليهم 
الطب و الكرف وعنا صما كان يله لمم بح بعض الحلبيين الكرام من القرى 
المشروطة لفقراء الحرمين المحترمين » فخت عنهم بعض ما كانوا يجدونه 
من شظف المعيشة. 

كان إجلاء أهل المدينة المنورة عنها من جملة الأمور التي نفرت 
قلويت العردت عق «الحكومة الغتمانية :و كانت القلوميه كاك تفردة و اشفكة اذا 
حينما كنا نسمع من أولئك الجاليات أخبار مظالم القائد العسكري هناك وما 
فعله بالعوالي 7) وأهلها من الفظائع. 


سقوط القدس في يد الإنكليز : 

وفيها تواردت الأخبار بأن القدس الشريف وغيرها من بلاد فلسطين 
دخلت في حوزة الدولة البريطانية » وأن جيوشها تقدمت إلى جهة الستلط 
وغيرها من تلك الديار. 


عزل جمال باشا وسفره : 

وَفَنْهَاً وصضل اجمال ناشا اك حلب معنؤولا من القائدية العافة::والقى 
في بعض الأندية خطابا أوهم به الناس أنه لم يعزل وإنما هو عازم على 
السفر إلى الآستانة لبعض شؤون مهمة » وأنه عما قريب يعود إلى وظيفته. 
وكأنه أراد بهذا الإيهام بقاء مهابته في النفوس كيلا يتجرّأ أحد على اغتياله. 
وكأن ولاة الأمور في الآستانة أدركوا في ذلك الوقت أغلاطه وخطاياه في 
هذه الوظيفة فعزلوه. ويا ليتهم كانوا يفهمون ذلك قبل أن يعضل الداء 
ويتعذر الشفاء. 

تعيين نهاد باشا قائدا بدل جمال باشا : 

وفيها قدم على حلب قائدا عاما ‏ بدل جمال باشا ‏ نهاد باشا. وهو 
شاب جميل الطلعة بشوش الوجه دمث الأخلاق » متباعد عن مواضع الريبة 
؛ ميّال للخير. تمنى الناس أن لو كان ندب لهذه الوظيفة في أول الحرب ». 
أما الآن فماذا عساه يفعل وقد اتسع الخرق على الراقع ونفذت سهام القدر 
ولم يبق في القوس منتزع؟ 


(1) العوالي : المناطق المجاورة للمدينة المنورة (كما سيأتي في شرح المؤلف لها). 


- 484 - 


سقوط بغداد في يد الإنكليز واستيلاء روسيا على بلاد الآناضول : 

وفيها تواردت الأخبار باستيلاء الجيوش البريطانية على بغداد 
وتقدمها إلى جهة الموصل ؛ وبأن جيوش الروس استولت تباعا على 
طرابزون وأزروم ووان وبتليس » وتقدمت نحو الموش. وقلق أهل ديار 
بكر من قربها إليهم. 


هبوط أسعار الحبوب وعودها للارتفاع : 

وفيها ‏ في أيام إدراك المحاصيل الزرعية وورود الغلات إلى حلب - 
هبطت أسعار الحبوب هبوطا بيّنا » فبيع الشنبل من الحنطة بستمائة قرش » 
ويئن الشعير يار معماتة غين إن ذلك.لم بده سوى باد قلائل حتن هادا السسغرن 
للارتفاع كما كان » وسبب ذلك إقبال الألمان على احتكار الحبوب 
وشراؤهم إياها بالثمن الذي يطلبه صاحبها منهم غير مبالين بغلائها » لا 
يهمهم شيء سوى الحصول عليها بأي ثمن كان. ش 

ولما رأى الوالي «بدري بك» أن الحب قد ارتفعت أسعاره » حتى بيع 
شنبل الحنطة بألف ومائتي قرش » خشي إن تمادى هذا الأمر أن يعود سعر 
الشنبل إلى ألفي قرش. فتخابر مع قواد الألمان وكلفهم ألّا يباشروا بأنفسهم 
بأن يقدم لهم جميع ما يلزمهم منها على سعر 1200 قرش. فأجابوه إلى ما 
طلب. وفي الحال عيّن من قبله رجال درك فرسانا » وأرسلهم إلى القرى - 
في قضاء الباب وقضاء جبل سمعان - وأمرهم أن يشتروا من المزارعين 
شنبل الحنطة بسبعمائة قرش معدنية » رضي صاحب الحب أم لم يرض. 
وسمّى هذا البيع والشراء (سربست مبايعه) أي بيع بالحرية. فكان رجال 
الدرك ‏ الذي أرسلهم لهذه المهمة ‏ متى ظفروا بحنطة يأخذوها من صاحبها 
على هذا السعر » رضي أم لم يرض » ثم يحملوا ما يشترونه ويرسلوه إلى 
المحل الذي عيّنه الوالي وهو يقدّمه إلى الألمان على سعر 1200 قرش 
حسبما تعهّد لهم. فحصل من هذا العمل فائدتان : فائدة خصوصية وهي ربح 
الوالي من كل شنبل خمسمائة قرش » وفائدة عمومية وهي وقوف سعر 
الحبٌ عند هذا الحدء إذ لو لا هذا العمل لكان سعر الحب يرتفع إلى ألفي 
قرش أو أكثر. 59 

على أن الوالي «بدري بك» قد ربح من هذه المسألة أرباحا طائلة تعد 
بعشرات الألوف 


- 485 - 


من الليرات. ولو أنه كان يسمح بمقدار من هذه الأرباح إلى الفقراء لكان 
يخقّف عنه ذلك لغط الناس » الذي كان أقلّه قولهم فيه ببررهذا لم يحي بوالييا 
وإنما جاء تاجرا». وكان يزيد لغطهم به حينما يرونه وهو يربح هذه 
الأموال مارًا في الشوارع متكئا على أريكته في سيارته » والفقراء من 
جهتي الجادة يضجون ويصيحون بكلمة «جوعان». ومنهم من مات ومنهم 
من أسكته الجوع وظل يجود بنفسه » فيمر حضرته ويرى هذه المناظر 
المفزعة فلا يتحرك فيه دم الإنسانية بل تراه كأنه يتفرج على شيء تلذ به 
النفس لغرابة منظره. 


تشدد العسكرية في القبض على الناس : 

وفي هذه السنة اشتدت العسكرية في إلقاء القبض على الناس الذين هم 
من مواليد سنة 1280 إلى سنة 1315 رومية » فكان رجال الدرك يمشون 
في الأزقة والشوارع ويقبضون على الرجال بلا تفريق بين الرفيع 
والوضيع. وكانوا متى رأوا شابا يستوقفوه ويطلبوا منه وثيقته فيبرزها لهم 
» فإن كان بحسب تفرّسهم به أهلا لأن يستخرجوا منه شيئا تعللوا عليه 
بقولهم : هذه الوثيقة قد مضى حكمها » أو هي مغلوطة أو تقليد » أو يقولوا 
له تذهب معنا حتى تقدمها إلى رئيس دائرة أخذ العسكر ليقيدها في سجله » 
أو يتعللوا عليه بغير ذلك من العلل الواهية » فلا يرى المسكين بدا من أن 
يدفع لهم مقدار ما استحضره وأعده لمثل هذه البلية من النقود ذهبا فصاعدا. 

هذه حالة أهل الوثائق مع رجال الدرك وأما الذين ليس معهم وثيقة 
فأولئك ممن غضب الله عليهم فاستحقوا من رجال الدرك كل إهانة وتعذيب 
؛ لأنهم في الحال يوثقونهم في سلك الصفوف المسلسلة بالحبال ويسوقونهم 
أذلاء صاغرين إلى محبس المركز ء الذي هو مغارة أو مسجد قديم. غير أن 
هؤلاء المسلسلين ‏ الذين ربما يبلغ عددهم نحو مائة شخص أو أكشر ‏ لا 
يصل منهم إلى محبس المركز سوى بضعة أشخاص » وهم الذين لا يملك 
أحدهم خمسة قروش يرشي 2 بها زعيم رجال الدرك ليتخلص من قبضته » 
فتزجٌ هؤلاء الأشخاص في محبس المركز وتترك أياما طويلة. وركهدا كان 
المحبوس غريبا وليس له من يسأل عنه من أهله فيقاسي أنواع الجوع 
والبلاء » لا تتركه العسكرية يخرج من محبسه » ولا تأخذه 


(1) كذا والصواب : «يرشو» لأن الفعل واويّ اللام. وشاع مضارعه بالياء على ألسنة 
النا 
درل). 


- 486 - 


للثكنة وتعسكره وتسوقه إلى الجهة المعيّنة لمثله. وربما بقي على هذه الحالة 
مدة أربعين أو خمسين يوما فيشرف فيها على التلف. 

وكان الناس يسمّون رجال الدرك الذين يقبضون على الناس «اهل 
الحبلة» فمتى أحس بهم واحد من رأس السوق مثلا يناد : الحبلة الحبلة. 
فيعدو للهرب من لم يكن معه وثيقة. واشتهر من زعماء هؤلاء الرجال 
جماعة بالظلم والقسوة ونالوا ثروة طائلة من هذه المهنة. وكان أحدهم قبل 
الحرب لا يملك شيئا وللناس فيهم زجلات مضحكة يتغنّون بها في خلواتهم 
؛ وكان هؤلاء الرجال ياخذون الرشوة من بعض الناس مشاهرة ويدعونهم 
في حوانيتهم. وكانوا لا يبالغون من التجاهر بأخذ الرشوة ولا يخافون من 
أن يطّلع عليهم رؤساؤهم. وبسبب ذلك كان الناس يعتقدون أن رؤساء 
هؤلاء الزعماء شركاء معهم. 

وإن تشدد العسكرية في القبض على الناس قد أضرٌّ بهم ضررا عظيما 
لأن أكثر مواليد السنين المذكورة كانوا يضطرون للاختفاء » فيبقون من 
غير كدّ ولا كسب مع أنهم أصحاب عيال وأطفال فيبيعون ما عندهم من 
اي ل ا لسر راد لس 
ل عر و ل د 
الموت في جنديتهم. 


تظاهر المستخدمين بالرشوة وسلب الأموال الأميرية : 

وفى هذه السنة . بعد أن سافر جمال باشا من هذه البلاد وتحقق 
انفكاف د عذيها الأشسرنان المشستكديو :يق "الملكوون :و العسكو وق از داد 
تجاهرهم بالرشوة والتسلط على أموال الناس والدولة » فعمّ فسادهم وكثر 
فجورهم. وكا المسدتكاتر ع فى معتات التيكاك الخدزكي علو الحييية 
بصدااعحه إل جه ما إلاايت أن رأخدر كته ركو #ميلغا بكي تسريههم : 
وإلا قالوا له :الشحن ممنوع. وكان كثيرون من التجار تضطرهم الحال إلى 
أن يشركوا معهم في ارباحهم معتمد المحطة المعروف باسم (القوميسير) 
وإلا بقيت بضاعتهم مطروحة على الآأرض. 


(1) الصواب : «ينفد» بالدال المهملة. وتكرر ذلك عند المؤلف كثيرا. وهو خطأ شائع. 


- 487 - 


وكثيرا ما كان القوميسير نفسه يتجّر بالبضائع لحسابه فيشحن إلى 
بيروت أو دمشق أو استانبول بضاعة من البضائع التي تربح كثيرا لأن 
غيره لا يقدر على شحنها » فيربح من تلك البضاعة أرباحا طائلة يختص 
بها وحده. وربما كان يشرك معه في هذا الربح أحد كبار الموظفين إسكاتا 
له ويتحدث النانن عن أحد القؤميسيرية أنه حمعفثات الوق من اللببوات 
بواسطة هذه الوظيفة. أما أمراء العسكرية فجميعهم إلا قليلا منهم لم يألوا 
جهدا بسلب أموال الدولة والرعية ؛ منهم من كان متسلطا على متعهدي 
الأرزاق العسكرية ومنهم من كان موكولا إليه شراء الدواب أو غيرها من 
لوازم الحرب » ومنهم من كان مأمورا بالديوان العرفي أو معيّنا كناظر 
على استلام الحبوب أو الدقيق أو الخبز أو الحطب أو غير ذلك من الخدم 
والوظائف التي لصاحبها سلطة ونفوذ في جماعة التجار أو الزراع أو 
الصناع فكان كل واحد من أولئك المأمورين لا يمضي وصلا ولا يصدق 
على عمل من هذه الأعمال إلا بعد أن يأخذ القدر الذي يرغبه ويرضيه. 

وكان الموظفون على أهراء الحبوب العشرية لا يتسلمون الحب ممن 
يقدمه إليهم إلا مغربلا خالصا من كل غشّ » ويأخذون منه الثمانية » عشرة 
» ثم يخلطون الحب ترابا ومدرا عشرة أو عشرين في المائة » وحين تسليمه 
ينقصون وزنه عشرة أو عشرين في المائة. يفعلون هذا علنا دون مبالاة من 
أحد ؛ لأن من يخافون سيطرته عليهم قد سدّوا فمه وأعموا عينه بمقدار ما 
يرضيه من المال مهما كان كثيرا ؛ لأن الأهراء قد يزيد فيه (» من الغلة 
نحو ألف شنبل أو أكثر. فإذا فرضنا أن حافظ الأهراء باع كل شنبل 
بخمسمائة قرش يحصل في يده من النقود ما مجموعه نصف مليون من 
القروش » وهو مبلغ كبير يشبعه هو وآمريه. 

والخلاصة أن كل منتكتم :في النلكية أو التسكزية مو كيين وضيعرر ب 
سوى قليل منهم ‏ قد جمع في أيام هذه الحرب ثروة مدهشة طغى من أجلها 
وبغى وامتطى خيول السرف والترف ومشى في الأرض مرحا » وتمنى أن 
تمتذ مدة هذه الحرب ما دام حيا. وكنت إذا مررت على حوانيت صاغة 
الحلي تراها غاصة بنساء الضباط والأمراء والموظفين » فكان الصاغة 
يشتغلون في الليل والنهار ولا يتاح لهم أن يقدموا الحلي إلى طلابه في 
الوقت 


(1) كذا » والصواب «فيها» لأن الضمير يعود على «الأهراء» وهي مخازن الحبوب. 


- 488 - 


المطلوب. وكان كثير من الموظفين الموكلين على الأرزاق العسكرية 
يقصدهم التجار سرا ويشترون منهم أنواع البضائع بأبخس الأثمان. 

قلنا : إن ازدياد التجاهر بالرشوة كان بعد انفكاك جمال باشا عن هذه 
البلاد » وأما قبل انفكاكه عنها فكانت الرشوة أقل من ذلك بكثير بالنسبة إلى 
ما وجدت عليه بعد رحيله » وهذا مما يجب أن يعدّ من جملة حسناته. 


- 489 - 


سنة 1336 ه 


اشتداد الجوع وجمع إعانة للفقراء : 

كانت الأمطار في شتاء السنة الماضية قليلة جدا بحيث يئس الناس من 
حياة الزروع » فارتفع سعر شنبل الحنطة في حلب إلى ألفي قرش » كما 
اشوكا الى دلكقرييا #تواشك الخطي على العكز» والكيعفاء والتقر ا 
وأصبح كثير من الناس يقتاتون بالحشيش يسلقونه ويأكلونه فترم !) سوقهم 
ويموتون. ومنهم من يقتات بقشور البقول والفواكه وتفل النّشا ‏ المععروف 
بالدوسة ‏ والعظام. وبعض الجزارين يخلط لحوم الحمير بلحوم الغنم ويغش 
بها الناس. 
فكان الإنسان يتألم من صياحهم وتضورهم » خصوصا حينما كان يشاهد 
بعض موتاهم جثثا هامدة في الأزقة والشوارع رجالا ونساء وأطفالا 3 
الأمر الذي أثار الحمية وأزكى نار المروءة في أفئدة جماعة من أهل النشاط 
والوجاهة » فسعوا بتأليف جمعية خيرية تهتم بجمع إعانة نقدية من أهل 
الخير تصرفها في قيمة خبز تفرقه على المعوزين المذكورين. فما مضى 
غير أيام قليلة حتى بلغ ما جمع من هذه الإعانة نحو خمسة وعشرين ألف 
ورقة مائة » وكان سعر الورقة في التجارة نحو ثلاثين قرشا. ثم إن هذه 
الجمعية أخذت المدرسة الشعبانية والقرناصية والإسماعيلية وغيرها من 
الأماكن 2 وحشدت فيها المعوزين من النساء والأطفال ليس إلا » وجعلت 
الجمعية تفرق على كل واحد منهم رغيفين في اليوم. وقد بلغ مجموعهم نحو 
ألفي نسمة » وهذا العدد بالحقيقة يقدر بثلث عشر فقراء مدينة حلب » فإن 
عددهم يقدر بتلك الأيام بستين ألف فقير من المسلمين فقط. أما فقراء 
الطوائف المسيحية والإسرائيلية فكان يقدر عددهم بنحو عشرة آلاف فقير. 


(1) تصاب بالورم. وفعله : ورم يرم. 


- 490 - 


وكانت الجمعيات الخيرية من هاتين الطائفتين تقدم لهم أقواتهم 
الضرورية على حسب إمكانها » ولم يكن في وسع الجمعية الإسلامية 
المذكورة أن تقوم بكفاية جميع فقراء المسلمين. وقد استمر هؤلاء الفقراء 
من المسلمين يتناولون هذه الجراية إلى أن نفذت 27 نقود الإعانة » وكان 
الموسم قد اقترب وهبط سعر الشنبل من الحنطة إلى 1200 ومن الشعير 
إلى 600 قرش » وتبين أن المحل كان في الجهات القبلية فقط » وهي جهة 
العيس والأاحصّ وقضاء المعرة » أما فى الجهات الشرقية وهى قضاء الباب 
ومنبج فقد كان المحل فيها أقل فتكا ؛ لأن الشنبل من البذر حصل مثله . 
وفي جهتي الشمال والغرب حصل الشنبل من البذر ضعفه أو ثلاثة أمثاله. 

والخلاصة أن المدة المجموعة من أواخر سنة 1335 وأوائل هذه 
السنة وهي 1336 لم يمرّ في أيام هذه الحرب أصعب ولا أكثر ميتا بالجوع 
منها. 

سقوط السّلط ويافا وغيرها : 

وفيها تواردت الأخبار البرقية باستيلاء الجيوش الإنكليزية العربية 
على السلط ويافا وغيرها من تلك الجهات وتقدموا إلى جهة درعا. 

عود البرنس عبد الحليم إلى استانبول : 

وفيها عاد البرنس عبد الحليم أفندي أحد أفراد الأسرة العثمانية من 
جهة فلسطين متوجها إلى استانبول. 

استقراض داخلي : 

وفيها فتحت الحكومة اكتتاب استقراض داخلي قدره ثلاثون مليونا من 
الليرات ٠‏ الورق النقدي » بفائض خمسة في المائة في السنة » على أنها 
تقبل الورق العثماني على سعره الأميري وتدفع عن كل مائة ورقة خمس 
حون جم عر ال ا لد ور ب 


إقبالا يستحق الذكر لعدم ثقتهم بالحكومة. وف التتاء ل 


الأمطان كنينة وكات 


(1) الصواب «نفدت» بالدال المهملة. 


 491- 


انكسار روسية : 

وفيها تواردت الأخبار البرقية بأن جيوش الألمان قد كسرت جيوش 
الرّوس شر كسرة 2 ومزقتها كل ممزق » واحتلت قسما كبيرا من بلاد 
الروس » وأن ألمانيا قد أكرهت روسيا على أن تخضع لها وتعقد معها 
صلحا يخدم مصلحة الألمان » وقد قسّمت مملكة الروس بين العناصر 
القاطنة فيها وجعلت كل عنصر منها حكومة مستقلة تحكم مقذراتها. وعد 
هذا الظفر لألمانيا برهانا قاطعا على أنها ستخرج من هذه الحرب ظافرة 
لأن قواتها حينما كانت متبعثرة في جبهة روسيا كانت هي الغالبة في الجبهة 
الغربية ؛ فنا ظنك بها الآن :وقد توفرت لديهنا تلك القوات المهولة وصصمار فى 
إمكانها أن تحشدها كلها في الجبهة الغربية؟ ْ 

ترخيص الحكومة بنقل الذهب : 

وفيها ‏ في شعبان - رخصت الحكومة بنقل النقود الذهبية من بلدة إلى 
أخرق ذاخل المملكة العثمانية. 

وفاة السلطان رشاد : 


وفيها » في يوم الأربعاء رابع وعشرين رمضان ء أطلقت المدافع من 
القلعة والقشلاق العسكري إعلاما بوفاة المرحوم السلطان محمد رشاد 
الخامس وجلوس السلطان محمد وحيد الدين على عرش المثلطنة العثمانية. 


عزل بدري بك والي حلب وتولي عاطف بك : 
وفيها في شوال ‏ عزل بدري بك عن ولاية حلب وخلفه عاطف بك. 


انكسار بلغاريا : 


وفيها وردت الأخبار بالبرق العثماني أن حكومة بلغاريا قد انكسرت 
شر كسرة 2 


(1) في الآصل : «كثرة» قصححناها. 


- 492 - 


واضطرت أن تسلّم لعدوّتها دولة اليونان » وأن الطريق الذي يصل برلين 
بالآستانة قد سده البلغار فتعدّر وصول الامداد بالسلاح والذخائر الحربية 
التي كانت تأتي إلى الآستانة من برلين والنمسا. وكانت هذه البلية من أعظم 
أسباب انكسار الجيوش الألمانية في البلاد الشامية وإخلاد تركيا إلى إلقاء 
سلاحها أمام الدولة البريطانية. 2 

فحص فضلة المسافر : 

وفي شعبان هذه السنة أعلنت الصحية في حلب بأن كل من يريد 
السفر على قطار الشام وبغداد إلى جهات دمشق وبيروت والآستانة : 
وغيرها من البلاد والنواحي التي على هذه الخطين » عليه أن يأخذ من 
دائرة الصحية وثيقة (بورتور) أي براءة تشعر بسلامته من الأمراض 
الوبائية. وإذا لم تكن معه هذه الوثيقة يمنع من السفر إلى تلك الجهات. 

فكان كل من أراد السفر على قطار سكة الحديد ‏ ذكرا كان أم أنثى ‏ 
يحضر إلى مكان الصحية فيدخله خدمها إلى الخلاء ويدفع له قارورة 
صغيرة لها سداد ومعها ملوق صغير » يكلفه بأن يأخذ شيئا من فضلته )١‏ 
ويضعه في القارورة » فيفعل ويعيد القارورة إلى الخادم فيكتب اسمه عليها 
ويأخذها إلى محل التحليل » وبعد يوم أو يومين يعود هذا الإنسان إلى مكان 
الصحية فيأخذ الوثيقة المذكورة إن كان تبيّن أن فضلته نقيّة من مكروب 
مرض وبائي » وإلا منع من السفر وأخذ إلى المستشفى. وكان كثير من 
الناس يستهجنون هذا العمل ولا تطاوعهم نفوسهم على إجرائه » فكانوا 
يأخذون الوثيقة شراء بريالين أو أكثر » على حسب تحملهم » وبذلك فتح 
للصحية باب جديد من الرزق ونصب شرك آخر لعرقلة مساعي من أراد 
السفر ؛ لأنه كان يناله تعب زائد في الحصول على تلك الوثيقة علاوة على 
ما كان يناله من التعب في الحصول على إجازة السفر التي يجب عليه أيضا 


انسحاب الروس من بلاد الأناضول : 

وفيها ورد الخبر بالبرق العثماني أن عساكر الروس قد انسحبوا من 
بلاد الآناضول التي كانوا استولوا عليها في أواسط هذه الحرب » وهي 
أزروم ووان وبتليس » وانسحبوا أيضا 


(1) الملوق : الملعقة » أو ما يشبهها. والكلمة من العامية التي اندثرت اليوم أو كادت. 
والفضئلة < البراز.. 


- 493 - 


عن طرابزون وأخلوا الباطوم وغيرهما من البلاد العثمانية التي كانوا 
الكتاوكها فى حهات قنداجنا في الخووت الأخيرة الفارو ميرت كنا 


عود الشريف حيدر باشا إلى الآستانة : 


وفيها قدم من جهة دمشق إلى حلب حضرة الشريف علي حيدر باشا 
غائذا إلى الأستانة. 


تقدم جيوش الإنكليز والعرب في جهات درعا وانهزام المستخدمين : 

في شهر ذي القعدة من هذه السنة تواترت الأخبار بتقدم جيوش 
الإنكليز والعرب في جهات درعا » وأن القوة المعنوية في الجيوش التركية 
الألمانية قد انكسرت واستولى عليها اليأس » ففارق ليمان باشا الألماني 
مكانه وتوجه إلى جهة استانبول » وكان معاونا في القيادة الحربية جمال 
باشا الصغير الذي هو قائد الجيش المحارب » وهو غير جمال باشا القائد 
العام. ثم فارق جمال باشا الصغير الجيش المحارب ٠‏ وهو غير جمال باشا 
القائد العام. ثم فارق جمال باشا الصغير الجيش أيضا ولحق بليمان باشا » 
وبعده طفق المستخدمون والموظفون من ملكيين وعسكريين في البلاد 
الساحلية ودمشق وغيرها يتركون وظائفهم ويرحلون أفواجا إلى استانبول 
وغيرها من البلاد التركية خوفا من استيلاء جيوش الإنكليز والعرب عليها 
ووقوعهم أسرى في أيدي المحتلين أو قيام الأهليّين عليهم انتقاما من 
إساءتهم إليهم. 

استبدال والي حلب عاطف بك بمصطفى عبد الخالق بك : 

وفي ذي الحجة من هذه السنة عزل والي حلب عاطف بك وخلفه 
مصطفى عبد الخالق بك وهذه ولايته الثانية - فوصل إلى حلب في اليوم 
الخامس والعشرين من هذا الشهر مجردا عن عياله ونزل في فندق 
البارون. 


- 494 - 


سنة 1337 ه 


جلاء الموظفين من أماكنهم : 

في أوائل محرّم هذه السنة وصل إلى حلب جمهور من الموظفين 
والمستخدمين فرارا من وقوعهم أسرى في قبضة المستولين » قادمين من 
دمشق وبيروت وغيرهما من البلاد السورية والساحلية التي قرب استيلاء 
الجيوش الإنكليزية العربية عليها » متوجهين إلى استانبول والأناضول. 
وكان مع هؤلاء الموظفين أهلهم من النساء والأطفال » فازدحموا في سكة 
حديد بغداد وظل الكثيرون منهم عدة أيام تحت السماء بلا غطاء ولا وطاء » 
فنالهم من المشقة ما لا مزيد عليه. 


خب سقوظ تمدق ونشنت شمل الجيوش العثمائية : 
بأنه في ظهيرة يوم الاثنين » ثاني يوم من الشهر الحالي » استولى على 
دمشق الشام عرب الشريف ٠.‏ الذين هم في مقدمة جيوش الدولة البريطانية ؛ 
وكان السواد الأعظم من موظفي تركيا فيها قد خرجوا منها قبلا كما ذكرناه 
آنفا » وحين دخول العرب إليها أقيم أحد كبراء أولاد المرحوم الأمير عبد 
القادر الجزائري مقام الوالي ليقوم بإدارة توطيد الأمن والسلام في المدينة 
ريثما يحضر إليها ‏ من قبل الشريف حسين ملك العرب ‏ من يتسلم زمام 
إدارة أمورها. 
هذه المدينة العظيمة في أقرب وقت وكانوا يقولون : إنها لا يمكن سقوطها 
بأقل من سنة. وقد تشتت شمل الجيوش العثمانية الألمانية في جهات درعا 
ومزقوا كل ممزق ما بين أسير وقتيل في الحرب وضائع ومترذ ومقتول 
من قبل عرب البوادي وسكان القرى المتوسطة بين دمشق ولبنان وبعلبك. 
وكانت جبهة الحرب في جهات درعا » وهناك كانت هزيمة جيوش الأتراك 
ومن معهم من الالمان. وكان سبب انكسارهم الفجائي ‏ الذي لم يكن في 
الحسيان ‏ 

جان 


- 495 - 


التفاف العرب عليهم من ورائهم بقطع مسافة من الصحراء في مدة لا يمكن 
للجيوش الإنكليزية أن تقطعها فيها . لكثرة أثقالها التي لا تتحملها تلك 
الرمال في هاتيك المفاوز. وبسبب هذا الالتفاف أصبح الجيش التركي بين 
داريو تان رتكلير بويدان العو ودانفطع علب تقيظ الرحعة وضرل عل 
الهزيمة. وقد غنمت جيوش إنكلترة من الأقوات والمهمات الحربية وغيرها 
مايعجز عنه قلم الإحصاء. 


سقوط رياق : 

هذا ولم يمض غير أيام قلائل على سقوط دمشق حتى شاع في حلب 
أن الألمان قد يئسوا من الظفر بعدوهم فأحرقوا محطة رياق بما فيها من 
النخائر'والغهمات: وكانت شيئا كثيرا + ونسفوا 'شيكتها الحديدية وتقدموا 

انتهاء صحيفة الفرات : 
الفرات واخر نسخة صدرت منها في هذا اليوم كان عددها (20420). 


إبطال القبض على العساكر : 

وفي هذا اليوم صدر أمر القائد العسكري العثماني بحلب بإبطال إلقاء 
القبض على العساكر الفارين. فرك راك 0 سررو را احور اخيصيويم 

حدوث فزع في حلب : 

وفي يوم الجمعة سادس محرم وقع الذعر في سوق مدينة حلب . 
فأغلقت الدكاكين والخانات وهجم الناس متزاحمين يعدون كالسيل الجارف. 
وكان سبب هذا الذعر طلقة من غذارة 7» خرجت على غير قصد في يد 
واحد من سوق البزٌ ‏ المعروف بسوق 


(1) الغذارة : سلاح ناري قصير » فوهته واسعة. وهي أصغر من البندقية وأكبر من 
المسد 
سر). 


- 496 - 


البالستان ‏ فأصابت شابا من بيت ونس فقتلته في الحال » فظن الناس أن 
هذه الطلقة من جهة الجنود التركية أو الألمانية الذين وصلوا إلى حلب ؛ مع 
أن الجنود المذكورين لم يصلوا إلى حلب إلا بعد ستة عشر يوما كما يأتي 
بيانه. 

وفي يوم السبت والأحد وقع نظير ذلك الذعر في السوق المذكور » 
وكان سببه قيام جماعة من السّفلة والغوغاء للنهب والسلب » وهم من 
العساكر الفارّين الذين خرجوا من مخابئهم آمنين غائلة القبض عليهم » 
يكحت انك الأفتر نوو الحكريقة ان «إيكان قصمرة الفيكن كي العناكر: 
الفزذين فصينة المصاخة العامة فاغيية القيصس رويطل الشوقايز التقلة 
والمتشردين. 

نسف محطات وسقوط حمص وحماة وغيرهما : 

وفي هذه الأيام وردت الأخبار من جهات حمص وحمة بأن الجنود 
التركية والألمانية حملهم اليأس من مقاومة جنود العرب والإنكليز على أن 
يحرقوا جميع المحطات بين رياق وحلب وينسفوا شبكاتها الحديدية . 
ويهدموا سائر ما في هذا الطريق من الجسور وينسحبوا إلى جهة حلب . 
وات الحرات اناا على اث امنتحادهم و اندر لوا على بخص ريديك ويحطاة. 


خوف الجنود التركية وموظفي حكومتها وارتحالهم من حلب : 

وفي هذه الأيام وقع الخوف في حلب وشاع أن العرب يصلون إليها 
يوم الجمعة عشرين محرم. فأخذت الجنود التركية الالمانية والجم الغفير من 
موطفي الحكومة العتماية يرون الرحيل من خلب إلى هيات استايول 
والآناطول ؛ خوفا من وقوعهم أسرى في قبضة الإنكليز » أو من تسلط أهل 
البلد عليهم انتقاما منهم على ما كانوا يفعلونه معهم في أثناء هذه الحرب من 
المظالم وأنواع التعدي. فازدحم في محطة بغداد موظفو حلب مع موظفي 
دمشق وبيروت وحمص وحماة وغيرها من البلاد الشامية والساحلية ومعهم 
السماء ‏ من الجهد والبلاء ما لا يعلمه إلا الله تعالى. وكان الرجل العظيم 
من هؤلاء الموظفين يرضى أن يتيسر لركوبه ولو حافلة دوابٌ » حتى إن 
قاضي حلب سليمان سرّي أفندي ركب في حافلة دواب وعد ذلك نعمة 
عظمى. 


- 497 - 


تحليق طيارات الإنكليز في سماء حلب : 

بعد سقوط دمشق بأيام قلائل بدأت طيارات الإنكليز لأول مرة تحلّق 
في سماء حلب لاكتشاف مواقع الجنود العثمانية في ضواحي حلب ٠‏ 
والألمانية في جهات قرية «المسلميّة» فكان هؤلاء الجنود كلما علتهم طيارة 
يطلقون عليما كر انمد افعهم فل تمل فيه شيذا و يوم مين الينام حلق 
في سماء حلب خمس طيارات في آن واحد » فكثر إطلاق المدافع عليها ء 
وألقت طيارة منها قنبلة وقعت على مقربة من محطة بغداد وانفجرت فقتلت 
ستة عشر إنسانا وجرحت أربعين وقتلت عدة دواب. 

مقدمات سقوط حلب : 

بوم لا يعاء ارق عقن مم عضن و التي حتتج العتتاني مضيطنن 
عبد الخالق بك إلى دار الحكومة ؛ ودعا إليه جماعة من وجهاء حلب 
وعلمائها وأخبرهم بأن حلب تسقط عما قريب وأنه عازم على البقاء في 
حلب إلى ما قبل سقوطها بثلاث ساعات » وأنه يصرف منتهى جهده على 
حفظ الأمن والسلام مهما كلفه ذلك من الخطر على نفسه » غير أنه يطلب 
من الوجهاء وأهل البلدة أن يساعدوه على تنفيذ هذا الغرض وأن يختاروا 
منهم رئيسا عليهم وواليا وقتيا إلى مجيء عساكر الشريف إليهم. فانتخبوا 
متهم سيعة أشخاص انتخيوا واحدا متهم نينتا غليهم كوكيل وآل وقتي. 


الهدنة بين إنكلترا وتركيا : 

وفي هذا اليوم وردت الأخبار البرقية تفيد أنه حصل بين دولة إنكلترة 
ودولة تركيا هدنة إلى مدة ستة وثلاثين يوما. فسرّ الناس من ذلك الخبر 
سرورا عظيما. 

إطلاق المحابيس : 
الدولة العثمانية (قومندان الجندرمة) إلى محل المحابيس وأمر أفراد الدرك 
الموكلين بحفظ المحابيس بأن يتركوا خدمتهم ويتوجهوا إلى حيث شاؤوا. 
ففعلوا ما أمرهم به وتركوا السجون خالية من الحرس وكان فيها ما يربو 
على ألف وخمسمائة مسجون. وسمع ذلك رجال الدرك والحرس والشرطة 


- 498 - 


الموظفون في المخافر لحفظ الأمن فتركوا مخافرهم وتوجهوا إلى منازلهم. 
ولما سمع هذا الخبر المجلس الذي أمر بانعقاده الوالي العثماني ظن أن 
الوالي هو الذي أمر قائد الدرك بذلك » وأن الحكومة العثمانية قد انسحبت 
وتخلت عن حفظ البلدة » فاهتم المجلس بتأليف قوة من أهل البلدة لتقوم 
بحفظها ريثما تدخل الحكومة الجديدة. 


صدور أمر الوالي بحل المجلس الذي أمر به : 

وفي صباح يوم الخميس تاسع عشر محرّم الجاري دعا الوالي 
العثماني عبد الخالق بك رجال المجلس الذي أمر بانعقاده » وأنكر عليه 
لط جك 5 نود اوكا كج ل ار 
فته أسقيانت الأسن والراصة حتي تدبكل. اليه الحديذة :أن القائد 
العثماني يقول إن حفظ البلدة من خصائصه وإنه لا يرضى بتأليف قوة من 
أهل البلد لأجل حفظها إلا إذا جعلت هذه القوة تحت أمره ونهيه. وبالحقيقة 
أن الوالي والقائد أساءا الظنّ بهذا المجلس وتوهما أن القوة التي يؤلفها ربما 
أوقعت بهما وببقايا الأتراك من المأمورين والعساكر الذين لم يتمكنوا من 
الجلاء مع أن ذلك لم يخطر على بال أحد من أهل حلب الذين ما برحوا إلى 
ذلك الوقت يهابون الأتراك ويحترمونهم. 


اشتداد الخوف وقيام الأسافل للنهب : 

انسحب المجلس الوقتي لما سمعه من الوالي » وضرب الصفح عن 
جمع القوة المحافظة التي لا ترضى أن تكون تحت أمر القائد ونهيه . 
وانسحبت الحكومة العثمانية لأن جميع رجال دركها وشرطتها استولى 
عليهم الخوف فتركوا وظائفهم » والجنود النظامية لا يوجد منهم في المدينة 
سوى خمسين أو ستين جنديا لا يمكنهم التجوال في البلدة لحفظ الأمن فيها 
لأنهم واقفون بالمرصاد للدفاع عن الوالي والقائد إذا تعرض إليهما أحد من 
الأرمن وأهل البلدة أو غيرهما. وباقي الجنود النظامية قد توجهوا إلى جبهة 
الحرب المصطفّة تجاه جنود العرب والإنكليز في نواحي الراموسة وقرية 
خان طومان والشيخ سعيد » فلم يبق في البلدة قوة تحفظ الأمن والسكينة. 

وأصبح الناس في هذا اليوم وهو يوم الخميس فوضى لا حاكم ولا 
زاذع لهم فقام 


- 499 - 


الأسافل من كل ملّة وانضم إليهم زعانف الأعراب المجاورين لحلب 
وهجموا كالسيل الجارف على مستودعات الجنود التركية والألمانية والثكنة 
العسكرية القديمة المعروفة بالشيخ يبرق » والحديثة الكائنة على جبل 
البختي » وعلى مكاتب الحكومة ومستشفيات الجنود » ونهبوا جميع ما 
وجدوه في هذه الأماكن من السلاح والقذائف والأقمشة والحبوب 
والمنسوجات والصوف والقطن وأنواع الحديد والأخشاب والصابون والرز 
والسمن والزيت » وكان شيئا كثيرا. واقتلعوا أغلاق هذه الأماكن ورفوفها 
ونهبوا صناديقها وكتبيّاتها وما في ذلك من السجلات والدفاتر التي لا فائدة 
لهم منها سوى جلودها » فأما ما فيها من الأوراق فكانوا ينثرونها 
ويطرحونها تحت أقدامهم. وكان بعض هؤلاء الآوباش يدخلون المستشفى 
وينهبون جميع ما فيه » ثم يطرحون المرضى عن أسرتهم وياخذون 
مفارشهم » وربما جردوا المريض من ثيابه وتركوه مطروحا على الآرض. 
وقد بيعت غذارة المرتين 7» بخمسة قروش » وصندوق القذائف المعروفة 
بالخرطوش بقرشين. ٠‏ 

فاستولى الخوف على القلوب وأسرع التجار إلى إغلاق حوانيتهم 
خوفا من هجوم الأشقياء عليهم. وأمسى الناس في أمر مريج © لا يأمن 
الإنسان على نفسه وماله من التفاف هؤلاء الأسافل إلى منزله ونهب ما فيه 
والتعرض إلى حرمه. 

انفجار لغم : 

وبينما كان الناس على هذه الحالة المكربة إذ سمع وقت الغروب هزيم 
©) انفجار صمت له الآذان كأنه صوت مائة صاعقة انقضئت فى آن واحدء 
فاتخلعت القلوب هلعا وازتعدت الفراتض ؛ واهتزت أرجاء البلدة وجدرانها 
وتحطم كثير من زجاج النوافذ. وظن الناس لأول وهلة أن القائد العسكري 
بدأ بإطلاق كرات المدافع على البلدة ليخربها » فايقنوا بالهلاك. ثم ظهر أن 
هذا الهزيم هو صوت انفجار مستودع بارود قديم في الثكنة العسكرية ؛ 
كانت العساكن الت كية وضبعت: فيه لما تفجو نيد أححة النناهين كنك 
اظمأن: الناين 


(1) سبق شرح الغدارة. والمرتين : البندقيّة يحملها المشاة » من التركية. وقوله «غذارة 
(2) أي مختلط. 


- 500 - 


من جهة خراب البلدة ولكنهم ما زالوا خائفين من بعضهم » وكان أراذل 
الناس وغوغاؤهم الذين نهبوا السلاح من المستودعات يطلقون هذه الليلة 
في منازلهم عياراتهم النارية على صفة لا تنقطع » فكنت تسمع في الدقيقة 
الواحدة صدى ألوف من الطلقات. 

سقوط حلب : 

يوم الجمعة عشرين محرّم (1337) الموافق 12 تشرين الأول سنة 
8 مء و 29 أيلول سنة 1334 شرقية » أصبح الناس وعيونهم لم تذق 
الغمض وهم خائفون وجلون » والأوباش عادوا إلى ديدنهم الأول من النهب 
واالشتلت ميحد أن نهيوا المكتت الوشدي السكريئ' الكنائن فى شيفال 
مستشفى الغرباء تحت القلعة » ألقوا في قسمه الشمالي النار فاحترق ولم 
يبق في البلدة حاكم ولا رادع. وكنا نسمع في كل برهة من الزمن فرقعة 
الوف من البنادق فكنا نظن أنها فرقعة بنادق المتحاربين من الجنود التركية 
والإنكليزية عند قرية الراموسة. ثم تبين أن هذه الفرقعة هي صدى المواد 
النارية التى تحرقها الجنود التركية والألمانية فى المحطات ومستودعات 
الأعتاد الحربية. وكان بعض الناس يسمع دوي المدافع التي يطلقها جنود 
الأتراك والإنكليز على بعضهم قرب خانطومان. 


قدوم عرب العنزة إلى حلب : 

وفي عصر هذا اليوم أقبل على حلب من جهة باب النيرب طائفة من 
عرب العنزة ‏ الذين يرأسهم الشيخ مجحم المهيدي ‏ وكان مواليا للحكومة 
العتماقة ؛«وفي الأياء.| (أخيرة أعطلقة ميلها ورافر ا مزع النفر دجو الكلاج وكلدتاة 
القيام بحراسة أطراف البلدة وبعض القرى المجاورة لها وحفظ بعض 
مدخرات الحبوب الكائنة في القرى كقرية الجتّول وقرية دير حافر 
وغيرهما. ثم في هذه الأثناء قبضت الحكومة على بعض أشخاص من 
عشيرة الشيخ مجحم فاغتاظ من هذا العمل إلا أنه كظم غيظه. فلما كان 
عصر هذا اليوم علم أن عرب الشريف قد اقتربوا من حلب وأن العساكر 
التركية قد انسحبوا منها إلا قليلا منهم ؛ أمر عشيرته - وكانوا زهاء ثلاثين 
فارسا ‏ أن يهجموا على سجون حلب ويفتحوا أبوابها ويطلقوا منها سراح 
جميع السجناء. ففعلوا ذلك » وكان بين الجماعة المهاجمين غلام من أنسباء 
الشيخ مجحم أصابته رصاصة من حارس السجن فوقع قتيلا » فهجم 
العربان على 


-501- 


الحارس فهرب منهم إلى سطح دار الحكومة فتبعوه وقبضوا عليه وقطعوه 
إربا 2 » ثم ساروا إلى جهة باب الفرج حيث منزل العساكر التركية » كأنهم 
أرادوا نهب المنزل واستئصال من فيه من العساكر » فلم يشعر العرب إلا 
وقد تجرد إليهم عدد وافر من الجنود التركية ورموهم بالرصاص فقابلهم 
العربان بالمثل » وقتل من الطرفين بضعة أشخاص .ء ثم تغلب الأتراك على 
العرب بواسطة ما لديهم من المدافع الرشاشة فولى العرب منهزمين. وقد 
استوحشت الجنود التركية وظنت أن أهل البلدة يريدون الهجوم عليهم فوقف 
منهم بضعة أجناد في جهات باب الفرج وصاروا يرشقون برصاصهم كل 
من رأوه مارا من تلك الجهة فقتلوا بعض المارّة » وكانت الشمس قد مالت 
إلى الغروب. 


جلاء الوالي والقائد والجنود التركية 


عن حلب ودخول عساكر الشريف حسين إليها : 

قي ذلك الوقك مان الزالى,مطتطقن عد الحالق يكبوإلقاقه التسكر 
مصطفى كمال باشا إلى جهة محطة بغداد واختبأ في بعض جهاتها. وعلى 
أثر مسيرهما إلى المحطة » وقت الغروب ٠‏ أقبل على حلب من جهة قارلق 
عرب الشريف حسين ملك العرب وهم دون مائة عربي ما بين فارس 
وهجّان » يرأاسهم الشريف مطر نائب الشريف ناصر » وكيل حضرة الأآمير 
الملكي الشريف فيصل نجل الشريف حسين. وفي ذلك الوقت تحقق الناس 
أن الشريف قد استولى على حلب وخرجت من يد بني عثمان بعد أن بقيت 
تحت استيلائهم مدة أربعمائة وخمس عشرة سنة. فسبحان مالك الملك يؤتي 

ومن » لخدف الفوريكة أن مكراد ف النز اك لق 1و3 طني مدهي اي 
باستيلاء الدولة العربية عليها من جهة أن كلتا الدولتين أخذتها صفوا عفوا 
دون حرب ولا ضرب ء كما أن الناس في جميع هذه البلاد اغتبطوا بهذه 
الدولة وفرحوا بتخلصهم من بغي قادة الجنود العثمانية وظلمهم » كذلك 
قاذة كود الغورى سلطان: الدولة التركيبية 


)1) لعل المؤلف ساير الاستعمال الدارج على توهم الجمع في لفظ «إرب» الذي يفتحون فيه 


الراء. والصواب أن يقال : قطعه إربا إربا أي عضوا عضوا. بتكرار كلمة الإرب وتسكين 
الراء فيها » ليس غير. 


- 502 - 


عزم المأمورين الراحلين على استصحاب السجلات : 

لما عزم الموظفون الأتراك على الرحيل من حلب أراد كل موظشف 
منهم أن يأخذ معه الأوراق والسجلات التي كانت في محل إدارته » فأوعبها 
في الجوالق 7) وطلب من يحملها إلى محطة بغداد » فلم يتيسر له أحد وكان 
الخوف قد سطا عليه فتركها ومضى إلى حال سبيله. ولو أخذت هذه 
السجلات لتضرر كثير من أصحاب المصالح خصوصا سجلات الدفتر 
الخاقاني. على أن كثيرا من سجلات غير هذه الدائرة فقدت بسبب دخول 
الأوباش إلى دار الحكومة في يوم الجمعة قبل دخول الشريف مطر إليها 
بقليل من الزمن » فظفروا بدفاتر جباة الأموال وأتلفوها عن آخرها. وكانوا 
يأخذون جلودها ويطرحون ما فيها من الورق في الأرض ويبعثرونه 
بأرجلهم. 

هذا ولما وصل الشريف مطر وعربه إلى حلب ليلة السبت الحادية 
والعشرين من محرّم الجاري نزل في دار الحكومة » فجلس على بساط فتح 
له على أرض البهو الذي يؤدي إليه الدرج الكبير ونزل عربه في صحن 
دار الحكومة » وحفروا في الأرض نقرا أشعلوا فيها النار لطبخ قهوة البن 
يسقون منها الواردين على الشريف للسلام وعرض الاحترام. وقد تحقق 
الناس استيلاء الحكومة الجديدة على حلب إلا أن الخوف مع ذلك استولى 
على الناس من فتك الأسافل وبقايا الجنود التركية » وخلت الأزقة من المارّة 
وبات الناس في قلق وخوف لا مزيد عليه » نظير ما باتوا عليه في الليلة 
البارحة أو أشدَّ » وكان ألوف من الأوباش يطلقون عياراتهم النارية من 
منازلهم تخويفا لمن يتوهمون أنه يهجم عليهم مع أن الخوف في تلك الليلة 
قد شمل الجميع. 

ولما علمت بقايا الجنود التركية أن عرب الشريف قد دخلوا حلب 
ونزلوا في دار الحكومة مشى منهم نحو خمسين جنديا على دار الحكومة 
للإيقاع بالعرب ولما وصلوا إلى دار الحكومة هجم عليهم العرب فولوا 
منهزمين » ولو ثبتوا قليلا لأفنوا العرب عن آخرهم إلا أنهم خافوا أن يأتيهم 
من ورائهم كمين من أهل البلد فيقعوا بين نارين فعادوا من حيث أتوا. 


(1) الجوالق » بفتح الجيم » والجواليق : مفردها جوالق (بضم الجيم) وهو العدل من صوف 
أو شعر. 


- 503 - 


سفر الوالي والقائد التركيين : 

وفي الساعة الثانية من هذه الليلة ركب القطار القائد العسكري 
العثماني ٠‏ ومصيطف يغيد الخالق بك «الوالئ العثمتاتئ الأرتوظي الأضيل : 
وهو شاب صبيح الوجه في سن الخامسة والثلاثين » ذكيّ حسن التفرس 
متديّن أمين ذو شفقة ومرحمة » بذل ما في وسعه من الجد والجهد في 
ولايته الأولى أيام هذه الحرب في ملاطفة الفقراء وتوفر الأقوات » فخفّف 
عنهم آلام الجوع ولم يمت أحد في أيام ولايته جوعا. 

زلخا ولي حلت فى :هذه إلس حطين إلرهنا محردة اشن كناقة بوم وان 
جهدا في تلطيف ما نزل بحلب من الشدائد التي من جملتها ظلم الجندية 
واستبدادهم » موقنا أن الحلبيين لا غائلة تخشى منهم على الأتراك فآلى على 
نفسه أن يبقى في حلب إلى آخن: فساعة من:أيام الحكومة العثمانية » غير 
مبال بما عساه أن يناله من الخطر الذي لا يوجد من يدفعه عنه من رجال 
الدرك والشرطة لتركهم وظائفهم واستيلاء الخوف عليهم 

وقد قصد من بقائه في حلب إلى المدة الأخيرة ردع الأوباش والأسافل 
عن قيامهم على بقايا المأمورين والأتراك وعلى ضعفاء الأهلين ليسلبوا 
أموالهم ويعيثوا في أعراضهم. على أنه وإن كان لا يوجد معه من يحامي 
عنه من رجال الدرك والشرطة إلا آن مجرد علم الأسافل بوجوده يردعهم 
عن تنفيذ نواياهم الخبيثة » ولعلمهم أيضا بأن بقايا العساكر العثمانيين لا 
تتخلى عن تنفيذ أوامره عند اقتضاء الحال. 

محاماة الوالي عن حلب تجاه القائد : 

وله غرض آخر من بقائه في حلب إلى آخر وقت وهو مراقبة حركات 
القائد العسكري الذي كان يعتقد أن أهل حلب من أعداء الدولة التركية » وقد 
وكرات المدافع » وأن الوالي عبد الخالق ينهاه عن فعله ويؤكد له ان أهل 
حلب لا يستحقون منه هذا العمل ؛ فكان القائد لا يقنع بكلامه. وقد قيل إن 
عبد الخالق بك لما تحقق أن القائد مصمم على تخريب البلدة ‏ حين ما 7) 


(1) في الأصل : «حينما» والصواب هنا فصل «ما» عن «حين» لأنها اسم موصول » لا 
زائدة وهو ما صححناه. والهاء في «به» تعود على «ما». 


- 504 


بدأ به من وضع المدافع في أعالي البلدة وصدور أمره للموكلين بها بأن 
ينتظروا إشارته بإطلاقها - حضر الوالي وقال له : اقتلني قبل أن تنفقذ هذا 
العزم » لأن قتلي أهون علي من أن أرى حلب خرابا. 

هكذا شاع عند أهل حلب. والحق يقال : إن تخريب هكذا بلدة يعد من 
أكبر الفظائع التي تبقى نقطة سوداء في تاريخ العثمانيين إلى الأبد. على أنه 
غير مستبعد عن أهل البلدة ‏ متى بدأ عمل التخريب ببلدتهم وبلغوا حد 
اليأس من سلامتهم ‏ أن يقوموا قيام المستميت ويهجموا » وهم يعدون بمئات 
الألوف ٠‏ على كل تركي في حلب جنديا كان أم غير جندي فيد فيبيدوهم عن 
آخرهم. 

'سمع حضرة القائد نصيحة الوالي ورقٌ لشكواه ورجع عن عزمه » 
غير أنه قال له إنه متى علم أن أهل البلدة تداخلوا مع العساكر العربية 
الإنكليزية وانضموا إليهم فهو يخرب البلدة على رؤوس أهلها في ساعة 
واحدة. وعليه فإن الوالي قبل سفره بيوم حضر إلى دار الحكومة ودعا إليه 
جماغة من الأعيان وبلُغهم ما قاله القائد فأجابوه بأن القيام مع العساكر 
العربية الإنكليزية مما لم يتصوره أحد من أهل حلب. 

وقد استفاض بين الناس ما يبديه الوالي في حق أهل حلب من العطف 
والمحاماة وحسن الإدارة حتى اتصل خبر ذلك بالقائد الإنكليزي وهو في 
جبهة الحرب أمام الجنود العثمانية قرب قرية الراموسة » فكتب إلى الوالي 
- حسبما شاع يشكره على ما يبديه من اللطف والإنسانية مع أهل حلب ». 
ويرجو منه أن يبقى مثابرا على حفظ البلدة إلى آخر ساعة وأن لا يخشى 
تعرض أحد إليه من الدولة الجديدة بالأسر أو سوء المعاملة. 

قلت : إن اشتهار هذا عن الوالي وشيوعه إلى هذه الدرجة يدفع ما قيل 
عنه إنه لم يقصد من بقائه في حلب إلى آخر وقت من أيام الحكومة العثمانية 
إلا ليكون جاسوسا بين أهل البلدة وبين القائد العسكري . وواسطة تهديد 
وتخويف بين الطرفين لسوء ظنه بأهل حلب وخوفه هو والقائد من قيامهم 
على من فيها من الأتراك عامة » فيبيدونهم عن آخرهم انتقاما منهم على ما 
كان يفعله معهم أشرار الموظفين من الظلم والتعدي » على حد قول الشاعر 


إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصذق مايعتاده من توهم () 


- 505 - 


قل "كيل > إن القانة الفينة له يفضي عرق إذاعة مويه عل مقويي النلذة 
لحدوث الهدنة في هذه الأيام وصدور الأمر إليه بأن يترك حلب وينسحب 
عنها بلا ضرر ولا إضرار. والله أعلم بحقيقة الحال. 


ما كان في حلب بعد وصول الشريف مطر إليها : 

صباح يوم السبت 21 محرّم استفاض بين الناس أن الوالي والقائد 
العسكري التركيين سافرا ليلا » وأن عامة الالمان من الجنود وغيرهم لم 
المستشفيات الالمانية » وأن الالمان كان في عزمهم أن ينسفوا بالغامهم كل 
بناء يخصهم في المحطة وغيرها » وأن القائد العسكري العثماني هو الذي 
عارضهم بذلك. وقد نسفوا بعض الجسور على نهر قويق. 
الشريف مطر ء وكان الروع ذهب من القلوب وظهرت المارّة في الشوارع 
البادية المكيمة: في كسخازى رولاية كلت ور وكانو ا يمكاوق :الها ١‏ مزة بعد 
زمرة ولا يرون فيها أدنى مقاومة » ولا حدث بدخولهم أقفل خوف , وكان 
الرايات والأعلام العربية على أبواب الأماكن الأميرية » ولم يقتل من بقايا 
الجنود التركية وغيرهم سوى بضعة أشخاص اشتبه الأعراب بهم فقتلوهم. 

انفجار ألغام : 

وفي ظهيرة يوم الأحد 23 محرم سمع بغتة هزيم انفجار مفزع ثلاث 
زجاج النوافذ القريبة من تكية الشيخ أبي بكر الوفائي. وبعد برهة تبين أن 
هذا الانفجار صادر من ألغام كانت مدفونة في مستودع الأعتاد النارية 
الكائن في شرقي جنوب التكية المذكورة » وهو مستودع المواد النارية 
للألمان قرب مستودع الأتراك. 


- 506 - 


وصول عساكر الإنكليز إلى حلب : 

في عفدن هذا الوم وصلتث الى تخب فسنقن السدوه الإلكلررينة 
فرسانا ومشاة وهجّانة » ومعهم السيارات والعجلات المشحونة بالمهمات 
الحربية » وهم إنكليزيون ومصريون وهنود. والمصريون مسلمون » 
والهنود مسلمون وبراهمة وصك . وكان عددهم جميعا لا يزيد على ألف 
جندي. ويقال إن عددا عظيما من الجنود الإنكليزية لم يدخلوا حلب وإنما 
توجهوا إلى جهة راجو ونواحي كلّز وعينتاب وغيرهما ليتعقبوا العساكر 
التركية التي أمّت تلك الجهات. 

واقعة قرب قرية بلليرمون : 

وكانت الجنود التركية ‏ الذين انسحبوا من جهات الراموسة وقرية 
الشيخ سعيد لد توخيو الى اجية قرينة بالبرمون التريبة إلى حلفا ء »في 
الود الإنكليزية خرجوا من مكامنهم وأطلقوا 5 نيرانهم فقتلوا منهم 
لي رواب - تدوز تماتماتة حتدي + رليم صدائظ تكدري كور افير لواف 
نصب تذكاري. 

فرقعة ألغام وقذائف : 

وفي يوم الاثنين والثلاثاء 23 و 24 محرّم الجاري كنا نسمع من حين 
إلى آخر دوي انفجارات مزعجة تنفجر في جهة محطتي سكة حديد بغداد 
والشام في ظاهر حلب » وهي ألغام دفنها الألمان تحت جسور المحطّتين 
ولم يتمكنوا من إشعالها » فكان الإنكليز يظهرونها بواسطة كلاب معهم 
فيخرجون منها ما يمكنهم إخراجه ويشعلون ما يعجزون عن إخراجه. 

وشاع بين الناس أن الألمان دفنوا في قلعة حلب عدة ألغام وأنها عما 
قريب يتحر + فارضاع القابن من ذلك ودر كتير من كان الفحادت 
المجاورة للقلعة إلى غيرها اتقاء خطر هذه الألغام. ثم تبين أن هذه الإشاعة 
إرجاف لا أصل له. 


وصول الشريف ناصر إلى حلب وانعقاد مجلس شورى : 


الأمير ناصر من الأشراف الحسينية القاطنين في «العوالي» 
المجاورة للمدينة المنورة. 


- 507 - 


جك تساي ام ١‏ ارك ل 
في التأمّر مكانه على حلب. فوصل إليها يوم الأحد ثاني وعشرين محرّم 
الجاري » ونزل ضيفا كريما في منزل أحد وجهاء حلب في محلة الجميلية. 
وبعد أيام انتقل إلى دار خصوصية هيئت له في محلة العزيزية. وقبل 
وصوله إلى حلب كان القائم بحراستها وحفظ الأمن فيها جماعة الشريف 
خالية من الموظفين. 

وبعد وصول الأمير ناصر بيومين أصدر أمره قبل كل شيء بأن 
يؤلف مجلس شورى ينتخب الدرك والشرطة أولا » ثم ينتخب موظفين 
لدوائر الحكومة. فتألف هذا المجلس من اثني عشر عضوا من وجهاء حلب 
في أيام الدولة التركية » وقد انتخبوا واحدا منهم رئيسا عليهم - وهو حضرة 
كامل باشا القدسي ‏ ثم شرعوا بانتخاب الموظفين فأحسنوا بتعيين بعضهم 
المبالاة من تضييع منافع الدولة لمنفعتهم والتكاسل عن واجبات وظائفهم 
واحتقار الناس والتهاون بأقدارهم. ولهذا لم يمض على تعيينهم غير أيام 
قلائل حتى بدأ الناس يتذمرون منهم ويتشكون من تباطئهم » ووعودهم 
لصاحب المصلحة في قضاء مصلحته والكتابة على قصته (2) بقولهم : رح 
؛ وتعال » وغدا » نظير ما كانوا يفعلون مع أصحاب الأشغال في أيام الدولة 
الزائلة إذ كانوا يقولون لهم بدل هذه الكلمات (كت . كل ؛ يارن » أوبركون) 
©. حتى اشتهر في هذه الأيام عن و احد من ذوي الأشغال أنه اشتكى إلى 
الوالي على بعض المأامورين الجديدين الذين هم من هذا القبيل » وقال 
للوالي : (بذلنا العجميات بالعكال » وكيت وكال : بروح وتعال) يريد 
بالعجميات : كسوة الرأس عند الأتراك » وهي الطرابيش والقلانس 

يوم الجمعة 27 محرم الجاري حضر الآمير ناصر إلى الجامع الكبير 
بموكب حافل وصلى فيه صلاة الجمعة . ودعا الخطيب لملك العرب 
الشريف حسين بالنصر والظفر. وبعد الفراغ من الصلاة أمر حضرة 
الشريف ناصر لخدمة الجامع بأربعين ذهبا إنكليزيا. 


)1) القصة هنا : الطلب ؛ وما يسمى «بالاستدعاء» الذي يشرح فيه صاحب الحاجة قصته. 
(2) كت : اذهب. كل : تعال » هلمٌ. يارن : غدا. أوبركون : بعد غد. (وهي كلمات تركية). 


- 508 - 


نادي العرب وجريدة العرب : 

وفي هذا اليوم تحزب حزب من الشبيبة العربية وأتوا مكان نادي 
جمعية الاتحاد والترقّي المعروف باسم (قلوب) ووضعوا أيديهم عليه وعلى 
ما فيه من الكتب والأثاث وسمّوه نادي العرب » وأصدروا صحيفة يومية 


سموها (العرب). 


قدوم شكري باشا الأيوبي إلى حلب في هذه الأيام : 

وافى حلب حضرة شكري باشا الأيوبي حاكما عسكريا عليها من قبل 
الحكومة الجديدة. فصلى الجمعة في الجامع الكبير وخلع على الخطيب 
عباءة حريرية جميلة وتعيّن سلفه كامل باشا القدسي الحلبي قائدا عاما 
وحاجبا فخريا لحضرة ملك العرب. 


وصول سمو الأمير الكبير الشريف فيصل إلى حلب : 

ظهيرة يوم الأحد سادس صفر من هذه السنة وصل سمو الأمير الكبير 
الشريف فيصل إلى حلب » وأقبل معه الوفد الذي ذهب قبل أيام لاستقباله 
إلى حماة. وقد أعدٌ لاستقباله على مقربة من حلب موكب حافل » فنزل 
ل ل ل د 
إصدار أمره بحل مجلس الشورى لما بلغه عنه من عدم استقامة مسلكه ؛ 
وأن يقوم مقامه لجنة تؤلف من وجهاء المستخدمين الملكيين والعدليين. 


أخذ الأمير فيصل بيعة الحلبيين 


لأبيه الشريف حسين بن علي ملك العرب : 

بعد ظهر يوم الثلاثاء من صفر الخير حضر إلى نادي العرب 
بالموكب الحافل سمو الأمير فيصل » وكان النادي غاصا بالمدعوين الذي 
يعدون بالمنات » فجلس سمو الأمير على كرسي معدله في غرفة 
خصوصية من النادي » وصار يتقدم نحوه المدعوون زمرة بعد زمرة 
ويبايعونه بالتملك على العرب بالنيابة عن جلالة والده ملك العرب ثم 
يعودون إلى مقاعدهم. وبعد أن انتهت المبايعة قام سموه من الغرفة التي 
بايع فيها وأقبل إلى محله المعدّ له من صدر ردهة النادي » وقام الشعراء 
والخطباء ينشدون قصائدهم ويتلون خطبهم ‏ على النسق 


- 509 - 


والترتيب ‏ إلى أن انتهوا منها » فبدأ وهو قاعد يتكلم بما انطوت عليه 
صحيفة أفكاره من المواضيع العديدة التي يصعب على أعظم رجال 
الخطابة استيعابها وإيرادها في مثل هذا المحفل العظيم. ولما بدأ بالكلام قام 
الحاضرون وقوفا ‏ إعظاما وإجلالا له فأشار إليهم أن اجلسوا لأن كلامي 
يستغرق وقتا طويلا لا أريد أن تتكبدوا فيه مشقة الوقوف. فجلسوا وأنصتوا 
ووقف بعض الكتاب والأدباء وبأيديهم القراطيس والأقلام يكتبون ما يفوه به 
بالحرف الواحد فقال : 

خطبة الأمير فيصل : 

«لا شك أنكم أيها السادة ترون منا أعمالا مهمة. إن حلب هي من 
أقاصي بلاد العرب » لم يتصل بأهلها ما وقع بيننا وبين الأتراك وما هو 
سبب قيامنا ضدهم. إن الأتراك كانوا يشيعون أن الأشراف اتفقوا مع الدول 
الغربية على بيع البلاد لقاء دريهمات أخذوها منهم » وأخرجوا ضدنا فتاوى 
ربما اغترٌ بها بعض البسطاء وصذقها. فنقول في رد وبطلان ما زعمه 
الأتراك فيما شيعوه : 

إن الدين الإسلامى نشأ بقدرة الله تعالى وانتشر بواسطة محمد النبى 
العظيم الذي تنسب إليه أسرتنا » فهل يتصور أحد أن أناسا يرضون بهدم ما 
بناه لهم جذهم من المجد والشرف. نحن لم نقم إلا لنصرة الحق وإغاثة 
المظلوم. ساد الأتراك 600 سنة هدموا بخلالها صرح المجد الذي أقامه 
أجدادنا وأطفؤوا نار العرب » ولكنها لم تطفأ لأن العرب عاشت قرونا 
وأجيالا لم يتسنّ لغيرها من الأمم أن تعيش مثلها » وكانت العرب تنتظر 
الفرص لتنتهزها حين سنوحها. نحن العرب نمنا 600 سنة ولكننا لم نمت. 
لما أعلن الأتراك النفير العام أتوا بأعمال تتبرأ منها الإنسانية ولا لزوم 
لعدّها. كانت العرب تطالب الأتراك بحقوقها فاغتنموا الفرصة التي مكنتهم 
من الانتقام من العرب. 

رأى والدي أن دولة الترك ليست تعمل لأجل دين أو عمل عام ينفع 
الخاضعة لها مثل العرب. وتبيّن له أن مبادئ الحكومات الغربية المدنية هي 
مبادئ إنسانية » مبادئ خير » مبادئ نصرة الحق. واتفق معهم ‏ بعد الاتكال 
على قوة الله تعالى ‏ لعلمه أنهم ينصرون الضعيف 


-510- 


ويساعدون على إعادة حقوق الأمم المحكومة » وتعاهد معهم على إزاحة 
حكومة الأتراك واستخلاص ما اغتص بوه منا نحن العرب. باسم العرب 
حالف والدي الحكومات الغربية وقام معهم ضد تركيا وألمانيا كتفا إلى كنف 
؛ لا كما زعم الأتراك من أن قيامنا كان نتيجة مطامع شخصية. 

فأنا باسم كافة العرب أخبر إخواني أهل الشهباء أن للحكومات الغربية 
مخطيوضا إإكلارا وقزنيا + لبه اليكداء في فسا عزنا وقن ازر نا عرواو 

تنسى العرب », ما دامت موجودة على وجه البسيطة » فضل معاونتهم. نحن 
اليوم ندعي التحرر والاستقلال ؛ فهذه أقوال » إذا لم نعمل شيئا لحدّ الآن 
سوى طرد الأتراك من بلادنا وهذا محتم عليهم لأن القدرة الإلهية تأبى 
تركهم بدون مجازاة لما أتوه من الفظائع. 

بقي علينا وظائف مهمة جدا وهي تأسيس ملك وحكومة نفتخر بهما 
أمام العالم أجمع. إن الأمم الغربية قد ساعدتنا مادة وستساعدنا معنى » وإني 
لاعلورة!ا؟ عليكه بزقية وودث لى تند كلانه وام تبدين لكم إحسانتات الخول 
الغربية نحونا ليفهم جميع يع أهل الوطن أننا لم نبع البلاد ولن نبيعها أبدا». 

ا 0 

حمص : سمو سيدي الأمير فيصل. نقذم لسموكم صورة البلاغ العام 
الذي تلقيته من المستر (سته رلنغ) الحاوي على تعهدات الحلفاء وخطتهم 
في بلادنا. والله يؤيدكم. 


8 تشرين الأول سنة 1334 الحاكم العام لسوريا. الركابي. 

الصورة : «إن النوط الذي ترمي إليه فرنسا وبريطانيا العظمى - 
بمواصلتهما في الشرق تلك الحرب التي أثارها الطمع الألماني - هو تحرير 
الشعوب التي طالما ظلمها الترك تحريرا نهائيا » وتأسيس حكومات 
ومصالح أهلية تبنى سلطتها على اختيار الأهالي الوطنيين لها اختيارا لا 
جبراء» وقيامهم بذلك من تلقاء أنفسهم. وتنفيذا لهذه النيات قد وقع الاتفاق 
على تشجيع العمل لتأسيس حكومات ومصالح أهلية في سوريا والعراق 
اللتين 


(1) كذا وردت. يريد : «لأتلو» بمعنى «لأقرأ» وفعله : تلا » يتلو. 


-511- 


أتم الحلفاء تحريرهما » وفي البلاد التي يواصلون العمل بتحريرها » وعلى 
مساعدة هذه الهيئات والاعتراف بها عند تأسيسها فعلا. 

والحلفاء بعيدون عن أن يرغموا سكان هذه الجهات على قبول نظام 
معين من النظامات وإنما همتهم أن يحققوا معاونتهم ومساعدتهم النافعة 
حركة الحكومات والمصالح التي ينشئها الأهالي لأنفسهم مختارين حركة 
منتظمة ؛ وأن يقيموا لهم قضاء عادلا واحدا للجميع » وأن يسهلوا انتشار 
العلم في البلاد وتقدمها اقتصاديا » وذلك بتحريك همم الأهالي وتشجيعها » 
وأن يزيلوا الخلاف والتفرق الذي طالما استخدمته السياسة التركية. 

ذلك ما أخذت الحكومتان الحليفتان على نفسيهما مسئولية القيام به في 
البلاد المحررة». 

ثم أردف الأمير فيصل هذا بقوله : «لا شك أن هذه البرقية من التبذ 
التاريخية العظيمة. وإنها تنم عن شواعر عالية وحسيات إنسانية لا يقوم 
العرب بأداء واجب الشكر عليها إلا بتحقيق أماني هذه الدول » وهي تشكيل 
وتنظيم حكومة عادلة قوية تحفظ حقوق جميع أهل البلاد. ش 

إننا اليوم في موقف حرج. الأمم المتمدنة وحلفاؤنا ينظرون إلينا بنظر 
الإعجاب والتقدير » وأعداؤنا يرمقوننا بعين الانتقاد. خرج الأتراك من 
بلادنا ونحن الآن كالطفل الصغير لا حكومة ولا جند ولا معارف » والسواد 
الأعظم من الشعب لا يفقهون من الوطنية والحرية ولا ما هو الاستقلال ؛ 
حتى ولا ذرّة من كل هذه الأمور. ذلك نتيجة ضغط الأتراك على عقول 
وأفكار الأمة. فلذا يجب أن نفهم هؤلاء الناس قدر نعمة الاستقلال » ونسعى 
إن كنا أبناء أجدادنا ‏ لنشر لواء العلم ؛ لأن الأمم لا تعيش إلا بالعلم 
والنظام والمساواة وبذلك نحقق آمال حلفائنا. 

أنا عربي وليس لي فضل على عربي ولو بمثقال ذرة. إنني أوفيت 
وجائبي الحربية كما أوفى والدي وجاتبه السياسية » فإنه تحالف وتعاهد مع 
أمم متمدنة أوفت بعهودها ولا تزال تساعدنا على تشكيل حكومة منتظمة. 
فعلينا إبراز هذه الأمنية إلى حيّز الوجود بكمال الحزم والعزم لأن البلاد لا 
يمكنها أن تعيش بحالة فوضى .ء أي بلا حكومة. وهذا واجب ذمة الأمة 
وأهل البلاد ونبرأ إلى الله مما يحصل لهذه البلاد بعد اليوم. أنا ومن معي 
سيف مسلول بيد العرب يضربون به من يريدون. أحضّ إخواني العرب - 
على اختلاف 


-512- 


مذاهبهم ‏ بالتمسك بأهداب الوحدة والاتفاق ونشر العلوم وتشكيل حكومة 
نبيّض بها وجوهنا لأننا إذا فعلنا كما فعل الأتراك نخرج من البلاد كما 
خرجواء لا سمح الله » وإن فعلنا ما يقضي به الواجب يسجل التاريخ 
أعمالنا بمداد الفخر. إنني أقلّ الناس قدرا وأدناهم علماء لا مزية لي إلا 
الإخلاص. 

إنني أكرر ما قلته في جميع مواقفي بأن العرب هم عرب قبل موسى 
وعيسى ومحمد. 

وإن الديانات تأمر من في الأرض باتباع الحق والأخوّة. وعليه فمن 
يسعى لإيقاع شقاق بين المسلم والمسيحي والموسوي فما هو بعربي. إننا 
عرب قبل كل شيء » وأنا أقسم لكم بشرفي وشرف عائلتي » وبكل مقدس 
ومحترم عندي » بأنه لا تأخذني في الحق لومة لائم » ولا أحجم عن مجازاة 
من يتجرأ على ذلك » فلا أعتبر الرجل رجلا إلا إذا كان خادما لهذه التربة. 

عندنا والحمد لله رجال أكفاء كثيرون ولكنهم مقيمون خارج الديار 
وفي بلاد الأتراك وسيأتون قريبا إن شاء الله فيصلحون الخلل الموجود هنا 
»ولا يجدر أن نتقاعس عن العمل ريثما يأتون فما لم يدرك كله لا يترك 
جلّه. ويلزم علينا أن نبتدئ بدون أن ننظر للمرء من حيث شرف عائلته 
وخصوصيته ؛ بل ننظر إلى الرجل الكفؤ ء شريفا كان أو وضيعا ء إذ لا 
شرف إلا بالعلم. الإنسان يخطئ فإذا أخطأت سامحوني وبيّنوا لي مواطن 

بما أن أغلب الأفراد يجهلون قدر نعمة الاستقلال ‏ كما بينت لكم ‏ فلا 
يبعد أن يحصل في بعض المحلات ما يخلٌ بالأمن » فالحكومة مجبورة على 
تطبيق معاملاتها على القانون العسكري العرفي مدة الحرب بينما يتم تشكيل 
حكومة منتظمة. أرجو إخواني أهل البلاد أن ينظروا إلى الحكومة نظر 
الولد البارٌ للوالد الشفوق ويساعدوها جهد طاقتهم » ويعلموا أن الحكومة 
مشارفة على أعمال الأفراد والموظفين. إن الحكومة في طورها الجديد 
بحاجة لإيجاد قوة تحفظ كيانها فكل من يعيث بأوامرها ويخل بمقرراتها 
يستهدف ليدها القوية. ولأجل حفظ الاستقلال ليس إلا أن أدعو أهل البلاد 
للاهتمام الزائد لتكوين حكومة ثابتة الأركان منيعة الجانب. 

الدرك والشرطة هما قوام البلاد وبدونهما لا تنتظم أحوال الحكومات 
» لذلك أطلب من الجميع وخصوصا الشبان أن ينتظموا بهما وأن لا يتأخر 
أحدهم عن خدمة وطنه وبلاده؛ 


-513- 


بدون النظر لموقعه العائلي. فإن الشرطة وظيفة شريفة عالية وإن الإنسان 
يتولى كل عمل في داخليته وبيته » حتى تجد ربٌ البيت يكنس داره بيده ولا 
يرى بها استخفافا. وستكون القوانين السابقة مرعية الإجراء إلى أن يتم سن 
القوانين من قبل المجلس الاعلى أي مجلس الامة. الحكومة الحاضرة تحفظ 
الأمن والانتظام ريثما تتعين هيئات الحكومة الجديدة. العرب أمم وشعوب 
مختلفة باختلاف الأقاليم » فالحلبي ليس كالحجازي » والشامي ليس 
كاليماني. ولذا قد قرر والدي أن يجعل البلاد مناطق يطبق عليها قوانين 
خاصة بنسبة أطوار وأحوال أهلها : فالبلاد الداخلية يكون لها قوانين ملائمة 
لموقعها » والبلاد الساحلية أيضا يكون لها قوانين طبق رغائب أهلها. 

كان من الواجب علينا أن نبدأ أولا بجمع الهيئة التي تسن هذه القوانين 
» ولكن العرب الذين هم في البلاد الخارجية هم أعلم منا بالقوانين الأكثر 
ملاءمة للبلاد » ولذلك نرجئ هذا الأمر إلى وقت اجتماع هؤلاء. وفي أقرب 
وقت يصلون إن شاء لله. بيد أنني استدعيت من الخارج رجالا قديرين على 
وضع قوانين صالحة ملائمة لروح البلاد وطبائع أهلها ء» وسيكون 
اجتماعهم في دمشق أو في غيرها من البلاد العربية لعقد مؤتمرهم » 
وسأانظر بأعجل وقت بشؤون الأوقاف والكنائس ورد حقوقها المغصوبة من 
قبل الأتراك ونعطي كل ذي حقّ حقّه. وأطلب من أخواني أن يعتبروني 
كخادم للبلاد . إنكم أعطيتموني البيعة بمنتهى الإخلاص والرضاء فأقابلها 
بالقسم العظيم أني 2 لا أفتأ عن نصرة الحق ورد الظلم وكل ما يرفع شأن 
البلاد,. 

أرغب إلى الأهالي أن يؤازروني بالعمل في خدمة الجامعة إلى أن 
ا ا م 0 20 إن كا كاي 
وارجو أخيرا صرف الهمة والفعالية لامرين مهمّين :(1) حفظ الآمن العام. 
(2) ترقية المعارف. فو الله لا يمتاز أحد عندي إلا بفضله وعرفانه. عند 
مروري من حماة أثرت همة الأهالي بكلمات وجيزة للعناية بالعلم وافتتاح 
المدارس » وبجلسة واحدة تبرع بضعة أشخاص بأربعة آلاف جنيه وأوعد 
الآخرون بإبلاغهم 2 ألف جنيه. وسأستدعي حضرات الأهالي بحفللات 
(1) يجوز فتح همزة «أنّ» وكسرها في مثل هذا المقام » أي إذا وقعت في صدر جواب القسم 
» بعد لفظ «القسم» فعلا أو مصدرا. 


- 514 - 


العلم » روح البلاد ونفع العباد » ويمتع الأمة بالحياة الرغيدة. والسلام». أه. 

أقول : إن هذا الخطاب قد جمع فأوعى » وحقيق لمن يورده ارتجالا 
وبديهة أن يكون في عداد الطراز الأول من الذين أوتوا أكبر نصيب من 
علو المدارك وصفاء القرائح. على أن العبرة للمعاني لا للألفاظ ؛ إذ هي 
بمنزلة الروح » والألفاظ كالأجسام والجسم بروحه لا بشكله » وإلا استوى 
الحيوان والجماد. 

سفر الأمير فيصل : 

كل كمون عإقس سناو بك ار كا نطهية الشيت 
الأمير فيصل برقية فحواها أن يشخص على الفور والعجلة إلى مكة 
المكرمة لمقابلة حضرة الملك والده العالي ؛ » ثم يسافر من مكة إل ى باريس 
ليمئّل والده في مذكرات الصلح العام الذي ينعقد هناك قبل انقضاء مدة 
الهدنة. وفي صباح يوم الخميس هرع لوداعه العلماء والرؤساء الروحيون 
والوجهاء والأعيان من كل ملة » وبارح حلب قاصدا جهة الحجاز المباركة. 

وفي هذا اليوم وصل إلى حلب وفود من علية أهل الشام وحمص 
وتحمناة ازيدار:# حصيرة الأمور الشتر ينا فيصل :وعركن إخلاصمه عليه 
وتأكيد روابط المحبة والإخاء بين أهل بلادهم وأهل مدينة حلب. وبعد قدوم 
هذه الوفود بأيام قليلة أدبت لهم بلدية حلب في فندق البارون مأدبة حضرها 
الجمّ الغفير من الوجهاء والأعيان والشعراء والخطباء فتليت الخطب 
وأنشدت الأشعار وكانت مأدبة حافلة. 


-515- 


نأتي هنا بنبذة نبين فيها بعض ما كان لسلاطين آل عثمان على العالم 
الإسلامي من الأيادي البيض التي توجب على كل منصف أن ينظر إليهم 
عن الود و الاجر مي نو در اروف عن بعد قدا كارك تصطان عل 
الزمني » لا ؛ 3 للفو دي ل صرت و و ل د 
أخوال اليلف الصيالح هدي هم 

إن الدولة العثمانية هي الدولة الوحيدة التي بواسطتها لمَ الله شعث 
العالم الإسلامي » واستأنف مجده وأعاد عزّه وأطلع في سماء الشرف 
شمسه بعد أن تشتت شمله وذلَ أهله وكادت تطفأ أنواره وتخسف أقماره. 
لمجي ار سام ا ل ل 
لتيقر والالخطط لما دوالى عليه في هاتبك الأعسار من الك 
0 
21209 العامة »ا ا عي ليا لله 
مطيرة » إلى أن سطع نجم الدولة العثمانية وعلا صرح مجدها وأرهبت 
عالم الربع المسكون سطوتها » فانتعشت روح الإسلام وعاد إلى أحسن ما 
كان عليه في عهد العباسيين » وخفقت راية الهلال على أصقاع عظيمة من 
القارات الثلاث » ورتع تحت ظل هذه الدولة - في بحبوحة الأمان 
والاطمئنان مائة وعشرون مليونا من النفوس المختلفة العناصر المتعددة 
الأجناس » المتعاندة في الديانات والعادات » شعوب وأمم وأقوام مدنية 
وبدوية منبثة في تلك الممالك 


-516- 


الصعبة المسالك » البعيدة الأكناف » المترامية الأطراف ؛ التى يستحيل فيها 
على أعظم حكومة سائسة في تلك الأعصار ‏ التي فقدت فيها وسائط النقل 
وسهولة السفر وآلات الاستخبار ‏ أن تبث بين من في هذه المملكة من 
الشعوب العظيمة روح الوفاق والوئام » وتجمع بين رضاهم من بعضهم 
ورضاهم من حكومتهم وانقيادهم إليها طائعين مختارين شاكرين منها 
حامدين غير ناقمين عليها عملا » ولا منتقدين لها سياسة » مجمعين على 
حسن سلوكها » متفقين على حبها وولائها. 8 

كان العدد الكبير من الملوك العثمانيين لا يقلون بمنزلتهم ‏ فيما شادوه 
في العالم الإسلامي من المآثر والمفاخر ‏ عن السلطانين المعظمين 
المعدودين من أعاظم ملوك الإسلام » وهما نور الدين محمود بن زنكي »2 
وأتابكه المرحوم السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب. بل لو تصفحت 
وجوه التاريخ واستقصيت أخبار هذين السلطانين العظيمين وأخبار عظماء 
ملوك بني عثمان ؛ لظهر لك جليا أن هؤلاء الملوك أربوا ‏ بفضائلهم وبما 
فتحوه من الممالك ‏ على السلطانين المشار إليهما » ذلك أن هذين السلطانين 
كانا واقفين في جهادهما موقف الدفاع والمحاماة عن بيضة الإسلام في 
القطعة الشامية وبعض جهات إفريقية والجزيرة. أما عظماء سلاطين بني 
عثمان فإنهم لم يقنعوا من عدوّهم بأن يقفوا له في موقف يدافعونه به عن 
بلادهم فحسب . بل دفعتهم هممهم العلية وغيرتهم الدينية إلى أن يطردوه 
من ديارهم ثم يغزوه في عقر داره ويستولوا على أصل وطنه وقراره » 
ويطؤوا بحوافر خيولهم أرضا وديارا لم يطأها أحد قبلهم من خلفاء 
المسلمين وعظماء سلاطينهم الفاتحين. 

قال الأستاذ جرجى زيدان فى كتاب «التمدن الإسلامى» منوها بعظمة 
سلاطين بني عثمان : إنهم فتحوا القسطنطينية التي يئس ملوك المسلمين من 
فتحها » وحاربوا أعظم ملوك أوربا وطاردوهم إلى بلاد المجرء وحاصروا 
«فينا» وأخذوا الجزية من ملوك النمسا » واكتسحوا البحر الأبيض إلى 
شواطىء إسبانيا » فارتعدت أوربا خوفا منهم وفتحوا الشرق إلى العراق » 
ثم ساروا جنوبا غربيا حتى فتحوا الشام ومصر ء وامتدت ممالكهم في عهد 
السلطان سليمان من بودابست ‏ على ضفاف الطونة ‏ إلى أصوان على 
ضفاف النيل 3 


-517- 


ومن الفرات بالعراق إلى بوغاز جبل طارق ٠‏ فاجتمع العالم الإسلامي تحت 
جناحهم واغتبط بسلطانهم ©2. اه. 

خفقت رايات أولئك الملوك على معظم سواحل البحر الأبيض 
وسواحل البحرين الأحمر والأسود » واستحقوا أن يشاد بذكرهم على سائر 
منابر الأقطار الإسلامية ويلقّبوا بسلاطين البرّين وخواقين ©) البحرين » بل 
حق لهم أن يلقبوا بسلاطين الأقطار وخواقين البحار » ذلك اللقب التشريفي 
الذي لم يستحقه غيرهم من ملوك المسلمين. 

تناهي السلاطين العثمانيين بالأبهة والعظمة : 

ومما يدل على تناهي الصدر الأول من الملوك العثمانيين في الأبهة 
والعظمة ما حكاه الأستاذ الفاضل السيد محمد جميل بك بيهم في كتابه 
«فلسفة التاريخ العثماني» حيث قال ما خالاصته © ٠‏ 

(إن نجاح تركيا الحربي والسياسي رفعها إلى رتبة سامية شخصت 
إليها الآمم باعين الهيبة والوقار » وجعلتها تلقي من عل على سائر الدولة 
نظرات الاستكبار 0ت فقد أجمعت أوربا على تلقيب إمبراطورة © آل 
عثمان في مراسلاتهم بالسيد الأعظم. على حين أن السلاطين كانوا يكتبون 
إلى ملك فرنسة : «إليك فرنسوا». ونقل جودت باشا أن السلطان سليمان 
كان يكتب إلى ملك فرنسة : «إلى فرنسيس ملك ولاية فرنسا» مما يدل على 
أن السلاطين العثمانيين كانوا يعتبرون الدول المعاصرة من قبيل الإمارات 
والإقطاعات. على أن تلقيب السلطان سليمان فيما بعد «فرنسوا» المشار 
إليه 2 «باديشام» لم يعن إلا لداعي العداكه . فإن هذا للدت لم يمنحه 
11508 هع كانا د ا 


(1) تصرف الغزي كثيرا في النص. انظر «تاريخ التمدن الإسلامي» 2 4 ط بيروت 


7 م. 
(2) الخواقين : جمع خاقان » وهو لقب ملك الترك » كما يقال كسرى لملك الفرس وهرقل 
لملك الروم ... إلخ. 


(3) انظر الكتاب المذكور » ص 2091 - 294 وقد طبع في بيروت 1925 م. ووقع فيما نقله 
الخري يعكن التدويف و التصيديف تميعها تكد ره لد على الأصيل المتقول عذه. 

(4) في الكتاب الأصلي : «الاستهتار» فبدّلها الغزي. 

(5) في الكتاب الأصلي : «إمبراطرة» وهي جمع إمبراطور. 

(6) في الكتاب الأصلي : «إمبراطرة» وهي جمع إمبراطور. 


-518- 


يعتبرون هؤلاء إلا بمثابة ملوك المجر التابعين للباب العالي » الذين يؤدون 
الجزية عن يد وهم صاغرون. ٠‏ 

وكانوا يتعالون عن التقييد بالمعاهدات مع العواهل » ويأنفون - إذا 
وعدوا أحدا منهم بالمساعدة ‏ عن أن يدونوا وعدهم » مكتفين معه بمجرد 
كلام. وكذلك كانوا يأنفون من نصب سفراء لهم في عواصم الدول الأجنبية 
؛ لاعتقادهم أنهم في غنى عن سائر العالم » وأنه على رجال الممالك 

وكان على سفراء الدول عند الملوك العثمانيين أن يقدموا للسلطان 
وكبراء حكومته هدايا ثمينة على سبيل الجزية. وكان السفير حين يقابل 
السلطان يمسكه اثنان من الحرس السلطاني من ذراعيه المكتفين ويتقدمان 
(') به حتى إذا دنا من العرش خرّ مقبلا موطئ © قدم السلطان. تلك بعض 
الأمثلة من أدلة العظمة التي كان عليها العثمانيون في عصرهم الذهبي 
وتلك الأيام المتداولة بين الناس). 

أسباب انقراض الدولة العثمانية : 

ذكر العلامة المؤرخ السيد محمد كرد علي في كتابه خطط الشام - 
أسباب انقراض هذه الدولة نقلا عن مؤرخ تركي ٠‏ فقال ما خلاصته : 

إن لأسباب انقراض هذه الدولة عوامل كثيرة أهمها : 

(1) انقطاع البطولة من المسلمين وقيام الأتراك سدا أمام النصرانية » 
المسيحيين تتساقط على رؤوس الأتراك مدة قرون. 
ألسنتهم ودياناتهم » ففتحوا للأجانب سبيل التدخل في شؤون الدولة الداخلية 
فكانوا سببا لانقراضها. 

(3) تدخل الدين في مصالح الحكومة وعدم قيام بناء الدولة على ما 


لح 


66 


)1) في الأصل «ويتقدما» وجاءت في الكتاب المنقول عنه على الصواب كما صححناها. 
)2( كانت ٠‏ «موطني» فصححناها كما جاءت في كتاب جميل بينهم. 


-519- 


(4) جهل الملوك واستبدادهم وسفاهتهم. 
(5) تربيتهم رجالا من العناصر المختلفة كالعرب والأرمن وتسليمهم 
افر الدركة. 

(6) هوس روسيا بالانتقام لمملكة بيزنطية . واستمرارها على 
محاربة تركيا لتحقيق هذا الغرض. 

ثم قال المؤرخ التركي ما معناه : إن الحكومة العثمانية تذرعت 
بالمعنويات دون الماديات » وإنها بدلا من تجمع العنصر التركي تحت علم 
واحد صرفت جهودها إلى أواسط إفريقية وإلى أوربا » وأهملت العالم 
التركي الذي كان يجعلها في حرز منيع من غارات أوربا ويكفيها شرٌ 
عداوتها » وإنها جعلت للغة العربية والفارسية سبيلا للعبث باللغة التركية 
فعاث بأهلها الفقر والجهل. 

قال الأستاذ السيد محمد كرد على » بعد أن أتى على ذكر هذه الأسباب 
مفصلا : ونحن نقول إن السبب الأعظم لانقراض الدولة العثمانية تغافلها 
عن تقليد الغرب في الماديات والمعنويات » فظهر على توالي القرون الفرق 
قرن ا لكا مل و العامن ‏ إك تو كمه الله مين اعناصير: مكادة - مها شير 
مسلمين - كان من جملة الدواعي في عدم تركيبها تركيبا مزجيا . خصوصا 
وأعظم تاريخا » ولا عيش للمتوسط مع الذكي »؛ وإذا أخضعه لسلطانه بالقوة 
فإلى حين. 

أقول : ليس جميع ما ذكر المؤرخ التركي ‏ من أسباب انقراض الدولة 
العثمائية مما يسلدريه جدلا :ولو لا خوفالإطاللة لفتدنا معطمة: علتى أن 
هناك سببين قويين لانقراض الدولة العثمانية أشار المؤرخ المذكور إلى 
أحدهما » ولم يوفه حقه من التفصيل والبيان وأهمل ذكر الآخر بتاتا : 

أما السبب الأول الذي أشار إليه : فهو عداء روسيا وإرهاقها تركيا 
بالحروب مدة قرون طويلة » بحيث كانت لا تدع لها مجالا لتنظيم صفوفها 
وإعداد قواتها البحرية والبرية للحرب التالية إلا وتباغتها بالحرب مباشرة 
أو بالواسطة. 

فروسيا هي التي كانت تعوق تركيا عن مماشاة أوربا في مهماتها 
الكويقة وا أعمالها 'الامتكدافية:؛ الأنيا كاندة يق لصي بسفة اننع اال كيت 
عليها تعاجلها بالحرب مباشرة 


-520- 


أو تسعى بعرقلة مساعيها بواسطة إثارة القيام عليها من قبل إحدى الأمم 
التي تمت إليها بأواصر العنصرية أو وحدة المذهب. 

سبب هذا التسلط : 

وكان سبب هذا التسلط غلطة من الملوك العثمانيين أوقعهم فيها 
اغترارهم بقوتهم واستخفافهم بقوة روسيا » وإهمالهم ردعها حينما كانوا 
قادرين عليه » ومغادرتهم إياها متسلطة على ممالك خانات 2 القريم. 

وبيان ذلك أن خانات القريم والدشت كانوا هم المسيطرين على 
الروس مدة مئة وخمسين سنة » بحيث كان كناز الروس كالعامل لهم على 
مملكته » كما أشرنا إلى ذلك في الفصل الذي سبق بيانه من هذا الجزء تحت 
عنوان (إجمال في الأتراك). ثم لما وقع الخلف بين خانات القريم والدشت ». 
ودخل تيمورلنك بلادهم وخربها واستولى على قسم عظيم منها ‏ واشتغل 
الخانات بقتال بعضهم ‏ اغتنم الروس هذه الفرصة وقاموا نحو بلاد الدشت 
» فطمت بحار غلبتهم عليها وكادوا يعمّونها بالاستيلاء » وكان الملوك 
العثمانيون ‏ في ذلك العهد في عصرهم الذهبي . بحيث كان يمكنهم أن 
ينضموا إلى خانات القريم ويصدوا تغلب الروس عليهم » غير أنهم تركوا 
الخانات وشأنهم مع الروس ؛ قصد أن توهنهم الروس وتضعف سطوتهم » 
وحينئذ يجهز العثمانيون على ما تبقيه الروس من بلادهم فيستولون عليها 
بأدنى عناء. 

ووجه الغلط في هذه المسألة هو أن العثمانيين ‏ اغترارا بقوتهم لم 
يفكروا بأن ممالك الخانات كانت سدا منيعا بينهم وبين الروس » كما أنهم ‏ 
استخفافا بالروس - لم يخطر لهم على بال بأن روسيا ستبلغ باستيلائها على 
ممالك الدشت والقريم غاية القوة والعظمة » وأنها متى استولت على ذلك 
السدّ تجرّها عظمتها إلى الطمع بالمملكة العثمانية والاستيلاء على 
القسطنطينية مملكة البيزنطيين. 

السبب الثاني لانقراض الدولة العثمانية : 

السبب الثانى لانقراض هذه الدولة هو جنودها المؤلفة من الانكشارية 
؛ فإنهم بعد أن افتتحت الدولة بسيوفهم ذلك الملك العظيم داخلهم الغرور 
واستولى عليهم الكسل والشره 


(1) الخانات ‏ الملوك » والمقرد ونشاق: خضي :ترحافناة» يله التكن قد لقب السلاظين 
العثمانيون ب «خان». 


- 521 - 


بالمال » وأصبحوا مدة قرنين عونا على الملوك العثمانيين بعد أن كانوا 
عونا لهم » فكان قيامهم على أولياء أمورهم في مدد متواصل وإثارتهم الفتن 
والقلاقل في البلاد » وتسلطهم على الرعايا » في استمرار غير منقطع. وفي 
كثير من الأوقات بينما كانت الدولة فى ارتباك وشغل شاغل من أمر أولاء 
الجنود ؛ كانت روسيا ترهقها بالحرب اغتناما لفرصة اشتغالها بتسوية 
أمور داخليتها. 

وكان سبب بلوغ الانكشارية تلك الدرجة من العتوٌّ والتمرد غلطة 
الصدر الأول من الملوك العثمانيين » وهي أنهم كانوا يبالغون بالإحسان إلى 
الانكشارية ويعاملونهم معاملة الوالد الشفوق على ولده الوحيد حتى نبهتهم 
تلك المعاملة إلى عظم شأنهم وعرفتهم أنهم هم روح المملكة وأولياء نعمة 
ملوكها وشعوبها » فهاموا بهذه الخياللات وطغوا وبغوا » وأصبحت المملكة 
العثمانية في أيديهم كسفينة تتقاذفها عواصف شرورهم فلم يستطع 
السلاطين ردعهم ووقف تيار غلبتهم إلا بعد مشقات عظيمة أشرنا إلى 
بعضها في الإجمال الذي ذكرناه في هذا الجزء تحت عنوان «نبذة في 
الكلام على هذه الطائفة» فزاجعه. . 


أسباب سرعة سقوط العراق والشام : 

لا ريب في أن سرعة سقوط العراق والشام في يد إنكلترة وخروجهما 
من يد العثمانيين لم يكن إلا بسبب تقاعد أهل هذه البلاد عن مظاهرة 
جيوشهم وشذ ازرهم » خصوصا اهل العراق واهل سوريا الجنوبية من 
حضر وبدو فإنهم لم يقنعوا بالتفاعد عن نصرة تركيا فحسب » بل ظاهروا 
جيوش الدولة البريطانية وأعانوهم على الجيوش العثمانية بكل ما استطاعوا 
فاستوالت خيوش اتكلترة على هذة البلاة باقر رقف ون ذلك لنا 
تمكنت هذه الجنود من الاستيلاء عليها في أقل من بضع سنوات إن لم 
يحدث في الكون ما يعوق استيلاءهم عليها ويبقيها في يد العثمانيين. 

على أن لمظاهرة أهل تلك البلاد الجيوش البريطانية أسبابا عديدة 
أخص منها بالذكر هنا نفرة قلوب أهلها من تركيا بسبب أغلاط ارتكبها 
الاتحاديون اغترارا بأنفسهم. 

وكان بعض المحامين عنهم يعتذر لهم بقوله : إن جميع ما أتوا به من 

الأسباب التي نقٌرت قلوب الرعية لم يقصدوا بها سوى المصلحة العامة 
دون المصلحة الخاصة » وإنهم لم يفعلوه إلا بنيّة خالصة وغرض عام » 


-522- 


الخطأ بالاجتهاد لا يسألون عنه أمام الله وأمام الناس ما دامت نياتهم بإتيانه 


حسله. 

نقول : إن الخطأ بالاجتهاد المعفوٌ عنه إنما هو خطأ الأئمة المجتهدين 
في مفهوم المتشابه من القرآن والحديث » فإن المجتهد منهم في ذلك إن 
أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر. أما المجتهد المخطئ من غيرهم فإنه 
مؤاخذ على خطائه بل تكون عقوبته على قدر المضرّة التي تنشأ عن خطائه 
ردعا له عن التهور فيما لا يدري عاقبته. فالاتحاديون الذين أخطئوا 
باجتهادهم في مسائل هذه الحرب لا يسامحون بخطائهم ؛ لأن الضرر الذي 
نشأ عن خطائهم كان عظيما. 

على أن النتائج السيئة التي نتجت عن اجتهادهم بديهية لا تحتاج إلى 
إمعان فكرة وإجهاد قريحة » فما هو إلا من قبيل التهور والهجوم على خطر 
محسوس. وحسبهم موجبا للمؤاخذة استبدادهم في أعمالهم وتركهم الشورى 
المطلوبة شرعا وعقلا. هذا إذا قلنا إن جميع ما أتوا به من الأغلاط المنفرة 
مما يحتمل الاجتهاد. والحدال أن كثيرا من المنفرات التي أتى بها بعض 
زعانفهم لم يحملهم عليها سوى الطمع والشره في أموال الدولة والرعية ». 
كما أن كثيرا مما أتى به بعض المنتسبين إليهم من المنفرات لم يبعثهم على 
إتيانه باعث سوى الميل إلى الهوى ومطاوعة النفس البهيمية » ومنها ما 
دعاهم إلى إتيانه مجرد الاستخفاف بالدين واعتقادهم المغلوط بأن الدين 
مناف للمدنية. 

ومن غرائب تهور سفهاء الاتحاديين وقلة تبصرهم أنهم اختاروا في 
جميع أعمالهم المتعلقة بهذه الحرب طريقة الإفراط المحض »؛ فطرحوا 
المعاملة بالرفق والمواساة » واستعملوا في كل حركة من حركاتهم الشددة 
والعنف. وكانوا إذا نهاهم عن ذلك ناه وأرشدهم إلى استعمال الرفق في 
موضعه والعنف في محله قالوا له : إن هذه الحرب هي حرب حياة أو 
ممات لا واسطة بينهما. وقد غاب عنهم أن ولاة الأمور في الدولة الضعيفة 
هم بمنزلة الطبيب للمريض , أيسوغ للطبيب الأمين الحاذق أن يضجر من 
مريضه ويجازف في حياته ويصف له دواء شديد التأثير يكون فيه للمريض 
حدّ الفصلين إما أن يميته وإما أن يحييه؟ كلا » ثم كلا. بل الحكمة البالغة 
ومواجب الصنعة يقضيان على ذلك الطبيب أن يستكين إلى الأناة والتؤدة 
نسمة حياة » وأن يلطف له الدواء مهما أمكن ويستسلم في تأثير دوائه إلى 
عوامل القدرة 


-523- 


ولا يخرج في تطبيبه إلى حد الخطر على حياته » فإن أب من مرضه فذاك 
هق المطلوف 6ت لافلذ طلام كلية. 


ذكر طائفة من الأمور المنفرة التي 


كانت أثناء الحرب » وهي تهور جمال باشا وقلة تبصره : 

من تهوّر جمال باشا ‏ وهو أول شيء دل على طيشه ‏ أنه لما قدم إلى 
حلب لأول مرة أصدر أمره إلى الوالي جلال بك بأن يحمل الناس على 
الصعب والذلول » ويسوقهم فورا إلى جهة «راجو» ليعملوا في تسوية 
طريق سكة حديد بغداد. وكان صدور أمره هذا ليلا فلم يسع الوالي مخالفته 
(». وفي الحال أمر رئيس الشرطة أن يسوق الناس إلى تلك الجهة بأسرع 
ما يمكن ٠‏ فأوعز رئيس الشرطة إلى رجاله أن يطرقوا الأبواب على الناس 
ويوقظوهم من مضاجعهم » ويقبضوا على من يرونه في طريقهم من 
الرجال ويسوقوا الجميع إلى تلك الجهة بلا تفريق بين رفيع ووضيع. ففعلوا 
ما أمروا به وساقوا الناس بثياب نومهم » ومنهم من نجا من شر هذه البلية 
بنقود دفعها للشرطة .. ولما وصلت هذه الجموع إلى جهة «راجو» قابلهم 
ضباط عسكريون وقالوا لهم : لأي شيء حضرتم إلى هنا؟ قالوا : لأجل 
العمل بالطريق. فقالوا لهم : أبأيديكم تحفرون التراب وتقلعون الحجارة؟ 
وبأي مكان تنامون؟ وأيّ طعام تأكلون؟ ارجعوا إلى حيث جئتم » لا عمل 
لكم عندنا » ولا مأوى ولا قوت. فرجعوا على أسوأ حالة وقد عرى أكثرهم 
الأرب من برد الخريف وقلّة الزاد. 

نحن لا نعدٌ هذا العمل مظلمة من جمال باشا ؛ لأن عمل هذا الطريق 
أمر واجب في أيام هذه الحرب » وإنما نعد التسرع في سوق هؤلاء على 
هذه الصفة خرقا ©) وقلّة اكتراث بعباد الله. أما كان الواجب عليه قبل سوقهم 
أن يعد لهم ما يأكلون ويهيئ لهم خياما يأوون إليها وأدوات يشتغلون بها ولو 
كان ذلك كلهمن أموالهم؟ وإنما أرهقهم بالسفر ولم يترك لواحد نهم متجالا 
لآن يلبس ثوب يقظته » مع أنه يعلم أن الموضع الذي يساقون إليه خلو من 
كل ما يحتاجون إليه في أنفسهم وعملهم. 
(1) سبق للمؤلف أن ذكر هذه الحادثة في أول حوادث سنة 1333 ه فانظرها هناك أيضا 


لمزيد من التوضيح والبيان. 
(2) الخرق » بضم الخاء : الحماقة. 


0 


ركوب جمال باشا بالعظمة والأبهة : 

ومن خشونة أخلاق جمال باشا ‏ التي زادته في القلوب نفرة - أنه كان 
يركب في البلد لبعض شؤونه فيحف به عدد وافر من الفرسان المسلحين 
يسيرون على صورة رهيبة كانهم في بلد عصى اهلها على الدولة أو 
خرجوا عن طاعتها » فكان الناس يقولون نحن لا نحتاج إلى إرهاب لاننا 
مطيعون للدولة مخلصون بمحبتها » والآأولى بجمال باشا أن يسير بهذه 
المواكب تجاه أعداء الدولة إرهابا لهم لأنهم أولى منا بالإرهاب. 


انهماكه في المعاصي : 

ومما نفر عنه القلوب انهماكه في الملذات وإرصاده لنفسه في كل 
بلدة ينزلها من بلاد سوريا وفلسطين ‏ عاهرة يواصلها ويصرف عليها 
النقود الكثيرة. وربما استقضته مصالح هامة تجني من ورائها المبالغ 
الطائلة ولا يكفى عل التشطير يننا يج هن" الانيماك من ياد حدق 
الضباط والجنود الذين هم تحت إمرته على حد قول الشاعر : 
إذا كيان وت الببيث للظبل ضباريا: ٠‏ قلا تلم الصييان يوم على الرفضن 


تسلط المأمورين على التجار وأخذ الذهب منهم بالورق : 

ومن التعديات الفظيعة تسأط المأمورين العديمي الإنصاف من كل 
صنف ‏ خصوصا الشرطة ورجال الدرك ‏ على التجار وفقراء الباعة . 
بتكليفهم إياهم أن يبيعوا منهم بضائعهم بعملة من الورق النقدي على أسعار 
النقود المعدنية الذهبية والفضية » وأن يسددوا ما يزيد لهم من قيمة الورقة 
خبز من امرأة فقيرة بثلاثين قرشا ‏ حسب تنبيه الحكومة ‏ فيدفع لها ورقة 
نقدية سعرها عند الحكومة مائة قرش ؛ وسعرها في التجارة ثلاثون قرشا » 
فيكلفها أن تقطع عليه ثلاثين قرشا ‏ وهي قيمة الخبز ‏ وتدفع له الباقي وهو 
سبعون قرشا نقودا معدنية » فتخسر سبعين قرشا وهو مبلغ يستغرق جميع 
رأسمالها. وكان الكثير من الضباط والمأمورين العثمانيين يكلفون التجار 
بأن يصرفوا لهم الورق النقدي بالنقود الذهبية رأسا برأس » فإذا امتنع 
التاجر عن إجابة طلبهم أهانوه وهددوه. وكان الناس يخافون من الضباط 
خوفا شديدا لأن كل واحد منهم مستبد بعمله مع الرعية يمكنه أن يتصرف 


-525- 


وعليه فإن التاجر معذور على إجابة طلب الضباط » فيصرف لهم الورقة 
النقدية التى سعرها فى التجارة ثلاثون قرشا مثلا بليرة من الذهب قيمتها فى 
التجارة مائة وسبعة وعشرون قرشا » فيلحقه بسبب هذه الصّرافة خساة 
عظيمة. وكثيرا ما كان الوالي والقائد العسكري يعرضان على جماعة من 
التجان أن يضير فوا لهما خمسة الافه:ووقة تقدية مثلا يكدينة الافه ليوا ذكيا 
» بحجة أنهما يريدان شراء مواش من العربان الذين لا يقبلون قيمة مواشيهم 
إلا نقودا ذهبية. وقد سبق لنا بيان فساد هذا العذر في الكلام على حوادث 
سنة 1333. 


إخراج الناس من بيوتهم قهرا : 

ومن الأحوال التي نفرت القلوب إخراء ج أسر كثيرة من أماكنهم جبرا 
ا ا ل ل ل وي لسار 
مستو دعا للذحائو .والعمهمات: وكانت حهة العسكرية لا تعمل شكان هذه 
المحلات غير مدة قليلة بحيث لا يمكنهم أن يتمكنوا في خلالها من أن 
يظفروا بمكان يأوون إليه » فمتى انقضت مدة المهلة تهجم الجنود على 
المحل ويخرجوا منه أهله ويأخذوه مجانا بلا أجرة » وربما دفعوا لصاحبه 
بعد عناء طويل أجرة ورقا نقديا لا تبلغ خمس أجرته الحقيقية بل هي لا تفي 
بعانهو محم على الممل من الضبر انب الاميزريية الذي (ابدامن دفعهنا. 
سواء انتفع به صاحبه أم لم ينتفع ينتفع. 

ثم لا تسل عما يجري على المحل الذي يحتله العسكريون من تحطيم 
البلاط وتكسير الملاط7) » وتشويهه بالدخان وحرق أغلاقه وتحطيم 
زجاجه. هذا ما كانت تفعله فى المحلات المذكورة عساكر الأتراك » أما 
عساكر الألمان فإنهم كانوا يأخذون المحلات اللازمة لهم من أهلها برضاهم 
وحسن اختيارهم ويدفعون لهم أجرة مثلها وزيادة » وهم مع ذلك محافظون 
على عمرانها بل ربما صرفوا على تحسينها شيئا من أموالهم » فلذا كان 
الناس يرغبون معاملتهم ولا يمتنعون عن إجابة طلباتهم. 


تظاهر جهلة الأتراك ببغض العرب : 

ومن الأمور التي كانت تنفر قلوب أهل البلاد العربية وتسيء ظنونهم 
بنوايا الدولة العثمانية : ما كانوا يسمعونه من وقت إلى آخر من الألفاظ 
القبيحة التي يفوه بها سفهاء 


(1) الملاط : الطين الذي يجعل بين صفّي الحجارة » ويطلى به الحائط. 


-526- 


الأتراك من مذمة أبناء العرب وشتمهم وسبهم بكل ص راحة » وقذفهم 
العرب بالغدر والخيانة وتهديدهم بالمهلكات في مستقبل أيامهم. وكنا نسمع 
هذا الكلام وأشباهه من الأتراك المعدودين من عقلائهم فضلا عما كنا 
نسمعه من غوغائهم وجهالهم حتى من بعض النساء والصبيان. وهذا كله 
عد هنا كنا تر اح سر نكا انيخا فى الصبحف التو كية نرق العباز ا الدالة 
على استخفاف الأتراك بالعرب وقلة اكتراثهم بصداقتهم. 

وذلك أن طائفة من الاتحاديين الطائشين كانوا ينادون بالحصحف 
الإخبارية التركية أن الواجب على كتبة الأتراك وأدبائهم أن يطرحوا من 
كتاباتهم الكلمات العربية ويهجروها من كلامهم بتاتا » ويقتصروا في 
عباراتهم على اللغة التركية المحضة التي هي لغة «جفطاي» أحد أجدادهم 
» وأن طائفة من الأتراك كانوا يقولون بلزوم ترك تلقيب السلطان بالخليفة . 
وأن يكون عنوان السلطان (ايمبراطور) ؛ وأن تضرب الحكومة التركية 
الصفح عن بلاد العرب التي لا خير فيها » وتقتصر على البلاد التي يسكنها 
العنصر التركي فقط » وأن تصرف فكرتها إلى افتتاح تركستان وتجمع 
تحت رايتها العنصر التركي (وهي فكرة مضى أوانها) وأن لا تحفل 
بالعرب ولا ببلادهم. 

وشاع بين الناس أن كبار زعماء الاتحاديين قرروا بأن يتركوا العرب 
القاطنين في البلاد العثمانية - أي يضطروهم إلى أن ينسوا لغتهم ويصيروا 
أتراكا ‏ وذلك بأن ينقلوا من البلاد العربية أسرا كبيرة إلى البلاد التركية 
ويزاحموا البلاد العربية بنقل أسر كبيرة تركية إليها » فيتغلبوا على بقايا 
أهلها وتنقلب لغتهم إلى التركية. وقد باشروا تنفيذ هذا القرار بالفعل 
وشرعوا بإجلاء بعض أسر كبيرة من دمشق إلى البلاد التركية بغير سبب 
معقول. فيا عجبا ممن كان يوسوس بهذه المخازي التي كانت السبب 
الأعظم في افتراق كلمة الترك عن العرب بعد اتحادها منات من السنين » 
وضياع هذه البلاد العظيمة من يد الدولة العثمانية التي كان يخلشص في 
محبتها كل ذي حميّة من العرب. 


تعليم البنات فن الرقص والتمثيل : 

وكانت قلوب المسلمين عموما والأمة العربية خصوصا ‏ لما امتازت 
به عن سواها من قوة الإحساس والشعور ‏ تزداد نفورا واشمئزازا كلما 
ترى صحف الأستانة تكتب المقالات الضافية في أثناء الحث على تعليم 


البنات وتهذيبهن » مشيرة إلى لزوم افتتاح أماكن 


-527- 


يتعلمن فيها أصول الرقص وأعمال التمثيل المعروفة بالتياترو » وأن 
يستخدمن في الحكومة كالرجال. 

إن عقلاء الأمة العربية لا ينكرون وجوب تعليم البنات وتهذيبهن إلى 
حدّ لا يتعدى ما يلزمهن في تحسين الأحوال المنزلية والتربية العائلية ؛ 
وإنما ينكرون لزوم تعليمهن أصول الرقص وأعمال التمثيل والاستخدام في 
دوائر الحكومة » ويقولون حينما يقرءون تلك المقالات : إذا كان غرض 
الحكومة من إيصال البنات إلى هذا الحد هو الاقتداء بأوربا لتترقى بلاد هذه 
الحكومة كترقي أوربا فإن أوربا لم تجعل إيصال البنات إلى هذا الحدّ أول 
خطوة من خطواتها في سبيل التقدم والرقي ؛ وإنما كانت الخطوات الأولى 
منها في ترقيها وتقدمها هو ) ممارسة العلوم النافعة العمرانية التي لا يتم 
للأمم أمر العمران إلا بإحرازها منها النصيب الأوفر » لا من علوم الرقص 
والقصف ودواعي الفجور والشرور. 

على أن فن الرقص والتمثيل العلمي لا بد وأن يتقدمه علم الأخلاق 
وتهذيب النفس ؛ وإلا كان مدعاة لفساد أخلاق الفتاة وتلويث شرفها. ثم 
لنفرض أن تعليم البنات الرقص وفنون التمثيل أمر مستحسن ؛ إنما كان 
التجاهر به فى هذا الوقت غير مستحسن لأنه مخالف لتقاليد هذه البلاد التى 
يرى أهلها المسلمون أن التمسك بالشرع من أعظم أسباب الانتصار في هذا 
الوقت الحرج. 

إفساح الحكومة مجال البغاء : 

ومن المنفرات العظيمة أيضا إفساح الحكومة مجال البغاء » وتكثير 
فتح أبواب العهر وشدة العناية بتيسير وسائط الوصول إليه في أكثر البلاد 
العثمانية » حتى كان لحلب من هذه الوسائط النصيب الأوفر » فقد فتح فيها 
على صفة رسمية ما ينوف على مائتي بيت يجمعها اسم «المنزول» أي 
الماخور. هذا عدا مئات من بيوت العهر غير الرسمية التى كانت متفرقة 
في المحلات بين البيوت والمنازل التي يسكنها أهل العرض والناموس » 
فكان الإنسان إذا رفع خبر بيت من هذه البيوت المدنسة إلى الحاكم لينقل 
أهله إلى «المنزول» بحسب أحكام القانون يكن © جواب الحاكم قوله له : 
(ليس لنا أن نخرج صاحبة هذا البيت من بيتها 


(1) كذا في الأصل. والصواب «هي» كما يتضح من التركيب. 
(2) لا وجه لجزم الفعل » والصواب : يكون. 


-528- 


إذا لم يظهر منها لجيرانها «زررتي» - يعني بهذه الكلمة فتنة أو استعمال 
سلاح أو تلويث باب دار جار - أما ما دامت تجري شؤونها » ولا يظهر 
بسببها للجيران شيء من الإضرار المذكورة فليس لنا عليها من سبيل). 

على أن الذي كان يدافع عن أمثال هذه البيوت ويقف في وجه 
المشتكين منها هم رجال الشرطة أو الضباط العسكريون ؛ لأنهم هم الذين 
كانوا يترددون عليها للعهر ء أو كانوا يأخذون من كل بيت منها راتبا 
أسبوعيا ليدافعوا عنها تجاه أهل المحلة ويحموها ممن يسيء معاملتها من 
الزبائن. فكان أهل العرض والشرف المجاورون هذه البيوت المدئسة 
يتكبدون كل ضرر من جوارهم » ويسلبون الراحة والقرار في الحرص 
على حريمهم وبناتهم كيلا يلحقهن شيء من فساد الأخخللاق بسبب الجوار » 
الأمن الذي أصصيف به كنين: مق النا:ر اضيكر | "تكسي ار أبن 

وبينما كان الناس يتضجرون من كثرة المومسات ووفور بيوت الريبة 
0 إذ أصبحوا ‏ وهم في أواخر أيام هذه الحرب فرأوا في محلة «بحسيتا» 
بيوتا علّق على أبوابها ألواح كتب فيها (ملاقاتخانه) نومرو (كذا) » أي 
مح لقا اننا حن_ القن ان حك هذه السرف فقيل لذ لمر اد يها تتموين 
الوطمول! لنن المحيوب لتذودى :ليوات لنشن ماقيو ن التسكول إلى 
«المنزول». فعجبنا من اعتناء الحكومة بهذه الأمور الرذيلة » في الوقت 
الذي تقضي فيه عليها السياسة ‏ فضلا عن الدين ‏ أن يكون تباعدها عنها 
قوق كل ماهد رعاية لعو اظفك الرزعايا الفسلمين. وريب أن المو اج الح 
كان يلجأ إليها المشتكي من هذه الأحوال السيئة أصبحت مراكز ادكه 
ومصائد لاقتناص الحرائر وإيقاعهن في شبكات الفجور. فقلما كان الإنسان 
إذا راجع المخفر للتشكي من هذه الأحوال أن لا يرى فيه عاهرة أعدّت 
لرئيس المخفر أو لأحد مقرّبيه » أو يرى فيه حرّة لها حاجة عند هذا الرئيس 
قد امسكينا وماطلها يتان مها أزردة أحررة له عل ' فياه ساجتيا امنا أن 
تضحي شرفها وإما أن تخسر حاجتها. 

ركانت نساء السباكن اللزاتي بأخذن” الزواقن الشتهرية من الكومنةب 
في أثناء غياب أوليائهن - عرضة لبذل شرفهن إلى الشرطة المنوط بهم 
السبدية كاي محا جني لسكا : :و لس حنم نيتو إن لمعاو فين 
بالتحصلداريّة وجماعة كتاب الديوان. فكم من محصنة من هؤلاء النسوة 
اضطرت أن تبذل صيانها لأمثال هؤلاء لتأخذ مرتبها الشهري 


-529- 


الحقير الذي لا يفي باقتياتها سوى يومين من الشهر. وكم جرّت الحاجة 
أمثال هؤلاء النسوة إلى منتهى درجات التبذل » حتى صرن يجلسن في 
الشوارع والطرقات عرضة لخطاب العهر ينلن منهم دريهمات يصرفنها 
على القوت الذي يحفظ عليهن رمقهن. ومن هؤلاء النسوة من يعز عليهن 
شرفهن فلم يرضين أن يحفظن رمقهن ببذل شرفهن » فاخترن ما هو أخفت 
وطأة من هذا » وصرن يتعاطين السرقة بأنواع الحيل والدسائس فينالهن 
بسبب هذه المهنة من المكروه والإهانة ما لا يعلمه إلا الله تعالى. ومنهن من 
لمترض بهذا ولا بهذا ؛ بل حملها شرف نفسها على أن تحفظ رمقها 
بالتسوّل والجلوس في الشوارع » ومدّ يدها إلى استعطاف المارّين 
الخبز لآن قيمة مائة درهم منه بلغت ستة فروش. 

كان الإنسان السخيّ يتصدق قبل هذه الحرب على واحدة من أمثال 
هؤلاء الفقيرات بربع القرش » فتعد صدقته كثيرة لأن أكثر الناس يتصدق 
أحدهم على أمثالها بثمن القرش أو بنصف ثمن القرش » وكانت الفقيرة 
تعيش من هذه الصدقة الطفيفة عيشة كافلة حياتها واقية نفس ها من كوارث 
السغب وكواسر العطب. أما بعد حدوث هذه الحرب وارتقاء أسعار الأقوات 
فى أثنائها إلى عشرين ضعفا عما كانت عليه قبلها ؛ صار ذلك الإنسان 
يتصدق على أمثال تلك الفقيرات بربع القرش ٠‏ فترى الفقيرة صدقته جزئية 
لأنها مهما أعانها الحظ لا يمكنها أن تجمع في يومها ثلاثين ربعا جمعها 
سبعة قروش ونصف ., وهي قيمة مائة وعشرين درهما من الخبز » وهو 
مقدار لا يكفيها وحدها فضلا عن ولدها أو أولادها المتعددين » فكانت هذه 
المسكينة تع وتضجّ طول نهارها بل إلى وقت العتمة » وهي تستجير 
وتستغيث وتنادي بأعلى صوتها : (جوعانه جوعانه يا أهل الخير) فلا تجد 
لها راحما ولا مغيثا » حتى كأن الشفقة قد نزعت من القلوب ثم لا تلبث هذه 
المنكودة الحظ حتى يدب الضعف في جسمها وأجسام أولادها » ويستولي 
عليهم المرض ويكونوا في النهاية فريسة الجوع. 
كل هذا ؛ وأكثر كبار المامورين من ملكيين وعسكريين يجمعون 
ألوف الليرات بالتسلط على أرزاق العساكر وأموال الدولة والرعية بأنواع 
أساليب السلب والنهب ويصرفون ما عر وهان من ذهبهم الرنان على شراء 
الحليّ والحلل لنسائهم » والتغالي فيما يقدمونه لبطونهم وفروجهم » ولا 
تاخذهم رحمة ولا تهزهم شكوى في تعاسة هؤلاء الفقراء الذين 


-530- 


تبغ اهبو كيم كه الجنانموعطر طني أرزلى العواتتسه الفدرؤيفة وزدن 
الوبال والنكال. 

كتاب «قوم جديد» : 

ومن منفرات قلوب المتعصبين للدين ‏ من الرعايا المسلمين 
العثمانيين - كتاب ألفه رجل يقال له الشيخ عبيد الله باللغة التركية سماه «قوم 
جديد» أتى فيه بأمور لا يرضاها الحريصون على معتقداتهم الدينية. وكان 
نشر هذا الكتاب قبل الحرب بمدة قليلة » أي كان نشره في الوقت الذي يجب 
فيه نشر كتاب ديني ترضاه الخاصة وتقبل عليه العامة » ويصحح اعتقادهم 
بصلا ح دولتهم وصدق إسلاميتها وتعصبها للدين وأهله. ويقال إن هذا 
الكتاك كان من أكين العوامل التي عز عض اعتفاد مسلمي الهند في الدولكة 
العثمانية وجعلتهم يشكّون في صدق إسلاميتها قائلين : لو لا تشوه إسلاميتها 
لما كانت ترضى بطبع هذا الكتاب وتسعى بنشره. 


كتاب سيرة النبي : 

ومن الكتب التي هي من هذا القبيل كتاب تكلم فيه صاحبه عن السيرة 
النبوية » ترجمه من اللغة الفرنسية () إلى اللغة التركية » أنبت فى مقدمته 
شمائل وحالات للنبي عليه السلام ينكرها التاريخ ويكفر الدين من يعتقد 
صحتها. ثم تكلم على شيء من سيرته عليه السلام فطوى منها كل ما يدل 
على روحانيته وكونه موحى إليه. ٠‏ 

هذا التركي الذي ترجم هذا الكتاب ‏ ونقله عن مؤلف أجنبي عن الدين 
- إما أن يكون اطلع على شيء من كتب السيرة النبوية التي تعد بالمنات ؛ 
وهي من تأليف علماء المسلمين المجمع على صدقهم وسعة اطلاعهم وعلوّ 
مداركهم » وإما أن يكون غير مطلع على شيء من تلك الكتب. فإن كان 
مطلعا فكيف يسوغ له عقلا ‏ فضلا عن الدين - أن يعدل عما قالته وسطرته 
علماء الدين الصادقين المدققين © إلى كتاب ألفه رجل أجنبي عن الدين ٠»‏ لم 
يستند في كتابه إلى نقل ولا رواه عن ثقة. وإن كان غير مطلع على شيء 
من تلك الكتب », أي كتب السيرة النبوية » ولا يعلم أنه يوجد منها غير 
الكتاب 


(1) في الأصل : «الفرسية». 
)2( الصواب : «الصادقون المدققون» وهما صفتان للفاعل «علماء». 


-531- 


الذي ترجمه ؛ كان عليه ألا يتسرع بترجمته قبل أن يطلع عليه بعض علماء 
المسلمين ويستشيره بترجمته » فإن رضي أن يترجمه فليفعل وإلا لا. 

على كل حال بذ ينبغي أن يكون مترجم هذا الكتاب شابا طائشا مغفلا » 
أو وجلا سي الاغتفاد. وعلى كن فان_الدنت كل لذن علي اللمكورمة الس 
رخصت له بطبع هذا الكتاب ونشره غافلة عما يجنيه من نفرة قلوب 
المسلمين وانحرافهم عن الدولة العثمانية. 


التسرع بإراقة الدماء ٠‏ 

ومن المنفرات الفاضحة ‏ التي كانت من أعظم مدمرات معاهد 
الضياق والولاء الى شادتها الدولة العثمانية مدة أزجعة كرون فى قلوت 
الأمة العربية ‏ تسرّع جمال باشا ورفقاه من زعماء الاتحاديين في إراقة 
الدماء » واستخفافهم بأرواح عدد عظيم من الأبرياء الذين هم من زهرة 
شبان سوريا وبيروت وحلب. 

إن أهل هذه البلاد قد نسوا مناظر المقتولين والمصلوبين ؛ لأنهم 
مضى عليهم زهاء ستين سنة ولم يروا إنسانا معلّقا على جذع » فما راعهم 
في هذه الأيام إلا مناظر المعلّقين كل يوم على جذع لأقلّ سبب. فاشتد عليهم 
هذا الحال ونفرت قلوبهم من هذه الدولة نفرة لا رجوع بعدها. كان لا 
يمضي عليذ ا أيام قلائل إلا ونسمع فرقعة البنادق التي كانت ترشق : 
رصاصها على الفارّين من العساكر فنأسف عليهم ؛ غير أننا لا نلبث أن 
يزول أسفنا ونرى أنهم عوقبوا بما يستحقونه ثم وردت علينا صحف بيروت 
تخرد يتعليى جماعة مو التييية العويية فيها + انمقو اكالم وق على الدونة 
والسعي بأن يستظلوا براية غيرها. فاستعظمنا هذا الخبر أولا ثم قلنا : لعل 
الذي اتّهموا به أمر واقع. 

ثم لم يمض سوى قليل من الأيام حتى سمعنا بإلقاء القبض على 
جماعة كانوا نسبوا إلى جمعية عربية عقدت في مدينة باريس ‏ بعد حرب 
طرابلس الغرب ‏ تضم إليها زهرة من أبناء الورب مسلمين ومسيحيين » 
أكثرهم من جالية البلاد العثمانية اللاجئين إلى مصر وباريس ؛ ولو ندره 
وأميركا. وكان الرئيس على هذه الجمعية عبد الحميد الزهراوي. وقد 
طبعت كتابا أثبتت فيه نبأ كل ما أجرته » ونسخة كل ما قالته في جلساتها . 
إليها. واسطررث غير :ذلك من الفصتول 


-532- 


والمقالات الصريحة المشعرة بالغرض من انعقاد هذه الجمعية وأحوالها 
وماجرياتها. وهو كتاب كبير يستغرق زهاء مائتي صحيفة » تدل مقاصده 
ظاهرا على أن هذه الجمعية لا تطلب من الدولة العثمانية سوى منح البلاد 
العربية اللامركزية على شرط بقائها تحت العلم العثماني » حتى إن واحدا 
من المتطرفين من رجال هذه الجمعية أشار في كلامه إلى لزوم انفكاك هذه 
البلاد عن العثمانية بتاتا والانضواء تحت راية دولة أخرى » فرد عليه 
الجميع كلامه وقالوا : لا نرضى أن يظلنا غير راية الهلال. 

هذا ما يدل عليه ظاهر مقاصد هذه الجمعية. والمفهوم من مقدمة هذا 
الكتاب ‏ وعبارات الخطب التي اشتمل عليها ‏ أن الذي حمل هذه الجمعية 
على طلب اللامركزية أمور كثيرة يطول شرحها ٠‏ وخلاصتها : استتثا 
دولة تركيا بدخل البلاد دون أن تترك لها منها ما يقوم بتعميرها وجعلها في 
عداد بلاد الأمم الراقية بمعاهدها العلمية ومعارفها العمرانية التي تثمر 
أطاييب الحياة لمن جناها من الأمم » وأن تركيا بسبب سوء إدارتها تركت 
هذه البلاد ‏ التي هي مصدر الترقي ومهد التمدن ‏ مهملة معطلة » أرضها 
موات وأهلها في عداد الأموات » وقد أهملت المعدات البرية والبحرية 
الحربية حتى أصبحت تعجز عن أقل عادية تطرأ على بلادها » فصارت 
مسرحا لمطامع الدول المستعمرة. ومن جهة أخرى خصت أبناء جنسها 
الأتراك بالخدم العالية » وصرفتها عمن هو أجدر بها منهم من أبناء العرب 
الذين يتألف منهم ثلثا أهل هذه المملكة. وزد على ذلك ما هو مشاهد من 
مأموريها وحكّامها من الظلم والجهل وسوء الإدارة والتجاهر بالرشوة 
والانهماك بالرذائل » إلى غير ذلك من الأمور التي تكون عقباها بلا ريب 
انسلاخ هذه البلاد من يد العثمانيين إلى يد دولة أخرى لا يبقى معها خيار 
للناس في كيفية حكمها عليهم. 

هذه خلاصة بواعث الجمعية على طلب اللامركزية. على أننا لا ننتكر 
وجود نافخ ينفخ في نار حميّة رجال هذه الجمعية لغرض يقصده » وهم 
يعلمون ذلك ولا يجهلونه وإنما اضطرهم إلى الاستكانة إليه قلّة الظهير 
والنصير لهم » عملا بقول الشاعر : 
إذالم يكن غير الأسنة مركبا فماحيلة المضطرّ إلا ركوبها () 

إن رجال هذه الجمعية لم يكونوا هم أول من أدرك سوء مصير حالة 
الذؤلة العتمانيةع 


(1) البيت للشاعر الأموي : الكميت بن زيد الأسدي. 


-533- 


وأحسنّ بانحطاطها إلى الدرجة الأخيرة فقنطوا من صلاحها وأيقنوا بضياع 
بلادها فقاموا يتحدثون في طلب اللامركزية إبقاء لكيانها ؛ بل البادئ 
بإدراك ذلك قبلهم والمتحدث به كثيرون من متبصري رجال الدولة الأتراك 
ويتظاهرون باستحسان منح اللامركزية الأمة العربية وأنه أبقى على البلاد 
وأرفق بحالة العباد. 

إن اليأس من صلاح هذه الدولة في تلك الأيام قد بلغ غايته » وإن 
ضعفها المتناهي الذي أهاب به انكسارها في طرابلس الغرب والبلقان قد 
أزال ما كان لها من الهيبة والرهبة في قلوب شعبها » فأمنوا بطشها وصار 
الكثير منهم ينادي علنا بلزوم اختيار دولة غربية تتولى هذه البلاد ليامن 
غيرها » وصدى ضوضائهم في اختلافهم على ذلك يدوّي في أصمخة () 
ولاة الحكومة التركية فيتصامّون عنه ولا يقدرون على رده. 

فهل ‏ والحالة هذه يعد رجال تلك الجمعية متهوّرين؟ وهل يلامون 

وهب أن اللآمركزيين المذكورين كانوا غير محفين في قيامهم هذا ء 
أفيمكن للاتحاديين أن يتبرّؤوا من وصمة الغدر بهم؟ بعد أن حلوا عقدة 
مؤتمرهم طوعا حينما ألانت لهم الحكومة القوله » ونادتهم بالرجوع إلى 
أحضانها ووعدتهم بإجابة طلبهم وأمّنتهم على ارواحهم » وأعطتهم على 
صدق وأمانة » ومضى عليه زمن طويل ولم يظهر منه أقلّ شيء يدل على 
الحرب العامة إذ دعي إلى الديوان العرفي المفتتح في «عاليه» فاستوقف 
وتجرّع من كأس الذل والتضييق أمرّ من الصاب © . واستغرق في 
المحاكمة أمدا طويلا إرغاما له وتنكيلا ؛ حكم عليه بقصاص القتل تعليقا 
©. ثم في 
(1) الأصمخة : جمع الصّماخ » وهو باطن الأذن. 
(2) الصاب : شجر مرّ ء له عصارة بالغة المرارة. 
(3) أي تنفيذ حكم الإعدام فيه. 


- 534- 


ليلة واحدة نفذ هذا الحكم على واحد وعشرين شخصا من رجال هذه 
الجمعية » ٠‏ علق بعضهم في بيروت وبعضهم في دمشق » كما أشرنا إلى ذلك 
في حوادث سنة 1334. 

كان الأشخاص المقتولون من مشاهير رجال سوريا وذوي العقول 
المنوّرة منهم » ولهم شيعة كبيرة تسير على سننهم وتقتفى آثارهم في 
أعمالهم وتعتقد بهم كل فضيلة وكمال. ولذا نقول : إن الاتحاديين أخطئوا في 
هذه الحادثة من عدة وجوه : 

الأول : قتل الرجال المذكورين ؛ لأنه كان من أكبر الدواعي لتنفير 
قلوب شيعتهم الكبيرة العربية من الحكومة العثمانية » في الوقت الذي كان 
اللازم فيه على الاتحاديين أن يجتهدوا بعمل ينشأ عنه عكس ذلك » أي 
بعمل ينشأ عنه تحبيب القلوب بالحكومة العثمانية واستمالتها إذيهم بمقتضى 
موقفها الحرج الذي هو في حاجة شديدة إلى تكثير عدد الصديق وتقليل عدد 
العدق. حتى لو فرضنا أن الرجال المذكورين كانوا يستحقون القتل حقيقة ؛ 
كان الواجب السياسي يقضي على الحكومة في هذا الوقت الحرج ألا تقتلهم 
؛ بل بعد أن تحكم عليهم بقصاص القتل وتوهمهم بأن لا مناص لهم من هذا 
القصاص - إظهارا لقدرتها وتنويها بسطوتها ‏ تفاجئهم بصدور العفو حلما 
منها وحنانا عليهم » ثم يستتابوا وتتلى عليهم النصائح والمواعظ ويقال لهم : 
عفا الله عما مضى ويستمالوا بالمعروف وتملك قلوبهم بالإحسان » فيندمون 
على ما فرط منهم ويعترفون بفضل دولتهم وفرط رأفتها وحلمها عليهم . 
وتتبدل عداوتهم لها بالصداقة ويخدمونها بكل أمانة وإخلاص. حكي عن 
إسكندر المكدوني أنه قيل له : بم نلت هذه المملكة العظيمة على حداثة 
السن؟ فقال : باستمالة الأعداء وتصييرهم بالبر والإحسان أصدقاء وتعاهد 
الأصدقاء بأعظم الإحسان وأبلغ الإكرام. 
الثاني : غدر الاتحاديين بهم وعدم احترامهم وعود حكومتهم. ومعلوم 
أن وفاء العهد إذا كان من حيث هو واجبا فهو على الحكومة أشد وجوبا ؛ 
لأن الحكومة قد يكفيها وفاء العهد والوعد مؤنة حرب عظيمة إذا عرفت 
باحترام العهود » فأما إذا كانت معروفة بإخلاف الوعد ونكث العهد فإنها 
تفقد الثقة من القلوب وتضيخ مضطرة إلى استغمال القوة والعتف في كل 
غاية تطلبها. الأمر الذي يجعل الحكومة طول حياتها في تعب ونصب » 
ولهذا قيل فيما ينسب إلى الفرس : فساد المملكة واستجراء الرعية وخراب 
البلاد بإيطال 


-535- 


الوعد والوعيد. ومن هذا القبيل ما أورده ابن خلدون في الفصل 19 من 
نتج من غدر الاتحاديين بهؤلاء الجماعة وما جنوه في عملهم هذا على 
دولتهم من المتاعب والمعاطب وتعجيل ضياع بلادها وتنفير قلوب شعوبها. 

وقد زعم جمال باشا في مذكراته أن قتل. هؤلاء النفر لم يكن مبنيا على 
ما صدر منهم في مؤتمرهم الذي عقدوه في باريس ؛ بل كان قتلهم مبنيا 
جمال باشا ذكر هذا ولم يذكر شيئا مما زعم صدوره منهم بعد العفو 
لغيظه مخ العرب + :علدا عمله :هذا فوز | عظظليما وانتصان ا ميينا »نه سفاه 
مذاحوه والمتقربون إليه فاتح سوريا وبطل تركيا. ولو أمنوا بطشه لسمّوه 
بسبب هذه الجريمة مضيّع سوريا وناكب تركيا. 

والأمر الغريب أن جمال باشا بعد أن غدر بهؤلاء الرجال أحس بأن 
بقتلهم ويوهمهم بانه لم يقتلهم إلا لآنهم يستحقون القتل لجرائم صدرت منهم 
» فأمر أن يلفق له كتاب تذكر فيه جرائمهم وذنوبهم التي استحقوا من أجلها 
القصاص ٠‏ مع بيان الأعذار الشرعية والقانونية التي دعت الحكومة إلى 
قتلهم. فلفق له هكذا كتاب وطبع ونشر » فكان المتبصرون من قرائه يرون 
أن أكثر الأعذار المستند إليها في قتلهم حجّة على جمال لا حجة له » وأن 
باقي الأعذار المسرودة في هذا الكتاب مما لا يوجب عليهم شيئا من العقوبة 
أكثر من التوبيخ أو الحبس مدة يسيرة ليس إلا. ولذا قيل إن هذا الكتاب لما 
اتصل خبره بالقائد العسكري الألماني معاون جمال واطلع على ما فيه 
منه » وأنه مما يزيد نفور الرعية من تركيا ويضاعف حقدهم عليها. فأمر 
بجمع ذلك الكتاب وإحراقه » فجمع منه القدر الكثير وقلت بين أيدي الناس 
ل 
إذا لم يكن عون من الله للققى فأوّلمايجني عليه اجتهاده 

ومن منفرات قلوب الرعية - خصوصا منهم الحلبيين - قتل أفراد منهم 
لأغراض دنيئة قامت في مخيلة جمال باشا زعما منه بأن قتلهم من الأمور 
التي تقتضيها السياسة ‏ 


- 536 - 


وذلك أنه قتل شابا بستانيا لوجود صندوق مدفون في بستانه فيه بعض 
أثواب بالية ادّعى بعض الفقراء الأرمن أن هذا الصندوق سرق من بيته. 
وكان هذا الشاب ممن عرف بين سائر أقرانه وأهل حرفته بالتقوى وحسن 
السيرة » وهو لا يعرف هذا الصندوق ولا يدري من دفنه في بستانه؟ وقد 
حلف على ذلك أيمانا مغلّظة وشهد بصلاحه وورعه كثير من الناس ؛ فلم 
يصغ جمال لذلك ولم يمهله غير يوم واحد حتى أصبح ذلك المسكين معلّقا . 
فبكى عليه كل من يعرفه ودعا على جمال بالهلاك وسوء العاقبة. والمفهوم 
من بعض حاشية جمال أنه لم يقتل هذا الشاب لسوء ظنه به في مسألة 
الصندوق ؛ بل هو معتقد أن الرجل عفيف بعيد عن السرقة وإنما قتله 
لغرض سياسي وهو جعل قتله ‏ حين مناقشته الحساب عما أجراه من 
الفظائع مع الأرمن ‏ برهانا على فرط عناية تركيا بحقوق الأرمن وشدة 
حرصها في حمايتهم وصونهم من التعدي » حتى إنها قتلت رجلا مسلما 
لمجرد قيام شبهة عليه في سرقة هكذا صندوق. 

ومن الدم الذي أراقه جمال باشا لغرض سياسي يزعمه » دم شابين 
من أهل حلب : أحدهما في سن الثانية والعشرين » والآخر في سن الثامنة 
والعشرين وهما غضنًا الشبيبة منوّرا العقل » زعم جمال باشا أنهما نددا 
بظلم الحكومة العثمانية وألبّا عليها جموع العرب ومدحا حكومة العرب 
الشريفية وندبا الناس إليها. وحقيقة الحال أن الصغير منهما كثرت عليه 
الديون وضايقه غرماؤه فهرب من وجههم إلى جهة الباب » واجتمع في 
إحدى جهاتها على طريق الصدفة بواحد أو اثنين من عرب البادية وذكر 
لهما في أثناء حديثه معهما شيئا مما يقاسيه أهل حلب من المتاعب 
والمساغب وتسلّط العسكرية عليهم في هذه الأيام التي هي أيام الحرب 
العامة » وحكى لهما أن حضرة الشريف قام الآن على الاتحاديين لينقذ 
الناس من ظلمهم ليس إلا. 

هذا كل ما نسب إلى هذا الشاب وجعل سببا لقتله. وأما الشاب الآخر 
فإنه لم يخرج من حلب ولا اجتمع بترك ولا عرب » وليس له ذنب غير 
كونه صديقا للأول » ولم تقم عليه شبهة توجب إراقة دمه سوى أن الشرطة 
لما هجموا على بيته ‏ ليفتشوا على أوراق يستخرجون منها شبهة تثبت 
اشتراكه مع الأول - وجدوه يطبخ قهوة البن على أوراق يحرقها ء فقالوا : 
لو لم يكن في هذه الأوراق ما يدعو إلى الشبهة لما أحرقها. والحال أن هذا 
الرجل معروف لدى جميع أصحابه أنه معتاد من القدم على أن يطبخ القهوة 
على نار 


-537- 


الأوراق التي هي الجرائد القديمة ومسودات الدعاوي التي يوكل بها لأنه 
كان محاميا. 

علّق جمال باشا هذين الشابين لمجرد الأسباب التي ذكرناها. على أن 
الديوان العرفي برّأهما ولم يعد هذه الأسباب موجبة لقتلهما. فأصرٌ عليه 
جمال بان يحرر مضبطة بوجوب قتلهما وقال للديوان : يكفي موجبا لقتلهما 
فرارهما من العسكرية » مع أن الآول منهما كان عسكريا بالفعل وسافر إلى 


القانون. 

أما الغرض السياسي الذي يقصده جمال باشا من قتل هذين الشابين - 
اللذين أدمى قتلهما القلوب ‏ فهو تأييد زعمه بأن عامة البلاد العربية 
السورية كان أهلهنا أعنداة الذولة العثمانية 4 وان اقل مسكينة حانبي ميم 
جملتهم. وكان ولاة حلب ينكرون على جمال هذا الزعم ويقولون له : 
شبهة تدل على ذلك. فاجتهد جمال باشا بأن يظفر من الحلبيين بشيء 
سياسي يؤيد دعواه ويكذب ما كان يقوله الولاة فلم يتيسر له ما أراد » وبقي 
سرّه منقصا لأن عدم ظفره بهكذا شيء يجعله كاذبا في دعواه بأنه فاتح 
سوريا ؛ تلك الدعوى المفتراة التي ايدها في بيروت ودمشق وغيرهما من 
البلاد السورية الجنوبية بما أراقه فيها من دماء أهلها العاصين على 
الحكومة على زعمه » وبقيت دعواه في م روق أهل سوريا الشمالية غير 
مؤيّدة. ولما حدثت قضية هذين الشابين في حلب عد قتلهما فرصة لتأييد 
زعمه وتأكيد دعواه في الحلبيين أيضا وأنه ألمعيّ لا تخيب فراسته ولا 
تخطىء سهام ظنونه المرمى » وأن ولاة حلب الذين كانوا يبرّئون أهلها 
من شائبة المروق على الدولة ‏ لا تحقيق عندهم ولا تدفيق. 


تسلط جباة الأموال ورجال الدرك على أهل القرى : 

ومن المنفرات العظيمة التي كان يتسبب بها أراذل جباة الأموال 
ورجال الدرك المعرفون بالجندرمة : سوء معاملة هؤلاء لأهل القرى 
وتسلطهم عليهم بالسب والضرب ؛ بحجة أنهم يتقاضون منهم المتأخر في 
تممهه. من مرثيات الدولة عليهم كال عثبار » ورنوم الأملاك المعزوفةد 
بالوركو » والإعانات التي تجبى من الناس بأسماء مختلفة كقولهم : إعانة 
الكساوى النتوية للمشاكر: التاهانة »و عافة الأسطو لغ : الاهانة الماثة 
وزعانة اميك حزن و عرو تاك رخ الا عاماك الكتافة الفا المتكدة 
المعنى ؛ لأن جميعها كانت ترمي إلى غرض واحد 


-538- 


ويظهر فيه شيء من هذه الإعانات » فكان جباة الأموال ورجال الدرك 
المتقدم ذكرهم يتوجهون إلى القرى بحجة تقاضي هذه الأموال من أهلهاء 
فيقبلون على القرية وقد قبضوا على السياط بأيديهم ؛ فيستقبلهم أهل القرية 
لينزلوهم عن دوابّهم ويأخذوهم إلى دار ضيافتهم » فلا يكون سلام أولئك 
لسان. 

ونكت يطل وفذ من الفريى موقت العلكا ندر تيمم تن نوكن 
عنده شعير كلفوه أن يقدم لها علفا من مؤنته التي تتوقف عليها حياته » ثم 
يكلفونه أن يقدم إليهم طعامهم من اللحوم والدجاج والبيض وغيرهما من 
الأطعمة التي يندر وجودها عنده في أيام هذه الحرب. فإذا لم يقدر أهل 
القرية أن يتداركوا لهم هذه المآكل وقدموا لهم من طعامهم المعتاد قام أولئنك 
الظلمة عليهم وأوسعوهم ضربا وشتما » ثم هجموا على ما يرونه في القرية 
سارحا من الدجاج والربائط () التي يستخرج منها أهلها أدمهم الضروري » 
فيذبحونها ويأمرونهم بطبخها وتقديمها إليهم. 

وإذا بصر هؤلاء اللصوص في بيت من بيوت القرية بما يعجبهم من 
ابسطء الايد أخذوه كأنه غئمة منّ مال حرم » ثم يطلبون المشأخر على 
ا ا 
المتاخر عندهم من الاموال التي يعجزون عن وفائها لفقرهم بسبب تسلط 
الحكومة عليهم. وإذا كان أهل القرية لا يجدون ما يرشون به هؤلاء 
اللصوص فلا تسل حينئذ عما يفعلونه بهم من المظالم والفظائع » فربما 
كانوا يأتون بالرجل ويشذونه بالحبال ويدهنون وجهه دبسا ويقفونه في ضح 
الشمس ©. وربما ضربوه ضربا مبرّحا ونتفوا لحيته ولطخوها بالقذر. وقد 
يورب رحال القزية من وججوههم فلا ييفى نهنا سوى النساء و الأطتال:: 
وحينئذ يأتون بالمرأة المصونة ويطرحونها على الاآأرض ويرفعون رجليها 
للضرب فتبدو سوعتها لتقرٌ لهم عن مكان رجل بيتها » وربما مس بعضهم 
شرفها ء ثم يهجمون على 
10 الروائط» الذوات الفى كوفيظ لبيحتفية نينا امتحابها فيح ظعامنية ولد اسهد واد اميس 
كالغنم والبقر. والمفرد :ربيطة. 
(2) أي تحت أشعة الشمس. 


-539- 


البيوت ويستخرجون ما يجدونه فيها من المؤنة فيأكلون منه قدر شبعهم 
ويضعون الباقي في حقائبهم. 

ولهذه الأعمال الفظيعة خرب الكثير من القرى في الجهات الشرقية 
والجنوبية وغيرهما من ولاية حلب وجلا أهلها عنها » وأصبحت خرابا يبابا 
لا أئيس فيها ولا جليس. 


حبس الأقوات عن المدينة المنورة وجهات بيروت : 

ومن المنفرات العظيمة : حبس جمال باشا الأقوات عن المدينة 
المنورة وجبل لبنان » كيلا يبقى لأهلهما همّ غير خلاص أنفسهم من غائلة 
الجوع » فيكون في ذلك شغلهم الشاغل عما كان يتوهمه فيهم من العصيان 
والتمرد على الحكومة العثمانية والانحياز إلى أعدائها. وقد جلا أهل المدينة 
عنها ونالهم من المشقة والزحمة ما يعجز القلم عن بيانه » وجلا البعض من 
أهل لبنان عنه وهلك بالجوع ممن بقي فيه - عشرات الألوف. وكان جمال 
باشا يود أن يقدر على تنفيذ هذا المقصد في دمشق وحلب غير أنه لم يوفق 
إليه بسبب كون هذين البلدين من البلاد الزراعية التي يتعذر خلوّها من 
الأقوات. على أنه مع هذا أمكنه أن يرمي شيئا من سهام هذا البلاء أهل 
حلب حينما قلّت فيها الأقوات وغلت أسعارها ومات الكثير من فقراء أهلها 
بالجوع . والأقوات كثيرة متوفرة في المستودعات العسكرية وجهات 
ماردين وغيرها » مع عدم ترخيصه بإعطاء شيء من المستودعات أو 
إحضار مقدار من الجهات المذكورة تخفيفا لويلات أولئك الفقراء. 


منع إخراج البضائع من مواضعها : 

ومن المنفرات أيضا ما جرت عليه الجهة العسكرية في إبان هذه 
الحرب من العادات المضرة بصالح الأهليّين » التي من جملتها أن المواد 
الغذائية وجميع البضائع التي تصرف في حاجيات الحرب والعساكر لا 
يجوز إخراجها من بلدة إلى أخرى الا إذا كان الذي يريد إخراجها ضامنا ١‏ 
أي ملتزما لها على شرط تسليمها إلى الجهة العسكرية أو إدارة الإعاشة في 
غير بلدة فإنه يرخص له بإخراجها » وإدارة السكة الحديدية توافق على 
شحنها له إلى الجهة التي يريد أن ينقلها إليها. 

هذه القاعدة أوقعت بالأهلين أضرارا عظيمة وأفقدت المساواة بينهم 
في المعيشة » وفيما 


- 540 - 


تزيد عن حاجة أهلها فيسرفون في إتلافها لأنها تباع عندهم بأبخس ثمن » 
وتكون في عينتاب مفقودة أو قليلة جدا والحاجة إليها شديدة ولا يمكن للفقير 
هناك أن ينالها لأنها تباع بأغلى الأثمان. ومن جهة أخرى كانت هذه القاعدة 
مدعاة لخيانة كثيرين من وجهاء المستخدمين من ملكيين وعسكريين » 
ومعينة لهم على الاستئثار بأرباح البضائع الوطنية الممنوع شحنها وحرمان 
يقثمه من حلب إلى استانبول على شرط أن يساعده الضابط بالشحن 
ويشاطره بالربح » فيرسل الملتزم أضعاف ما هو مفروض عليه إرساله من 
السمن » ويكون له في استانبول وكيل يتسلم السمن من إدارة السكة ويقدم 
منه القدر المفروض إلى الجهة العسكرية أو إدارة الإعاشة » ويبيع الباقي 
درتت لحار بابوا رادو دنه اراك طانه يكام الطدايط 

هذه المسألة من جملة المسائل التي أغاظت أهل هذه البلاد ونفرت 
قلوبهم من الحكومة ؛ لآن غيرهم كان يستاثر بأرباح بضائع بلادهم وهم 
محرومون منها. 

ومن هذا القبيل ما كان يجريه زعماء الاتحاديين في البضائع التي 
يحضرونها من أوربا أو المملكة العثمانية باسم إدارة الإعاشة » أو باسم 
فقراء الأهالي ليبيعوها لهم برأس مالها تخفيفا لآلامهم » فكانوا بعد أن تصل 
إليهم يضعون ايديهم عليها ويبيعونها إلى التجّار باغلى الاثمان. 

خلاصة في بيان ماجريات الحرب العالمية : 

ذكرنا في هذا الجزء تحت عنوان «أول تحرش بألمانيا» أن ألمانيا 
أمرت أسطولها الطيار بأن يجتاز حدود بلجيكا إلى الأراضي الفرنسية 
بمقابلة اجتياز طيارات فرنسة منها إلى حدود الألمان. ونقول هنا : إن 
جيوش الألمان زحفت بعد ذلك على حدود روسية واستولت منها على 
بولونيا وأسرت من جيوشها مئات الألوف » وذلك كله في مدة لا تزيد على 


- 541- 


مهاجمة الألمان بلجيكا وفرنسة : 

وفي ذلك الأثناء أيضا هاجمت الجيوش الألمانية بلاد البلجيك 
واستولت على قسم كبير منها ء ووقفت إزاء جيوش فرنسة وإنكلترة 
باريس. 


طرد الروس عن غاليسا والاستيلاء على وارسوا : 

تساقة الناننا يهنا يفا عطيننا تحت قياذة ما ككرخ القاكة التي 
إلى بلاد النمسا لمعاونة جيوشها ‏ في جهة غاليسا الغربية والشرقية من 
المملكة النمسوية ‏ على طرد جيوش الروس عنها ؛ لأنهم كانوا استولوا 
عليها وعلى قسم كبير من جبال الكاربات في أثناء اشتغال جيوش المانيا 
بطردهم عن بلادها. فما مضى سوى ثلاثة أشهر إلا وطردوا الروس عن 
جبال الكاربات وعن غاليسا من جهتيها واحتلوا مدينة (وارسوا) قاعدة 
بولونيا واستولوا على غيرها من البلاد الروسية التي يقدر عدد أهلها بثمانية 
ملايين. 


هجوم النمسا وحلفائها على صربيا والجبل الأسود : 

ولما أمنت ألمانيا غائلة الروس على حدودها وحدود حليفتها النمسا 
أمذت هي وتركيا والنمسا جيوش البلغار وهجموا بفيالقهم الجرّارة على 
آخرهما بمدة لا تزيد على شهرين. ثم إن هاتين الحكومتين جمعتا شمل 
جيوشهما وأمدتهما فرنسة وإنكلترة بجنودهما التي كانت انصرفت عن 
حضوا وحقاة تس وكا عت حكوسة البرقان قد امكتهالتها دول قات 
حكومتي الصرب والجبل الأسود ووقفت تلك الجيوش في حدود بلاد 
اليونان مما يلي مدينة «مناستر» لدفاع جيوش دول الاتفاق عن اليونان 
واسترجاع بلاد صربيا والجبل الاسود. 


إعلان إيطاليا الحرب على النمسا : 
بعد مرور سنة تقريبا من حدوث الحرب العامة أعلنت دولة إيطاليا 


الحرب على النمسا وهجمت جنودها على البلاد النمسوية من حدود التيرول 
بغية الوصول إلى مدينة تريستة ٠‏ 


- 542 - 


فلم تفلح إيطاليا بهذا الهجوم بل فقدت جانبا عظيما من عساكرها ومهماتها 
الحربية » وخسرت قسما كبيرا من مقاطعة البندقية لوقوعها تحت استيلاء 
النمسا والألمان. 


إعلان رومانيا الحرب على ألمانيا وحلفائها : 

بعد سنتين تقريبا من نشوب الحرب العامة تمكنت دول الاتفاق من 
جذب دولة رومانيا إلى جانبهم » فأعلنت الحرب على ألمانيا وحلفائها. وفي 
برهة ثلاثة أشهر اكتسحت جيوش ألمانيا والنمسا وتركيا وبلغاريا ثلشي 
مملكتها » واستولوا على عاصمتها بكرش ثم على مدينة إبرائيل رغما عن 
ساعد وررسا ليانواو ديك حكرية ريفاننا يعدين) انين السدفن 
محصورة هي وجيوشها في جانب من مقاطعة إبرائيل. 


إعلان إمريكا الحرب على ألمانيا : 

كان موقف دول الاتفاق يزداد حراجة يوما فيوما. وكما كان النصر 
حليف الألمان في سائر جبهات الحرب البرية ؛ كذلك كان حليفهم ورفيقهم 
في البحر أيضاء لأن سفن دول الاتفاق كانت عرضة لفتك غوّاصات 
الألمان حتى إنه قدر في آخر أيام الحرب محمول ما غرق منها بواسطة 
هذه الغواصات بتسعة ملايين طن. وفي أثناء هذه الحرب تصادف في 
«طوتركان» قسم من أسطول ألمانيا مع قسم من أسطول إنكلترة » واشتعلت 
بين الأسطولين نار الحرب فغرق من سفن إنكلترة ما يبلغ محموله مائتين 
وخمسين ألف طن ؛ ومن سفن ألمانيا ما يبلغ محموله مائة وعشرين الف 
طن » فكان الفوز في هذه الواقعة البحرية في جانب الألمان أيضا. 

ولما وصلت ألمانيا إلى هذا الحد من الغلبة على أخصامها ولم تزعزع 
قواتها جميع هذه الأمم التي تألبت عليها وتضافرت على قهرها » خاف 
سطوتها وشدة بأسها عامة الدول » وأصبحت كل دولة منهن توجس الخيفة 
على نفسنها من غائلة هذه الدولة. وإذ ذاك قتف هتقث الإسانية في روغ 
جماهير إمريكا بأن تعير التفاتها إلى وقف تيار هذه الحرب الطاحنة وإطفاء 
نيرانها المتأججة » وتخليص عالم البشرية من شرّها وشؤمها وإعادة السلم 
والسلام إلى ربوعهما. فاقترح رئيس جمهورية إمريكا الموسيو ويلسن على 
الدولة المتحاربة وقف حركة رحى الحرب الدائرة بينهم » والركون إلى 
الهدناع #مسارمة و اكمتة شتررظ أعلنهاً 


- 543 - 


وصرح بها للفريقين المتحاربين. فرفضت دولة ألمانيا قبول هذا الاقتراح 
لأن كثيرا من الشروط المقررة فيه مما يجحف بحقوقها ويوجب تمزيق 
جامعتها. وكان الرئيس ويلسون مستاء من ألمانيا لما بلغه عنها أنها تنزع 
إلى حرب إمريكا كما أسلفنا بيانه في الفصل الذي عقدناه تحت عنوان 
«سبب دخول دولة إمريكا إلى هذه الحرب» من هذا الجزء. 

وحينئذ أعلن الرئيس ويلسون الحرب على ألمانيا فجند مئات الألوف 
من الجنود الأميركية » وساقهم إلى الجبهة الغربية في البلاد الفرنسية 
فانضموا إلى جيوش دول الاتفاق الواقفين في صفوف الحرب تجاه صفوف 
الألمان :+ نو كانة الحري بين الفر يكين مده تجهوين يمال » وكانة حيونق 
ألمانيا من جهة ثانية تحارب أعداءها الآخرين الروس المعدودة جيوشها 
بالملايين المنبتّين في الجهة الشرقية كالجراد المنتشر كثرة وتهافتا على 
الموت. والقائد الألماني هندنبورغ داهية الحرب ينفث في تلك الجيوش كل 
يوم من سموم خدعه الحربية ما يهلك منهم مئات الألوف قتلا وأسرا 
وإحراقا وغرقا حتى كاد الفناء يعمّهم. 


الهرج والمرج في روسيا : 

ولما وصلت الحالة في روسيا إلى هذا الحد قامت أحزاب الاشتراكيين 
الروسيين على ملكهم الإمبراطور نيقولا فقبضوا عليه وأزالوه عن عرشه . 
وقتلوه مع أسرته رميا بالرصاص كما يرمي القانص فريسته » ثم احرقوهم 
زرا سف في لمان ر امقر إل كر دوجن على واه لحر 
لاس ل حدر امك ا الا 5 
ا اللو ل و م 
شعربيا الفركبة من ,عناصو محلنة وام قر يطبافها مكتادرة عون وتلق 
فانقسموا على بعضيهم وافترقوا إلى.خمس عشرة حكومة + كل منها ينادئ 
الالمان لانهم لم يبق لهم على حربهم حول ولا قوة » وتصامّوا عن تحريض 
دول الاتفاق إياهم على الثبات أمام عدوهم والدفاع عن بلادهم. 

ثم تمكنت فرقة منهم من العود إلى كفاح الألمان ومناضلتهم غير أن 
هذه الفرقة لم تلبث 





- 544 - 


غير قليل حتى نالها من الوهن والانكسار ما ألزمها الرجوع القهقرى 
والانسحاب إلى الوراء تاركة من أسراها في أيدي الألمان مئات الألوف »2 
ومن قتلاها بسيوف سطوتهم عشرات الصفوف » ومن الأسلحة والمهمات 
والذخائر ما يتجاوز عدّه الحدّ الموصوف. واستولى الألمان في هذه الواقعة 
على بلدان كثيرة من المملكة الروسية التي من جملتها مدينة «ريفا» وإذ 
ذاك طلبت روسيا من ألمانيا المتاركة والشروع في مذاكرات الصلح ».2 
فأجابتها ألمانيا إلى ما طلبت وشرعت الحكومتان تتذاكران بالصلح »2 
وكانت قطعة «أوكرانيا» قد تصالحت مع الألمان بعد أن انفنصلت عن 
روسيا واستقلت بنفسها » وعدد سكانها نحو من أربعين مليونا » فلم ترض 
حكومة روسيا المركزية بهذا الصلح واستانفت الحرب مع الاألمان مدة 
عشرين يوما استولت في خلالها الجيوش الألمانية على كثير من بلاد 
الروس حتى كادت عاصمتهم «بطرس برج» تقع في قبضة استيلائهم , 
وقد تمزقت جيوش روسيا شذر مذر ء وانبثّت جنود الألمان في أنحاء 
مملكتها وأرجائها وجميع بلدانها الكائنة على ضفاف البحر الأسودء 
وأخذت ألمانيا مقاطعة أو كرانيا المستقلة تحت حمايتها. 

وحينئذ أقرّت روسيا بعجزها عن مقاومة الألمانيين واضطرت أن 
تعقد معهم صلحا غير شريف بحقها ء لأنها رضيت بأن تترك لألمانيا 
والتمنيا مفاطعة بولونيا التي ده سيكاتها 18 مليونا + ومدلنة ريفا وما 
جاورها من البلدان التي تضم إليها ثمانية ملايين » ومقاطعة بسارابيا 
والقريم » البالغ مجموع سكانهما سبعة ملايين » وأن ينسحب الروس عن 
أراضي تركيا التي احتلوها ني هذه الشرب ويتحازاوا لها تعن البساطوم 
والقرص وأردهان » وتستقل إيالة أذربايجان في القفقاس البالغ عدد سكانها 
نحوا من أربعة ملابين » وتستقل أيضا قفقاسيا الشمالية البالغ عدد نفوسها 
سبعة ملايين » وتستقل أمّة الكرج على ضفاف البحر الأسود ويبلغ عددهم 
أربعة ملايين » وأمة الأرمن في «أريوان» ) وهم مليون » وأن تترك 


روسيا أسطولها في البحر الأسود تحت سيطرة الألمان إلى نتيجة الحرب. 


تفاقم الحرب في الجبهة الغربية : 

ثم إن الحرب بين ألمانيا وأخصامها في الجبهة الغربية الفرنسية قد 
تفاقم أمرها واشتد خطبها ؛ لأن ألمانياقد أضافت إلى صفوفها الواقعة تجاه 
أخصامها في الجبهة الغربية قوة جديدة 


(1) يقال لها اليوم : يريفان. 


- 545 - 


سحبتها من صفوفها التي كانت واقفة أمام الروس في الجبهة الشرقية. كما 
أن أخصامها ‏ كل من إنكلترة وفرائسة وإمريكا والبلجيك والبرتكيز 
يجعلوا هذا الهجوم هو آخر مسرح من مسارح هذه الحرب التي هي حرب 
حياة أو ممات. فاشتد الخطب على الفريقين وكانت جيوش ألمانيا تدافع مرة 

وبينما هم على هذه الحالة إذ فاجأتهم الأخبار بانكسار بلغاريا أمام 
الجيوش التي أشرنا إليها قريبا في فصل هجوم النمسا وحلفائها على صربيا 
والجبل الاسود » وان بلغاريا قد انسحبت عن جميع أراضي صربيا والجبل 
الأسود واستولى أعداؤها على كثير من بلادها » وأنها قد استسلمت إليهم 
وأذعنت لجميع مطاليبهم » وأنهم قد اشترطوا عليها أن تكون جيوشها تحت 
الحرب لان الجوع كاد يهلكهم » وأن الطريق بين استانبول وبرلين قد 
انقطعت ولم يبق في الإمكان وصول مدد إلى تركيا من حليفتيها ألمانيا 
والنمسا ء وأن أمنهما من البلغار انقلب إلى الخوف , لأن دول الاتفاق 
يجعلون بلغاريا على قصد استانبول من جهة الرومللي » وآن تركيا قد 
يئست من النجاح في جهة الحجاز وفلسطين والشام والعراق » لضياع هذه 
الالتجاء إلى الجيوش الإنكليزية العربية. وكان سلطان الجوع قد استولى 
على شعوب ألمانيا فأباد من أطفالهم وفقرائهم الملايين واضطرهم إلى القيام 
على ملكهم ومناداتهم بإبطال الحرب وإعادة السلم. 

توالت على ألمانيا هذه النوائب من جهة وتألب عليها أعداؤها من جهة 
أخرى فلم يبق لها سوى الإذعان والرضاء بما اقترحه ويلسن رئيس 
جمهورية إمريكا على المتحاربين وهو تقرير الهدنة بينهم على شرط 
انسحاب جيوش المانيا عما احتلته من أراضي فرانسة وبلجيكا » وتسليمها 
قسما كبيرا من أسطولها البحري والهوائي إلى أعدائها » وغير ذلك من 
الشروط التي لم يقصد منها سوى توطيد الآأمن من غائلة الالمان وقوة 
بطشهم » على أن يكون تقرير الصلح فيما بين المتحاربين ‏ بعد انقضاء مدة 
الهدنة ‏ مبنيا على عدة شروط : منها حرية البحار » وحرية جميع ما فيها 
من المضايق التي منها مضايق جناق قلعة » وأن تكون 


- 546 - 


الأمم الضعيفة في مستعمرات الدول هي الحاكمة على مقدراتها. إلى غير 
ذلك من الشروط,. فرضيت ألمانيا بهذه الشروط وأخلت قسما كبيرا من 
أراضي أعدائها فرانسة وبلجيكا » ووقفت الحرب وبوشر بمذاكرات الصلح 
وجميع العالم ينظر إلى ما تأتي به الأيام والليالي. 


0ك 


رجعا إلى تتمة حوادث 
سنة 1337 في حلب 
تجديد جسر الحاج : 
وفي يوم السبت 19 صفر من هذه السنة باشرت الحكومة الجديدة 


تجديد جسر الحاج في ظاهر حارة الكلاسة بحلب. وهو أول بناء شرعت به 
الحكومة الجديدة وكانت عساكر الألمان خربته حين انسحابها من حلب. 


تمثيل رواية باللغة الأرمنية : 

وفي الليلة الثامنة والعشرين من هذا الشهر مثل على أحد المسارح 
رواية مبتكرة باللغة الأرمنية » موضوعها تمثيل ما قاسته الأمة الأرمنية 
والأمة العربية من زعماء الاتحاديين الأتراك من الظلم والتعدي » وأن 
هاتين الأمتين مشتركتان في مصابهما وتوجعهما على بعضهما » وأن كل 
أمة منهما كانت تعطف على من كان يوجد فى بلادها من الأمة الأخرى من 
المبعدين والمنفيين » وأن كلا منهما قد اغتبط بدولة العرب ونال بواسطتها 
الفرج بعد الشدة. 


احتلال أنطاكية : 
وفي هذا اليوم ‏ أو الذي قبله ‏ احتل الجيش العربي مدينة أنطاكية 


واستتب فيها الأمن وساد السكون. وكان أهلها قبل ذلك في قلق واضطراب 
لا مزيد عليهما. 


صدور جريدة «حلب» : 


وفي شهر ربيع الأول من هذه السنة أمر شكري باشا الأيوبي ‏ الحاكم 
العسكري بولاية حلب بإصدار جريدة رسمية في حلب عنوانها «حلب» 
فصدر أول عدد منها يوم الاثنين 6 ربيع الأول » وهي عربية العبارة ذات 
صحيفتين » ولم تزل تصدر حتى الآن. 


- 548 - 


قدوم الشريف ناصر إلى حلب : 

وفي هذا الشهر قدم إلى حلب الشريف ناصر القائد العام للجيوش 
الشمالية وبعد يوم من قدومه سافر ومعه الشريف مطر إلى الباب لتهدئة 
الأمور وإزاحة القلق والاضطراب اللذين حدثا هناك إثر انحلال حكومة 
الأتراك. فأتم مهمته وعاد ثاني يوم إلى حلب. 


الأتراك المرخص لهم بالبقاء في حلب : 

وفيه رخص الحاكم العسكري بحلب بقاء الأتراك المولودين في حلب 
والمتزوجين بنساء عربيات ومن كان تاجرا أو صاحب ملك في حلب » وأن 
من لا علاقة له في حلب يجب عليه أن يسافر منها والحكومة تساعده على 


قدوم الجنرال اللنبي إلى حلب : 

غروب يوم الثلاثاء 7 ربيع الأول من هذه السنة (1337) وصل إلى 
حلب الجنرال إدمون اللنبي .ء القائد العام للجيوش الإنكليزية العربية 
وكيل القائد العام للجيوئن: الشمالية © وشكري ياش الأيويق الحاكم العسكري 
وغيرهما من أمراء العسكرية. وفي ضحوة يوم الأربعاء أقبل الجنرال 
اللنبى إلى دان :الحكومة شائرا'بين صصفوف العساكر الإنكليزية ب الهتوذ 
المفروش بالرمل من أوله إلى آخره ؛ أي من منزل الجنرال في محلة 
العزيزية إلى دار الحكومة. وقد نصب له في محلة العزيزية (قوس النصر) 
»؛ فلما وصل إليه وقف تحته وتقدم نحوه رئيس بلدية حلب وقدم له مفاتيح 
مدينة حلب وقرصا من الخبز ومقدارا من الملح. فتناول من القرص لقمة 
وذاق الملح ثم لمس المفاتيح ورفع يده بالسلام. 
وضباطها وتلامذة المكاتب والمدارس ورجال الشرطة والدرك وجوق 
الكوسيفى:العريية :لما وضيل إلى دار الحكومة ».واستةر في متجلستته المسة 
له » أقبل عليه علماء البلدة والرؤساء الروحيون والأعيان والوجهاء 
والموظفون » فاذوه حق السلام وهو يشكرهم ويظهر الاغتباط بمعرفته 
إياهم » ويتمنى لهم الرفاهية والسعادة ثم نهض من مجلسه ووقف على راس 
درج السراي وفاه بخطاب باللغة 


- 549 - 


الإنكليزية » يتلوه عبارات متقطعة » ويسكت تلو كل عبارة برهة يتلو 
معناها باللغة العربية ترجمانه الخاص الأستاذ أمين بك غريب. وإليك مؤدى 
خطبته : 

«يا رجال حلب! إني أزور مدينتكم القديمة التاريخية بصفتي قائدا 
عاما للجيوش المتحالفة التي تؤلف الحملة المصرية » وصاحب السلطة 
الإدارية المطلقة على الأراضي التي هي تحت إمرتي. 

وإنني بسرور عظيم قبل أدلة الترحاب الرمزية المقدمة لي من رئيس 
البلدية ؛ كما أن تأثيري ) كان عميقا من الحماسة والإخلاص اللذين 
استقبلني بهما رؤساؤكم الآفاضل الوطنيون » من دينيين واهليين وإداريين. 

ولا يقل ذلك عن إعجابي بالغيرة وإخلاص النية اللّتين يظهرهما 
رؤساء الإدارة والبلدية في محاولتهم حل المسائل المعقدة والعسيرة التئ 
واجهتهم. ‏ 

وإنني أنتدب كل فرد منكم - وجميعكم على السواء ‏ لبذل كل ما فيكم 
من نشاط وقوة حتى تشيدوا من جديد ذلك العمران والتمدن الذي ساد على 
هذه النواحي في زمان أجدادكم واضمحل بأيدي المستبدين الغرباء عنكم. 

وأناما دمت مسئولا عن الإدارة » أتوقع منكم تنفيذ الأوامر التي 
تقضي علي الظروف بإصدارها بنفس الرضى والانقياد الذي أظهرتموه في 
السابق » حتى إذا قررت الدولة ‏ التي أنا باسمها أحكم ‏ تشكل بناء العالم 
الجديد الذي سيعيش البشر فيه » ليكون كل وطني حلبي متهيئا لتمثيل دوره 
في عمل الإعمار العظيم القائم أمامكم. 

يا رجال حلب! أتمنى لكم عموما النجاح والسعادة». اه. 

ثم نزل الجنرال من الدرج » يشيّعه الشريف الناصر وشكري باشا. 
وبعد آن طاف على الجنود العربية ركب سيارته. ودعيت لمرافقته وقدمت 
لي سيارة ركبتها مع حضرة المستشرق البريطاني الكولونل السير مارك 
سايكس » وحضرة الآديب أمين بك غريب الترجمان العربي الخاص 
بالجنرال اللنبي. وقال لي أمين بك إن حضرة الجنرال يريد زيارة ما في 
حلب من الأماكن القديمة التاريخية » فسر بنا إليها حسبما تريد. 


(1) كذا ء» وهو يريد «تأثري». 


-550- 


فأخذته إلى قلعة حلب ثم إلى الجامع الكبير. ولما أراد الدخول إلى 
قبليّة الجامع أبى أن يدخل إليها بجرموقه ) مع أنه نظيف ممسوح » فقدّم له 
حذاء كبير ضم فيه قدميه ودخل القبليّة. ولما رأى المقام الشريف سألني 
بواسطة الترجمان بقوله : مقام من هذا؟فقلت له : هذا مقام يحيى بن زكريا. 
فقال : من هو يحيى؟ فقلت له : هو يوحنا المعمدان ابن خالة السيد المسيح. 
فطأطأ رأسه وأبدى ابتسامة استحسان. ثم أخذته إلى المدرسة الحلوية » 
فخل العبلية وسالني عن اتاروم بداتهنا وعن يانيها» فاجينه عن ذلك. ثم 
اعترطن على متز لى المدريية رانه لمعه يذهان الشف ومن لقاع وأكر يان 
يمسح الدهان عنه ويبقيه على حالته القديمة الأثرية. 

ثم أخذته إلى دار الجانبلاط » » فسرٌ بمشاهدة إيوانها سرورا زائداء» 
وأريته قطعة حجر من سلسبيل » مدفون بعضها في الأرض » فيها من بدائع 
الصنعة ما يشهد للماضين بإتقان النقوش ومهارة الهندسة المعمارية » 
فانحنى لاستخراج تلك الحجرة من الأرض فساعده بعض الحاضرين 
ا ا 0 1 1 
من أهل الدار ودفع لهم ثمنها مئة ذهب عثماني فلم يبيعوها. فقال الجنرال 
اللنبي لمن كان حاضرا من أهل الدار : إياكم وأن تبيعوها لأحد » وإذا بلغني 
أنكم بعتموها لأحد فإني أغرمكم مبلغا كبيرا. 

ثم خرجنا من الدار وركبنا سيارتنا » فقال الترجمان : يقول حضرة 
الجنرال : يريد أن تسير بنا من طريق السوق لأنه يحب أن يرى أسواق 
الشرق المسقوفة. فسرت بهم من من الستويقة وسوق الصابون وسوق الفرّايين 
© إلى أن خرجنا إلى فضاء تحت القلعة » وهناك أردت النزول من السيارة 
والتوجه إلى منزلي لآن مهمتي قن انقهت + فقال لى أمينبك ااخر بك 


(1) الجرموق في اللغة : ما يلبس فوق الحذاء وقاية له. والظاهر أن المؤلف يريد به الحذاء 
(2) نوع من الصمغ » وله استعمالات شتى. وسبق ذكره في الكلام على «حريق أسواق 
حلب» سنة 1284 ه/ 1287 رومية. 

(3) في الأصل «الفراين» فصوبناها بياءين كما جاءت في كتاب سوفاجيه من حلب ص 
5 وموسوعة الأسدي 3/ 301. 


- 551 - 


منزله في محلة العزيزية » وحينئذ نزلت من السيارة وودعته وأمر سائق 
السيارة أن يوصلني إلى منزلي » وأظهر لي سروره وشكرني على الاعتناء 
بشانه. 

ثم في مساء ذلك اليوم تناول طعام العشاء في دار الإمارة » وفي أثناء 
الطعام تبودلت الخطب الودية. وما زال في دار الإمارة إلى أن أزف وقت 
بالتكريم والاحترام. 


قدوم حاكم سوريا العسكري إلى حلب : 

مساء يوم الخميس 15 ربيع الأول من هذه السنة (1337) قدم إلى 
كلتك وكا باخ[ الركانى + الحاكم العام في مسوريها ذلك للإشر اف علي 
سير الأعمال وإتمام تأسيس إدارتي المالية والقضائية وإصلاح ما يلزم 
إصلاحه من الشؤون. 


قدوم رضا باشا الصلح : 

يوم الأحد 18 منه قدم إلى حلب رضا باشا الصلح واليا على حلب ». 
وقد بقي شكري باشا الأيوبي حاكما عسكريا. وفي يوم الاثنين 20 منه أقام 
ناذي: العترب صحاقة زجاي) لرإضضاباشا والي حلب :+ حكترها أسراء 
العسكرية وموظفو الحكومة ووجهاء البلدة. وقد ألقيت فيها الخطب 
الحماسية وأنشدت القصائد الوطنية » وكانت حفلة باهرة. 


مأدبة : 

وفي 27 منه أدب رضا باشا الركابي في نزل البارون مأدبة حافلة . 
حضرها قادة الحلفاء وكبار رجالهم » والجنرال الإنكليزي مارك أندرو : 
والمستشرق البريطاني السير مارك سايكس » والمستشار الفرنسي الموسيو 
جورج بيلو » وغيرهم من كبار موظفي الإنكليز والعرب. وفي أثناء الكلام 
تبودلت الخطب باللغتين العربية والإنكليزية » وأثنى الجنرال مارك أندرو 
على شهامة العرب وقال : إنهم هم الذين فتحوا حلب لأنهم دخلوا إليها قبلهم 
بيوم. 

رجوع الجنرال اللنبي إلى حلب : 


| يوم الأحد 3 ربيع الثاني عاد إلى حلب الجنرال اللنبي » ثم شخص إلى 
آذنة وعاد إلى حلب. 


-552- 


سفر رضا باشا الركابي : 
وفي يوم الثلاثاء 5 منه سافر رضا باشا الركابي إلى دمشق » فودّع 
بكمال الاحترام. 


استيلاء العرب على المدينة المنؤرة : 
في يوم الخميس 14 ربيع الثاني تواردت الأخبار من المدينة المنورة 
تعر بماك الحجار امت ار | كلبها من الاتراك يوم الأرريغاء 3] مق 


حادثة الأرمن المعروفة باسم (فتنة 28 شباط سنة 1919) 


أسباب هذه الحادثة : 

لا ننكر أن فى أمة الأرمن رجالا ونساء متحلّين بحلية العقل » والنظر 
البغية إلن العوافت: © :وحسن المعافلة و الآمانة و الاسقامة والأحقواف 
بالجميل والمكافأة عليه » غير أننا مع هذا لا نحجم عن القول بأنه يوجد في 
دهماء هذه الأمة زمرة طائشة قد خيم الجهل على عقولهم » فانحرفوا عن 
الجادة المثلى ولم ينظروا إلى ما يعقب انحرافهم من الضرر وسوء المغبة 
بأمتهم التي فيها من الرجال من يستحق كل مدح وثناء. 

وصفوة القول أن الأمة الأرمنية قد غلب خيارها على أمرهم فجرٌ 
جهّالها عليهم البلاء دون أن يستحقوه. ومن هذا القبيل ما جنوه عليهم من 
البلاء في هذه الحادثة التي لم يكن لها من سبب سوى أمور نقمها الحلبيون 
على الأرمن » صدرت من تلك الطائفة الطائشة فأثارت فى الحلبيين 
موجدتهم عليهم » وعكست فيهم اعتقادهم وملأت صدورهم غيظا منهم . 
وأغلت في أفئدتهم مراجل الحقد والضغينة عليهم » وكان من أمرهم في ذلك 
اليوم ما كان. 

وإليك نبذة فى ذكر بعض ما فعلته هذه الفئة الطائشة من الأمور التى 
أساءت بالأرمن اعتقاد الحلبيين واضطرتهم إلى الجرأة عليهم. وبيان ذلك 
أن الأمة العربية عامة ‏ والحلبيين خاصة ‏ كانوا ينظرون إلى أمة الأرمن 
بعين الشفقة والحنوٌ » وينكرون على زعماء الأكراد ما كانوا يعاملون به 
الأرمن من التعدي ؛ بل كانوا ينكرون على السلطان عبد الحميد ما نكب به 
الأرمن من المذابح ولا يرون له مبررا في الضغط عليهم. ولهذا 


-553- 


لم ينقل عن أحد من الأمة العربية أنه غمس يده في دم أرمني في تلك 
المذابح الفظيعة » وقوفا عند حدود الشريعة المحمدية التي تتكفل للذميّ 
بصون ماله وعرضه ودمه. ولعل الأمة العربية لو كانت مشتركة مع 
الشعب التركي في تلك المذابح لما عدمت من السلطان عبد الحميد حسن 
المكافأة. 

ثم في سنة 1333 كان جلاء الأرمن عن أوطانهم » كما أشرنا إلى 
ذلك فى حوادث السنة المذكورة من هذا الجزء. وبعد أن وصلت تلك 
الجاليات إلى حلب على آخر رمق من حياتها ؛ كان العرب عامة ‏ 
والحلبيون خاصة ‏ يعطفون على ضعفائهم ويمذون إليهم يد الإحسان 
والمواساة » عكس ما كان يضمره لهم جمال باشا من الأذى والويلات » 
ورغما عما كان يقاسيه الحلبيون في تلك الأيام العصيبة من جهد البلاء 
والضغط العسكري. وكان عقلاء الأرمن وأدباؤهم يعترفون للعرب بتلك 
الأيادي ويشكرونهم عليها » حتى إن شبيبة الأرمن مثّلت الرواية التي سبق 
ذكرها فى حوادث هذه السنة. 

وييتما كانت" الأمة العزنية'توتئل من الأمة الأرهئدة حسن التكافاة على 
ما أسدتها (» إليها من البر والإحسان ؛ إذ انعكست الآية بعد وقوع الهدنة 
وصارت الأخبار المكدّرة تطرق كل يوم مسامع الحلبيين عما يجريه جهال 
الأرمن مع أبناء العرب من الأمور التي تبعث على إيجاد الضغينة وإسعار 
نار الحقد في صدورهم على أمة الأرمن. وإليك بيان بعض تلك الأمور وهي 


(1) تعرّض زمرة من الأرمن ‏ المستخدمين في محطة أذنة من قبل 
الفرنسيين - إلى التجار العرب المسافرين على القطار إلى استانبول 
والقافلين منها إلى أوطادهم + فكانت كلك اأرموة تعامل القاجز الغزبي يكل 
غلظة وخشونة » وربما أزعجته بالسبّ والضرب .ء وإذا كان قدوم القطار 
في الليل فربما كانت تفتش ثيابه وتسلب نقوده. 

أما الجنود العربية التي كانت تمرّ من أذنة قافلة إلى أوطانها فقد كانوا 
يقاسون من هؤلاء المستخدمين كل إهانة ويرون منهم كل قساوة » 
يعاملونهم بالشتم والضرب .» وكثير منهم من كان يناله من أيديهم جراحة 
في وجهه وتهشم في أعضائه. فيأتون إلى حلب على أسوأ حالة. 


(1) الصواب : «ما أسدته». 


- 554- 


(2) كان الحلبيون يسمعون بما كان يجريه متطوعة الأرمن في 
الجيش الفرنسي في بيروت من الخيلاء والعجرفة » وأنهم أطلقوا بنادقهم 
على بعض الوطنيين فقتلوهم » وأنهم تمردوا على الجيش الفرنسي في 
إسكندرونة حتى اضطرت القيادة إلى أن تنقلهم إلى أذنة. 

(3) تظاهر غوغاء الأرمن في حلب بمظاهر العظمة والكبرياء 
ومقابلتهم الحلبيين بغير الوجه الذي كانوا يقابلونهم به في الأمس ٠‏ يقابلونهم 
بوجه عليه سيماء اليه والسخط ء ويخاطبونهم بألفاظ خشنة لم يألفوا 

لم كان هذا الانقلاب من هذه الزمرة مع الحلبيين؟ وما هو الحامل لها 
عليه؟ 

كان سببه بصيص ضوء أبصرته من لفتة شملتهم من عناية الإنكليز 
بل صار الكثير منهم جواسيس للإنكليز ينقلون إليهم عن الحلبيين أخبارا 
ملفقة لا ظل لها في الحقيقة. 

(4) تعدذي جماعة من تلك الزمرة على الباعة ؛ بتكليفهم صرف 
الورقة المصرية بالنقود المعدنية على معدل قيمتها المحررة بها ء مع أن 
قيمتها التجارية دون ذلك بكثير. فكان الباعة يخسرون أموالهم ولا يقدرون 
على الامتناع عن صرف الورقة على هذا المعدل خشية من عقوبة القانون. 

0( كان فريق من تلك الزمرة يختلقون كل يوم الحيل والحدفي 
0 
تاجر حلبي نموذجا من دبس الطماطم » وأخبره أنه يوجد عنده منه سبع 
صفحات 7). فرغب الحلبي بشرائها وطلب من الأرمني إحضارها 
فأحضرها إليه وقد فتح في كل صفيحة دائرة في زاويتها ليطلع المشتري 
على ما في ضمنها من الدبس. ولما غمس التاجر إصبعه بالدبس من هذه 
الفتحة وذاقه تبين له أنه دبس جيد. فاشترى الصفحات كلها بثمن مثلها » 
ودفع قيمتها إلى الأرمني » فأخذ القيمة وانصرف. 

(1) كذا وردت عند المؤلف » وتكررت بالصورة نفسها عدة مرات » مع أنه استعمل مفردها 
: «الصفيحة» وكان الوجه أن يقول في جمعها : «صفيحات» أو «صفائح». 


-555- 


ولما فتح التاجر إحدى الصفحات وجدها ممتلئة بمطبوخ القرع الشتوي 
الملون بالمغرة © » ورأى في الفتحة التي ذاق منها الدبس ماسورة من 
الصفيح ممتلئة من الدبس الجيد قد سد أسفلها الذي يلى أسفل التنكة وفتح 
أعلاها الذي ذاق منه الدبس » ثم فتح بقية الصفحات فرآها كلها مثل 
الصفيحة الأولى » فساءه ما رأى وعلى الفور أخذ بالبحث على الأرمني 
واستقصاء أثره فلم يظفر به. وأخيرا علم أنه سافر من حلب على أثر تدبيره 
هذه الحيلة. 

ومن ذلك أيضا أن أرمنيا اشترى من تاجر حلبي صفيحة سمن » 
وطلب من التاجر أن يحمَّلها إلى خادمه ويتبعه بها إلى بيته ليدفع له ثمنها. 
فحملها الخادم ولما وصل إلى بيت الأرمني تناول الصفيحة من الخادم 
ودخل داره ليأتي بثمن السمنة » فوقف الخادم ينتظره فلم يخرج إليه. ولما 
طال عليه أمد الانتظار طرق باب الدار وسأل عن الأرمني فقيل له : إن 
لهذه الدار بابين » وهي ليست بدار بل هي مكان يأوي إليه فقراء الأرمن 
وحجّاجهم » وإن الأرمني الذي أخذ السمن دخل من أحد البابين وخرج من 
الباب الآخر » وإنه لم يكن من سكنة ذلك المكان » ولا هو معروف عند 
أهله. 

تكررت هذه الحيل من أفراد هذه الزمرة مع التجار الحلبيين على 
أنحاء شتى وضروب مختلفة » وشاعت أخبارها بين الحلبيين فحقدوا على 
الأرمن وحلّ في قلوبهم الضغينة عليهم » بدل ما كانت تجنّه من الرأفة فيهم. 

(6) كان عند الحلبيين عدد كبير من بنات الأرمن وأطفالهم » آووهم 
في أوائل قدوم جالياتهم إلى حلب » وقد التقطوهم من الأزقة والأماكن 
المهجورة وأزالوا الشقاء عنهم واعتنوا بتربيتهم عنايتهم بأولادهم. والٌبعض 
منهم اتخذوا من فتياتهم البالغات زوجات شرعيات واستولدوهنّ عدة أولاد. 
ولما دخل الإنكليز إلى حلب اهتمت جمعية الصليب الأحمر بجمع أطفال 
الأرمن وبناتهم من بيوت الحلبيين. ونحن لا نلوم الطائفة الأرمنية على 
استرداد أولادهم وأطفالهم إلى أحضانهم » لأن هذا مما توجيه القومية عليهم 
؛ إنما نلومهم على استعمال العنف وترك الرفق في سبيل البلوغ إلى هذا 
الغرض .ء فقد كان أقارب الأطفال والبنات يقصدون بيت الحلبي للتفتيش 
على أولادهم » ويدخلون عليه دخول مهاجم على ذي جريمة » ويأخذون 
الولد أو البنت قسرا ويعاملون مربّيها أو زوجها بكل عنف وقساوة 


(1) المغرة : مسحوق أحمر يصبغ به. 


- 556 - 


هم في غناء عنهما. وربما كانوا يسوقونه إلى السجن بمساعدة الشرطة 
الموكول إليهم التفتيش على أولاد الأرمن من قبل جمعية الصليب الأحمر » 
وكانوا لا يصغون إلى الممتنعة عن متابعتهم من النساء المتزوجات » بل 
ربما قابلوها على امتناعها بالسب والضرب وأخذوها إلى منتدياتهم 
وأكرهوها على مفارقة زوجها وأولادها منه., . . 

ومن غريب ما وقع في هذا الباب قضية امرأة أرمنية متزوجة بشاب 
مسلم » حضر إليها أخوها وزوجها الأرمنيان وأرادا أخذها إليهما » فلم 
يمتنع زوجها المسلم عن تسليمها إليهما وجعل الخيار لها في ذلك. أما هي 
فقد امتنعت عن تسليم نفسها أشد امتناع » فأخذاها بالقوة والعنف وسعيا بج 
زوجها في السجن ٠‏ وأخذا المرأة إلى قلاية )١‏ الكنيسة » ووضعاها في 
غرفة عالية لها نافذة على الطريق » وقد وضعا معها لحراستها راهبتين 
أرمنيتين كلفتاها العود إلى زوجها الأرمني ومنيتاها بكل مرغوب » وذكرتا 
لها كل ما يوجب نفرتها من زوجها المسلم. فلم تلتفت إلى كلامهما. وقدمتا 
لها طعاما فلم تذقه » وكان معها طفلة صغيرة ولدتها من زوجها المسلم قبل 
بضعة أيام ولما جنّ عليها الليل ورأت الراهبتين الموكلتين بحراستها قد 
غفتا عمدت إلى الطفلة وشذتها على صدرها بنطاقها وعضّت على ياقتها 
بأسنانها » وجاءت إلى النافذة وألقت نفسها منها إلى الأرض » فوقعت عليها 
سالمة لم يلحقها ضرر في جسمها سوى ورم ظهر في ساقيها بعد بضعة 
أيام. 

٠‏ وكان زوجها المسلم قد أطلق من السجن وعاد إلى بيته. وبينما كان 


زوجته قد عادت إلى بيته. وفي الغد جاءت الشرطة إليه وأودعته السجن 
وأخذت زوجته إلى المخفر الذي حضر إليه ضباط الإنكليز وبعض كهنة 
الأرمن وسألوا المرأة عن كيفية هربها وقالوا لها : أما كان هربك بواسطة 
زوجك المسلم » حيث أحضر لك سلما نزلت عليه إلى الأر ض؟ فأخبرتهم 
بكيفية هربها على ما هي عليه » وقالت لهم : كيف يمكن لزوجي أن يحضر 
سلما لي؟ والقلاية في حارة المسيحيين لا يمكن أن يطرقها في الليل أحد من 
الكساموع :و كيقة رت لكة: لكر رن رو حاة يعمل ملفا فى اللرن و لا يستتهر وريه 
ولا يقبضون عليه؟ خصوصا وزوجي ساكن في محلة بعيدة لا يصل إلى 
محلة القلاية إلا بعد أن يمر على عدة محلات في كل منها حارس. 


(1) القلاية : غرفة عالية أشبه بالصومعة » تخصص للأسقف أو الناسك عادة. 


-557- 


ثم إن الشرطة حاولت إعادة المرأة إلى القلاية فامتنعت وقالت لهم : 
إذا أكرهتموني على الرجوع إليها فإني أنتحر نفسي 2. ولمارأوا 
إصرارها على الامتناع من متابعة زوجها الأرمني أحضروا زوجها المسلم 

من الحبس وسلموه إياها وأخذوا منه كفيلا على أن يسلمها إليهم متى أرادوا 
أخذها منه. فعادت هي وزوجها المسلم إلى بيتهما » وهي لم تزل عنده حتى 
الآن فى غبطة من العيش ؛. قد ولدت له عدة أولاد » والنساء يثنين على 
أخلاقها الثناء الغاطر:. 

ومن هذا القبيل أيضا قضية غلام في السادسة من عمره مولود من 
أبوين مسلمين حلبيين » ادّعاه رجل أرمني أنه ولده فأخذته جمعية الصليب 
من يد أبيه المسلم قسرا وسلّمته إلى الرجل الأرمني الذي ادّعاه. فشقّ هذا 
الأمر على أبوي الغلام وأسرته. ورغما عن شهادة القابلة التي ولدته وعن 
الجمّ الغفير من جيران أهل الغلام المسلمين والمسيحيين بأن هذا الغلام هو 
ابن الرجل المسلم الحلبي ؛ لم ترجعه الجمعية إليه. وحينئذ تقدم إلى الوالي 
جماعة من جيران والد الغلام وأخبروه بأنه مولود من أبوين مسلمين حلبيين 
٠‏ وأنهم يطلبون من الوالي التبصر بهذه القضية. فجمع الوالي في بهو منزله 
رجالا من الآرمن والحلبيين المسلمين متشابهين بالملامح والهيئات » بينهم 
أبو الولد الحقيقي والأرمني الذي ادّعاه » وأدخل الولد إلى البهو بغتة فما 
كان منه إلا أن عدا نحو والده الحقيقي والتت به وعانقه » وطفقت دموع 
والده تنحدر على خديه » وبكى بعض الحاضرين متأثرا من هذا المنظر 
الغريب. وإذ ذاك قنع ضباط الإنكليز الحاضرون أن الولد هو ولد الحلبي » 
خصوصا حينما رأوا في ملامحه شبها قويا بملامح أبيه » فأذنوا له بأخذه 
فأخذه وانصرف. 

كيف كانت هذه الفتنة؟ 

قل هذررة الف انارام اتتوئ:حد د العافى »السلين م الى قو 
الظطبرر انها يعن اثر إنا ص حت اذعى أنها بور نه وقد يمر قت مر اصيطبل”. 
وبعد أن برهن دعواه بما لا يحتمل الإنكار لم يسع مشتري البقرة غير غير 
الإذعان لدعوى صاحبها فسلّمه البقرة. ثم أخد يبحت عق الأزمتي الذئ 
اشتراها منه لبريجع عليه يثمنها فلم يظفس به 


)1 لا حاجة إلى ذكر كلمة «نفسي» 3 لأن الفعل «انتحر» لازم » ومعناه : قتل نفسه. 


-558- 


ولما كانت ضحوة يوم الجمعة 28 جمادى الأولى سنة 1337 و 28 
شباط سنة 1919 م كان الحلبي يتجول في سوق الجمعة ‏ وهو سوق عام 
ينعقد في كل يوم جمعة » في فضاء واسع يعرف بفضاء تحت القلعة » يباع 
فيه من جميع السلع والبضائع » ويحضره ألوف من الناس » ومن جملة 
فروعه فسحة واسعة تباع فيها الخيل والبغال والحمير والبقر ‏ وبينما كان 
مشتري البقرة يتصفح وجوه الناس للبحث عن غريمه الأرمني » إذ وقع 
نظره عليه فأسرع نحوه وطلب منه ثمن البقرة. وكان الواجب على الارمني 
أن يتلطف بذلك الرجل ويستمهله وفاء ثمن البقرة ويدفع الشرٌ بالتي هي 
أحسن 4 غير أن نفسه لم تطاوغه على التساهل مغ صضاحب الحق + يل طفق 
يعربد وينكر القضية بتمامها ويفوه بكلام يشقٌ على العامة سماعه. 

فاشتد النزاع بين الرجلين وعلت أصواتهما في ذلك الجمع العظيم 
الذي لا يقل عن عشرة آلاف إنسان » ما بين مسلم ومسيحي ويهودي » وقد 
هرعت العامة إلى محل المشاجرة ووقفوا ينظرون إلى ما يؤول إليه أمرها. 
ثم انتقل الحال: بين الوحلين من الكلام إلى الملاكمة والأطام؛ وقد أخذا 
بتلابيب بحهنا ؛ وانبرى لكل واحد منهما نصراء من قومه يدافعون عنه 
ويعينونه على خصمه ‏ وقد علمت مما تقدم كيف كان توغر صدور 
الحلبيين وحنقهم على الأمة الأرمنية للقضايا التي أسلفنا بيانها ‏ فلما شاهد 
هذا الجمع النزاع القائم بين هذين الرجلين وعلموا أن المعتدي منهما هو 
الأرمني » وأن الأرمن قد التفوا حوله ينصرونه على خصمه » هاجت 
الأحقاد في صدورهم وتقدموا يدفعون الأرمني عن الحلبي. فاشنتدت 
الضوضاء وعلا الصراخ وهاج هذا الجمع العظيم وماج » وانقضّت العامة 
على الأرمن يضربونهم بالعصي والسكاكين ووزنات الحديد 7) وأعمدة 
الخشب. فما مضى غير دقائق إلا وجثث بضع © وثلاثين أرمنيا مطروحة 
على الأرض »؛ وقد اتصل الصوت ببعض الجهات القريبة من محلات 
الأرمن فقام بعض الدعَار يهجمون على بيوتهم ويسلبون ما فيها من الأثشاث 
ويقتلون من يعارضهم من أهلها. وكان مجموع ما قتل في هذه الفتنة العمياء 
مسلم واحد - كان مارا في الطريق فرماه أرمني من داخل داره برصاصة 
فقتله - 


(1) أي القطع الحديدية المستعملة في وزن الأشياء » كالرطل ؛ ونصف الرطل » والأوقية ... 
)2( الصواب : «بضعة» لأنها تعامل معاملة الأعداد 3 9 في التذكير والتانيث. 


-559- 


واثنان وخمسون ) أرمنيا بينهم امرأة واحدة. 

ثم إن الشرطة تفرقت في أنحاء البلدة وأطفأت نار هذه الفتنة . وألقت 
القبض على بعض الثائرين. فسكنت الأمور وعادت مياه السلام إلى 
مجاريها. وفي أثناء قيام الفتنة فتح كثير من المسلمين أبواب منازلهم 
لجيرانهم الأرمن يحمونهم من الثوار ويدفعون عنهم الهلاك والبوار. 

ذيول هذه الحادثة الكارثة : 

وفي مساء هذا اليوم ‏ أي ليلة السبت 29 جمادى الأولى ‏ اعتقلت 
السلطة الإنكليزية بضعة عشر رجلا من وجهاء حلب وأعيانها وذوي 
الشخصيات البارزة منهم » وجمعتهم في دار واحدة غرفها ذات كات 
ورياش » مرخّصة لهم أن يجلسوا مع بعضهم ويستحضروا من منازلهم ما 
يشتهونه من الآطعمة وغيرها. غير أنها أقامت على أبواب الغرفة حجّابا 
من الهنود لا يتركون أحدا منهم خارجها » وكان غرض السلطة من اعتقال 
هؤلاء 'الجماعة أن تحقق - في أثناء اعتقالهم بأسياب .هذه الحادكة لتكام هل 
لأحد من وجهاء البلدة دخل في إيجاد هذه الفتنة؟ وبعد أن أبقتهم معتقلين 
نحو شهر تبين لها أن ليس لأحد منهم يد في إيجادها ؛ وإنما كان سببها أمرا 
فجاتيا لم يكن مدبّرا من قبل » فأطلق سراحهم. 


اجتماع مهم يتعلق بهذه الحادثة : 

وفي نهار السبت 29 جمادى الأولى - أي ثاني يوم من وقوع الحادثة - 
جمع في قاعة الولاية عدد كبير من أعيان البلدة ووجهائها غير المعتقلين » 
«هودسون» ومعه عدد من الضباط الإنكليز والأركان الحربية » والمستر 
«براين» ضابط الارتباط الإنكليزي » وجودت بك حاكم القضاء العسكري. 
فقام القائد «هودسون» وألقى على الحاضرين خطابا وصاهم فيه بأن يفهموا 
سائر طبقات الشعب وجوب ترك المظاهرات » وإطاعة القانون. وال : إن 
الأمير فيصل يجتهد في مؤتمر الصلح بالحصول على استقلال الأمة 
العربية » وإن الاعتداء على الآرمن وإقامة 


(1) في العبارة ترخص . والصواب : «... مجموع من قتل ... مسلما واحدا ... واثنين 
وخمسين». 


- 560 - 


المظاهرات تعرقل مساعيه . وإن الدول المحالفة ترغب بمعاونة العرب 
وتحب أن يكونوا لهن أصدقاء. 

تزلف عظماء المسلمين والنصارى واليهود إلى بعضهم 

بعد الإفراج عن معتقلي حادثة 28 شباط خطر لبعض عظماء الملل 
الثلاث أن يسعى بتأكيد ما بين هؤلاء الملل من المحبة والولاء القديمين ؛ 
تفاديا من أن تكون تلك الحادثة قد شوهت محاسنهما أو أبقت لها أثر حقد أو 
ضغينة في القلوب. فأخذ عظماء الملل من السادة العلماء والكهنة يجتمعون 
عند أحدهم مرة في الأسبوع » يتبادلون في أثناء اجتماعهم عبارات التوادد 
والتحابب. وفي ختام الاجتماع يأدب () صاحب المنزل مأدبة حافلة تشتمل 
على الشاي وأنواع الحلوى وأطاييب الفواكه وقد حصل هذا الاجتماع في 
ل ااكي اس ارما 5ه ناراكو توعيدي . 

عقوبة المعتدين على الأرمن : 

ثم إن السلطة العسكرية الإنكليزية ألقت القبض على المتهمين بالجناية 
على الأرمن في الحادثة السالفة الذكر » وألفت محكمة عسكرية حاكمتهم 
أصدرت حكمها على واحد منهم بالقتل قصاصا قتلته في هذا الخان تعليقا. 
فقتلت نحو خمسة وثلاثين شخصا » ونفت آخرين إلى جهات في مصر مددا 
مختلفة » فمنهم من مات في منفاه ومنهم من رجع إلى حلب بعد انتهاء مدته. 


تسليم السلاح : 
وفي ثامن جمادى الثانية أعلن الحاكم العسكري العدلي بأن كل من 
كان عنده سلاح يجب عليه أن يسلمه إلى مخفر محلّته ويأخذ به وصلا. 


(1) رسمت في الأصل «يؤدب» مسايرة لأفظ الشائع الذي بضم الياء. والصواب رسم الهمزة 
على ألف «يأدب» كما صحّحناه وفعله ثلاثئي من باب ضرب «أدب يأدب» أي أولم وأقام 
مأدبة (لازم) ويقال أيضا 3 «أدب الناس : دعاهم إلى طعامه» (متعد). 

(2) هذا الخان دون الخانات الأخرى في حلب قدما وأهمية » ولعل هذا ما جعل سوفاجيه 
والأسدي يغفلان ذكره » في كتاب الأول وموسوعة الثاني. وهو يقع في الشارع الذي يصل 
بين باب الجنان وباب أنطاكية. 


-561- 


منع إخراج الذهب : 

ركني 8] مقنه] علج القرقك العداء كتيب كخرو ةن لخبت المسكرية 
المارشال إدمون هنري اللنبي . منع إخراج الذهب من ولايات تركيا 
المحتلة » وأن من خالف هذا المنع يصادر ذهبه ويجري عليه حكم القانون. 


قدوم الحاكم العسكري على حلب : 

يوم الأربعاء 17 منه قدم على حلب جعفر باشا حاكما عسكريا على 
ولاية حلب » فاستقبل على المحطة بحفاوة واحترام » وتعيّن سلفه شكري 
باشا حاكما عسكريا لمنطقة المدينة المنورة. 


وصول الأمير فيصل إلى بيروت : 

يوم الأربعاء 29 رجب سنة (1337) » وفي 19 نيسان سنة (1919) 
م ؛ وصل سمو الامير الكبير فيصل إلى بيروت عائدا من أوربا ء فاستقبله 
في بيروت وفود البلاد السورية استقبالا حافلا. 


قدوم سمو الأمير فيصل إلى حلب : 

وفي يوم الأربعاء 12 رمضان منها وصل الأمير فيصل إلى حلب 
قادما عليها من دمشق بعد عوده من أوربا ء وكان خف لاستقباله عظماء 
الحلبيين والموظفين إلى أماكن بعيدة » وزينت له جادات حلب وشوارعها 
ونصبت له أقواس الظفر » ومشى في موكب استقباله من محطة الشام 
ألوف من الناس قد انقسموا إلى زمر متعددة » يسير أمام كل زمرة راية 
نقابة » وتعلو أصوات الجميع لسموّه بهتاف الفرح والمسرة والدعاء له 
بالفوز والظفر » حتى وصل إلى دار الإمارة المعذة لنزوله في محلة 
العزيزية. وفي ثاني يوم من قدومه أقام لسموّه نادي العرب حفلة باهرة 
حضرها الجمٌ الغفير من أهل حلب » وألقى خطابا مسهبا قال فيه ما صورته 
بالحرف الواحد : 

«أيها السادة : 

لقد كلفني عند وصولي أمس بعض الأخوان أن أتكلم كلمتين تتعلق 7) 


بمصير 


- 562 - 


الشعب ومستقبله الذي ينبغي معرفته » ولكن ضيق الزمان والمكان أمس 
حال دون الكلام فأرجأته إلى هذا اليوم. وكنا نود أن يكون الكلام في غير 
هذا النادي الذي لم يعد إلا للعلم والأدب والخطابة الاجتماعية. إلا لفن 
اضطررت إلى الكلام فيه إذ لم يتيسر أوسع منه. وإنني أتشرف بالمثول بين 
يدي قواد الجيش البريطاني ٠»‏ وأمام كافة مندوبي الحلفاء ووجهاء هذه البلدة 
التي تمثل قسما كبيرا من القطر السوري. 

إخواني! 

لا شك أن كلماتي هذه قد سمع مرارا من فهمي أمثالها. وتكثير الكلام 
وترديد القول قد أزعجاني فأستميحكم العفو عن كل ما يصدر عني من 
الخطأ في القول أو اجتناب التصريح بكل ما في ضميري. 

أول ما أخاطبكم به أيها السادة ‏ أني أعلمكم بأنكم اليوم في موقف 
ربما يعود لكم بالخير وربما يعود عليكم بغيره لا سمح الله. وهذا الأمر هو 
الذي حدا بي إلى الوقوف في هذا المقام. 

ولا بد أنكم سمعتم خطابي في دمشق ». ذلك الخطاب الذي أفصحت 
فيه عن كل ما يختلج بنفسي وعن جميع ما قمنا ب 4 من الأعمال إلى ذلك 
التاريخ. وطلبت الاعتماد من الحضور كافة. فقبلوا جميع ما كلفتهم إياه 
ومنحوني الاعتماد التام لأتولى سياسة أمورهم الداخلية والخارجية. وعلى 
ذلك الاعتماد أنا مثابر في أعمالي. 

ولقد كانت أعمالنا إلى هذا التاريخ مقرونة بكل نجاح. وهذا نتيجة 
آداب الأمة وحسن سلوكها. وإني لأرجو أن تثابر على هذا السير الذي 
يسمو بها إلى المنزلة الرفيعة. ‏ ش 

إن الأمم ‏ وأخص منها التي حاربت لنصرة الحرية والمبادىء 
السامية - هي التي منحتكم حق الحكم والاستقلال منحا باتا لا مشاحة فيه. 
وقد وصلت اليوم إلى بيروت اللجنة المرسلة من قبل الأمم التي حاربت 
وإياكم. أتت هذه اللجنة لتبحث عن رغائبكم ومطالبكم وستكون شاهدا فإما 
لكم وإما عليكم. وإذا لم تحكم بما نبتغيه فالأمة هي الجانية. إن الأمم المتمدنة 
تريد أن ترى الأمة العربية عامة ‏ والسورية خاصة ‏ في مستوى الأمم 
الراقية. وقد خوّلتكم هذا الحق على شرط أن تكونوا حائزين الصفات 
اللازمة. وليس على هذه الأمة أدنى إكراه على قبول أي أمر كان. وقد 
صرّحت بذلك ١‏ 


- 563 - 


الدولة العظمى التي انتهت إليها مقاليد العالم. فيجب علينا أن نعلم أنه لا 
نجاح لنا إلا إذا تمسكنا بأهداب الإخاء والإخلاص ء والتؤدة والسكون 
واتحاد الكلمة » وغير ذلك مما يثبت للعالم أننا أمة يجدر بها أن تدخل 
المجتمع البشري بيضاء الوجه. ويجب على كل فرد منا أن يتكلم أمام هذه 
اللجنة بملء الحرية من غير أن يؤثر فيه مؤثر » ويعرب عما في قلبه ويبين 
كل مافي فؤاده » راميا إلى درك مصالح أمته بدون خوف ولا حذر. 

لا تحسبوا أن أحدا يريدكم على قبول ما لا تريدون. فإن مستقبلكم بين 
أيديكم على أن تبرزوا لهذه اللجنة القادمة كل تصرف مجيد. نعم » إنه يوجد 
من يقول إننا نحن العرب أو السوريين لا نتمكن من إدارة شؤوننا بأنفسنا. 
ربما يكون هذا حقا وربما يكون باطلا » فيلزم أن نفهم من يقدم علينا أننا إذا 
توكنا وشأنكا نثول+ أمؤروكا تأنفمينا ستثمكن من إشبات كفاءتثا وحهذارقكة فإذا 
أثبتنا ذلك فدعونا نسير في سبيل الأمم المتمدنة. 

وبما أن الحالة الحاضرة هي ميزان المستقبل » وبما أن الأمة محتاجة 
إلى توحيد الكلمة » ؛ فوحدوا كلمتكم وأجمعوا على طلب الغاية التي تريدونها 
لأنفسكم وبلادكم. ولو كنت في غير مقامي هذا لجئت بتصري يح أفصح 
وأوضح. ولست بمكلفكم تكليفا ما » وليس لأحد كذلك ؛ فأنتم المختارون. 
هذه أقوالي وسنبدي للعالم ما نحن محتاجون إليه (أصوات : فلنعتمد الأمير 

انتم أحرار في بلادكم » وستقولون ما تريدون ويعمل بما تريدون. 
وهذه هي النتيجة المختصرة المفيدة أخبركم بها » وإني سأقوم بواجبي فيما 
ينفع الأمة وفيما يوطد دعائم استقلالها في الحاضر وفي المستقبل اعتمادا 
على ما خولتني إياه من الثفة. 

نعلم أن فينا من هو في الاقلية ومن هو في الأكثرية بالنظر إلى 
يمكن أن يجعل ذلك بعض من يجهل حالة العرب اليوم سببا للقول في أمر 
العرب ومستقبلهم. أما أنا فأقول : لا أكثرية ولا أقلية لدينا » ولا شيء يفرق 
بيننا. إنما نحن جسم واحد. (تصفيق وهتاف). ولا شك أن أعمال الحكومة 
الموقتة تدل على أن لا أديان ولا مذاهب ». فنحن عرب قبل موسى ومحمد 
وعيسى وإبراهيم. نحن عرب تجمعنا الحياة ويفرقنا الموت. لا تفريق بيننا 
إلا إذا قبرنا. 


- 564- 


(هتاف). ولا بد أن الحكومة ‏ التي ستؤسّس بمساعدة من أخذ بناصرنا من 
الأمم المتمدنة العظيمة - ستعمل بجميع ما هو واجب لتأييد حقوق الأقلية. 
وسنقطع على ذلك العهود المكتوبة بالصحائف » وأنا واثق أن هذه 
الصحائف التي تكتب لحفظ حقوق الأقلية ستأتي الأقلية فتمزقها بيدها ؛ 
لأنها سترى أن الأكثرية عاملة بما سطرته وفوق ما سطرته. 

وأؤمل أن كل سوري يكون عربيا قبل كل شيء. وأؤمل أن كل من 
يتكلم بالعربية يشعر بمثل هذه العواطف التي أشعر بها. (تصفيق). لا 
يحترمنا العالم المتمدن إلا إذا احترمنا أنفسنا واحترم بعضنا بعضا. وإذا 
انقسمنا إلى أحزاب وشيع فإنه يستخف بنا. وهو ينظر إلى الأديان كافة 
نظرا واحدا ولا يميز بين أمة وأمة » وأريد أن ينظر المجتمع العربي بعضه 
إلى بعض بهذا النظر. 

يجب علي أيضا أن أكرر القول : إن أول عمل ينبغي علينا القيام به 
بعد ذهاب اللجنة ‏ وما هو بعيد الأمد ‏ أن تكون مجتمعاتنا علمية وأدبية لا 
سياسية . وإني أنشط جميع مواطني الذين يسعون في إنشاء جمعيات علمية ؛ 
وأكون سعيدا إذا رأيت اسمي مقيدا بين أسمائهم. 

تريدون أن أتكلم عن السياسة أكثر من ذلك فحسبي ما جئت به » 
ولكني أتكلم الآن عن العلم » وإني أتمنى أن يكون هذا النادي الذي أتشرف 
اليوم بالوقوف فيه خادما للعلم ومصدرا للآداب كافة. وأطلب من الأمة أن 
تنظر إلى مستقبلها بعين الارتياح. 

ينبغي أن نكون إخوانا ولا نتفرق ولا يكون بيننا احزاب » حتى لا 
يؤثر شيء في مصيرنا. ومن أصابه أدنى ظلم من أي شخص كان فليصبر 
على ما يصيبه وليأت إلى المرجع المسؤول فيخبره ه بما أصابه . وربما يوجد 
مضلون يحبون أن تتنازعوا - كما وقع قبل مدة ‏ حتى يقولوا : إننا لسنا 
بمستحقين للحكم الذاتي » وتسوء سمعتنا أمام العالم بمثل ذلك. فإني احذركم 
عواقب هذه الأمور التي لن تسمع ولن ترى إن شاء الله. وإني لأتوقع أن 
أسمع وأرى كل ما يسرني من الهدوء » وجمع الكلمة على طلب ما هو بغية 
كل عربي من الاستقلال الذي ستنالونه. اربطوا الجأش واعتصموا بحبل 
واحد, - 1 

من البديهي أن الأمن من ضروريات البلاد. والأمن لا يقوم إلا 
بالرجال وهم الدرك 


- 565 - 


والجند. نعم » إن الأمة قد خرجت من الحرب ناصبة ) من الجندية ؛ ولكن 
الوطن يحتاج إلى من يصون الأمن فيه » فأتمنى كثيرا أن تهرع الأمة إلى 
الانتظام في هذا السلك. أريد أن أرى الشهباء عند عودتي في المرة الثانية 
قد أكملت أهبتها. إن إخوانكم الدمشقيين قاموا بواجباتهم في هذا السبيل 
أحسن قيام » وأؤمل أن أراكم غير متأخرين عن إخوانكم أولئك. بل الذي 
أؤمله أن تسبقوهم. ْ 

وإني أختتم الآن الكلام فاقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». 


زيارة سموه المستشفى الوطني ومكتب الصنائع : 

ثم إن سمو الأمير فيصل زار في هذا اليوم المستشفى الوطني ومكتب 
الصنائع » وسرّ بما شاهده فيهما من آثار الرقي والتقدم. وفي ثاني يوم طاف 
في أسواق حلب ماشيا ليس معه سوى جندي واحد يتفقد ش ؤون الناس 
ويطلع على أحوالهم. 

مأدبة البلدية لسمو الأمير : 

وقد لمك السق .لدف ما معتل 4 كل عل انه قا ف و 
وخمسين ذاتا من وجهاء حلب وعلمائها ورؤسائها الروحيين. وفي انتهاء 
الحقلة شكن الأسقاد الدكتوزن السيد عد الرحمن الكيالي - على لسان البلديدة 


سموٌ الأمير على تنازله بإجابة دعوى © البلدية إلى هذه المأدبة » والتمس 
منه غض الطرف عما يراه من التقصير فيما يجب لسموه. 

حفلة الجمعية العلمية لسمو الأمير : 

وفي نحو الساعة الثالثة بعد ظهر يوم الجمعة 14 رمضان دعت 
جمعية النهضة العلمية سموٌ الأمير إلى حفلة أقامتها له في نادي العرب . 
حضرها وجهاء البلدة وأعيانها » وتبرع الأمير بألف جنيه مصرية للجمعية 
وبراتب شهري عشر ليرات. وتبرع مولود باشا بخمسين جنيها وبراتب 
شهري خمس ليرات. وتبرع زكي بك الخرسا بمائتي جنيه وبنفقة عشرة 


(1) أي أنهكت قواها تعبا. 
)2( هذا ترخص من المؤلف » والوجه : «دعوة» وهي الدعاء إلى الطعام. 


- 566 - 


تلامذة من أبناء العرب يرسلون إلى مكاتب أوربا. وتبرع السيد عبد 
الرحمن محّوك بثلاثمائة جنيه وبراتب شهري عشرين جنيها. 


وصول برقية من المارشال الأنبي عن اللجنة الدولية : 

في هذه الأيام وصل من المارشال اللّنبي برقية تتعلق باللجنة الدولية ‏ 
صورتها بعد التعريب : 

«تصل إلى الشرق عما قريب اللجنة التي تبحث في الأمور المتعلقة 
بمستقبل سوريا وفلسطين والعراق السياسي ؛ وذلك بعد أن يكون المندوبون 
الأمير كيون قد تحقق سفرهم إلى هذه الأقطار. وعندما تنتهي هذه اللجنة 
من فحص الحقائق المتعلقة بهذا الشأن يقدم أعضاؤها رأيهم إلى مجلس 
الدول المحالفة العظمى » فيقرر المجلس الأمر تقريرا نهائيا». 


عود سمو الأمير فيصل إلى دمشق : 

وفي هذا الشهر عاد سمو الأمير فيصل إلى دمشق فشيّع باحتفال فائق. 

الوفد الدولي واجتماع رجال حلب للمذاكرة بما يجيبونه به : 

تقرر في المراجع الكبرى الأوربية إيفاد وفد أميركي إلى فلسطين 
وسورية لاستفتاء أهل البلاد. ولما أنبأ البرق بهذا الخبر عقد علماء حلب 
ووجهاؤها من جميع الملل جمعية كبرى في قاعة الأستاذ الدكتور السيد عبد 
الرحمن الكيالي وتذاكروا فيما بينهم بالجواب الذي يجيبون به الوفد 
الأميركي عن أسئلته. وبعد الأخذ والرد كانت الأكثرية في أن يكون الجواب 
هكذا ٠‏ 

«نطلب أن تكون سوريا مستقلة بحدودها الطبيعية استقلالا تاما وإذا 
لم يكن بدّ من إشراف دولة كبرى عليها فلتكن جمهورية أميركا ء وإذا 
رفضت أميركا أن تكون مشرفة عليها فلتكن دولة إنكلترا ؛ لا نرضى 
بإحداهما بديلة». 

ثم أبرقت الجمعية بذلك إلى عصبة الأمم في أوربا. 


- 567 - 


أعضاء المجلس العمومي : 
في الخو 610 تمن وحطياة امفيع في ان الشكريية المتشمرة 
والمؤتمر السوري الذي سيعقد في دمشق عاصمة سورية. 


افتتاح المؤتمر السوري : 

وفي يوم الاثنين 9 شوال دعا سمو الأمير فيصل أعضاء المؤتمر 
السوري إلى النادي العربي في دمشق. ولما تكامل الجمع فاه بخطاب أبان 
فيه أن الغرض من هذا الاجتماع تمثيل الأمة السورية أمام اللجنة الأميركية 
وعرض أمانيها ومطالبها لتقدّمها اللجنة إلى مؤتمر السلام » وسنّ قانون 
أساسي يكون دستورا لأعمال الأمة في المستقبل ويحفظ حقوق الأقليات. 

وبعد هنيهة من الزمن اجتمع أعضاء المؤتمر وقرروا أجوبتهم إلى 
اللجنة الأميركية » وهي : طلب الاستقلال التام ورفض كل حماية ووصاية 
على سورية بحدودها الطبيعية المعروفة ». ومنع المهاجرة الصهيونية ٠‏ 
وعدم تجزئة سورية » وتأليف حكومة دستورية ديموقراطية برآسة الأمير 
فيصل » وتنظيم قانون أساسي تراعى فيه حقوق الأقليات » والاجتماع على 
المادة ال 22 من قانون عصبة الأمم » وأنه إذا كان لا بد من إصرار مؤتمر 
الصلح على انتداب دولة على سوريا لأسرار خفية لا يدرك كنهها » وبناء 
على تصريحات الرئيس ويلسون - القائلة بأن الدولة المنتدبة تكون لنفع 
الشعب المندوبة عليه لا لنفعها ‏ فلذلك نطلب هذه المساعدة من دولة أميركا 
البعيدة عن المطامع الاستعمارية في بلادنا بشروط معينة على ألا تسن هذه 
المساعدة استقلالنا السياسى » وتكون عبارة عن مساعدة فنية علمية لمدة 
عشرين سنة ققط. وإذا فضت أميركا فلتكن هذه المساعدة من ذولة إنكلكرا 
بنفس الشروط ء وإننا نرفض كل حقّ تدعيه (الدولة الأخرى) مع رفض كل 
مساعدة تقدمها لسوريا. 

وقد استغرقت هذه المناقشة نحو أربع ساعات » ثم قبلت بعد تحوير 
طفيف بأكثرية 46 صوتا يخالفها 11 صوتا و 16 صوتا عد أصحابها 


- 568 - 


وصول اللجنة الأميركية إلى حلب واستفتاؤها الشعب الحلبي : 

في منتصف ليلة الخميس 16 شوال سنة (1337) وصل أعضاء 
اللجنة الأميركية إلى حلب قادمة عليها من حماة بالقطار الحديدي. وفي الغد 
أخذت وفود الأقضية ومشايخ العشائر ترد على حلب لمقابلة اللجنة 
ومكاشفتها عن أميالهم. وفي ثاني يوم تصدت اللجنة لقبول أهل ولاية حلب 
واستفتائهم عن مصير بلادهم » فكان وجهاء كل محلة من أهل حلب 
يدخلون على الانفراد غرفة اللجنة ويبدون لها مطالبهم. كما أن كل ذي 
شخصية بارزة من أهل أقضية الولاية يدخلون فرادى على الغرفة 
ويصارحونها بمطالبهم. وكان مآل ما طلبه جميع الأهلين ) مطابقا لما قرر 
المؤتمر السوري الذي أسلفنا ذكره. 


قدوم الشريف ناصر إلى حلب وعوده إلى دمشق 

في يوم الأربعاء 25 شوال سنة (1337) وصل الشريف ناصر إلى 
حلب قادما عليها من دمشق » فاستقبل بحفاوة ونزل في دار الإمارة. وبعد 
أيام عاد إلى دمشق. 


عود ناجي بك السويدي : 

فى هرذ القعذه عند إلبن القسهباء المعاون الفلكن شاجي بك 
السويدي ؛ بعد تغيبه ثلاثة أشهر مأذونا لزيارة الأهل والأصدقاء » فاستقبل 
استقبالا حافلا. 


سفر سمو الأمير فيصل إلى أوروبا : 

في شهر ذي الحجة سافر سمو الأمير فيصل إلى أوروبا ليكون في 
اليوم 16 من أيلول سنة 1919 م حاضرا في باريس » وهو اليوم الذي 
تطرح فيه المسائل السورية على بساط البحث » وقبل سفره أوصى الأهلين 
بالتؤدة والسكون وانتظار النتيجة وألا يغرهم ما يشيعه بعض أرباب 
الأغراض » وأن يكونوا يدا واحدة ولا يدعوا للشر واليأس مجالا. 


(1) وردت هذه الكلمة عند المؤلف هنا وبعد عشرة أسطر أيضا بياء واحدة. وفي سائر 


- 569 - 


قدوم الأمير زيد إلى حلب : 

وفي هذا الشهر قدم الأمير زيد إلى حلب » فاحتفل باستقباله. وبعد أن 
أقام في حلب أياما قلائل - حث في خلالها على التطوع العسكري وعلّق 
الأوسمة على صدر بعض الموظفين الكبار » أَوَّلهم جعفر باشا ‏ عاد إلى 


4. 


3 شق. 


-570- 


سنة 1338 ه 


انسحاب الجيش الإنكليزي من دمشق ق وحلب : 

في شهر ربيع الأول منها انسحب الجيش الإنكليزي من دمشق وحلب 
» وأصبح أمر الآمن منوطا بالحامية الوطنية المتطوعة ؛ إلى أن يتقرر 
مضين البلان في .مؤتمن الضلع: 

كان الأمن مدة احتلال الجيش البريطاني مادا رواقه في حلب وسائر 

مظاهرة : 

يوم الخميس 4 ربيع الأول منها قام طلاب المدارس في حلب على 
اختلاف طبقاتهم - ومعهم جمهور من الناس ‏ بمظاهرة وطنية احتجاجا على 
الاتفاق الأخير الذي يرمي إلى تجزئة البلاد » فطافوا في الشوارع ورفعوا 
الأعلام العربية وقصدوا دار الحكومة » فاستقبلهم الحاكم العسكري وشكر 
عواطفهم الوطنية » وخطب أحدهم فقال : إننا جميعا متطوعون نضحي 
أموالنا وأرواحنا في سبيل حريتنا واستقلالنا » وليحي الأمير فيصل. ثم في 
يوم السبت 6 منه قاموا بمظاهرة أخرى نظير المظاهرة الأولى. 


بلاغ مندوب حكومتي إنكلترا وفرنسا : 
العتكرى يكيم ككاي جا ضفكة + إننا لكف برسم من المندويين الطيتيا 
إليهما أن الجنود الفرنسية ستحلٌ محل الجنود البريطانية في شتورة ورياق 
وبعلبك » حسب القرار العسكري الأخير ». احتلالا عسكريا على أن تبقى تبفى 
هذه المناطق مرتبطة من الوجهة الإدارية بالحكومة العربية. 

وعلى أثر هذا الخبر انتدب اللواء نوري .باشا السعيد إلى مقابلة القائد 
الفرنسي العام 


-571- 


في بيروت ليفهمه الأخطار التي تنجم عن هذا الإشغال الذي لا ينطبق على 
أفكار الشعب. 

وبعد بضعة أيام ورد من دمشق على قيادة الفرقة الثالشة بحلب برقية 
مآلها أن الفرنسيين عدلوا أول أمس عن إشغال بعلبك ورياق وشتورة 
وحاصبيًا وراشيًّا » واكتفوا بإقامة ضابط ارتباط في بعلبك فقط فاستبشر 
الناس بهذا الخبر. ْ 


روابط المحبة بين العرب والأرمن في حلب : 

في هذا الشهر أقامت طائفة الأرمن بحلب حفلة شاي في ميتم الأرمن 
الكائن في خان الصابون برآسة جعفر باشا » حضرها 52 شخصا من 
وجهاء العرب و 44 من وجهاء الأرمن تبودلت فيها الخطب الودية بين 
الطرفين » وخطب ناجي بك السويدي فبحث عن وجوب الاتحاد والتضامن 
بين الأمتين ومدح ثبات الأمة الأرمنية واستعدادها. 


عود الأمير فيصل من أوربا : 

يوم الأربعاء 23 ربيع الثاني سنة (1338) وصل سمو الأمير فيصل 
إلى بيروت عائدا من باريس », فاستقبلته وفود البلاد السورية استقبالا باهرا. 
وكان من جملة المستقبلين وفد حلب. وقد أطلقت المدافع تحية لمقامه 
الملوكي ورفعت له الأعلام العربية على أقواس الظفر المنصوبة بالشوارع. 


خطاب الأمير في دمشق : 

وبعد أن وصل الأمير إلى دمشق بيوم ألقى خطابا بحضور الجم 
الغفير » قال فيه ما خلاصته : إنه حتى الآن لم يعقد بينه وبين أي كان من 
الدول الأوربية اتفاق » وإنه لم يتحول عن عزمه الذي ذهب من أجله ‏ وهو 
طلب الاستقلال ‏ ليس لسورية فقط بل لجميع البلاد العربية » وإنه لا 
يتزعزع عن هذا العزم إلى آخر لحظة من حياته. 

قدوم سمو الأمير فيصل على حلب : 

في نحو الساعة التاسعة زوالية صباح يوم الخميس 9 جمادى الأولى 
سنة (1338) وصل إلى حلب القطار الخاص الذي يقل سمو الآمير فيصل 


-572- 


سمو الأمير في نادي العرب : 
يوم الجمعة 10 منه حضر سمو الأمير إلى حفلة أقيمت له في نادي 
العرب » وألقى خطابا حث فيه على الاهتمام بالتجنيد. ومن جملة ما قال فيه 


«إن البلاد لا تتخلص إلا بقدرة الباري وقوة التجنيد » وإن الجنود 
حرس الاستقلال». 


سفر الأمير : 
وفي يوم السبت 11 منه برح الأمير حلب عائدا إلى دمشق. 


تعيين حاكم عسكري على حلب : 

وفي جمادى الأولى منها تعيّن عبد الحميد باشا القلطقجي حاكما 
عسكريا على حلب » وتشكلت فيها متصرفية مستقلة. وبعد أيام قلائل ورد 
الأمر بإبقاء حلب ولاية كما كانت سابقا. 


استقلال سوريا وتتويج سمو الأمير فيصل ملكا عليها : 

يوم الاثنين 18 جمادى الثانية سنة (1338) ه و 8 آذار سنة (1920) 
م أعلن استقلال سوريا » وتوج سمو الأمير فيصل في دمشق ملكا على 
سوريا ء فأطلقت مدافع البشرى من قلعة حلب وأقبل وفود المهنئين على 
الحاكم العسكري ومعاونه. ثم تلا ناجي بك السويدي المعاون صورة البرقية 
المعلنة بذلك فقابلها الجمهور بالاستحسان 2 وانبيرى الخطباء يعددون 
فضائل الاستقلال وفوائده. وفي المساء زينت البلدة وقامت الأفراح وعزفت 
آلات الطرب. 


مبايعة رؤساء الطوائف المسيحية في دمشق ق لجلالة الملك فيصل 
الأول : 


صورة المبايعة بالحرف الواحد 


«رباسم الله» 
إننا » نحن الواضعين إمضاواتنا وأختامنا بذيله » الرؤساء الروحانيين 
للملل التابعة لنا » نقرر ما يأتي : 


-573- 


لما كان قد وقع اختيار الأمة السورية على تمليك سمو الأمير فيصل 
ابن جلالة الملك حسين الأول على سوريا بحدودها الطبيعية ؛ حضرنا اليوم 
في دائرة بلدية دمشق العاصمة لتأدية فرض المبايعة. فأصالة ونيابة نقرٌ 
بأنه ‏ مع مراعاة الشرائط السبعة التي ارتبطنا بها مع سموه في أول مقابلة 
بيننا يوم الاثنين في سادس شهر تشرين الأول سنة 1918 وهي : 

طاعة الله » احترام الأديان » الحكم شورى على مقتضى القوانين 
والنظامات التي تسنّ لذلك » المساواة في الحقوق » توطيد الأمن » تعميم 
المعازفف متاق الخناضني: ‏ الوكلائف :إلى أكفاتها وقول سمو يها و احذة 
فواحدة ‏ نبايعه ملكا على هذه البلاد متعهدين بالطاعة والإخلاص لجلالته 
والمعاونة لحكومته بكل ما تصل إليه القدرة. وعليه أعطينا هذا الصك تحت 
إمضاواتنا وأختامنا » مسترحمين صدور إرادة جلالته بنشره فى الجريدة 
الرسيية تصيذنقا ميشه وكيولا يشمو نه و |اعين لجلالقيه يطول العم 
واستمرار التوفيق لما فيه خير البلاد وترقي أهلها». 

الإمضاوات : بطريرك الروم الأرثشوذكس. بطريرك الكاثوليك. 
مطران السريان الكاثوليك » والقديم. خوري الموارنة. مطران الأرمن قديم 
وكاثوليك. رئيس البروتستان. حاخام اليهود. 

وفد التهاني لجلالة الملك فيصل : 

في شهر جمادى الآخرة منها سافر إلى دمشق ‏ لعرض التهاني على 
جلالة الملك فيصل وفد مؤلف من قاضي حلب ورؤساء الطوائف والوجوه 
» مسلمين وغيرهم. 

والي الولاية : 

ولي حلب رشيد بك طليع. وفي يوم الخميس 20 رجب قدم على حلب 
فاستقبل باحتفال كبير وأطلقت له المدافع من القلعة تحية وإجلالا. 

الاحتفال بالعلم العربي : 

في شهر شعبان سنة (1338) احتفل بتسليم العلم العربي في جهة 
المزة. وقد خرج 


- 574 


إليها الجيش العربي مشاة وفرسانا » وبعد قيامه بمناورة عظيمة وقف جلالة 
الملك فيصل والعلم بيده وقال يخاطب القائد : 

«إن هذا العلم الذي في يدي لا يزال نقيا طاهرا لم يدخل المعارك ولم 
يلوّث بالدم » وإن غاية ما أتمناه أن يظل كذلك ؛ إلا إذا أهين شرف الأمة 
أهدي إليه هذا العلم اليوم على أنه أهل لهذه الهدية » وأنه كيف () يفتدي 
العلم بدمه وكيف يدافع عن الوطن». 

ثم سلّم العلم إلى قائد الجيش. أما المكتوب على العلم فهو هذا » على 
أحد جانبيه :«البسملة ‏ وجاهدوا في سبيل الله إن الله معنا إنا فتحنا لك 
الأول سنة 1338 - المشاة». 


زيادة الضرائب والدعوة إلى التجند وقيام الفتن في سورية الساحلية 


بعد تتويج الأمير فيصل ملكا على سوريا واستقراره على عرش 
الملك ؛ بدأت حكومته تزيد في الضرائب وتدعو إلى التجنّد. وكانت 
العصابات في المنطقة الشرقية السورية ‏ التي تخفق عليها الراية الفرنسية - 
قد استفحل أمرها. وكانت الدولة المنتدبة المحتلة في سواحل سوريا قد 
أهمها أمر تلك العصابات وجهزت لقهرها جيشا جرارا » فلم يسن لها 
قمعها إلا بعد جهود عظيمة وخسائر جِمّة. وكثرت الفتن والوقائع في جهات 
بشارة وأنطاكية وتل كلخ وغيرها من الجهات السورية. 

توتر العلائق بين جلالة الملك فيصل وبين الحكومة الفرنسية 
المنتدبة : 

ولما حدثت هذه الأمور أخذ الارتياب من سمو الأمير فيصل يأخذ 
محلّه من نفوس الحكومة الفرنسية المنتدبة » وكان قد تسرب إليها الشك في 
إخلاصه لها من خطبة ألقاها في دمشق لمم فيها إلى وجوب رفض 
الانتداب الفرنسي والإصرار على الاستقلال التام » وذلك بعد أن كان ألقى 
في بيروت خطبة صرح فيها بما يوافق فرانسة ويرمي إلى غرض الرضا 
بانتدابها. 


(1) هنا كلمة ناقصة فيما يبدو. ولعل العبارة : «وأنه يعرف كيف ..» أو ما هو بهذا المعنى. 


-575- 


أول ما ظهر من نتائج توتر العلائق : 

قال الأستاذ الفاضل محمد كردعلي في كتابه خطط الشام ما خلاصته 
: كان الجنرال غورو المفوض السامي للجمهورية الفرنسية ولبنان يعزز 
جيشه في الساحل. ثم في 11 تموز سنة (1920) أرسل إلى الملك فيصل 
كتابا قال فيه : «بينما كانت السكينة سائدة في سوريا أثناء الاحتلال 
الإنكليزي ابتدأ الفساد يوم حلت جيوشنا محل الجيوش البريطانية » ولا 
يزال آخذا بازدياد منذ ذلك الوقت». وأرسل إليه أيضا يوم 14 تموز بلاغا 
يكلفه فيه أن يعطى فرنسا الخط الحديدي من رياق إلى حلب ٠‏ وأن تلغي 
حكومة فيصل القرعة العسكرية » وأن يقبل الانتداب الفرنسي والنقود 
السورية » ويضرب على أيدي الأشقياء. ْ 

فطلب الملك مهلة أربع وعشرين ساعة. فانتهت ثم مددت أربعا 
وعشرين ساعة أخرى » ثم مددت ثانية ولم يجب لانقطاع الأسلاك البرقية. 
وحينئذ سار الجنرال غورو بجيوشه إلى جهة دمشق واشتعلت نار الحرب 
في جبال ميسلون بين جيوشه وبين الجيش العربي » يعضده بعض عامة 
دمشق وبضع مئات من البدو ء فكانت الغلبة للجيوش الفرنسية. ثم أعلم 
الجنرال غورو الملك فيصلا أنه مستعد أن يتوقف عن الزحف إذا قبل بمواد 
الإنذار السابق وبشروط بيّنها له - مذكورة في خطط الشام ‏ فتأخر جواب 
الملك فيصل عن هذا الإنذار » فاستمرت الجيوش الفرنسية على الزحف 
إلى أن دخلت دمشق في اليوم ال 25 تموز سنة (1920) بعد أن قتل من 
الجيش العربي مقتلة عظيمة. وأسر منه العدد الكبير على الوجه الذي حكاه 
الأستاذ محمد كردعلي في خططه مفصلا. 


ذكر ما حدث في حلب أثناء هذه الحرب : 

وفى أثناء هذه الحرب ورد الأمر من قيادة دمشق إلى القيادة العسكرية 
الغزبية بالامتعداد إلى مفاومة الحيوكن الفوضبية: فتكت الفينادة المقازمة 
على زعمها بإعداد جيش من الجند الوطني لا يزيد عدده على بضع مئات » 
ونشرت الدعوة للمقاومة بين العامة واستدعت بعض قبائل الأعراب من 
ضواحي حلب » وخرجت العامة إلى الثكنة العسكرية وطلبوا من القيادة 
السلاح فلم تعطهم. وطلب الجند منها عددا من المدافع فأجابتهم بأن ما هو 
موجود منها في الثكنة مختل لا يصلح للاستعمال. 


-576- 


ثم ورد الأمر من القيادة في دمشق بالتسليم وعدم المقاومة » ثم ورد 
بالمقاومة. غير أن الحكومة الحلبية حينما رأت هذا التذبذب فى الأمر 
وشعت الذمة عن المقاوجتة «عقدت مكلما هن أعناة حلت زوهيائيا 
للاستشارة فى هذه المسألة فاختلفكت الكلمة فى ذلك., وأخيرا رأى حضرة 
كامل باشا القدسي أن المقاومة تضر بالبلدة فضلا عن كونها لا تؤدي إلى 
الغرض المطلوب » وقد أقام على ذلك ما لا يمكن دحضه من الأدلة 
والبراهين. وقوله في ذلك حق لامراء فيه ولا سيما وهو رجل عسكري 
محنك. وعليه فقد أذعن الحاضرون إلى رأيه وقرروا التسليم بالطّوع 
والروفينا: 

منشور ألقته الطيارة على حلب : 

وقبل قدوم الجيش الفرنسي إلى حلب ألقت طيارة منات من نسخة 
منشور باللغة العربية خلاصته : أن فرنسا لا تتعرض إلى استقلالكم ولا 
تدعو إلى التجنيد » وهي تخفف عنكم الضرائب ولا تعمل بسلطتها ضدكم » 
ولا تتعرض إلى الموظفين الوطنيين ؛ بل تبقي كل واحد منهم في وظيفته » 
وإن مقاومة جيشها يضر بالبلد وأهلها ويضطر فرنسا إلى عمل لا تحمد 
عقباه. وهو منشور طويل هذا فحواه. 


والي حلب : 
في شهر ذي القعدة سنة (1338) ولي حلب حضرة ناجي بك 
السويدي. 


دخول الجيش الفرنسي إلى حلب : 

صباح يوم الجمعة 8 ذي القعدة سنة (1338) وفي 23 تموز سنة 
0 م احتلت الجيوش الفرنسية مدينة حلب » وأشغلت بعض النقاط في 
أطراف البلدة ولم يحدث أقل حادث. 

وفي صباح يوم الجمعة المذكور جرى الاحتفال بقدوم الجنرال ده ل" 
موط» قائد الجيوش الفرنسية في المنطقة الشمالية السورية » فزار مقام 
الولاية وألقى خطابا قوبل بالاستحسان. وإليك ترجمته : 

«أيها السادة : إن فرنسا وجنودها لم تدخل هذه البلاد بصورة عدائية » 
ولا مقصدها 


-577- 


الاستيلاء على البلاد ولا استعمارها ؛ بل إن الواجب الوطني هو الذي ألقي 
وص كه اروم حلي لو د لي 0 
والعمران. ولذلك فإن الحكومة باقية على ما هي عليه » محافظة على شكلها 
وموظفيها وقوانينها وأحكامها. 

لذاء فإني أطلب من جميع رؤساء الدين والأشراف والأعيان 
والأهالي دوام الألفة وازدياد المحبة بين جميع طبقات الأمة وإطاعة أوامر 
الحكومة » وبذلك يكونون سعداء » وعلى الأخص فيما إذا تحققت أمانيهم 
برؤيتهم هذه البلاد سعيدة حرة مستقلة, ١ه»,‏ 


رفع استقالة : 

رفع حضرة ناجي بك السويدي والي الولاية استقالته إلى وزارة 
الداخلية فقبلت, 

والي الولاية الجديد : 


يوم الثلاثاء 19 ذي القعدة سنة (1338) 3 آب سنة (1920) م عيّن 
سعادة كامل باشا القدسي من كبار أعيان حلب واليا للولاية. 


-578- 


إجمال في الكلام على الأمة الفرنسية المحترمة 0) 


مملكة فرنسا » ومن أين أتى إليها هذا الاسم؟ 

ذكروا أن هذه المملكة قديمة العهد واسعة الحد ء وأنها كانت تضم 
إليها جميع مملكة البلجيك وسويسرا وضفاف نهر الرين وبلاد فرانسا 
الحالية » وأنه كان يسكنها قديما أقوام يقال لهم إيبير وبسك وسكسكون. ثم 
قبل المسيح بنحو ألفي سنة زحف عليها أقوام يقال لهم الغال وسلتيك » 
وغيرهم من أمم البربر. وفي سنة 58 ق. م زحف عليها القائد الروماني 
يوليوس قيصر واستخلصها من يد أهلها. وسماها الرومانيون غاليه . 
واليونانيون سلتيك. وبعد ان اضمحلت الدولة الرومانية زحف على هذه 
المملكة أمم من البربر يقال لهم ويزيكوت - توطنوا الجهة الغربية - 
وبرغوند : توطنوا منها الجهة الشرقية » وفرانك :توطنوا منها الجهة 
الشمالية. ثم زحف عليها أتيلا ملك الهون فتألبت عليه هذه الطوائف 
وطردته عنها. وكانت طائفة فرنك أعظم الطائفتين بلاء في طرده » 
فترأست عليها وسميت تلك البلاد باسمها وصارت تدعى فرنسا » التي 
أصلها فرنك » والعرب يسمونها فرنجة. ومن ذلك الوقت دخلت تحت تملك 
الملوك الفرنسيين. 

وقد قسم المؤرخون ملوك فرنسا إلى ثلاث سلاسل » فحذونا نحن 
حذوهم. وسنتكلم في الآتي من هذا الإجمال على كل سلسلة منهم وعلى ما 
كان من الحوادث العظيمة في أيامهم. 


ديانة سكان تلك البلاد : 

كان الغالييّون يعبدون إلها اسمه «توتاتيس» وغيره من الأوثان » 
وكانوا يقدمون له الضحايا من نبات الحقول ولا سيما ورق البلوط المسمى 
(دكى) » وهم يسمون كهنتهم 
(1) هذا الإجمال استخلصناه من تاريخ الأمة الفرنسية المحترمة » بمعاونة صديقي الفاضل 
القس جبرائيل رباط الرومي الملكي الحلبي المحترم. (المؤلف). 


-579- 


(درويد). وقد جعلوهم عليهم حكاما وعلماء وكهنة » وكانوا يتشحون بثياب 
طوال سود ويعقدون على رؤوسهم أكاليل من ورق البلوط. وكان الفرنك 
يدينون بالوثنية ويعبدون إلها اسمه أودين أي إله الحرب. 

متى دخلت النصرانية تلك البلاد؟ 

يذعر أن أول من دعا للنصرانية ف هذه البلاد هو العازار الذى أحياه 
المسبيح. ْ ١‏ 

أول من تنصر من ملوك فرنسا : 

زاك اواك ملك مدو بتر فوووا نتدة اأففة لقنت سيفب هن البنك 
كلوفيس حفيد مى روى » أول ملك من ملوك السلسلة الأولى الفرانسيين » 
وذلك سنة 496 م. وكانت زوجته كلوتيد مسيحية » وقد عمد في عيد ميلاد 
هذه السنة في كنيسة رانس في حضور جم غفير. 

السلسلة الأولى من ملوك فرانسة : 

هذه السلسلة تدعى الميرونجيين. وأول من ملك منها على فرانسا هو 
الملك مى روى تسلم زمام الدولة الفرنسية حينما صارت تعرف بهذا الاسم. 
واتعد وفاته خافه أولاده.ثم حفدكه وكان أعظلم مدورك هذه الشلسلة الملك 
كلوفيس ‏ أحد حفدة الملك مى روى - وأما الباقون من ملوكها » الذين هم 
أولاد كلوفيس وحفدته » فلم يرافقهم النجاح في أعمالهم لاستيلاء التواني 
عليهم حتى عرفوا باسم الملوك المتوانين » ولهذا تغلب عليهم أحد وزرائهم 
المسمى شارل مرتيل وصار ملكا على فرانسا » وهو الذي حارب العرب 
في جبهات بواتيه وانتصر عليهم. 

السلسلة الثانية : 

شم إن بيبان (القيصر) اتحد سنة 752 م/ 135 ه مع البابا ضد 
اللومبرديين فتؤّجه ملكا. وبذلك انتهت سلسلة الملوك الميرونجيين - التي 
فى الشلسيلة الأولى هو ملزك :فو قدا عوابتة أ سشسلة ملوك فززانها الثانية 
التي أول ملك منها بيبان المذكور. ولما آل ملك فرانسا إلى شر لمان الذي 
هو أعظم ملوك هذه السلسلة ‏ اهتم بإعلاء شان بلاده 


- 580 - 


فوسّع نطاقها حتى وصلت حدودها إلى نهر الألب من جهة ألمانيا » وإلى 
مدينة رومية من جهة إيطاليا » وإلى الأبير من جهة إسبانيا » وإلى نهر 
الدانوب من جهة النمسا. وقد توّجه البابا لاون الثالث إمبراطورا في مدينة 
رومية سنة 800 م / 184 هء وكان النصر حليفه في أكثر حروبه. 
ونهضت مملكته في أيامه نهضة عظيمة فكثرت الإصلاحات الإدارية 
والمشاريع العلمية والأدبية. وكان صديق الخليفة هارون الرشيد العباسي. 

وقد تلقى الامبراطور شرلمان من علماء العرب علوما جليلة. ثم مات 
سنة 814 م / 199 ه وخلّف ثلاثة أولاد » فانقسموا على بعضهم وحدث 
بينهم عدة معارك » ثم اصطلحوا وقطعوا بواسطة الأساقفة عهودا بينهم في 
مدينة فردون سنة 816 م / 201 ه على أن تكون البلاد ‏ التي على الضفة 
الشرقية من الرين - إلى لويس » وقد سميت بلاد جرمانيا. والبلاد الغربية 
بين البحر ومجرى نهر الرون ونهر السون والموز إلى أخيه كارلس 
الأصلع » وسميت بلاد فرانسا. وبلاد إيطالية والرون والسون - وما هو 
كائن من البلاد بين الموز والرين - إلى أخيهما لوتير. وسميت بلاد اللوتير 
نجي ومنها اللورين. 

ثم إن بلاد فرنسا التي يملكها كارلس الآصلع استولى عليها الضعف 
بعد هذا التقسم » وطمع فيها النور منديون 7) وهم أسلاف سكان نرويج 
ودنمارك ؛ فهجموا عليها عدة مرات فلم يفلحوا. ثم مات كارلس الأصلع 
وولذه لويس الال » وباك وملكة شا لمان الفظيمة إلى ما كانت عليدمن 
القى4 و الحدعة كارت كلها تقففة اده و العدة يتفدى بعادي تلك وز| كن امف 
كر لمن السمين. :فى <لقة: الو قك بعاد التو رمتهيون بو دهفو على هذه المملكنة 
؛ فعجز الشرلمانيون عن مقاومتهم » واستمر النورمنديون على زحفهم حتى 
صاروا على أبواب العاصمة باريس وشددوا عليها الحصار. وحينئذ تجرد 
إليهم الكونت أود فدحرهم وولوا منهزمين. 

وبعد أن توفي لويس الخامس ابن لوتير وحفيد لويس الرابع وكرلس 
التشيط ر أ الامساقفة ووعضه اهل المملكتة أن,الشر لمانيين لم يفلعو| عن 
توانيهم » فقرروا أن ينزعوا الملك منهم ويسأموا صولجانه إلى حفيد 
الكونت أود ‏ واسمه هوك كابه ‏ وذلك سنة 


(1) رسمت عند المؤلف في معظم المواضع «النورمندييون» بياءين قبل الواو » خلافا 
للقاعدة المتبعة » فصححناها. 


-581- 


7م / 377 ه وبذلك انتهت سلسلة الشرلمانيين الثانية من سلسلة ملوك 
فرانسة وابتدأت السلسلة الثالثة منهم. 

السلسلة الثالثة : 

هذه السلسلة تسمّى ملوكها بالملوك الكابيسيين الذين دام تملكهم على 
المملكة الفرنسية من سنة 987 م / 377 ه إلى سنة 1848 م / 465 ه. وقد 
غلمت أن أول ملك من ملوك هذه السلسلة هو'الملك. هوك كابه:وإليه تنتسب 
هذة السلسلة. 

على أن ملوك هذه السلسلة قد قصروا اهتمامهم في بدء أمرهم على 
مقاطعتهم الخصوصية » وهي مقاطعة إيلدو فرانس ٠»‏ ولم يتلفتوا إلى باقي 
المملكة الفرنسية + فاستيد يها حكامها واستفلوا ياحكاميها وصدان :ا مثل هلوك 
الطوائف (6انلهكهه:) في أيام ضعف الخلفاء العباسيين » ولم يبق للملوك 
الكابيسيين سوى سلطة اسمية وأمور شرفية وبعض امتيازات لا فائدة في 
ذكرها. 

وقد تعاقب ملوك هذه السلسلة على عرش فرانسا الخيالي » وكانوا 
على التمادي يزدادون ضعفا ووهنا ومنهم الملك روتير التفي . الذي كان 
ملكا من سنة 996 م / 386 ه والملك هنريكيس الأول الذي كان ملكا من 
سنة 1031 م/ 423 ه إلى سنة 1060 م / 452 ه »ء وفيلبوس الأول الذي 
ملك من سنة 1060 م / 452 ه إلى سنة 1108 م / 502 ه وكرلس البسيط 
الذي أعطى النورمنديين مقاطعة فوستريا مع مدينتي (روان وكان) ؛ 
فسميت هذه المقاطعة باسمهم. وقد استفحل أمرهم حتى استولوا على بلاد 
إنكلترا وتتوج قائدهم الدوك (غليوم) الغازي ملكا في لوندرة فأصبح أعظم 
قدرة وصولة من ملك فرنسا » مع أنه تحت حكم ملك فرانسا. ثم لماملك 
لويس السادس - المسمى لويس الضخم أو لويس النبيه ‏ بعد فيليوس الأول 
باشر الحرب ضد ملوك الطوائف. وقد امتد ملكه من سنة 1108 م / 502 
ه إلى سنة 1137 م / 532 ه. 

وكانت حروب الصليبيين قد بدأت منذ سنة 1096 م / 490 ه 
وامتدت حتى سنة 1270 م / 669 ه وعدد حملاتها ثمانية. وقد استولى 
الصليبيون في هذه المدة على القدس ونواحيها. ثم عادت إلى حكم المسلمين 
بسبب ضعف الصليبيين وانقسامهم على بعضهم. وقد نهض الصليبيون في 
تلك الأيام نهضة عظيمة في العلوم والفنون ولا سيما في فن الهندسة. 


- 582 - 


وسبب ذلك أن الاعتقاد كان سائدا بين الأمم الغربية بأن العالم سينتهي في 
حدود سنة 1000 م / 391 ه فلما انقضت هذه السنة ولم يحدث شيء من 
ذلك ساء اعتقادهم في التكهّنات والتفتوا إلى الاهتمام بالعلوم والهندسة 
الكنائسية. وتولى الملك لويس السادس سنة 1137 م/ 532 ه وخلفه ابنه 
البكر لويس السابع. وبقي في الملك إلى سنة 1180 م / 576 ه. وكان في 
أثناء تملكه مجدا في الحروب الصليبية بدلا عن أن يستخلص بلاده من 
فلوك الطوافف: - 

ثم خلفه الملك 00 أغستوس) واستمر ملكه إلى سنة آم و1 
(ريشار قلب الأسد) : لبه ارو ع ا 
صلاح الدين الأيوبي. ثم رجع الملك فيلبوس إلى فرنسا قبل ملك الإنكليز. 
وأخذ مقاطعتي (البواتو) والنورمنديين الذين كان الإنكليز قد طردهم من 
بلادهم واستولوا على أصل مقاطعتهم وكسر فيلبوس الإنكليز المتحالفين مع 
ألمانيا وذلك سنة 1214 م / 625 ه. وهذه المعركة تعرف بمعركة 
(بووين). ومن آثار الملك فيلبوس لسري فصن ارو الشهير في باريس 
فهو الذي بناه وأسس فيها الكلية الشهيرة أو مجتمع المعلمين والطلبة. 

ثم مات الملك فيلبوس سنة 1223 م/ 625 ه وخلفه الملك لويس 
الثامن فبقي ملكا من هذه السنة إلى سنة 1226 م / 623 و 624 ه فلم 
يمكّنه قصر مدته إلا من محاربة هرطقة الألبيجينيين الناكرين أهم العقائد 
المسيحية. 

ثم مات وخلفه الملك لويس التاسع الذي يسمونه القديس لويس. ولما 
كان صغيرا تملكت عوضه أمه الشهيرة باسم (بلانشة دي كستيل) فربته 
أحسن تربية. ولما بلغ رشده تسلم زمام الملك وأقدم على الحملتين 
الأخيرتين من حملات الصليبيين فوصل إلى مصر » واستولى على دمياط 
وعجّب الأتراك بشجاعته. ثم رجع إلى بلاده وحارب الإنكليز وانتصر 
عليهم في مدينتي (تيبرغ) و (سانت). ثم أرجع لهم مقاطعة (البواتو) على 
شرط ألا يعودوا يتعتون على مقاطعة (نورمنديا) وامتاز الملك لويس بعدله 
وانعطافه على الشعب. ثم باشر سنة 1270 م / 669 ه الحملة الثامنة 
الأخيرة من حملات الصليبيين فدخل جهات تونس وقد تفشى الطاعون في 
عسكره. ثم أصيب به ومات في هذه السنة. 


-583- 


وخلفه ولده فيلبوس الثالث المسمى بالجسور وملك حتى سنة 1275 م 
/ 684 ه فترك الحملة الصليبية وحمل جثة أبيه إلى فرنسا ولم يمتز عن 
غيره بشيء من الأعمال. أما خلفه » وهو ولده حفيد فيلبوس ٠»‏ الجميل الذي 
ملك من سنة 1285 إلى سنة 1314 م / 744 ه فإنه أظهر اقتدارا عظيما 
في توطيد سطوة الملك وتوسيع نطاق المملكة » وقاوم البابا (بونيفاس) 
الثامن فحرمه البابا » فازداد مقاومة. ثم مات فخلفه ابنه لويس العاشر. 
ومات بعد سنتين ولم يخلف سوى بنت واحدة. ولما كان القانون الفرئسي 
المسمى (الساليك) يمنع تملك النساء خلفه أخوه فيلبوس الخامس. وبعد ست 
سنوات مات عن غير ولد ذكر » فخلفه أخوه كرلس الرابع الجميل بحكم 
القانون المذكور » فمات بعد ست سنوات أيضا وذلك في سنة 1328 م / 
9 ه ولم يخلف ذكرا فخلفه ابن عمه فيلبوس السادس دي فالوا. 

حرب فرنسا وإنكلترا مائة سنة وسنة : 

ولما كان صولجان الملك قد خرج من يد الأسرة الملوكية ترشح للملك 
ملك إنكلترة (إدوار) الثالث » الذي كان متوليا على أراضي واسعة في بلاد 
فرانسا وبث الدسائس وثارت الأحزاب » فأعلن نفسه ملكا على فرنسا 
وإنكلترا » وذلك في سنة 1336 م / 737 ه فنشأ عن هذا العمل تلك الحرب 
الشهيرة التي دامت مدتها أكثر من مائة سنة بين الإنكليز والفرنسيس » وهي 
تقسم إلى أربعة أقسام : ْ 

(1) وهو على عهد الملك فيلبوس السادس والملك يوحنا الصالح . 
فكان في مدة هذين الملكين الانتصار للإنكليز. 

(2) وهو على عهد الملك كرلس الحكيم » وكان فيه الانتصار 
للفرنسيين بواسطة القائد الشهير (دو كيكلان). 

(3) كان بعد جنون الملك كرلس السادس » وانحاز فيه النصر إلى 
جانب الإنكليز. 

(4) على عهد الملك كرلس السابع » وتحتم فيه النصر للفرنسيين 
بواسطة الشجاعة الشهيرة (جاندارك) القروية الراعية. 


- 584- 


وأشهر ما جرى في تلك الحرب الطويلة هو : 

(1) معركة كربسى. وفيها استعملت المدافع أول مرة في العالم : 
استعملها الإنكليز » وكانت قنابلها من الحجارة ولها دوي وحفيف دون أن 
يحصل منها تأثير يذكر. وذلك سنة 1328 م / 729 ه تقريبا. 

(2) انتصارات دو كيكلان » فإنه لم يترك للإنكليز سوى بعض 
المواني » أي مدينة (كاله) و (ستراسبورغ) و (بوردو) و (بايون). 

)3( انتصار جاندارك : انتصارات القروية الراعية الطائرة السمعة 
(جاندارك) فقد حداها سائق إلهي إلى أن تقصد الملك الإفرنسي كرلس 
السابع وأن تخرج الإنكليز » ففعلت ذلك وطردت الأعداء عن آخرهم من 
مدينة أورليان في 8 أيار سنة 1429 م / 823 ه. وقد أصبح هذا التاريخ 
عيدا رسميا للحكومة الفرنسوية علاوة على عيد 14 تموز الآتي ذكره. 
وبعد هذه الانتصارات الباهرة حضر الملك كرلس إلى مدينة (رانس) حيث 
مسح رسميا ملكا على فرنسا في 17 تموز سنة 1429 م / 833 ه. 
(كومبيانيا) في خطر حدر دأسريهك إلى انفادها وتقدمت لقتال 0 
فوقعت أسيرة بين يدي المحاصرين فباعوها إلى الإنكليز. وبعد محاكمتها 
حكم عليها بأن تحرق حية » زاعمين أنها مهرطقة ساحرة. فنفذ الحكم عليها 
في مدينة (روان) في 30 أيار سنة 1431 م / 835 ه. وبعد وفاتها فسخ 
البابا ذلك الحكم وأعلن براءتها رسميا. وجميع المسيحيين الكاثوليك ‏ حتى 
إنكلترة منهم ‏ يحترمونها كقديسة » ويقيمون لها احتفالا تكريميا في اليوم 
الثامن من آيار كل سنة. 

أسماء التواريخ العالمية عند الأوروبيين : 

انتهت تلك الحرب الطويلة سنة 1453 م / 857 ه » وهي السنة التي 
استولى فيها السلطان محمد الفاتح على مدينة قسطنطينية. فجعل المؤرخون 
الأوروبيون هذه السنة نهاية تاريخ القسم الثاني من تاريخ العالم العام » وهو 
القسم المعروف عندهم بتاريخ خ الأجيال المتوسطة. وبعد هذه السنة يفتتحون 
القسم الثالث من تاريخ العالم العام وهو المسمى تاريخ 


- 585 - 


الأزمنة الحالية » وهو ينتهي سنة 1789 م / 1204 ه أي في ابتداء الثورة 
الفرنسية العظيمة الآتية الذكر. وكان الفرنسيون قد تمكنوا بعد الحرب 
المذكورة من طرد الإنكليز من فرنسا كلها بحيث لم يبق لهم فيها سوى 
مدينة كالة التي استمرت تحت سيطرتهم مدة مائة سنة بعد ذلك. ومات 
الملك كرلس السابع بعد أن جهز اول مرة في فرنسا جيشا منظما مرابطا 
ووضع أول ضريبة ثابتة. وكانت وفاته سنة 1461 م / 866 ه. 

فملك بعده الملك لويس الحادي عشر ء وكانت عناية هذا الملك 
واهتمامه منصرفين إلى توحيد دولة فرنسا وتثبيت سلطة الملك وانتصاره 
على ملوك الطوائف. فتحالفت الطوائف عليه تحت رياسة كرلس الجسور » 
فانتصر عليهم وانضمت مقاطعات (بوركونيو) و (آنجو) و (بروفانس) و 
اختراعه عن يد (غوتنبرغ) الالزاسي في مدينة (ستراسبورغ) سنة 1450 
م/ 4 ه«. ومات الملك لويس الحادي عشر سنة 1483 م/ 888 ه 
وساست المملكة بعد موته ابنته حنّة دي بوجو ء لأن ابنه كرلس الثامن كان 
قاصرا. ثم لما كبر واستلم زمام الملك أضاع وقته وأفقد فرنسا مواردها في 
حروبه التي أقامها في بلاد إيطاليا » فقد غزا مملكة (نابلي) ثم خسرها. 
ومات في سنة 1498 م / 904 ه. 
الملك لويس اللطيف لفرط حلمه وعطفه على الجميع. وحارب في إيطاليا 
الأول فحارب أيضا في إيطاليا وانتصر في (مارينيان) واستولى على 
(ميلانو) وتعاهد مع البابا (لاوون) العاشر » فسمح له الباب أن يعين أساقفة 
فرنسا. وفي أيامه اشتهر القائد العظيم (بايار). وحارب الملك فرنسيس 
الأول أيضا الإمبراطور كرلس الخامس ؛ الذي كان مستوليا على بلاد 
كان قد اكتشفها (خرستوف كولومبس) سنة 1492 م/ 898 ه. وقد اتسع 
تغرب عن ممالكي. ٠‏ 

فقام الملك فرنسيس الأول يحارب ذلك الملك العظيم ودامت الحرب 
بينهما وبين 


- 5856 - 


حلفائهما ثلاثين سنة » وانتهت في معاهدة (كاتو كامبريزبس) سنة 1559 م 
/ 967 ه وقد استولت فرنسا على مدينة (متس) و (تول) و (فردون) 
وأخذت مدينة كالة من الإنكليز » وكانوا تحالفوا مع فيلبوس الثاني خلف 
كرلس الخامس. ومات الملك فرنسيس الأول سنة 1547 م / 954 ه. 
وخلفه الملك هنريكوس الثاني. ومات سنة 1559 م / 967 ه أي في 

سنة المعاهدة المذكورة. وفي هذا التاريخ نهضت فرنسا نهضتها العلمية 
الأدبية العظيمة التي كان أسسها الملك فرنسيس الأول حتى استحق أن يلقب 
بأبي الأدب. فكثر المؤلفون الفرنسيون والمتفننون والمهندسون في كل نوع 

من أنواع العلوم والفنون » ومنهم (مارو) الشهير و (رونسار) و (ربله) و 
(مونتانيو) والأسقف (أميو) وغيرهم. وكان فرنسيس الأول على أحسن 
العلاقات مع السلطان سليمان القانوني » وقد منحه عدة لجار ااي اده 
الشرق ولا سيما في سوريا ولبنان. وهنالك معاهدة طويلة ذات شأن بين 
الملكين في شأن مسيحيي هذه البلاد. 


ظهور المذهب البروتستاني : 

وظهرت في تلك الأيام أيضا الهرطقة العظيمة المسماة بالهرطقة 
البروتستانية التي ابتدعها الراهب (مرتان لوتير) الألماني وأعوانه : يوحنا 
كلويس الفرنسي وزونيكل السويسري » و (هنريكوس) الثامن ملك كلك 
فخرج عن طاعة البابا أمم عظيمة. ولم يزل هذا المذهب منتشرا حتى اليوم 
في بلاد ألمانيا وإنكلترا وبعض الأقطار الأميريكية. 
وقد استبدت ملوك فرنسا في ذلك التاريخ وثقلت وطأتهم على الشعب 
حتى سمي ذلك الدور دور السلطان المطلق. وملك بعد هنريكوس الثاني 
سنة 1559 م / 967 ه فرنسيس الثاني. وفي سنة 1560 م / 968 ه توفي 
وخلفه كرلس التاسع » واستمر في الملك إلى سنة 1574 م/ 982 ه. ثم 
مات وخلفه هنريكوس الثالث واستمر في الملك إلى سنة 1589 م / 498 ه 
ومات » فانطفأت بعده أسرة (فالوا) المالكة لأنهم لم يكن لهم خلف ذكر » 
فقامث بدلا منها أسرة (البوربون) المتسلسلة عن الولد الأصغر للملك لويس 
التاسع القديس والمالكة إلى سنة 1848 م/ 1265 ه. أما ملك فرنسا 
هنريكوس الثالث الذي اقترن بملكة (اسكتلانده) الكاثوليكية الشهيرة (بماري 
ستوار) فإنه لم يذكر له التاريخ 


-587- 


أثرا سوى تجسم الأحزاب في فرنسا بين البروتستانت والكاثوليك. وكانت 
الملكة ستوار تشايع الكاثوليك وتقاوم البروتستان حتى إنها أحرقت أخيرا 
شهيدة الكثلكة. 

وقد طالت الحرب بين أهل المذهبين وأريقت الدماء وقتل عدد من 
الوزراء ووجوه القوم من كلا الفريقين » حتى تملك أخيرا على فرنسا 
هنريكوس الرابع سنة 1589 م/ 998 ه وكان بروتستانيا إلا أنه سنة 
3 م/ 1002 ه ترك مذهبه وصار كاثوليكيا ليرتضيه الفرنسيون ملكا 
النزاع بين الكاثوليك والبروتستان وأصدر أمرا يعرف بمنشور (تنط) منح 
فيه حرية الدين للبروتستان » وانهى الحرب مع إسبانيا بمعاهدة (ويروين) 
واجرى بواسطة وزيره (سولى) عدة إصلاحات تتعلق بالزراع والطبعة 
السفلى من الشعب. وفي أيامه بنيت في إمريكا المدينة الإفرنسية الآأولى 
المعروفة باسم (كيبك). ثم قتل الملك أحد المتحزبين المتطرفين » واسم 
القاتل فرنسيس رارايك في 14 أيار سنة 1610 م / 1019 ه. 

وكانت حدود فرنسة فى تلك السنة على هذه الصفة » وهى : أن هذه 
المملكة كانت تمتد من الجهة الشمالية إلى نهر السوم عدا شاطىء البحر 
حيث كانت تصل إلى مدينة كاله. 

أما المقاطعتان الحاليتان (فلاندره) و (أرتوا) فإنهما كانتا ملحقتين 
بإسبانيا. وكانت فرنسة تملك من الجهة الشمالية الشرقية مدينة (متس) و 
(تول). وأما بلاد الألزاس واللورين و (الفوج) فكانت تخص مملكة ألمانيا 
وفي الشرق كان نهر السون يحد فرنسة ومقاطعة (البرسمونيو) على يمينه 
ملحقة بفرنسه وعلى يساره مقاطعة (الفرانش كونتى) ملحقة بإسبانيا. 
وكانت مقاطعة (الساوا) و (كونتيته نيسى) في الجنوب الشرقي خاصة 
(دوك سارا). وكانت مملكة فرانسة في جهة الجنوب منفصلة عن جبال 
البيريين بمقاطعة (الروسيون) التي كانت بعد إسبانيولية. وكانت مقاطعتا 
(البيارن) و (النافار) مستقلتين. وكانت المستعمرات الفرنسية محصورة في 
بلاد الكندة من إمريكا لا غير. 

ولما قتل الملك هنريكوس الرابع كان ابنه لويس الثالث عشر لا 
يتجاوز التاسعة من عمره فنابت عنه أمه (ماري دي ميدى) من أسرة 
إيطالية معروفة » فالتفت حولها حاشية إيطاليانية أضرت بمصالح فرنسة 
كثيرا » وهذه الحاشية تعرف بأسرة كونسينى » فاضطربت 


- 5858 - 


المملكة واجتمع المجلس العمومي المؤلف من ممثلي (الإكليروس) والطبقة 
الثالثة من طبقات الشعب فلم يحصل من اجتماعه فائدة. ولما بلغ لويس 
الثالث عشر رشده وتولى الأحكام بنفسه ؛ جعل وزيره الأول أسقفا حازما 
صاحب عزيمة يسمى (الكردينال دي ريشليو). أما كونسينى أبو الأسرة 
التي كانت ملتفة حول أم الملك فإنه اعتقل ثم قتل شر قتلة. 

وكان أول عمل عمله (ريشليو) أنه أكره البروتستان على الخضوع 
إلى الملك واخذ منهم مدينة (لاروشل) المحصنة وارغم الأمراء ووجوه 
الأمة على الخضوع إلى القانون العام » وقتل المتمردين والمخالفين أحكام 
الأوامر التي أصدرها الملك في شأن المبارزة مثل الكونت (مونمورانس 
بوتويل). وبعد أن جعل السلام سائدا في فرنسة هجم على الإسبانيوليين 
وعلى حلفائهم وأخذ منهم ثلاث ممالك عظيمة .ء أي (الألزاس) و 
(الروسيون) و (الأرتوا) » وأجرى إصلاحات عظيمة في داخلية البلاد ولا 
سيما في دائرة الشرطة ودائرة الضرائب » وأنهض بحرية فرنسة وبنى 
الموانىء والمراكب والسفن الحربية » واشترى عدة جزائر في الأنتيل 
الأميركية » وتوصل إلى (مدغسكار) الإفريقية فبنى فيها مراكز مهمة . 
ونششط العلوم والآداب فأسس (الأكاديمية) القانونية. ومات سنة 1642 م / 
2 ه 

ومات بعده الملك سنة 1643 م/ 1053 ه فنابت عن الملك لويس 
الرابع عشر أمه (حنة) النمساوية الإسبانيولية الأصل ؛ لأن الملك الصغير 
لم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره » فاختارت لنفسها وزيرا الكردينال 
(مازارين) صديق ريشليو وتلميذه. ومازارين هذا من مدينة رومية وكان لا 
يحسن التكلم بالفرنسية. وفي مدة نيابة حنّة عن ابنها انتصر الفرنسيون على 
الإسبان وغيرهم لحسن تدبير القائدين الشهيرين كونده وطورين. وفي سنة 
58 تعاهد ملك إسبانيا مع فرنسة وتنازل لها عن بلاد الألزاس. وهذه 
المعاهدة تعرف بمعاهدة نسيتغالي. ثم في سنة 1659 عقدت معاهدة أخرى 
تعرف بمعاهدة بيرين ربحت بها فرنسا مقاطعتي الأرتوا والروسيون. ومع 
هذا كله فإن مازارين كان منفورا من الشعب لطمعه ولأنه أآثقل كاهله 
بالضرائب. ولذا قامت الثشورة في المملكة » المعروفة بثورة الضرائب » 
وتفاقم الشر بين الملك ووزيره وبين وجوه أهل المملكة ومجلس البرلمان 
الذي تحزب إلى القائد. ثم اختلف الثوار مع بعضهم واغتنم مازارين فرصة 
اختلافهم ورجع إلى باريس بعد أن اعتزل الأعمال مدة سنتين » وكان عوده 
إلى باريس سنة 1653 فازدادت 


- 589 - 


هيبته وعظمت صولته » وانحطت المملكة انحطاطا زائدا » إلى أن أنهضها 
من عثرتها القديس منصور دي بول المعروف بمحبة الفقراء. 

وفي سنة 1661 مات مازارين » وكانت فرنسا حينئذ أعظم دولة في 
أوربا » وقام الملك لويس الرابع عشر بتدبير الملك بنفسه ولم يعيّن وزيرا. 
وكان جبارا عنيدا حريصا على كرسي الملك ؛ فكثر العصاة والمتمردون 
وقد عجز عن إخضاعهم » واضطر إلى أن يعين يوحنا كولبير وزيرا 
للبحرية والمالية فأحسن القيام بهما » واعتنى بشان الزراع وأمد التجار 
وخفض الضرائب » وأسس المعامل وقوى البحرية التجارية » واجتهد 
بتحصين البحرية الملوكية » وعين الملك أيضا (لوغوا) وزيرا للجهادية 
فنظم الجندية. ثم إن الملك بعد موت وزيره كولبير اضطبد البروتستان 
وسلبهم الحرية الدينية التي كانوا منحوها من قبل هنريكوس الرابع وريشليو 
» ونادى الملك أيضا بإلغاء منشور «تنط» الشهير. وكان ذا عظمة فى 
قصروية قد يحف به كلائقة طن الأتقاء والخطياء والفلامفة والقزات راوز وراد 
حتى إنه كان يسمى الملك العظيم أو الملك الشمس » وسميت أيامه أيام 
لويس الرابع عشر. 

وفي سنة 1711 مات ابنه ولي العهد . ثم ماتت حفدته ولم يبق له 
وارث سوى ابن حفيده الدوك نورمنديا » وقد استغرق في محاربة دول 
أور ينا هدة كلذت نز لاقيو سمينة رهبا القضياز اككاهرة أذدهت أورجاء 
وقامت فرنسا في وجهها كلها حتى سنة 1668 إلا أن فرنسا بعد ذلك 
أنهكتها الحروب وأخذت ترجع إلى الوراء لا سيما لما تملك على إنكلترة 
غليوم دورانج عدو فرنسا العظيم » فإن فرنسا قد تمكن منها الضعف 
وخسرت كثيرا من بلادها. 

وفي سنة 1715 م / 1127 ه و 1128 ه توفي الملك لويس الرابع 
عشر وخلفه لويس الخامس عشر . وهو ابن حفيده. وكان لويس الخامس 
عشر صغيرا فقام بإدارة الملك بالنيابة عنه جماعة من عظماء المملكة 
خدموا منافعهم الذاتية فعزلوا سنة 1726 م / 1139 ه وتعين بدلهم 
الكردينال فلوري ؛ فتوصل بدهائه إلى أن جعل فرنسا تربح مقاطعة 
اللورين. ثم مات الكردينال فلوري واستقل لويس الخامس عشر بإدارة 
الملكدوكان هنيها بالتلذات«غين ملئفت إلى الملك ؛فاتخطت المملقة في 
زمانه » ونشبت الحرب بين فرنسا وبروسيا مدة سبع سنوات » أي من سنة 
6 م / 1170 ه إلى سنة 1763 وكانت النتيجة انكسار فرنسا برا من 
قبل بروسيا » وبحرا من قبل إنكلترا. وخسرت فرنسا 


- 590 - 


أيضا بلادها في الهند التي كان استولى عليها دوبلكس », وبلادها في كناده 
ولم يبق لها في الهند سوى خمسة بلدان. وانتهت هذه الحرب في معاهدة 
باريس سنة 1763 م / 1177 ه. وفي سنة 1768 اشترت فرنسا جزيرة 
كورس من جمهورية (جينوا) التي ولد فيها نابليون بانابرت سنة 1769 م / 
3 ه 

وفي أيام هذا الملك قام البرلمان الفرنسي يعارض بابا رومية 
والرهبانية » ويحمل عليها حملة شعواء حتى إنه حصل على أمر بإلغائها » 
فأغلقت مدارسها. وكان ولتير وروسو وغيرهما من الفلاسفة يعضدون 
البرلمان بخطبهم ومؤلفاتهم..ومات الملك لويس الخامس عشر وخلفه حفيده 
لويس السادس عشر وكان محبا للخير لكنه كان ضعيفا. 

وفي سنة 1781 م / 1196 ه اتحدت فرنسا مع أميركا بغضا في 
إنكلترا التي تمردت عليها مستعمراتها في أميركا » فانتصرت المستعمرات 
على إنكلترا واستقلّت وأعادت إنكلترة إلى فرنسا عدة مستعمرات كانت 
سبنها منها سنة 1763:غ /1177ه. وحتفت :هذه الجرب بمعاهدة فووجايل 
سنة 1783 م / 1198 ه. وقد كلفت هذه الحرب فرنسا نفقات عظيمة بحيث 
كان عجز موازنتها كل سنة ستة وخمسين مليونا » وتعذر على الدولة جباية 
الضرائب. وفي سنة 1789 م / 1204 ه اجتمع المجلس العمومي الذي لم 
يجتمع منذ سنة 1614 م / 1013 ه فلم يحصل من اجتماعه فائدة. 

وفي خامس أيار من هذه السنة ابتدأت الثورة الفرنسية. وفي هذه 
السنة ينتهي تاريخ الأزمنة الحالية ويبتدئ الجزء الرابع من التاريخ العالمي 
العام. 


الثورة الفرنسية الشهيرة : 

أسدات هذه التررة سو إذاز 6 الملك.ؤفلة اكترافه جالز آي العا وعدم 
المساواة بين طبقات الشعب », فإن جميع الامتيازات كانت محصورة بطبقة 
الأشراف والإكليروس والطبقة الثالثشة من الشعب ؛ وكل الأثقال كانت 
مطروحة على عاتق الفلاحين. 

مبدأ الثورة وتاريخها : 

اجتمع في فرسايل مندوبو الفرق المتنوعة من أهل البلاد وقرروا أن 
يؤلفوا مجلسا مليا تسير فرنسا على ما يراه. وقد تحالفوا على أنهم لا ينفكون 
عن بعضهم إلا بعد تنفيذ ما 


-591- 


عولوا عليه وسمي هذا الحلف حلف ملعب البوم فلم يرض الشعب بذلك. 
وفي 14 تموز سنة 1789 م / 1204 ه أعلن الشعب تمرده على الحكومة 
وهجم على سجن الباستيل وأطلق السجناء وعيّن عريفا لنفسه وأقام حرسا 
وطنيا » وأرغم الحكومة على الاعتراف بأوامره وبقي هذا التاريخ يتخذ 
عيدا للجمهورية إلى اليوم. ثم حدث شقاق ديني اضطرب له الملك والمجلس 
الملي وأصبح الملك لويس السادس عشر في خطر. غير أن المجلس تعهد 
بحمايته على شرط أن يكون حكمه بعد الآن مبنيا على ما يراه المجلس 
وفي تلك الأيام اشتهر الخطيب (ميرابو). وظهر العلم الفرنسي الذي 
أضيف إليه اللون الابيض رمزا لوقوع التراضي بين الملك والامة » واللون 
الأزرق شعار الملك » والأحمر شعار باريس. وقد قسمت فرنسا في تلك 
الأيام إلى 83 مقاطعة وبقيت هذه القسمة إلى اليوم. وفيها قرر المجلس 
التشريعي ضبط أوقاف الكنائس وأموالها على أن تقوم الدولة باحتياج 
الكهنة » وأن تعم المساواة بين سائر الطبقات وتلغى الامتيازات القديمة. 
وذلك كله في سنة 1791 م / 1206 ه فشقت قضية ضبط الأوقاف على 
البابا وعارض بها » فقام الاضطهاد على قدم ضد الكهنة » فهاجر بعضهم 
وتبعهم عدد كبير من الأشراف وكثر الهرج والمرج ؛ وكانت النمسا تساعد 
المهاجرين فأعلنت فرنسا عليها الحرب وقد تطوع فيها مائة ألف فلم 
يظفروا من النمسا بطائل وأصبح الوطن في خطر. 

وفي أواخر تموز سنة 1791 دخل البروسيون فرنسا وقامت الحرب 
بين حرس الملك السويسريين وبين الثوار » وانجلت عن قتل الكثيرين من 
السويسريين وسجن منهم عدد عظيم » وحكم المجلس التشريعي على الملك 
بالحبس ». وقرر أن يعقد اجتماع لتأليف حكومة فرنسية جديدة وان يفرج 
عن الملك . فرفض الثوار هذه المقررات وزجّوا العائلة الملوكية في سجن 
الهيكل. وكان البروسيون في ذلك الأثناء يتقدمون في فرنسا » فما كان من 
الثوار سوى أن هجموا على الكهنة والحرس الملوكي وأحزاب الملك 
وأعملوا فيهم السيف مدة ثلاثة أيام وكان ذلك في أيلول 1792. 
البروسيين في فلمى » فهدات الافكار قليلا وانعقد مجلس جديد سمي مجلس 
الاتفاق » فقرر إلغاء الحكم الملكي في فرنسا وبدأ حكم الجمهورية في 22 
أيلول المذكور » وهي الجمهورية الأولى. وقام 


- 592 - 


الجميع على الملك لويس السادس عشر » اتهموه بالمواطأة مع المهاجرين 
والنمسويين وأنه هو الذي كان سببا في إراقة الدماء وحكموا عليه بالقتل. 
وكان ذلك في 21 كانون الثاني سنة 1793. 

ثم اشتد الخلاف بين الجيروندنيين والجبليين » وقتل عدد كبير من 
الجيروندنيين واضطربت العاصمة وقامت المدن على بعضها » وسلمت 
مدينة طولون إلى الإنكليز » وزحفت جيوش النمسا على الحدود » وأريق 
في المملكة الفرنسية دماء غزيرة. وفي تلك الأثناء قام أحد الأحزاب 
وأجرى في كنيسة السيدة في باريس احتفالا سماه عيد العقل البشري » وذلك 
بغضا بالديانة المسيحية » وقد جعل تمثال العقل امرأة راقصة. وجرى غير 
ذلك من الشؤون التي يطول الكلام عليها. 

ثم إن المجلس الاتفاقي عقد مع بروسيا وإسبانيا صلحا شريفا في 
مدينة (بال) وفتحت الكنائس وأعلنت حرية الأديان » وبدأت النهضة 
العلمية. وحررت الأوزان والمقاييس والنقود على نسق جديد » وأعلن 
القانون الجمهوري ؛ ثم انحل المجلس في 26 تشرين الثاني سنة 1795 وقد 
جعلوا مبدأ تاريخهم حادثة الثورة الكبرى التي كانت سنة 1793 وذلك إلغاء 
لذكر المسيح » حتى إنهم غيروا أسماء الأشهر. وفي سنة 1795 المتقدم 
ذكرها كان الجيش الفرنسي يحارب جيوش النمسا فحطمها ذلك البطل 
الشهير نابليون بنابرت وشتت شملها ودوخ بلادها » حتى بقي بينه وبين 
عاصمتها مسير ثلاثة أيام » وذلك في سنة 1796. 


أخبار نابليون بنابرت : 

ولد نابليون في مدينة برينا من جزيرة كورس سنة 1769 وكان 
ضعيف البنية خفيف العارضين تلقى دروسه في مدينة برينا. ولما كسر 
النمسا تلك الكسرة العظيمة طلب ملك النمسا الصلح واعترف بأن الضفة 
الشمالية من نهر الرين حق فرنسا. ثم إن نابليون طلب أن يؤذن له بالسير 
إلى مصر للاستيلاء عليها والسير بعدها إلى الهند ليقاتل إنكلترا في 
مستعمراتها. فأذن له بذلك وسار إلى مصر واستولى في طريقه على 
جزيرة مالطة » ثم استردها منه الإنكليز بعد سنة » ونزلت عساكر نابليون 
في ميناء أبي قير وانتصر على فرسان المماليك الأتراك في سهل الأهرام ‏ 
ودخل القاهرة وكان الأسطول الفرنسي مرابطا في ميناء أبي قير فقصده 
الأسطول الإنكليزي وكسره كسرة شنيعة. وحاصرت جيوش نابليون 


- 593 - 


عكا ففشلت » وعاد نابليون إلى فرنسا خفية وأبقى القائد كليبر يدافع عن 
مصر. فاغتيل في سنة 1800 م / 1215 ه » وعادت مصر إلى تركيا بعد 
أن حاربت جيوشها الفرنسيين بمساعدة الإنكليز. وقد استفاد العالم الإفرنسي 
شامبوليون من دخوله إلى مصر اكتشاف الخط الهيركليفي. 

هذا ء وإن المجلس الإداري في فرنسا كان في تلك الأثناء يسيء 
الإدارة. فلما رجع نابليون انحاز إليه مجلس الخمسمائة بمساعدة أخيه 
لوسيان رئيس هذا المجلس » فألغى المجلس الإداري والقانون الذي كان 
يتبعه وذلك في سنة 1799 م / 1214 ه » وحصر إدارة الأحكام في ثلاثة 
قناصل »؛ هو أولهم. فكانت الإدارة جمهورية اسما ء بونابرتية عسكرية 
فعلا. وفي سنة 1801 م / 1216 ه انتصرت جيوش فرنسا في (هوهن لن 
دن) واسترجعت فرنسا من إنكلترا جميع مستعمراتها. 

وأمضى نابليون مع البابا بيوس السابع الاتفاق المعروف بالكونكرودا 
» واهتم بتحسين أحوال الحكومة », فأحبه الشعب. وفي سنة 1804 م / 
9 هسمّوه إمبراطور فرنسا ومسحه البابا » ولكنه هو الذي وضع التاج 
على رأسه بيده. وفي سنة 1805 م / 1220 ه حارب النمسا وروسيا 
فكسرهما. وفي سنة 1806 م / 1221 ه حارب بروسيا واحتل جيشه مدينة 
برلين. ثم في سنة 1807 م / 1221 ه أعاد الكرّة على روسيا فكسرها ثم 
تصالح معها. واعتدى نابليون على البابا وأخذ منه رومية واعتقله في 
سابونه ثم في بلاط فوتنبلو » فانحرفت عنه طوائف الكاثوليك » وطرد ملك 
البرتقال من ليشبونه وضبط أملاكه . وأكره ملك إسبانيا على الاستقالة 
وملّك بدله أخاه يوسف بنابرت ملك نابولي » فقام عليه الإسبان فحاربهم 
وقهرهم. ثم أسرع إلى نهر الدانوب وحارب النمسا وقهرها. وفي سنة 
1 م/ 1226 ه بلغ سلطانه الغاية القصوى وأصبحت فرنسا تعد 133 
مقاطعة بدل 84. 
وفي سنة 1812 م / 1227 ه مشى على روسيا بجيش لا يقل عن 
أربعمائة الف مقاتل ؛ فانسحب الروس من أمامه وجوه إلى مدينة 
(موسكو) وكانوا أحرقوا جميع البلاد التي تركوها وراءهم. ومع هذا فقد 
كسرهم كسرة شنيعة. غير أن البرد والجوع لم يبقيا من جيشه سوى 150 
ألفا. فرجع إلى بلاده وفي اثناء رجوعه عارضته معركة 


- 594 - 


أمام ذ نهر البيريزنا » فهلك جيشه ولم يبق منه سوى ألف وخمسمائة جندي. 
فلما سمعت أوربا بانكساره تألبت ملوكها عليه وحاربوه في (ليبزيك) 
فكسروه واحتلوا باريس. فهرب إلى فوتنبلو وتمكن حزب الملكية من 
إجلاس لويس الثامن عشر على كرسي الملك . وذلك في سنة 1714 م / 
0 ه وفي 20 آذار هذه السنة رجع نابليون إلى باريس فانسحب لويس 
الثامن إلى (كان). وبعد مائة يوم من رجوعه مشت عليه جيوش إنكلترة 
وروسياء فكسروا جيوشه وعاد إلى باريس وقذم استقالته فرجع الملك 
لويس إلى عرشه. , 

وأما نابليون الآول فإنه سلم نفسه إلى إنكلترا تخوفا من الشعب » فنفته 
إنكلترا إلى جزيرة القديسة هيلانة » فبقي فيها نحو خمس سنوات في ضنك 
شديد. وفي 5 أيار سنة 1821 م / 1237 ه قضى نحبه وأوصى أن يكون 
قبره على ضفة السين. وهو معدود بين أشهر مشاهير أبطال المسكونة » 
وكان عدوا للحرية مضطهدا للدين » ضرّ فرنسا أكثر مما نفعها. 

ثم إن وزراء الملك لويس الثامن عشر عملوا على الانتقام من أحزاب 
الجمهورية وأحزاب نابليون بنابرت وفتكوا بهم » وقتلوا في مرسيليا عددا 
كبيرا من المماليك الذين كان نابليون أحضرهم معه من مصر ». وسمي 
عمل أولتك الوزراء طور الهول الأبيض. 

في سنة 1824 م / 1240 ه مات الملك لويس الثامن عشر وخلفه 
أخوه كرلس العاشر. وفي أيامه في سنة 1827 م/ 1243 ه انتصر 
اليونانئيون على العثمانيين بمساعدة فرنسا فنالوا استقلالهم. وفي سنة 1830 
م / 1246 ه ثار حزب الجمهورية فاستقال الملك وخلفه لويس فيلبوس 
الأول. وفي أيامه استولت فرنسا على بلاد الجزائر بعد حرب طويلة انتهت 
بخضوع الأمير عبد القادر. وكان هذا الملك محبا للعدل والعلم. وفي سنة 
8 م/ 1265 ه ثار حزب الجمهورية وخلع الملك وأعلنت الجمهورية 
التي تدعى الجمهورية الثانية » وانتخب الأمير لويس نابليون ‏ ابن أخي 
الإمبراطور ‏ رئيسا للجمهورية بتصويت خمسة ملايين و 400 ألف ضد 
مليون و 400 ألف. 

وفي سنة 1852 م / 1269 ه أعلن الرئيس إمبراطوريته على فرنسا 
وملك 18 سنة »؛ وكان عالي الهمة واستفادت فرنسا من وجوده. وفي أيامه 
اتصدك رضت و إبكلخرا وجا عدا تركها فكي خب او راوسا م سرية 
سباستبول وذلك في 8 أيلول سنة 1856 م / 1273 ه. 


- 595 - 


وفيها تقررت حماية مسيحيّي تركيا على فرنسة » ومنعت روسيا من أن 
يكون لها أسطول في البحر الأسود. وفي سنة 1859 م / 1276 ه استولت 
فرنسة على مدينة (نيس) ومقاطعة (البابوا) من النمسا بعد حرب طاحنة. 
وربحت أيضا من إمبراطورية أنان في الصين مقاطعة كوشاشين الست 
التي صارت بعد مستعمرة لها » وبسطت حمايتها على بلاد كامبورج في 
جهات الصين. 

وفي سنة 1860 م / 1277 ه استعمرت فرانسة كاليدونيا الجديدة في 
بلاد أوقيانيا. وفيها وصلت جيوشها إلى سوريا على أثر اضطرابات حدثت 
فيها ء فوسّعت نفوذها الإفرنسي. وفيها أقامت فرنسة الحرب في بلاد 
المكسيك من إمريكا متفقة مع إسبانيا وإنكلترة » فلم تجدهم هذه الحرب نفعا. 
وفيها قاومت فرنسة روسيا التي أرادت أن تملك ابن عم ملكها على بلاد 
إسبانيا. وفيها كان الوزير الألماني بسمارك يرمي إلى توحيد الممالك 
الألمانية تحت سيطرة بروسيا » وإلى نزع بلاد الألزاس واللورين من يد 
فرنسا. وحينئذ اشتد النزاع بين الدولتين وكانت النتيجة إعلان الحرب 
المعروفة بحرب السبعين. 

أسباب هذه الحرب : 

أعظم أسباب هذه الحرب اتساع مملكة بروسيا وعزمها على أخذ بلاد 
الألزاس واللورين » وقوة نفوذها في أوروبا » وإصرار الإمبراطور غليوم 
الآول على ترشيح ابن عمه الامير (ليوبلدي هوهنزلرن) إلى عرش إسبانيا 
؛ وإصرار وزير المانيا الأمير بسمارك على محاربة فرنسا. ولما بدات 
المفاوضة بين فرنسا وألمانيا ‏ بقضية ترشيح الأمير المذكور إلى عرش 
إسبانيا - منع بسمارك سفير فرنسا عن مواجهة الإمبراطور غليوم. فعظم 
هذا الآأمر على الفرنسيين وقاموا وقعدوا من أجله » ثم أعلنوا الحرب على 
ألمانيا فكان الفشل حليف الجيوش الفرنسية في بلاد الألزاس واللورين. 
وزحف الألمان على مدينة سوسدان وحصروها وكان الإمبراط ور نابليون 
فيها فوقع هو وجيشه أسراء في قبضة الالمان » وقامت الثورة في باريس. 

وفي 4 أيلول سنة 1870 م / 1287 ه خلع الإمبراطور وأعلنت هيئة 
حكومة وقتية سميت حكومة الدفاع الوطني » فجهزت الجيوش إلى جميع 
الجهات فكسرتها الجيوش البروسية لأنها كان أحسن انتظاما. ثم اتحد 
البروسيون مع باقي البلاد الألمانية وزحفت 


- 596 - 


جيوشهم على باريس ودخلوا إليها بعد حصار أربعة أشهر ونصف. وفي 
باريس أعلن غليوم الآول نفسه إمبراطورا على سائر البلاد الآلمانية 
المتحدة. وكان ذلك في 28 كانون الثاني سنة 1871 م / 1288 هء 
وأبرمت معاهدة الصلح في مدينة فرانكفور في شهر أيار من هذه السنة 
وغرمت فرنسة خمسة مليارات على أن تسأم مقاطعة الألزاس » سوى 
مدينة بلفور وما جاورها » وسوى ثلث مقاطعة اللورين التي تضم من 
السكان مليونا ونصفا. 

وفي سنة 1875 م / 1292 ه اجتمع المجلس الفرنسي الدولي في 
مدينة بوردو ثم في فرسايل » وسن قانون الجمهورية الحالي » فثار الحزب 
الاشتراكي في باريس فنكلت به الحكومة. 


أسماء رؤساء الجمهورية مرتبة على السنين 


السنة 

18371 المسيو تيرس 

151/3 المارشال ماكماهون 
179 الموسيو جول كيريني 
1877 الموسيو سادي كرنو 
104 كازيمير بيري 
1305 فيلكس فور 

1309 إميل لوبه 

1006 أرمان فالير 

1013 ريمون بونكاري 
16320 بول دي شانيل 
1100 الكساندر ميلران 


أهم ما كان من الشؤون في مدة هؤلاء الرؤساء : 

أهم الشؤون التي كانت في مدة هؤلاء الرؤساء هي : الاتحاد الفرنسي 
الروسي » وسن قانون التعليم الابتدائي المجاني الإجباري » ونقض معاهدة 
الكونكرده التي كان عقدها نابليون 


- 597 - 


الأول بين فرنسا والبابا » واستيلاء فرنسا على مستعمرات في أفريقيا وآسيا 
»؛ فاستولت على تونس سنة 1880 م / 1298 ه وعلى مراكش سنة 1907 
م/ 1115 ه وعلى بلاد سنيكاك والكونغو ومدغسكر في أفريقيا 
والهندوشين الفرنسية وطوكين وأنام في آسيا سنة 1910 م/ 1328 ه. 
وتحسنت العلاقات بين فرنسا وإنكلترة سنة 1898 وفي سنة 1904 م / 
2 ه قصدت التقوّي على ألمانيا المنتصرة في حرب السبعين. 


نوابغ الرجال في مدة هؤلاء الرؤساء : 

نوابغ الفرنسيين الذين اشتهروا في مدة هؤلاء الرؤساء من الشعراء : 
ويكتور هوغو. ومن المؤلفين والممثلين : ألكسندر دوماس » وإميل أوجيه. 
ومن الروائيين : كوستاف فلوبر » وألفونس دودي. ومن المصورين : 
كوربه ء وكوره ء وهيبرو »ء وميه ء وشافان. ومن النقاشين : كربوء 
وفلكير. ومن المهندسين : كارنيه. ومن الموسيقيين : كونو. والكيم اويين 
والأطباء : كلود برنار » ودي شوفرل ٠»‏ وبستور » وبرتلو. 

حالة فرنسا قبل الحرب العالمية : 

كانت فرنسا قبل هذه الحرب أغنى جميع الدول ؛ بما كان عندها من 
الذهب. وكانت على غاية النجاح في صناعتها وتجارتها الخارجية بحيث 
زادت مداخيلها على عشرة مليارات. إلا أنها مع ذلك كله كانت قليلة 
المواليد » إذ لم تزد مواليدها منذ سنة 1871 م / 1288 ه حتى أول الحرب 
على ثلاثة ملايين » بينما زادت مواليد ألمانيا في هذه المدة على خمسة 
وعشرين مليونا. 

الحرب العالمية العامة وأسبابها : 

لهذه الحرب أسباب أهمها تضخم مملكعة ألمانيا وطمعها بالاستيلاء 
على العالم ووعدها في سنة 1905 م/ 1323 ه حكومة مراكش بالمساعدة 
على فرنسا » وطلبها سنة 1906 من فرنسا أن تتخلى عن حقوقها في تلك 
البلاد » ومحاولتها في مؤتمر الجزيرة المنعقد سنة 1907 بأن تخرج فرنسا 
مومع اكان 4 وديا عد سمينة 908] التممبا علي اغتصيانه التونينةة 
وهرسك ؛ ونقضها معاهدة برلين وتحرشها سنة 1910 م / 1328 ه 
بالفرقة التونسية وتعديها عليها » وإرسالها سنة 1911 إلى فرنسا إنذارا ثانيا 


- 598 - 


عليها بهجوم جيشها على مدينة فاس. 

ومن تلك الاآسباب أيضا أن المانيا اتفقت سنة 1912 م / 1331 همع 
بعض الوزراء الخونة في فرنسا على أن تأخذ ألمانيا مائتي ألف كيلومتر 
من الأراضي الفرنسية في الكونغو. ثم في سنة 1913 قصدت ألمانيا تقسيم 
المسيتعدرات البريطانيية وز ادث حدد عجاكزها إلى 900 الك فيبوقت 
السلم » وحينئذ اضطر باقي الدول إلى أن يكونوا على أهبة الاستعداد وأن 
ويه را 

وكانت دولة النمسا فى سنة 1908 قد طمعت بأن تستولى على ممالك 
البلقان واغتصاب بلاد بوسنه وهرسك. وفي سنة 1912 احتجت النمسا 
على زحف جيوش سربيا المتحدة مع اليونان والبلغار على بلاد تركيا. وفي 
سنة 1913 م/ 1332 ه بينما كان ولي العهد الأرشيدوق فرنسيس فردينان 
يزوو:ممالك السلاف ‏ التى كان اغتصيها والحقها يدولكهإذ فاجاه الاغتيال 
فقتل. وكانت هذه الحادثة سببا ظاهريا للحرب العالمية الساحقة. 


رجال العلم في فرنسا : 

من رجال القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر : 
كرتيزيوس وولتير الشهير في الفلسفة العص رية » ولا بروويير المععروف 
بالفلسفة الآدبية. ودي مولان » ودي لابيتال في علم الحفوق. ومابيون 
الراهب البندكتيان » وأفلوري وبرجيه وكينه وغيرهم في التاريخ. وبسويت 
المنفرد في الخطابة » وماليرب » وكونيل » وراسين في الشعر. ولا بواري 
الكيماوي الشهير » وبوفون في علم النبات والحيوان. ومن رجال القرن 
التاسع عشر : توبريان في التاريخ » ودي ميستر في الفلسفة » وكوفيه بفن 
الجيولوجيا (فن طبقات الأرض) وأمبير في العلوم الرياضية » وكوشي في 
الهندسة » ودوما وباستور الشهير مكتشف الميكروب وداء الجرب . 
وترديلون المتشرع. وغيرهم من الخطباء والشعراء والفلاسفة والصحافيين 
الذين يضيق المقام بعدهم. 

انتهى الكلام على التاريخ الفرنسي. 


- 599 - 


[جدول في بيان الأعمال العمرانية 


التي تجدّدت في حلب وأعمالها]”) 

وهذا جدول في بيان الأعمال العمرانية التي تجددت في حلب 
وأعمالها » بعد أن دخلت إليها الحكومة الفرنسية المنتدبة على سوريا. أخذنا 
هذا الجدول من دائرة مصلحة النافعة 2) بواسطة وجيه بك الجابري رئيس 
موتدسين' الدافعة + ْ 

(1) طريق معبدة مفروشة بالرّضاض © » مدحرجة بالدّحروجة » 
أولها من محلة السليمانية بحلب وآخرها مقبرة المسيحيين والفرنسيين 
الحديثة » طولها نحو 1500 متر وعرضها عشرون مترا. 

(2) جسر على هذا الطريق مرفوع على نهر قويق » عرضه عشرة 
أمتار » قواعده بناء بالحجارة وظهره من الحديد والخشب. 

(3) طريق محطة قرية المسلمية » طوله خمسة آلاف مترء أوله في 
شمالي قرية حيلان من طريق البيرة (بيره جك) الأصلي » ثم يأخذ غربا 
إلى المخطة المذكورة: 

(4) طريق معبدة » أولها قرب نهر الفيض في محلة الجميلية بحلب » 
آخذا إلى حارم وأنطاكية » مارا على قرية منيان وخان العسل وأورم 
الكبرى وأورم الصغرى والأثارب وعين دلفي والبركة ودير الرهبان. 
وهناك يخرج منه فرع يمتد إلى مدينة حارم ؛ ثم يأخذ الطريق الأصلي إلى 
جسر الحديد ثم إلى أنطاكية. وقد تم انتظام هذا الطريق إلى حارم. والهمة 
مبذولة بإتمامه إلى أنطاكية. 


(1) هذا العنوان إضافة من عندنا للتوضيح 

(2) تسمى اليوم «مديرية الأشغال العامة». 

(3) الرّضاض : الحجارة الصغيرة التي رضّت ودقت. والدحروجة : يريد بها الآلة الثقيلة 
المسماة عند العامة بالمدحلة. 


- 600 - 


(5) طريق معبدة من محلة الجميلية بحلب إلى قرية الأنصاري » 
طولها ثلاثة آلاف متر وعرضها ثمانية أمتار. 

(6) فرع يخرج من الطريق عدد (4) من قرية أورم الصغرى » فيمر 
على كفر حلب والمعارة وتفتناز » وبنّش وإدلب وريحا ء والروج وفريكه 
وجسر الشغر » متجها منها على الاستقامة إلى اللاذقية. وقد تم تعبيد هذا 
الفرع إلى قرب إدلب. والهمة مبذوله بإتمامه إلى جسر الشغر. طوله مئة 
وعشرة كيلومتر. 

(7) العناية مصروفة الآن إلى إخراج فرع صغير من قرية تفتناز إلى 
سراقب وخان السبل ومعرة النعمان وخان شيخون وحماة. 

(8) جسر على نهر قويق في كل من قرية : فافين » وحاسين » ودابق 
؛ ويحورته. مع ترميم جسر السموقة وتجديد جسر دويبق. 

(9) جسر الناعورة في حلب ؛. ظاهر باب الفرج » عرضه ثمانية 
عشر مترا. بنى بالجمنتو المسلح » وهو بدل الجسر القديم الذي كان لضيقه 
يطغى نهر قريق في بعض السنين فيغرق ما جاوره من البساتين والمنازل. 

(10) العناية مصروفة الآن إلى إكمال جسر على نهر الساجور ذي 
ثلاث قناطر » سعة كل قنطرة عشرة 

أمتار » يبنى بالبرتون المسلح. 

(11) العناية مصروفة الآن إلى إكمال جسر على النهر الأبيض 
شمالي مدينة جسر الشغر » على بعد خمسة أميال منها. وهو يشتمل على 
2 قنطرة ويبنى بالبرتون المسلح.(12) حديقة عمومية تبلغ مساحتها نحوا 
ون كمس حدس القادراح ساح يرية السك في يكلب روه فسنيكة 
محاطة بدربزون من الحديد » أنشئ في غربيها مستوصف حافل مشتمل 
على تسع غرف » ومدرسة جميلة تشتمل على أربع عشرة غرفة » ولها 
فتاء واسعمعة للألعاب التريضنية. 

(13) بناية في فسحة الناعورة ) ؛ خارج باب الفرج ؛» فخمة ضخمة 
معذة لاجتماع المجلس النيابي » تشتمل على اثنتي عشرة غرفة عليا وسفلى 
» وعلى بهو طوله عشرون مترا وعرضه اثنا عشر مترا » مفروشة أرضه 
بالرخام الإيطالي » قد رفع تجاه هذه البناية 


(1) في المكان الذي أقيم فيه «متحف حلب» اليوم » أو هو قريب منه. 


- 601 - 


من غربيها نصب تذكاري على نسق المسلات الحجرية ذكرى للجنرال 
بيوت. 

(14) بناية للدرك والشرطة تجاه مخفر الكتاب » تشتمل على اثنين () 
وعشرين غرفة وبهو عظيم » وذلك في أرض مقبرة كان جمال باشا درس 
ما فيها من القبور وجعلها قاعا صفصفا » وسمح بها للبلدية تعويضا لها عما 
ينقصها من قيمة الدار التي ابتاعها منها وسماها سليمان الحلبي وجعلها دارا 
للمغلعات ْ ْ 

(15) حديقة بديعة واسعة تربو مساحتها على عشرة آلاف ذراع » 
أنشئنت فى أرض مقبرة العيبّارة الصغيرة © » بعد أن جردت من القبور 
وجعلت قاعا صفصفا. وقد ابتاعتها البلدية من دائرة الأوقاف , كل ذراع 
مربع منها بذهب عثماني. على أن هذه الحديقة ‏ وإن تكن مساحتها دون 
مساحة حديقة برية المسلخ ‏ إلا أن البلدية اعتنت بشأنها أكثر مما اعتنت 
بشأن حديقة برية المسلخ » حتى صارت تعد من أعظم حدائق سورية بحسن 
مناظرها وبدائع تقاسيمها الهندسية وأنواع زهورها وأشجارها. 

(16) دار حكومة تشتمل على بهو و 24 غرفة عليا وسفلى » في كل 
من مدينة : عزاز » وجرابلس » وقرية الزيادية قرب نهر عفرين » ومعرة 
النعمان » وجسر الشغر » وحارم. 1 

(17) مدرستان ؛ إحداهما في مدينة إدلب والأخرى في مدينة حارم. 

(18) طريق بين قاطمه وبين ميدانكي » طوله 12 كيلومتر. 

(19) جسر جديد على نهر عفرين » في الطريق الممتد بين حلب 
واسكندرونة. 

(20) طريق بين حارم وسلقين طوله 13 كيلومتر. 

(21) جر ماء عين في قرية مرتين إلى مدينة إدلب بواسطة مضخة 
ومواسير حديدية. 

(22) العناية مصروفة الآن إلى إكمال إنشاء مدارس في كل من 
مركز قضاء : منبج » وجرابلس » وعزاز » وقضاء عفرين. 

(23) فروع عديدة تتفرع من طريق عربات اسكندرونة إلى قرى 
على جانبي هذا الطريق. 


سر رس كا وشا 
(2) تسمى اليوم «المنشية» وكانت تمتد حتى «العبّارة». 


- 602 - 


خاتمة هذا الجزء 
نذكر في خاتمة هذا الجزء ما فاتنا ذكره من الأماكن القديمة التي 
يقصدها السيّاح في مدينة حلب » وبعض جهات ولايتها. 


الأماكن المقصودة في حلب وضواحيها : 

في مدينة حلب أماكن قديمة يقصدها السيّاح للاطلاع على ما هي عليه 
من عظمة البناء والآثار المعمارية وبداعة الطرز » وهي : الجامع الأموي 
الكبير ؛ المدرسة الحلوية . المدرسة الرضائية المعروفة بالعثمانية » 
المدرسة السلطانية تجاه باب قلعة حلب ؛ العمارة الخسروية » جامع العدلية 
؛ جامع الأطروش ٠‏ جامع ألطونبغا » جامع قراسنقر في محلة المقامات - 
وفيها عدة آثار قديمة - عمارة ضيفة خاتون وهي المعروفة باسم الفردوس » 
عمارة الهروي » الدرويشية في تلك الجهة » مقبرة الخليل المعروفة بمقبرة 
الصبالحين + كنيسة البهوة المعدوقة والكنييية الصذز 21 قلعة حلي التجهيرة 
القعدوذة مون عهافب الدنيا + أنو اه الخائياف الناكفة وه تكنان الوز يرا 
وكان الكمفرك» وحان العلبية: 1 

دار الجانبلاط في البندرة » دور آل قطاراغاسي ف فى الفرافرة » مدرسة 
أبي الرجاء في محلة الكلاسة » المشهد » الشيخ محمتن » الشيخ سعيد » 
مشهد الأنصاري » مشهد الشيخ فارس » مشهد الشيخ مقصود , تكية الشيخ 
أبي بكر الوفائي » الثكنة العسكرية » المسجد الذي في داخلها » ؛ مستشفى 
الرمضانية » المكتب السلطاني في محلة الجميلية » مقام مقرٌ الأنبياء 
المعروف باسم قرنبا » بعض أبواب مدينة حلب » جامع القيقان في العقبة » 
والحجر الأسود الذي في ظاهر جواره الجنوبي المحرر بقلم الهيروكليف » 
دور بنى غزالة وبنى صادر فى الجديدة » مغاير الحوّار فى محلة المقامات 
وضتاحية الكاتشية ١ ٠‏ 1 


الأماكن القديمة المقصودة للسيّاح في بعض الجهات التابعة لحلب : 


أنطاكية المعدود 


- 603 - 


من عجائب الدنيا » دفنة المعروفة باسم طواحين بيت المال في ضاحية 
أنطاكية » السويدية المعروفة قديما باسم سلوقية » جبل موسى المشتمل على 
قرية كابوسية وحاج حببلو وخضر بك وغيرها » عين موسى حيث التقفى 
مع الخضر في هذا الجبل على طريق قرية كابوسية. كل هذه القرى من 
أعماق انطاكية هما يل السويدية 

جبل الزاوية » قرية كفر لاثاء خربة البارة في قضاء إدلب » قرية 
كفر نابو » قلعة سمعان العمودي في جبل ليلون المعروف أيضا بجبل 
سمعان » أورم الكبرى في هذا القضاء » قرية الشيخ خروز في قضاء كلز » 
خرابة أفامية وقلعة المضيق من أعمال قضاء جسر الشغر »ء مقام أهل 
الكهف في جبل بناخيلوس قرب مدينة باربوز المعروفة قديما باسم أفسوس 
من قضاء البستان في لواء مرعش . مغائر الصابئية في حرّان ومدينة 
الرها (أورفة) ٠‏ يرابوليس المعروفة باسم جرابلس وهي قاركمش » بتيه ‏ 
قلب لوزة ء قلعة حارم. 


الأماكن التي هي مظنة لوجود العاديات والذخائر النفيسة : 

مما يوجد من هذه الأماكن مواقع متعددة في ضاحية حارة الكلاسة » 
التي هي من القسم المعمور من الحاضر السليماني » حيث وجد عاديات 
زجاجية وأخرى خزفية » مغائر الحوّار التي تلي هذه المحلة » خان في 
تصرف ورثة المرحوم أسعد باشا الجابري في جهة باب النيرب » فقد ظهر 
في بعض أسسه مغار وجد فيه ظروف زجاجية قديمة » قرية النيرب ظهر 
فيها بعض نواويس تشتمل على قطع ذهبية وفضية » قرية مسطومة بين 
إدلب وريحا ظهر فيها بعض ظروف فضية » خرابة الرقة من الجزيرة » 
التي لم يزل يظهر فيها عاديات قديمة عربية وغيرها » رصافة هشام التي 
لم يزل يظهر فيها آثار فضية وزجاجية » خرائب جرابلس التي نقل منها 
ومن أطرافها ما يعسر عذه من العاديات. 

جميع هذه الآثار أشرنا إليها في محالها من الجزء الثاني من كتابنا هذا 
» فلتراجع 


- 604 - 


انتهى الجزء الثالث من كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب 
ويليه الجزء الرابع المشتمل على الباب الثالث المفتتح بقولي : 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام 
على من لا نبي بعده (0) 


)(1) انظر ما كتبناه عن فقدان الجزء الرابع المخطوط من «نهر الذهب» في تقديمنا للجزء 
الأول. هذا وقد جاء في خاتمة الجزء الثالث من الطبعة الأولى ما يلي : (تم طبعه في 19 
صفر الخير سنة 1345 ه وفي 28 آب سنة 1926 م - المطبعة المارونية في محروسة 
حلب). 

هذا » وسوف تقوم دار القلم العربي بإعداد الجزء الرابع ‏ وهو الأخير ‏ وإنجازه 
بإشراف الأستاذ محمود فاخوري وفق المنهج الذي اتبعه المؤلف في الأجزاء الثلاثة السابقة » 
حتى الوقت الحاضر. يضاف إلى ذلك تراجم الأعلام الذين وردت أسماؤهم في تلك الأجزاء 
وأحالها المؤلف إلى هذا الجزء الرابع » وبذلك يكون تمام الكتاب. والله الموفق. 


- 605 - 


- 606 - 


من كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب 


كلمة لابد منها بحس اسه السو سوس و وو 0 
مقدمة المؤلف 1111111 
ادال فى دكن رامع .التق رطنت حلب و مها عها ».و الذول الذي ذولتها قبل 
الفتح الإسلامي 0 
إجمال في ذكر الدول والرجال الذين تولوا حلب بعد أن فتحها المسلمون 13 
خبر فتح حلب عن يد المسلمين 1 
حوادث حلب أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. فيه نقض أهل قنسرين 
وفتحها عن يد السمط الكندي » وغير ذلك 0001111111 
حاضر حلب 1 
أول مدربة في الإسلام 1 
تأمير خالد 1111 1 10111 
عزل خالد بن الوليد عن قنسرين 1 
خبر من جلدوا في الخمر 01 
طاعون عمواس “ب000 |[ ١‏ 
خبر عام الرمادة 20 
بقية الحوادث في أيام سيدنا عمر. فيه ذكر وفاة عياض واستخلاف سعيد بن 
عامر بعده إلخ 0 
أيام عثمان. فيه غزو معاوية الروم » وغزو يزيد بن الحرٌ الصائفة » وغزو 
معاوية قنسرين » وضم حمص وقنسرين إليه بب0000000 


- 607 - 


أيام علي بن أبي طالب » فيه ذكر تفريق عليّ العمال على الأمصار...... 21 


حوادث أيام بني أمية 0 
أيام معاوية. فيه خبر وفاة حبيب بن مسلمة الفهري ؛ والكلام على ضم 
قنُسرين إلى حمص » وترتيب خراج قنسرين 0 
تجنيد قنسرين وتسمية حلب بالعاصمة 0 
عمّال قنُسرين وحمص من سنة 45 إلى 59 ه ١1‏ 
أيام يزيد بن معاوية و ا مام السو 01 
وصول رأس الحسين إلى حلب ا 110 100001 
أيام معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان 0 
غزوات بني أمية الروم » وغير ذلك ا ا ا 2 


أيام الوليد بن عبد الملك. وفيه خبر غزو ملمة الروم » وغزو العباس 
الصائفة » وعزل محمد بن مروان بمسلمة . والكلام على الناعورة » 


وزلزال بالشام » وانتقاض قنسرين وفتحها 0 
أيام سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز 00000 


أيام يزيد بن عبد الملك وهشام أخيه. فيه خبر عزل الوليد بن هشام المعيطي 
عن الأحصّ وتولي الوليد بن القعقاع قنّسرين أو عبد الملك بن قعقاع الذي 
ينسب إلى أسرته حيار بني عبس ٠»‏ وطاعون بالشام » وغزو معاوية أرض 


الروم » وغير ذلك ا ا 20 
أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك. فيه خبر تولية يزيد بن عمر » وتذيب 
سلفه حتى مات 20 


أيام يزيد الناقص بن عبد الملك وإبراهيم المخلوع. فيه خبر خروج يزيد 
الناقص على أخيه » وقتل والي قنسرين بحلب » وتولية عبد الملك الغنوي 
عليها » وقتل الحكم. وعثمان » ويوسف بن عمر الثقفي » وغزو الوليد 


الصائفة » وبناء حصن مرعش ماه ام ب مر 6م عه عر 8 هار 6 6م مه هه هزه وارها اهار 66 6 ماه 27 
حوادث أيام الخلفاء العباسيين وموس اماماي اصع ا 20 
أيام عبد الله السفاح. فيه ذكر مبايعة السفاح » وقتال عبد الله بن عليَّ مروان 
2 


- 608 - 


وتقليد أخيه حلب وقنسرين » وخروج أبي الورد الكلابي على العباسيين 
وقتله » واستيلاء «السفياني» على حلب ثم أخذها منه » وغير ذلك 2 
أيام ابي جعفر المنصور. وفيه خبر تولية زفر بن عاصم على حلب », وقتال 
أحى يعمل لعلف لله وق تولنة .د فم السساء. كمووض اث عر ليه وتواية لالت 
بن علي حلب وقنسرين » وبناء قصر بقرية بطياس » وغزو صالح الصائفة 
ومعه أختاه » وخروج الراوندية بحلب وحرّان » وحجٌ صالح بالناس .....29 
ضرب النقود في حلب. فيه خبر وفاة صالح وتولية ابنه الفضل حلب 
وقنسرين » ثم تولية موسى الخراساني. ضرب السكة بقنسرين » وخروج 
هاشم الخارجي على المهدي وقتله بقنسرين 0١0000‏ 
قدوم المهدي الخليفة إلى حلب. فيه خبر تولية علي بن سليمان على حروب 
حلب وقنسرين والجزيرة » وتولية حلب والشام هارون بن المهدي وغزوه 
الروم ا ل ا ا 31 
قتل الزنادقة في حلب ووصول رأس المقنع إليها 21000000 
أيام الهادي والرشيد. وفيه خبر تولية عبد الملك بن صالح حلب وقنسرين » 
وبنائه قصرا في منبج از[ ز ذ 00001 
ايام الهادي والرشيد د 
عمال حلب من سنة 175 إلى سنة 193. فيه خبر خروج الروم إلى عين 


زربة » تولية خزيمة بن خازم حلب وقنسرين 0 
حوادث أيام الأمين في حلب وفيه خبر تولية عبد الملك بن صالح قنُسرين 
ووفاته بالرقة 0 


حوادث أيام المأمون في حلب. وفيه خبر تولية خزيمة حلب وقنّسرين » ثم 
تولية طاهر بن الحسين » ثم تولية ابنه عبد الله مصر والشام » ثم تولية 


العباس بن المأمون حلب وقنسرين والعواصم 0 
قدوم المأمون إلى حلب » وفيه خبر تولية عيسى بن علي حلب » وتولية 
عبيد بن جنّاد القضاء » وغير ذلك عي ا 10 
حوادث أيام المعتصم بحلب. وفيه خبر وفاة العباس بن عبيد الله في منبج » 
وتولية 


- 609 - 


عبيد الله بن عبد العزيز حلب وقنسرين. وفيه ذكر أول من أظهر البرطيل 


بالشام ي ‏ امي ‏ ا ا ال 00 
حوادث حلب أيام الواثق. فيه خبر تولية أحمد بن سعد الثغور والعواصم » 
وخبر الفداء مع خاقان وميخائيل » وغزو أحمد بن سعد شاتيا 00 


حوادث حلب أيام المتوكل. فيه خبر تولية «الثثارباميان» حلب وقنسرين 


وخبر صدور الأمر لأهل الذمة بالغيار ا 0 
حادث غريب. فيه خبر زلزال نيسابور وغيرها ز 000 
ولاة حلب أيام المنتصر والمستعين والمعترٌ 000 
أول العمال الأتراك في الشام ااا اا 0 
عمال حلب أيام المعتمد. وفيه خبر بناء «سيما الطويل» دارا بباب أنطاكية 
» وغير ذلك 01 
حوادث أيام بني طولون. فيه خبر عصيان أحمد بن طولون واستيلائه على 
أنطاكية وحلب والشام ال ا 0 
سنة 267 ه خبر الزلزلة. وفيه خبر خروج بكّار الصالحي ودعائه لأبي 
أحمد الموفق 09 0 ا 
عصيان لوؤْلوْ على مولاه 11 151[ 1[ 1[ ا 
قصد ابن طولون الثغور وموته. وفيه خبر تولية ابن دوغباش حلب وتواقعه 
مع إسحاق بن كنداج 0 
سنة 271 ه اتفاق إسحاق مع الأفشين. وفيه خبر قدوم أحمد بن الموفق إلى 
525 

واستيلائه عليها وعلى قنسرين وشيزر » وغير ذلك اذ[ 1 000111111 


عود حلب إلى العباسين وحوادثهم فيها أيام المعتضد. وفيه خبر تقليد 
المعتضد ابنه أبا محمد حلب وقنسرين » وتقليد هذا ولده الحسن المعروف 
بكورة الخراساني حلب , الذي تنسب إليه دار كورة وغيرها » وكان كاتب 


أبي محمد يومئذ الحسين ابن عمرو النصراني » وغير ذلك 201100 
خواذت ايام المكتني: فيه خبر صرف الحسن بن كورة عن ولاية حلب »2 


-610- 


بأحمد النوتجاني » ثم صرف هذا عنها بأبي الأغرٌ السلمي ومحاربته 


القرمطي » وغير ذلك 222111111111300 
حوادث أيام المقتدر. وفيه خبر عيث بني تميم في بلد حلب » وإيقاع الحسين 
بن حمدان بهم » وتولية مؤنس الخادم الشام ومصر » وغير ذلك 3 
حوادث ايام القاهر. فيه خبر قبض الخليفة القاهر مولاه مؤنسا واستبداله 
ببشرى الخادم » وأسر بشرى وخنقه » وغير ذلك 0 


حوادث أيام الراضي. فيه خبر استيلاء بدر الخرشني على حلب , ثم تقليد 
الراضي أبا بكر الإخشيد مصر وأعمالها » وخبر ورود بني كلاب من نجد 
وإغارتهم على المعرة » ودخول ابن رائق حلب واستنابته محمدا بن يزداد 


وسيره لقتال الإخشيد » إلى آخره ااا 
حوادث أيام المتقي 40 
استيلاء الدولة الإخشيدية على حلب وحوادثهم فيها 1[ 1010101010101 
حوادث أيام المتّقي » وابتداء أمر بني حمدان في حلب 000000 
سنة 332 ه وابتداء أمر بني حمدان في حلب وأعمالها 4 
حوادث أيام المتّقي بالله والمستكفي بالله سنة 333 ه 6 
استيلاء سيف الدولة على حلب 1100 101 
غزو سيف الدولة أرض الروم اك 
قصد جيوش الإخشيد حلب » واستيلاؤه عليها م 
سنة 334 ه عود سيف الدولة إلى حلب وهو الاستيلاء الثاني 43 
استيلاء سيف الدولة على دمشق 0110 4 
سنة 335 ه حرب سيف الدولة مع كافور ل 
الفداء بالثغور بين المسلمين والروم اي 0-0001 
سنة 336 هء فيه خبر استيلاء سيف الدولة على حلب وهو الاستيلاء 
الثالث » وخبر غلاء كان بالشام ا م ل ام 44 
سنة 337 ه غزو سيف الدولة الروم وانكساره » وغير ذلك محا نما اقه 


-611- 


سنة 939 ه غزو سيف الدولة الروم 0 


سنة 340 ه موت يماك التركي 4ك 
سنة 341 ه قصد الروم مدينة سروج 41 
مد نهر قويق 0 
سنة 342 ه خروج سيف الدولة إلى ديار مضر وإيقاعه بالدمستق وأسره 
ابنه ا 1 1[ 1[ ا ا 
سنة 343 ه سير سيف الدول إلى الحدث وإيقاعه بجيوش الدمستق .46 
إيفاع سيف الدولة ببني كلاب 110111111100 
سنة 344 ه ورود رسول ملك الروم 0 
خروج سيف الدولة إلى الأعراب وإيقاعه بهم 6[ [ز[ [زؤز [ 0010001 
مسير سيف الدولة إلى الدمستق في حصن الحدث 0000 
سنة 345 ه غزو سيف الدولة الروم 0 اا 
سنة 347 ه الزيادة في الأذان 5 
سنة 348 ه غزو الروم طرسوس والرّها 0 
سنة 349 ه غزو سيف الدولة الروم 00000121 0 11 
الجليد والبرد » وخروج كمين من الروم على ثغر بين أنطاكية وطرسوس 
سنة 350 ه لو وو او ا ل الل ا ل 5 
سنة 351 ه استيلاء الروم على عين زربة ل 
استيلاء الدمستق على حلب 0 
امتناع أهل حرّان على عاملها 0 
الإيغال في بلاد الروم 0 
سنة 353 ه عصيان «نجا» على سيف الدولة ١‏ 
اشنا حرو كل يمد 00 
مخالفة أهل أنطاكية سيف الدولة. وفيه خبر خروج القرمطي على سيف 
الدولة 5 
سنة 355 ه الفداء بين سيف الدولة وبين الروم 50 
سنة 356 ه وفاة سيف الدولة » وبقية حوادث دولته في حلب 0 


-612- 


سنة 378 ه عصيان بكجور وقتله » ووفاة أبي المعالي. وفيه ذكر استعانة 
أي الفضائل يماك اروم حك يان الخليفة القاطاك + 'وسير ملك الروه إلى 


الشام يهدم ويخرب ز 0 1 2< 
سنة 399 ه وفاة لؤلؤ » وخلفه ابنه 0 
سنة 402 ه انقراض دولة بني حمدان من حلب. وفيه خبر إغارة صالح بن 
مرداس على حلب وأسره ثم هربه 1 001 
سنة 406 ه خضيان فتح .على مولاة مرتضبي الدولة ا 
سنة 414 ه استيلاء المرداسيّين على حلب 0 
حوادث الدولة المرداسية في حلب. سنة 415 ه : دفن قاضي حلب حيا.. 60 
سنة 416 ه إسناد صالح الوزارة إلى تاذرس النصراني 0 
سنة 418 ه خروج صالح إلى المعرة واجتماعه بأبي العلاء 0 
سنة 420 ه قتل صالح وولده الأصغر ء وولاية ابنه نصر. وفيه ذكر زحف 
الروم على حلب ا[ 00000 
سنة 421 ه خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى حلب ل 6 
سنة 429 ه قتل شبل الدولة ا ا 60 
سنة 433 ه موت الدزبري واستيلاء أبي علوان على حلب 00 
سنة 440 ه وصول عساكر مصر إلى حلب 0 
سنة 441 ه زحف المصريين على حلب م 
سنة 449 ه تنازل «ثمال» عن حلب إلى المصريين 0 


سنة 452 و 453 و 454 ه. فيه خبر استيلاء بني مرداس على حلب ٠‏ 
واستيلاء هارون التركي على المعرة » وغلاء » وموت . وفتح صحن 
أرتاح من الفرنج » واستيلاء ملك الروم على حصن منبج » واستيلاء البخت 
على حصن «أسقوبا» واسترداده منه ثم هدمه » واستيلاء الروم على منبج 


؛ وقيام الشيعة » ووفاة محمود وتملك ابنه بعده إلخ 1010001 
سنة 468 ه ملك نصر منبج وقتله في حلب م 0 


-613- 


حكم الكو يف يها »ل ذتخولها تحت سلطة الدولة الطلكوقية .وفين ذلك من 


الحوادث إلى سنة 491 ه 06000 
وصول الفرنج الصليبين إلى أنطاكية وغيرها من بلاد حلب 7000 


وفة من كلت الئزنقداه للاستفاثة بالكليقة وطلب النجدة منه. على الخنانيين 
إلخ 


ا وقف ممم و و و و و و و و و و و و ووو ووو ووو ووو ووو 


سنة 507 ه وفاة رضوان وما جرى بعده ا 
انتهاء الدولة السلجوقية بحلب . ودخولها تحت سلطة بني أرتق » وح وادثهم 
فيها » وهم من فروع الدولة السلجوقية 500 ا 
انتهاء دولة بني ارتق بحلب » ودخولها في حوزة أقسنقر البرسقي صاحب 
الموصل » وحوادث أيامه فيها » وهو من رجال الدولة السلجوقية 100110 
دخول حلب في حوزة الدولة الأتابكية وحوادثها فيها » وهي من فروع 
الدولة السلجوقية » من سنة 522 إلى سنة 543 ه 00000 
سنة 544 ه حصر نور الدين قلعة حارم » وغير ذلك 0 
سنة 545 ه استيلاء نور الدين على أفامية 00 
سنة 546 ه انهزام نور الدين وأستق حامل سلاحه » ثم أسر «جوسلين» 
وغير ذلك 12 0:00 
سنة 547 ه انكسار الفرنج عند دلوك 0 
سنة 549 ه ملك نور الدين دمشق وغيرها وس 852 
ا ا 0 
خبر الزلزال وغيره 0000 0-1111 
سنة 554 ه مرض نور الدين » وغير ذلك من الحوادث 1 


أخبار الحوادث من سنة 555 ه إلى نهاية سنة 558 ه. فيه خبر قصد ملك 
إيطاليا البلاد وأخذه أسيرا » وكبس الفرنج نور الدين في خيمته ونجاته ...83 
سنة 559 ه أخذ نور الدين قلعة حارم وبانياس ومنبج » ولعبه بضرب 
الكرة في ميدان حلب » وخبر زلزال في بلاد الشام 84 


-614- 


اتخاذ حمام الزاجل 1111 ا 
ملك صلاح الدين يوسف بن أيوب دمشق وغيرها. فيه خبر قصده حلب » 
انتصار الملك الصالح بأهل حلب والشيعة » وثوب الباطنية على صلاح 
الدين » وإغارة «القمص» على حمص [ [ ز[ز[ز ز [ ز [ [ 0101 1[ 1111 
ملك صلاح الدين بزاعة وعزاز » ووثوب الإسماعيلي عليه ومنازلته حلب 
ورحيله عنها. محاصرة الفرنج حارم. وفاة الملك الصالح. ملك عز الدين 


زنكي حلب واستبدالها بسنجار و و 95 
استيلاء السلطان صلاح الدين على حلب 4 وتقدمة ة صلاح الدين لعماد الدين 
؛ وخلعه على الناس 00 
فتح صلاح الدين حارم. وفيه خبر جعل صلاح الدين ولده الملك الظاهر في 
حلب . ثم الملك العادل » ثم إعادتها لولده ز [ [ ز ز [ ز [ز ز ز [ 0011 
استيلاء صلاح الدين على بيت المقدس » وأخذه من حلب منبرا للمسجد 
الأقصى 000010111 00 
دربساك » وغير ذلك 00000001 0 1 


وفاة صلاح الدين » وولايات البلاد بعده. وفيه خبر محاصرة الملك الأفضل 
والملك الظاهر دمشق ثم انصرافهما عنها وغير ذلك إلى سنة 600 ه ...94 
قصد ابن لاوون الأرمني أنطاكية وغير ذلك 00 
مجيء الملك الأشرف إلى حلب. وفيه خبر تقدمة الملك الظاهر له. تصليح 
قناة حلب. تزوج الملك الظاهر ضيفة خاتون. وفاة الملك الظاهر وقيام 
طغريل الطواشي أتابكا على ولده الصغير. قصد كيكاوس ولاية حلب 
وانهزام عساكره. تفويض الشغر وبكاس إلى ابن الملك الظاهر. خبر التنين 
في جهات كلز. خلعة الملك الأشرف على الملك العزيز ابن أخيه .» ظفر 
التركمان بفارس مشهور من الفرنج وقتله. وفيه غير ذلك من الحوادث 


والشؤون إلى سنة 638 ه 0 
إجمال في الأتراك ا 1 


-615- 


أجناس الترك ومساكنهم 1111111 0000 
تركستان وتاتارستان 1 
كلمة تورك 1 
لغة الأتراك ا دببب11-1-1-1ذ1ذ1د10010121 0 0 
توران أو طوران 00 
أصل الأتراك ودياناتهم 1 
متى بدأ الدين الإسلامي ينتشر في الأتراك ل 10 
السلاجقة والعثمانيون من أصل واحد 1009 
السلاجقة اا ا اماما ااا 00001110000 
جنكز خان اا ذ[ذ[ذ1ذ[ذ[ذ[ذ[ذ[1[ذ[ذز[ز[ذ[ز[ز[ز[ز[ز[ز ز ز 1 1 1 
أسباب خروجه إلى الممالك الإسلامية 8 1515222 ااا 000 
إسلام أولاد جنكز خان ا 11 0000111 
شجاعة الأتراك ااا 0 
معارف الأتراك 1 
علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي 1 
سنة 637 ه وفاة شيركوه ااا 0 
سنة 638 ه : وصول الخوارزمية إلى حلب » وما جرى من الحوادث إلى 
سنة 641 ه ل 1 
سرد الحوادث من سنة 641 ه إلى آخر سنة 656 ه 1 
وصول التتر إلى حلب وما جرى عليها منهم 1 
دخول حلب في حوزة دولة الأتراك المماليك » وحوادثهم فيها 115 
مبايعة الخليفة في حلب 1001-7 0000 
استيلاء المللك الظاهر على يافا وأنطاكية وغيرها من البلاد الشامية ....138 
عود التتر إلى حلب 00101 0 0 
انقراض دولة الصليبين من سوريا وفلسطين 140 


-616- 


عود التتر إلى حلب + وما حدث فيها من سنة 697 إلى 713 ه 000 
غزو بلاد سيس. وفيه خبر إبطال المكوس. تحريم الاجتماع بمشهد 
«روحين» وغيره. نزع كنيسة اليهود من أيديهم. وصول نهر الساجور إلى 
حلب. وفاة ارغون. مصادرة لؤلؤ للناس. عود الغزاة من سيس. تعمير قلعة 
جعبر. محاصرة ميناء إياس. ظهور جمجمة زكريا عليه السلام » إنذار 
العلماء والفقهاء. وصول فيل وزرافة إلى حلب وصول قاض للشافحية 144 
تمزيق كتاب فصوص الحكم. حصار يلبغا لابن دلغار. زلزال عظيم. نقل 
يلبغا إلى دمشق. مسامحة الجند بعلوفة أحد عشر شهرا. تشهير فتاة وقطع 
أذنيها وشق أنفها. ظهور جراد. قيام الأرمن للشورة » قاض للحنابلة 
وصيرورة القضاة أربعة. وغير ذلك إلى سنة 749 ه 0000000010 
طاعون كبير. وفيه خبر طغيان العرب والتركمان في بلد سنجار » حصار 
دمشق » زحف نواب صفد وحماة وطرابلس على حلب . ظهور معي 
النبوة » توجه نائب حلب للقبض على ابن دلغار. غزو أولاد مهنّا التركمان 
في «العمق» إلى سنة 760 ه 1 


إيطان وكلام الدعاري. وفيه خبر منازلة والي حلب جزيرة من ديار بكر. 
(حاشية في الكلام على دولة ذوي القدر). هجوم الفرنج على إياس وفشلهم . 
بناء جامع منكلي بغا. قتل نائب حلب في وقعة مع الأعراب. امتياز 


الأشراف بعمامة خضراء » وغير ذلك » إلى سنة 775 ه 1 
غزو بلاد سيس .. وفيه خبر ظهور غلاء في حلب 15 
قصد تمرباي «سيس» لردع التركمان 1 
ردع خليل بن دلغار 0010 00 
عزل القضاة الأربعة م 10 


-617- 


الحرب مع ابن رمضان » (وفيه حاشية في الكلام على الدولة الرمضانية) 


0 
عصيان الناصري على السلطان 16 
قتال بين أهل بانقوسا وكمشبغا 000 
القبض على منطاش وقتله ا اا 110111110100000 
وباء عظيم اا 1 1 1 000 
قدوم السلطان إلى حلب لحرب تيمورلنك 1 
أول تحرش العثمانيين بالمملكة المصرية 16 
اقتراب شرور تيمورلنك من حلب 1 
إجمال في تيمورلنك 1 
مجيء تيمورلنك إلى حلب » وما أحله فيها من الويل والصخب 166 
نزول أمير العرب إلى حلب 1 
قتال فارس بن صاحب الباز 111 
قصد دمشو خجا بلد حلب 1 
زلزال عظيم. وفيه خبر الملك جكم. تواتر الزلازل 1 
أصل قبيلة آل المهنا » وفيه خبر وصول السلطان إلى حلب 1 
قصد ابن دلغار حلب 1 
قتال أمير التركمان 1 
إبطال مكس البيض. وغير ذلك 1 
قصد «قرا يوسف» حلب 1 
مجيء الأمراء إلى حلب وقتل يشبك اليوسفي. وفيه خبر وباء عظيم » وغير 
ذلك ل ا ا ا م فق م و 17 
إبطال مكس الكثان وتكسير الخوابي 1 
إبطال ما كان يؤخذ من الدلالين ل ا 1 
طاعون 111[ 1[ 00000 
إيطال مكس الزيتون من قرى عزاز ااممرخدف السسا سوط ا ف 190 
احتفال الناس بماء السمرمر 1 


-618- 


إبطال خانيّة قلعة القصير 1 
إبطال مكس الزيت من قرى عزاز 1 
قتال أمراء ذي القدرية مع بعضهم 0000 
محاربة شاه سوار ا ا ا 0 1 
إيطال مكس السلاح وغيره ا م1 
البطش بالحوارنة 155 
محاربة علي دولات 10 
استرضاء السلطان المصري السلطان العثماني 1 
الحرب بن العسكرين : العثماني والمصري 1[ ذز ز ز[ 1 [ [ [ 0000007 
إبطال إقامة المكّاسين ا 0 
إبطال رسم الحنة 1 
الصلح بين السلطانين 000 
منع السقي من ماء الساجور 1 
إيبطال مكس القطن وغيره من المكوس. وفيه ذكر حصار «آق بردي» 
دمشق 000 
حصار «آق بردي» حلب. وفيه ذكر حصار سيباي القلعة 18 
هجوم الشيعي على منلا عرب 1 
نبذة من الكلام على دولة الأتراك » المعروفة أيضا بدولة الأملاك » وعلى 
دولة الجراكسة في مصر والشام ا 
دولة الأتراك 1 
دولة الجراكسة 17 1 0011 
مقتل السلطان قانصوه الغوري واستيلاء السلطان سليم العثماني على مصر 
والشام 0 1[ 1 1 [ 1[ 0 
حوادث الدولة العثمانية في حلب 1 
صلب حبيب بن عربو و 19 
قتل طومان جماعة السلطان سليم م م 199 


-619- 


نفي جماعة من الحلبيين إلى طربزون 199 


الاستئذان عن عقود الأنكحة 1 
هبوب عاصفة شديدة اا 00 
إشهار «جان بردي» العصيان وقتله 111 0007 
عزل «قراجا باشا» عن حلب » وبيان أغلاط في سالنامة سنة 1303 ..200 
صلب نائب حلب » أي قاضيها 11 0 
مقتل «قرا قاضي» ا 201 
عيسى باشا وحالته لج سو ساس اس سب 20 
مجيء السلطان سليمان إلى حلب. وفيه خبر طاعون » وتولية مصطفى باشا 
حلب . وتتبعه قطاع الطريق 1 ا :00 
حريق مو و ا و 201 
طاعون وغلاء وغيرهما. وفيه خبر قطعة من قدح النبي صلى الله عليه 
وسلم 50 اي 001 00000000 
توريث ذوي الأرحام من الشافعية. وفيه ذكر عود السلطان سليمان إلى 
حلب وأمره بعمارة القسطل المنسوب إليه » ووفاة ولده 20 
قدوم كوهر ملكشاه إلى حلب 0 ااا 
طاعون 15 1[ [ |1 1[ ا 00 
إحضار ماء السمرمر إلى حلب 0 
غدر والي حلب بالحلبيين ا 70 
خروج الجراد اا ااا 1 0 
الشركة الشرقية في حلب اا ااا ا 
حريق في حلب »؛ وفساد من العرب ا[ ١11‏ 
فتك إبراهيم باشا بالإنكشارية » وذكر شيء من فظائعهم 000 
تبييض القلعة 0000000 
قيام نصوح باشا على حسين باشا الجانبولاط » وما جرى بينهما 2 
قتل حسين باشا 1 0 0 


- 620 - 


عصيان علي باشا على الدولة وما آل إليه أمره 1 1 1 211 


قتل ملحد 0 
شغب الإنكشارية ااا 0 
إبطال التدخين بالتبغ اا 00 
استطرادافى الكلام على هذه الحشيشة..وفيها خبر:قدوم البيلطان مراد إلى 
حلب وقتل 20 شخصا لشربهم الدخان » وغير ذلك 0 


فساد العرب والإيقاع بهم. وفيه خبر تبدل ولاة حلب » وشيء من سيرة 
حصار السيد أحمد باشا حلب. وفيه خبر تبدل عدة ولاة » وقتل عدد منهم » 


وغش السكة وغلاء » وطاعون شديد » وغير ذلك 21 
فساد العربان والتنكيل بهم. وفيه خبر إكمال عمارة خان الوزير 26 
غلاء وقتل ابن حجازي. فيه خبر حريق بانقوسا » وروشن القلعة . 
وطاعون جارف 10000000 
وضع حد لقرى المقاطعات 00 
غلاء عظيم ؛ يعرف بغلاء الطاقة. وفيه خبر تبدل عدة ولاة » وطاعون 
جارف » وطغيان عربان » وزلزال شديد » وجراد عظيم » واحتفال بافتتاح 
المدرسة العثمانية 000 
غلاء شديد وقتل شيخ المداراتية ا 
وصول سفير العجم إلى حلب 00 
النزالة الإنكليزية في حلب. وفيه خبر مقتلة من الإنكشارية » وكسوف 
الشمس » وغلاء شديد ا اا 000 
برد وغلاء وكساد ا ا ااا ااا 1222*000 
غلاء عظيم 211111111110100 
زلزال مهول. وفيه خبر طاعون 110111111 
ولاية محمد باشا العظم وإبطاله بدعة الدومان وغيرها 20000 


-621- 


نفي نقيب الأشراف محمد أفندي طه زاده. وفيه ذكر فتنة بين الإنكشارية 


والدالاتية ا ا 11111 1[ 1 01 
فتنة بين الأشراف والإنكشارية 00 
فتنة بين الأشراف والدالاتية ااا ااال 
غلاء عظيم ا ا ا ا 2040 
فتن في عينتاب وكلز 240 
صلح اليكجرية مع أهل حلب الما ا امو او ل فق خم 24:1 
تخفيض عدد تراجمة قناص الدول الأجنبية 0 
واقعة جامع الأطروش 00111 اا 

سفر المتطوعة من حلب إلى مصر لإخراج الفرنسيين منها. وفيه ذكر 
زلزلة ة ةزةز زةز ز ز ز 0011 ؤز [ ز[ز ز ز[ز ز ا 0 


إصلاح ذات البين بين اليكجرية والسادات. وفيه ذكر ولاية إبراهيم باشا 
فظاز عائدي: إقار» الحج + ودو لي اننةتطلتة 0 و قكاء :الحلسين تعلده ب يكز 


ذلك 2 
ولاية محمد جلال الدين باشا بن جوبان حلب » وما كان في أيام ولايته من 
الحوادث 11000070000 
عزل قاضي حلب 0 
طاعون جارف ا تن و املع ا 24091 
خروج مناذ من قبل الحكومة 0 
ورود أمر سلطاني بقتل جماعة من اليكجرية 24101 
أمر النصارى بالغيار ا 00 
تأديب حيدر آغا مرسل » وغيره من الخوارج 0 
ولاية خورشيد على حلب. وفيه خبر مقتلة 17 شخصا من الروم الكاثوليك 
ل ل الم ال بو الو ل ل ا م ل قر 20 
حصار حلب المعروف بحصار خورشيد ار 
غريبة 20 
الزلزلة الكبرى في حلب وأعمالها 0 
مقتل نعمان أفندي ابن عبد الرحمن أفندي شريف 0 


- 622 - 


لقاح الجدري البقري. وفيه خبر إلغاء حزب اليكجرية ام 
نبذة في الكلام على هذه الطائفة. وفيه خبر طاعون بحلب ٠‏ والتنبيه بحلب » 


والتنبيه عليهم بأن لا يوجد عندهم أحد من اليكجرية 0 
مقتل أحمد بك قطاراغاسي 1 0 
سفر علي رضا باشا إلى بغداد ااا 0 
إجمال بهذه الأسرة (أي الأسرة الخديوية) ا ل ا 
حوادث حلب أيام إبراهيم باشا المصري 0 
مجيء عسكر الأرناوود إلى حلب 0 
غلاء شديد. وفيه خبر وباء عظيم » وجفاف قويق . وعين التل » والعين 
البيضاء م00 
الفتنة المعروفة بقومة حلب ااا 00 
أسباب هذه الفتنة ا 1 1 [1[ذ[ذ[ [ [ 1 0001 
السبب الحقيقي لهذه الكارثة 0 000000 
كيف كانت الثورة ا 0000 
استطراد في الكلام على احترام رابطة اللسان ورابطة الجوار عند أمة 
العرب في جاهليتها وإسلاميتها 0 
الرابطة اللسانية 0 
رابطة الجوار ا 
النفير العام ا 
وصول السكاير إلى حلب 0 
ظهور بقلة الطماطم في حلب. وفيه شكوى الناس من والي حلب 297 
قطع الماء عن قسطل الرمضانية ا 
تمديد السلك التلغرافي ا ااا 
بناء دور في جبل الغزالات دددبببب001 00 


وصول استعمال زيت البترول إلى حلب. وفيه خبر سقوط برد كبير ...298 


-623- 


تشكيل لواء الزور. وفيه عزل القاضي أبي دية » ووباء في الحجاز ثم في 


حلب ؛ وإحصاء نفوسها 2000 
صدور جريدة الفرات اي ا 1 
سالنامة الولاية 00115101 
غرائب الخلق. وفيه خبر اهتمام الحكومة بجمع بزر الجراد 300 


الشروع بفتح طريق إسكندرونه. وفيه خبر اختناق تسعة أشخاص في مغارة 
البختي ؛ وبرد الهواء بغتة في ريحا ء ومنع زرع التبغ » وإخضاع 


الأعراب » وعود السلطان عبد العزيز من أوربا 00 
حريق أسواق حلب 0000100101 00 ااا 
ميت عاش. وفيه خبر شدة الشتاء » وترميم قناة حلب » والترخيص بزرع 
التبغ » وتبديل سقوف الأسواق » وتعديل الأوزان » وافتتاح دار الإصلاح 
ا ال ا ا ل ان لت ا ل ل ف ا ا ل 0024 3 
سفر الوالي إلى طريق إسكندرونة » وما أجراه من الإصلاح 3205 
تولي الحكومة بريد إسكندرونة اا 000 
ابتداء العمل في محلة العزيزية ا ا 0000 
زلزلة أنطاكية ااا 0100110000 0 
انقضاض صاعقة. وفيه خبر خلق السلطان عبد العزيز ا 507 
صدور جريدة في حلب ا ا اا اا 000 
النفير العام 200 
شتاء شديد 3209 
تشكيل عدلية حلب 2000 
غلاء شديد 00 
صدور جريدة في حلب 1 
حريق في مرعش ا 
سقوط نيزك من الجو 3 
فتح الجادة العظيمة. وفيه خبر طغيان نهر عفرين وهدم قنطرتين من جسره 
ااا ا 


- 624 - 


إنشاء جامع منبج. وفيه خبر انتشار جراد » وسطوع كوكب في السماء » 
وتهطال مطر ء وتسفير عساكر الرديف إلى جهة الرومللي 1 3 


تقديم كتاب «المجلة» إلى القاضي حسين توفيق. وفيه عمل حفلة لافتتاح 
طريق إسكندرونة » وغير ذلك ل 
عزل جميل باشا من حلب » وما يتعلق به 1 
قصد زيرون اغتيال الوالي [ز[ ز ز [ [ز [ز ز ز ز 0 0 


تأسيس مجلة «الجميلية». وفيه جرّ ماء رأس العين إلى مدينة إسكندرونة 


التباس بين مولودين. وفيه خبر زلزال في بعض بلدان الولاية 216 
حريق في مرعش وبيادر حلب ا 0 


تفشي حمى التيفوس في محابيس حلب » وفيه خبر حريق في مرعش » 
ووقوع مطر غزير وظهور مرض الهيضة في جهات الموصل » وظهور 
مرض أبي الركب في حلب » وغير ذلك 1 
سنة 1308 ه : فيه خبر ظهور الهيضة في مسكنة وانتقالها إلى غيرها » 
واعتناء مصلحة الصحة بنظافة حلب وتطهير هوائها ء وغلاء العقاقير 
الطبية » وسقوط برد في البيرة وغيرها » وكثرة الجراد في ولاية حلب . 
وظهور عاديات في جهات أنطاكية ل 31 
سنة 1309 ه : فيه خبر تفشي الهيضة في عينتاب وكلز » وتطبيق قناة 
حلب » وإحصاء رسوم عد الأغنام » وتنظيم جادة » وفتح مستشفى الغرباء 
؛ وغير ذلك اذ[ 1[ [ [ [  [‏ ا 0 
سنة 1310 ه : فيه ذكر وفاة ولدين لأكلهما لب عجو المشمش » وتعمير 
المدرسة الحلوية » وحريق في أنطاكية » وتعمير مستودع الكاز في 
إسكندرونة » ومصادرة الحكومة ملح البارود » وهزات أرضية وغلاء 
التنباك واستعاضته بعرق السوس » وغرق في العمق وغيره » وظهور 


حوت عظيم في بحر السويدية » وغير ذلك 000 3 
سنة 111 ه: فيه خبر افتتاح جادة الخندق 8 ووفاة عدة أشخاص لأكلهم 
لحما مسموما » ومد السلك البرقي إلى الرقة » وغير ذلك 04 


سنة 1312 ه : فيه خبر وفاة الأستاذ الشيخ حسن وادي » واحتراق سوق 
بيلان » وتأليف كتائب الحميدية » ونقل مركز قضاء حارم إلى قرية كفر 


تخاريم ااا 1 1 ز 1 0 
عصابات الآرمن ا ل ا 0 
سنة 1313 ه : فيه خبر تفشي مرض في غنم قضاء جسر الت لشغر » وولادة 
بقرة 


-625- 


برأسين , ووفود جمع عظيم من الأرمن على السويدية 0 


تمرد الآرمن في الزيتون 0 
استطراد في الكلام على الآرمن ومدينة الزيتون اا 


ما تؤاخذ به أمة الأرمن 
سنة 1314 ه : فيه خبر تعمير سبيل الدراويش » وثوراث الأرمن » 
وانقضاض صاعقة في السويدية 4 وسلخ عدة قرى من قضاءي أنطاكية 
وحارم وإلحاقها في قضاء «بيلان» امش ا ال 4 335 
حدوث حرب اليونان. فيه ذكر فرض إعانة على البلاد العثمانية » وتعيين 
شاك ياشا للتجوال في:البلاد العثمانية + وقدومه على كلت » وتتقديم اهل 
حلب إليه اللوائح في طلب إصلاح حلب وولاياتها وجمع إعانة لمهاجري 
«كريد» 0 


عوقو 


فيه ذكر انتهاء عمارة مستشفى الغرباء. بناء جامع ومكتب في مدينة الرّها. 
احتفال بمنتزه السبيل. إحياء ليلة في المكتب الإعدادي باسم جرحى حرب 
اليونان وأيتام شهدائه. سقوط برد في السويدية. ضريبة على الغنم باسم 
مهاجري «كريد». بناء مخفر منتزه السبيل. عواص ف ثلجية في جهات 
مرعش وإدلب وغيرها » وغير ذلك ل 542 
سنة 1316 ه : فيه ذكر نقل مركز قضاء حارم إلى كفر تخاريم » خسوف 
القمر. تسميم امرأة زوجها وبعض أولادها في أنطاكية. وضع أساس منارة 
الساعة في باحة باب الفرج » تعمير مستودع للرديف في كفر تخاريم وغير 
ذلك ا 0 
سنة 1317 ه : فيه ذكر تجفيف مستنقع إسكندرونة. بناء مسجد عند باب 
حديد نانقوسا. بناء عمارة على عين الموقف في إسكندرونة » عمل خريطة 


لمدينة حلب » وغير ذلك م 34 
سنة 1318 ه : عزل رائف باشا عن ولاية حلب 01 


ولاية أنيس باشا على حلب. وفيه ذكر بناء مستودع للمواد النارية. خبر شدة 
الشتاء. حديقة العزيزية. تأسيس ثكنة عسكرية فى إسكندرونة » وغير ذلك 


سنة 1319 ه : فيه ذكر مكتب الصنائع في حلب. وصول آلة لحفر آبار شبه 


- 626 - 


أرتوازية » وسقوط برد في جهات مرعش ؛. وموت سبعة أشخاص أكلوا 
نوعا من الفطر » وسقوط صاعقة في إسكندرونة » وحدوث حريق كبير في 
عينتاب » وسقوط صاعقة على دار لبني صولا في حلب » وغير ذلك.. 352 
سنة 1320 ه : فيه ذكر افتتاح مربى الخيل » ونصب طاحون يدور بالهواء 
» وحدوث سيل جارف » وحدوث هيضة في دمشق .؛ وانتهاء مخفر 
السويدية » وإحصاء مواليد ووفيات في بعض جهات الولاية 310 
سنة: [132.ه: فيه ذكومند النحلك التلدزرافئ: الى الباي» ومعرض في 
المكتب الإعدادي » وظهور وباء في جهات عديدة من حلب » وسيول في 


جهات عينتاب 0 
وفاة علي محسن باشا. وفيه افتتاح معمل لنسج السجّاد د 
سنة 1322 ه : فيه خبر أنتهاء تعمير مستشفى في إسكندرونة » وإحصاء 
نفوس ولاية حلب » وشدة الشتاء 0017 ا 
سنة 1323 ه ٠:‏ الشروع بأعمال سكة حديد حلب حماة. وفيه ذكر انتهاء 
إحصاء النفوس » وغير ذلك واس ااه 
ضريبة جديدة. وفيه ذكر زحف الجراد على ملحقات حلب . وشدة البرد في 
الشتاء » وقدوم عدد كبير من المهاجرين إلى حلب 0 
سنة 1324 ه : فيه ذكر شدة القرٌ» وقدوم مهاجري قفقاس 000 
وصول قطار سكة الحديد إلى حلب. وفيه ذكر إلحاق عدة قرى بقضاء 
أنطاكية كانت من أعمال جسر الشّغر وبالعكس » وغير ذلك 0 
سنة 1325 ه : مصابيح لوكس. وفيه ذكر تخصيص مكان لتربية دودة القز 
؛ وإجراء سباق الخيل » وأول مطحنة نارية كبيرة في حلب 30 
سنة 1326 ه : ذكر زحف جراد على حلب. قدوم والدة شاه العجم وأخيه 
على حلب 5060 
النداء بالنسستون. وقلث الحكؤمة العتمائية من الحالة النطلفة الاسينيدادية الئ 
حالة المشروطية المقيدة لف اتح سخ اس 5300 
العفو عن المنفيين 5600 
صدور الأمر بإطلاق السجناء ااا 


صدور الترخيص بالسفر. وفيه ذكر الاحتفال بزينة » وما جرى فيها » وما 
كان 
ن 


- 627 - 


بعدها من فظائع أرادل الاتحاديين. زحف الجراد على حلب وحدوث غلاء 


وقيام غوغاء للنهب 0 
خطبة عامة في الجامع الكبير ا 0 
افتتاح نادي جمعية الاتحاد 8 اا ااا 
انتهاء مرمّات الجامع الكبير. وفيه القيام باحتفال لوفد من جمعية الاتحاد 
يي ل 0 
إبراهيم باشا ابن معمو التمّو 1 ا 
الشروع بانتخاب النواب المعروفين بالمبعوثان 0 
تنازل السلطان عن أملاكه ومزارعه 0 
ما هي الأملاك السنية والجفاتلك الهمايونية؟ اا 00 
سنة 1327 ه : فيه ذكر تأسيس جمعية الإخاء العربي . ووصول السيارة 
المعروفة باسم أوتوموبيل إلى حلب 0000١0000111‏ 
خلع السلطان عبد الحميد ا 3900 
ذكر شيء من سيرة هذا السلطان 0 
كم سنة بقي سلطانا؟ ذ[1[1ذ[ز 1 ا 
كيف كانت سيرته في رعيته؟ ااا ااا 0 
عدم سماحه عمن يمس شخصه وسلطانه إلخ 00 
استخدامه الرجال في ماربه ا ا ا 0 
استخدامه صحف الأخبار الأجنبية في مآربه 00 
رغبته بالمستخدم المبتلى بهوس 30 
حكاية عن مستخدم من هذا القبيل ا ا 00 
استكثاره من الجواسيس 1[ ز ز ‏ ز [ [ز[ ز ز ز ز ز ز ز[ ز 000 
كراهيته الجمعيات ومنعه استعمال بعض الألفاظ » وتضييقه على المؤلفات 
وصحف الأخبار ز 1 00 
تحرزه المفرط في أكله وشربه ومحلٌ نومه 1 
غناه وحشده الأموال 00 
التغالي بألقابه ومدائحه 0108 ا 
الاحتفال بزينة عيدي ميلاده وجلوسه 3 


-628- 


احتفال السلطان بالأضاحي في عيد الأضحى 0 
وصف قاعة العرش ا اا ااا 1 ا 
وصف المعايدة 0 
خبر زلزال حدث في ذلك الوقت » وثبات جأس السلطان 50 
سلام الخلافة ........ 0 
نبذة في الكلام على الزلزلة ااا 
أسباب الزلازل يي ل ل 0 
بقية حوادث سنة 1327 ه : فيه خبر مشاغب أرمنية في مرعش وأنطاكية 
اا 51 1 1 1 1 00 
مظاهرة في حلب ومقاطعة اليونان. وفيه ذكر تشديد فخري باشا العقوبة 
على المتجاهرين بالسّكر ا 001 0 0000 
سنة 1328 ه : تجنيد المسيحيين والإسرائليين 100 
كلمة في الجزية والبدل العسكري 80 
مقدار الجزية 1 


تتمة حوادث سنة 1328 ه : وفيه خبر إلغاء تذاكر المرور » ووصول 
شعرة من الحلية الشريفة مع السيد بهاء الدين بك الأميري » وقيام طائفة 
الدروز في جبل الدروز » وورود أمر بإبطال التغالي بزينة الميلاد 


والجلوس » وغير ذلك ا 20 
سنة 1329 ه 1[ 1 11010 
شدة الشتاء وكثرة القرٌ والثلج 5 
تأثير الثلج والقرٌ ز [ 1 ز 1 ز ز 1 00 


تتمة حوادث هذه السنة : فيه ذكر كثرة الكمأة » والشروع بمحطة سكة حديد 
بغداد » وقيام الأرناؤد في جهات مكدونيا » وعزل الوالي ». وابتداء حرب 
طرابلس الغرب ا ا 
سنة 1330 ه : سير قطار بغداد. ذكر انتهاء حرب طرابلس » وقيام 


مظاهرة في حلب » وصدور الأمر بإجلاء التليان عن حلب .414 
انتهاء حرب طرابلس وابتداء حرب البلقان مك 4 


سنة 1331 ه : فيه ذكر جودة المواسم » وجمع الإعانة الملّية » وصدور 
الأمر بقبول 


-629- 


عرض الحال باللغة العربية » والشروع بانتخاب المجلس العمومي واغتيال 
نيازي بك ؛ وإعطاء امتياز بتجفيف بحيرة أنطاكية واسترداد أدرنة وقرق 
كليسا » وتجاهر سكان بيروت ودمشق بطلب الإصلاح » وعقد الصلح بين 
تركيا وبلغاريا » والشروع بفرع إسكندرونة من خط سكة حديد بغداد, 
وصدور الأمر بتوحيد الساعات » والترخيص بأن يكون التدريس بالعربي » 


وغير ذلك 11 
سنة 1332 ه : فيه خبر تعليق شاب » وجمع إعانة الأسطول » وغير ذلك 
اا ااااا 110‏ 00 
أول طيارة في جو حلب 0 
الحرب العامة اا 0000 
الدول المتحاربة مع بعضها زيب ةد د 0 0 0 0 اا 
أسباب هذه الحرب : لها سببهان 1 
السبب الأوْليَ ال ااا 
أغراض دولة بريطانيا من هذه الحرب 1 
أغراض دولة فرانسة من هذه الحرب 0 
أغراض الدولة الروسيّة من هذه الحرب ل 
سبب دخول دولة أميركا إلى هذه الحرب 0 
السبب الثانوي لهذه الحرب ا 
بيان أن هذه الحرب كانت مقررة قبل هذه الحادثة 000 
نبذة من الكلام على تضخم إمبراطورية ألمانيا م ا 24215 
لم لم تتفق تركيا مع دول الاتفاق؟ ولم لم تبق على الحياد؟ 16 
تحالف تركيا مع ألمانيا اك 
تصريح بالفوائد التي تقصدها ألمانيا من محالفتها مع تركيا 459 
المقصد الأول اذ 1[ ز[ 1 0 
المقصد الثاني 0 
تصريح في البواعث التي حملت تركيا على الاتفاق مع دولة ألمانيا ....432 
دولة إيطاليا حيال الدول المتحاربة ذا 
منذرات هذه الحرب في حلب قبل ظهورها 1100 
تتمة حوادث سنة 1332 ه 1 


-630- 


سباق الخيل 000 0 


دعوة العرفاء إلى الثكنة العسكرية 1 
إعلان تركيا النفير العام في ممالكها 8 0 
الإدارة العرفية 0 
التكاليف الحربية وحجز أموال التجّار 1 11200111 
تطواف الضباط العسكريين في الخانات 1 
كيف بدأت هذه الحرب 1 
أول تحرش بألمانيا 00 
إعلان روسية وإنكلترة واليابان الحرب على ألمانيا ل 
إعلان إنكلترا وفرنسة وروسية الحرب على تركيا وإعلان تركيا اتفاقها مع 
ألمانيا والنمسا وبلغاريا إلخ 00000 
إعلان تركيا الحرب على الدول الثلاث 1 
إعلان إنكلترة استقلالها بمصر 000 
منع الحكومة إخراج الذهب 0غ 
سنة 1333 ه : فتوى شيخ الإسلام في النفير العام 000 
قدوم جمال باشا إلى حلب 0001211 0 
أمر جمال باشا جلال بك والي حلب بحمل الناس على العمل في طريق 
المركبات 0001011 
وفود استقبال العلم النبوي الشريف 1 
قتلى بالرصاص اذ[ 000001 
خبر استيلاء الجيوش العثمانية على «أردهان» وب 000 
فروغ الفحم الحجري واستعمال الفحم النباتي. وقطع أشجار من البساتين 
ا 
متطوعة الدراويش المولوية 001 
وفود القدس اا ا اا 00 
فرع من سكة حديد الحجاز إلى الترعة لد جما لفطو خف 2146 
إنهاء جسر جرابلس 4466 
وصول الورق النقدي إلى حلب 11 
إعانة الكسوة الشتوية 4410 
مهاجرو مكة 00 1[ ااا 


- 631- 


قانون تأجيل الديون بددب-111111 1 0000 
تعرض إنكلترا للبصرة وتقسيم جيوش تركية 21 
إعلان الحكومة إلغاء الامتيازات الأجنبية ااا 
وفود للقدس ي ة ة ةزذز زذزذزذز ذ ذ ذ2ذ 010121‏ ا 
وصول جنود الألمان إلى حلب 1 
إجلاء أمة الأرمن عن أوطانهم 2451 
الجرب وحمّى القملة اا اا 
غلاء البضائع الأجنبية يذ 1 1[ 0 
تصاعد أسعار الحبوب ا 2350 
حجز الغللات ااا 00 
الجراد النجدي ا -1-دز013121212121 0 ااا 
هدم الحكومة المنازل في جادة السّويقة 0 
قدوم أنور باشا إلى حلب ع 2453 
وفود من بلاد العرب إلى استانبول 1 
أخذ العسكرية أموال التجار 0 
هبوط أسعار الورق النقدي 00000202098 0 00 
تكليف موظفي الحكومة التجار تبديل الورق بالنقود 0 
إحسان الحكومة بالحبوب على خدمة العلم 45 
استيلاء جيوش بريطانيا على البصرة 1 
سنة 1334 ه : تصاعد أسعار الحبوب 1 
عقد شركة نيد لبيع الحبوب ةز ز ز ز ز ز ز 0 0 
فك الحصار عن الدردنيل اذ 0 
قدوم أنور باشا إلى حلب » وتعليق الستار على المرقد الشريف 45 
توزيع البذور والنقود على الزراع ام ا 21 
مكتب المعلمات ااا 0 0 
تشدد العسكرية بالوثائق ا ا 1 
استيلاء الجيوش البريطانية على «قود الإمارة» 24600 


-632- 


إسعاف الفقراء بالحبوب والخبز تماقا وأو او امس ا 


حوادث الأرمن 00 
مشاغب الأرمن في أورفة 0 0100 
حادثة الأرمن في الزيتون ااا 00 
حادثة الأرمن في السويدية 111 00 
أحزاب الأرمن في حلب ...... 1 
أحوال الأرمن في عينتاب وكلز ا ل 0ه 
الحملة على قناة السويس 0 
ما هو الغرض المقصود من هذه الحملة؟ اا 000 
ورود نبأ برقي بنجاح الحملة ا 0000 
عدد الأيام التي أمضتها جيوش الحملة في قطع الصحراء بين بئر السبع 
والقناة 1 
ما لاقاه الجيش من التعب والضنك 000 
عدد عساكر الحملة وعدد عساكر الإنكليز 1 
مساعدة ابن السعود وابن الرشيد » وعدد الجمال التي كانت في جيش الحملة 
ااا ااا 
ثقة جمال باشا بإخلاص العرب 16 
هجوم الحملة على القناة وفشلها » وعدد من قتل وأسر وجرح فيها......470 
مقتل زعماء الجمعية اللامركزية 35 
قيام حضرة الشريف حسين على تركيا 1 
إجلاء أسر من دمشق وحلب 1 
إحداث جريدة في المدينة 0 
وفود إلى المدينة 01017 اا 0 
فتوى في وجوب قتال من خرج على الخليفة اس 4 
قدوم الشريف علي حيدر باشا على حلب ب ل 1 
جودة الموسم ورخص الأسعار 1 
سنة 1335 ه : ملكية حضرة الشريف حسين على البلاد العربية .......474 
وفد من إستانبول إلى البلاد الشامية 000 
سباق الخيل ا ا 000 
دار للمعلمين ودار للحكومة 10 


-633- 


أخبار غزة 1 1 1 1 154151515151515 1 [ 1[ اا 0 
انفكاك مصطفى عبد الخالق عن ولاية حلب 0 
نفى بعض المتلاعبين بالورق النقدي 0000 
قلة الماء في حلب وجرّ ماء عين التل إليها 2470 
الغلاء وضحايا الجوع 1[ ا 
خسوف القمر 00020201210211 ااا 
مقتول بالتعليق ا ااا ا 1 [ذ[1ذ[1[1[ [ [ [ 0 0 22120000 
طوابع على الثقاب ودفاتر اللفائف 1 
تعليق شخصين 0 ا ا ااا 
قدوم إبراهيم بك على حلب. وفيه عزل توفيق بك وتعيين بدري بك » 
وأكياس الرمل 00 12 1 1 1 ااا 
قدوم أحد أفراد الأسرة العثمانية على حلب ا 
توحيد أوائل الأشهر 1 
الأوراق النقدية المعروفة باسم بنكينوط اا 0000 
الورق النقدي » وحالة مرتزقة الحكومة 4 
جالية أهل المدينة المنورة ل 0 
سقوط القدس في يد الإنكليز 00 
عزل جمال باشا وسفره 01 0 
تعيين نهاد باشا قائدا بدل جمال باشا ا ا سي ا ل 
سقوط بغداد في يد الإنكليز » واستيلاء روسيا على بلاد الأناضول .....485 
هبوط أسعار الحبوب وعودها للارتفاع 1 
تشدد العسكرية في القبض على الناس 4256 
تظاهر المستخدمين بالرشوة وسلب الأموال الأميرية 2157 
سنة 1336 ه : اشتداد الجوع وجمع إعانة للفقراء 1 
سقوط المستلط ويافا وغيرهما ل 
عود البرنس عبد الحليم إلى إستانبول 0 
استقراض داخلي 0101011 0 
انكسار روسية اا 0 


- 634 - 


ترخيص الحكومة بنقل الذهب 10 1 1[ 1 اك 


وفاة السلطان رشاد 010101 0 0 0 
عزل بدري بك والي حلب » وتولي عاطف بك 2 
انكسار بلغاريا 49 
فحص فضلة المسافر 01 1ذ[1[1[1[ز[ز[ |[ [ [ز[ [ [  [‏ ا ا ا 
انسحاب الروس من بلاد الآناضول از[ 0 
عود الشريف حيدر باشا إلى الإستانة 1 0 ا 
تقدم جيوش الإنكليز والعرب في جهات درعا وإنهزام المستخدمين.....494 
استبدال والي حلب عاطف بك بمصطفى عبد الخالق بك 2494 
ننه 4.1337 : جل الموطنين من اماك هم 4915 
خبر سقوط دمشق وتشتت شمل الجيوش العثمانية 0000113738 ا 
ستوطريان 106 
انتهاء صحيفة الفرات 6 49 
إبطال القبض على العساكر 210 
حدوث فزع في حلب ل 0000 
نسف محطات وسقوط حمص وحماة وغيرهما اك 
خوف الجنود التركية وموظفي حكومتها وارتحالهم من حلب 407 
تحليق طيارات الإنكليز في سماء حلب 201 
مكدع انا يلفوك جاب 000 
الهدنة بين إنكلترا وتركيا لي 00 
إطلاق المحابيس ا 
صدور أمر الوالي بحل المجلس الذي أمر بعقده 000 
اشتداد الخوف وقيام الأسافل للنهب 499 
انفجار لغم 11 [ز ا 
سقوط حلت 00 
قدوم عرب العنزة إلى حلب و م ون 1 1 500 
جلاء الوالي والقائد والجنود التركية عن حلب . ودخول عساكر الشريف 
حسين إليها ا 1[ [ ز[ز 1 ا 


-635- 


عو "المنامورنين الو اَخَلينَ :على 'استصنخاتية السعلاتك ل لاز 


سفر الوالي والقائد التركيين 501 
محاماة الوالي عن حلب تجاه القائد 50044 
ما كان في حلب بعد وصول الشريف «مطر» إليها ع 3010 
انفجار ألغام دددب11ج01121-1 1 0 
وصول عساكر الإنكليز إلى حلب 5 
واقعة قرب قرية بأليرمون ااا 00 
فرقعة ألغام وقذائف يي ا 
وصول الشريف ناصر إلى حلب وانعقاد مجلس شورى 5 
نادي العرب وجريدة العرب ا 50 
وصول سمو الأمير الكبير الشريف فيصل إلى حلب اب 509 
أخذ الأمير فيصل بيعة الحلبيين لأبيه الشريف حسين بن علي ملك العرب 
سس سس ل 2509 
خطبة الأمير فيصل 5 
سفر الأمير فيصل 0 ااا 
كلمة في بني عثمان ااا 
تناهي السلاطين العثمانيين بالأبهة والعظمة 0 
أسباب انقراض الدولة العثمانية 519 
أسباب سرعة سقوط العراق والشام ا 
ذكر طائفة من الأمور المنفرة التي كانت أثناء الحرب وهي : تهور جمال 
باشا وقلة تبصره ا ااا 00001 
ركوب جمال باشا بالعظمة والأبهة 1 
انهماكه في المعاصي ل 
تسلط المأمورين على التجار » وأخذ الذهب منهم بالورق 0 111000 
إخراج الناس من بيوتهم قهرا ااا 
تظاهر جهلة الأتراك ببغض العرب 0 
تعليم البنات فن الرقص والتمثيل ل 
إفساح الحكومة مجال البغاء د د د دز012 0 ااا 
كتاب «قوم جديد» 0 


- 636 - 


كتاب سيرة النبي 5 


التسرع بإراقة الدماء 0 
تسلط جباة الأموال ورجال الدرك على أهل القرى 5 
حبس الأقوات عن المدينة المنورة وجهات بيروت ع 0 
منع إخراج البضائع من مواضعها 540 
خلاصة في بيان ماجريات الحرب العالمية 0 
مهاجمة الألمان بلجيكة وفرنسة 000010 
طرد الروس غن غاليسا والاستيلاء على وارسوا 540 
هجوم النمسا وحلفائها على صربيا والجبل الأسود 00 
إعلان إيطاليا الحرب على النمسا 51 
إعلان رومانيا الحرب على ألمانيا وحلفائها ااا 00 
إعلان أميركا الحرب على ألمانيا ا 0 
الهرج والمرج في روسيا 0000 ااا 
تفاقم الحرب في الجبهة الغربية ا 54 
رجعا إلى تتمة حوادث سنة 1337 ه في حلب 01 
تجديد جسر الحاج دببب 01010101 0 ااا 
تمثيل رواية باللغة الأرمنية ا 0 
احتلال أنطاكية 51 
صدور جريدة «حلب» اذ 1 1 1 ا 
قدوم الشريف ناصر إلى حلب 549 
الأتراك المرخص لهم بالبقاء في حلب 1 
قدوم الجنرال اللنقي إلى حخلب: وفيه ترجمة خطبته وذكر تجواله في 
الأماكن الأثرية في حلب إلخ ١‏ 
قدوم حاكم سوريا العسكري إلى حلب 11[ [ز[ [ [ [ [ 1 ا 
قدوم رضا باشا الصلح اا 
مأدبة ا ااا اا اا 00 
رجوع الجنرال اللنبي إلى حلب ا ا 
سفر رضا باشا الركابي 0 0 ااا 0 


-637- 


استيلاء العرب على المدينة المنورة 3 
حادثة الأرمن المعروفة باسم فتنة 28 شباط سنة 1919 م 0 
أسباب هذه الحادثة 1111 
كيف كانت هذه الفتنة؟ لي ااا 
ذيول هذه الحادثة الكارثة بي 0 
اجتماع مهم يتعلق بهذه الحادثة 50 
تزلف عظماء المسلمين والنصارى واليهود إلى بعضهم ل 1 50 
عقوبة المعتدين على الأرمن 0 
تسليم السلاح ا ا 10 
منع إخراج الذهب 0 
قدوم الحاكم العسكري على حلب 0 
وصول الأمير فيصل إلى بيروت 11 00111 
قدوم سموٌّ الأمير فيصل إلى حلب » وخطبته اا فا ا 562101 
زيارة سموه المستشفى الوطني ومكتب الصنائع 500 
مأدبة البلدية لسمو الأمير 0002018 0 0 
حفلة الجمعية العلمية لسمو الأمير 0 
وصول برقية من المارشال اللنبي عن اللجنة الدوليّة 5 
عود سمو الأمير فيصل إلى دمشق ا ا ااا 0 
الوفد الدولي واجتماع رجال حلب للمذاكرة بما يجيبونه به 50 
أعضاء المجلس العمومي 0 
افتتاح المؤتمر السوري اا 0 
وصول اللجنة الأميركية إلى حلب واستفتاؤها الشعب الحلبي 50 
قدوم الشريف ناصر إلى حلب وعوده إلى دمشق 50 
عود ناجي بك السويدي 000 000 
سفر سموٌ الأمير فيصل إلى أوروبا 569 
قدوم الأمير زيد إلى حلب ااا 
سنة 1338 ه : انسحاب الجيش الإنكليزي من دمشق وحلب 1 
مظاهرة -1ذ120]1]0]1د0001010121212121 ا 


-638- 


بلاغ مندوب حكومتي إنكلترا وفرنسا 0 


روابط المحبة بين العرب والأرمن في حلب 0 0 00 
عود الأمير فيصل من أوربا 0 
خطاب الأمير في دمشق ااا 
قدوم سمو الأمير فيصل على حلب اا 
سمو الأمير في نادي العرب ا ا 0 
سفر الأمير 0 
تعيين حاكم عسكري على حلب 5 
استقلال سوريا وتتويج سموّ الأمير فيصل ملكا عليها 0 
مبايعة رؤساء الطوائف المسيحية في دمشق لجلالة الملك فيصل الأول 573 
صورة المبايعة ندند د00 ا 
وفد التهاني لجلالة الملك فيصل 51 
والي الولاية ا از[ 1[ 00011 
الاحتفال بالعلم العربي 0000 
زيادة الضرائب والدعوة إلى التجنّد وقيام الفتن في سورية الساحلية....575 
توتر العلائق بين جلالة الملك فيصل وبين الحكومة الفرنسية المنتدبة..575 
أول ما ظهر من نتائج توتر العلائق 0 
ذكر ما حدث في حلب أثناء هذه الحرب 0 
منشور ألقته الطيارة على حلب 0 
والي حلب ا ا 
دخول الجيش الفرنسي إلى حلب . وفيه ترجمة خطبة الجنرال «ده لاموط» 
0 
رفع استقالة ااا 001 اا 
والي الولاية الجديد اي 0011 0 
إجمال في الكلام على الأمة الفرنسية المحترمة لامع ا ا 509 
مملكة فرنسا ومن أين أتى إليها هذا الاسم؟ 5 
ديانة سكان تلك البلاد ا ا اا ااا[ ا 
متى دخلت النصرانية تلك البلاد ا 
أول من تنصر من ملوك فرنسا 0 


- 639 - 


السلسلة الأولى من ملوك فرنسا اذ[ 1 00 


السلسلة الثانية 0 
السلسلة الثالثة 0 
حرب فرنسا وإنكلترا مائة سنة وسنة ١0000010‏ 
انتصار جاندارك 00000000 
أسماء التواريخ العالمية العامة عند الأوربيين 50 
ظهور المذهب البروتستاني ااا 0 
الثورة الفرنسية الشهيرة و لو 5 
مبدأ الثورة وتاريخها 0 
أخبار نابليون بنابرت ااال 
أسباب هذه الحرب (حرب السبعين) 7و0 0000 
أسماء رؤساء الجمهورية مرتبة على السنين 5 
أهم ما كان من الشؤون في مدة هؤلاء الرؤساء 1 
نوابغ الرجال في مدة هؤلاء الرؤساء له 
حالة فرنسا قبل الحرب العالمية 0 
الحرب العالمية العامة وأسبابها اا 0 
رجال العلم في فرنسا اي 1 1 1 1 1 ا اا 
جدول في بيان الأعمال العمرانية التي تجددت في حلب وأعمالها » بعد أن 
دخلت إليها الحكومة الفرنسية المنتدبة على سورية م ا 600 
خاتمة هذه الجزء : فيها ذكر الأماكن القديمة التي يقصدها السياح في مدينة 
حلب وبعض جهات ولايتها 0 
الأماكن المقصودة في حلب وضواحيها 010 
الأماكن القديمة المقصودة للسياح في بعض الجهات التابعة لحلب....... 603 
الأماكن التي هي مظئة لوجود العاديات والذخائر النفيسة امنا 604 
الفهرس ال 0 
الفهورس ا ا 1ن 


- 640 -